دراسات سيكولوجية

الضغوط النفسية: الأسباب.. والأعراض.. والنتائج.. وطرق المواجهة

أ. بسام أبو عليان – محاضر بقسم الاجتماع ـ جامعة الأقصى

المقدمة[1]:

لا يعد الضغط النفسي مشكلة جديدة من سمات المجتمعات المعاصرة، بل هو مشكلة معروفة بقدم المجتمعات، لكن تتغير صوره وأشكاله ومسبباته بتغير الزمان والمكان، إلا أن واقعنا اليوم الذي يتسم بالتغيرات السريعة في كافة النواحي (السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، والتعليمية، والإعلامية، والتكنولوجية) نجد أن الضغط النفسي يأخذ أشكالا ودرجات متنوعة، وقد ساهم في ذلك طلبات الأسرة المتزايدة، والضائقة المالية، والتعليم الجامعي، وظروف العمل. فضلا عن الانقسام المجتمعي، وارتفاع معدلات البطالة والفقر التي ترتب عليهما الكثير من المشكلات الاجتماعية مثل: (العنف، والطلاق، والتسول، والسرقة، والقتل، وفقدان الأمن). والضغوط النفسية هي بمثابة خطر يهدد سلامة الفرد ليس على الناحية النفسية فقط، بل على الناحية الصحية والجسدية، وهذا الخطر لا يقتصر على الفرد وحده بل يمتد إلى المجتمع عامة. والضغط النفسي ملازم للإنسان، إلا أن الضغط النفسي ليس كله سلبي، وليس كله إيجابي. فمن إيجابياته مساعدة الفرد على التكيف مع الظروف الاجتماعية التي يمر فيها. إلا أن الإفراط في الضغط النفسي، ينعكس سلبا على صحة الأفراد. وتشير الإحصائيات العالمية أن (80%) من الأمراض العصرية مردها إلى الضغوط النفسية.

ويمكن تعريف الضغط النفسي هو: “حالة من الإرهاق الجسمي والنفسي يعاني منه الفرد نتيجة عوامل ذاتية أو بيئية، يجعل الفرد يشعر بالإرهاق والتوتر، مما يفقده توازنه. وقد يستمر لفترة قصيرة أو طويلة بحسب قدرة الفرد على مواجهة المواقف الضاغطة”.

أنواع الضغوط النفسية:

  1. الضغوط النفسية حسب المدة الزمنية:

ð    الضغط النفسي الحاد: منتشر بشكل كبير بين أفراد المجتمع، ويمكن تمييزه بسهولة. ومن مسبباته الزحام، والضوضاء، والعزلة، والشعور الجوع، والشعور بالخطر، والتهديد، والمرض.

ð    الضغط النفسي المزمن: يستمر لوقت طويل، مثل: العمل في ظروف شاقة، ومشكلات الفقر، والبطالة.

  1. الضغوط النفسية حسب المصدر:

ð    الضغوط النفسية الداخلية: في أغلب الأحيان تنجم عن صراع بين ما يريده العقل وما تريده العاطفة. وقد يكون ناجما عن التزاحم بين الأعمال والهوايات.

ð    الضغوط النفسية الخارجية: لا يمكن حصر الضغوط الخارجية في جوانب معينة، ففي كل يوم يواجه الفرد ضغوطات جديدة، وبالتالي تزداد قوة وصلابة الفرد، ويحرك داخله القوى الكامنة. ومن صور الضغوط الخارجية:

1)     ضغوط الأسرة:

الضغوط الأسرية ليست كلها سلبية، بل فيها الإيجابي التي تكون في صالح الأفراد. منها الضغوط التي تمارسها الأسرة على أفرادها في اختيار التخصص العلمي، التدخل في اختيار شريك/ة الحياة، أو اختيار المهنة، أو اختيار الأصدقاء، أو تحديد وقت ومكان قضاء الفراغ. وهذه في أغلب الأحيان يكون من باب الحرص على الأبناء، ويكون على هيئة نصائح وتوجيهات. لكنها إن زادت عن حد الاعتدال تشكل ضغوطا سلبية؛ لأنها تلغي شخصية الفرد، وتغرس فيه ثقافة الخنوع، أو التمرد على سلطة الأسرة.

2)     ضغوط العشيرة والقبيلة:

 في المجتمعات البدوية والريفية لازال للقبيلة والعشيرة كلمتهما، فهي تحتفظ بسلطتها على أفرادها. حيث يمثل العرف الاجتماعي والعادات والتقاليد سلطة الضبط الاجتماعي هناك، والتي تفوق قوتها قوة القوانين الرسمية، ومن يخرج عنها فهو خارج عن العرف العشائري والقبلي، مما يعرضه للعقوبة بنوعيها المعنوي والمادي. وعلى الرغم من أن العشائر والقبائل العربية تؤمن بالإسلام اعتقادا وسلوكا، إلا أن بعضها لا زالت تتمسك ببعض المعتقدات البدوية والتي ليست من الدين في شيء، وهي في الغالب ممارسات جاهلية، مما يترتب عليها ممارسة بعض السلوكيات المخالفة للدين، وأحيانا يكون التمسك بالأعراف العشائرية أشد من التمسك بقواعد الإسلام، وهذا يلاحظ بسهولة عند حل الخلافات بين أفراد العشيرة، أو بين العشائر المختلفة، أو حرمان المرأة من الميراث… إلخ.

