السياسات الأمريکية – الأوروبية تجاه الاتفاق النووى الإيرانى: الإدراکات والتفسيرات

المؤلف محمد مطاوع أستاذ العلوم السياسية المساعد، کلية الاقتصاد والعلوم السيايسة، جامعة القاهرة وجامعة المستقبل.

مجلة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – القاهرة، المقالة 5، المجلد 21، العدد 4 – الرقم المسلسل للعدد 85، الخريف 2020، الصفحة 147-178

مقدمـــة:

“يمثل الاتفاق النووى الإيرانى أحد أسوأ الاتفاقيات التى أبرمتها الولايات المتحدة على الإطلاق، بل ويمثل هذا الاتفاق إهانة للولايات المتحدة الأمريکية”. انتقد الرئيس الأمريکى، دونالد ترامب، أثناء خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، نهاية سبتمبر 2017، بهذه الکلمات الاتفاق الذى کانت إدارة باراک أوباما الثانية قد أبرمته مع     إيران وباقى الدول الکبرى فيما يعرف بخطة العمل المشترکة الشاملة Joint Comprehensive Plan of Action (JCPOA) بين إيران من ناحية ومجموعة 5+1(الصين، روسيا، فرنسا، بريطانيا، الولايات المتحدة الأمرکية) وألمانيا من ناحية أخرى[1].

وعلى النقيض من ذلک، کانت فيدريکا موغيرينى، الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية الأوروبية، قد أکدت على أهمية على الاتفاق النووى مع إيران فى مؤتمر صحفى فى واشنطن فى نوفمبر 2017 من خلال تصريحها بأن هذا الاتفاق ” ليس اتفاقًا ثنائيًا ولا هو حتى اتفاق بين ست أو سبع أطراف دولية ولکنه قرار ملزم من مجلس الأمن الدولى، وبالتالى تصبح کل دول الأمم المتحدة ملتزمة بضمان تنفيذ بنوده”[2]. نستخلص من ذلک أن هناک رؤى وإدراکات أمريکية وأوروبية متناقضة فيما يتعلق بالاتفاق النووى الإيرانى الذى کان قد دخل حيز النفاذ فى يناير2016، نابعة من اختلاف المنظورين الأوروبي-الأمريکي سواء لبنود الاتفاق نفسه أو لکيفية التعامل مع النظام السياسى الإيرانى فى منطقة الشرق الأوسط وذلک على الرغم من اتفاقهما على هدف مشترک وهو ضروة منع إيران من تصبح دولة نووية.

ولا ينبع هذا الإدراک الأوروبى-الأمريکى المتناقض تجاه الاتفاق النووى الإيرانى فقط من تغير الإدارة الأمريکية من الحزب الديمقراطى برئاسة أوباما إلى الحزب الجمهورى برئاسة ترامب، بقدر ما ينبع أيضًا من وجود مصالح متعارضة بين الاتحاد الأوروبى من ناحية والولايات المتحدة الأمريکية من ناحية أخرى حول إيران سواء مصالح اقتصادية أو حتى علاقات سياسية وأمنية. فالاتحاد الأوروبى يمثل ثانى أکبر شريک تجارى مع إيران، وفقًا للتقديرات الإقتصادية فى 2017-2018، وتقدر مشتريات الاتحاد الأوروبى ب 700 ألف برميل من النفط الإيرانى يوميًا[3]، وذلک على النقيض من الولايات المتحدة الأمريکية التى کانت قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع طهران منذ 1979 وظلت تفرض عليها عقوبات مختلفة حتى إبرام الاتفاق النووى الأخير والذى رفعت على أساسه بعض هذه العقوبات ثم ما لبثت أن أعادت فرضها من جديد بعدما قررت إدارة ترامب الإنسحاب بشکل أحادى من الاتفاق فى 2018

وانطلاقًا من هذه الإدراکات المتناقضة والمصالح المتعارضة، تحاول هذه الدراسة الإجابة على التساؤل البحثى: لماذا قررت إدارة ترامب الإنسحاب من الاتفاق النووى الإيرانى، بينما قرر الاتحاد الأوروبى الاستمرار فى الحفاظ عليه، وذلک على الرغم من اتفاقهما على هدف مشترک وهو منع إيران من امتلاک سلاح نووى؟.

وترتکز هذه الدراسة على اقتراب نظرى متعدد الأبعاد يدمج بين المنظور الواقعى الجديد والليبرالى الجديد والبنائى فى تفسير السياسات الأمريکية الأوروبية تجاه الاتفاق النووى الإيرانى. يفسر المنظور الواقعى الجديد، الذى يرى أن سلوک الدولة هو دالة فى موقعها النسبى من القوة فى النظام الدولى، ويفسر التطورات التى تحدث فى هيکل النظام الدولى التى تؤثر بدورها على العلاقات عبر الأطلنطية وخاصة على السياسات عبر الاطلنطية تجاه قضايا الشرق الأوسط. بمعنى آخر، يفسر المنظور الواقعى الجديد التحولات التى تحدث فى بنية النظام الدولى والتى تؤثر بدورها على العلاقات الأمريکية الأوروبية، ومن ثم على سياستهما الخارجية تجاه قضايا منطقة الشرق الأوسط بإعتبارها مصدرًا للتوتر بين الولايات المتحدة الأمريکية وأوروبا، خاصة فى ضوء وصول إدارة ترامب إلى السلطة وتبنيها لرؤية مغايرة بشکل کبير للرؤية الأوروبية تجاه معظم قضايا الشرق الأوسط. ووفقًا للمنظور الواقعى الجديد، فإن هذا التباين الأمريکى- الأوروبى فى رؤية وإدراک القضية النووية الإيرانية يجد جذوره فى توزيع القدرات وفى عدم التکافؤ فى القوة العسکرية والإقتصادية واختلاف المصالح الاستراتيجية.

بينما تبدأ النظرية الليبرالية بإفتراض رئيس يرى أن أفعال الدول وتفضيلاتها تعتمد بالأساس على التفاعل بين الدول والحکومات من جانب ومجتمعاتها الداخلية من جانب آخر. بالإضافة الى ذلک، تفترض النظرية الليبرالية أن الاشخاص والجماعات داخل المجتمع هى الفواعل الرئيسة عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الدولية لأن هؤلاء الأشخاص يضعون مصالحهم وقيمهم المختلفة والمتعارضة فى أى قرار سواء فى سياستهم الداخلية أو الخارجية. بمعنى آخر، تمثل مصالح وقيم الفواعل الداخليين العنصر الأهم فى النظرية الليبرالية[4].علاوة على ذلک، ترى الليبرالية أن الدولة هى مجرد وسيط يعبر فقط عن مصالح الاشخاص والجماعات داخل المجتمع. بمعنى آخر، تعتبر النظرية الليبرالية أن الدولة مثل الصندوق الذى يضع فيه الأفراد والجماعات أوراقهم، ووفقاً للقوة النسبية والضغوطات التى يمارسها الأفراد والجماعات يکون سلوک الدولة فى العلاقات الدولية. وتفترض النظرية الليبرالية أيضًا أن هناک تفاعل قوى بين الدول، وهو ما يعنى وجود فرص أکبر للتعاون بينها ليس فقط فى المجال السياسى ولکن أيضاً فى المجال الاقتصادى. ونخلص من ذلک إلى أن النظرية الليبرالية ترى أن “تفضيلات الدول” وليس “قدرات الدول” هى الوسيلة الأکثر ملاءمة لشرح وتفسير سلوکها فى العلاقات الدولية[5].

 ويمثل المنظور الليبرالى الجديد نسخة مطورة من النظرية الليبرالية التى حاولت بدورها تجنب الانتقادات التى تم توجيهها للنظرية الليبرالية وفى نفس الوقت الرد على النظرية الواقعية الجديدة. وفى الواقع، تتفق الليبرالية الجديدة مع الواقعية الجديدة فى أن الدول هى الفواعل الرئيسة للتحليل وأن الدول تتصرف بحسابات عقلانية ورشيدة.وبينما تتفق الليبرالية الجديدة مع الواقعية الجديدة على فکرة أن النظام الدولى فوضوى بالأساس، فإنهما يختلفان عندما يتعلق الأمر بتقييم تأثير طبيعة النظام العالمى الفوضوى على سلوک الدول. حيث ترى الليبرالية الجديدة أنه رغم طبيعة النظام الدولى الفوضوية فإن الدول تستطيع إيجاد صيغ عديدة للتعاون والتوافق فيما بينها. ووفقًا للمنظور الليبرالى الجديد، فإنه يمکن تفسير السياسات الأمريکية الأوروربية تجاه البرنامج النووى الإيرانى من خلال الترکيز على المصالح والعوامل الداخلية للدول فى تفسير سلوکها الخارجى.

فى حين يفسر المنظور البنائى سلوک الدول من خلال عوامل قيمية مثل “الأنماط العقائدية، الصور،الادراکات المعرفية، والثقافة والهوية المشترکة”. بمعنى آخر، تعطى النظرية البنائية إهتماماً أکبر بالطرق المختلفة التى تکونت خلالها المعتقدات والثقافة فى کل من الولايات المتحدة الأمريکية وأوروبا، وترى أن هذه المعتقدات والهويات التى تشکلت تاريخيًا تشکل بدورها ما يسمى” الثقافة الاستراتيجية للدول،” التى تحدد بدورها طرق إدراک الدول لسلوکها الأکثر ملاءمة فى السياسات الدولية، سواء کان تعاونيًا أم صداميًا. ولهذا يمکن للنظرية البنائية أن تفسر جزءًا من السياسات الأمريکية-الأوروبية من خلال التعمق فى الثقافات الاستراتيجية لکل من أوروبا والولايات المتحدة الأمريکية کأحد مفسرات سلوکهما الخارجى[6].

وبهدف الإجابة على التساؤل الرئيس تنقسم هذه الدراسة إلى ثلاثة محاور کبرى: يتمثل المحور الأول فى الخلفية التاريخية للسياسات الأمريکية-الأوروربية تجاه البرنامج النووى الإيرانى منذ بداية الأزمة فى 2003 وحتى تاريخ إبرام الاتفاق النووى فى 2015. أما المحور الثانى فيتجسد فى الرؤى والإدراکات الأوروبية-الأمريکية المختلفة والمصالح المتعارضة والتى انعکست بدورها فى السياسات التى اتخذتها کل من إدارة ترامب والاتحاد الأوروبى تجاه الاتفاق النووى الجديد من 2015 وحتى نهاية سبتمبر2019. بينما يتمثل المحور الثالث فى محاولة تفسير الموقفين الأمريکى والأوروبى تجاه الاتفاق النووى الآخير من خلال المنظورات الواقعية الجديدة والليبرالية الجديدة والبنائية.

خلفية تاريخية للسياسات الأمريکية الأوروبية تجاه البرنامج النووى الإيرانى: )2003-2015)

تکاد تتطابق المصالح الأمريکية والأوروبية عندما يتعلق الأمر بمنع إيران من إمتلاک أو الحصول على قنبلة نووية، فإيران نووية تمثل أمرًا غير مقبول لکلٍ من الولايات المتحدة الأمريکية وأوروبا لأنها ستشکل مصدر تهديد استراتيجى لکلٍ منهما لأسباب مختلفة. ويمکن الحديث عن ثلاثة أسباب رئيسة تدفع کلًا من أوروبا والولايات المتحدة الأمريکية للعمل لمنع إيران من أن تتحول إلى قوة نووية. يتمثل السبب الأول فى أن حصول إيران على القنبلة النووية يعنى تحول منطقة الشرق الأوسط إلى ساحة للسباق النووى لأن دولًا وقوى إقليمية أخرى فى المنطقة، مصر والمملکة العربية السعودية وترکيا، ستسعى بدافع شعورها بالتهديد وبرغبتها فى ردع القوة الإيرانية إلى إمتلاک قدرات نووية سواء فى السر أو فى العلن[7]. فإذا أدرکت هذه الدول أن إيران يمکنها أن تتحمل بعض العقوبات فى مقابل تحولها إلى قوة نووية، فستصل إلى نتيجة مفادها أن نفس الأمر يمکن أن ينطبق عليها طالما کانت هذه العقوبات يمکن تحملها فى سبيل مکسب أکبر يتمثل فى إمتلاکها للقدرة على الردع النووى.

 أما السبب الثانى فينطلق من أن تحول إيران إلى دولة نووية بالتزامن مع عداء نظامها السياسى الشديد للغرب بصفة عامة وللولايات المتحدة الأمريکية بصفة خاصة يعنى صعود إيران کدولة إقليمية کبرى تتحدى وتعترض مصالح الدول الغربية فى الشرق الأوسط. بمعنى آخر، سيؤدى إمتلاک إيران للقدرة النووية إلى تقوية نفوذها الإقليمى فى المنطقة بل وسيشجعها على السيطرة على مضيق هرمز وعلى منطقة الخليج العربى أيضاً بما يمثله ذلک من تهديد مباشر لتدفق النفط إلى الدول الغربية. بالإضافة إلى ذلک، إيران نووية تعنى تحولها إلى دولة أکثر عدائية تجاه الدول المجاورة لها بما يعنيه ذلک من زيادة عدم الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط. فى حين يتمثل السبب الثالث فى أن إيران النووية تمثل مصدر تهديد وجودى لإسرائيل، فإيران ترفض الاعتراف بإسرائيل وتتبع سياسات ولغة عدائية ضدها منذ قيام الثورة الإسلامية الإيرانية وحتى الآن. وقد تشجع القوة النووية الإيرانية إلى أن تتبع طهران سياسات أکثر عدائية ضد إسرائيل بل وقد تصبح مظلة نووية لسوريا وحزب الله وحماس فى صراعهم مع إسرائيل. بالإضافة إلى ذلک قد يؤدى إمتلاک إيران للقدرة النووية إلى زيادة تعقيد عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية لأنها ستؤمن الدعم للفصائل الراديکالية فى فلسطين بدون الخشية من أن يتم الانتقام منها. ولکل هذه الأسباب تقاربت، بل يمکن القول تطابقت، السياسات عبر الأطلنطية حول هدف منع إيران من إمتلاک قدرات نووية تحت أى ظرف من الظروف ومع ذلک تباعد الطرفان حول أفضل الطرق الملائمة لتحقيق هذا الهدف[8].

ظهرت الأزمة النووية على أجندة العلاقات الدولية فى أغسطس 2002 عندما کشفت المعارضة الإيرانية فى الخارج عن أن إيران کانت تخفى منشأتين نوويتين بشکل سرى وأنشطة سرية لتخصيب اليورانيوم المخصب. وفى فبراير 2003، قامت الوکالة الدولية للطاقة النووية بزيارة تفقدية وتفتيشية لإيران وأعلنت فى يونيه 2003 أن إيران کانت قد أخفت برنامجًا سريًا لإنتاج وتخصيب اليورانيوم لأکثر من ثمانية عشرة عامًا بما يشکله ذلک من خرق وانتهاک واضح لنصوص اتفاقية منع الانتشار النووى. وهو الأمر الذى دفع الولايات المتحدة الأمريکية فى شهر يونيه 2003 إلى المطالبة والسعى لنقل ملف إدارة الأزمة النووية الإيرانية من الوکالة الدولية للطاقة النووية إلى مجلس الأمن الدولى بهدف تمهيد الطريق لفرض عقوبات أو حتى لتوجيه ضربة عسکرية ضد طهران.

وعقب الکشف عن البرنامج النووى السرى الإيرانى فى أغسطس 2002 وتقرير الوکالة الدولية للطاقة النووية فى يونيه 2003، تجددت بل وتجسدت المخاوف الأوروبية ليس فقط من التهديد النووى الإيرانى ولکن أيضاً من احتمال تصاعد الأزمة الإيرانية إلى درجة التدخل العسکرى الأمريکى فى طهران بشکل يشبه ما تم فى الحالة العراقية فى مارس 2003. ولهذا قررت الدول الأوروبية الکبرى الثلاث، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، التدخل الدبلوماسى بشکل سريع وحاسم فى الأزمة النووية الإيرانية بهدف تجنب تکرار سيناريو مشابه فى إيران للخلاف عبر الأطلنطى حول العراق فيما يتعلق بأفضل الأدوات للتعامل مع مصدر التهديد الإيرانى.

بإختصار، منذ بداية الأزمة النووية الإيرانية فى أغسطس 2002 وحتى نهاية 2004 کان هناک تباعد عبر أطلنطى واضح حول أفضل الأدوات للتعامل معها. فقد توصلت الولايات المتحدة الأمريکية إلى قناعة مفادها بأن عزل النظام والعقوبات المشددة بل وحتى تغيير النظام السياسى الإيرانى هو أفضل الأدوات وأکثرها کفاءة وفعالية لتحقيق هدف منع إيران من إمتلاک سلاح نووى. وعلى النقيض من ذلک، اعتنقت الدول الأوروبية الثلاث التفاوض والدبلوماسية والحوافز الاقتصادية کأنسب وأفضل الأدوات لتحقيق نفس الهدف وهو منع إيران من امتلاک القنبلة النووية. وارتکزت الولايات المتحدة الأمريکية فى هذه القناعة على تصورها بأن السلوک الإيرانى لا يمکن أن يتغير إلا بالقوة العسکرية القاهرة وأن سلوک النظام السياسى الإيرانى المستفز لا يجب أن يتم مکافأته عليه وفضلت أن تلجأ إلى مجلس الأمن الدولى بهدف إجبار إيران على الالتزام بشروط ومعايير معاهدة منع الانتشار النووى وإلا ستکون العقوبات هى البديل الوحيد فى التعامل الدولى معها. علاوة على ذلک، رفضت الولايات المتحدة الأمريکية الدخول فى مفاوضات مباشرة مع طهران حول برنامجها النووى لأن ذلک سيعنى إضفاء شرعية على النظام السياسى الإيرانى. وقد أدى هذا الرفض الأمريکى للتفاوض مع طهران إلى تمهيد الطريق أمام قادة دول أوروبا الکبرى الثلاث لتولى زمام القيادة فيما يتعلق بالتفاوض مع الجانب الإيرانى[9].

وانطلاقًا من الاعتقاد الأوروبى فى تلک الفترة بأن العقوبات والعزل ومحاولات تغيير النظام السياسى فى إيران لن تساعد فى إيقاف أو إنهاء الأزمة النووية الإيرانية وأن الدبلوماسية المدعومة بحزمة حوافز إقتصادية يمکنها أن تؤتى نتائج أفضل فى حل الأزمة، جاءت المبادرات الأوروبية للتفاوض مع إيران. وبالرغم من صعوبة هذه المفاوضات، استطاعت الدول الأوروبية التوصل إلى اتفاقيتين بموجبهما علقت إيران عمليات تخصيب اليورانيوم وأصرت فى المقابل الدول الأوروبية على عدم إحالة ملف الأزمة النووية الإيرانية من الوکالة الدولية للطاقة النووية إلى مجلس الأمن الدولى على غير رغبة الولايات المتحدة الأمريکية فى ذلک الوقت.

ويمکن القول بأن السمة الرئيسة للتعامل الدولى مع البرنامج النووى الإيرانى منذ إحالة الملف الإيرانى إلى مجلس الأمن فى نهاية 2005 وحتى نهاية فترة حکم إدارة بوش الثانية کانت هى الإنسداد أو الجمود. ورغم هذا الإنسداد فى الأفق السياسى لأى تسوية للملف النووى الإيرانى، فإن مجموعة 5+1 استطاعت التوصل إلى تسوية أو حل وسط فى الأول من مارس 2008. تمثل الجزء الأول من هذه التسوية بين الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا فى تبنى قرار دولى جديد، رقم 1803، يوسع من نطاق العقوبات على إيران ويمنعها من الحصول على أى دعم مالى أو تقنى لبرنامجها النووى من أى دولة فى العالم. فى حين تمثل الجزء الثانى من التسوية فى اتفاق الدول الکبرى على منح مزيد من الوقت للجهود الدبلوماسية المکثفة التى تهدف للتوصل إلى تسوية سلمية لأزمة البرنامج النووى الإيرانى فى إطار ما يعرف بإقتراب الإحتواء المزدوج القائم على العقوبات والجهود الدبلوماسية فى نفس الوقت. ولهذا نص القرار الدولى رقم 1803 على مزيد من الحوافز الاقتصادية والسياسية لإيران بناءً على مطالب روسية صينية فى مقابل موافقة الدولتين على فرض مزيد من العقوبات على طهران. وانطلاقاً من هذه التسوية، صاحب القرار الدولى إعلان أو تصريح بريطانى، بإعتبار بريطانيا ممثلاً لمجموعة 5+1، بأن دول المجموعة ستقدم إلى إيران حزمة جديدة من الممقترحات والحوافز فى عرض أشمل وأکبر مما کان قد تم تقديمه فى يونيو2006.

ثم شهد عام 2009 بداية التحول الأمريکى، فى العام الأول من رئاسة أوباما، من سياسة العزلة إلى سياسة الانخراط والحوار مع إيران ترحيبًا کبيرًا من جانب الدول الأوروبية. کما رحبت أوروبا بسياسة أوباما النووية الجديدة التى تقوم على منع الانتشار النووى فى العالم وتقليل مخزون الأسلحة النووية فى العالم. وکنتيجة لذلک تبلور تقارب عبر أطلنطى براجماتى ومبادئى حول إيران من خلال عرض مجموعة 5+1 لمفاوضات غير مشروطة حول برنامج إيران النووى. علاوة على ذلک، رحبت أوروبا بمبادرات أوباما للتقارب مع الشعب الإيرانى ومع القيادة الإيرانية وفى محاولاته لتمهيد البيئة الإقليمية والدولية بهدف إبرام صفقة کبرى مع طهران حول البرنامج النووى الإيرانى.

ومن ثم، تمثلت الاستراتيجية الغربية (الأمريکية الأوروبية)، فى الفترة من 2010 وحتى 2015، فى جعل تکلفة حصول إيران على السلاح النووى أکبر من مکاسبها المتوقعة. وتتمثل التکلفة على إيران فى برنامج عقوبات اقتصادية صارم يقوض الاقتصاد الإيرانى ومن ثم شرعية النظام السياسى الإيرانى فى ضوء تدهور الأوضاع المعيشية للإيرانيين الذى سيولد غضبًا شعبيًا عارمًا بسبب ضيق الأحوال الإقتصادية[10]. واستمرت إدارة اوباما الثانية وأوروبا على نفس الاستراتيجية حتى تم انتخاب حسن روحانى کرئيس إصلاحى لإيران فى سبتمبر 2013. ومنذ تولى روحانى مقاليد الحکم فى إيران، شهدت العلاقات الإمريکية الإيرانية إنفراجة بعد أکثر من ثلاثة عقود من العداء وبدأت تلوح فى الأفق مقدمات تسوية سلمية للملف النووى الإيرانى مقترنة بتخوفات إسرائيلية متزايدة من التقارب الأمريکى الأوروبى ومن احتمال حدوث تسوية قد تؤدى إلى إعتراف الولايات المتحدة الأمريکية بحق إيران فى امتلاک التکنولوجيا النووية السلمية.

وفى 24 نوفمبر 2013، توصلت مجموعة 5+1 وإيران إلى اتفاق تاريخى مؤقت لمدة ستة أشهر فى جنيف فيما يتعلق بالبرنامج النووى الإيرانى. وتمثلت أهم بنود هذا الاتفاق فى إلتزام إيران بوقف تخصيب اليورانيوم لنسبة أعلى من 5%، والتخلص من کمية اليورانيوم المخصبة  بنسبة 20%، ووقف أى تطوير لقدرات تخصيب اليورانيوم، وعدم زيادة مخزون اليورانيوم المخصب إلى نسبة 3،5%، وقف أى نشاط لمفاعل آراک ووقف أى تقدم فى مجال تخصيب البلوتونيوم، بالإضافة إلى الشفافية التامة فى السماح للوکالة الدولية للطاقة النووية بالتفتيش المفاجىء واليومى لمنشآت إيران النووية، بما فى ذلک مصانع أجهزة الطرد. وفى مقابل هذه الالتزامات الإيرانية تلتزم القوى الکبرى بتخفيف محدود ومؤقت وقابل للتغيير لنظام العقوبات على إيران مع الإبقاء على الهيکل الأساسى للعقوبات کما هو خلال فترة الستة أشهر. ويتضمن ذلک الالتزام من قبل الدول الکبرى عدم فرض أية عقوبات جديدة إذا التزمت إيران بما تم الاتفاق عليه خلال فترة ستة أشهر، تعليق العمل بعقوبات محددة مثل العقوبات على التعامل مع الذهب والمعادن وقطاع السيارات الإيرانى وصادارت إيران البتروکيماوية بما يوفر لها 1،5 مليار دولار من العائدات، السماح بإصلاح وإعادة تأهيل بعض خطوط الطيران الإيرانية، الإبقاء على مبيعات النفط الإيرانية عند مستواها المنخفض الحالى (الذى يقل بنسبة 60% عن مستويات 2011) والسماح بتحويل 4،2 مليار دولار من عائدات المبيعات إلى إيران على أقساط بالتزامن مع التزام طهران بتعهداتها فى الاتفاق، فضلاً عن السماح بتحويل 400 مليون دولار من أصول إيران المجمدة لتغطية نفقات دراسة الطلاب الإيرانيين فى الخارج. وبالتالى، وفقاً للاتفاق ستستفيد إيران بنحوسبعة مليارات دولار لکن القدر الأکبر من احتياطياتها الأجنبية “نحو 100 مليار دولار” ستظل مقيدة بالعقوبات، وستبقى العقوبات مفروضة على مبيعات الطاقة الإيرانية (ولن يسمح بزيادة الصادرات) وکذلک على البنک المرکزي الإيراني وعدد من البنوک والمؤسسات المالية الأخرى[11].

وعلى خلفية هذا الاتفاق، أبدى بعض المراقبين فى الخليج العربى تخوفهم من أن تؤدى الصفقة الأمريکية-الإيرانية إلى أن تشهد المنطقة تکرار نتيجة مماثلة لما رتبه “اتفاق ميونخ 1939” عندما عاد رئيس الوزراء البريطانى، نيفل تشامبرلين، وکأنه حقق انتصارًا لمنعه الحرب فى أوروبا وإبرامه اتفاق مع أدولف هتلر على حساب تقديمه تنازلات مؤلمة أدت فى النهاية إلى اکتساح هتلر تشکسلوفاکيا وقيام الحرب العالمية الثانية[12]. وأعلن، حينها، رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، عدم التزام بلاده بهذا الاتفاق ووصفه بأنه “خطأ تاريخى” وأنه “الانتصار الدبلوماسى الأکبر للجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ ثورة الخمينى” وأن الاتفاقية ستفتح الباب واسعًا أمام سباق تسلح شامل فى الشرق الأوسط[13]. وظلت الإشکالية الکبرى هى محاولة أطراف الاتفاق الحفاظ عليه وضمان تنفيذ بنوده حتى وصول إدارة ترامب إلى الحکم برؤية وإداراک وسياسات معارضة للاتفاق بشکل واضح وجلى سواء خلال حملة الانتخابات الرئاسية فى 2016 أو حتى فى سياسات الإدارة الأمريکية منذ بداية فترتها الرئاسية وحتى الآن.

الإدراکات والسياسات الأمريکية- الأوروبية تجاه الاتفاق النووى الإيرانى: 2015-2019

يدرک الاتحاد الأوروبى إيران على أنها دولة إقليمية يعتد بها فى تحقيق الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط، وظهر هذا الإدراک الأوروبى فى العلاقات الإقتصادية الأوروبية-الإيرانية المتبادلة واستراتيجية الحوار البناء التى تبنها أوروبا مع إيران منذ بداية تسعينيات القرن العشرين. ويلتزم الاتحاد الأوروبى بالقانون الدولى وتفعيل دور المؤسسات الدولية ويتمثل الإطار المرجعى له فى ميثاق الأمم المتحدة. ويمثل هذا الإطار الذى يرتکز على احترام القيم والمبادىء الدولية الأساس لمفهوم “التعددية الفاعلة” Effective Multilateralism الذى کان قد تم الإعلان عنه فى الاستراتيجية الأمنية للاتحاد الأوروبى فى 2003. وکان الاتحاد الأوروبى قد تبنى هذه الاستراتيجية الأمنية کرد فعل وانتقادًا للغزو الأمريکى للعراق، فبينما دافع الاتحاد الأوروبى عن التعددية الفاعلة فإن الولايات المتحدة الأمريکية فضلت الأحادية فى العلاقات الدولية. وکان الخلاف بين هاتين الرؤتين هو العامل المفسر للسياسات الأمريکية تجاه أزمة البرنامج النووى الإيرانى منذ بدايتها فى 2003 وحتى مرحلة تطبيق بنود الاتفاق النووى الإيرانى الحالى فى 2018. فعلى مدار 12 عامًا من المفاوضات وصولًا إلى إبرام الاتفاق النووى مع إيران فى 2015، کان الاختلاف الأمريکى-الأوروبى فى إدارک فکرة التعددية محددًا جوهريًا لمسار المفاوضات. ومثل الاتفاق النووى مع إيران فى 2015 مؤشرًا کبيرًا على تغلب الرؤية الأوروبية على الرؤية الأمريکية لفکرة التعددية وکيف يمکن للمفاوضات السلمية أن تتغلب على سياسات القوة وتساهم فى خلق عالم أکثر سلامًا واستقرارًا.

بمعنى آخر، على مدار 12 عامًا من المفاوضات تغير دور الاتحاد الأوروبى فى الأزمة الإيرانية بشکل کبير. ففى الفترة من 2003-2005، کان الاتحاد الأوروبى مفاوضًا مستقلًا مع إيران فى ظل رفض الولايات المتحدة الأمريکية فکرة التفاوض من الأساس، ثم فى الفترة من 2006-2010 أصبح دور الاتحاد الأوروبى منسقًا للمواقف وذلک بعد دخول مجموعة خمسة+واحد فى الأزمة فى محاولة التفاوض بشکل جماعى مع إيران والضغط عليها بعقوبات من مجلس الأمن الدولى. ثم تحول دور الاتحاد الأوروبى کواضع للعقوبات بشکل متناغم مع الولايات المتحدة الأمريکية فى الفترة من 2010-2013، وقد کان لقرار الاتحاد الأوروبى فى 2012 بمنع استيراد النفط والغاز من إيران ووضع قيود على التعاملات المالية الإيرانية دور قوي فى دفع إيران إلى التفاوض بجدية مع واشنطن بهدف إبرام اتفاق. وفى الفترة من 2013 وحتى 2018 إلى مسهل للوصول إلى الاتفاق فى 2015 وکذلک مسهل لتنفذ بنوده حتى 2018. وعلى مدار کل هذه القترة من 2003 وحتى 2015، تمثل الهدف الإستراتيجى الأوروبى فى محاولة تجنب مواجهة عسکرية وتکرار للسيناريو الأمريکى فى العراق وفى نفس الوقت اختبار مدى قدرة الاتحاد الأوروبى على أن يکون له دور عالمى فى مجال مکافحة ومنع انتشار السلاح النووى[14]. ولهذا فقد أدرکت دول الاتحاد الأوروبى هذا الاتفاق على أنه يمثل انجازًا تاريخيًا غير مسبوق للسياسة الخارجية والأمنية الأوروبية المشترکة لأنه يمنع إيران من إمتلاک السلاح النووى، ويحافظ على نظام منع الانتشار النووى فى العالم، ويمنع سياق التسلح فى الشرق الأوسط، بل ويؤکد على غلبة المنطق الأوروبى (الدبلوماسية المتعددة الأطراف) على المنطق الأمريکى (القوة العسکرية) فى التعامل مع الملف النووى الإيرانى.

إلا أنه مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض تنبت إدارته، من جديد، المنطق الاستراتيجى الأمريکى الذى يقوم على أحادية الدولار الأمريکى فى التعامل مع الدول المارقة والمناوئة للسياسة الخارجية الأمريکية فى العالم. فعلى مدار العقد الماضى، کانت وزراة الخزانة الأمريکية تدعم أدواتها لشن أى حرب اقتصادية تستطيع من خلالها ترکيع الدول بدون إطلاق رصاصة واحدة. وتعتمد تلک الاستراتيجية الأمريکية على سيطرة الولايات المتحدة الأمريکية على النظم البنکية الدولية وعلى شبکة حلفائها الدوليين. وکانت إيران من أکثر الدول التى قد شعرت بتلک الحرب بقوة والدليل على ذلک ما صرح به رئيس فريق التفاوض الإيرانى مع مجموعة (5+1) ” إنها حرب من نوع جديد، من خلال هجوم اقتصادى کاسح يهدف إلى إخضاع الدول الأخرى بشکل کبير”[15].

وقد توافق ذلک مع إقرار الکونجرس الأمريکى لقانون مواجهة خصوم الولايات المتحدة الأمريکية من خلال العقوبات CAATSA))Countering America’s Adversaries Through Sanctions Act فى نهاية يونيو 2017، وهو مشروع قانون يفرض عقوبات جديدة على کل من روسيا وإيران وکوريا الشمالية، ويهدف من المنظور الإمريکى إلى تعزيز الضغوط على خصوم الولايات المتحدة.وفيما يتعلق بإيران، يرکز القانونعلى التصدى لزعزعة الاستقرار الذى تتسبب فيه طهران، کما أنه يفرض عقوبات ضد الأشخاص المرتبطة بالقدرة الدفاعية وبرنامج التسلح الإيرانى، ويشمل القانون الأشخاص المرتبطة بالبرنامج الصاروخى والباليستى أو الشخصيات ذات صلة ببرنامج الصواريخ، وأصبح معروفا بقانون ” کاتسا”.[16]

وتدرک إدارة ترامب الاتفاق النووى الإيرانى على أنه يمثل ثلاثة تهديدات کبرى لمصالح الولايات المتحدة الأمريکية. يتمثل مصدر التهديد الأول فى تزايد النفوذ الإقليمى لإيران فى منطقة الشرق الأوسط، فقد دفع باقى أطراف الاتفاق بأنه اتفاق يتعلق بالبرنامج النووى الإيرانى فقط وکان هناک قرار بالإجماع باستبعاد أية مشکلات إقليمية من الاتفاق. وتمثل الانتقاد الأمريکى الواسع للاتفاق فى أنه لم يحد من نفوذ إيران فى سوريا والعراق واليمن ولبنان. بينما تمثل مصدر التهديد الثانى فى تطوير طهران لنظام الصواريخ البالستية وإجرائها اختبارات متتالية له. وتتجسد المخاوف الأمريکية فى أن الاتفاق يطلب فقط من إيران الامتناع عن اختبار صواريخها البالستية التى يمکن أن تحمل رؤوسًا نووية، إلا أن إيران استمرت بعد الاتفاق فى تطوير واختبار صواريخها البالستية، وهو ما دفع واشنطن فى يوليو 2017 إلى فرض عقوبات على المؤسسات المتعاونة مع طهران فى هذا المجال. وبينما يتفق الأوروربيون مع واشنطن على توجيه هذا الانتقاد إلى إيران إلا أنهم لا يرونه سببًا لإعادة التفاوض حول الاتفاق من جديد. فعلى النقيض من إدراک إدارة ترامب، تنحصر مخاوف الاتحاد الأوروبى من إيران فى برنامجها النووى وليس فى أنشطتها الإقليمية فى منطقة الشرق الأوسط. أما مصدر التهديد الثالث فيتمثل فى تخوف واشنطن مما قد تقدم عليه إيران بعد انتهاء المدة الزمنية للاتفاق، لأن بنود الاتفاق محددة التوقيت ومعظمها ينتهى بعد عشرة إلى خمسة عشر عامًا. وتتبنى الإدارة الأمريکية الحالية وجهة النظر الإسرائيلية بأن طهران ستبدًأ فى تطوير برنامجها النووى عقب انتهاء الفترة الزمنية المحددة فى الاتفاق[17].

وعلى خلفية هذه الإدراکات الأمريکية الأوروربية المتباعدة، تبنت کل من واشنطن وبروکسل سياسات مختلفة.فعلى الجانب الأمريکى، رأت إدارة ترامب أن إيران تتوسع فى نفوذها الإقليمى فى الشرق الأوسط وبالتالى لا يتمثل الهدف الاستراتيجى فى احتوائها فقط بل فى ضرورة دفعها للعودة إلى حدودها الإقليمية ومنع تسلحها سواء النووى أو حتى الصاروخى وربما تغيير نظامها السياسى فى نهاية المطاف. وترى إدارة ترامب أن الاتفاق النووى مع إيران هو جزء من ميراث إدارة باراک أوباما ولهذا يجب إزالته من الوجود. بالإضافة إلى ذلک، دعت علاقة إدارة ترامب الوثيقة مع اليهود الممولين لحملته الانتخابية إلى الميل إلى وجهة النظر الإسرائيلية التى ترى إيران کمصدر تهديد وجودى على إسرائيل وأن الاتفاق النووى الإيرانى يزيد من مخاطر هذا التهديد على إسرائيل. علاوة على ذلک، رأى ترامب أن إلتزامه، وفقًا للقانون الأمريکى لمراجعة الاتفاق، بتقديم تقرير بالتأکيد کل تسعين يومًا على إلتزام إيران بالاتفاق، أحد عناصر حقبة أوباما التى يجب التخلص منها[18]. ووفقًا لهذا القانون إذا لم يقدم الرئيس هذا التقرير، فإنه يعطى الکونجرس الأمريکى الحق فى إعادة فرض العقوبات الأمريکية التى کان قد تم تعليقها. وفى أکتوبر 2017، لم يقدم ترامب تأکيدًا بالتزام طهران ببنود الاتفاق وقدم رؤيته إما تعديل الاتفاق الملىء بالأخطاء الکارثية وفقًا للمنظور الأمريکى أو الانسحاب منه. وفى 8 مايو 2018، رافضًا کل المناشدات من الشرکاء الأوروربين، أعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة الأمريکية من الاتفاق وأمر بإعادة فرض عقوبات أمريکية جديدة على إيران فى غضون 180 يومًا تحت حجة أن طهران تدعم بشار الأسد فى سوريا وتطور أسلحة ونظام للصواريخ البالستية رغم أن هذه القضايا غير موجودة فى بنود الاتفاق وتم رفض ذکرها فيه من الأساس[19].

أما على الجانب الأوروبى، رأت دول الاتحاد الأوروبى أن الاتفاق النووى مع إيران يجب الحفاظ عليه والتمسک به ومنع انهياره بکل السبل الممکنة. ففى الفترة من (2003- 2005) تفاوضت دول أوروبا الثلاث الکبرى (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) مع إيران حول برنامجها النووى بهدف منع تکرار سيناريو العراق فى الحالة الإيرانية ونجحت جهودها فى تحقيق ذلک الهدف. إلا أنه مع بداية 2018 عاد الخلاف الأمريکى الأوروبى حول إيران بشکل واضح وجلى من جديد. فبعد قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق بشکل أحادى، أعادت الدول الأوروبية تأکيدها على تسمکهم بالاتفاق وأکدت موغيرينى على أهمية قرار مجلس الأمن الدولى رقم 2231، الذى تم التصويت عليه بالإجماع فى 2015، لکى يصبح الاتفاق النووى مع إيران نافذًا بإرادة المجتمع الدولى ککل وأکدت أيضًا على تصميم الاتحاد الأوروبى على العمل وفقًا لمصالحه الأمنية وحماية استثماراته الإقتصادية فى إيران[20].

وعلى الرغم من اتفاق الأوروربين بشکل جزئى مع الانتقاد الأمريکى لإيران فى أنشطتها الإقليمية التوسعية وکذلک فى مشروعها لتطوير الصواريخ البالستية، إلا أن أجندة الاتحاد الأوروبى تختلف بشکل کبير عن أجندة الإدارة الأمريکية تجاه إيران. فمن الناحية السياسية يرى الاتحاد الأوروربى أن إدماج طهران فى المجتمع الدولى يعتبر وسيلة هامة لتقليل رغبتها فى تطوير سلاح نووى فى المستقبل. أما من الناحية الإقتصادية، فتختلف المصالح الأمريکية الأوروربية بشکل کبير عندما يتعلق الأمر بإيران. فالعقوبات الأمريکية على طهران تقوض بشکل مباشر وغير مباشر المصالح والاستثمارات الأورروبية والتعاون الإقتصادى الأوروربى مع إيران. ووفقًا لأحد المحللين الإقتصاديين، سيکون على الأوروربين أن يختاروا ما بين التبادل الاقتصادى مع إيران وبين التبادل الاقتصادى مع الولايات المتحدة الأمريکية، أى على الشرکات الأوروربية أن تختار ما بين النفاذ إلى 19 تيرليون دولار أمريکى (حجم السوق الأمريکى) وبين 400 بليون دولار (حجم السوق الإيرانى)[21].

وعلى خلفية اختلاف الأجندتين الأمريکية والأوروربية تجاه إيران، تمثل الموقف الرئيس للاتحاد الأوروبى فى أنه سيظل متمسکًا بالاتفاق النووى مع إيران بإعتباره اتفاقًا حيويًا وضروريًا للأمن الإقليمى والدولى وأنه قد يبدأ فى وضع مشروع قانون يمکن الشرکات الأوروبية من التعامل الإقتصادى مع طهران بدون مواجهة مخاطر تعرض مصالحها للعقوبات الأمريکية[22].وانطلاقًا من ذلک التوجه، قررت المفوضية الأوروبية وضع خيارات أوروبية ومنها التشريع الذى يمنع أية شرکة أوروبية من الالتزام أو تنفيذ العقوبات الأمريکية المفروضة على إيران لأن ذلک يمثل تقويضًا للمصالح الأوروبية. وکان هذا هو التشريع الذى کان قد استخدمه الاتحاد الأوروبى فى التسعينيات من القرن الماضى عندما تعرضت مصالح شرکاته لأضرار نتيجة العقوبات الأمريکية الأحادية المفروضة على کوبا فى تلک الفترة[23].وفى السابع من أغسطس 2018، قررت دول الاتحاد الأوروبى تمرير مشروع القانون هذا تحت مسمىa Blocking Statute . ويمنع هذا القانون المواطنين الأوروبيين والشرکات الأوروبية من الانصياع إلى العقوبات الأمريکية، ويتيح للشرکات الأوروبية مقاضاة الحکومة الأمريکية أمام المحاکم الأوروبية والحصول على تعويضات فى حال تقويض مصالحها أو تعرضها لخسائر اقتصادية. علاوة على ذلک، وفقًا للقانون فإن أية شرکة أوروبية ستقرر الانسحاب من السوق الإيرانى بدون الحصول على موافقة من المفوضية الأوروبية فإنها ستواجه خطر مقاضاتها من قبل الدول الأوروبية.

وبالتوازى مع مشروع القانون الأوروبى، وافق البرلمان الأوروبى فى 4 يوليو 2018 على إضافة إيران إلى قائمة الدول المؤهلة للدخول فى الأنشطة الاستثمارية التى يقوم بها بنک الاستثمار الأوروبى. وفى نفس الشهر، أصدرت اللجنة المشترکة الخاصة بتنفيذ بنود الاتفاق النووى مع إيران بيانًا تؤکد فيه على استمرار باقى أطراف الاتفاق فى تنفيذ التزاماتهم فى الحفاظ على وتطوير العلاقات الاقتصادية مع طهران والاستمرار فى استيراد النفط والغاز الإيرانى ومحاولة تطوير غطاء مالى للصادرات والواردات الإيرانية وحماية الشرکات التى تتعامل مع إيران من العقوبات الأمريکية. وفى 25 سبتمبر 2018، أصدرت باقى أطراف الاتفاق النووى بيانًا مشترکًا يرحب بمبادرة آلية التعامل الخاص Special Purpose Vechile لتسهيل نظام الدفع المالى المتعلق بالصادرات والواردات الإيرانية بما يساعد فى اتمام المعاملات المالية مع طهران، وهى وسيلة تسمح للدول الأوروبية الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى بوضع کيان قانونى يسهل التعاملات المالية مع إيران بشکل يسمح للشرکات الأوروبية بالاستمرار فى التبادل التجارى مع إيران بما يتوافق مع القوانين الأوروربية[24].

إلا أنه على أرض الواقع قررت الشرکات الأوروبية الکبرى الخروج من السوق الإيرانى خوفًا من العقوبات الأمريکية التى قد يتم فرضها قبل وزارة الخرانة الأمريکية على هذه الشرکات[25]. ولهذا دفع معظم الخبراء بأن هذا القانون الأوروبى لن يکون فعالًا فى الممارسة العملية، عندما يتعلق الأمر بالشرکات الأوروبية متعددة الجنسيات التى لديها مصالح هائلة مع واشنطن وأن الحل الوحيد سيکون من خلال محاولة الحصول على اعفاء واستثناء من الولايات المتحدة الأمريکية وهو الطلب الذى تقدمت به فرنسا وبريطانيا وألمانيا إلى إدارة ترامب وتم رفضه بشکل قاطع من قبل واشنطن. ففى خطاب مشترک من کل من وزير الخارجية الأمريکى، مايک بومبيو، ووزير الخزانة الأمريکية، ستيفن منشن، رفضت واشنطن بشکل قاطع إعطاء أية استثناءات من العقوبات الأمريکية المفروضة على إيران فى أغسطس أو حتى فى نوفمبر 2018. ويفسر ذلک قرار الشرکات الکبرى کشرکة توتال(النفط)، ميرسک(الشحن)، بيجو(السيارات)، ديمار (الألمانية) الخروج من السوق الإيرانى لأنها تخشى من العقوبات الأمريکية فى حال تعاملت مع طهران ولأن السوق الأمريکى أهم بکثير لهذه الشرکات من السوق الإيرانى لأن ترامب کان قد رد على القانون الأوروبى بأن ” أى کيان سيتعامل مع إيران تجاريًا فسوف لن يتعامل مع الولايات المتحدة فى المقابل”[26].

مع الموجة الثانية من العقوبات الأمريکية فى 4 نوفمبر 2018 أقر مايک بومبيو بأن ذلک سيعنى عودة العقوبات الأمريکية التى کانت مفروضة على إيران بالکامل قبل توقيع الاتفاق فى 2015. وتهدف هذه الموجة الثانية من العقوبات، وفقًا لتصريحات بومبيو، إلى حرمان النظام الإيرانى من عائدات النفط الإيرانية ودفع طهران إلى تغيير سلوکها فيما يتعلق ببرنامجها النووى تدخلاتها الإقليمية فى الشرق الأوسط. وقررت إدارة ترامب اعطاء بعض الاعفاءات المؤقتة، لمدة ستة أشهر، من العقوبات الأمريکية على ثمان دول فى تعاملها مع إيران مع تقليل هذه الدول تلک التعاملات بشکل تدريجى مع طهران: وهى إيطاليا، الهند، اليابان، کوريا الجنوبية، ترکيا والصين واليونان واليابان. وأطلق بومبيو على هذه الموجة من العقوبات الأمريکية على إيران ” حملة الضغوط الهائلة فى حدها الأقصى” Maximum-Pressure Campaign بهدف کبح جماح نفوذها المتزايد وأنشطتها فى منطقة الشرق الأوسط وإعادتها إلى طاولة المفاوضات من جديد لإبرام اتفاق جديد أکثر صرامة فى بنوده وشروطه على الجانب الإيرانى[27].

واستهدفت الموجة الثانية من العقوبات الأمريکية قطاعات النفط والطاقة، والتي تمثل أکثر من 50% الدخول الاقتصادية الإيرانية، الأمر الذي يخلق مزيدًا من الضغوطات على الأوضاع الاجتماعية داخل إيران. وتحتوي قائمة العقوبات 700 إسما بين أفراد، ومؤسسات أعمال، من بينها بنوک کبرى، ومصدري نفط، وشرکات شحن. وأکدت شبکة “سويفت” للمدفوعات البنکية في بروکسل إنها بدأت بالفعل وقف التعاملات الخاصة بعدد من البنوک الإيرانية، وهو ما من شأنه أن يجعل إيران في عزلة عن النظام المالي العالمي.

ودفع ترامب بأنه يستهدف من خلال هذه الإجراءات الضغط على إيران للعودة إلى طاولة المفاوضاتومنعها من الاستمرار في أنشطتها “الخبيثة”، بما في ذلک القرصنة الإليکترونية، واختبار الصواريخ الباليستية، ودعم الجماعات الإرهابية والميليشيات في الشرق الأوسط.. ودفع الرئيس الأمريکي بأن “استراتيجية الحد الأقصى من الضغط” قد تکون هى الوسيلة الأفضل لتحقيق الأهداف الأمريکية سالفة الذکر، لکنه فى المقابل قرر فرض العقوبات بشکل متدرج بهدف تفادي ارتفاعات حادة في أسعار النفط العالمية. وأکد بومبيو، عشية دخول الموجة الثانية من العقوبات الأمريکية على إيران فى 4 نوفمبر 2018، على نفس التوجه بقوله أنه “أمام إيران الاختيار:إما أن تتحول 180 درجة عن مسارها الحالي المخالف للقانون وأن تتصرف کدولة عادية، أو أنها سوف تشاهد اقتصادها ينهار.[28]”

 وبعد إقرار الموجة الثانية من العقوبات الأمريکية على طهران بيومين فقط، جاءت نتائج الانتخابات النصفية لمجلسي النواب والشيوخ منسجمة مع توقعات استطلاعات الرأي؛ حيث استطاع الحزب الديمقراطي تحقيق الأغلبية في مجلس النواب بعد غياب ثمانٍ سنوات في حين احتفظ الحزب الجمهوري بأغلبيته في مجلس الشيوخ، وسيکون على إدارة ترامب، فى باقى فترتها الرئاسية، أن تواجه مجلس النواب الديمقراطي المتحفز لمعارضته في عدد من القضايا الداخلية والقضايا الخارجية والتى يأتى فى مقدمتها الاتفاق النووي الإيراني مع القوى الکبرى[29]. وفى منتصف مايو 2019، فى خطوة تصعيدية جديدة، أعلنت واشنطن عن تحريک حاملة الطائرات أبراهام لنکولن ونشر مجموعة من قاذفات القنابل الثقيلة من طراز 52 فى منطقة الخليج العربى. وفى مقابل ذلک، أعلنت طهران عن نيتها الانسحاب بشکل جزئى من الاتفاق النووى مالم تنفذ دول الاتحاد الأوروبى تعهداتها السابقة بتفعيل آلية خاصة لتفادى العقوبات الأمريکية على طهران. کما أعلنت إيران عن معاملة القوات الأمريکية فى منطقة الشرق الأوسط معاملة المنظمات الإرهابية، وهو ما يعنى التهديد الواضح باستهداف القوات الأمريکية المتواجدة فى سوريا والعراق وربما فى دول الخليج الأخرى[30].

وفى يوليو 2019 ورغم إسقاط طهران لطائرة تجسس أمريکية وتهديد ترامب بالحرب ضد إيران إلا أنه ألغى قراره بشن ضربة جوية ضد إيران بعد أن تبين له العدد الکبير من الخسائر البشرية المتوقعة فى حال تنفيذه. وبدلًا من ذلک بدأت الإدارة الأمريکية فى ممارسة مزيد من الضغوط الإقتصادية على طهران وطلبت من الحکومة البريطانية احتجاز ناقلة نفط إيرانية فى مضيق جبل طارق لأنها تنقل نفطًا إلى سوريا بالمخالفة لقرارات الأمم المتحدة، کما لم تقم واشنطن بتصعيد عسکرى بعد اقتراب طائرة إيرانية بدون طيار “درون” من إحدى بوارجها الحربية وقيام القوات الأمريکية بتدميرها. وحتى مع قيام طهران باحتجاز ناقلة نفط بريطانية فى مياه الخليج، کان رد الفعل البريطانى والأمريکى محدودًا للغاية. ولهذا دفعت کبريات الصحف الأمريکية بأن واشنطن لا ترغب فى خوض حرب مکشوفة ضد طهران وإنما ترغب فى بديل آخر وهو الحرب السيبرانية لأن وشنطن قامت بالفعل بتنفيذ هجمات سيبرانية ضد نظم إطلاق الصواريخ فى إيران کبديل عن الضربة العسکرية التى قرر ترامب إلغائها[31]. کما سعت الإدارة الأمريکية إلى تدشين تحالف دولى لضمان حرية الملاحة فى الخليج ومضيق هرمز تشارک فيه 60 دولة لمواجهة أية ممارسات عدائية محتملة من جانب إيران[32].

وفى 28 يونيو 2019، أعلن الاتحاد الأوروبى وبريطانيا وروسيا والصين، تفعيل اتفاقية تجارة خاصة مع إيران، لتفادى العقوبات الأمريکية وأن انستيکس (آلية التجارة) تسمح للاتحاد الأوروبى بالتجارة مع إيران وتفادى العقوبات الأمريکية. وقد صدر هذا البيان بعد محادثات فيينا بين إيران والدول التى لا تزال ملتزمة بالاتفاق النووى بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريکية منه وهى روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا. ومثلت الهجمات العسکرية على معامل تکرير النفط فى المملکة العربية السعودية (هجمات أرامکو) فى منتصف سبتمبر 2019 نقلة نوعية فى الأزمة النووية الإيرانية لأنها مثلت تهديدًا مباشرًا لأمن الطاقة العالمى وذلک بتوقف نصف إنتاج المملکة العربية السعودية يوميًا، الأمر الذى دفع ترامب لاتخاذ قرار باستخدام الاحتياطى الاستراتيجى الأمريکى من النفط وذلک لسد الفجوة المتوقعة فى انتاج النفط فى العالم. ومع ذلک، لم يتغير المنطق الاستراتيجي لإدارة ترامب فى التعامل مع إيران وهو رفض الانخراط فى مواجهة عسکرية مباشرة وفى نفس الوقت استخدام کافة الوسائل الأخرى المتاحة لخنق الاقتصاد الإيرانى وهو ما دفع بعض الدارسين إلى تشبيه الصراع بأنه “حروب المناطق الرمادية” التى يحاول فيها کل طرف استخدام أدوات قوته للضغط على الطرف الآخر ولکن بدون الدخول فى حرب مباشرة[33]. ومن هذا المنطلق تمثل رد الفعل الأمريکى فى فرض حزمة جديدة من العقوبات الاقتصادية على إيران رکزت بالأساس على البنک المرکزى الإيرانى. ونخلص من ذلک إلى أن إدارة ترامب أبدت استعدادها للتفاوض مع إيران إذا ما تم الاتفاق على شروط تؤدى إلى إبرام اتفاق نووى جديد، وفى المقابل تشترط طهران رفع العقوبات المفروضة عليها قبل الجلوس على مائدة التفاوض.

وعلى الرغم من قيام إدارة ترامب باغتيال قائد فيلق القدس، قاسم سليمانى، فى مطلع يناير 2020 ورد إيران المحدود بضربات جوية على قاعدتين عسکرتين أمريکيتين فى العراق، إلا أنه کان هناک اتفاق مسبق من الطرفين على عدم التصعيد إلى الحرب الشاملة بل وجددت واشنطن دعوتها لطهران من أجل إجراء مفاوضات جديدة بين الطرفين للوصول إلى اتفاق يستوعب مجمل التحفظات الأمريکية على الاتفاق النووى الحالى. فقد أوضحت هذه الحادثة الأحيرة أن واشنطن مازالت حريصة على التفاوض مع طهران، لکنها باتت تدرک أن هذا الهدف لن يتحقق طالما أن الأخيرة لم تقتنع أن واشنطن يمکنها استخدام الخيار العسکرى فى المستقبل[34].

التفسيرات الواقعية والليرالية والبنائية للسياسات الأوروبية- الأمريکية تجاه الاتفاق النووى الإيرانى

من المنظور الواقعى، ترى دول الاتحاد الأوروبى أن الانسحاب الأمريکى من الاتفاق النووى مع إيران يجعل الاتحاد الأوروبى أکثر إعتمادًا على روسيا فى الحصول على مصادر الطاقة ويشجع إيران على إعادة البدء فى برنامجها النووى من جديد[35]. فقد تمثل الهدف الأوروبى الأکبر فى الأزمة الإيرانية منذ بدايتها فى تغيير سلوک النظام السياسى الإيرانى وردعه عن تطوير برنامج نووى وهو الهدف الذى توافق مع إدارة باراک أوباما طوال مدة حکمه للولايات المتحدة الأمريکية. إلا أن هذا الهدف الأوروبى يتعارض مع هدف إدارة ترامب فى تقليص نفوذ إيران فى المنطقة وربما تغيير نظامها السياسى، إن کان ذلک ممکنًا، ومنع إيران بشکل نهائى من أن تصبح دولة نووية وتحجيم نظام الصواريخ البالستية الإيرانى بشکل کبير[36].

ويدرک الأوروبيون أنه رغم أن الولايات المتحدة الأمريکية کانت طرفًا واحدًا فقط من أصل ستة أطراف فى الاتفاق، إلا أن قوتها الاقتصادية جعلت مشارکة واشنطن فيه ضرورية لکى يتم وضع بنوده موضع التنفيذ وأن إعادة فرض العقوبات الأمريکية من جديد على إيران بجولتيها الأولى فى أغسطس والثانية فى نوفمير 2018، خاصة منع الشرکات الکبرى من النفاذ إلى البنوک الأمريکية فى حالة تعاملها مع إيران، يعنى بلاشک تدمير شبه کامل للاتفاق. وهو ما يعنى أنه حتى إذا تمسک الاتحاد الأوروبى بالاتفاق على الورق، فإن الشرکات الأوروربية ستواجه خطر عدم اليقين فى تعاملها مع طهران وضغوطًا اقتصادية هائلة من واشنطن وهو الأمر الذى دفع کل الشرکات الکبرى فى العالم إلى التراجع بالفعل عن استمرار استثماراتها فى طهران وهو ما دفع النظام السياسى الإيرانى إلى التوجه نحو الاستثمارات الصينية والروسية[37].

ومن المنظور الأوروبى، التداعيات الإقتصادية للقرار الأمريکى على الاتحاد الأوروبى کبيرة للغاية: لأن القرار الأمريکى دفع الشرکات الأوروبية للاختيار ما بين حجم السوق الأمريکى الهائل وبين حجم السوق الإيرانى المحدود. وعلى الرغم من سهولة الاختيار الأوروبى لأنه سيختار الحجم الهائل للسوق الأمريکى إلا أنه يحرم الشرکات الأوروبية من أرباح محتملة من الصفقات التى کان من المنتظر إبرامها مع الجانب الإيرانى. وعلى الرغم من کل المحاولات الأوروربية لتحييد تأثير العقوبات الأمريکية على إيران وعلى الشرکات الأوروبية التى قد تتعامل معها من خلال القانون الأوروبى وآلية التعامل الخاصة، إلا أنه تظل هذه المحاولات الأوروبية محدودة التأثير ومن غير المحتمل أن تنجح فى مسعاها لأن الشرکات الکبرى قد انسحبت بالفعل من السوق الإيرانى والقانون الأوروبى وآلية التعامل الخاصة قد يحمى فقط الشرکات الصغرى والمتوسطة وحتى هذه الشرکات قد تکون مترددة جدًا فى ضخ مزيد من الاستثمارات فى السوق الإيرانى. وحتى مبلغ 18 مليون يورو الذى أعلنت عنه المفوضية الأوروبية فى 23 أغسطس 2018 التنمية الإقتصادية فى إيران لم يکن مفيدًا فى تقليل معاناة الإقتصاد الإيرانى[38].

بمعنى آخر، اتفق معظم المحللين الأوروبيين أنه يمکن انقاذ الاتفاق ولکن سيظل موجودًا على جهاز التنفس الإصطناعى لأن باقى الأطراف لن تستطيع تخفيف التأثير السلبى للعقوبات الأمريکية الأحادية على إيران. ويدرک الأوروربيون أن حجم السوق الأمريکة ودبلوماسية أحادية الدولار الأمريکى هى التى ستسود فى نهاية المطاف. ومن المنظور الأوروبى، يعتمد بقاء الاتفاق من عدمه على عاملين: يتمثل العامل الأول فى الصين، باعتبارها أکبر شريک تجارى مع إيران، واستمرارها فى شراء النفط الإيرانى وتطبيع علاقاتها التجارية مع طهران. أما العامل الثانى فيتجسد فى استمرار أوروبا فى تقديم الدعم السياسى القوى لطهران وفى محاولتها اظهار أن الولايات المتحدة فشلت فى عزل النظام السياسى الإيرانى وفى قدرتها على المضى قدمًا فى وضع (آلية الدفع الخاصة)SPV موضع التنفيذ على أرض الواقع واستمرار الصين وروسيا وأوروبا فى تنفيذ التزامتهم النووية الخاصة بالاتفاق[39].

وقد أدى هذا السلوک الأمريکى إلى نتيجتين کبيرتين سيکون لهما أثر کبير فى مسار العلاقات الدولية فى المستقبل. تتمثل النتيجة الأولى فى فقدان ثقة الأوروبيين فى التزام الولايات المتحدة الأمريکية بالدبلوماسية التعددية فى المستقبل کذلک تقويض نظام العقوبات الذى کانت قد وضعته مجموعة 5 +1 على إيران وتقويض التوافق الذى کان قد تم التوصل إليه بصعوبة بالغة بين أطراف دولية لديها مصالح مختلفة وربما متعارضة مع طهران. أما النتيجة الثانية فتمثلت فى تقوية رغبة ومصلحة الصين فى تدويل عملتها (اليوان) فى العالم. وبوصفها دولة دائمة فى مجلس الأمن الدولى وأکبر مستورد للنفط الإيرانى، لعبت الصين دورًا محوريًا فى تأمين التوصل إلى الاتفاق النووى الإيرانى. وبينما رفضت الصين أية محاولات إيرانية لتطوير سلاح نووى، فإنها رفضت فى بداية الأزمة الإيرانية أية محاولات دولية لفرض عقوبات على قطاع النفط الإيرانى. إلا أن بکين اضطرت فى نهاية المطاف إلى الاشتراک فى نظام العقوبات الدولية المفروضة على إيران عندما واجهت حزمة من العقوبات الأمريکية أحادية الجانب تم تصميمها لمنع وصول أى بنک صينى يتعامل مع طهران إلى نظام التعاملات المالية الأمريکية. وقد دفع هذا السلوک الأمريکى الصين إلى خلق نظام بنکى بديل لنظام سويفت   Swift للتحويلات المالية وهو ما يعرف بنظام الدفع البنکى عبر الحدود The Cross-Border Interbank Payement System (CIPS) بما يمکن الدول من اجراء التحويلات المالية العالمية من خلال اليوان الصينى بدلًا من الدولار الأمريکى. ويتفق ذلک التوجه الصينى مع ما اتخذته دول الاتحاد الأوروبى وباقى أطراف الاتفاق النووى الإيرانى من خلق آلية تمويل خاصة للصادرات والواردات الإيرانية[40].

من المنظور الواقعى، اعتبر القادة الأوروربيون أن التحالف عبر الأطلنطى يتعرض لانتکاسة کبرى بسبب انسحاب الولايات المتحدة الأمريکية من الاتفاق النووى مع إيران، لأن ذلک يعنى أن ترامب مستعد لمقايضة التضامن والتماسک فى حلف الناتو من خلال تشکليها لتحالف إقليمى جديد فى الشرق الأوسط مع إسرائيل والسعودية يهدف بالأساس إلى کبح جماح طهران فى منطقة الشرق الأوسط ومنعها بشکل مطلق من امتلاک سلاح نووى[41]. فعقب الانتهاء من قمة الدول العربية والإسلامية بمشارکة الولايات المتحدة الأمريکية فى مايو 2017، تمت الإشارة إلى إعلان الرياض الصادر عن القمة بتأييد الدول الـ 55 المشارکة  لفکرة تدشين تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجيMiddle East Strategic Alliance (MESA). وکان قد تم وصف هذا التحالف المحتمل بـالناتو العربي على غرار حلف شمال الأطلنطى، وذلک استنادا لفکرة الصراع السني – الشيعي، وبهدف التدخل الأمريکي بجانب الدول السنية لعرقلة تمدد النفوذ الايراني في الخليج والمنطقة العربية، مع احتمالات المواجهة العسکرية التي ستشارک فيها أمريکا بجانب العرب[42]. وتوافق ذلک مع إعلان ترامب فى خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى أواخر سبتمبر 2018 أن بلاده تعمل مع دول مجلس التعاون الخليجى ومصر والأردن لإقامة تحالف إستراتيجى لتحقيق الاستقرار فى المنطقة، وبأن هذا التحالف سيقوم على أساس اتفاقية أمنية واقتصادية وسياسية تربط بينهم، وأن إحدى مهام التحالف الجديد ستکون إدارة الأزمات فى سوريا واليمن، وحماية دول الخليج من التهديدات الإيرانية، وأضاف أن واشنطن سوف تستضيف قمة فى يناير 2019 لإجراء مزيد من النقاشات حول هذا التحالف المحتمل[43].

ويتوافق هذا التفسير مع استراتيجية  تقليل النفوذ Rollback التى تتبعها إدارة ترامب تجاه إيران فى الوقت الحالى. ترى الإدارة الأمريکية أنه إذا نجحت إيران فى تقويض النفوذ الأمريکى فى الشرق الأوسط، فإن ذلک سيزيد من احتمال المواجهات الإقليمية فى الشرق الأوسط، وهو الأمر الذى قد يدفع حلفاء الولايات المتحدة الأمريکية فى المنطقة إلى مهادنة وربما استرضاء إيران والتوافق والتناغم مع سياساتها فى المستقبل. واستمدت إدارة ترامب هذا المصطلح Rollback من إدارة أيزنهاور التى لم تکن تتعلق فقط باحتواء الاتحاد السوفيتى ولکن أيضًا بتقليل نفوذه فى الدول الشيوعية. ووفقًا لهذه الاستراتيجية، ترى إدارة ترامب أن طهران ستحصل على مزايا الاتفاق ثم ستنتظر حتى نهاية المدة الزمنية الخاصة به لکى تخرج کدولة نووية فى نهاية المطاف، وأن استراتيجتيها تلک يجب أن تمنع حدوث ذلک حتى إذا تطلب الأمر وجودًا عسکريًا أمريکيًا کثيفًا فى المنطقة[44].

فمن منظور إدارة ترامب، يؤدى زيادة الضغط الأمريکى على إيران إلى تقويض نفوذها الإقليمى فى الشرق الأوسط وأنه مع زيادة العقوبات الإقتصادية فإنه يمکن دفع النظام السياسى فى إيران إلى طاولة المفاوضات لإبرام اتفاق جديد يمنع بشکل نهائى، ولا يؤجل فقط، تحول إيران إلى دولة نووية وکذلک يحد من تهديدات الصواريخ البالستية التى لديها. وتنطلق هذه الرؤية الأمريکية من خمسة أسباب جوهرية: يتمثل السبب الأول فى أن الاتفاق يؤجل، ولا يمنع، إيران من أن تصبح دولة نووية فى المستقبل لأن القيود والبنود الأکثر صرامة على إيران فى الاتفاق ستنتهى ما بين عشرة  أعوام إلى خمسة عشر عامًا، أى 2025/2030. وفى مقابل ذلک، يمکن للنظام الحاکم فى إيران أن يجنى ثمار وفوائد رفع العقوبات عليه فى السنوات المقبلة وبمجرد أن يتعافى اقتصاده فإنه قد يقرر الخروج من الاتفاق والتحول إلى دولة نووية. بينما يتمثل السبب الثانى فى أن الاتفاق يقوض من فاعلية الخيار العسکرى الأمريکى ضد طهران فى المستقبل لأنه إذا استطاعت إيران أن تتحول إلى دولة نووية، فإنه سيصبح من الصعب على واشنطن بناء تحالف دولى أو حتى داخلى لدعم خيارها العسکرى ولأن رفع العقوبات عن إيران سيعنى تعافى الاقتصاد الإيرانى ومن ثم يصبح النظام الحاکم فى طهران فى وضع أفضل لتحسين أنظمته الدفاعية ضد أية هجمات مستقبلية، والدليل على ذلک أن روسيا زودت إيران بالفعل بنظام الدفاع الصاروخى (S-300) بمجرد دخول الاتفاق النووى الإيرانى حيز النفاذ.

فى حين يتمثل السبب الثالث فى أن الاتفاق لا يتناول برنامج إيران لتطوير الأسلحة والصواريخ البالستية المتقدمة. فإيران لديها بالفعل نظام صواريخ بالستية قادر على الوصول إلى القوات الأمريکية والقواعد الأمريکية وکذلک إلى حلفاء واشنطن فى الشرق الأوسط ويمکنها من الوصول إلى الأراضى الأمريکية بحلول 2020، فضًلا عن أن الاتفاق يرقع العقوبات والقيود على استيراد إيران لتکنولوجيا الصواريخ بعد ثمانٍ سنوات أى فى 2023. أما السبب الرابع فينطلق من إدراک الإدارة الأمريکية الحالية أن الاتفاق يقوض من سياسة واشنطن الخاصة بمنع الانتشار النووى وبمنع أى دولة من تخصيب اليورانيوم لأن الاتفاق يسمح لطهران بتخصيب اليورانيوم، وهو الأمر الذى يؤسس بدوره لسابقة خطيرة فى العلاقات الدولية وهو ما دفع دول فى الشرق الأوسط وآسيا إلى الإعلان أنه إذا أصبح لدى إيران الحق فى تخصيب اليورانيوم، فإنهم قد يفعلوا نفس الشىء فى المستقبل. فى حين يتمثل السبب الخامس والأهم فى أن الاتفاق يقوى ويزيد من نفوذ طهران فى الشرق الأوسط، فالوجود الإيرانى فى أربع دول عربية (العراق، سوريا، لبنان، اليمن) ظاهر وملموس وأمر واقع يجب تغييره وفقًا للمنطق الاستراتيجى الأمريکى[45].

بمعنى آخر، يتمثل المنطق الأمريکى الاستراتيجى فى إعادة الضغط على إيران فى محاولة وضعها بين بديلين: إما رفض العودة إلى مائدة المفاوضات لإعادة التفاوض حول بنود الاتفاق وعدم تخصيب اليورانيوم بشکل نهائى، وهو ما يعنى تقويض نفوذها الإقليمى وخنق اقتصادها وربما تفعيل الخيار العسکرى الأمريکى فى المستقبل أو قبول اتفاق جديد يسمح لطهران فقط بإنتاج طاقة نووية سلمية ولا يسمح لها بتخصيب اليورانيوم تحت أى ظرف من الظروف[46].ويدعم هذا المنحى التصعيدي الأمريکى ضد طهران تعيين جون بولتون کمستشار للأمن القومى الأمريکى ومايک بومبيو کوزير للخارجية الأمريکية وتأکيد کليهما على أن الولايات المتحدة الأمريکية ستتبنى مسارًا تصعيديًا ضد إيران. وکذلک أشار بعض المحللين أن ميزانية الدفاع الأمريکية فى عهد ترامب تشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريکية تحضر نفسها للدخول فى معرکة کبيرة فى المستقبل لأن هناک زيادة کبيرة وملحوظة فى حجم القوات الجوية والأرضية والبحرية الأمريکية بما يتخطى حجم انفاق إدارتى کارتر وريجان، وهو الأمر الذى يشير إلى احتمالية لجوء الإدارة الأمريکية إلى استخدام القوة العسکرية فى التعامل مع إيران[47].

ومع ذلک، يمکن القول بأن إدارة ترامب لا تفضل القيام بعمل عسکرى واسع النطاق ضد طهران على خلفية برنامجها النووى والدليل أنه حتى بعد هجوم أرامکو فى سبتمبر 2019 فقد أشار ترامب أن بلاده لم تعد فى حاجة إلى نفط وغاز الشرق الأوسط وبالتالى ليست فى حاجة إلى التدخل العسکرى لحمايه إمداداته کما کان يحدث من قبل لأنها أصبحت بالفعل أکبر منتج للبترول فى العالم. إذن، لن تدخل الولايات المتحدة الأمريکية فى حرب واسعة ضد طهران، فقد أشارت بعض مراکز الدراسات الأمريکية إلى أن إدراة ترامب إذا قررت أن توجه ضربة عسکرية ضد طهران فإنها ستکون ضربة محدودة، وستأتى من إحدى الدول العربية التى تعرضت لهجمات إيرانية، مع تأييد أمريکى لهذه الضربة وليس تدخلًا عسکريًا مباشرًا ضد إيران[48].

ومن المنظور الليبرالى، على الرغم من أن استطلاعات الرأى العام الأمريکى المختلفة أظهرت أن أغلبية الشعب الأمريکى تؤيد استمرار بقاء الولايات المتحدة الأمريکية فى الاتفاق النووى الإيرانى ورغم أن ترامب يقول أنه نفذ أحد وعوده الانتخابية بالانسحاب من الاتفاق، إلا أن هذه القضية لم تکن أبدًا من القضايا الجوهرية لدى قاعدته الانتخابية کقضايا الهجرة والتجارة والاقتصاد الأمريکى.ولهذا يمکن القول بأن هناک ثلاثة أسباب لقرار ترامب بالخروج من الاتفاق:

يتمثل السبب الأول فى رغبة ترامب الشخصية فى تدمير ميراث أوباما. بمعنى آخر، ترجع أحد الأسباب الجوهرية لمعارضة ترامب للاتفاق النووى مع إيران فى سبب شخصى يتجسد فى رغبته فى تقويض کل انجازات الرئيس الأمريکى السابق باراک أوباما وهو ما ظهر جليًا فى سخريته الدائمة من وزير الخارجية السابق جون کيرى وإعلانه المستمر بأن کيرى قد أخفق فى إبرام اتفاق يحقق مصالح الولايات المتحدة الأمريکية. فبعد أسبوعين فقط من قدوم ترامب إلى البيت الأبيض قرر الانسحاب من مفاوضات اتفاقية التجارة عبر الباسفيکي Transpacific Partnership التى کانت أحد مرتکزات سياسة أوباما الخارجية فى آسيا، وفى يونيو 2017 أعلن عن نيته الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ وکذلک تغيير معظم القواعد التى کان وضعه سلفه لحماية المهاجرين غير الشرعيين، بل وقوض قانون أوباما للتأمين الصحى أيضًا وأعاد فرض العقوبات الأمريکية على کوبا[49].

 ومن هذا المنظور لم ترتبط مبررات الانسحاب الأمريکى من الاتفاق النووى الإيرانى باعتبارات أيديولوجية أو استراتيجية بشأن تهديد إيران للمصالح الأمريکية وإنما، کما جاء فى البرقية التى تم تسريبها من السفير البريطانى السابق فى واشنطن إلى وزير خارجيته والتى ذکر فيها أن انسحاب ترامب من الاتفاق النووى مع إيران تم “لأسباب شخصية” لأن الاتفاق کان قد وافق عليه أوباما وليس ترامب. ولهذا قرر ترامب تطبيق استراتيجية الحد الأقصى من الضغوط على طهران(عقوبات متزايدة، زيادة الوجود العسکرى فى الخليج، والدعوة لإنشاء قوة دولية لحماية ناقلات البترول فى مياة منطقة الخليج) لکى تعود مرة أخرى على مائدة التفاوض وتحقيق انتصار شخصى بإبرام اتفاق جديد مع إيران يرتبط بإسمه وليس بإسم سلفه أوباما[50].

بينما يتمثل السبب الثانى فى انحياز ترامب المطلق لوجهة النظر الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، فيما يتعلق بإيران. فمنذ وصوله إلى السلطة اتخذ قرار نقل السفارة الأمريکية إلى القدس ووقع عقوبات على الفلسطينيين واستمر فى إدانة وشجب السلوک الإيرانى فى الشرق الأوسط وصولًا إلى قراره بالانسحاب من الاتفاق النووى مع إيران.وتوافق ذلک مع تنفيذ ترامب لأحد أهم مطالب أکبر مموليه فى حملته الانتخابية: شيلدون أدلسون وبرنارد مارکوس وبول سينجر وهم أعضاء فى التحالف اليهودى الليکودى الجمهوري. ففى مايو 2018 نقل السفارة الإمريکية إلى القدس المحتلة وثم أعلن انسحابه من الاتفاق النووى الإيرانى الذى عارضته إسرائيل منذ البداية وحتى الآن[51].

فى حين يتجسد السبب الثالث فى تعيين وجوه جديدة فى الإدارة الأمريکية، فقد حاول ترامب، منذ توليه السلطة فى الولايات المتحدة الأمريکية، الانسحاب من الاتفاق النووى على مدار أکثر من عام إلا أنه کان قد تم نصيحته بعدم الانسحاب من قبل وزير الخارجية السابق ريکس تيلرسون ومستشار الأمن القومى ماکماستر ووزير الدفاع جيمس ماتيس. والوحيد الذى بقى فى منصبه إدارة ترامب هو ماتيس مع تناقص نفوذه وتأثيره على ترامب، وتم استبدال مايک بومبيو بتيلرسون کوزير للخارجية وجون بولتون بماکماستر کمستشار للأمن القومى الأمريکى وکلاهما يدعم فکرة الخروج من الاتفاق والضغط على إيران وربما استخدام الخيار العسکرى فى التعامل مع القضية. بمعنى آخر، استبدل ترامب ريکس تليرسون بمايک بومبيو کوزير للخارجية وماکمستر بجون بولتون کمستشار للأمن القومى الأمريکى وهو ما يعکس رغبته فى فرض مزيد من السيطرة على سياسة إدارته الخارجية لأن کلاهما من الصقور ويتوافقان مع رؤيته فيما يتعلق بالتعامل مع طهران[52]. ورغم حث کل من مايک بومبيو وجون بولتون للرئيس ترامب على ضرب إيران بعد إسقاطها طائرة أميرکية بدون طيار إلا أن ترامب تراجع لتجنب عواقب المواجهة العسکرية المباشرة. وعلى الرغم من إقالة ترامب لمستشاره للأمن القومى، جون بولتون، فى سبتمبر 2019 إلا أنه لا يمکن القول بأن قرار إقالته جاء على خلفية الملف النووى الإيرانى فقط حيث کانت هناک خلافات بينهما فى ملفات أخرى أيضًا مثل فنزويلا وروسيا وکوريا الشمالية[53].

ومع إبرام الاتفاق النووى الإيرانى فى 14 يوليو 2015 ونجاح أعضاء الحزب الديمقراطى فى تمرير الاتفاق فى مجلس الشيوخ رغم المعارضة الجمهورية الواضحة له، إلا أنه مع انتخاب ترامب وحصول حزبه الجمهورى على الأغلبية فى الکونجرس الأمريکى بمجلسيه (النواب والشيوخ) تبدل الموقف تمامًا. فسبب غضب الکونجرس الأمريکى من تزايد النفوذ الإيرانى فى العراق ودعم طهران المستمر لحزب الله فى لبنان ونظام بشار الأسد فى سوريا، قرر عدم رفع العقوبات التى کان من المقرر رفعها وفقًا لبنود الاتفاق. ومن وجهة النظر الأمريکية، ينبع عدم الرضا الأمريکى عن الاتفاق فى أنه أدى إلى تزايد نفوذ طهران فى عواصم عربية أربع (سوريا، اليمن، العراق، ولبنان)، وهو أمر يشترک فيه الديمقراطيون والجمهوريون على حدٍ سواء ويعتبرونه مصدر تهديد خطير للمصالح الأمريکية فى الشرق الأوسط. ومع تعيين جون بولتون کمستشار للأمن القومى الأمريکى وانحياز إدارة ترامب إلى المنظورين الإسرائيلى والسعودى، فإنها تکون قد غيرت هدف الاتفاق النووى مع إيران وبدـأت التفکير فى هدف آخر وهو تغيير النظام الإيرانى نفسه[54].

وعلى الرغم من أن نتائج انتخابات التجديد النصفى للکونجرس الأمريکى قد جاءت فى غير صالح إدارة ترامب وذلک من خلال تمکن الحزب الديمقراطى من السيطرة على مجلس النواب الأمريکى، فإن تأثيره سيکون أقل في السياسة الخارجية لإدارة ترامب تجاه البرنامج النووى الإيرانى بسبب طبيعة النظام الرئاسي الأمريکي لأن الرئيس الأمريکى، وفقًا للدستور، يتمتع بصلاحياتٍ واسعةٍ في السياسة الخارجية، مقارنةً بصلاحياته في السياسة الداخلية. وعلى الرغم من أن الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب تستطيع أن تضع کوابح لتلک الصلاحيات؛ وذلک عبر تفعيل آليات الرقابة الدستورية الممنوحة للمجلس، وإجراء التحقيقات فيها وحولها، إلا أنه من غير المحتمل أن يکون في وسع الديمقراطيين فعل شيء يُذکر لحماية الاتفاق النووي مع إيران، وذلک رغم استيائهم من انسحاب ترامب منه. حيث يخشى أعضاء الحزب الديمقراطى من الظهور أمام الرأى العام الأمريکى وأمام ناخبيهم بأنهم يتبعون سياسة الاسترضاء والمهادنة مع الجانب الإيرانى[55]. أما عن تفسير عدم رغبة ترامب الشخصية فى الدخول فى حرب واسعة النطاق ضد إيران، رغم هجوم أرامکو فى سبتمبر 2019، فى دخوله بالفعل فى مرحلة ما يعرف بحالة المزاج الانتخابى وتخوفه من تأثير حرب محتملة مع إيران على حظوظه الانتخابية فى انتخابات الرئاسة الأمريکية القادمة فى نوفمبر 2020. فالقاعدة الانتخابية التى انتخبته فى 2016 ترفض أى تورط عسکرى فى منطقة الشرق الأوسط.

من المنظور البنائى، يدرک الاتحاد الأوروبى الاتفاق النووى مع إيران على أنه خلاصة جهود دولية متعددة الأطراف لاستخدام الوسائل السلمية فى حل الصراعات وفى محاولة مواجهة التحديات الکبرى فى العالم. ولهذا يرى بعض المحللين أن الاتحاد الأوروبى ينظر إلى السلوک الأمريکى بالانسحاب من الاتفاق على أنه مسألة تتعلق بالکرامة أکثر من تعلقها بقضايا التجارة والتعاملات الإقتصادية مع طهران، وذلک لأن الشرکات الأوروبية الکبرى کانت قد قررت الخروج بالفعل من الاستثمار فى السوق الإيرانى فى أعقاب القرار الأمريکى بالانسحاب من الاتفاق[56]. ويرى الاتحاد الأوروبى أن خروج واشنطن من الاتفاق هو مثال أخر على عدم تقيد الولايات المتحدة الأمريکية بقيم وقواعد القانون الدولى، وذلک بعد رفضه اتفاقية باريس للمناخ والشراکة عبر الباسفيکي فى التجارة وتقليل تمويلها لمنظمة الأمم المتحدة وتعريض منظمة التجارة الدولية للخطر بسبب سياساتها الحمائية. ويفسر ذلک مقولة ميرکيل فى خضم الأزمة أن ” على أوروبا أن تحمل قدرها بيديها”[57].

بمعنى آخر، هناک إجماع لدى العقل الجمعى الأوروبى على أن الاتفاق النووى الإيرانى لم يمثل فقط أفضل وسيلة ممکنة لمنع إيران من أن تصبح دولة نووية ولکنه مثل أيضًا انجاز دبلوماسى للاتحاد الأوروبى کفاعل على الساحة الدولية. ففى نفس اليوم الذى تم إبرام الاتفاق فيه، خرجت فدريکا موجهيرنى لتقول أن ” الاتحاد الأوروبى کتب أفضل صفحة فى التاريخ لأن هذا الاتفاق النووى لم يکن ليتم التوصل إليه إلا بفضل الجهود الکبرى التى بذلتها دول الاتحاد الأوروبى لتسهيل ذلک[58]. وفى مقابل ذلک، يرتکز خطاب ترامب تجاه قضايا العالم الخارجى ومنها الأزمة الإيرانية إلى وجود قناعة راسخة لديه بأن النخب السياسية الليبرالية التى تولت القيادة فى واشنطن وتبنت سياسات العمل الدولى متعدد الأطراف والعولمة وحرية التجارة قد أدت إلى الإضرار بوضع ومکانة الولايات المتحدة الأمريکية السياسى والإقتصادى فى العالم وصعود قوى دولية آخرى تهدد الهيمنة الأمريکية على العالم. ويرتکز جوهر الخطاب السياسى لترامب على فکرة أنه جاء بهدف وقف هذا التراجع الأمريکى فى المکانة والنفود فى العالم وذلک من خلال تبنى سلوک أحادى unilateral فى التعامل مع الأصدقاء والخصوم وتحسين شروط الاتفاقيات التى عقدتها الإدارات السابقة، ومنها الاتفاق النووى الإيرانى[59].

الخاتمة:

تدرک دول الاتحاد الأوروبى إيران على أنها لاعب إقليمى مهم يجب احتوائها فى منطقة الشرق الأوسط، بينما تدرک إدارة ترامب إيران على أنها دولة مارقة يجب عزلها وربما تغيير نظامها السياسى. وتدرک دول الاتحاد الأوروبى الاتفاق النووى الإيرانى على أنه إنجاز تاريخي للسياسة الخارجية والأمنية الأوروبية فى مجال منع الانتشار النووى فى العالم ودليل عملي على غلبة المنطق الأوروبى الذى يقوم على التعددية الفاعلة فى العلاقات الدولية على المنطق الأمريکي الذى يرتکز على استخدام القوة الصلبة فى التعامل مع الدول المارقة بالأساس. وانطلاقًا من هذه الإدراکات الأمريکية- الأوروربية المختلفة، تبنت کل من إدارة ترامب والدول الأوروربية سياسات مختلفة تجاه الاتفاق النووى الإيرانى. فقد رأت إدارة ترامب أن الحل الأمثل للتعامل مع إيران وباقى الدول المارقة فى العالم هو استراتيجية أحادية الدولار الأمريکى وأداة العقوبات کوسيلة للضغط على هذه الدول وتبنت بالفعل قانون کاستا تجاه إيران وکوريا الشمالية وروسيا. ثم قررت إدارة ترامب الانسحاب من الاتفاق النووى الإيرانى لأنها رأت أن الاتفاق أدى بالفعل إلى تزايد النفوذ الإقليمى لإيران فى منطقة الشرق الأوسط، ولم يمنع طهران من تطويرها واختبارها لنظام الصواريخ البالستية، وأن طهران ستبدأ فى تطوير برنامجها النووى عقب انتهاء الفترة الزمنية المحددة فى الاتفاق. وبعد انسحاب واشنطن من الاتفاق، بدأت بموجة أولى ثم موجة ثانية من العقوبات الاقتصادية المکبلة لإيران بهدف الضغط على النظام الإيرانى لإعادة التفاوض على الاتفاق أو تغيير النظام السياسى الإيرانى فى حالة عدم انصياعه للموقف الأمريکى.

أما الاتحاد الأوروبى فکان قد تغير دوره فى الأزمة الإيرانية على مدار 12 عامًا من المفاوضات من کونه مفاوض مستقل مع إيران إلى منسق للمواقف الدولية ثم إلى واضع للعقوبات على طهران ثم أخيرًا إلى مسهل للتوصل إلى الاتفاق. وتمثل موقف الاتحاد الأوروبى فى أنه سيظل متمسکًا بالاتفاق النووى مع إيران، وبدأ فى اتخاذ إجراءات تمثلت فى وضع مشروع قانون يمکن الشرکات الأوروبية من التعامل الإقتصادى مع طهران بدون تعرض مصالحها للعقوبات الأمريکية. ثم خلق الاتحاد الأوروبى آلية التعامل الخاص وذلک لتسهيل نظام الدفع المالى المتعلق بالصادرات والواردات الإيرانية بما يساعد فى اتمام المعاملات المالية مع طهران.

ويمکن تفسير السلوک الأمريکى والأوروبى تجاه الاتفاق النووى الإيرانى من المنظور الواقعى على النحو التالى: يرى الاتحاد الأوروبى أنه قد يصبح أکثر إعتمادًا على روسيا فى الحصول على مصادر الطاقة وأن  انسحاب الولايات المتحدة الأمريکية من الاتفاق قد يدفع النظام الإيرانى إلى التفکير فى إعادة البدء فى برنامجها النووى من جديد. وتدرک دول الاتحاد الأوروبى صعوبة تمسکها بالاتفاق من الناحية النظرية لأن قرار واشنطن بالانسحاب من الاتفاق وإعادة فرض العقوبات على طهران دفع الشرکات الأوروبية الکبرى بلا تردد لتفضيل السوق الأمريکى الکبير على السوق الإيرانى، وهو ما يعنى خروجها بالفعل من السوق الإيرانى. أما فيما يتعلق بإدارة ترامب، فقد اتبعت استراتيجية تقليل نفوذ إيران فى منطقة الشرق الأوسط، وذلک لأن زيادة العقوبات الإقتصادية عليها سيدفعها إلى طاولة المفاوضات لإبرام اتفاق جديد يمنع بشکل نهائى تحول إيران إلى دولة نووية وکذلک يحد من تهديدات صواريخها البالستية.

وارتکازًا على المنظور الواقعى، ومع دخول الموجة الثانية من العقوبات الأمريکية على إيران حيز النفاذ فى 4 نوفمبر 2018، يمکن تصور سيناريوهاين کبيرين للأزمة: يتمثل السيناريو الأول فى أن الضغوط الأمريکية ستجعل إيران تعيد إبرام اتفاق جديد يضع قيودًا أکثر ليس فقط على برنامجها النووى ولکن أيضًا على نفوذها الإقليمى فى الشرق الأوسط وأنظمة الصواريخ البالستية. ويتوافق هذا السيناريو مع وجود مفاوضات سرية بين الأمريکان والإيرانيين برعاية عمان ومع الزيارة التى قام بها بنيامين نتنياهو إلى عمان لکى يکون هناک مشارکة إسرائيلية فى بنود الاتفاق المعدل للاتفاق النووى الإيرانى. أما السيناريو الثانى فيتمثل فى تصعيد سياسى واقتصادى أمريکى قد يصل إلى حد استخدام القوة العسکرية الأمريکية- بالتنسيق مع إسرائيل- لضرب إيران أو دعم المعارضة الإيرانية فى الداخل الإيرانى لإزاحة النظام السياسى الإيرانى. ويعنى هذا السيناريو تزايدًا فى الشقاق فى التحالف عبر الأطلنطى وتکتل أوروبا مع روسيا والصين فى محاولاتهما لإيجاد بديل لنظام التعاملات المالية الدولية وکذلک فى جعل هذا السيناريو مکلفًا جدًا على الولايات المتحدة الأمريکية سواء من الناحية السياسية أو الإقتصادية.

ويمکن تفسير السلوک الأمريکى والأوروبى تجاه الاتفاق النووى الإيرانى من المنظور الليبرالى على النحو التالى: کانت رغبة ترامب الشخصية فى تقويض کل ميراث سلفه أوباما عامًلا جوهريًا فى سلوکه تجاه الاتفاق النووى الإيرانى، وکذلک انحيازه المطلق للمنظور الإسرائيلي تجاه القضية الإيرانية وتعيين عدد کبير من أعضاء إدارته الحالية من الصقور الذين يتخذون موقفًا متشددًا من النظام السياسى الإيرانى. أما من المنظور البنائى، فيمکن تفسير التمسک الأوروبى بالاتفاق النووى الإيرانى، رغم إدراک القادة الأوروبيين بمحدودية قدرتهم على الحفاظ عليه، فى ضوء أن الاتحاد الأوروبى ينظر إلى السلوک الأمريکى بالانسحاب من الاتفاق على أنه مسألة تتعلق بالکرامة الأوروبية وأن هذا دليل على فقدان ثقة الأوروبيين فى التزام الولايات المتحدة الأمريکية بالدبلوماسية التعددية فى المستقبل.

المراجع

هوامش الدراسة

[1] Steven Simon, “Iran and President Trump: What is the Endgame,” Survival 60, no.4, August-September 2018, p.13.

[2] Tarja Cronberg, “No EU, No Iran Deal: The EU’s Choice between Multilateralism and the Transatlantic Link,” Nonpoliferartion Review 24, no.3-4, 2017, p. 258.

[3] “Why the EU and Iran have Little Hope of Resucing the Nuclear Deal,” Assessments, May 16, 2018, https://worldview.stratfor.com/article/why-eu-and-iran-have-little-hope-rescuing-nuclear-deal, Access date November 2, 2018.

[4]  Andrew Moravcsik, “Taking Preferences Seriously: A Liberal Theory of International Politics,” International Organization 51, no. 4, 1997, pp: 517-519.

[5] محمد مطاوع،  ” الأطر النظرية للسياسات عبر الأطلنطية  فى الشرق الأوسط: حرب العراق 2003،” مجلة النهضة، القاهرة، کلية الإقتصاد والعلوم السياسية، المجلد 14، العدد 3، يوليو 2013.

[6] ————، الغرب وقضايا الشرق الأوسط من حرب العراق إلى ثورات الربيع العربى: الوقائع والتفسيرات، سلسلة أطروحات الدکتوراه، مرکز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، مايو 2014، ص ص:33-34.

[7] Anthony Seaboyer and Oliver Thranert, “The EU-3 and the Iranian Nuclear Program,” in: Transatlantic Discord: Combating Terrorism and Proliferation, Preventing Crises, eds. Franz Eder, et.al. , Baden-Baden: Nomos, 2007, p: 99.

[8] Colin Dueck and Ray Takeyh, “Iran’s Nuclear Challenge,” Political Science Quarterly 122, no.2 2007, p:189.

[9]  Alexander Skiba, “Transatlantic Relations and Rogue States: the Case of Adjusting U.S. Policy towards Iran” (Wissenschaft and Sicherheit, no.1, 21 January 2007), 11,

http://www.sicherheitspolitik.de/uploads/media/wus_01_2007_transatlantic_relations.pdf.

[10] محمد مطاوع، الغرب وقضايا الشرق الأوسط من حرب العراق إلى ثورات الربيع العربى: الوقائع والتفسيرات، مرجع سابق، صص: 129-137.

[11]Iran Nuclear Deal: Joint Plan of Action – Full Document,

 http://www.theguardian.com/world/interactive/2013/nov/24/iran-nuclear-deal-joint-plan-action, November 24, 2013, Access date 04-12-2013.

[12]محمد الرميحى، “خديعة “تشامبرلين”: الهواجس الخليجية من ” تفاهم” نووى إيرانى-أمريکى،” مجلة السياسة الدولية، العدد 195، المجلد 49، يناير 2014، ص .61.

[13]  شيماء منير، ” المأزق المتبادل..وصفقة جنيف”، مجلة مختارات إيرانية، السنة الرابعة عشر، العدد 160، ديسمبر 2013، ص. 93.

[14]  Traja Cronberg, “No EU, No Iran Deal: the EU’s Choice between Multilateralism and the Transatlantic Link, Op.Cit, pp: 243-250.

[15] Suzanne Katzenstein, “Dollar Unilateralism: The New Frontline of National Security,” Indiana Law Journal 90, 2015, pp: 297-299.

[16] “Trump Signs Order to Enforce Sanctions on Caatsa violators,” Septmebr 21, 2018,

 https://timesofindia.indiatimes.com/world/us/trump-signs-order-to-enforce-sanctions-on-caatsa-violators/articleshow/65893763.cms, Access Date November 20, 2018.

[17] Traja Cronberg, “No EU, No Iran Deal: the EU’s Choice between Multilateralism and the Transatlantic Link, Op.Cit, p.255.

[18] Steven Simon, “Iran and President Trump: What is the Endgame,” Survival 60, no, 4, August-Septmber 2018, PP.7-14.

[19] Traja Cronberg, “No EU, No Iran Deal: the EU’s Choice between Multilateralism and the Transatlantic Link,” Op.Cit, p.256.

[20] Behnam Ben Taleblu, “Iran Could Benefit from Brewing U.S.-Europe Nuclear Deal Dispute,” May 14, 2018,https://finance.yahoo.com/news/iran-could-benefit-brewing-u-165752585.html, Access date November 10, 2018.

[21] Traja Cronberg, “No EU, No Iran Deal: the EU’s Choice between Multilateralism and the Transatlantic Link,” Op.Cit, p.257.

[22]  Katrina Manson, “What the US withdrawal from the Iran Nuclear Deal Means,” May 9, 2018, https://www.ft.com/content/e7e53c72-538c-11e8-b3ee-41e0209208ec, Access Date November 18, 2018.

[23] Patrick Smyth, “EU determined to Preserve Iran Nuclear Deal after US Pulls out,” May 8, 2018,

https://www.irishtimes.com/news/world/middle-east/eu-determined-to-preserve-iran-nuclear-deal-after-us-pulls-out-1.3488449, Access Date November 12, 2018.

[24] Ian Bremmer, “Trump Widens Rift with Europe on Iran,” Time, The Brief, October 8, 2018, https://www.scribd.com/article/389652402/Trump-Widens-Rift-With-Europe-On-Iran, Access Date November 3, 2018.

[25] Daneil Boffey,“EU Acts to Protect Firms from Donlad Trump’s Sanctions against Iran,”

 https://www.theguardian.com/business/2018/aug/06/eu-acts-to-protect-firms-from-donald-trumps-sanctions-against-iran, Access Date November 2, 2018.

[26] Soeren Kern, “EU Unable to Neutralize US Sanctiona Against Iran,” August 8, 2018,

 https://www.gatestoneinstitute.org/12815/iran-sanctions-european-union, Access Date November 20, 2018.

[27]Colin Dwyer, “U.S. is About to Reinstate Iran Sanctions. Here’s What That Means,” November 2, 2018, https://www.npr.org/2018/11/02/663377999/u-s-is-days-away-from-reinstating-iran-sanctions-heres-what-that-means, Access Date November 23, 2018.

[28] العقوبات ضد إيران: الولايات المتحدة تتوعد طهران بضغط  لا هوادة فيه”، 6 نوفمبر 2018، http://www.bbc.com/arabic/world-46105923، تاريخ الدخول 18 نوفمبر 2018.

[29] عوض بن سعيد باقوير، ” الکونجرس الأمريکي الجديد بين التوازن والصراع !!”، 13 نوفمبر 2018،

http://www.omandaily.om/643893، تاريخ الدخول 19 نوفمبر 2018.

[30] علاء الحديدى، ” هل بدأت المواجهة الأمريکية الإيرانية فى الخليج”، مقال، جريدة الشروق المصرية، 13 مايو 2019، https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx، تاريخ الدخول 19 سبتمبر 2019.

[31] د. على الدين هلال، ” المواجهة بين أمريکا وإيران..هل تبدأ الحرب السيبرانية، تحليلات ، العين الإخبارية، 23 يوليو 2019،https://al-ain.com/article/america-iran-cyber-war، تاريخ الدخول 15 سبتمبر 2019.

[32]  محمد مجاهد الزيات، ” الأزمة الإيرانية- الأمريکية..تصاعد احتمالات الصدام”، المرکز المصرى للفکر والدراسات الاستراتيجية، 21 يوليو 2019،

https://www.ecsstudies.com/analytics/estimate-position/6516/، تاريخ الدخول 5 سبتمبر 2019.

[33] د. على الدين هلال ” هجمات أرامکو والصراع الممتد بين أمريکا وإيران”،مقالات،  العين الإخبارية،https://al-ain.com/article/aramco-attacks-prolonged-conflict-america-iran، تاريخ الدخول 17 سبتمبر 2019.

[34] محمد عباس ناجى، ” مقتل سليمانى وحدود الرد الإيرانى”، تحليلات، العين الإخبارية، 4 يناير 2020، https://al-ain.com/article/qasim-soleimani-biography-blood، تاريخ الدخول 31 يناير 2020.

[35] “Why the EU and Iran have Little Hope of Resucing the Nuclear Deal,” Assessments, May 16, 2018, https://worldview.stratfor.com/article/why-eu-and-iran-have-little-hope-rescuing-nuclear-deal, Access date November 2, 2018.

[36] Ruairi Patterson, “EU Sanctions on Iran: The European Political Context,” Middle East Policy XX, no.1, spring 2013, P.135.

[37] Wendy R. Sherman, “How We Got the Iran Deal and Why We’ll Miss It,” Foreign Affairs, September/October 2018, pp: 196-197.

[38] Daneil Schwammenthal, “Europe, the US and the Iran Deal: The Need to Resolve Transatlantic Disagreements,”October 30, 2018,

https://journals.sagepub.com/doi/10.1177/1781685818808713, Access Date November 1, 2018.

[39] Judy Dempsey, “Judy Asks: Can the Iran Nuclear Deal Be Rescued?”, November 8, 2018, https://carnegieeurope.eu/strategiceurope/77672, Access Date November 30, 2018.

[40] Cameron Rotblat, “Weaponizing the Plumbing: Dollar Diplomacy, Yuan Internationalization, and the Future of Financial Sanctions,” 2017, pp: 313-343.

[41] Steven Simon, “Iran and President Trump: What is the Endgame,” Survival 60, no, 4, August-Septmber 2018, P.16.

[42] إيمان زهران، ” الولايات المتحدة وتشکيل تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي ” MESA” ؟!، مجلة السياسة الدولية، تحليلات- شرق أوسط ، 30 أکتوبر 2018.

[43] د. محمد کمال، ” ما هو تحالف الشرق الأوسط؟،” مقالات، الأهرام اليومى، 5 أکتوبر 2018،  http://www.ahram.org.eg، تاريخ الدخول 23 نوفمبر 2018.

[44]Albert B.Wolf, “After JCPOA: American Grand Strategy towards Iran,” Comparative Strategy37, no.1, 2018, pp: 28-29.

[45] Matthew Kroenig, “The Return of the Pressure Track: The Trump Administration and the Iran Nuclear Deal,” Diplomacy&Statecraft 29, no.1, 2018, pp: 94-96.

[46] Ibid, p: 102.

[47]Steven Simon, “Iran and President Trump: What is the Endgame,” Op.Cit, P.19.

[48] د. محمد کمال، ” ترامب وآيات الله”، مقال، جريدة الأهرام،25 سبتمبر 2019.

[49] Anthony Zurcher, “Three Reasons Behind Trump Ditching Iran Deal,” May 8, 2018,

 https://www.bbc.com/news/world-us-canada-43902372, Access Date November 19, 2018.

[50] د. محمد کمال، ” رهانات أمريکا وإيران”، مقال، جريدة الأهرام، 28 يوليو 2019.

[51] Eli Clifton, “Three Billionaires Paved the Way for Trump’s Iran Deal Withdrawal,” May 9, 2018, https://fpif.org/these-three-billionaires-paved-way-for-trumps-iran-deal-withdrawal, Novemebr 2, 2018.

[52] “Trump’s Dangerous New Foreign-Policy Team,” Strategic Comments, Volume 24 Comment 10 March 2018, https://doi.org/10.1080/13567888.2018.1462941, Access Date November 1,2018.

[53] هدى رؤوف، ” ماذا تعنى إقالة مستشار الأمن القومى الأمريکى”، 13 سبتمبر 2019، https://www.independentarabia.com/node، تاريخ الدخول 2 سبتمبر 2019.

[54]Wendy R. Sherman, “How We Got the Iran Deal and Why We’ll Miss It,” Foreign Affairs, September/October 2018, pp: 195-197.

[55]”تداعيات نتائج الانتخابات النصفية الأميرکية على سياسة ترامب الخارجية”، المرکز العربى للأبحاث ودراسة السياسات، 12 نوفمبر 2018، https://www.alaraby.co.uk/opinion/2018/11/12/، تاريخ الدخول 20 نوفمبر 2018.

[56] Behnam Ben Taleblu, “Iran Could Benefit from Brewing U.S.-Europe Nuclear Deal Dispute,” May 14, 2018,https://finance.yahoo.com/news/iran-could-benefit-brewing-u-165752585.html, Access date November 10, 2018.

[57]  “Why the EU and Iran have Little Hope of Resucing the Nuclear Deal,” Assessments, May 16, 2018, https://worldview.stratfor.com/article/why-eu-and-iran-have-little-hope-rescuing-nuclear-deal, Access date November 2, 2018.

[58] Daneil Schwammenthal, “Europe, the US and the Iran Deal: The Need to Resolve Transatlantic Disagreements,”October 30, 2018, https://journals.sagepub.com/doi/10.1177/1781685818808713, Access Date November 1, 2018.

[59] د. على الدين هلال، ” خطاب ترامب ..والاستثنائية الأمريکية”، مقالات، العين الإخبارية، 5 أغسطس 2019،https://al-ain.com/article/american-elections-trump22، تاريخ الدخول 15 سبتمبر 2019

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button