الصراعات الحدودية وتداعياتها على استقرار القرن الافريقي الحدود السودانية – الأثيوبية نموذجا

تحميل الدراسة

مقدمة:

         مرّت منطقة القرن الأفريقي في العقود الأخيرة بتغيرات جيو-سياسية كبيرة، تعددت أسبابها، كما اتسمت هذه المنطقة بعدم الاستقرار السياسي والهشاشة الناجمة عن الصراعات وفشل الدول في تحقيق التنمية والتقدم على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.  وفي صلب هذه التغيرات وُجدت الصراعات الحدودية لا سيما بعد أن “غدت الحدود تشكل مصدرا للقلق عظيم لدولة ما بعد الاستعمار خاصة مع تجدد الصراعات حول الحدود المُرسّمة وغير المُرسّمة بما يهدد كافة أقاليم القارة.” (1)

  بإيجاز، تجلت ملامح تلك التغيرات – والتي أعادت تعريف الجغرافية السياسية ومحدّداتها وكما تسببت في بروز الصراعات الحدودية – في انهيار نظام محمد سياد بري في الصومال، وظهور “أرض الصومال” – لاحقا – المطالبة بالانفصال وتأسيس جمهورية مستقلة في أيار/ مايو 1991. بجانب استقلال إريتريا عن أثيوبيا 1993، بعد انهيار نظام “الديرغ”، وهناك أيضا النزاع الحدودي “الكامن” بين جيبوتي – إريتريا الذي تصاعد عام 1996.

  أيضا، وفي مشهد آخر من تلك التغيرات، وكذلك على غرار انفصال إريتريا، شهد العام 2011 ولادة دولة جنوب السودان، بعد الانفصال عن السودان وذلك نتيجة التسوية السياسية التي تضمنتها اتفاقية السلام الموقعة بين الحكومة المركزية في الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان عام 2005م. وكلتا الحالتين أعقب “الاستقلال” او “الانفصال” عن الدولة الأم بزوغ نزاعات حدودية خطيرة. كما يعتبر النزاع بين اثيوبيا وإريتريا، والحرب بينهما حول مثلث “بادمي” (1998- 2000) من أكثر الأمثلة حول دموية الصراعات الحدودية في القرن الافريقي.

وانطلاقا من الإطار النظري للعالم المختص في الدراسات الأمنية، باري بوزان، حول “الأمن الموسع” والأبعاد الأساسية للأمن الجماعي، يتناول الباحث الاثيوبي بيروك مسفن (2) ما يطلق عليه “تعقيدات الأمن في القرن الافريقي”، التي تجعل من هذه المنطقة مكشوفة أمام التهديدات، حيث يُجملها في الآتي: الصراع حول توازن القوة بين القوى العظمى؛ والصراعات العالقة التي تظهر بين الدول المتجاورة؛ والصراعات الناتجة عن التهديدات العابرة للحدود كظهور المجموعات الراديكالية؛ وأخيرا، هشاشة الدول والانفجار السكاني وتدهور البيئة، بجانب شح الموارد.

وأما الباحثة الأكاديمية المتخصصة في القرن الافريقي، نامهالا ثاندو ماتشاندا (3) فترى – من جهتها – أن الخلافات الحدودية من أهم الأسباب التاريخية للصراعات في القرن الأفريقي، حيث تناقش عدم اليقين ذا صلة بعدم الاستقرار التي ظلت تسم منطقة القرن الأفريقي وتفاقم النزاعات الحدودية. كما تناولت أيضا الإصلاحات التي قام بها رئيس الوزراء الأثيوبي في بلاده على القرن الأفريقي وكيف أنها تنطوي على انعكاسات إقليمية. كما تعتقد من أجل تقليل حالة عدم اليقين تلك يجب نقل تلك الإصلاحات إلى ما وراء حدود أثيوبيا. وكذلك أنها تشير هنا – نقلا عن ليونيد كليفي – إلى نمط “التدخل المتبادل” كنمط شائع في القرن الافريقي، بحيث يقود أي نزاع بين الدول وعبور للحدود إلى تأجيج أو إشعال مستويات من النزاعات الأخرى.

ولا تزال هذه المنطقة تمر بتفاعلات تهدد بإحداث انهيارات مشابهة لما حدث في السابق. وفي هذا السياق، فإن تجدد التوترات الحدودية بين السودان واثيوبيا في الوقت الراهن يشي بتداعيات خطيرة لا تقتصر فقط على العلاقات الثنائية للبلدين ولكنها قطعاً ستشمل كافة دول الإقليم التي تواجه تفاعلات سياسية داخلية وتحد للسلطات المركزية في تلك الدول.

أولًا: “الاتحاد الافريقي” وتحدي صراعات الحدود:

   ومن المفارقات أن “الاتحاد الأفريقي”، وهو من أقدم المنظمات الإقليمية في العالم، قد اهتم مبكرا بالتحديات التي تفرضها صراعات الحدود وما يترتب عليها من عواقب، ومع ذلك بقيت قراراته في هذا الصدد حبرا على ورق إلى حد كبير.

وفي هذا السياق، كان ميثاق “منظمة الوحدة الأفريقية” (الاتحاد الأفريقي حاليا) في أيار/ مايو 1963، قد نصّ بوضوح على مبدأ “احترام الحدود القائمة عند الاستقلال”. بينما نصّ إعلان القاهرة (1964) أيضا على مبدأ (الوضع الراهن)، بحيث منع أي إعادة لترسيم الحدود وحظر الانفصال (4). وفي تموز/ يوليو 2002 تم تبني “مذكرة تفاهم حول الأمن والاستقرار والتنمية والتعاون في افريقيا” (5)، حيث اُعتبر أن ترسيم وتخطيط الحدود عوامل داعمة للسلام والأمن والتعاون الاقتصادي والاجتماعي.

وكذلك في تموز/ يوليو 2017 تبني الوزراء الأفارقة المعنيون بالحدود ما عُرف بـ (الإعلان بشأن برنامج الاتحاد الافريقي للحدود وما يتصل بطرائق تنفيذه)، والذي كانت قد أقرته القمة الحادية عشرة العادية للمجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي الذي انعقد بالعاصمة الغنية (أكرا) في الفترة بين 25 و29 حزيران/ يونيو 2017. (6)

ومما تقدم، ورغم ثراء الوثائق بشأن الحدود، فقد كشفت هذه التوترات مدى ضعف “الاتحاد الأفريقي” وافتقاره إلى القدرات المطلوبة في مجال الديبلوماسية الوقائية لمنع النزاعات، وتحديدًا حيال نزاعات الحدود؛ ولتبقي المشكلات الحدودية من أسباب الصراعات الكامنة والتي يمكن أن تنفجر في أية لحظة، وليتعمق – كذلك – مأزق شعاره الحالي: “الحلول الافريقية للمشكلات الافريقية.” على أكثر من قضية مُلحة.

ثانيًا: أزمة الحدود في الدولة الافريقية ما بعد الاستقلال:

    تعاني دول منطقة القرن الأفريقي من المشكلات التي ظلت تعاني منها دول ما بعد الاستعمار، كما هو الشأن بقية أقاليم القارة الافريقية. غير أن هذه المشكلات في هذه المنطقة تحديدًا كانت الأكثر بروزا بالنظر إلى الموقع الاستراتيجي وأهميتها لمصالح الدول الكبرى، فضلا عن موقعها في جغرافيا التفاعلات الدولية والإقليمية حديثًا، سواء الحرب على الإرهاب أو الصراع على الموانئ أو النفوذ والمصالح، فضلا عن انكشاف المنطقة أمام التحديات التي تستدعي التدخلات الخارجية كالصراعات المسلحة والأزمات الإنسانية، بجانب التهديدات والأنشطة العابرة للحدود.

وبشكل عام، تعكس مثل هذه النوعية من التوترات الراهنة فشلًا مزدوجاً: فشل عملية بناء الدولة الوطنية، والتعامل مع موروث الاستعمار وتحديدا إنهاء كافة أشكال نزاعات الحدود، والارتقاء – بدلا من ذلك – إلى نماذج التكامل والاندماج التي تجعل من الحدود عاملًا مساعدًا على تعزيز المنافع بين شعوب ودول المنطقة عِوضًا أن تكون عاملًا مسببًا للصراعات، وبالتالي تبديد الموارد في مثل هذه النزاعات.

علاوة على ذلك، يمكن قراءة ظاهرة النزاعات الحدودية في السياق القاري الأكبر؛ فعلى مستوى التكامل الإقليمي في القارة، نجد أن “الاتحاد الأفريقي” ومؤسساته الفرعية فشلت إلى حد كبير في الارتقاء إلى مستوى التحديات: أولًا، مسألة النزاعات الحدودية، وثانيًا، ظاهرة التكامل والاندماج التي برزت في العقود الأخيرة خاصة مع تصاعد زخم وتيرة العولمة. هذا على الرغم من أن الصراعات الحدودية تعتبر عاملًا مشتركًا بين كافة النزاعات والحروب داخل القارة أو سببًا رئيسًا فيها.

ورغم أن برنامج “الاتحاد الافريقي” بشأن الحدود التابع لمفوضية “الاتحاد الافريقي” بأديس أبابا – على سبيل المثال – كان قد هدف إلى تحويل الحدود إلى مناطق للتبادل والتكامل والازدهار بحيث تكون مفتوحة أمام حركة المواطنين والتبادل التجاري – خاصة في ظل سيادة مبدأ “احترام الحدود الموروثة من الاستعمار” – ومع كل ذلك بقيت القارة الافريقية الأضعف في مجال التكامل في عصر التكتلات القارية التي تساعد على حل الصراعات الحدودية وتحويلها إلى عامل قوة بين الدول والأقاليم. كما فشل “الاتحاد الأفريقي” أيضا على صعيد تطبيق، أو إيجاد، آليات الإنذار المبكر لمنع تفاقم مثل هذه الصراعات الخطيرة، علاوة على فشله في تطبيق برامجه حول الحدود.

ثالثًا: التوترات الحدودية بين السودان واثيوبيا:

     شهد العام 2020 تصاعدًا ملحوظًا في وتيرة التوترات على الحدود السودانية – الاثيوبية وتحديدا حول منطقة “الفشقة” السودانية التي ظلت قضية معلّقة من دون حل دائم بين البلدين، على الرغم من التواصل بين البلدين في هذا الخصوص على أعلى المستويات، وكذلك على مرّ النظم المتعاقبة في كلا البلدين في العقود الأخيرة.

ونتيجة لتكرار حوادث الاعتداءات المسلحة من الجانب الأثيوبي على مواقع القوات السودانية او استهداف المواطنين الذين يقطنون تلك المناطق من قبل مجموعات أثيوبية مسلحة، قام الجيش السوداني منذ السادس من تشرين الثاني/ نوفمبر2020 بإعادة انتشار واسعة تمكن من خلالها من السيطرة على أغلب المناطق التي كان يستوطن فيها المزارعون الاثيوبيون (من الأمهرا بشكل كبير) وطرد المجموعات الاثيوبية المسلحة منها.

وفي هذا السياق، يمكن قراءة هذه التوترات الحدودية في سياقات أوسع؛ فهي نزاع تقليدي، غير أنه تطور لاحقا ليأخذ ملامح صراعات الموارد؛ فظاهرة التغييرات المناخية أخذت تُلقي بظلالها على سكان هذه المنطقة وتؤجج الصراع على الموارد الناضبة والشحيحة خاصة عند الأخذ بعين الاعتبار بعض المؤشرات الديموغرافية (الفقر وعدد السكان في كلا الجانبين)، وهو ما يجعل الصراع والتنافس حول الأرض عاملاً واضحاً راهنًا ومستقبلاً.

ومما سبق، إجمالا يمكن قراءة أسباب هذه التوترات الحدودية الأخيرة في النقاط التالية:

  • التغيرات السياسية في البلدين:

    مر البلدان بتغيرات سياسية جذرية كان من أهم انعكاساتها تغيير الطبقة السياسية، وصعود نخب جديد كما في حالة النظام الانتقالي بمكونيه المدني والعسكري في السودان أو صعود نخب الأورومو وأبي أحمد – كأول رئيس وزراء شاب في أثيوبيا – بعد الإطاحة بنظام الجبهة الثورية الديموقراطية لشعوب اثيوبيا السابق الذي حكم البلاد بين 1991 و2018. بجانب الصعود السياسي والعسكري لمجموعات محلية لديها توجهات وأجندات محلية وربما مواقف مختلفة كثيرا عن السابق تجاه السياسة الخارجية، خاصة قضايا العلاقة الثنائية مع بعض الدول كقضية الحدود مع السودان، كما هو شأن “الأمهرا” في اثيوبيا حاليًا.