3)     ضغط العادات والتقاليد:

العادات والتقاليد التي يتم توارثها عبر الأجيال سواء في طريقة التحدث، أو تناول الطعام، أو طريقة اللباس، أو عادات الزواج، وطقوس الطلاق… إلخ. ومهما تحدثنا عن حرية فردية في المجتمعات الحضرية إلا أنها تبقى نسبية، ويقيدها الدين، وثقافة المجتمع.

4)     ضغط الأصدقاء:

 تعتبر جماعة الأصدقاء لها تأثير كبير في تكوين أفكار واتجاهات الأفراد. ولكل جماعة مجموعة من القيم التي تميزها عن غيرها، كما لها سلطة الضبط الاجتماعي على أفرادها. ومن باب التعبير والولاء للجماعة تجد الأفراد يلتزمون بضوابط الجماعة. إلا أن الجماعات ليست كلها تعود بالنفع على الأفراد، فمثلما فيها الخيرة، فيها السيئة. لذلك يجب أن يكون الفرد حذرا عند الالتحاق بأي جماعة، وأن تقوم الأسرة بمراقبة الأبناء منعا لانزلاق الأبناء في جماعات ضارة، في وقت لا ينفع فيه الندم.

5)     ضغوط مؤسسات الدولة:

 تعتبر مؤسسات الدولة هي الأكثر ممارسة للضغوط على الأفراد، كونها تمثل مؤسسة الضبط الاجتماعي الرسمية، والتي لها قوة الردع الكبرى عن طريق جهاز الشرطة والمحكمة لكل من يخالف قيم ومعتقدات المجتمع.

6)     ضغط وسائل الإعلام والدعاية والإعلان:

الإعلانات التجارية أصبحت تطاردنا في كل وقت ومكان، فنجدها على الفضائيات، والإذاعات، وصفحات المجلات، وفي الميادين العامة، والملاعب، بل من خلال رسائل الجوال القصيرة (SMS)، حتى دور العبادة، والمؤسسات الصحية، والمؤسسات التعليمية لم تسلم منها.

وقد شملت الإعلانات التجارية كافة السلع والمنتجات، ومما ترتب عليها تنمية السلوك الاستهلاكي عند الأفراد، ولم يعد بمقدور الأسرة مجاراة الإعلانات باستمرار، مما يشكل ضغطا على الأسرة. والذي يزيد من حدة النزعة الاستهلاكية؛ أن الإعلانات متنوعة وموجهة لكافة أفراد الأسرة.

وتعد الإعلانات التلفزيونية هي الأكثر فعالية من بين وسائل الإعلان الأخرى، لأنها تخاطب السمع والبصر معا، وبالتالي فإن فرص تأثيرها على الأفراد أكبر من الإعلانات المسموعة أو المقروءة فقط. ويأتي قوة وتأثير الإعلانات التي تبث عبر الفضائيات بأنها تسمح لملايين البشر في بقاع الأرض من مشاهدتها في آن واحد، وتكرار الإعلان التجاري وسط البرامج التلفزيونية، أو المسلسلات والأفلام والمسرحيات، يجبر المشاهدين على متابعتها.

أسباب الضغط النفسي:

v    التصرفات والمواقف التي تثير تأنيب الضمير، كالإساءة إلى الآخرين، الاعتداء على حقوق الغير.

v    التصرفات السيئة التي يمكن أن تمس كرامة الفرد، أو تقلل من مركزه الاجتماعي.

v    خوف الفرد من فقدان أو تغير مركزه الاجتماعي إلى الأدنى.

v    عند الشعور بالعجز في اتخاذ الإجراء المناسب في المواقف التي تواجه الفرد، كعدم القدرة على نصرة مظلوم.

v    حينما يشعر الفرد بالظلم، كأن يعاقب الفرد بعقاب لا يستحقه.

v    حينما يمنع الفرد وتقيد حريته من تحقيق ما يصبو إليه.

v    حينما يشعر الفرد بعدم الاقتراب مما يطمح إليه.

v    عندما يحدث تناقض بين الأدوار الاجتماعية التي يأتيها الفرد.

v    عدم القدرة على التوافق بين متطلبات الحياة الأسرية والتزامات العمل.

v    الالتزامات المالية.

v    حالات الوفاة، أو الطلاق، أو المرض.

v    ضغوط الدراسة.

v    الضجيج والضوضاء الشديدة.

v    درجات الحرارة المرتفعة أو المنخفضة.

v    الازدحام المروري.

