دراسات تاريخية

العلاقات الجزائرية السعودية من خلال الصحافة العربية الجزائرية [ 1964 ـ 1975 ]

الـدكـتـور مـحـمـد مـراح

 تكتنف إنجاز هذا البحث صعوبات، تُدرج الباحث فيه ضمن من يصدق عليهم المثل العربي ” كمن ينحت في صخر”، وحتى من كان هذا شأنه فإن الصخر مادة نحته مُتاح له كي يصور منه تمثاله أو نموذجه ؛ لكن ما بالك بالبحث الذي يعدم فيه صاحبه ـ تقريبا مادة بحثه؟!

  وعليه يمكننا أن نرصد العوائق التي اعترضتنا فيما يأتي : ـ

ـ أن المعلومات التي احتوتها الجرائد الجزائرية في فترة البحث [1964 ـ 1975م] لا تفي بغرض البحث وهو إبراز معالم العلاقات الجزائرية السعودية، على الرغم من جسامة الأحداث على المستوى المحلي أو العربي أو الدولي، وسوف نجتهد في تعليل ذلك في ثنايا البحث إن شاء الله تعالى .

ـ انصباب مذكرات السياسيين والشخصيات الوطنية الجزائرية حول المرحلة الاستعمارية وثورة التحرير الوطنية [1954 ـ 1962م ]. وبعضها تعرض للأحداث والتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها الجزائر منذ أحداث أكتوبر 1988، وكذلك رؤية وأيديولوجية النظام السياسي الجزائري .

_ عدم وضع الوثائق المتعلقة بفترة البحث بالأرشيف الجزائري بين أيدي الباحثين

ـ غلبة الطابع البروتوكولي على المعلومات الصحفية المنشورة .

ـ تأثير العامل الأيديولوجي واختلاف التوجهات السياسية للنظامين في انحسار رقعة العلاقات بينهما في بعض فترات ذات الصلة بموضوع البحث،  وهو ما عكسته ـ على الأقل ـ بصورة واضحة الصحافة المكتوبة، ولو ذهبنا نقارن حجم المعلومات المنشورة حول ـ مثلا ـ العلاقات الجزائرية الصينية أو الجزائرية ـ السوفيتية أو الكوبية أو حتى الفرنسية أو العلاقات الجزائرية ـ المصرية أو السورية لتبين لنا الفرق الشاسع بينها وبين ما هو متاح من معلومات ذات الصلة بموضوعنا، والسبب ـ كما هو واضح ـ تقارب الوجهات السياسية و الأيديولولجية لدى تلك الأنظمة والاختيار السياسي و الأيديولوجي للجزائر منذ الاستقلال، والطابع الثوري للأنظمة العربية المذكورة كالجزائر، باستثناء فرنسا بطبيعة الحال ذات العلاقات المتشابكة مع الجزائر بفعل الاستعمار والثورة وسريان اتفاقيات خاصة مع الجزائر .

ـ- انعدام الدراسات الأكاديمية العربية ـ العربية التي لم تندرج ضمن مساقات البحث العلمي الجامعي في العلوم السياسية بجامعاتنا رغم الضرورة الملحة .

ومع ذلك كله نحاول في هذا البحث مقاربة العلاقات الجزائرية ـ السعودية في الفترة ما بين [1964 ـ 1975م]  مترسمين ـ خصوصا ـ دور الزعيمين الراحلين هواري بومدين [1932  ـ  1978م]  والملك فيصل بن عبد العزيز[1906 ـ 1975م]  في توجيه وبناء تلك العلاقات .

وقبل ذلك لا يفوت الباحث التعرض إلى الدور المميز الذي لعبه جلالة الملك فيصل في نصرة القضية والثورة الجزائرية؛ يقول الأستاذ أحمد توفيق المدني* في مذكراته( حياة كفاح) :” أخذنا [ أي وفد جبهة التحرير الجزائرية ] صباحا يوم 60/03/1959م طائرة الملك الخاصة، ذهبت بنا إلى الرياض، حيث كان ينتظرنا على السلم سمو الأمير فيصل { الملك فيما بعد} وكان وليا للعهد ورئيسا لمجلس الوزراء، ويحف به رجال الدولة وأساطين الحكم، وكان لنا معه عشية حديث هام، فكان هو الجزائري المطالب ونحن المجاهدين المطلوبين …** أما كفاح الجزائر فهو الجهاد الحق [ الكلام عن الأمير فيصل ] ومن لم يشترك فيه بنفسه وبماله فقد باء بغضب من الله. وإننا زيادة عن دفع حصتنا مما قررته الجامعة العربية، ومع استعدادانا لدفع كل حصة مما تقررها، سنبذل بحول الله فوق ذلك حسب الجهد والطاقة 1.

    ويمكن اعتبار هذا الدور ثابتا من الثوابت التي حفظت للعلاقات الجزائرية السعودية حدا من التماسك رغم مظاهر الفتور والاهتزازات التي اعتورتها في أحوال كثيرة، خاصة فيما عكسته المضامين الصحف الجزائرية الإعلامية.

يؤكد هذا تكرار الاعتراف بالدور المذكور من قبل الساسة الجزائريين في مختلف المستويات السياسية والمراحل؛ فقد ذكرنا في بحث سابق * أن الحكومة السعودية حملت الثورة الجزائرية في المحافل الدولية لتخرج بها من مجرد صورة تمرد قام به متمردون على النظام ـ كما كان يدعي الاستعمار الفرنسي ـ إلى قضية شعب يسعى لانتزاع حريته بالأساليب التي اختارها؛ يقول الأستاذ جميل الحجيلان ا؟لأمين العام السابق لمجلس التعاون لدول الخليج العربي في محاضرة عنونها( الدور القيادي للملك فيصل في العالم العربي ) : ” وعندما انتفض الشعب الجزائري انتفاضته الكبرى في مطلع شهر نوفمبر  عام 1954 (1374هـ) بادرت المملكة العربية السعودية بعد شهرين فقط من انطلاق هذه الثورة ، لتجعل هذه القضية قضية دولية ، لا يمكن للعالم أن يغمض عينيه عنها . وانطلق فيصل يستجمع القوى والأنصار في المحافل الدولية فحولها إلى قضية من قضايا مجلس الأمن ، ثم انتقل بها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة  التي تبنتها واحتضنتها . وتحولت ثورة الجزائر في العالم  من تمرد يقوم به العصاة على النظام ـ كما طاب لفرنسا أن تقول ـ إلى قضية شعب مستعمر مقهور يطالب بحريته وكرامته ” *

لكن هذا الدور قوبل بقدر من التنكر الذي وإن لم يصدر عن السلطة الرسمية ، فقد صدر من بعض ممثليها؛ يقول الأستاذ أحمد توفيق المدني : ْ بلغني وأنا بالرياض أنه

[ أي وفد عن الحكومة الجزائرية المؤقتة ] أنهم قرروا زيارة العراق وسوريا والكويت دون المرور على العربية السعودية فرأيت ورأى معي الأخ العباس بن الشيخ الحسين* سفيرنا هنالك أن إغفال السعودية مع ما بذلت لنا وما فعلت معنا يعتبر جحودا منا وإنكارا للجميل، واهانة لدولة ما كان لنا أن نهينها مهما كانت نظرتنا لسياستها الداخلية . رجعت حالا للقاهرة واتصلت بالجماعة، فكان لقاء أخويا حارا مؤثرا، لكنني وجدت الأخ خيضر وحسين آيت أحمد وبيطاط** يصرون إصرارا قاسيا على عدم زيارة السعودية . أما الأخ بن بلة فكان رأيه كرأيي إنما هو قال لي : إذا ما استطعت إقناعهم تكون قد فعلت جميلا، لكنني كنت أخاطب صخرة صماء ْ 2.

غير أن الاعتراف بالدور العربي، ومنه السعودي في نصرة القضية الجزائرية ظل هو الموقف الرسمي للدولة الجزائرية الفتية، كما عبر عنه الأستاذ المدني في خطاب ألقاه باسم الحكومة الجزائرية في الرياض بمناسبة اجتماع للجامعة العربية هناك قبيل تنظيم استفتاء الاستقلال المعلن في 05/7/1962م؛ فكان مما ورد في هذا الخطاب :” إننا مدينون بهذا النصر ، قبل كل شيء : لله ، وللشهداء ، وللشعب العظيم الذي ذاق العذاب والمحن ، والقتل الجماعي ، والتشريد والتعذيب المنكر رجالا ونساء ، فحط تحت الأرض مليونا ونصف مليون من الشهداء، ووضع بين جدران السجون خمسون ألفا، وله في مراكز التجمع الرهيبة نحو ربع السكان ، ثم نحن ندين بهذا النصر للعالم العربي الأبي، حكومات وشعوبا ، ولعالم الإفريقي الآسيوي الفعَال ، ولأحرار العالم الذين أيدونا ونصرونا ، ومنهم أحرار الفرنسيين. على العرب شعوبا وحكومات وجامعة دول :

 أ ـ أن يتتبعوا تطور الحالة بأقصى ما يمكن من الحذر والانتباه .

بـ الاتصال الدائم المستمر مع حكومة الجزائر ومكاتبها في مختلف البلاد العربية.

جـ إمدادنا في هذا الظرف بالذات وبصفة فعالة وسريعة جدا بمدد مالي سخي، نحن الآن في مسيس الحاجة إليه، من اجل كسب المعركة النهائية . وقد كثرت أوجه الإنفاق وتشعبت المطالب، فإذا كانت المعركة الحربية تتطلب الشجاعة والسلاح، فالمعركة السياسية وما فيها من دسائس وألاعيب تتطلب المال والدعم. فواجب العرب من هذه الناحية عظيم جدا . والأشهر القليلة التي أمامنا هي أشهر المصير . وإننا ننتظر مقرراتكم وتنفيذها العاجل بفارغ الصبر، وقد كلفتني الحكومة بأن أخاطب ضمائركم بصفة استغاثة ملحة .

د ـ أن تضعوا تحت تصرف الجزائر منذ الساعة، الجهازات العلمية والفنية والإدارية التي تمكنها في أقرب وقت من تعريب التعليم والإطارات والإدارات ونحن ننتظر ونأمل وعلى الله قصد السبيل . ” 3

وقد جاءت  الاستجابة السعودية لهذه الاستغاثة فورية ؛ ففي ” تلك الليلة أقام جلالة الملك سعود حفل عشاء فاخر ممتاز لكل المشاركين في جلسة الجامعة وعند تناول القهوة أمسك بيدي وكان يحيط بي عدد من رجال الوفود وهنأني تهنئة فائقة بهذه النتيجة التي أوصلنا إليها الجهاد والاستشهاد وقال بصوت مرتفع : كما كنت أول متبرع للجزائر المجاهدة، فسأكون أول متبرع للجزائر المستقلة ، لقد أصدرت أمري بوضع مليار فرنك حلا في حسابكم وأرجو أن يقتدي بذلك بقية الإخوان” 4.

وقد استمر هذا الدعم بعدئذ في مجال التعليم ؛ إذ استقبل الطلبة الجزائريون في معاهد الشرق العربي لدراسة تخصصات علمية أو فروع علمية غير موجودة بالجزائر أو موجودة لكنها في طور النمو والتكوين، مجموعهم في الدول العربية في العام الدراسي (1964/1965م) بلغ 1385 طالبا وطالبة، عدد الذين استقبلتهم السعودية 219 طالبا منهم 204 في المدارس الثانوية والباقون دراسات عليا في كلية البترول والمعادن التابعة لجامعة سعود بالرياض 5*.

وعدا هذا الخبر الصحفي الذي يعكس مستوى مقبولا من التعاون الذي كان يُؤمل أن نرى نظيرا له على المستويات السياسية والاقتصادية لا نكاد نعثر في جريدة الشعب** الناطق الإعلامي الرسمي للدولة الجزائرية الفتية، ما يرقى للمستوى المطلوب منها، أثناء حكم الرئيس الأول للجزائر المستقلة أحمد بن بلة في الفترة ما بين [ 1962 ـ 1965م] عدا تبادل تهاني بمناسبات معينة كالبرقية التي أرسلها الرئيس الجزائري يهنئ جلالة الملك فيصل بمناسبة اعتلائه كرسي الحكم بالمملكة*** والبرقية التي عنونت لها الشعب بعنوان : ” الأخ بن بلة يهنئ الشعب العربي كله بالاتفاق بين البلدين الشقيقين اليمن والسعودية ، وإرسال برقيات إلى كل من : عبد الناصر والمشير عبد الله السلال والملك فيصل ، وقد جاء في البرقية التي أرسلها لجلالة الملك فيصل ما يأتي : ” لقد تلقينا بمزيد من الارتياح نبأ وقف إطلاق النار ووضع حد للمأساة التي كانت مصدر قلق كل العرب والمخلصين الذين كان يسوؤهم رؤية أشقائهم يقتتلون ويبذرون جهودهم، ولهذا فإننا نعبر لكم عن فرحتنا الكبرى بهذا الحدث السعيد الذي افتتح به عهدكم المبارك والذي يعتبر بداية مشرفة للعمل المشترك ضد الاستعمار وحليفته إسرائيل” 6.

ويأتي هذا الاحتفاء أيضا في ضوء ما أسفرت عنه جهود بذلتها الجزائر، كما عبرت عن ذلك الشعب بالقول : المدني [ أحمد توفيق المدني ] ينجح في إعادة العلاقات بين مصر والسعودية*إذ استغل الأستاذ المدني علاقاته المتينة التي كونها مع السلطتين والنظامين السعودي والمصري خلال فترة الاحتلال والنضال ضد الاستعمار للمساهمة في تحقيق هذه النتيجة الجيدة .

لكن السؤال المطروح ما هي أسباب فتور العلاقات بين الدولتين خاصة في عهد حكومة الرئيس بن بلة تحديدا ؟ وقد كان من المنتظر أن تكون على مستوى أحسن وأرفع مما كانت عليه بالنظر للمواقف المشرفة للمملكة تجاه الثورة التحريرية وإثر الاستقلال كما رأينا في بحث سابق**

الحقيقة أن الإجابة الموضوعية والشافية عن السؤال متعذرة في غياب الوثائق اللازمة كما نوهنا سلفا لكن مع هذا يمكن التقدير على النحو الآتي : إن أسباب ذلك تعود إلى قوة الرابطة التي جمعت الرئيس بن بلة  بالرئيس عبد الناصر، فكان للحوادث والاضطرابات التي نشبت بين مصر والسعودية في قضية اليمن أثرها في الانحياز إلى الرئيس عبد الناصر ونظامه الثوري الذي يعتبره بن بلة مثاله المحتذى ؛ ” فنحن قريبون من المفهوم الناصري للحزب الواحد، المعارض لكل الأحزاب والزمر الأخرى، الرامي إلى إنجاز وتحقيق المصلحة الوطنية التي تعلو فوق المصلحة الخاصة لأية مجموعة أو أية طبقة على حدة ” 7، فكان انحيازه إلى نظامه وسياساته يبدو أمرا منطقيا ومنسجما مع اختياره السياسي.

السبب الآخر الذي أراه أقوى تأثيرا هو الخلفية الأيديولوجية التي كانت توجه النظام السياسي الجزائري آنذاك، المتمثلة في الاختيار الاشتراكي في صورته وشكله الاندفاعي، وما يقتضيه من تصنيفات الأنظمة السياسية المخالفة له كالرجعية والامبريالية وغيرهما من التوصيفات والتصنيفات، وقد غذى تلك النزعة العناصر الماركسية التي اتخذت لها مواقع التأثير والتوجيه في النظام الجزائري ( حزبا وحكومة ) كما تشير إليه بعض الدراسات الحديثة، فمنذ عام 1964 بدأ عدد من إطارات الحزب ( حزب جبهة التحرير الوطني ) الشابة ذوي التكوين الاشتراكي أو بالتحديد ذوي التكوين الماركسي، صعودهم السياسي بدعم من الرئبس بن بلة 8 ؛ ” وفي الوقت الذي ابتعد فيه بن بلة عن الساسة القدامى أصبح يعتمد على مجموعة من المستشارين اليساريين  ” 9.

وقد استمر تأثير هذا الاتجاه حتى بعد نظام بن بلة ، خاصة في صياغة الوثيقة الأيديولوجية للدولة الجزائرية وهي الميثاق الوطني[ صدر عام 1976] فلم يخف على محرريه … رسم صورة واضحة وهم الماركسيون حتى النخاع حيث يقرنون السلطة الثورية مثلما قارن البيان الشيوعي ( الشيوعيون بالبروليتاريين ). مع أن الاختلاف ين المجتمعين واضح جدا إلا أن طموحات المحررين في بناء المجتمع على تلك الصورة يتجاوز إطاره العملي كثيرا ” 10.

والحقيقة أن الموقف الشاذ لأول رئيس للجزائر المستقلة كان له وقعه المؤلم على نفسية الملك في نفسه رحمه الله تعالى ـ كما ذكر الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي* على لسان الملك ـ وذلك في تعقيبه على محاضرة للأستا\ جميل إبراهيم الحجيلان بعنوان ( الدور القيادي للملك فيصل في العالم العربي ) ؛ إذ قال الدكتور الإبراهيمي : ” استقبلني الملك فيصل [ في أغسطس سنة 1965م] بمدينة الطائف بوصفي مبعوثا خاصا للرئيس الراحل هواري بومدين وكان الهدف من مهمتي شرح الأسباب والمقتضيات التي أدت إلى إبعاد الرئيس السابق قبل ذلك التاريخ بشهرين .

وبعد أن انتهيت من عرضي قال لي الملك فيصل ” في الخمسينات عندما كنتم تحاربون الاستعمار الفرنسي . وكان والدكم [ فضيلة الشيخ الإمام محمد البشير الإبراهيمي ] **على اتصال بالملك عبد العزيز معرفا بالجزائر وبالمغرب العربي، كنت أتصور أنني سوف أكون أول عربي تطأ قدماه ثرى الجزائر غداة استقلالها، لما أحمله من حب وتقدير للمجاهدين الجزائريين، ولما كنت أحلم به من زيارة معاقلهم والاطلاع على مآثرهم، ولكن أول رئيس للجزائر منذ بداية عهده شن حملات متتالية على المملكة، ولو اقتصرت على نقد سياستنا لهان الأمر، ولكلَ وجهة هو موليها، ولكنها تعرضت للأسرة بالتجريح، وأمام هذا الوضع آثرت الصمت وعم الدخول في المهاترات، وأنا أوافقكم اليوم أن التغيير الذي تم في الجزائر يفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين ” 11 ، ثم يعقب الدكتور الإبراهيمي على نتيجة هذا اللقاء بقوله : ” وعندما تركته كنت متيقنا أن العلاقات الجزائرية السعودية سوف تتطور، وقد توطدت بالفعل من خلال اتصالات عدة بين المسوؤولين الجزائريين والسعوديين ” 12.

وقد عكست الأخبار الواردة في صحيفة الشعب صورا لهذا التطور في مجال العلاقات السياسية والاقتصادية؛ كإرسال المبعوثين الخاصين؛ فقد نشرت تحت عنوان ” مبعوث من الملك فيصل يصل في مهمة خاصة ” هو السيد محمد المنتصر الكتاني أدلى بتصريح جاء فيه : ” أن الملك فيصل كلفني بمهمة خاصة لدى الرئيس بومدين، كما أحمل بشائر تحقيق الوحدة بين جناحي العالم العربي : المشرق والمغرب في كفاحهما من أجل التقدم وتصفية الاستعمار الجديد “13

ويبدو أنه وجد من القيادة الجزائرية الجديدة ما يبشر بفرص أكثر حيوية وأجواء أنقى لبناء علاقات جديدة بعيدا عن المماحكات والتشنجات المفتعلة، وقد ترجم عن هذا الشعور عند مغادرته الجزائر بقوله : ” إن مهمته كانت ناجحة أتم النجاح، وكانت بمثابة اتصال بين الشقيق والشقيق، ومضى يقول : إنني وجدت في الأخ بومدين مثال العربي المسلم الصادق، وأملي في المستقبل أن تكون الجزائر ـ كما كانت دوما ـ  في طليعة الدول العربية المسلمة ” 14.

وعلى المستوى الاقتصادي نسجل الاهتمام الخاص الذي أولته الجريدة للعلاقات الاقتصادية إثر زيارة وفد اقتصادي تجاري سعودي للجزائر دام أسبوعا وأفضى في النهاية إلى بيان نشرته جريدة التشعب ، وقد تضمن الاتفاق مبدئيا على : ـ

أولا : أن تقدم الجهات المختصة في الحكومة الجزائرية للوفد السعودي قائمة بالمنتجات المحلية الممكن تصديرها إلى المملكة العربية السعودية .

ثانيا : ـ أن تدرس الجهات المختصة في الحكومة السعودية على ضوء الإنتاج المحلي السعودي وعلى ضوء الأسعار العالمية للسلع المشابهة للإنتاج الجزائري موضوع الإعفاءات  والتسهيلات التي قد تُعطى لمثل هذه المنتجات وموافاة الجهات الجزائرية برأيها في هذا الموضوع بالطرق الرسمية .

ثالثا : ـ ضرورة زيادة أواصر التعاون بين الغرف التجارية في كلا البلدين وذلك بغية إطلاع المستوردين السعوديين على الإنتاج الصناعي الجزائري، وخاصة أن مندوبي الغرف التجارية السعوديين قد أبدوا اهتماما كبيرا بالمنتجات الجزائرية القابلة للتسويق في المملكة العربية السعودية لاسيما الزيوت والحديد والورق والصناعات الخشبية والأدوية .

رابعا : ـ أن تقدم الجهات الجزائرية المختصة بدراسة إمكانية إقامة معرض للمنتجات الجزائرية في المملكة العربية السعودية لتعريف الجمهور هنالك بالإنتاج الصناعي والزراعي الجزائري .

خامسا : ـ أبدى الجانب السعودي استحسانه للشاحنات التي تنتجها مصانع (برلي) الجزائرية ، وسأل عن إمكانية إدخال بعض التعديلات الشكلية التي تلائم المهمة التي ستستخدم فيها، وقد أبدى الجانب الجزائري استعداداه لإدخال كافة التعديلات المطلوبة .15

وعلى الرغم من الأهمية البالغة التي تكتسيها بنود هذه الوثيقة التاريخية/ الاتفاقية، فإننا لا نملك من الأدلة والوقائع ما يؤكد لنا مدى الالتزام بها وتجسيدها على أرض الواقع وهذا بطبيعة الحال راجع لانعدام الوثائق أو على الأقل صعوبة الحصول عليها من الأرشيف لصعوبة الأمر كما نوهنا في مطلع البحث. لكنها على أية حال وثيقة تشير إلى مستوى مقبول أخذت تتجه إليه العلاقات الجزائرية السعودية في هذا المجال الاقتصادي على إثر التغيير الحاصل في القيادة السياسية الجزائرية.

إلا أن الأجواء الحسنة والتطور الإيجابي اللذين طبعا العلاقات الجزائرية السعودية في ظل النظام الذي قام بالجزائر إثر ما سُمي بالتصحيح الثوري سنة 1965 لم يعدم محطات اتسم فيها الطرح السياسي من خلال بعض تجلياته الإعلامية بقدر من النظرة المرتابة المشككة في بعض الطروحات السياسية الإستراتيجية للملك فيصل ؛ فبعد نحو شهر من الاتفاق الاقتصادي المذكور آنفا نشرت جريدة الشعب في صفحاتها الأولى وفي عددين متواليين مقالا بالعنوان الآتي : “الحلف الإسلامي محاولة إمبريالية يائسة لخنق حركات التحرر العربية “* ورد في ديباجته : ” إن الاقتراح الذي تقدم به الملك فيصل … الرامي إلى عقد مؤتمر لرؤساء الدول الإسلامية لمناقشة شؤون الدين والتقارب بين الدول الإسلامية، وقد لقي صدى متفاوتا في عواصم البلدان المعنية . فما هو القصد من ذلك يا ترى ؟ إن العالم الإسلامي يتساءل عن الدوافع والأسباب الكامنة وراء هذه الرغبة الملحة في عقد مؤتمر إسلامي على مستوى القمة ! ” 16.

وقد اتسم المقال بنزعة التشكيك منذ البداية في الهدف من النداء للتجمع الإسلامي الذي دعا له الملك فيصل ، فراح كاتب المقال يتسحضر الحجج من التاريخ الإسلامي البعيد والقريب ، ويقارن الشاهد بالغائب ليُفرغ الدعوة من أهميتها من مثل قوله : ” ولا يخفى على أحد أن الفكرة في عقد مثل هذا المؤتمر ليست وليدة اليوم، بل ترجع إلى عهد بعيد في التاريخ الإسلامي ونورد على سبيل المثال محاولة أحد الملوك في دولة الموحدين، الممثلة لبلدان المغرب لدى عاهل أيوبي يمثل معظم بلدان المشرق لعقد مثل هذا المؤتمر ” 17  

وقوله : ” إننا نذكر الطريقة التي استخدمت لغرس إسرائيل شوكة في قلب العالم الإسلامي … وندرك تماما كيف تحاول الامبريالية استغلال العواطف الدينية للمسلمين ، والتظاهر بحمايتهم خدمة لمصالحها الجشعة، إن كل ذلك يدعونا إلى التساؤل : أليس الحلف الإسلامي مناورة استعمارية ؟ 18

إلى جانب هذا أخذ يهون من شأن المؤتمر وانعدام التجاوب معه  بقوله : “وانظر إلى هاته التسمية الغامضة ، وكذلك الاجتماع المنوي عقده، فمن العبث انتظار حصول تأييد له من قريب أو بعيد، والسبب في ذلك إنما يعود للذين دفعوا إلى فرض الفكرة بابتعادهم عن الواقعية والوضوح في مبادراتهم إذ لا يمكن تصور أي وضوح في الدعوة لعقد اجتماع لرؤساء الدول قصد بحث المسائل الإسلامية بصفة عامة إذ أن هذا الغموض يضر بالقضية التي يراد الدفاع عنها”19.

ثم راح صاحب المقال ـ بعدئذ ـ يدلل على ما افترضه في دعوة الملك فيصل من استغلال الدين لتحقيق مآرب سياسية وربما مذهبية، مستعينا ببعض أحداث التاريخ الإسلامي ذات السياقات والملابسات الخاصة؛ : ” إن الحالات التي جرت فيها محاولات ناجحة لاستعمال الدين كستار لتغطية مطامع سياسية بحتة لمتعددة جدا ، وبدأت تلك المحاولات تظهر في منتصف القرن الأول الهجري ، والسبب في ذلك يرجع إلى أن الصراعات السياسية في الإسلام كانت غالبا تستعمل الأسباب الدينية كحجة ” 20 ، ليخلص إلى نتيجة أوهامه وتخوفاته ” تجاه المؤتمر الإسلامي للقمة وإننا نرى أنه في حالة ما إذا عقد هذا المؤتمر فأنه سيكتسي في البداية صبغة سياسية يكون لها أثر سيئ في نظر الضمير الإسلامي ويحيد عن الأهداف المشتركة فيما بعد . إن هذا طبعا يزيد من انقسام العالم الإسلامي ويخرب القضية التي نريد أن ندافع عنها “21

رغم أن المقال لم يظهر بإمضاء اسم صاحبه فإنه يمكن الترجيح أنه ليس من أصحاب القرار ولا رجال السياسة النافذين، وعليه فإن صاحبه لا يعبر بالضرورة عن القناعات الخاصة لنظام الحكم آنذاك ، وإنما هو تعبير عن قناعات بعض فصائله المغالية ـ بالطبع ـ في الأيديولوجية الاشتراكية التي تكاد لا ترى نورا ينبثق عن غير وجهتها، كما يتناغم مع الموقف الناصري ربما للاعتقاد أنها منافسة ومناوئة لفكرة العروبة والقومية التي كان يتزعمها الرئيس عبد الناصر .

وقد أثبتت الأحداث والزمن التاليين  لنشر هذا المقال وخاصة حادثة حرق المسجد الأقصى الشهيرة ثاقب بصيرة الملك فيصل ـ رحمه الله تعالى ـ بدعوته للتضامن الإسلامي الذي أصبح إثر الحدث المشؤوم أملا تتشبث به الأمة الإسلامية يقول الدكتور الإبراهيمي: ” وفي الحقيقة فمنذ إحراق المسجد الأقصى سنة 1969 كان الملك فبصل يفكر في منظمة إسلامية تكون رديفا لا بديلا للجامعة العربية”22.  

ويمكن مقارنة النزعة المتشككة المتشائمة والموقف الأيديولوجي المنحاز ضد الدعوة الفيصلية الذي صدر عنه صاحب المقال المذكور بما تضمنه مقال آخر ضاف حول ” قضية فلسطين ومؤتمر القمة الإسلامي “* بمناسبة انعقاد مؤتمر القمة الإسلامي الأول بالرباط عاصمة المملكة المغربية في شهر سبتمبر1969 ، انتصر فيه كاتبه لمبدأ وفعل الاجتماع ، وناقش المتشائمين والمشككين في أهمية وضرورة مثل هذه اللقاءات للأمة الإسلامية ؛ يقول الشيخ باعزيز بن عمر**: ” وإذا ما استغربت طائفة من الصحافيين ورجال السياسة من الأجانب والمسلمين أنفسهم انعقاد هذا المؤتمر … فلسنا نحن من المستغربين بل نراه شيئا عاديا طبيعيا تطالب به تعاليم الإسلام للذود عن مقدساته وحمى أوطانه في كل زمن ومكان، ولو استجاب المسلمون لهذه التعاليم التي تأمرهم بالتضامن لا للاعتداء على غيرهم، ولكن للدفاع عن حوزتهم ومقدساتهم لما توالت عليهم هذه النكبات ، ولما أقدم الصهاينة على احتلال شبر من أرضهم فضلا عن إحراق مسجدهم الأقصى ” 23

ولا يرى في اجتماعهم ما يخالف العصر والدين ، فيقول : ” إن عصرنا عصر الدعوة إلى التضامن والتكتل بين الشعوب والأمم للدفاع عن مصالحها المشتركة، فلم يأت المسلمون أو قادتهم إذن ما يخالف طبيعة عصرهم أو تعاليم دينهم باجتماعهم في عاصمة المغرب على مستوى القمة، بل ما نسجوا في ذلك إلا على منوال غيرهم”24.

ويرى أن الذين رأوه لقاء دفعت إليه عواطف حرق المسجد الأقصى أنهم مخطئون؛ لأن ما ذهبوا إليه ” لا يمليه على أصحابه إلا الجهل بالإسلام وتعاليمه أو ما يشبه الجهل من الانقياد للهوى والغرض، ولو تأملوا قليلا لأدركوا أن فكرة أي مؤتمر من مؤتمرات الإسلام لم تكن يوما إلا قديمة قدم الإسلام نفسه ، وعميقة عمق تعاليمه ، فالمسلمون مطالبون بحكم دينهم بالإجماع والتضامن والتكتل في كل زمان ومكان ، لا للاعتداء على غيرهم ولكن للدفاع عن أوطانهم وحماية مقدساتهم .

وزيادة على هذا فهل يكون بدعا أن يجتمع ملوك ورؤساء الدول الإسلامية وبينهم كما بين شعوبهم روابط الإخاء والحضارة والتاريخ ما ليس إلا قليل بين آخرين ممن نراهم يتنادون إلى عقد مؤتمرات دولية واجتماعات دورية ، ومع ذلك لم ير أحد بدعا أن يجتمعوا وهم من أمم متباعدة وشعوب مختلفة دينا ولغة وحضارة بحيث لا تجمعهم إلا جامعة مصلحة مشتركة إذا زالت زال كل دافع إلى الاجتماع والتعاون .

إن ملوك ورؤساء الدول الإسلامية قد حققوا ولا شك بمؤتمرهم الأول هذا أملا من آمال الشعوب الإسلامية وأمنية من أماني دعاة الإصلاح الإسلامي في القديم والحديث لاعتقادهم أن كل لقاء من هذا النوع وبهذه الدرجة من الأهمية لن يكون إلا في صالح الإسلام والمسلمين ، ولو لم يكن لهذا اللقاء الأول من النتائج إلا ما ذكره أحد الرؤساء في جوابه عن سؤال أحد الصحافيين بهذا الصدد … : إن مجرد اجتماعنا في الرباط يعد نتيجة . وهذا يدل على أن مؤتمرات القمة لا تخلو من نتيجة ولو كانت في البداية مقصورة على مجرد الاجتماع والانعقاد وتبادل الآراء بالنسبة لمؤتمرنا الذي يعتبر أول مؤتمر من نوعه في العالم الإسلامي الواسع الأرجاء “25.

وبلهجة المسلم المتفائل دائما يرد على أحد الذين لا يقرؤون سوى الأخبار والتعاليق الصحفية المتشائمة، فيقول : ” وأنا كذلك قرأت في صحف أخرى تعاليق مستفيضة عنه ، ولكنها متفائلة ، يفهم منها أنه مؤتمر لا يقل نجاحا عن غيره من المؤتمرات الدولية التي سبقته في مختلف عواصم العالم المعاصر ، فقد سار على نهجها أعضاؤه في مداولاتهم ، وشكلوا اللجان ، واتخذوا القرارات ، فلننتظر ما ستسفر عنه من آثار ونتائج كما كنا ننتظر في الماضي نتائج كل مؤتمر هام انعقد عندنا أو عند غيرنا على مستوى مؤتمر الرباط الذي قال عنه أحد المعلقين الغربيين : قد آن لأعداء الإسلام أن يدركوا أن الإسلام لم يفقد يوما قوته كدين عالمي، فقد يضعف المسلمون لطول الأمد عليهم وترك الأخذ بتعاليمه ، ولكنه هو لا يضعف فكلما رجعوا إليه عادت إليهم قوتهم ، وإذا هم خلق جديد ” 26، ثم يستنطق من تاريخ المسلمين المشرق ما كان فيه من محطات وحدة الصف التي يأملها مؤتمر القمة الإسلامي ، مما يبعث على روح التفاؤل بشق طريق العزة والنصر ؛ فيقول : ” وقد أثبت تاريخ الإسلام الحافل بالأحداث والانتصارات أن المسلمين قد مرت بهم أحداث شداد وخطوب جسام فتغلبوا عليها بفضل توحيد صفوفهم ، ومن ذلك هزمهم للصليبين بقيادة صلاح الدين الأيوبي ووقوفهم كالبنيان المرصوص أمام الزحف المغولي للمشرق فارتد منهزما كذلك ، ولو أنهم وقفوا هذا الموقف يوم حلت بهم محنة الأندلس واعتصموا بالأخوة الإسلامية بدل الطائفية التي مزقت صفوفهم شر ممزق لكتب لهم النصر على أعدائهم ، ولما أضاعوا جزرا ومعاقل أخرى كانت حصونا حصينة للإسلام ” 27 

لينتهي إلى اعتبار مؤتمر القمة هذا نقطة انطلاق نحو مجد المسلمين وقوة الإسلام  ” إن انعقاد مؤتمر القمة الإسلامي في الرباط ما هو إلا بعث لقوة الإسلام وعنوان على حيويته، وبرهان على صلاحيته للانطلاق من جديد في طريق العز والكرامة ، فليكن فاتحة خير ومقدمة اتحاد شامل ينطوي تحت لوائه المسلمون قاطبة للدفاع عن حقوقهم وحماية حضارتهم ومقدساتهم” 28.

ونخلص نحن بدورنا بنتيجة من المقارنة بين المقالين أن الأًصالة الإسلامية والعربية التي حملها مقال الشيخ باعزيز هي مصدر نظرته الإيجابية لدعوة ومؤتمر التضامن الإسلامي ، وأن إيديولوجية اليسار هي مصدر التشكيك والتهوين من شأن الدعوة إليه من قبل الملك فيصل رحمه الله تعالى .

كما توضح لنا ـ أيضا ـ أن العلاقات الجزائرية السعودية كان يتجاذبها من الجانب الجزائري تحديدا تيارا الأصالة العربية الإسلامية، وتيار التغريب اليساري  والفرانكفوني ، الذي أوحت دعايته للكثير من العرب ومنهم الملك فيصل بشيوعية النظام الجزائري، وقد عبر جلالته يرحمه الله تعالى بذلك للدكتور الإبراهيمي كما روى عنه أثناء زيارته للجزائر عام1970قال : ” ثم أدينا صلاة الجمعة في مسجد صغير بمدينة أرزيو* وعند مغادرة المسجد خاطبني الملك الشهيد بهذه العبارة التي سجلتها في حينها : أكلمك اليوم كابن الإمام الإبراهيمي لا كوزير جزائري ، أصارحك أن اليوم فقط انقشعت الغيوم التي كانت تغشي الصورة الناصعة التي أحتفظ بها عن المجاهدين الجزائريين ، اليوم فقط أدركت أن الإشاعات حول الاتجاه الشيوعي للقيادة الجزائرية الجزائرية غير صحيحة ومغرضة “29.

والحقيقة أن بعض ممثلي هذا الاتجاه الشيوعي بالجزائر لا يزال محتفظا بمواقفه المعادية للمملكة ، فيراها ـ مثلا ـ مصدرا للإرهاب الذي ابتليت به الجزائر خاصة في سنوات التسعينيات من القرن العشرين* .

أما على المستوى القيادة السياسية الجزائرية التي لا يخفى ما بين النظامين من اختلاف في الاختيارات السياسية وتوجه كل منهما ، فقد كانت تحمل للملك فيصل احتراما كبيرا من قبل الرئيس هواري بومدين رحمه الله ، قال الدكتور الإبراهيمي : ” أشهد أمامكم أن بومدين كان يحمل من الاحترام والتقدير لفيصل ما لم يحمله لأي قائد آخر في ذلك الوقت ” 30.

وقد تجلت تلك المكانة ورفعة مستوى العلاقات الجزائرية السعودية في مستويين هما : الأول : أثناء الزيارات التي قام بها الملك فيصل إلى الجزائر ، والمستوى الثاني إثر استشهاده يرحمه الله تعالى . وقد عكست الصحافة لا الجزائرية ذاك المستوى المتميز والخصوصية في نظرة القيادة السياسية الجزائرية ممثلة في الرئيس الراحل هواري بومدين للملك فيصل ودوره القيادي على المستويين العربي والإسلامي .

أما بالنسبة للمستوى الأول ( زيارات الملك فيصل للجزائرـ 1970 ـ 1973 ـ 1974) فأشهرها تلك التي جاءت بتاريخ  16/6/1970، فعن التمهيد لها يقول الدكتور الإبراهيمي : ” كنت متيقنا أن العلاقات الجزائرية السعودية سوف تتطور، وقد توطدت بالفعل من خلال اتصالات عدة بين المسؤولين الجزائريين والسعوديين، وفي إطار هذه الاتصالات التي أدى دورا كبيرا فيها سفير المملكة آنذاك رياض الخطيب تعرفت إلى أخوين كريمين من المملكة ، زميلي آنذاك الأستاذ حسن آل الشيخ والأستاذ عمر السقاف رحمهما الله ، وكل هذه الاتصالات توجت بالزيارة الرسمية التي قام بها الملك فيصل للجزائر في أواسط شهر يونيو سنة 1970فقد وصل الملك فيصل إلى عاصمة الجزائر واستقبل بحفاوة بالغة من الجزائر شعبا وحكومة ورئيسا ” 31.

وقد ترجمت جريدة الشعب عن مستوى هذه الزيارة بوصفها بالقول : “استقبلت الجزائر أمس[16/6/1970تاريخ الوصول ] ضيفها الكبير جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز عاهل المملكة العربية السعودية الشقيقة الذي يحل ببلادنا لأول مرة في زيارة رسمية تستغرق أربعة أيام تلبية لدعوة من الأخ هواري بومدين رئيس مجلس الثورة والحكومة  وقد خصصت جماهير الشعب الجزائري بالعاصمة وضواحيها للعاهل السعودي استقبالا حارا تقديرا لجلالته ، وتعبيرا منها عن عواطف الأخوة التي تكنها لجماهير الشعب السعودي الشقيق ، وتأكيدا لإرادتها في تدعيم روابط الأخوة العربية ـ وتوحيد كلمة وصفوف العرب جميعا ، وتجنيد جميع الطاقات العربية لنصرة الشعب الفلسطيني الشقيق ومؤازرته في كفاحه المرير ضد الاحتلال الصهيوني ، والعمل على تحرير الأراضي العربية المحتلة ، ومقاومة جميع أشكال التوسع الصهيوني الامبريالي في وطننا العربي الكبير ” 32. 

ومما يبرهن على المستوى الذي بلغته العلاقات السياسية بين البلدين آنذاك، ما امتازت هذه الزيارة التاريخية :

  ـ  اختيار مناسبة الزيارة وهي الذكرى الخامسة لاعتلاء الرئيس بومدين منصب الحكم والقيادة.

 ـ تنوع اللقاءات فيها بين انفرادية بين الزعيمين ثم شملت الوفدين بعدئذ ؛ وقد سجل الدكتور الإبراهيمي ما ركز عليه الطرفان خلال تلك المحادثات وبرز من نقاط توافق فقال : ” وخُصص اليوم الثاني من الزيارة للمحادثات الرسمية بين الوفدين ، وكنت عضوا في وفد بلادي، وكانت فرصة للقائدين أن يستعرض كل واحد منهما إنجازات بلاده في عهده ؟، وقد مرَ على كل واحد منهما قرابة خمس سنوات في السلطة، وبرزت نقاط التقاء كثيرة بينهما : ـ

 أولا ـ البناء الداخلي أحسن وسيلة لبناء الوحدة العربية عوض الشعارات والشعريات ، والتركيز في البناء الداخلي على الأخلاق والعدالة الاجتماعية .

 ثانيا ـ العمل العربي المنسق في ظل وحدة الصف بدعم منظمة التحرير الفلسطينية ، وإعادة بناء القوة العسكرية لدول المواجهة ، والذكاء في استخدام سلاح النفط ، وتحضير المرحلة القادمة في الصراع العربي الإسرائيلي

 ثالثا ـ التضامن الإسلامي ، الذي يفرضه ديننا ، والذي يُوفر قاعدة خلفية وعمقا استراتيجيا للعمل العربي ، والتفكير في إنشاء جامعة إسلامية 33 .

ومن نقاط الاختلاف التي تبادلها الزعيمان كما يقول الإبراهيمي : ” وحتى نقاط الاختلاف تم التطرق إليها بلباقة ، فسمعت ـ مثلا ـ الملك فيصل ينصح بومدين ” ( حذار أن تبقى تحت رحمة ممون واحد للسلاح ) كما سمعت بومدين يذكر ضيفه ( يجب ألا تكون ثقتنا في الأصدقاء الغربيين ثقة مطلقة )  34 . ثم يذكر كيف لاحظ الملك فيصل أثناء المحادثات الرسمية يبدى اهتماما كبيرا بالفقرات المتعلقة بسياسة التعريب ، وما أُنجز منها في العرض الذي قدمه الرئيس بومدين 35.

 ـ تنظيم جولتين ملكيتين كبيرتين لمدينتين بشرق الجزائر ( مدينة عنابة)* وغربها ( مدينة وهران) **، وصفتهما جريدة الشعب وصفا دقيقا مع المنجزات التي أطلع عليها الملك الراحل وأبدى إعجابه بها . فبالنسبة لمدينة عنابة اطلع على مركب الحجار للحديد والصلب وسجل في سجله الذهبي الكلمة الآتية بعد أن طاف بأرجائه : ” لقد أعجبت بما شاهدته في هذه الزيارة ، ومما لا شك فيه أن هذه المنجزات هي ثمار المجهود الجدي الذي يبذله الأشقاء الجزائريون تحت قيادة الرئيس بومدين وإنني أدعو الله أن يعيننا على تأدية مهمتنا النبيلة من أجل تحقيق أهدافنا المشتركة ” 36 .

أما في وهران فقد وصفت جريدة الشعب مشاركة العاهل السعودي الرئيس بومدين تدشين مركب الأمونياك والأسمدة الأزوتية بمدينة أرزيو الصناعية فجاء الوصف كالآتي : ” فقد غادر الموكب الرسمي الذي كانت تتقدمه السيارة المقلة للأخ هواري بومدين رئيس مجلس الثورة والحكومة وضيفه الكبير جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز عاهل المملكة العربية السعودية في حوالي الساعة التاسعة صباحا[ 19/6/1970] في طريقه إلى أرزيو مدينة الصناعة البتروكيماوية ، وقد خصصت جماهير القرى الواقعة على الطريق الرابط بين وهران وأرزيو استقبالا حارا للرئيس بومدين والملك فيصل … وعندما كانت الساعة العاشرة والربع صباحا وصل الموكب إلى مدينة أرزيو … وبعد تناول الأخ الرئيس وضيفه الكبير التمر والحليب وتلقيهما باقات ورود قدمها لهما اثنان من أطفال المدينة صافحا مستقبليهما ، وفي تلك الأثناء كانت مجموعة من الفرسان جنب قوس النصر الذي أقيم بهذه المناسبة تُطلق البارود تحية لضيفي مدينتهم الكبيرين ، بينما كانت الهتافات بحياة الرئيس بومدين والملك فيصل والأمة العربية وفلسطين تزداد حدة قبل أن تختلط بزغاريد النساء وألحان الفرق الموسيقية الفلكلورية . وبعد مراسم الاستقبال تحرك الموكب نحو مركب الأمونياك والأسمدة الآزوتية … وهنا توقف الموكب وترجل الأخ الرئيس وجلالة الملك فيصل وتقدما نحو الشريط الأخضر الذي كان يسد مدخل المركب وأخذا المقص وجمعا يديهما ثم قاما معا بقص هذا الشريط الرمزي إيذانا بتدشين المركب والوحدة الصناعية الجديدة التي ستدعم صناعتنا البيتروكيماوية وتقوي اقتصادنا الوطني وتفتح آفاقا جديدة أمامه نحو التنمية والتطور والارتقاء ببلادنا إلى مصاف الدول المتقدمة القوية ، ثم قام الرئيس بومدين والملك فيصل بإزاحة الستار عن لوحة تذكارية تخليدا لبروز هذا المركب الهام . وبعد التدشين قام رئيس مجلس الثورة والحكومة مرفوقا بالعاهل السعودي بجولة تفقدية لمختلف الوحدات الإنتاجية والأقسام الأخرى التي يتكون منها المركب ، وقد أبدى كل منهما إعجابه بهذا العمل الضخم الذي أنجزته جزائر الثورة ” 37.

وقد سجل الدكتور الإبراهيمي هذه الزيارة بقوله : ” ثم كان اليوم الرابع من الزيارة يوما مشهودا في تاريخ مدينة وهران ، واختار بومدين ذلك اليوم ـ وهو الذكرى الخامسة لوصوله إلى الحكم ـ ليدعو الملك فيصل لتدشين أكبر مصنع للأمونياك والأسمدة ، وليضع حجر الأساس لأكبر مصفاة بالجزائر . وهذا دليل آخر على إكبار بومدين لفيصل كما أسلفت ” 38.

كما شهدت تلك الزيارة التاريخية تبادل الخطب بين الزعيمين ، وقد تولت جريدة الشعب نشر نصيهما ؛ فمَما جاء في مطلع كلمة الرئيس بومدين : ” جلالة الملك ، إن سيل المشاعر التي تكتنفنا في هذه اللحظات الممتازة يحول دون الإفصاح عما نود أن نعبر عنه، فأنتم لا محالة في بلدكم وبين إخوانكم وعشيرتكم ، وقد حللتم بها أهلا ونزلتم بها سهلا .

وإن زيارتكم للجزائر لترمز إلى معان عميقة تذكرنا بأن مثل هذا اللقاء بين إخوة في الدم والدين واللغة كان منذ بضع سنوات فقط يكاد يكون في حكم المستحيل ؛ لأن الاستعمار المسيطر آنذاك كان يضرب حصارا على هذا الجزء من الوطن العربي ويحول دون أي لقاء بين هذا الشعب وأشقائه .

ولكن بفضل تضحيات جسام استطاع هذا الشعب العربي المسلم أن يعيد التاريخ إلى مجراه الأصلي الأصيل ، وأن يصل الأواصر والوشائج من جديد ويفتح ذراعيه لأخوته من مشرق ومغرب امتنا ، كما أصبح يقوم بما عليه من واجبات في تدعيم النضال العربي من أجل الحرية والكرامة والسؤدد .

أخي العزيز: إن الشعب الجزائري الصادق الوفي لا ينسى مواقف المملكة العربية السعودية ملكا وحكومة وشعبا تجاهه ، ومساندتها الكريمة أثناء حرب التحرير ، ولا يزال يذكر بامتنان أن بلادكم كانت أول من طرق أبواب هيئة الأمم المتحدة دفاعا عن شرعية كفاحه العادل وحقه في استرجاع استقلاله وسيادته ، فكان ذلك مظهرا من مظاهر التضامن العربي الذي أصبح اليوم في مقدمة المبادئ التي تؤمن بها وتسير على هداها الجزائر الحرة المستقلة .

وانسجاما مع هذه المبادئ اتجهت سياستنا إلى ترجمة هذا التآخي إلى واقع عملي بالنسبة لعلاقاتنا في مختلف الميادين ، سواء منها الاقتصادية أو الثقافية أو الاجتماعية حتى يكون هناك توازن وتكامل بين الصلات الروحية والمادية ، وطبقا في نفس الوقت لتعاليم ديننا الحنيف ولمقتضيات العصر الحديث .

ولعل ظروفا ورثناها عن عهود خلت لم تسمح ببلوغ ما كنا نصبوا إليه جميعا من تعاون وتآزر ويبدو لنا أن الأسباب لذلك قد أصبحت متوفرة أكثر من أي وقت مضى وأن النوايا الخالصة لتدعونا إلى وضع أسس متينة لتعاون مثمر في شتى المجالات يعود بالخير على الشعبين الشقيقين وعلى الأمة العربية عامة”39.

لقد أوفت مقدمة الخطاب بالتعبير عن المستوى الذي بلغته العلاقات الجزائرية السعودية في عهد الرئيس بومدين والمكانة المتميزة التي يحظى بها الملك فيصل لديه. ونحن نعتقد أن الخلفية الثقافية والدينية للرئيس بومدين قد يكون لها دور في ذلك التقدير ؛ فهو كما قال عنه الرئيس السابق الشادلي بن جديد* : ” كان بومدين عميق الإيمان ، حريصا على تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية وتكييفها مع الاختيار الاشتراكي ، لا ننسى أنه درس في الأزهر ، وكان كتابه المفضل هو القرآن الكريم ، كان يحفظه عن ظهر قلب ويستشهد بآياته في خطبه . كان يعتبر الإسلام دين العدالة الاجتماعية ، والمساواة في الحقوق والواجبات … كان يقول دائما في خطبه إن الإسلام يرفض استغلال الإنسان لأخيه الإنسان 40.

ولقد استعرض الرئيس بومدين في خطابه أمام جلالة الملك فيصل وجهة النظر الجزائرية حول كثير من القضايا المتعلقة بالمرجعية الحضارية للدولة الجزائرية ، والاعتماد على القوة الذاتية للبلاد النامية لإثبات وجودها وشخصيتها وعزتها واستقلالها ، ودور التعاون العربي العميق في إعطاء الثقل اللازم للأمة العربية في المجال الدولي ، واستعراض الأشواط التي قطعها بناء المغرب العربي ، والتضامن المطلق مع المقاومة الفلسطينية ، والقيام بمسؤولياتها تجاه القارة الإفريقية التي تنتمي إليها ثم ختم كلمته بتجديد الترحيب بجلالة الملك فيصل  بقوله : ” وقبل أن أختم كلمتي أود أن أرحب بكم مرة أخرى في وطنكم هذا الذي يكبر فيكم على الخصوص أنكم عاهل بلد يحتضن الحرمين الشريفين وأن أتمنى لكم مقاما طيبا بين أهلكم وذويكم . وأني لواثق أنكم ستلمسون عن كثب أثنلاء تنقلاتكم في هذا البلد الأمين مدى ما يكنه الشعب الجزائري لكم ولشقيقه الشعب العربي السعودي من محبة وإخاء وتقدير ” 41.