وقادت هذه التغييرات إلى إضعاف السلطات المركزية، كما أنها أربكت التفاهمات السابقة حول الحدود نتيجة لتغيير الطبقة السياسية في كلا البلدين. وبحسب الباحث الكندي المتخصص في الشؤون الاثيوبية، جون يونغ، فـإن “وصول أبى أحمد للسلطة في اثيوبيا في [نيسان/ أبريل] 2018، واسقاط البشير في نيسان /أبريل 2019 جعل من العلاقات بين البلدين لا يمكن التنبؤ بها بشكل متزايد.” (7)

وبذلك يمكن القول – بحسب يونغ أيضًا – “إن حوالي عشرون عاما من التعاون بين السودان واثيوبيا وصلت إلى نهايتها، و[بذلك] دخل البلدان منطقة غير متوقعة ربما ستترك تأثيرا على الإقليم برمته.” (8)

  • غياب الإرادة السياسية:

يبدو جليًا أن الجانب الاثيوبي يفتقر إلى الإرادة السياسية لحل هذه القضية بشكل جذري، حيث كان هذا سمةً لنظام الجبهة الثورية الديموقراطية لشعوب اثيوبيا (تحت هيمنة جبهة تحرير تيغراي: 2018- 1991) لأكثر من عقدين ونيف.

إن غياب الإرادة السياسية لدى الحكومات الاثيوبية مصدره عاملين اثنين: الأول، الرغبة في الإبقاء على الوضع الراهن (بالنسبة للحكومة الفيدرالية في أديس أبابا) مع العمل على تغيير الحقائق على الأرض لصالح هدف بسط السيادة الإثيوبية على الأراضي التي تعتبر أراض سودانية والعمل على ضمان مصالح المجموعات الاثيوبية المحلية من ثروات تلك الأراضي (بالنسبة لنخب الأمهرا وحكومة إقليم أمهرا أيضا). الثاني، عدم اهتمام الحكومات المركزية في الخرطوم بهذه القضية بشكل جدي وحازم، والافتقار أيضا – لرؤية بعيدة المدي تجاه هذه المسألة في سياق استراتيجية شاملة للتعامل مع دولة جارة كإثيوبيا!

 كما يتجسد هذا الغياب للإرادة السياسية بشكل أكثر وضوحًا مع حكومة أبي أحمد التي تتجنب الخوض في قضية الحدود مع السودان في الوقت الراهن، لذا لم تثمر بنتيجة لا الاجتماعات التي تمت بين قادة البلدين، ولا اجتماعات اللجنة السياسية رفيعة المستوي بشأن الحدود في إحداث اختراق أو معالجة الأسباب الجذرية والمباشرة للتوترات الراهنة؛ وبشكل أكثر تحديدًا تزايد اعتداءات المجموعات الاثيوبية المسلحة على الأراضي والمصالح السودانية على نحو ما يتم تفصيله في الفقرتين التاليتين.

  • التوازنات الداخلية: 

أيضا تعتبر التوازنات الداخلية عاملا مهما في تفسير المواقف والسياسة الأثيوبية تجاه مسـألة التوتر الحدودي مع السودان؛ فبالنسبة لنخب “الأمهرا”(الحكام التاريخيون للبلاد ويشكلون 26% من السكان) ينطلق موقفهم تجاه قضية أراضي الفشقة السودانية – خاصة بعد العملية العسكرية ضد جبهة تيغراي – من عدة دوافع منها:

 أولًا، رفض كافة الترتيبات التي تلت سقوط نظام منقستو هايلي مريام والتي طبقتها جبهة تحرير تيغراي خاصة نظام الفيدرالية الاثنية وترسيم الحدود الإدارية لأقاليم البلاد على هذا الأساس، فضلا عن مزاعم “التنازل” عن أراض لصالح السودان. ومن هنا يعتقد “الأمهرا” بان أراضي “الفشقة” – تحديدا- قد تمت مقايضتها مع السودان من قبل جبهة تيغراي ضمن مناطق أخرى داخل أثيوبيا قامت الجبهة – إبان حكمها البلاد – بتضمينها للحدود الإدارية لإقليم تيغراي ويعتبرونها أراض تتبع لهم ويجب استعادتها.

ثانيًا، اعتقاد “الأمهرا” بأن الفرصة مواتية لتحقيق هدف مزدوج بشأن أراضي “الفشقة”: من جهة الضغط على الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا، ورئيس الوزراء، تحديدا للخضوع لتصور جديد تمامًا يقوم على رفض كافة الاتفاقيات والتفاهمات السابقة والبدء في تفاوض جديد لترسيم الحدود مع السودان. ومن جهة أخرى، فرض الأمر الواقع على الجانب السوداني من خلال تكريس سياسيات الاستيطان المسلح هناك وطرد المواطنين السودانيين من هناك على المدى البعيد من خلال أنشطة المجموعات المسلحة التابعة لإقليم الأمهرا وغير الخاضعة لسيطرة الحكومة في أديس ابابا بصورة كبيرة.

 ثالثًا، من جهة أخرى، لا يرغب أبي أحمد في إثارة قضية الحدود مع السودان أو حلها بما يثير غضب حلفائه الأمهرا، أو خسارتهم بعد القضاء على تهديد جبهة تيغراي، والحساسية المفرطة لدى الرأي العام الداخلي تجاه الخارج، خاصة مع اقتراب موعد اجراء الانتخابات العامة بالبلاد (مقرر لها مايو من العام الجاري).

رابعًا، انتهت عملية الإصلاح التي شرع فيها رئيس الوزراء الاثيوبي أبي احمد منذ وصوله السلطة في البلاد إلى انسداد لينعكس – ليس فقط – على الأوضاع الداخلية بل أيضًا على العلاقات مع دول الجوار، وبالتالي عرقلة محاولاته لإعادة تأسيس علاقات تعاون جديدة مع الدول المجاورة لبلاده، على غرار ما بدأه من مصالحات اقليمية مع اريتريا بإعادة مثلث “بادمي” لسيادتها، رغم أنه أكثر تعقيدا مقارنة بموضوع منطقة “الفشقة” السودانية!

  • الحرب على إقليم تيغراي:

 إن تجدد التوتر الحدودي بين السودان وأثيوبيا هو أحد تداعيات العملية العسكرية (عملية فرض القانون بحسب التوصيف الرسمي) التي شنتها الحكومة الفيدرالية في اديس ابابا على إقليم تيغراي في الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. ونتيجة للمشاركة الفعالة لمليشيات الأمهرا والقوات الخاصة لإقليم أمهرا في تلك العملية، تمكنت نخب الأمهرا من الصعود إلى قلب السلطة الفيدرالية وتعزيز نفوذها بشكل قوي في البلاد، حيث أنها استعادت كافة المناطق التي كانت تحت سيطرة إقليم تيغراي. ومن هنا رأت أن الفرصة باتت سانحة من أجل توسيع العملية العسكرية ضد “تيغراي” لتشمل أيضا أراضي “الفشقة”، وأيضا مناطق داخل اثيوبيا (إقليم بني شنقول – قمز حاليًا)، وكذلك ضد خصوم آخرين (مسلحو “شاني اونق”، وهو فصيل منشق عن الجناح العسكري لجبهة تحرير الأورومو، ويُلقي باللائمة عليه في الهجمات الدامية ضد المواطنين الأمهرا خاصة في إقليم أوروميا).

وفي خضّم العملية العسكرية، رأت دوائر الحكومة الفيدرالية ونخب الأمهرا الذين شاركت قواتهم في تلك العملية، بأن تدفق اللاجئين من إقليم تيغراي الى داخل السودان يمكن ان يشكل تهديدًا محتملًا، حيث أنه قد يساعد قادة تيغراي على الفرار او إعادة تنظيم صفوف مقاتلي جبهة تيغراي. بجانب الزعم أيضا بان عناصر متورطة في “مذبحة ماي خدرا” (يُزعم انها وقعت بين 14 الى 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 في غربي إقليم تيغراي) قد فرّت الى داخل تلك المعسكرات، كما هدّد قائد عسكري بإمكانية تدخل الجيش الاثيوبي لملاحقة تلك العناصر الفارّة.

وعلاوة على ذلك، فإن مسألة الأرض- أيضًا – تعتبر إحدى مجالات الصراع الداخلي في اثيوبيا، وهي كذلك من أهم عوامل تفسير الاقتصاد السياسي للصراع بين المجموعات القومية المختلفة. وبذلك يمكن القول إن الحدود السودانية – الاثيوبية – سيما بعد العملية العسكرية ضد تيغراي – قد غدت عنصرًا في الصراع الداخلي في أثيوبيا.

رابعًا: نحو حل دائم ونهائي:

   أخذًا في الاعتبار المرحلة التي بلغتها التوترات الحالية بين البلدين، ولمنع تفاقم التوترات الحدودية وبالتالي تطورها إلى نزاع مسلح سيعصف باستقرار الإقليم، تتاح أمام السودان وأثيوبيا آليتان يمكن أن تقودا نحو حل شامل ونهائي:

  • الآلية الأمنية: وذلك من خلال نشر قوات مشتركة تتولى مسؤولية حماية الحدود تجاه الاختراقات أو الأنشطة السالبة، مع تحديد صارم للمسئوليات لتلك القوات، ومن ثم تطوير عقيدة أمنية بشأن المهددات والمخاطر العابرة للحدود المشتركة.
  •  الآلية السياسية: عبر الاتفاق الجدّي حول نقطتين: الأولى، مبادئ ومرجعيات التفاوض حول الحدود النهائية (وضع العلامات الحدودية كما هو موقف السودان أم تفاوض جديد كما هو موقف بعض الأطراف الاثيوبية، أم الإبقاء على الوضع الراهن كما هو موقف دوائر أخرى). ومن ثم العمل على تمكين اللجنة السياسية رفيعة المستوى بين البلدين من إكمال المراحل المتبقية، وتحديدا عملية وضع العلامات الحدودية. وأما النقطة الثانية، فهي ضبط مفهوم “بقاء الوضع الراهن” بخصوص حل قضية مصالح المجتمعات المحلية على جانبي الحدود، على أن يكون ذلك على أساس النقطة الأولي.

الخلاصة:

   بشكل عام يمكن القول إن عجز الدول الأفريقية في التعامل مع تحديدات الحدود، وما ينتج عنها من توترات وصراعات. فضلا عن ذلك، فإن الآليات الإقليمية بجانب ضعف العلاقات الثنائية تفتقر المنقطة إلى مؤسسات التكامل بين تلك البلدان. لذا ليس غريبا فشل برنامج “الاتحاد الافريقي” حول الحدود في معالجة تلك التحديات المتعاظمة والكامنة في أكثر من بلد أو إقليم بالقارة.

وزد على ذلك، فإن استمرار التوترات الحدودية بين السودان واثيوبيا من دون حلول جذرية لها، سوف يقود حتمًا إلى بروز توترات حدودية مماثلة كامنة في بقية بلدان المنطقة، سواء كانت نزاعات حدودية داخلية أو خارجية، وهو ما سيقود – بالنتيجة – إلى إضعاف السلطات المركزية بهذه الدول لصالح فاعلين محليين من غير الدول (المليشيات المسلحة)، قد لا يمكن السيطرة عليها.

الاحالات والهوامش:

  1. See “African union border Programme Uniting and Integrating Africa through Peaceful, Open and Prosperous Borders.” pdf. P 3.
  2. See Berouk Mesfin, “The Horn of Africa Security Complex,” in “Regional Security in the Post- Cold War Horn of Africa,” edited by Roba Sharam and Berouk Mesfin. Institute for Security Studies. Monograph178, (April 2011). p 3.
  3. Namhla Thando Matshanda (2020): Ethiopia reforms the resolution of uncertainty in the horn of Africa state system, south African journal of international affairs. Issues:1938 -0275 (Online) March 2020. Pages: 7, 14.
  4. بهذا الخصوص راجع الدرديري محمد أحمد، “الحدود الإفريقية والانفصال في القانون الدولي” (الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات، 2017)، (بيروت، الدار العربية للعلوم – ناشرون، 2017) الطبعة الاولى، الفصول: الثاني والثالث والرابع.
  5. A Memorandum of Understanding on Security, Stability, Development and Cooperation in Africa (CSSDCA), July 2002.
  6. “African union border Programme Uniting and Integrating Africa through Peaceful, Open and Prosperous Borders.” (2007)
  7. John Young, “conflict and cooperation, transition in Ethiopia – Sudan relation,” Small Arms Survey, HSBA Briefing Paper, May 2020. P 3.
  8. Ibid, P 4.

1/5 - (1 vote)

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button