أعراض الضغط النفسي:

أعراض جسمية:

الصداع، الكز على السنان، جفاف في الحلق، شد الفكين، ألم في الصدر، ضيق النَّفَس، خفقان في القلب، ارتفاع ضغط الدم، ألم عضلي، عسر هضم، إمساك أو إسهال، برودة وتعرق اليدين، تعب، مرض متكرر، فقدان الشهية، نقصان الوزن.

أعراض نفسية

الشعور بالاكتئاب، فقدان الشعور بالمتعة، الشعور بالإحباط، سرعة الغضب والانفعال، الغيرة، الحساسية الزائدة، الخوف والقلق غير المبرر، الرغبة في البكاء، الشعور بالعجز، عدم الشعور بالأمان، انعدام القيمة، فقدان الأمل، فقدان الشعور بالمتعة.

أعراض سلوكية

العنف تجاه الآخرين، عدم المرونة مع الآخرين، صعوبة النوم، والأرق، التغيب عن العمل، أو قضاء وقت أطول في العمل،  رفض تحمل المسؤولية، فقدان الصبر، الميل إلى الجدل، ارتفاع معدلات التدخين، تغير في العلاقات الاجتماعية، العزلة، ممارسة عادات سيئة مثل قضم الأظافر، الضحك أو البكاء في الوقت غير المناسب.

النتائج المترتبة على الضغط النفسي:

v    أمراض القلب.

v    أمراض السرطان.

v    أمراض السكر.

v    الإدمان على المخدرات والتدخين.

v    الاكتئاب.

v    السمنة المفرطة.

v    اضطرابات الأكل والنوم.

v    قرحة المعدة.

v    التهاب القولون العصبي.

v    فقدان أو ضعف الذاكرة.

مراحل الضغط النفسي:

  1. التحذير: بمجرد أن يتعرض الفرد لأي حدث صادم، تظهر عليه علامات مثل: (زيادة ضربات القلب، هبوط ضغط الشرايين، ارتخاء العضلات، تدني درجة حرارة الجسم).
  2. المقاومة: عندما تتدهور سلامة أعضاء الجسم نتيجة استمرار أسباب الضغط النفسي، يحاول الفرد أن يكيف نفسه بالتصدي لأسباب الضغط النفسي، أو الهروب منها.
  3. الإنهاك: عندما تستمر أسباب تدهور أعضاء الجسم لفترات طويلة يفشل الجسم في الاستمرار في مقاومة أسباب الضغط النفسي، مما يؤدي إلى مضاعفات تصل إلى الموت.

طرق مواجهة الضغط النفسي:

  1. المداومة على تلاوة القرآن، وأداء الصلوات في المسجد، ففيها الطمأنينة للنفس وراحة للبدن.
  2. التوكل على الله. {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ}[آل عمران159].
  3. الاسترخاء.
  4. عدم المبالغة في التفكير في المستقبل.
  5. الابتعاد عن الإسراف في تناول المنبهات كالشاي والقهوة.
  6. ممارسة التمارين الرياضية المناسبة، أو على الأقل مارس رياضة المشي.
  7. الثقة في النفس، وتجاهل الخوف والقلق.
  8. تناول الأطعمة والمشروبات الصحية.
  9. تحديد الأهداف، وتنظيم الوقت، والتخطيط، ومحاربة الفوضى والروتين.
  10. المرونة في التعامل مع الآخرين. قال تعالى: {وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران159].
  11. أخذ قسطا كافيا من النوم والراحة، وعدم تحميل النفس ما لا تطيق.
  12. التعبير عن المشاعر بالكتابة، أو الرسم، أو الإنشاد، أو أية طريقة يراها الفرد مناسبة.
  13. الحرص على قضاء أطول وقت مع الأسرة، أو الأصدقاء.
  14. مشاهدة المواقف المضحكة والكوميدية.
  15. تعويد النفس على التسامح والصفح والعفو. قال تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[المائدة13].
  16. الابتعاد عن سماع الأخبار المكدرة.
  17. التزم الصمت أثناء الغضب، وعدم إطلاق الأحكام على الآخرين.
  18. عند الشعور بالعجز أو التوتر عند مواجهة موقف ما لا حرج من طلب المساعدة من الآخرين.
  19. منح النفس إجازة لتغيير روتيـن الحيـاة.
  20. عدم الإسراف في تعاطي الدخان، فهو يزيد من التوتر والإرهاق.

[1] مقتبس من بحثنا المشترك مع الباحث محمد كفينة بعنوان: الضغوط النفسية والاجتماعية وعلاقتها بالصحة المجتمعية لدى عينة من زوجات الأسري المحررين في صفقة وفاء الأحرار بمحافظات غزة، المقدم إلى المؤتمر الذي نظمته جامعة القدس المفتوحة ـ غزة بعنوان: “المرأة الفلسطينية واقع.. وتحديات.. ومستقبل”،22/7/2012

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى