السوق السوداء – Black market

المقدمة

      يتزايد اهتمام الاقتصاديين، حالياً، بالبحث في ظاهرة السوق السوداء، ويعرف حالياً بالاقتصاد الخفي. ويرجع هذا الاهتمام إلى عدة أسباب أهمها:

  1. الأموال السوداء هي أحد النشاطات الخفية، فهي تشكل نسبة متزايدة في الناتج المحلى الإجمالي، سواء في اقتصاديات الدول المتقدمة، أو اقتصاديات الدول النامية. والتطور الهائل في المعلومات، ووسائل نقلها عبر الشبكات والأقمار الصناعية، ومجالات التجارة الإلكترونية، طورت البيئة الاقتصادية لرجال الأعمال المسجلين رسمياً، في نشاطات معلن عنها، وأتاحت في نفس الوقت إمكانيات أكبر، للقائمين بالأعمال الخفية، في الاستفادة من المعلومات، والسرعة، والإخفاء، والبريد الإلكتروني، والحسابات السرية في البنوك، والأرقام السرية للملفات، والشفرات، وإمكانية عرض المواد السوداء، عبر التجارة الإلكترونية، وكذلك تجارة الدعارة، وتجارة السلاح. تسحب الأموال السوداء جزءاً من السيولة النقدية المتاحة، استطراداً، تتزاحم مع النشاطات الرسمية في الحصول على أجزاء من السيولة بالنقد المحلي، والنقد الأجنبي. وتشكل جزءاً من الطلب على هذه العملات، فتؤثر في أسعار الصرف.
  2. برامج الإصلاح الاقتصادي، التي طبقت في العديد من دول العالم، ومن أهمها دول أمريكا اللاتينية، ودول جنوب شرق آسيا، أفرزت جوانب سلبية، حيث استغل البعض الحرية الاقتصادية في تهريب الأموال، وتهريب البضائع، عبر المنافذ الجمركية، واستغلال ما قدم لهم من قروض لتمويل نشاطات سوداء، تحت مسميات نشاطات رسمية.
  3. الاقتصاد الخفي وهو جزء من الاقتصاد القومي للدولة، ولكنه غير مسجل في الحسابات الوطنية وميزان المدفوعات. من ثم، لا تستطيع الحسابات الوطنية أن تفصح عن الدخل، والناتج، والإنفاق، والصادرات، والواردات الحقيقية. ومشكلات الاقتصاد الخفي وانعكاساتها على الاقتصاد الوطني غير متاح معالجتها، ومن ثم، قد تتم معالجة لمشكلات نشاطات الرسمية، مثل الانكماش والتضخم، الرواج والكساد، ولكن لا تؤتي النتائج المتوقعة منها؛ بسبب المشاكل المرتبطة بالاقتصاد الخفي وغير المحسوبة. ويتحصل الاقتصاد الخفي على موارد اقتصادية من رؤوس أموال، وأراضٍ، ومبانٍ، وعمالة، تستثمر في عمليات سوداء، غير منتجة اقتصادياً للاقتصاد المدني.

التسعيرة الجبرية

      تعد التسعيرة الجبرية، هي الصورة التقليدية التاريخية من صور السوق السوداء، وهى المعنى الضيق لمفهوم السوق السوداء. حيث تعرف السوق السوداء بأنها سوق خفية Invisible Market، تباع فيها السلعة، بسعر أعلى من السعر القانوني، المحدد لها بواسطة السلطة الحكومية، وتنشأ بسبب تدخل الحكومة في سياسات التسعير. كما تنشأ السوق السوداء نتيجة الالتفاف حول الاعتبارات غير الاقتصادية. وتهدف السوق السوداء إلى منع تأثير فائض الطلب على السعر. وبتعبير آخر، فإن السوق السوداء تنشأ نتيجة الاختلال بميكانيكية الأسعار، وهي مظهر لحتمية تفاعل قوى السوق.

      ويمكن القول إن السوق السوداء، قد نشأت تاريخياً، في أثناء الحرب العالمية الثانية[1]، حين عاشت دول العالم اقتصاديات الحرب، التي اتسمت بتوجيه الموارد الاقتصادية نحو آلية الحرب، مما قلص من حجم السلع المتاحة للاستهلاك المدني، ونقص المعروض منها. وقد تطلب ذلك تقنين الطلب الفردي، واستخدام نظام الكوبونات “حصص الاستهلاك”، الصادرة من الحكومة على مستوى التجار، وعلى مستوى المستهلكين، حيث يتم التوزيع بنظام البطاقات، والحصص التموينية. ولكن، مع زيادة الطلب الفردي، والحاجة الماسة إلى الاستهلاك، والتخوف من توقف العرض مستقبلاً، بدأت تتكون أسواق سوداء، حيث تباع السلعة خارج نطاق السوق الرسمية، بأسعار، أعلى بكثير من الأسعار التي حددتها الحكومة. وساعد التهريب على تكوين السوق السوداء.

      تعرضت الولايات المتحدة الأمريكية، لضغط اقتصادي زائد، خلال الحرب العالمية الثانية. وحاول الفنيون أو الاختصاصيون التقنيون، الباحثون عن التخصص الكفء للموارد النادرة في أثناء الأزمات، في وقت الحرب، اتباع أساليب عديدة لمراقبة الأسعار، خاصة في نشاطين مهمين للمعيشة اليومية هما:

  1. صناعة اللحوم.
  2. صناعة البنزين.

      وعلى رغم الاهتمام الواسع من قبل وسائل الإعلام، والكونجرس، والمحامين، والهيئات الحكومية القوية، فإن نظام الرقابة الاقتصادية كان الدفاع عنه متعذراً في أثناء الحرب العالمية الثانية، وبعدها.

      ومن الأمثلة على ذلك:

      السوق السوداء، التي تظهر نتيجة الأسعار الجبرية، هي ردة فعل على تدخل الحكومات في آلية السوق، حيث يعمل السقف السعري، المحدد من قبل الحكومة، على إيجاد فرق بين العرض والطلب كما هو موضح في (شكل السقوف العليا لأسعار السلع). لنفترض أن الحكومة حددت سعر بيع السلعة أ عند أَ التي هي أقل من P0، وهو السعر الذي تتعادل عنده قوى العرض والطلب للسلعة أ. نتيجة لهذا التدخل، سوف يتوقف عدد من المنتجين عن إنتاج تلك السلع، كما أن عدد المستهلكين سوف يزداد؛ نظراً لانخفاض السعر عن PO. لذا فإن، من البديهي، أن ينشأ طلب أكثر من العرض على تلك السلعة، ويسبب ذلك إرباكاً في سوق تلك السلعة، ويعني ذلك أن الطلب على تلك السلعة لن يتم الوفاء به بشكل تام.

      ومن الأمثلة على ذلك، في أعقاب حرب 1973م، سعى الرئيس المصري محمد أنور السادات إلى وضع حد أقصى لأسعار اللحوم المذبوحة محلياً، “في حدود ثلاثة جنيهات للكيلو”، ووضع وسائل عديدة للرقابة على الأسعار، من أهمها تحديد أيام الذبح، وفتح محال الجزارة ثلاثة أيام في الأسبوع، مع استثناءات للفنادق والمناطق السياحية. وعلى رغم أهمية هذا الإجراء، فإنه لم يحل دون فعاليات السوق السوداء في اللحوم، وارتفاع أسعار السلع البديلة، مثل الدواجن والأسماك.

الدخول الخفية

1. الدخول الخفية الناتجة عن أعمال غير رسمية

      هناك أسباب عديدة تؤدي بالكثير من الموظفين العاملين بالحكومة، إلى الحصول على دخول خفية، بممارستهم أعمالاً لحسابهم الخاص، سواء بالتغيب عن أعمالهم الرسمية، أو خلال أعمالهم الرسمية، منها:

أ.  انخفاض مستوى المعيشة، ومواجهة أعباء التضخم، وعدم القدرة على الهجرة للخارج، والاضطرار إلى ممارسة أعمال خفية.

ب. السرقات من الجهات الحكومية، التي يعملون بها، وشركات القطاع العام.

ج. الاختلاسات.

د. الرشاوى الحكومية، وخاصة التوريدات الحكومية.

      ولقد غزت “النشاطات السوداء” كل النشاطات الاقتصادية، منها النشاطات الحرفية، وتجارة التجزئة، والنقل، وخدمات الأعمال، والخدمات المهنية والشخصية.

      إن هذه النشاطات الخفية لا تدرج ضمن البيانات الإحصائية المتعلقة بالمحاسبة القومية، ويترتب على عدم تسجيل المعاملات، والصفقات المتعلقة بإنتاج وتداول السلع والخدمات “المحظورة”، عدم إدراج قيمة المشتريات لهذه السلع والخدمات، ضمن بنود استهلاك القطاع العائلي، ومن ثم، فهي غير مسجلة ضمن بنود الإنفاق القومي.

      ويعرض (ملحق النشاطات الخفية غير المسجلة ضمن الحسابات القومية) تطور هيكل النشاطات الاقتصادية الخفية وغير المسجلة ضمن إطار الحسابات القومية، حسب نوع النشاط الاقتصادي.

النشاطات الخفية غير المسجلة ضمن الحسابات القومية

نوع الدخول العينية “السرقات” إنتاج السلع والخدمات” المحظور تداولها” الإنتاج القانوني “

غير المعلن”.

طبيعة النشاط الخفي القطاع الاقتصادي
    ·    التقديرات بأقل من القيمة الحقيقية للناتج الزراعي بواسطة المزارعين.

·    الأجور غير المسجلة والمدفوعة إلى الأجراء الموسميين غير المسجلين.

1. الزراعة
إمكانية السرقة من الخامات والمواد الصناعية. تشغيل المخدرات، تقطير الكحول ·    الناتج المسجل بأقل من قيمته الحقيقية في الصناعات (أقمشة – جلود – أخشاب)

·    الأجور غير المسجلة المدفوعة إلى عاملين غير مسجلين، ويعملون خلسة، وبأسلوب غير قانوني.

2. الصناعة
إمكانية السرقة من خامات التشييد.   ·    العاملون لحسابهم الخاص غير المسجلين (دخول السمكرية، النقاشين، المبلطين…الخ)

·    الأجور غير المسجلة المدفوعة لعمال غير مسجلين.

3. التشييد والبناء
السرقات المنتشرة على نطاق واسع بين العاملين في قطاع تجارة التجزئة. توزيع الحشيش، توزيع السجائر، وغيرها من السلع المهربة. نشاطات الحوانيت التجارية الصغيرة المسجلة بأقل من قيمتها الحقيقية. 4. تجارة الجملة والتجزئة
الأطعمة المسروقة بواسطة عمال الفنادق والمطاعم، كذلك السلع التموينية المتسربة من نظام الدعم.   الدخول المقدرة بأقل من قيمتها للمطاعم، والفنادق الصغيرة، والنوادي الليلية، الخ. 5. المطاعم والفنادق
استخدام العربات العامة، ووسائل الاتصال في الأغراض الخاصة.   دخول أصحاب سيارات الأجرة وعربات النقل المسجلة بأقل من قيمتها الحقيقية. 6. النقل والمواصلات
    الدخول المقدرة بأقل من قيمتها الحقيقية للسماسرة، والوكلاء، والمحامين، الخ. 7. خدمات التمويل والتأمين والأعمال
  دخول المراهنات، والمقامرة، والدعارة، ودخول الخدمات المتعلقة بها. خدمات الإصلاح والصيانة، المقدرة بأقل من قيمتها، والدخول المقدرة بأقل من قيمتها للأطباء، والأجور غير المسجلة لخدم المنازل. 8. الخدمات العامة والاجتماعية والشخصية

2. الدخول الناتجة عن التستر على أعمال غير مرخص لها

      تعتبر الدخول الناتجة عن التستر، نوعاً جديداً من الدخول غير المشروعة، في بعض الدول العربية الخليجية، التي تفرض قيوداً على عمالة الأجانب داخل البلاد، حيث يلجأ الأجانب إلى بعض رجال الأعمال، من مواطني الدول الخليجية، ويقدمون لهم راتباً شهرياً، أو سنوياً، أو نسبة من الأرباح، أو ما يتم الاتفاق عليه بين الطرفين، ويصبح المواطن متستراً على الأجنبي، حيث يتنازل له عن حقه في استخدام تراخيص مزاولة النشاط الاقتصادي. وبذلك يحصل المواطن على دخل غير مشروع، كما يقوم الأجنبي المتستر عليه، بتحقيق أرباح طائلة من استغلال التراخيص الممنوحة للمواطنين، والتي ترصد لها موازنة الدولة مبالغ كبيرة في خططها التنموية.

      وعادة، تكون تفاصيل العلاقة بين (المواطن)، والمتَسَتَّر عليه (الأجنبي المستثمر) سرية، ومحصورة بينهما. وفي بعض الحالات يقوم الأجنبي بأخذ صك أو تعهد على المواطن لضمان أمواله المستثمرة في البلاد، يعترف فيه المواطن فيه بأنه مدين للأجنبي بمبلغ كبير جداً، وأنه مستعد لتسديده إليه عند الطلب، أو عند مغادرة البلاد، من دون أي مماطلة؛ أو من دون حاجة إلى مراجعة المحاكم الوطنية. ويرجع ذلك إلى خوف الأجنبي من حدوث أي منازعات من جانب المواطن في المستقبل، قد تكون راجعة إلى استغلاله، في مواجهة السلطات المحلية.

      ويلاحظ أنه في بعض الحالات، يقوم الأجنبي (المتَسَتَّر عليه) بالحصول على بضائع وائتمان باسم (الوطني) المتَسَتِّر، من دون سداد ما يستحق عليه، ويغادر البلاد فيتجه الخصوم إلى المتَسَتِّر الوهمي ويقيمون عليه الدعوى القضائية، ولا يستطيع السداد، بينما يهرب المتستَّر عليه بالأموال خارج البلاد.

      وقد صدر قرار هيئة كبار العلماء، في المملكة العربية السعودية، برقم 91 بتاريخ 22/5/1402هـ، بتحريم التَسَتُّر، باعتبار أن المبلغ الذي يحصل عليه المواطن من الأجنبي (المتستَّر عليه)، يعتبر مالاً بلا عوض لا يستحقه، حرَّمه الحق سبحانه في محكم كتابه حيث قال: )وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ((البقرة: 188). وتوضح الدراسات، التي أجريت عن ظاهرة التستر في المملكة العربية السعودية، أن اكثر النشاطات التي ترتبط بها هذه الظاهرة هي كما يلي:

أ.  في المجال التجاري:

البقالات، ومحلات بيع الأقمشة، ومحلات بيع الفواكه والخضراوات، والسوبر ماركت، والمخابز، والمطاعم.

ب. في المجال الصناعي:

ورش ميكانيكا السيارات، وكهربة السيارات، ومحطات خدمة السيارات وتغيير الزيوت، ومغاسل السيارات، والخراطة، والسمكرة، والحدادة.

ج. المحلات الحرفية:

السباكة، والتركيبات الكهربية، والحلاقة والتزيين، والكي ومغاسل الملابس.

      وتعد نشاطات استقدام واستخدام العمالة، والمقاولات، ثم الخدمات المهنية، والمجال الزراعي أكثر النشاطات الاقتصادية، التي تحدث فيها ظاهرة التستر، التي يحقق منها المواطنون دخولاً غير مشروعة في الدول العربية الخليجية، والتي يمكن أيضا أن يحقق منها الأجانب (المتستَّر عليهم)، دخولاً غير مشروعة، يتم تحويلها خارج البلاد لتصبح دخولاً مشروعة هناك.

      وتشير التقديرات إلى أن عدد القضايا، التي يتم التحقيق فيها بخصوص ظاهرة التستر، في المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، بلغت بين 40 ـ60 قضية، يومياً، تشمل 19 مدينة سعودية، تقوم لجان مكافحة التستر بالتحري والتحقيق فيها، وترفع اللجنة تقريراً شهرياً لأمير المنطقة، مرفقاً به الكشوف، التي تقوم بإعدادها لاتخاذ اللازم.

      وفي حالة ثبوت واقعة التستر، تقوم لجان التستر بالتوصية بما يلي:

أ.  التصفية للمحل، مهما كان نوع النشاط موضوع التستر، تجارياً أو صناعياً.

ب. منع الأجنبي من مغادرة البلاد، حتى يقوم برد كل الأموال المستحقة إلى الحكومة، وإلى الآخرين، ما لم يقدم كفيل غرامً وأداء.

ج. إبعاد الأجنبي المتَسَتَّر عليه من الأراضي السعودية، بعد إخلاء ذمته.

د. الإحالة إلى الجهات المختصة، بتوقيع العقوبات المقررة، والتي تصل إلى السجن، والغرامة، وإلغاء العمل التجاري، وتسديد الديون التي على المتَسَتِّر، والترحيل من البلاد دون عودة للمتَسَتَّر عليه.

      وهكذا، نجد أن مجالات الاقتصاد الخفي، غير المشروع، تعددت وتنوعت، ويزداد حجمها، يوماً بعد يوم، مع كل زيادة تحدث في النمو الاقتصادي، وفي الانفتاح على العالم الخارجي، وتوسع حجم النشاط الاقتصادي بصفة عامة، وما يرتبط به من زيادة في حجم الدخل القومي، وفي استخداماته في مختلف دول العالم.

      وتشير بعض التقديرات، إلى أن نسبة تتراوح بين 50 %، 70 %، من هذه الأموال غير المشروعة، تجري عليها عمليات الغسيل في البنوك العالمية، بحيث يمكنها إزالة البصمات غير المشروعة عنها، والعودة مرة أخرى للاستخدام داخل البلاد بصورة مشروعة، من دون أن تخضع للتجريم أو تتعرض للمخاطر القانونية.

      ويتم ذلك، عادة، من خلال القنوات المصرفية والمؤسسات المالية، عن طريق سلسلة من العمليات المالية، والتحويلات المصرفية، لتغيير معالم النقود غير المشروعة، وتعذر تعقبها، أو التعرف على مصادرها من جانب أجهزة مكافحة التهريب، ثم تعود هذه النقود إلى أوطانها بصفة شرعية، وعادة، تساعد بعض النظم المتبعة، في بعض البنوك، على ذلك، عن طريق فتح حسابات سرية، تسمح للمودعين بعدم الكشف عن أسمائهم أو هويتهم، وتفويض أشخاص آخرين، يمثلونهم في التعامل، يستترون خلفهم.

الرشاوى “الفساد”

      تمثل الرشاوى دخولاً خفية، يتحصل عليها موظفون رسميون، نظير تأدية خدمات، وتسهيل إجراءات تراخيص، والحصول على عقود، وتوريدات لأصحاب نفوذ، يمثلون مصالح “جماعات ضغط” في المجتمع، على حساب تجاهل أفرادٍ وشركات أخرى.

      وعملية الرشوة “الفساد”، تعد إحدى صور ممارسات السوق السوداء، بل هى الطابع العصري لهذه السوق، من حيث أسلوب الممارسة والآثار التي تحدثها. بل إنها فاقت في أهميتها الصور الأخرى، مثل البيع خارج نطاق التسعيرة الجبرية وغيرها، ويمكن عقد مقارنة بين الصورتين، لتأكيد أن الرشاوى تعمل في نطاق السوق السوداء (انظر ملحق المقارنة بين التسعير الجبري والرشاوى).

المقارنة بين التسعير الجبري والرشاوى

الرشاوى ” الفساد “ البيع خارج نطاق التسعيرة الجبرية
  • تتم بمعرفة مسؤولين حكوميين.
  • تسهل إجراءات خدمات، وتراخيص، وتوريدات، ومناقصات، وإنشاء مشروعات، وبيع قيم أصول، ومشروعات حكومية، وتراخيص مرافق بنية أساسية لصالح فئات خاصة دون أخرى. ووضع اشتراطات خاصة معقدة، لا تنطبق إلا على من يقدمون الرشاوى.
  • تسهيل التهرب الضريبي والجمركي، والحصول على الائتمان من البنوك.
  • تحقيق منفعة عامة وخاصة.
  • تقع على الحدود الفاصلة بين القطاع الحكومي والعام من جهة، والقطاع الخاص من جهة أخرى.
  • تعمل في الخفاء، وتحقق دخولاً خفية ضخمة.
  • لا تسجل الدخول الخفية ضمن الحسابات القومية.
  • تنطوي على تبديد جزء من الموارد الاقتصادية، بدون مقابل اقتصادي لصالح المجتمع.
  • تساهم في ارتفاع التكاليف وتحقيق التضخم.
  • لها آثار سلبية على الاستثمار والإنفاق الحكومي.
  • تحدث تشوهات اقتصادية واجتماعية بين الشرائح الاجتماعية في المجتمع.
  • تصدر بقوانين حكومية.
  • تقنين بيع مواد معينة، أو دعم معين لصالح فئات خاصة، تستغلها فئات أخرى، أو تقنين تحريم الاتجار في بعض المواد مثل المخدرات، أو النقد الأجنبي، أو تهريب رؤوس الأموال، أو التستر على المزاولة غير القانونية لبعض نشاطات.

 

  • تحقق منفعة عامة وخاصة.

 

  • تقع على الحدود الفاصلة بين القطاع الحكومي والعام من جهة، والقطاع الخاص من جهة أخرى.
  • تعمل في الخفاء وتحقق دخولاً خفية.
  • لا تسجل الدخول الخفية ضمن الحسابات القومية.
  • تنطوي على تبديد جزء من الموارد الاقتصادية، بدون مقابل اقتصادي لصالح المجتمع.
  • تساهم في ارتفاع التكاليف وتحقيق التضخم.
  • لها آثار سلبية على الاستثمار والإنفاق الحكومي.
  • تحدث تشوهات اقتصادية واجتماعية بين الشرائح الاجتماعية في المجتمع.

      أهم الآثار التي تتولد عن السوق السوداء، في مجال الرشاوى “الفساد”:

  1. زيادة تكلفة السلع والخدمات، والمشروعات، والتعاقدات، والتوريدات موضوع الرشوة.
  2. طرح هذه السلع والخدمات، بأقل من المواصفات القياسية لها، وكذلك انخفاض مستوى الصيانة والضمان.
  3. المتحصلون على الرشاوى، لا ينفقونها بما يخدم التنمية الاقتصادية، ولا يضعون أموالهم على هيئة ودائع ادخارية في البنوك المحلية، وغالباً ما تدور أموالهم في عمليات غسيل الأموال.
  4. انتشار الفساد الاقتصادي، متمثلاً في الرشاوى، يؤدي إلى مزيد من الفساد، للميل إلى المحاكاة، واعتبار الرشوة تكلفة لازمة، وإن كانت غير منتجة؛ للحصول على الموافقات الحكومية، وزيادة دخول المرتشين.
  5. انتشار الفساد بين صغار وكبار المسؤولين الحكوميين، يزعزع الاستقرار السياسي، ويفقد الثقة في مصداقية الحكومات الوطنية، وفي مصداقية الأنظمة الاقتصادية، والقانونية، والسياسية، وفي الأحزاب السياسية، وفي التشريعات، والسياسات النقدية، حتى في جزء من مصداقية برامج الإصلاح الاقتصادي.
  6. الرشاوى الدولية، التي تقدمها الشركات متعددة الجنسيات، لكبار المسؤولين، نظير إنشاء مشروعات قومية، تمتص جزءاً من المعونات الدولية المقدمة من بعض المنظمات الدولية.
  7. لا تعكس الحسابات القومية القيم الحقيقية للتدفقات النقدية، والسلعية، والخدمية.
  8. عدم تضمين الرشاوى في حسابات التكاليف، يفقد مصداقية شفافية قوائم الدخل وقوائم المركز المالي.
  9. في ظل نظم الخصخصة، يسهل المرتشون لأصحاب المصالح، بيع أصول مشروعات حكومية بأقل من قيمتها الحقيقية. ثم يخططون لبيعها في المستقبل، واستغلالها بقيم أكبر بكثير مما تم شراؤها به، ويحققون ثروات طائلة من خلال هذه الصورة للسوق السوداء.

      ونظراً لأن صور البيع خارج نطاق التسعيرة الجبرية، وغيرها من الصور التقليدية للسوق السوداء، قد أخذت في الانطواء، وحلت محلها صور وأشكال أخرى للفساد الأسود، في شكل الرشاوى المحلية والدولية، بصفتها جزءاً من الاقتصاد الخفي، فسوف تعطي هذه الصور الأخرى مساحة أكبر في هذه الدراسة.

      والجدير بالذكر، أن الثورة التكنولوجية في إطار المعلومات، وأجهزة الاتصالات الحديثة عبر الأقمار الصناعية، قد ساهمت، بشكل كبير، في ممارسات الرشاوى المحلية والدولية، وساهمت في عمليات الإخفاء، ونقل الدخول الخفية بسرعة الضوء، فبنقرة واحدة على الفأرة Mouse، تتم تحويلات متداخلة وعديدة بين عدة مصارف عالمية.

      وبالمقابل، ساهمت هذه الثورة التكنولوجية، أيضاً في كشف تورط العديد من الشركات والبنوك والمسؤولين، سواء بدون قصد أو بتعمد بعض الشركات الدولية تسريب معلومات للصحافة، بعيداً عن ذكر اسمها، بغرض استبدال بعض عملائها من المسؤولين، أو للمنافسة والصراع، مع شركات دولية أخرى. وعليه يمكن القول إن ثورة المعلومات أصبحت ذات جانبين للمسؤولين المتورطين في سوق الرشوة السوداء، جانب يتمثل في الأموال السوداء الضخمة، التي يحصلون عليها، والجانب الآخر يتمثل في المخاطر، التي يتعرضون لها.

  1. الطابع الشمولي الدولي للرشاوى “الفساد” بصفتها صورة للسوق السوداء

      تكاد الصحافة تذكرنا، يومياً، بأن السلوك الفاسد لا يزال يتسم بطابع عالمي. إذ إنه يحدث في النظم الديمقراطية، وفي الديكتاتوريات العسكرية، ويحدث على جميع مستويات التنمية، وفي جميع أنواع النظم الاقتصادية، من الاقتصاديات الرأسمالية المفتوحة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، إلى الاقتصاديات المخططة مركزياً، مثل الاتحاد السوفيتي السابق. بيد أن ما شهدته التسعينيات من التحرر الاقتصادي، والإصلاحات الديمقراطية، والتكامل العالمي المتزايد، قد اجتمع على فضح الفساد وزيادة الوعي بالتكاليف المترتبة عليه. وقد أشعلت هذه الاتجاهات، بدورها، موجة مناهضة للفساد، تنتشر في كل أنحاء العالم.

      إن عدد وتنوع البلدان، التي تعاني من فضائح الرشاوى “الفساد”، في السنوات الأخيرة، يبرز حقيقة، مفادها أن الفساد يختلف إلى حد واسع في أشكاله، وتغلغله، وعواقبه. ففي البلدان الفقيرة، قد يخفض الفساد من النمو الاقتصادي، ويعوق التنمية الاقتصادية، ويقوض الشرعية السياسية. وهي عواقب، تؤدي بدورها إلى تفاقم الفقر وعدم الاستقرار السياسي.وفي البلدان المتقدمة النمو، قد تكون الآثار الاقتصادية للفساد أقل حدة، بيد أنه، حتى في البلدان الغنية، لن تستخدم الموارد المسربة في تحسين مستويات المعيشة.

      كما يميل الفساد إلى سوء توزيع الثروة، عن طريق زيادة نفوذ أولئك الذين لديهم استعداد ومقدرة على دفع الرشاوى، بما يلحق الضرر بمن لا يستطيع الإقدام على ذلك، وتثير القضية انشغالاً متزايداً في الكثير من البلدان المتقدمة والنامية في الوقت الحالي. وأخيراً يمكن للفساد أن يقوض الشرعية السياسية في البلدان الديمقراطية الصناعية، وفي البلدان النامية على حد سواء، عن طريق إقصاء المواطنين العاديين من دوائر قيادتها السياسية، وجعل قيام حكومة فعالة مسألة أكثر صعوبة. ومن الممكن أن يحدث الفساد أذىً كبيراً في البلدان، التي تمر بمرحلة انتقال، مثل روسيا، حيث يستطيع، إذا ما ترك طليق السراح، أن يقوض التأييد، الذي تحظى به الديمقراطية واقتصاد السوق.

      غير أن السجل يكشف أيضاً، أن الفساد يبتلي البلدان، التي كان أداء اقتصادياتها طيباً نسبياً، مثل كوريا الجنوبية، واليابان، والمكسيك، حتى وقت قريب العهد، وكذلك إيطاليا.

      وفي بعض النماذج، يبدو أن الفساد في صورة المحسوبية السياسية، كان يمثل عاملاً في الاستقرار السياسي القصير الأجل، بأكثر مما يمثله في زعزعة الاستقرار، إلا أن الفساد، الذي كان يبدو أنه ساهم في وقت من الأوقات في الاستقرار، يمكن أن يسفر عن عكس ذلك بالضبط، بمرور الزمن، حسبما تشهد عليه الاضطرابات الكبيرة، التي حدثت مؤخراً في كوريا الجنوبية، واليابان، وإيطاليا، والسخط المتزايد، الذي يحدث في المكسيك. والأقرب إلى الصحة من ذلك، القول إنه يمكن للفساد أن يعمل على تثبيت أحوال سياسية تتصف بالقهر، والظلم، ويفتقد فيها الجميع، باستثناء نخبة ثرية، الإمكانيات اللازمة لحماية أنفسهم من الاستغلال. وتشير الشواهد إلى أن الفساد المتغلغل، والطليق، يعتبر موهناً من الناحية الاقتصادية في المعتاد.

  1. الفرص الاقتصادية، التي تتيحها الرشاوى في السوق السوداء

      يتوقف الطلب على الخدمات الفاسدة ـ أي المعروض من الرشاوى ـ على حجم الدولة وهيكلها. فالرشاوى تدفع لسببين: للحصول على المنافع الحكومية، ولتجنب التكاليف. وينبغي أن تعمل أي إستراتيجية فعالة لمناهضة الفساد على تقليل كل من المنافع والتكاليف الخاضعين لسيطرة الموظفين العموميين، والحد من السلطة في تخصيص المكاسب وفرص الإضرار.

أ. السبب الأول :الدفع للحصول على منفعة حكومية

      تقوم الحكومة بشراء وبيع السلع، والخدمات، وتوزيع الدعم، وتنظيم خصخصة الشركات الحكومية، وتقديم الامتيازات. وكثيراً ما يحتكر المسؤولون المعلومات الثمينة في هذا الشأن. وكل هذه النشاطات تخلق حوافز للفساد، وتساعد على تكوين السوق السوداء.

      وعندما تكون الحكومة مشترية أو متعاقدة، تكون هناك أسباب عديدة لتقديم رشاوى للمسؤولين. فأولاً، قد تدفع شركة ما؛ لكي تدرج في قائمة مقدمي العطاءات المؤهلين. وثانياً، قد تدفع الشركة؛ لكي تجعل المسؤولين يضعون شروط العطاءات، بشكل يجعل الشركة الفاسدة هي المورد الوحيد المستوفي للشروط. وثالثاً، قد تدفع الشركة؛ ليقع عليها الاختيار للفوز بالعقد. وأخيراً، ما إن يتم اختيار الشركة، حتى تدفع؛ للحصول على أسعار مضخمة، أو لكي تتحايل على الإهمال في الجودة.

      وكثيراً ما تبيع الحكومات سلعاً أو خدمات بأقل من أسعار السوق. وكثيراً ما توجد أسعار ثنائية ـ سعر حكومي منخفض وسعر سوق حر أعلى ـ وحينئذ تدفع الشركات رشاوى للمسؤولين للتوصل إلى الحصول على الإمدادات الحكومية، التي تقل عن سعر السوق. ففي الصين، مثلاً، يباع الكثير من المواد الخام بأسعار الدولة المدعمة، وبأسعار السوق الحرة على حد سواء.

      وعندما يكون تقديم الائتمان وسعر الفائدة خاضعين لسيطرة الدولة، فقد تدفع الرشاوى مقابل تسهيل سبل الحصول على الائتمان. وتبين اللقاءات الشخصية، التي أجريت مع المشتغلين بنشاط الأعمال في أوروبا الشرقية وروسيا، أنه كثيراً ما تكون الرشاوى مطلوبة؛ للحصول على الائتمان. وفي لبنان، كشف مسح مماثل عن أن القروض لا تتاح بدون دفع رشاوى.

      وبالمثل، فإن أسعار الصرف المتعددة لا تعكس الثوابت الاقتصادية الأساسية، في كثير من الأحيان، ومن ثم، فإنها تفرز حوافز لدفع الرشاوى؛ للحصول على النقد الأجنبي الشحيح بأسعار طيبة. وتشير مذكرة تفاهم للبنك الدولي، بشأن باراجواي، على سبيل المثال، إلى أن نظام سعر الصرف المتعدد، الذي قام في ذلك البلد في الثمانينيات، أدى إلى ظهور الفساد. كما أن تخصيص تراخيص الاستيراد والتصدير الشحيحة، يعتبر أيضاً مصدراً متكرراً للرشاوى والمحسوبية، حيث ترتبط الرشاوى بقيمة المنافع الاحتكارية الممنوحة.

      كما يمكن أن يحدث الفساد، عندما يكون مستوى الدعم، والمنافع المقدمة لمستحقيها، أقل بكثير من أن تلبي حاجة جميع المستوفين للشروط، أو عندما يتوجب على المسؤولين أن يستخدموا تقديرهم، عند اتخاذ قرار بشأن المستوفي لشروط الحصول على استحقاق ما. وقد تكون الخدمة شحيحة، لدرجة أن يدفع الناس أموالاً مقابل إدراج أسمائهم ضمن من يحصلون عليها، أو قد تكون الخدمة بمثابة استحقاق لكل من تنطبق عليه الشروط، بحيث يدفع الناس؛ لكي يدرجوا في المجموعة المستحقة. ملحق تحليل عواقب الفساد يوضح مقارنة بين الرشاوى الطوعية والرشاوى المبتزة.

تحليل عواقب الفساد

الرشاوى المبتزة الرشاوى الطوعية[1] درجة التشوه[2]
يوقف موظف التراخيص صرف تصاريح البناء، إلى أن تدفع الرشوة.

يهدد مفتش المباني بفرض غرامة نظير عدم وجود تصريح، لا يكون القائم بالبناء على وعي بالحاجة إليه، ما لم تدفع رشوة.

يهدد محصل الضرائب بمراجعة حسابات الشركة، ما لم تدفع رشوة.

عندما يقارب المبنى على الانتهاء، يهدد موظف كبير في وزارة التشييد بتقرير عدم صلاحيته، باعتباره غير مأمون، ما لم تدفع رشوة.

الدفع مقابل تعجيل الحصول على تصريح بناء، يستحق الساعي الحصول عليه “نقود تعجيل”.

الدفع لمفتش؛ للتغاضي عن عدم وجود تصريح رغم أن البناء يتفق مع جميع اللوائح التنظيمية “تليين”.

الدفع لإدخال أحد الأبناء الجامعة، على رغم أنه مسجل على قائمة الانتظار.

الدفع لمحصل الضرائب؛ نظير تخفيض المبلغ المقدر عليك، ولموظف الجمارك نظير السماح له باستيراد أسياخ صلب معفاة من الجمارك.

الدفع لمفتش المباني؛ نظير التغاضي عن العيوب في تصميم المبنى أو تشييده.

الدفع لوزير نظير إرساء عقد لبناء مستشفى جديد، على رغم افتقار المتعاقد للخبرة وارتفاع قيمة عطائه عن منافسيه.

      لقد تم إلغاء مفاجئ للقيود التنظيمية، التي كانت تفرضها بعض الدول على ممارسة بعض النشاطات الخاصة لإشرافها. وترتب، على هذا الإلغاء، فتح الباب أمام بعض الشركات، للقيام بعمليات تدليس، وممارسة مساوئ عديدة (ملحق فرص الفساد وعواقبه). ومن الممكن أن يصبح المسؤولون الحكوميون، المناط بهم خصخصة الأصول العامة، من أصحاب الثروات الفاحشة، فوراً، عن طريق بيع تلك الأصول بأسعار منخفضة لقاء رشاوى، أو حتى حيازتها عن طريق أسرهم وأصدقائهم. وحقيقة، يمكن أن تكون الفرص المتاحة أمام المسؤولين العموميين لسلوك التكسب، وتعاطي الأموال المكتسبة، خلال هذا الانتقال، متعددة حقيقة.

فرص الفساد وعواقبه

فرص الفساد

  • التنافس على المنافع الحكومية
  • عقود التوريدات الحكومية، التي تراوح بين المشتريات الوتيرية من الإمدادات ومشاريع البنية الأساسية الكبيرة.
  • مشتريات من المنشآت المملوكة للدولة أو مبيعات لها.
  • بيع المنشآت المملوكة للدولة (الخصخصة).
  • سبل الحصول على المعروض من السلع الخاضعة لسيطرة الحكومة أو لقواعدها التنظيمية (المواد الخام، السلع الكمالية، الخ)، والائتمان، والنقد الأجنبي، وتراخيص الاستيراد والتصدير، وغير ذلك من التراخيص والتصاريح.
  • سبل الحصول على الخدمات الحكومية أو الدعم الحكومي، مثل المنح الدراسية، أو الرعاية الصحية، أو الإسكان المدعم.
  • الدفع لتجنب التكاليف
  • اللوائح التنظيمية
  • الضرائب
  • الملاحقة القضائية ( بسبب النشاطات غير القانونية، مثل الدعارة والقمار ).
  • التأخيرات والتعقيدات البيروقراطية.
  • الدفع للحصول على مناصب رسمية.

عواقب الفساد

  • عدم الكفاءة
  • سوء تخصيص الموارد الحكومية، من جراء منح العقود لمقدمي عطاءات أقل كفاءة.
  • التشوهات في تخصيص الإنفـاق الحكومي.
  • التشوهات في تخصيص المنشآت المخصخصة.
  • البنية الأساسية غير السليمة أو الرديئة النوعية.
  • قلة المعروض من السلع العمومية، مثل الهواء أو المياه النظيفة.
  • حوافز لإيجاد لوائح تنظيمية إضافية أو تأخيرات من أجل جمع الرشاوى.
  • خسارة المدخرات الوطنية وتقليل الاستثمار نتيجة لهروب ” رأس المال ” المجموع من الرشاوى إلى الخارج.
  • عدم الإنصاف
  • إعادة توزيع الأصول من القطاع العام إلى الأفراد الفاسدين.
  • إعادة التوزيع بين أفقر الأفراد الأفقر نسبياً إلى الأعلى نسبياً، والذين يكون لديهم في الأرجح سبل وصول إلى المسؤولين الحكوميين.
  • تقويض الشرعية السياسية.

      ومن الممكن بيع الأسعار المحددة للمرافق المخصخصة حديثاً: الهاتف، والكهرباء، وما شابه، بشكل مربح جداً. وتصل هذه الفرص إلى ذروتها في المراحل المبكرة من الانتقال إلى اقتصاد السوق، عندما تخصخص الشركات الاحتكارية، في كثير من الأحيان، في غيبة إطار تنظيمي فعالٍ، أو عندما يحرر النظام المصرفي، بدون وجود إشراف وافٍ من قبل السلطات النقدية.

      هذا ويمكن أن تحسن خصخصة الشركات المملوكة للدولة، من أداء الاقتصاد، وأن تقلل الفساد، في غضون ذلك. بيد أن تحويل أصول الدولة، إلى ملاك من القطاع الخاص، يمكن أن يخلق في حد ذاته حوافز للفساد؛ فبيع شركة كبيرة، شبه حكومية أو عامة، يماثل طرح مشروع بنية أساسية لمشروعٍ عامٍ كبير العطاءات. ولذلك فإن حوافز الانحراف الوظيفي متماثلة. فقد تدفع شركة ما؛ لكي تدرج في قائمة مقدمي العطاءات المؤهلين، أو لتقييد عددهم. وقد تدفع؛ للحصول على تقويم منخفض للممتلكات العامة، التي سيتم تأجيرها أو بيعها، أو لكي تفضل في عملية الاختيار. وقد تقوض بعض المعاملات الفاسدة، من منطق الكفاءة، الذي تستند إليه المبررات الاقتصادية للخصخصة، وهكذا، فلو أن الشركات دفعت؛ للمحافظة على السلطة الاحتكارية للمنشأة، بعد انتقالها إلى أيدي القطاع الخاص، فقد تكون النتيجة، ببساطة، أن تتحول الأرباح من الدولة إلى الملاك الجدد، وعندئذ، قد يواجه العاملون في الشركة المخصخصة حديثاً، طلبات من الموردين والعملاء، الساعين إلى المشاركة في المنافع الاحتكارية.

      ويرى البعض أن عمليات الخصخصة في الأرجنتين كانت تتحيز لصالح بعض العملاء، الذين لديهم صلات داخلية ببعض المسؤولين، ومن المفترض أن الخصخصة في تايلاند انطوت على دفع إتاوات وعمولات، وانطوت بعض الخصخصات في الكتلة الشرقية السابقة، على تحويلات فاسدة مماثلة. بإيجاز، فإن الرشاوى، التي تم سردها، جاءت نتيجة لتدخل الحكومات في النشاطات الاقتصادية سواء كان هذا التدخل مباشراً أو غير مباشر. لذا، فإن من أهم الدروس المستفادة مما ذُكر، العمل على تقليص تدخل الحكومات في النشاطات الاقتصادية قدر الإمكان، والعمل على تفعيل آلية السوق؛ لرفع الكفاءة الاقتصادية.

ب. السبب الثاني: الدفع لتجنب تكبد التكاليف:

      تقوم الحكومات بفرض القواعد التنظيمية، وجباية الضرائب، وإنفاذ القوانين الجنائية، ويستطيع المسؤولون تأخير من يتعاملون معهم، ومضايقتهم. وبوسعهم أن يفرضوا التكاليف، بطريقة انتقائية، تؤثر على الموقف التنافسي للشركات في صناعة ما.

      وفي ظل البرامج التنظيمية العامة، قد تدفع الشركات؛ للحصول على تفسير أفضل للأحكام، أو للحصول على تقدير في مصلحتها؛ وقد تدفع؛ لتجنب الأعباء التنظيمية أو تخفيفها، أو لتوضيح الاشتراطات التنظيمية، عندما تكون القوانين غير واضحة. وقد تكون حوافز الفساد مرتفعة، بشكل خاص بالنسبة للشركات الحكومية المخصخصة حديثاً، والتي تتعامل مع وكالات تنظيمية حديثة العهد، ليس لديها سجل إنجازات طيبة. وهكذا، فإن من يقدمون المشورة إلى الاقتصاديات النامية، وتلك التي تمر بمرحلة انتقال، بشأن إنشاء وكالات تنظيمية للمرافق العامة، يؤكدون على ضرورة وجود عمليات شفافة وعلنية.

      وفي الحكومات الاتحادية، يمكن، للأحكام المتباينة، أن تجعل الرشاوى مسألة يصعب تجنبها. وتروي دراسة للبنك الدولي، عن المنشآت الخاصة في البرازيل، قصة، يحتمل أن تكون منتحلة، وهي أن أحد أصحاب المشاريع، الذي ذكر بأنه تلقى زيارة من مفتشين تابعين لحكومة الولاية وللحكومة الاتحادية في الوقت نفسه. وكان الهدف من الزيارة المشتركة هو التأكد من ضبط الشركة، وهي تنتهك واحداً، على الأقل، من قوانين الحكومتين المتباينة، بشأن تركيب أجهزة لإطفاء الحريق.

      دائما ما تكون الضرائب مرهقة، ولذلك فقد تتواطأ بيوت الأعمال والأفراد، مع محصلي الضرائب؛ لتخفيض المبالغ المحصلة. وتقسم الوفورات فيما بين دافع الضرائب والمسؤول. وفي بعض أرجاء أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي السابق، حيث تعتبر معدلات الضرائب الرسمية مرتفعة جداً، يذكر المشتغلون بالأعمال دفع رشاوى مرتفعة. وينطوي كثير من المزاعم الخاصة بالفساد على الدفع لمفتشي الضرائب. ومن المحتمل، أن ينغمس مسؤولو الجمارك، على وجه الخصوص، في الفساد، بالنظر إلى أنهم يتحكمون في شيء، له قيمته عند الشركات، وهو سبل الوصول إلى العالم الخارجي. وتستخدم الرشاوى لتقليل التعرفات الجمركية، ورسوم التصدير، والحصول على تراخيص الاستيراد والتصدير. وقد كشفت الإصلاحات الجمركية في إندونيسيا والمكسيك، عن وجود أدلة واسعة النطاق على الفساد، “فجمارك الموانئ الجوية تعرقل 3 مليارات بيزو مكسيكي سنوياً”. وههنا، تتطابق الوصفات العلاجية لرجل الاقتصاد ذي التوجه السوقي، مع وصفات المصلح المناهض للفساد. فسياسات التجارة الحرة تعمل على تحسين الكفاءة في معظم الظروف، وعلى تقليل مصادرة الريع الاقتصادي المتاح للمسؤولين الفاسدين. والتسامح مع الفساد، الذي يعمل على التحايل على سياسات التجارة التقييدية، يؤدي إلى اتساع نطاق التفاوتات وقلة الكفاءة. وتبين الدراسات أنه، مع ارتفاع معدلات الرسوم الجمركية، تنخفض التعويضات المحصلة كحصة من التعريفات الاسمية، ويزيد التفاوت في المعدلات المدفوعة بالفعل، وتتسق هذه النتائج مع الرأي القائل بأن حوافز الفساد ترتفع مع ارتفاع معدلات الضرائب والرسوم الجمركية.

  1. أسباب السوق السوداء في مجال الرشاوى “الفساد”

      تبرز الأدبيات الأصلية الخاصة بالتكسب على قيود التجارة، باعتبارها نموذجاً رئيسياً لمصادر الريع، التي تستحثها الحكومة، فمثلاً، تؤدي القيود الكمية المفروضة على الواردات، إلى جعل تراخيص الاستيراد بالغة القيمة. وقد يكون المستوردون، حينئذ، مستعدين لرشوة المسؤولين، الذين لهم صلة بذلك؛ من أجل الحصول عليها، وعلى الأعم، فإن حماية الصناعات المحلية من المنافسة الدولية، تولد ريعاً، قد يكون أصحاب المشاريع المحلية على استعداد لدفع مقابل له، في شكل رشاوى.

      إن وجود قدر كبير من الانفتاح في اقتصاد ما، يقاس بما يماثله من مجموع الواردات والصادرات كحصة من الناتج المحلي الإجمالي، يرتبط بشكل مهم بانخفاض درجة الفساد.

      ويمكن أن يكون الدعم الحكومي مصدراً للريع. ويفسر أديس ودي تيلا “1995 ” الفساد باعتباره دالة للسياسة الصناعية، تبين أن الدعم المقدم للتصنيع “مقاسه كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي”، يرتبط بالمؤشرات القياسية للفساد.

      كما أن تحديد الأسعار، “التي يمكن قياسها استناداً إلى مؤشرات مثل تلك التي كانت تستخدم في البنك الدولي في عام 1983″، يُعد مصدراً محتملاَ للريع، ومن ثم للسلوك التكسبي. فمثلاً، قد يكون أصحاب المشاريع على استعداد لرشوة المسؤولين الحكوميين؛ للمحافظة على توفير المدخلات بأسعار أقل من سعر السوق.

      وبالمثل، فإن نظم سعر الصرف المتعدد، ومخططات تخصيص النقد الأجنبي، التي يجوز أن يقوم مقامها في الأهمية علاوات سوق صرف موازية، مثل تلك التي استخدمها ليفين ورينيلت 1992، تفضي إلى الريع. فمثلاً، لنفترض أنه في بلد معين، عمل مديرو المصارف التجارية المملوكة للدولة، على تخصيص النقد الأجنبي، وفقاً لأوليات وضعوها بأنفسهم؛ فحينئذ قد يكون أصحاب المشاريع في البلد، على استعداد لرشوة المديرين للحصول على النقد الأجنبي الضروري لشراء المدخلات المستوردة.

      كما أن الأجور المنخفضة في الخدمة المدنية، بالمقارنة مع أجور القطاع الخاص، أو حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، تعتبر مصدراً محتملاً للفساد ذي “المستوى المنخفض”، تبعاً لآليات الكفاءة. أي أنه، عندما لا تدفع، للموظفين المدنيين، أجور كافية للوفاء باحتياجاتهم، فقد يضطرون إلى استخدام مناصبهم لجمع الرشاوى، وبخاصة عندما تكون التكلفة المتوقعة لضبطهم وفصلهم منخفضة. وينبغي أن تأخذ البلدان مثل هذه الاعتبارات في حسبانها، عندما تواجه بالاختيار الصعب المتعلق بتخفيض فاتورة أجور الخدمة المدنية المفرطة، عن طريق تخفيض الرواتب أو تقليل عدد الموظفين. وتحذر إدارة الشؤون المالية، في صندوق النقد الدولي، من مخاطر التخفيض الشامل لأجور الخدمة المدنية، الذي يمكن أن يفضي إلى ارتفاع في السلوك الفاسد.

  1. الآثار الاقتصادية السلبية للسوق السوداء في مجال الرشاوى “الفساد”

      للفساد، عدد من العواقب المعاكسة، وتشير الأدلة التجريبية الحديثة العهد، على وجه الخصوص، إلى أن الفساد يخفض النمو الاقتصادي، وقد يحدث ذلك من خلال أي قناة من نطاق عريض من القنوات.

      وحيثما يوجد فساد، فإن أصحاب المشاريع يعون أن المسؤولين الفاسدين قد يدعون حقا لهم في بعض عوائد استثماراتهم في المستقبل، وكثيراً ما يشترط دفع رشاوى، قبل إصدار التصاريح الضرورية؛ ولذلك فقد ينظر المستثمرون إلى الفساد، على أنه ضريبة ـ ولها طابع مؤذ بوجه خاص، بالنظر إلى الحاجة السرية، وإلى الريب، التي تصحبها ـ تقلل من حوافز الاستثمار. ويقدم ماورو “1995” دليلاً تجريبياً مؤقتاً، على أن الفساد يخفض الاستثمار والنمو الاقتصادي. فالآثار الملحوظة هائلة في ضخامتها، ففي تحليل يستخدم مؤشرات الفساد، التي رصدتها شركة “بيزنس إنترناشيونال”، تسبب تحسن في انحراف معياري واحد في مؤشر الفساد، في أن يرتفع الاستثمار بنسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وأن يرتفع المعدل السنوي لنمو حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنصف نقطة مئوية. ويبين الدليل أن معظم التأثيرات، التي تلحق بالنمو الاقتصادي تحدث من خلال التأثيرات، التي تلحق بالاستثمار. واستخرج، كيفر وكناك “1995”، باستخدام مؤشرات قياسية للكفاءة المؤسسية، مأخوذة من “الدليل الدولي للمخاطر القطرية”؛ نتائج مماثلة بشكل عريض. وللمتغيرات المؤسسية في تقديراتهما تأثير مباشر مهم على النمو، إضافة إلى التأثير غير المباشر، الذي يحدث من خلال الاستثمار.

      ويحاج مورفي وشيلفر وفيشني “1991”، أنه في الحالات، التي يوفر فيها التكسب فرصاً أجزى مما يوفره العمل المنتج، فإن تخصيص المواهب يكون أسوأ. فمن المحتمل، أن ينغمس الأفراد الموهوبون الحاصلون على تعليم عالٍ، في التكسب بأكثر من انغماسهم في الأعمال الإنتاجية، بما لذلك من عواقب معاكسة، على معدل نمو بلادهم.

      ومن بين الأمور المهمة الوثيقة الصلة بذلك، بالنسبة للبلدان النامية على وجه الخصوص، إمكانية تقليل الفساد لفعالية تدفقات المعونة. وذلك أن الفساد يؤدي إلى تحويل وجهة الأموال عن مشاريعها المستهدفة. وقد استطلعت الأدبيات الهائلة، الموضوعة عن تدفقات المعونة، هل قابلية موارد المعونة للاستبدال بمستحقات مماثلة، تسفر، في نهاية الأمر، عن استخدام تدفقات المعونة في تمويل مصروفات عامة غير إنتاجية. ومن المحتمل أن يكون الكثير من البلدان المانحة قد ركز، بشكل متزايد، نتيجة لهذا الحوار المستمر، على قضايا أساليب الحكم الصالحة، وأن بعض المانحين قاموا بتخفيض مساعداتهم تدريجياً، في بعض الحالات، التي اعتبرت فيها أساليب الحكم سيئة جداً.

      كما أن الفساد قد يحدث خسائر في الإيرادات الضريبية، عندما يتخذ شكل التهرب من الضرائب، أو إساءة استخدام الإعفاءات الضريبية. ولا تدخل هذه الظاهرة، على وجه الدقة، في تعريف الفساد، إلا عندما يدفع مبلغ نظير للمسؤول الضريبي المعني.

      ومن الممكن أن يكون للفساد، عواقب معاكسة على الميزانية، من جراء تأثيره على الحصيلة الضريبية أو على مستوى الإنفاق العام. ومن ناحية أخرى، فحيثما يأخذ الفساد شكل إساءة استخدام مؤسسات القطاع العام المالية للإقراض الموجع، المشفوع بسعر فائدة أقل من سعر السوق، فإنه قد يسفر عن وضع نقدي رخو غير مستحب.

      وقد يفضي تخصيص عقود التوريدات العمومية، عن طريق نظام فاسد، إلى تدني البنية الأساسية والخدمات العمومية. فمثلاً، قد يسمح البيروقراطيون الفاسدون باستخدام مواد رخيصة، من دون المعايير المحددة في تشييد المباني أو الجسور.

      كما تتسبب بعض أشكال الفساد الحكومي إلى إلحاق الضرر بميزان المدفوعات، إذا كانت الشركات المتعاقدة مع الحكومة أجنبية. حيث يتم ترسية العقود عليها بمبالغ عالية، وهذا يعمل على إحداث خلل في الميزان التجاري، بزيادة الواردات عن القيمة الحقيقية لها، والذي يؤدي إلى إلحاق الضرر في ميزان المدفوعات.

      وأخيراً، قد يؤثر الفساد على بنية الإنفاق الحكومي. فقد ينتهي الأمر، بالمسؤولين الحكوميين الفاسدين، إلى تفضيل تلك الأنواع من الإنفاق، والتي تسمح لهم بجمع الرشاوى والمحافظة على سريتها. ويلمح إلى أن الإنفاق الكبير على بنود متخصصة، مثل القذائف والجسور، والتي يصعب تقدير قيمتها السوقية المضبوطة، يفضي إلى إتاحة مزيد من الفرص المربحة للفساد. كما قد تكون فرص جبي الرشاوى أوفر، فيما يتعلق بالبنود، التي تنتجها شركات، تعمل في أسواق احتكار القلة، حيث يتوافر الريع. وقد يتوقع المرء بداهة، أن يكون جمع الرشاوى الضخمة أسهل في مشاريع البنية الأساسية الكبيرة، أو معدات الدفاع ذات الطابع التكنولوجي المرتفع؛ منه، فيما يتعلق بالكتب المدرسية ورواتب المدرسين. فمثلاً، يحاج هاينز “1995” بأن التجارة الدولية في الطائرات عرضة للفساد بوجه خاص. والصورة الأقل جلاء في مجالات أخرى، مثل الصحة، فقد تكون فرص جمع الرشاوى وافرة في توريد مباني المستشفيات وأحدث المعدات الطبية، ولكنها قد تكون محدودة، بشكل أكبر، في دفع رواتب الأطباء والممرضين.

      والأعمال التجريبية المتعلقة بالروابط المحتملة، بين الفساد وبنية الإنفاق الحكومي، محدودة للغاية. ومن بين المساهمات القليلة في هذا الصدد، يحلل راوش “1995” كلا من محددات بنية الإنفاق الحكومي وآثاره، في عينة من مدن الولايات المتحدة الأمريكية؛ فيجد أن موجة الإصلاحات البلدية، خلال “العهد التقدمي”، زادت من الحصة المخصصة للاستثمار في الطرق والصرف الصحي، في إجمالي الإنفاق البلدي، وهو ما زاد بدوره، من النمو في العمالة في التصنيع في تلك المدن. ويحلل البعض هذه القضية غير المستكشفة نسبياً، من خلال البيانات المجمعة من قطاع مستعرض من البلدان، ويتوصل إلى دليل مؤقت على أن الفساد قد يقلل من الإنفاق الحكومي على التعليم، كحصة من الناتج المحلي الإجمالي.

  1. التعاون الدولي لمكافحة الرشاوى “الفساد”

      الرشاوى “الفساد” أصبحت مشكلة دولية، تتطلب عملاً وجهداً كبيرين، من جانب العديد من البلدان والمنظمات الدولية. والمتعارف عليه عالمياً هو انتشار الفساد في البلدان النامية، حيث تكون الأجهزة التشريعية والرقابية محددة الصلاحيات، وغالباً ما تكون أقل نفوذاً من مثيلاتها في البلدان المتقدمة. وفيما يلي، نعرض أبرز ما تم اتخاذه على المستوى الدولي لمكافحة الفساد:

أ.  في نهاية مارس 1996م أقرت منظمة الدول الأمريكية اتفاقية البلدان الأمريكية لمكافحة الفساد، والتي وقعتها حتى نهاية السنة الحالية 23 دولة أعضاء المنظمة.

ب. وفي مارس أيضاً، اعتمد المجلس التنفيذي لغرفة التجارة الدولية، تقريراً يقترح فرض قواعد سلوك صارمة؛ من أجل التقيد التنظيمي الذاتي للشركات، ويتضمن توصيات تكميلية، بشأن الإجراءات، التي تتخذها الحكومات والمنظمات الدولية.

ج. وفي يونيه 1996م، أعلن البنك الدولي التنقيحات، التي أدخلها على مبادئه التوجيهية؛ بهدف التحوط من الفساد في التوريدات المقدمة للمشاريع، التي يمولها. وأدان جيمس ولفنسون رئيس البنك الدولي، وميشيل كاماديسو، المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي، الفساد علانية، خلال الاجتماعات السنوية المشتركة، في أواخر تلك السنة، وتعهدا بإعطاء أولوية أكبر لمكافحته في برامجهما.

د. وفي ديسمبر، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلاناً، يطلب، إلى الدول الأعضاء، أن “تتخذ إجراءات فعالة وملموسة لمكافحة كل أشكال الفساد والرشوة، وما يتصل بذلك من الممارسات المحرمة في المعاملات التجارية الدولية”.

هـ. وفي ديسمبر أيضا، وافقت منظمة التجارة العالمية، في اجتماعها الوزاري الأول في سنغافورة، على الاضطلاع بدراسة عن الشفافية والإجراءات الواجبة، في إرساء عقود التوريدات الحكومية، كخطوة أولى صوب تقليل الفساد في تلك الأسواق.

و. وفي مايو 1997م، اعتمدت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، توصية تلزم الدول الأعضاء بالتفاوض بنهاية عام 1997م، حول اتفاقية، تجرم الرشوة الدولية، وتدعوها إلى أن تنفذ على الفور التوصية السابقة، التي تطالب بإنهاء إمكانية خصم الرشاوى من الضرائب.

      ومن العلامات الإضافية على المعارضة المتنامية للفساد، ذلك النمو السريع في منظمة “الشفافية الدولية”، وهي منظمة غير حكومية، مقرها في برلين، أنشئت في عام 1993م؛ لمكافحة الفساد الدولي. ففي أقل من أربع سنوات، أقامت المنظمة شبكة تضم أكثر من 60 فرعاً وطنياً في كل أنحاء العالم.

      ومن السمات اللافتة للنظر، في الجهود الأولية المبذولة لمكافحة الفساد في مختلف أنحاء العالم، ذلك الدور، الذي تقوم به البلدان النامية والاقتصادات، التي تمر بمرحلة انتقال، والتي أدركت الخطر، الذي يخلفه الفساد بالنسبة لإصلاحاتها السياسية والاقتصادية الحديثة العهد. بيد أن الكثير من هذه البلدان يشعر بالقلق أيضاً؛ لأن قضايا الفساد استخدمت لحرمانها من سبل الوصول إلى الأسواق الدولية أو رؤوس الأموال.

      لهذا السبب، تعارض بعض البلدان النامية، إدراج اتفاق عن الشفافية في التوريدات الحكومية في منظمة التجارة العالمية، وتعرب عن قلقها، بشأن مدى ما ينبغي أن تعلق به قروض البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، على اشتراط الإصلاحات المناهضة للفساد. كما كانت هناك مقاومة، في البلدان الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، لتجريم الرشوة؛ لأن بعض الشركات تكره أن تنبذ ما تعتبره أداة مفيدة في المنافسة التجارية الدولية والمبادرات المعدة آنفاً، أو مجرد خطوات أولى مفيدة. ولذلك فلا يزال الطريق إلى التنفيذ الكامل والمخلص طويلاً وشاقاً.

تهريب رؤوس الأموال

      إن هروب رؤوس الأموال من الدول النامية، يؤدي إلى تعقيد مشكلة المديونية بالنسبة إليها، فمن ناحية يصبح من الصعب إقناع الدول الدائنة بزيادة الإقراض الجديد لهذه الدول، ومن ناحية أخرى يصبح أيضا من الصعب إقناع الدائنين بخفض الديون القائمة، وذلك حينما تترك هذه الدول نسباً جوهرية من الإقراض الجديد، لتعود مرة أخرى إلى الدول الدائنة في شكل هروب لرأس المال.

      إن السبب الرئيسي في هروب رأس المال إلى الخارج، هو التدخل الحكومي في حركة رأس المال، حيث تلجأ بعض الحكومات، في الدول النامية، إلى فرض قيود على حركة رأس المال، دخولاً وخروجاً. ومن المعلوم أن رأس المال يبحث، دائماً، عن العائد الأعلى في أي مكان في العالم. لذا فإن قيوداً على حركة رأس المال في بلد ما، مع وجود فرص أفضل في أماكن أخرى من العالم؛ ستفضي حتماً إلى تهريب رأس المال.

      وتوجد سبل عديدة لهروب رأس المال إلى الخارج. فقد يتم الهروب بشكل مباشر، أو بشكل غير مباشر. كما قد تتضمن العملية أكثر من طرف، وفي بعض الأحيان أكثر من دولة، وذلك قبل أن تصل رؤوس الأموال إلى الدولة المقصودة، ولعل أبسط أشكال هروب رؤوس الأموال إلى الخارج هو الهروب في شكل نقدي، سواء في صورة عملة محلية أو أجنبية، وربما يكون الدافع الأساسي للتهريب بهذه الطريقة هو السرية، حيث قد تتمثل المصادر الرئيسية لهذه الأموال في المعاملات التجارية غير القانونية، أو الرشاوى، أو التهرب الضريبي. كما قد يتم هروب رؤوس الأموال من خلال التهريب السلعي. كذلك، من المتعارف عليه، أن الرشاوى والعمولات على الصفقات الضخمة من الأمور الشائعة في الأعمال التجارية الدولية، والتي غالباً ما تجد طريقها إلى الخارج؛ خشية انكشاف أمرها. كذلك فقد يشارك المصدرون والمستوردون في عملية تهريب الأموال، وذلك من خلال عمليات تزييف الفواتير في معاملات التجارة الخارجية، إما من خلال المغالاة في قيمة الواردات، أو من خلال إبخاس قيمة الواردات. كما قد تتم عمليات الهروب، من خلال الترتيبات المتبادلة بين المقيمين في دولتين أو أكثر، وذلك من خلال الإقراض والاقتراض، في آن واحد، بين طرفين داخل وخارج الدولة. ويضاف إلى هذه الأدوات أداة أخرى لهروب رؤوس الأموال، وهي هروب رؤوس الأموال إلى الخارج، من خلال استيراد السلع المعمرة. ذلك أن المغالاة في معدل الصرف الأجنبي، مع وجود قيود على تحركات رؤوس الأموال، تؤدي إلى زيادة التوقعات حول نقص قيمة العملة مستقبلاً، واستجابة لهذه التوقعات، يقوم المستثمرون، في هذه الدول، بزيادة وارداتهم من السلع المعمرة، والسلع الرأسمالية؛ لتحقيق أرباح حينما تتحقق توقعاتهم.

      وعلى الرغم من أن هروب رؤوس الأموال يتم أساساً بدافع الاستثمار في أصول خارجية، فإنه، عادة، ينظر إليه على أنه معاملة غير قانونية، وقد يرجع ذلك إلى أن هروب رؤوس الأموال يعد مخالفة لقوانين الرقابة على انتقالات رأس المال المفروضة بواسطة السلطات.

      عرف هروب رؤوس الأموال بأنه يضم كل الأصول الخارجية المسجلة وغير المسجلة، بما في ذلك مشتريات الأصول المالية الأجنبية والاستثمار الأجنبي المباشر، إضافة إلى الأصول الحقيقية المملوكة للقطاعات البنكية وغير البنكية، سواء كانت عامة أو خاصة، وهو ما يسمى بالمفهوم الواسع للهروب.

      ويعرف هروب رؤوس الأموال بأنه الأصول الخارجية المملوكة بواسطة القطاع الخاص، والتي لا تولد دخلاً مسجلاً في ميزان المدفوعات للبلد، وهو المعيار الذي استخدم للتفرقة بين ما يمكن اعتباره تدفقاً عادياً لرأس المال، وما يمكن اعتباره هروباً له. باعتبار أن هروب رأس المال يعود، في أحد أسبابه، إلى عمليات تعديل محفظة الأوراق المالية، والناتجة عن تدهور غير عادي في عوائد و/أو المخاطرة المرتبطة بمحفظة الأوراق المالية، الخاصة بالأصول الموجودة في الداخل والخارج.

      الآثار السلبية لهروب رؤوس الأموال:

  1. الأثر على الاستثمار وفرص النمو في المستقبل

      يعكس هروب رؤوس الأموال فروقاً بين معدلات العائد الخاص والعائد الاجتماعي على رأس المال المستثمر.

      ومما لا شك فيه، أن رأس المال يعد من العناصر الحيوية للتنمية في الدول النامية، وهروب مثل هذا العنصر النادر، لن يساعد هذه الدول على أن تواجه الاحتياجات التمويلية لبرامج الاستثمارات اللازمة للتنمية الاقتصادية. كذلك من المعلوم أن نقص موارد الصرف الأجنبي سمة من السمات الشائعة للاقتصاديات النامية. وحينما يستخدم النقد الأجنبي لتمويل عمليات هروب رؤوس الأموال إلى الخارج، فإن مستويات الواردات سوف تتأثر، سواء كانت ورادات رأسمالية أو وسيطة. وهذا ما يؤثر على مستويات نمو الناتج القومي لهذه الدول.

      وقد قدم باستور “1990” دليلاً عملياً على أن هروب رؤوس الأموال كان من الممكن أن يزيد معدل النمو في المكسيك، بمعدل 2% ـ 4%، وذلك إذا ما تم الاحتفاظ بهذه المدخرات في الداخل، ولم تخرج في صورة هروب لرأس المال.

  1. الأثر على القاعدة الضريبية

      يؤدي هروب رؤوس الأموال إلى الإقلال من الإيرادات الحكومية من نواح عديدة. فالآثار السلبية للهروب على النمو تقلل من القاعدة الضريبية، ومن حصيلة الضرائب. وكذلك فإن هروب رؤوس الأموال يقلل من رصيد الثروة والدخول، مما يعني تآكل القاعدة الخاضعة للضريبة.

      ويؤدي انخفاض القاعدة الضريبية إلى مزيد من عجز الميزانية العامة للدولة، ومن ثم الميل نحو المزيد من الاقتراض؛ للوفاء باحتياجات الإنفاق العام. وإذا لم تكن مصادر الاقتراض المحلي كافية، فقد تلجأ الحكومة إلى فرض المزيد من الضرائب سهلة التحصيل، مثل ضريبة المبيعات، أو قد تلجأ الحكومة إلى التمويل التضخمي، على أن لجوء الحكومة إلى التمويل التضخمي، سوف يؤدي إلى مزيد من هروب رؤوس الأموال إلى الخارج.

  1. الأثر على السياسة النقدية

      قد يكون الأثر الكامن لهروب رؤوس الأموال على السياسة النقدية خطيراً، خصوصاً في أوقات الأزمات، فالأزمات السياسية أو الاقتصادية سوف يترتب عليها مزيد من هروب رؤوس الأموال. ولمواجهة هذا الهروب قد تتخذ مجموعة من الإجراءات؛ لتعديل أدوات السياسة النقدية، بما فيها التعديل السريع لمعدلات الفائدة والصرف الأجنبي، فإذا كان معدل الفائدة حراً يخضع لظروف العرض والطلب، فإن التوقعات المتزايدة حول تخفيض قيمة العملة، سوف تدفع معدلات الفائدة إلى الارتفاع، وذلك لمحاولة تقليل هروب رؤوس الأموال. كما قد يترتب على ذلك تدهور الاحتياطات الدولية للدولة لمحاولة تثبيت معدل الصرف، وما يصاحب ذلك من انخفاض في عرض النقود.

الآثار التوزيعية لهروب رؤوس الأموال

      يمكن توضيح الآثار التوزيعية لهروب رؤوس الأموال، من خلال تحركات معدل الصرف الأجنبي. فمن المعلوم، أن معدل الصرف الأجنبي، بشكل عام، مغالى فيه، في حالة الدول النامية، ويفرض هروب رؤوس الأموال ضغوطاً نحو تعديل معدلات الصرف؛ لتخفيض قيمة العملة المحلية، والعكس في حالة الأصول المقدمة بالعملة المحلية.

      كذلك يمكن توضيح هذه الآثار من الناحية الضريبية، حيث يؤدي هروب رؤوس الأموال إلى جعل النظام الضريبي غير عادل في توزيع الأعباء الضريبية، إذ سيقع معظم العبء الضريبي على الأفراد ذوي الدخول المنخفضة.

الأشكال المختلفة لهروب الأموال إلى الخارج

  1. إيداع الأموال الناتجة عن عمليات أو نشاطات ممنوعة قانوناً، في البنوك الخارجية، مثال ذلك الأموال الناتجة عن التهريب والمتاجرة في السلع الممنوعة قانوناً، ومعاملات الأسواق السوداء وغيرها.
  2. إيداع مبالغ نقدية من قيمة الديون الخارجية المقترضة من الخارج، بأسماء أفراد في بنوك أجنبية في شكل عمولات أو رشاوى، في حالة صفقات استيراد المواد الغذائية، وصفقات السلاح، والبترول وغيرها.
  3. إنشاء فروع لشركات أجنبية وهمية؛ لتحويل الأموال إلى الخارج.
  4. التلاعب في قيم فواتير الصادرات والواردات، بالاتفاق بين المصدرين والمستوردين، وإيداع الفرق بين القيم الحقيقية المدونة بالفواتير في حسابات أفراد بالبنوك الأجنبية. ولا يخفى أن ذلك ينعكس بشكل مباشر على قيمة حصيلة الصادرات والمدفوعات، فتقل عن الواردات في ميزان المدفوعات.
  5. إيداع بعض أموال حصيلة مدخرات العاملين بالخارج في بنوك خارجية، وعدم استفادة الدولة من هذه الأموال، التي لم تدخل إلى البلاد من البداية، ومن ثم لم تخرج منها، إلا أنها تبدو في حكم الأموال الهاربة، لعدم قدرة البلاد على الاستفادة منها، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

أسباب هروب الأموال

  1. انتشار الفساد السياسي والإداري، والرشوة، ومصادر الكسب غير المشروع، وضعف أجهزة الرقابة، واستغلال النفوذ السياسي، والعمولات، والسمسرة، والتربح من الوظائف العامة؛ وهذا ما يدعو إلى إبعاد هذه الأموال عن المخاطرة الداخلية، التي يمكن أن تتعرض لها في حالة تعقب السلطات الأمنية والرقابية لها في المستقبل.
  2. تدخّل الحكومة في النشاطات الاقتصادية، وخاصة في فرض قيود على حركة رأس المال من الدولة وإليها، مع وجود فرص أفضل، ومشجعة للاستثمار في الدول الأجنبية، مثل الأمان من المخاطر، وارتفاع معدلات الأرباح والفوائد على الودائع، ووجود نظم تأمين على الودائع، ونظم سرية الحسابات المصرفية، وتعدد وتنوع فرص الاستثمار، وعدم وجود ضرائب مرتفعة على دخول غير المقيمين، مع وجود استقرار سياسي، واقتصادي، واجتماعي، ومناخ مناسب للاستثمار بشكل عام.
  3. وجود ركود أو كساد اقتصادي في الدول النامية، وارتفاع أعباء الفائدة على القروض، وانخفاض العائد الحقيقي على الودائع في ظل التضخم، وعدم استقرار السياسات الاقتصادية، وارتفاع أعباء الضرائب المباشرة وغير المباشرة… الخ.
  4. تضاؤل فرص الاستثمار، وارتفاع تكاليف الإنتاج، وانخفاض قيمة العملة الوطنية، ووجود نظم الرقابة على النقد، والأسواق السوداء للعملات الحرة وغيرها، مما يؤدي إلى عزوف المدخرين عن توظيف أموالهم داخل البلاد، وتفضيل توظيفها خارج الحدود للاستثمار في الأصول الأجنبية.
  5. المعوقات الإدارية، والإجراءات المتشددة للحصول على التراخيص وتخليص الجمارك، والمحاسبة الضريبية، وتعسف أجهزة التفتيش، والرقابة، والمتابعة، وتعددها وتضارب اختصاصاتها، والتعرض لمخاطر تنازع الجهات السياسية، على حقوق التراخيص بمزاولة النشاط، واحتمالات إزالة المشروع الاستثماري، والانتظار طويلاً لإجراءات التقاضي والمنازعات المدنية حول الحيازة والملكية… الخ.

النقد الأجنبي
تنشأ السوق السوداء للنقد الأجنبي، عندما تتدخل الحكومة في سوق سعر الصرف، وتقيم عملتها بسعر يفوق السعر السوقي، أو بعبارة أخرى، تقوم بتحديد سقف سعري للعملات الأجنبية مقابل العملة المحلية (انظر شكل التسعيرة الجبرية للعملات). افترض أن قوى العرض والطلب تتعادل، عندما يكون سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي مساوياً So والكمية Mo. افترض أن الحكومة حددت سعر الصرف ليصبح S والذي هو أقل من So، أي أن العملة المحلية أصبحت أغلى من السعر، الذي تتعادل عنده قوى العرض والطلب. هذا بدوره يؤدي إلى خلق طلب أعلى من العرض، الذي توفره الحكومة للدولار الأمريكي، مما يعمل على نشأة سوق سوداء لتلك العملة، يكون فيها تقويم الدولار الأمريكي أعلى من تقييم الحكومة له، والفارق بين السعر الحكومي وسعر السوق السوداء هو S – So.

قبل اتباع سياسات الإصلاح الاقتصادي في مصر، وجدت سوق سوداء لكل شيء، تقريباً، يقع تحت سيطرة الحكومة. ولعل أبرز هذه الأشكال هي السوق السوداء للنقد الأجنبي، والتي ضمت عدداً ضخماً من المتعاملين، الذين انتشروا عبر أرجاء مصر كلها، كما كانوا يتعاملون بكل أنواع العملات الأجنبية، وبصفة خاصة الدولار الأمريكي. ولقد كانت السوق السوداء للنقد الأجنبي أكبر نشاطات الأعمال في مصر، وكذلك أكثرها ربحاً. أكثر من ذلك، فإنه على الرغم من الصفة غير القانونية للسوق، فإنها كانت تعمل في ظل ظروف معقولة، من حيث درجة الأمان المحيطة بالمتعاملين في السوق، وذلك بسبب انخفاض درجة السيطرة، فضلاً عن صعوبة الرقابة على مثل هذه المعاملات غير القانونية من جانب السلطات. وقد بدأت السوق السوداء للنقد الأجنبي في أعقاب تبني سياسة الرقابة على الصرف الأجنبي، بعد قيام الحرب العالمية الثانية. ولقد مثلت المناطق الحضرية الرئيسية، وكذلك مناطق الجذب السياحي الرئيسي في البداية، المراكز الأساسية التي يوجد فيها المتعاملون، بالنقد الأجنبي في السوق السوداء، للنقد الأجنبي في مصر. غير أنه بحلول منتصف السبعينيات، بدأت الهجرة على نطاق واسع إلى الدول العربية النفطية، والتي شملت مهاجرين من كل أقاليم مصر، ومن مختلف الأعمار، والمستويات المهنية، والوظيفية. ولقد أخذ هؤلاء المهاجرون يضخون كميات ضخمة من النقد الأجنبي في كل الأقاليم الجغرافية، مما أدى إلى اتساع السوق بدرجة كبيرة.

واستجابة لهذا النمو، في حجم المعاملات في السوق السوداء للنقد الأجنبي، قامت الحكومة باتخاذ مجموعة من الإجراءات هي:

إلغاء حرية الحيازة، والتعامل في النقد الأجنبي.
زيادة العقوبات على التعامل في السوق السوداء.
استخدام أدوات السياسة الاقتصادية الملائمة للحد من التعامل بالنقد الأجنبي.
ففي عام 1968م، حدثت بعض التحولات في السياسة الاقتصادية، من حيث السماح للأفراد والأعمال باستيراد احتياجاتهم من الخارج، في حدود معينة باستخدام مواردها الخاصة من النقد الأجنبي، من دون التزام من جانب الحكومة بتوفير النقد الأجنبي اللازم لعملية الاستيراد، وهو ما عرف، فيما بعد، بنظام الاستيراد من دون تحويل عملة. وعندما تبنت الدول سياسة الانفتاح الاقتصادي، تم إعادة حق حيازة النقد الأجنبي والتعامل به، من خلال البنوك المسموح لها بذلك. ففي عام 1973م، تم إنشاء السوق الموازية للنقد الأجنبي، لجذب تحويلات المصريين العاملين في الخارج، وكذلك توجيه الإنفاق السياحي نحو القنوات الرسمية للنقد الأجنبي، وذلك عن طريق منح هذه المعاملات معدلات صرف تشجيعية، من خلال إضافة علاوة تشجيعية إلى معدل الصرف الرسمي. إلا أن عملية إدارة معدل الصرف في السوق الموازية للنقد الأجنبي، سارت على نفس نمط إدارة معدل الصرف الرسمي في السابق؛ ولذلك فشلت السوق الموازية في تعبئة موارد النقد الأجنبي المتاحة لدى المصريين العاملين في الخارج، وكذلك فشلت في جذب السائحين نحو استخدام السوق الرسمية، في تحويل ما لديهم من نقد أجنبي. فقد كانت معدلات الصرف في السوق الموازية ثابتة تقريباً، وفشلت في أن تجاري تحركات معدل الصرف في السوق السوداء. وإذا ما نظرنا إلى مصادر العرض للنقد الأجنبي في السوق السوداء، فإننا نجد أن إنفاق السائحين كان هو المصدر الرئيسي لموارد النقد الأجنبي في السوق السوداء، وذلك استجابة للفروق بين معدلات الصرف الرسمية ومعدل الصرف في السوق السوداء. كذلك فقد مثلت عمليات تزييف فواتير التجارة الخارجية، سواء خلال المغالاة في قيمة الواردات، أو من خلال إبخاس الواردات، أي إظهار الصادرات بأقل من قيمتها الحقيقية، مصدراً مستمراً لتدفقات النقد الأجنبي في السوق السوداء، وذلك إذا ما استثنينا فترة الستينيات، حيث انخفضت أهمية هذا المصدر؛ بسبب احتكار الحكومة لعمليات التجارة الخارجية في هذه الفترة. غير أنه، مع تبني سياسة الانفتاح الاقتصادي، تم إرخاء احتكار الحكومة لمعاملات التجارة الخارجية بصورة متتابعة، مما أدى إلى عودة عمليات التزييف بصورة أكبر مما سبق. حتى أصبحت أهم المشاكل، التي تواجهها هيئة الرقابة على الصادرات والواردات. ومنذ منتصف السبعينيات، أصبحت تحويلات المصريين العاملين في الخارج أهم مصادر النقد الأجنبي، والتي قدرت بحوالي 30 مليار جنيه سنوياً، كان يتدفق منها 10 % فقط في المتوسط، من خلال القنوات الرسمية. أما النسبة الباقية فإنها وجدت طريقها إلى السوق السوداء للنقد الأجنبي. غير أنه، مع تبني سياسات الإصلاح الاقتصادي، بصفة خاصة، فيما يتعلق بمعدل الصرف الأجنبي، ومعدلات الفائدة على الجنيه المصري، فإن تحويلات المصريين العاملين في الخارج أخذت في التزايد، حتى بلغت 11 مليار جنيه حالياً.

أما فيما يتعلق بمصادر الطلب على النقد الأجنبي في السوق السوداء، فإن مصدر الطلب الرئيسي يتمثل في تمويل عمليات الاستيراد السلعي من الخارج، سواء لتمويل عمليات التهريب السلعي، أو ما كان يطلق عليه سابقاً تجارة الشنطة، أو لتمويل عمليات الاستيراد، بدون تحويل عملة. فوفقاً لنظام الاستيراد بدون تحويل عملة، يتم منح تراخيص الاستيراد للمستوردين، الذين يثبتون أن لديهم كميات كافية من النقد الأجنبي، بدون مساءلة عن مصادر هذه الأموال.

ومما لاشك فيه، أن عمليات تمويل تجارة المخدرات، تتم أساساً بالاعتماد على السوق السوداء للنقد الأجنبي. كذلك فإن، هناك، طلباً قوياً على النقد الأجنبي، من جانب الأفراد، الذين يرغبون في شراء أصول مالية مقومة بالنقد الأجنبي، حيث ازداد الطلب على النقد الأجنبي؛ لأغراض الاستثمار في محفظة الأوراق المالية، في الفترات، التي كانت فيها معدلات الفائدة على الجنيه المصري ثابتة وسالبة من الناحية الحقيقية، كإحدى إستراتيجيات تنويع المخاطر المالية للمستثمرين المصريين. كذلك فإن الطلب على النقد الأجنبي؛ لأغراض تهريب الأموال، قد تزايد بصورة واضحة في أعقاب فترة الانفتاح، والذي قدر بحوالي 500 مليون دولار سنوياً.

تزييف العملة

      يعتبر نشاط تزييف الدولارات الأمريكية من المصادر المتاحة، للحصول على دخول غير مشروعة بواسطة عصابات دولية، تتولى الطبع، والتزييف، والترويج في دول متعددة في مختلف أنحاء العالم، تعمل في نشاط السوق السوداء، على الرغم من حرص كل دولة، على تضمين عملتها الصحيحة في مراحل صنعها، عناصر أمن تواجه ماكينات تصوير المستندات متعددة الألوان. ويمثل تزييف العملة بطريقة الطباعة بأكلاشيهات مصطنعة، أخطر طرق التزييف، بسبب اعتماد العملات الصحيحة في إنتاجها على أسلوب الطباعة أيضاً، وبذلك يكون التزييف قد اقترب من المستوى العالمي للإتقان، الذي يمكن به خداع الشخص العادي وقبول الأوراق المزيفة، على أساس أنها صحيحة، ويجني المزورون أموالاً ضخمة تتحقق في السوق السوداء.

      ويعتبر الدولار الأمريكي أكثر عملات العالم، التي يتم تزييفها على المستوى الدولي، نظراً لعدم توافر الإجراءات الأمنية الفعالة، التي تواجه عملية تقليد الدولار؛ حيث يتكون من لونين فقط هما اللون الأسود واللون الأخضر، ولا يوجد تداخل بينهما في أي مكان من الورقة المالية. وذلك إضافة إلى أن الدولار الأمريكي يعتبر أكثر العملات قبولاً في جميع دول العالم، باعتباره عملة عالمية قابلة للتحويل، ومقبولة من جميع الأفراد، والبنوك، والمشروعات في جميع دول العالم حالياً، بسبب القوة الاقتصادية للاقتصاد الأمريكي، ومن ثم العملة الأمريكية.

      وتصدر الولايات المتحدة، سنوياً، ما يزيد على أربعمائة مليار دولار أمريكي، منها 23% فقط يتداول داخل الولايات المتحدة الأمريكية، أما الـ 77% الباقية، فيتم طرحها للتداول خارج الولايات المتحدة الأمريكية، وقد استطاعت مصر ضبط بعض العصابات الدولية، التي تتولى تقليد وتزييف الدولار الأمريكي من فئة الدولار الواحد، وضبطت ماكينات الطباعة والأدوات المستخدمة في عملية التقليد، وتم التحفظ على 1.5 مليون دولار أمريكي مزور عام 91ـ1992م.

      ونظراً لأن العملات الدولارية من فئات مائة دولار، و50 دولاراً تعتبر أكثر الفئات تعرضاً للتزييف، فقد لجأت وزارة المالية الأمريكية إلى اتخاذ بعض الإجراءات الجديدة؛ للحد من سهولة عمليات طباعة النقد المزيف، وذلك عن طريق وضع سلك من البولياستر مدمج داخل نسيج الورقة، على يسار ختم الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ومطبوع على الخيط اختصار اسم الولايات المتحدة الأمريكية باللغة الإنجليزية U. S. A.، مع كتابة قيمة الورقة بجانب هذه الحروف في نسق عمودي متكرر، وغير قابل للتصوير بواسطة ماكينات النسخ الملونة.

      كما لجأت وزارة المالية الأمريكية كذلك، إلى كتابة اسم الولايات المتحدة الأمريكية باللغة الإنجليزية، معادة بحروف صغيرة جداً حول صورة الرئيس الأمريكي المطبوعة على الورقة المالية، ولا يمكن قراءة هذه الحروف بالعين المجردة.

      وتشير التقارير الحديثة إلى أن التزوير يتحول من الدولار، أو المارك، أو الين إلى تزوير الشيكات، والسندات والأوراق المالية الأخرى؛ حيث وجه الإنتربول الدولي تحذيراً إلى الأسواق المالية في دول الخليج، من انتشار سندات مزورة صادرة عن النرويج، قيمتها 15 مليون دولار صادرة في شهر يونيه 1994م، وتحمل أرقاماً تبدأ من 95501 إلى 100000، إضافة إلى 94 سنداً، تحمل أرقاماً من 401 إلى 494.

      وقال الإنتربول الدولي إن شركات وهمية تتولى ترويج هذه السندات، وكذلك الحال بالنسبة لتزوير الشيكات المصرفية، خاصة شيكات الرواتب والتعويضات، التي تضاعفت عملية تزويرها خمس مرات عام 1994م، وارتفعت بمعدل 50% في نيويورك عام 1993.

التهرب الضريبي

      إن أول وأهم الآثار السلبية المترتبة على وجود الاقتصاد الخفي، هي أن جانباً من الدخل، الذي يتم توليده داخل الاقتصاد لا يدفع عنه ضرائب. ويحدث ذلك عندما لا يقوم الأفراد بالكشف عن دخولهم وطبيعتها، أو طبيعة وظائفهم، التي يقومون بها، أو كليهما للسلطات الضريبية. كذلك فإن هناك بعض أشكال الضرائب، مثل ضريبة القيمة المضافة وضريبة المبيعات، لا يتم تحصيلها نتيجة التهرب الضريبي، وعندما يصبح حجم الاقتصاد الخفي جوهرياً، فإنه يؤدي إلى فقد جوهري في الإيرادات العامة. ويترتب، على الفقد في الإيرادات الناتج عن التهرب الضريبي، زيادة مستويات الضرائب على النشاطات التي تتم في الاقتصاد الرسمي، أي أن معدلات الضرائب، التي يتم جمعها على الدخول المسجلة تصبح أكثر من اللازم. كذلك فإن الإيرادات الحكومية ستكون أقل من القدر، الذي يجب أن تكون عليه. ومن ثم يزداد عجز الموازنة العامة للدولة. وبهذا يصبح النظام الضريبي القائم على الضرائب على الدخل، في ظل وجود حجم كبير للاقتصاد الخفي، غير عادل، وهذا ما يولد ضغوطاً كبيرة نحو تبني نظم للضرائب غير المباشرة. كذلك، فإن هناك مخاطرة من أن انتشار عملية التهرب الضريبي سوف تدفع الآخرين على التهرب الضريبي.

      لقد قدرت إدارة الضرائب I. R. S. في الولايات المتحدة مستوى الخسارة الناتج عن التهرب الضريبي، بسبب وجود الاقتصاد الخفي، بحوالي 40ـ42 مليار دولار عام 1976م. أما في عام 1981م، فقد قدرت خسارة الضريبة على الدخل، الناتج عن وجود الاقتصاد الخفي، ما بين 86 و90 مليار دولار، وهو ما يعني أن خسارة الضريبة من الدخل الناتجة عن وجود الاقتصاد الخفي، تمثل 30 %، تقريباً، من إجمالي حصيلة الضرائب على الدخل.

محاولة تقدير حجم الأموال السوداء

تقدير حجم الأموال الهاربة من بعض الدول

      يمكن تقدير حجم الأموال الهاربة، باستخدام الزيادة في المديونية الخارجية، وتدفقات رؤوس الأموال الأجنبية في بعض الدول، خلال الفترة 1980ـ1992م، كما في جدول تقدير حجم الأموال الهاربة من بعض الدول 1980ـ 1992م.

تقدير حجم الأموال الهاربة من بعض الدول

1980 ـ 1992م بمليون دولار[1]

4

النسبة

المئوية

3

حجم الأموال الهاربة

(3)=(1)-(2)

2

صافي التدفق الرأسمالي

1

الزيادة في حجم المديونية الخارجة

البيان

 

اسم الدولة

94.8 8657 479 9136 بنجلادش
94.0 53008 3393 56401 الهند
93.7 20650 1375 22025 نيجيريا
84.5 54789 10028 64817 الصين
91.3 57918 5523 63441 إندونيسيا
96.7 10208 344 10552 كوت ديفوار
83.8 12637 2444 15081 الفلبين
98.2 10709 198 10907 بيرو
93.6 10856 739 11595 المغرب
102.1 6415 (-) 132 6283 الإكوادور
98.8 11551 203 11754 بلغاريا
108.9 11180 (-) 917 10263 كولومبيا
99.7 6971 19 6990 الجزائر
95.1 89611 1516 31127 تايلاند
93.4 33286 2363 35649 تركيا
75.2 7269 2390 9659 إيران
85.1 65017 11401 76418 روسيا
91.9 6693 586 7279 شيلي
92.2 46180 3918 50098 البرازيل
94.4 12482 744 13226 ماليزيا
87.0 6830 1018 7848 فنزويلا
102.0 12377 (-) 241 12136 المجر
100.6 56321 (-) 321 56000 المكسيك
99.0 4004 408 40412 الأرجنتين
78.4 10595 2924 13519 كوريا
87.3 19485 2832 22317 البرتغال

      ويوضح هذا الجدول ما يلي :

أولاً: تتمثل الدول، التي ترتفع فيها قيمة الأموال المهربة إلى الخارج، في كل من روسيا الاتحادية، وإندونيسيا، والصين، والهند، والبرازيل، والمكسيك، والأرجنتين، ويراوح حجم الأموال المهربة بين 40 مليار دولار في الأرجنتين، وحوالي 65 ملياراً في روسيا الاتحادية، خلال الفترة 80 ـ 1992، أي خلال ثلاثة عشر عاماً، بمعدل سنوي يراوح بين 3.1 مليار دولار، وخمسة مليارات دولار.

ثانياً: الدول التي تعتبر متوسطة التهريب للأموال، هي التي يزيد فيها حجم الأموال المهربة على عشرة مليارات، ويقل عن أربعين ملياراً، وهي: نيجيريا، وكوت ديفوار، والفلبين، وبيرو، والمغرب، وبلغاريا، وكولومبيا، وتايلاند، وتركيا، وماليزيا، والمجر، وجمهورية كوريا الجنوبية، والبرتغال. ويراوح حجم الأموال المهربة من هذه الدول بين 10.2 مليار دولار في كوت ديفوار، و33.3 مليار في تركيا خلال الفترة من 1980-1992.

ثالثاً: أما الدول قليلة التهريب للأموال فهي بقية الدول المذكورة في الجدول الرقم 1، وتشمل بنجلاديش، وإكوادور، والجزائر، وإيران، وشيلي، وفنزويلا. ويراوح حجم الأموال المهربة من هذه الدول بين 6.4 مليار دولار في الإكوادور، و8.6 مليار في بنجلاديش خلال نفس الفترة.

رابعاً: فيما يتعلق بنسبة الأموال المهربة إلى الزيادة في حجم المديونية الخارجية، نجد أن هذه النسبة تراوح بين 84.5%، 100.6% في مجموعة من الدول مرتفعة التهريب للأموال. وتراوح بين 87.4%، 108.9% في الدول المتوسطة التهريب للأموال. أما الدول قليلة التهريب للأموال، فتراوح النسبة فيها ما بين 75.2%، 102.1%، خلال الفترة نفسها.

      وهكذا يتضح أن نسبة الأموال المهربة إلى إجمالي الزيادة في المديونية الخارجية، تتناسب طردياً مع حجم الأموال المهربة إلى الخارج، حيث ترتفع في الدول، التي تزيد فيها قيمة الأموال المهربة إلى الخارج، وتقل في الدول، التي يقل فيها حجم الأموال المهربة إلى الخارج، وذلك فيما يتعلق بالحدود الدنيا لتلك النسبة، أما الحدود العليا فنجد أن العلاقة معكوسة، حيث تقل النسبة في مجموعة الدول مرتفعة التهريب عنها في بقية المجموعات. كما أن النسبة تبلغ أقصى ارتفاع، في مجموعة الدول متوسطة التهريب، ولعل ذلك يرجع إلى أن هذه الدول يرتفع فيها حجم الاقتصاد الخفي أو السري، بالمقارنة بغيرها من مجموعات الدول الأخرى.

علاج ظاهرة تهريب الأموال

      يبذل العديد من الدول إجراءات متعددة لعلاج ظاهرة تهريب الأموال إلى الخارج، خصوصاً تهريب الأموال غير المشروعة. ومن أمثلة الإجراءات، التي اتبعتها بعض هذه الدول، ما يلي:

أولاً: إلغاء القيود على التعامل في النقد الأجنبي، والسماح بفتح حسابات حرة معلومة المصدر في البنوك المحلية لاستخدامها في سداد المدفوعات المختلفة؛ بهدف دعم، وتنمية، وجذب الاستثمارات إلى داخل البلاد.

ثانياً: فرض ضريبة على الأموال المهربة إلى الخارج، تراوح ما بين 3.7%، 5%، كما حدث في المكسيك، والتي أدت إلى عودة ثلاثة مليارات دولار، خلال عام 1989 وحده، إضافة إلى ارتفاع قيمة احتياطيات المكسيك بحوالي 1.2 مليار دولار في نفس العام.

ثالثاً: توفير العديد من المزايا وحوافز الاستثمار، وتسهيل الإجراءات الإدارية وتطوير النظم في مواقع الخدمات، والتراخيص، والموانئ، والمطارات، وغيرها من أجل تشجيع المستثمرين المحليين على استثمار أموالهم داخل البلاد، بدلاً من هروبها إلى الخارج.

رابعاً: استقرار السياسات الاقتصادية بصفة عامة، واستقرار سعر الصرف بصفة خاصة لضمان الحصول على عائد مجز داخل البلاد، بدلاً من تحويل الأموال والمدخرات بالعملات الأجنبية إلى الخارج للحصول على مكاسب أفضل.

خامساً: قيام بعض الدول بتطوير الجهاز المصرفي، وتطوير أسواق المال والنقد المحلية، وربطها بالأسواق العالمية، وتحرير البنوك الوطنية، وزيادة معدل ملاءمتها، بحيث تتناسب مع المعدلات المطلوبة عالمياً؛ بهدف زيادة قدرة هذه البنوك على النجاح في مجهودات التنشيط للتسويق المصرفي، وجذب أكبر عدد من العملاء والأموال، سواء بالعملات المحلية أو الأجنبية.

سادساً: لجأت بعض الدول إلى التعاون الدولي في مكافحة الجرائم الاقتصادية، بحيث يمكن تعقب الأموال الهاربة غير المشروعة، وإعادتها إلى البلاد، بعد استصدار أحكام قضائية، ضد أصحاب الأموال غير المشروعة، وقد تنجح بعض الدول في تجميد الحسابات في البنوك الأجنبية لمنع المهربين من الاستفادة منها، أو عدم إتمام عملية غسيلها، توطئة لعودتها إلى البلاد بصفة مشروعة.

تقدير حجم الأموال المهربة من مصر

      باستخدام الزيادة في حجم المديونية الخارجية، وتدفقات رؤوس الأموال الأجنبية في مصر، خلال الفترة 1980-1998م، يمكن الوصول إلى تقدير حجم الأموال المصرية الهاربة إلى الخارج، سواء بشكل مشروع أو غير مشروع،  وجدول تقدير حجم الأموال الهاربة من مصر خلال الفترة 1980- 1998م يشتمل على تقديرات لحجم تلك الأموال.

تقدير حجم الأموال الهاربة من مصر

خلال الفترة 1980- 1998م بمليون دولار[1]

4

النسبة المئوية

3

حجم الأموال الهاربة (3)=(1)-(2)

2

صافي التدفق الرأسمالي

1

الزيادة في حجم المديونية الخارجة

السنوات

83.1

117.4

88.7

99.9

(-)9694.0

(-)11677

(-)1200.2

(-)11494.9

(-)10390.0

5107.3

(-)460.0

(-)2763.3

(-)1041.2

(-)251.0

(-)6351.2

1408.5

(-)1424.9

2482.8

2097.6

1541.0

144.7

(-)3006.0

11334.0

12347.0

13530.2

13064.9

17700.0

1042.7

680.0

1163.3

1741.2

3451.0

651.2

(-)208.5

324.9

317.2

4197.6

3521

(-)144.7

(-)3006.0

1640

670

1530

1570

7310

6150

220

(-)1600

700

3200

(-)5700

1200

(-)1100

2800

2100

(-)1940

(-)2300

(-)300

80/81

81/82

82/83

83/84

84/85

85/86

86/87

87/88

88/89

89/90

90/91

91/92

92/93

93/94

94/95

95/96

96/97

97/98

الآثار السلبية للسوق السوداء

      لا يؤدي وجود الاقتصاد الخفي إلى تشويه بيانات الناتج القومي فقط، وإنما يؤثر على معلوماتنا، حول معظم جوانب النشاط الاقتصادي، مثل مستويات التشغيل، والبطالة، وأنماط الدخل، ومستويات الادخار الحقيقي في المجتمع. ونعرض فيما يلي هذه الآثار:

1. فقدان حصيلة الضرائب

      إن أول وأهم الآثار السلبية المترتبة على وجود الاقتصاد الخفي، هي أن جانباً من الدخل، الذي يتم توليده داخل الاقتصاد، لا يدفع عنه ضرائب. ويحدث ذلك، عندما يقوم الأفراد بالكشف عن دخولهم أو طبيعة وظائفهم، التي يقومون بها أو كليهما للسلطات الضريبية. كذلك فهناك بعض أشكال الضرائب، مثل ضريبة القيمة المضافة، وضريبة المبيعات، لا يتم تحصيلها نتيجة للتهرب الضريبي. وعندما يصبح حجم الاقتصاد الخفي جوهرياً، فإنه يؤدي إلى فقد جوهري في الإيرادات العامة. ويترتب على الفقد في الإيرادات، والناتج عن التهرب الضريبي، زيادة مستويات الضرائب على النشاطات، التي تتم في الاقتصاد الرسمي، بمعنى أن معدلات الضرائب، التي يتم جمعها على الدخول المسجلة تصبح أكبر من اللازم. كذلك فإن الإيرادات الحكومية ستكون أقل من القدر، الذي يجب أن تكون عليه، ومن ثم، يصبح عجز الموازنة العامة للدولة أكبر مما يجب، وبهذا الشكل، يصبح النظام الضريبي، القائم على الضرائب على الدخل، في ظل وجود حجم كبير للاقتصاد الخفي غير عادل. وهذا ما يولد ضغوطاً أكبر نحو تبني نظم للضرائب غير المباشرة.

2. فشل سياسات الاستقرار الاقتصادي

      فقد يؤدى النمو السريع للاقتصاد الخفي، إلى فشل سياسات الاستقرار الاقتصادي، حيث يؤدي هذا الجانب من الاقتصاد إلى تشويه المؤشرات الخاصة بسياسة الاستقرار الاقتصادي، فنمو الاقتصاد الخفي ينتج عنه، نوع من المغالاة في المؤشرات الرسمية للتضخم، والبطالة، ومعدلات نمو الناتج. ومن ثم، فإن سياسة الاستقرار قد تستجيب لمشكلات غير واقعية، وإذا ما حاولت سياسة الاستقرار الاقتصادي اتخاذ إجراءات مضادة لمواجهة هذه المشكلات، فإن سياسة الاستقرار الاقتصادي، سينشأ عنها إجراءات تحدث نوعاً من عدم الاستقرار في الاقتصاد الرسمي، لدرجة أن المشكلات غير الحقيقية تصبح مشكلات حقيقية، يتحول بمقتضاها الاقتصاد الخفي من خلال التضخم والبطالة إلى اقتصاد ذي حجم كبير.

3. اختلاف معدل النمو الاقتصادي

      عندما يوجد الاقتصاد الخفي، فإن معدلات النمو الحقيقي في الاقتصاد، سوف تختلف عن معدل النمو المسجل، فإذا كان كل من الاقتصاد الرسمي والخفي ينموان بصورة متوازية، فإن التحيز في المؤشرات عن النمو الفعلي، يصبح صفراً، أما إذا تعدى معدل نمو الاقتصاد الخفي معدل النمو الخاص بالاقتصاد الرسمي، فإن معدل النمو الاقتصادي العام في الاقتصاد بصفة كلية، يصبح أقل من الواقع، والعكس. ومن ثم، يظهر تشوه المؤشرات الاقتصادية في صورة تقديرات أقل من الواقع، أو تقديرات مغالى فيها عن معدل النمو الاقتصادي؛ وعلى ذلك، فإن قياسات الناتج القومي، التي لا تأخذ الاقتصاد الخفي في الحسبان، تصبح غير مناسبة.

4. المغالاة في معدلات التضخم

      يعني وجود الاقتصاد الخفي أن معدل التضخم، سيكون مغالى فيه؛ حيث تميل الأسعار في الاقتصاد الخفي، إلى التزايد، بمعدلات أقل من تلك السائدة في الاقتصاد الرسمي، بصفة خاصة عندما يكون الاقتصاد الخفي منافسا للاقتصاد الرسمي، في تقديم نفس السلع والخدمات. فأحد جوانبه الاستجابة للزيادة في الأسعار، وهو زيادة حجم النشاط في الاقتصاد الخفي. إذ إنه، من المتوقع، أن تكون أسعار السلع في الاقتصاد الخفي أقل من الأسعار في الاقتصاد الشرعي، بأعبائه الضريبية والإجرائية.

      وعلى العكس من ذلك فإنه، أيضاً من المتوقع، في حالة الدول النامية، حينما تكون معظم السلع مدعمة، أو تخضع للتسعير الجبري، أو أن تكون الخدمات محددة، مع وجود فائض كبير في الطلب على السلع والخدمات. مثال ذلك الدقيق، والأسمنت، والخشب، وحديد التسليح، أو المساكن المؤجرة في مصر. ففي مثل هذه الحالات، يحدث تحيز في بيانات التضخم؛ لأن سلة السلع، التي يحسب على أساسها الرقم القياسي لتكاليف المعيشة، لا تتعامل مع الاقتصاد الخفي بصفته حقيقة واقعة، وإنما يتم الحساب على أساس الأسعار الرسمية لهذه السلع.

5. التأثير على السياسة النقدية

      إن وجود الاقتصاد الخفي، سوف يعني أن الطلب على النقود لأغراض إجراء المعاملات في الاقتصاد الخفي لا بد أن يضاف إلى الدوافع الأساسية للاحتفاظ بالنقود. كذلك فإن وجود الاقتصاد الخفي يؤثر على السياسة النقدية، من خلال سلوك الأساس النقدي، أي احتياطيات البنوك والنقود السائلة، والتي يفترض أنها تحت تحكم وسيطرة البنك المركزي. وبما أن نسبة النقود السائلة المستخدمة في الاقتصاد الخفي، تعتبر مرتفعة، فإن سياسة البنك المركزي ليس لها أي تأثير مباشر على ذلك الجزء من الأساس النقدي. ولهذا الحد فإن سياسة البنك المركزي، لا بد أن يتم تحليلها في ضوء آثارها على احتياطيات البنوك، والجزء المتبقي من النقود السائلة فقط، بعد استبعاد النقود السائلة المستخدمة بواسطة الاقتصاد الخفي. فإذا ما كانت السياسة النقدية متشددة، فإن ذلك يؤدي إلى تقليل احتياطيات البنوك، وكذلك الكمية المحتفظ بها من النقود السائلة المستخدمة في الاقتصاد الرسمي. بإيجاز، فإن تأثير الإجراءات، التي يتخذها البنك المركزي على السوق النقدية، سيكون أقل مما هو متصور، وهذا سيعمل على تقليل فعالية السياسات النقدية المتخذة.

6. التأثير على توزيع الموارد

      يؤثر وجود الاقتصاد الخفي، على أداء الاقتصاد بطرق عدة، ومن المحتمل أن يكون له آثار سلبية على الكفاءة الاقتصادية. فعندما تكون هناك منافسة غير عادلة بين الاقتصاد الخفي والاقتصاد الرسمي، بالشكل الذي يمكن الاقتصاد الخفي من اجتذاب قدر أكبر من الموارد، فسيستمر هذا التدفق من الموارد الممولة من الاقتصاد الرسمي، نحو الاقتصاد الخفي، طالما أن معدلات العائد الصافي “بدون الضريبة” أعلى في الاقتصاد الخفي، منه في الاقتصاد الرسمي.

      كذلك، فإن الاقتصاد الخفي، عادة، يستخدم أنواعاً معينة من التكنولوجيا، بصفة خاصة تكنولوجيا المشروعات ذات الحجم الصغير، كذلك، فإنه يقوم على أساس نظام محدد للإدارة، يعتمد بصفة أساسية، على نظام الاتصال المباشر، والتي يترتب عليها تكلفة أكبر للعمليات. أما الاقتصاد الرسمي فيستخدم نظم التكنولوجيا واسعة المجال ونظم اتصال أقل تكلفة.

      مما سبق، نستخلص أن مدى سلامة التحليل يعتمد على فروق الكفاءة في استخدام الموارد بين الاقتصاد الرسمي والخفي. ويلاحظ أن معظم التحليل في أدبيات الاقتصاد الخفي، يقوم على افتراض أن كفاءة استخدام الموارد في الاقتصاد الخفي أقل منها في الاقتصاد الرسمي، وهو افتراض قد لا يكون صحيحاً في بعض الأحيان، وخصوصاً في الاقتصاديات، التي تعاني من تشوهات ناجمة عن عدم صحة السياسات الاقتصادية المطبقة. ففي مثل هذه الحالة، يترتب، على عملية تحويل بعض الموارد نحو الاقتصاد الخفي، وضع الاقتصاد عند مستوى توازن أفضل مما لو تم توجيه الموارد نحو الاقتصاد الرسمي.

      وفيما يلي، بعض آثار هذا الاقتصاد على عملية صناعة وأداء السياسات الرامية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي:

1. تشوه المعلومات

      عندما يكون حجم الاقتصاد الخفي كبيراً، فإن درجة اعتمادية البيانات الرسمية ستنخفض، وتكون المؤشرات الاقتصادية غير مناسبة لعملية صنع السياسة الاقتصادية. وعندما تكون الإحصاءات الاقتصادية متحيزة، ويكون مستخدمو هذه الإحصاءات على غير علم بهذا التحيز، فإن الاقتصاديين يقومون بإجراء توقعات خاطئة، وتقديم تحليل غير صحيح لصانعي السياسة، الذين، بدورهم، يأخذون سياسات خاطئة للتعامل مع المشاكل المختلفة. والنتيجة الطبيعية للبيانات غير الصحيحة والسياسات غير المناسبة، هي تطبيق سياسات غير مثلى، ستترتب عليها آثار اقتصادية غير مناسبة. ومن ثم، فإن النتائج المترتبة على السياسة، سوف تكون أقل مما هو مطلوب، أو قد تكون النتائج معاكسة. يعتمد ذلك على مستوى المسحوبات بين الاقتصاد الرسمي والاقتصاد الخفي، ومستوى أدائهما الاقتصادي.

2. معدلات البطالة

      يعتبر معدل البطالة من الأمور الحيوية من الناحية السياسية؛ ومن هنا تبدو أهمية الاقتصاد الخفي، في قدرته على التأثير في فرص العمل لهؤلاء الذين لم يوفقوا في الحصول على فرصة عمل في الاقتصاد الرسمي. وبما أن هذه العمالة، عادة، تكون غير مسجلة، فإن الأرقام الرسمية عن معدلات البطالة في الاقتصاد تصبح مغالى فيها. على سبيل المثال، فإن هناك ادعاء بأن معدلات البطالة في مصر تضم كل خريجي الجامعات والمعاهد الفنية، هذا إضافة إلى جانب من المتسربين من النظام التعليمي، إلا أنه يمكن القول إن هناك نوعاً من المغالاة في هذه الأرقام.

معالجة ظاهرة السوق السوداء

      لاشك أن السياسات الاقتصادية سوف تكون أكثر فعالية، إذا ما كان حجم الاقتصاد الخفي صغيراً. ومن ثم، فقد اقترحت عدة إجراءات؛ للتعامل مع ظاهرة الاقتصاد الخفي، في محاولة للقضاء عليه، أو التخفيف من حدة الآثار المترتبة على وجوده. لقد أثبتت الدراسات أن التهرب الضريبي يلعب دوراً أساسياً في نمو الاقتصاد الخفي. غير أن التهرب الضريبي يرتبط بمعدل الضريبة. فإذا مال هذا المعدل إلى الارتفاع، فإن معدل التهرب الضريبي يرتفع، ويرتفع، استطراداً، حجم الاقتصاد الخفي. إن معالجة الاقتصاد الخفي الناجم عن ارتفاع مستوى التهرب الضريبي أو ارتفاع معدل التهرب الضريبي، لا بد أن ترتبط بالآتي:

ـ إعادة إصلاح النظام الضريبي.

ـ مراجعة أساس حساب الضريبة، ومعدل الضريبة، والتصاعد الضريبي.

ـ مراجعة أشكال الكشف عن مصادر الدخل، وأساليب التحصيل.

ـ تقليل المستندات والأوراق المطلوبة للمراجعة الضريبية، وتبسيط الإجراءات، خصوصاً بالنسبة للمشروعات الصغيرة ذات الإمكانيات المحاسبية المحدودة.

ـ مراجعة مدى حدة العقوبات على التهرب الضريبي.

ـ مراجعة مدى ملاءمة النظام الضريبي بصفة عامة.

      لاشك أن تخفيض عملية التهرب الضريبي، من خلال زيادة عمليات المراجعة الضريبية، عملية مكلفة. أكثر من ذلك، فإن منع التهرب الضريبي قد يحمل آثاراً سلبية وليس إيجابية. ذلك أن القضاء على التهرب الضريبي بشكل كامل أمر شبه مستحيل، ومن ثم، يكون من الأفضل ألا نقضي على التهرب الضريبي بالكامل، ولكن أن نحاول التوصل إلى وضع أمثل، حيث تتساوى فيه التكلفة الحدية للقضاء على الاقتصاد الخفي مع الإيراد الحدي، الذي ينتج عن هذه العملية. والسلطات لديها العديد من الأسلحة، التي يمكنها اللجوء إليها؛ لمكافحة الاقتصاد الخفي، على سبيل المثال، تكثيف عمليات التفتيش الضريبي، وزيادة العقوبات، وخفض معدلات الضرائب. ويحتاج تحقيق الوضع الأمثل إلى عملية إجراء موازنة دقيقة بين هذه الأدوات.

      وقد تساعد عملية تعديل معدلات الضرائب، بالتخفيف منها؛ لتتلاءم مع معدلات التضخم، على التخفيف من الاتجاه نحو الاقتصاد الخفي. إذ إن هذه العملية سوف يترتب، عليها، التقليل من الشعور بأن التضخم سيؤدى إلى نوع من عدم العدالة في توزيع الدخل، أو أن دافعي الضرائب سوف ينتقلون إلى شرائح أعلى مع ارتفاع الأسعار، بما يدفعهم إلى تفضيل التهرب الضريبي.

      وللقضاء على ظاهرة الاقتصاد الخفي، في مجال الدخول الخفية، يجب زيادة الغرامات على هؤلاء الذين يعملون في صورة خفية، وعلى الذين يقومون بتوظيفهم، وكذلك زيادة أعداد المراقبين والمفتشين، وإظهار درجة أكبر من التحكم والسيطرة على هذه الأشكال من العمالة الخفية، والعمل على تنمية الوعي الجماهيري بأهمية الظاهرة وآثارها السلبية على الاقتصاد والمجتمع، وأهمية الحاجة إلى تحجيم هذا الاقتصاد.

      وكذلك إدخال قوانين وإجراءات جديدة للتعامل مع هذه الظاهرة، مثل تخفيض، أو على الأقل تثبيت، مستويات الضرائب، وتقليل اشتراكات التأمينات الاجتماعية، وتغيير بعض قوانين العمل أو إلغاؤها، والتشدد في تطبيق الإجراءات الموجودة، أو إدخال إجراءات جديدة؛ للحد من العمالة المنزلية، والأعمال المؤقتة، والتعاقدات من الباطن، وغيرها من الأشكال، التي تسمح بازدهار الاقتصاد الخفي.

      يجب، على صانع السياسة الاقتصادية، أن يحاول البحث عن علاج يناسب طبيعة الأسباب، التي تقف وراء الظاهرة، والتي تنصب أساساً على تخفيض الحوافز نحو الانضمام إلى هذا الاقتصاد، وزيادة درجة جاذبية الاقتصاد الرسمي، بالشكل الذي يجعل حجم الاقتصاد الخفي هامشياً. وذلك في إطار من وزن التكاليف والعوائد المرتبطة بوجود هذا الاقتصاد، وتلك المرتبطة بالقضاء عليه، بحيث نصل إلى ما يمكن أن نطلق عليه الحجم الأمثل للاقتصاد الخفي، الذي يسمح له بأن يتعايش مع الاقتصاد الرسمي، وبالشكل الذي يقلل من الآثار السلبية للاقتصاد الخفي إلى أدنى مستوى ممكن. وأساليب العلاج هي:

ـ تقليص دور الحكومة في النشاطات الاقتصادية قدر الإمكان، والحد من تدخلها في آلية السوق لتحديد الأسعار.

ـ تكثيف برامج التوعية ضد أخطار المخدرات، لصغار السن، الذين اتجهوا إلى العمل مبكراً، وذلك لتعرضهم لمخاطر استخدام العقاقير والإدمان عليها.

ـ زيادة البرامج لشغل أوقات الفراغ للنشء والشباب؛ للتقليل من فرص تعرضهم لأخطار المخدرات، وخاصة في فصل الصيف، وتشجيع الشباب على المشاركة الإيجابية في برامج مكافحة المخدرات، والتبصير بأضرارها.

ـ تكثيف وتشديد الرقابة في النوادي والتجمعات الشبابية؛ لمنع انتشار ظاهرة ترويج المخدرات فيها.

ـ التأكيد على دور القطاع الخاص، بجانب دور الحكومة والقطاع العام، في خلق العديد من فرص العمل في المجالات المختلفة؛ للقضاء على ظاهرة البطالة المنتشرة بين قطاع عريض من الشباب، وذلك للقضاء على حدة ظاهرة الإدمان.

ـ وضع خطة إعلامية وتربوية لغرس القيم الدينية، والتوعية بأضرار المخدرات، بشرط أن تكون تلك البرامج والخطط بعيدة عن المبالغة والتهويل، ومبنية على دراسات متخصصة، على أن يؤخذ، في الاعتبار، ألا تكون المادة الإعلامية ذات تأثير سلبي على المتلقي.

ـ قيام الإعلام بالتوعية؛ لتعميق الشعور بالمسؤولية، تجاه خطورة المخدرات، واستنهاض المشاركة الشعبية تجاه المشكلة، وتناول الموضوع بشكل، لا يثير إضفاء البطولة أو الشجاعة على المهربين والمدمنين.

ـ تشجيع الأدباء والفنانين على إنتاج مواد فنية وأدبية، لدعم الوعي القومي ضد أخطار المخدرات، وإنشاء جوائز تشجيعية لأفضل إنتاج فني وأدبي في هذا الصدد.

ـ وضع برامج للتبصير بأضرار المخدرات، بطريقة عملية مبسطة، تبين آثارها المدمرة للجهاز العصبي للإنسان، لا في صورة تحذيرات وعبارات عامة.

ـ مناشدة أجهزة الإعلام بأن تحجب، كل من يثبت عنه تعاطي المخدرات، عن الظهور في أي أعمال تعرض على الشاشة أو غيرها من وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، ومناشدة وزارة الثقافة أن تمنعهم من المشاركة في أعمالها الفنية، التي تقدم للجماهير، أما الجماهير فمن حقها أن تقاطع هذه الفئة.

المصطلحات الفنية

Hidden Activities

النشاطات الخفية

Under – Ground

النشاطات تحت الأرض

Black Activities

النشاطات السوداء

Informal Activities

النشاطات غير الرسمية

Informal Activities

النشاطات غير النظامية

Unrecorded Activities

النشاطات غير المسجلة

Subterranean Activities

النشاطات تحت الأرض

Parallel Activities

النشاطات الموازية

Under Statement

عدم الشمول

Self – Employed Persons

يعملون لحسابهم الخاص

Moonlighting

الجمع بين وظيفتين

Sorting & Grading

التصنيف والتدريج

Simulation

أساليب المحاكاة

Relative Income Hypothesis

الدخل النسبي الافتراضي

 

Secondary Labor Market

سوق العمل الثانوية

Inferior Good

سلعة دنيا

Moonlighting Income

الدخل المكتسب من الوظائف والأعمال “غير الرسمية

Concealed Income in Kind

سرقات الموظفين والعمال

Black Money

الأموال السوداء

Corruption

الفساد

Property Rights

حقوق الملكية

Import Quotas

نظام حصص الاستيراد

Ration Price

نظام التسعيرة الإلزامي

Rent – Seeking activities

النشاطات التي تدر ريعاً     

Economic Rent

الريع الاقتصادي

Bargaining Power

القوة التفاوضية

Marginal Benefits

الفوائد الحدية

Increasing Returns

تزايد الغلة

Principal – Agent Relation

نماذج علاقة الحكومة ومؤسساتها بالموظفين

Coercive Corruption

الفساد القسري

Collusive Corruption

الفساد التآمري

Distortions

التشوهات المختلفة

Bidding

مزايدة

Shadow Economy

الاقتصاد الظلي

Informal Sectors

القطاعات غير الرسمية

Under ground Economy

الاقتصاد الخفي

I C R G” International Country Risk GUIDE

مؤشر المخاطرة الدولية للاستثمار

B I” Business International

مؤشر الأعمال الدولية

E I U” Economist Intelligence Unit

التابع لخدمة

T I” Transparency International Subjective

منظمة الشفافية الدولية

Price Controls

المؤشرات القيمية

Foreign Exchange

الصرف والتحويل

Natural Resource Endowment

التخصص بإنتاج وتصدير المواد الخام

Policy Distortion Index

مؤشر التشوهات في السياسات

Countervailing Actions

الإجراءات المضادة للفساد

Evasive

التجنب

Preventive

إجراءات وقائية

Inflation Indication

عملية التقييس في ظل وجود التضخم

Second Economy

الاقتصاد الثاني

Unreported Economy

الاقتصاد غير المسجل

Counter part Economy

الاقتصاد المقابل

Back Door Economy

اقتصاد الباب الخلفي

Value Added Tax

ضريبة القيمة المضافة

Unexplained Differences

الفروق غير المبررة

Self Employed

الأفراد الذين يعملون لحسابهم

Consumer Survey

مسح المستهلك

Sampling

المعاينة

Participation Rates

معدلات مشاركة قوة العمل

Surveys

المسوحات

Non – Optimal

سياسات غير مثلى

Leakage

المسحوبات

Steeper

أكثر حدة

المصادر والمراجع

أولاً: المراجع العربية

  1. حمدي عبدالعظيم، “غسيل الأموال في مصر والعالم”، الأهرام، القاهرة، 2000، ط2.
  2. صلاح الدين عبدالعزيز محمد، “أثر ظاهرة التستر على الاقتصاد الوطني”، الغرفة التجارية، ينبع.
  3. محمد إبراهيم طه السقا، “الاقتصاد الخفي في مصر”، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، د. ت.
  4. كيمبرلي آن أليوت، “الفساد والاقتصاد العالمي”، ترجمة محمد جمال، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة، 2000.
  5. مجلة “مصر المعاصرة”، محمود عبدالفضيل، جيهان دياب، “أبعاد ومكونات الاقتصاد الخفي وحركة الأموال السوداء في الاقتصاد المصري 1970ـ1980 في إطار نظام متطور للحسابات القومية”، أبريل 1985، القاهرة.

ثانياً: المراجع الأجنبية

  1. Ades, Alberto, and Rafael DI Tella, “National Champions and Corruption: Some Unpleasant Competitiveness Arithmetic”, University of Oxford, Oxford, U K, 1995.
  2. Ades, Alberto, and Rafael DI Tella, “Competition and Corruption”, Institute of Economics and Statistics University of Oxford, Oxford, U K, 1994, Discussion Papers 169.
  3. Baruch Bernard, “Priorities: The Synchronizing Force”, Harvard Business, Review, London, Spring 1941.
  4. Kovacis, William, “Whistleblower Bounty Lawsuits As Monitoring Devices, In Government Contracting”, George Mason School Of Law, Arlington, Virginia, May 1994, Photocopy, [Report].
  5. Celarier, Michelle, “Stealing the Family Silver”, Eurmoney, February 1996.
  6. Clements, Benedict, Rejane Hugounenq, and Gerd Schwartz, “Government, Subsidies: Concept, International Trends and Reform Options”, The International Monetary Fund (IMF), Washington, 1995, Working Papers 95/91.
  7. “Corruption And The Global Economy”, Edited By Kimberly Ann Elliout, The Institute For International Economics, Washington, D. C., 1997.
  8. Devarajan, Shantayanan, Vinaya Swaroop, and Heng–fu zou, “What Do Governments Buy? The Composition of Public Spending and Economic Performance”, The World Bank, Washington, 1993, Pre Working Paper 1082.
  9. “Trade Policy Review: Indonesia”, General Agreement on Tariffs and Trade (GATT), 1991, Geneva.
  10. “Trade Policy Review: Indonesia”, General Agreement on Tariffs and Trade (GATT), 1995, Geneva.
  11. Hines, James, “Forbidden Payment: Foreign Bribery and American Business”, National Bureau of Economic Research, Cambridge, 1995, NBER Working Papers 5266.
  12. The International Monetary Fund (IMF), “Unproductive Public Expenditures: A Pragmatic Approach To Policy Analysis”, International Monetary Fund, Fiscal Affairs Department, Washington, 1995, Pamphlet Series 48.
  13. The International Monetary Fund (IMF), “Official Financing for Developing Countries”, World Economic and Financial Survey, Washington, December 1995.
  14. Johnston, Michael, and Y . Hao, “China’s Surge of Corruption”, Journal of Democracy 6, No. 4, October 1995.
  15. Keefer and Stepnen Knack, “Institutional and Economic Performance: Cross–Country Tests Using Alternative Institutions Measures”, Economics and Politics 7, No. 3, November 1995.
  16. Klitgaard, Robert, “Controlling Corruption”, Berkeley University of California press, California, 1988.
  17. Krueger, Anne, “The Political Economy of the Rent– Seeking Society”, American Economic Review 64, No. 3, June 1974.
  18. Levine, Ross and David Renelt, “A Sensitivity Analysis of Cross – Country Growth Regressions” American Economic Review 82, No. 4, September 1992.
  19. Manzetti, Luigi, and Charles Black, “Market Reforms and Corruption in Latin America: New Means for Old Ways”, Review of International Political Economy, No. 4, Washington,Winter 1996.
  20. Mauro, Paolo, “Corruption and Growth”, Quarterly Journal of Economics 110, No. 3, August 1995.
  21. Murphy, Kevin, Andrei Shleifer, and Robert Vishny, “Allocation of Talent: Implication for Growth”, Quarterly Journal of Economics 106, No. 2, May 1991.
  22. Novitzky, Irina, Victor Novitzky and Andrew Stone, “Private Enterprise in Ukraine: Getting Down To Business”, The World Bank private Sector Development Division, Washington, 1995.
  23. Rauch, James, “Bureaucracy, Infrastructure and Economic Growth: Evidence from U.S Cities during the Progressive Era”, American Economic Review 85, No.4, September 1995.
  24. Stone, Andrew, Brian Levy, and Ricardo Parades, “Public Institutions and Private Transactions: The Legal and Regulatory Environment for Business Transactions in Brazil and Chile”, The World Bank, Washington, April 1992, Policy Research Working Paper 891.
  25. Tenenbaum, Bernard, “Regulation: What the Prime Minister Needs to know”, Electricity Journal, No. 2, March 1996.
  26. Webster , Leila M., “The Emergence of Private Sector Manufacturing in Hungary”, The World Bank, Washington, 1993, Technical Paper NO . 229.
  27. Webster , Leila M. and Joshua Charap, “The Emergence of Private Sector Manufacturing in St.Petersburg”, The World Bank, Washington, 1993, Technical Paper No. 228 .
  28. The World Bank, “World Development Report 1983”, New York, Oxford University Press, 1983.
  29. The World Bank, “Paraguay: Country Economic Memorandum”, Washington, 29 June 1994, The World Bank Report No. 11723.
  30. Yabrak, Isil, and Leila M., “Small and Medium Enterprises in Lebanon: A survey”, The World Bank, Private Sector Development Department and Industry and Energy Division, Middle East and North Africa Country Department II, Washington, January 1995, Final Report (28).
  31. www.blackmarket: Garrett Mortiz, “Coupons and Counterfeits: World War I I and the U . S .Black Market”, Franklin D. Roosevelt April 27, 1942 [y]

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button