أما خطاب الملك فيصل فنؤثر نقله بتمامه ـ كما حفظته لنا صحيفة الشعب ـ باعتباره وثيقة هامة ـ في تقديرنا ـ ونحن نتحدث عن العلاقات الجزائرية السعودية في الندوة الملكية لتاريخ الملك فيصل بن عبد العزيز يرحمه الله تعالى : “ فخامة الأخ الكريم : إنه ليسعدني أن أتقدم إلى فخامتكم وإلى الإخوة الكرام في هذا البلد الشقيق بعظيم الشكر والامتنان لما لقيناه من حسن الاستقبال والإكرام الذي ليس غريبا على شعب عرف بالنبل والكرم والإيمان بالله .

أيها الأخ الكريم : إن ما تفضلتم به في حديثكم عما تتبعه الجزائر الشقيقة في سياستها وفي أهدافها هو نفس ما تتجه إليه شقيقتكم المملكة العربية السعودية .

أيها الأخ الكريم : يشرفني أن أنقل لفخامتكم وإلى إخواننا في البلد الشقيق تحيات وتقدير ومحبة إخوانكم في المملكة العربية السعودية . وإن ما يربط الشعبين الشقيقين من علاقات ، ومن روابط في العقيدة والدم واللغة والمصلحة غني عن البيان ، وقد تفضلتم وأوضحتم ذلك بما لا يدع مجالا للتكرار .

ولا شك أننا لو أردنا أن نعدد مكارم هذا الشعب وأخلاقه وكفاحه في سبيل دينه وحريته واستقلاله لم نجد الكلمات التي تفي بإبراز هذه المعاني وإعطائها حقها .

إن كفاح هذا الشعب أصبح مثلا يحتذي به في جميع أطراف العالم ؛ لأن كفاح الشعب الجزائري لا ينحصر فقط في السبع السنوات الأخيرة ، ولكنه امتد إلى أكثر من مائة سنة ، وقد قدم هذا الشعب من الضحايا في سبيل كفاحه لنيل حريته واستقلاله ما لم يقدمه أي شعب آخر . ولا شك أن الله سبحانه وتعالى حيث علم بإيمان هذا الشعب وإخلاصه وشرفه ونبل مقاصده قد وهبه ـ ولله الحمد ـ النصر والتأييد حتى بلغ ما يأمل من حرية واستقلال ولست أقول هذا مجاملا ولا لأني أخ لكم أيها الأخ الكريم ، ولكن هذا ما يشهد به العدو قبل الصديق .

أيها الأخ الكريم : إن ما يخطو إليه أشقاؤنا في المغرب العربي من لقاء وتفاهم وسعي لحل جميع المشاكل والقضاء على الرواسب القديمة . وما توصلتم إليه ولله الحمد من تفاهم مع إخوانكم في هذا الجزء من العالم العربي ليدعو إلى الفخر والاعتزاز . ومما يثبت أنكم أيها الإخوة في هذا الجزء من العالم العربي تمثلون الروح الإسلامية والعربية المخلصة التي تتجسم في تقديم المصلحة العامة ومصلحة الشعب والوطن على أي مصلحة أخرى أو اتجاه خاص .

وإننا لنود بكل إخلاص أن تسري إلينا هذه العدوى في المشرق العربي ، وأن نتفاهم فيما بيننا في كل ما يمكن أن نصل إليه من أخوة وتعاون ولقاء أخوي* [ يبدو أننا في حاجة إلى زعيم مغربي يعيد الدعاء نفسه معكوسا من الخليج إلى المغرب العربي عند مقارنة ما وصل إليه مجلس التعاون الخليجي بما هو عليه وضع إتحاد المغرب العربي ] ، فليس هناك في اعتقادي بيننا أي خلاف أو سوء تفاهم ، وإنما من سوء الحظ توجد هناك بعض سوء التقديرات التي يمكن أن تخلق شكوكا فيما بيننا مما تعمل على ظهور وبروز النزاع بين الأشقاء والأخوة .

هذه النزاعات الناتجة عن لا شيء وبدون سبب ولا أي مصلحة ، وإنما لسوء الحظ تأتي دائما لسوء فهم الأوضاع والاتجاهات التي تفرق بيننا كإخوة ومواطنين وشركاء في الوطن والدين واللغة والمصلحة .

وإني لأدعو الله مخلصا أن يهبنا جميعا حسن القصد والإخلاص والسير لما فيه خدمة ديننا وصلاح شعبنا وأوطاننا ، وأن يكبح بقدرته كل التيارات والاتجاهات التي تسبب الفتنة .

أيها الأخ الكريم : إن المشكلة التي يواجهها العرب اليوم والتي تفضلتم وتحدثتم عنها هي قضية كل عربي ومسلم ، فهي قضية صراع الحق أمام الباطل ، ولا أجدني في حاجة إلى مزيد من التأكيد بأنه يجب أن نعتمد وأن لا نركن لأية مساعدة أو تسيير لأمورنا من طرف آخر غيرنا . فيجب علينا كعرب ومسلمين أن نتحمل مسؤولياتنا وأن تتضافر جهودنا واتجاهاتنا في سبيل قضيتنا وأن نسعى لنصرة حقنا واسترجاع ما اغتصب من حقوقنا ونصرة إخوة لنا أصبحوا مشردين في أنحاء العالم ، فهناك من يحزن لهم والآخر يشمت بهم ، وهؤلاء الإخوة ليس لهم أي ذنب سوى أنهم يطالبون بحقهم ووطنهم وكرامتهم فلذلك كما تفضلتم به ـ فخامة الأخ ـ يجب علينا جميعا أن نشد أزرهم ونؤيدهم بكل إمكانياتنا ، وأن نسعى كذلك في جمع صفوفهم حتى لا تتشتت الجهود وتختلف الاتجاهات ، ويتسبب ذلك في الفرقة وضياع المصلحة .

وعلينا جميعا أن نساعدهم بالمال والدم والسلاح والنصح والحرص على مصالحهم قبل كل شيء ، ولا نسعى لأن نطلب بأن بنصفنا من ظلمنا ، ولا أن يأخذ بيدنا من سعى لعسرتنا بل علينا أن نعتمد على الله سبحانه وتعالى ثم على أنفسنا ، وقد قال المثل : ما حك جلدك مثل ظفرك . وإذا ما حققنا هذه الأهداف فإننا سنصل بحول الله إلى ما نصبو إليه أيها الأخ الكريم .

لا يفوتني بهذه المناسبة دون أن أشيد وأعتز بما توصلتم إليه مع أشقائكم في هذه البقعة العزيزة من تفاهم وترابط وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.إن هذا مما يرفع رؤوسنا كإخوة لكم مخلصين لأننا نرى بأن مصلحتكم هي مصلحتنا، وأن كل ما يلحقكم من أضرار تمسنا .

ولكننا ولله الحمد فقد ارتبطنا [ كذا في الأصل / لعلها اغتبطنا ] وملأ السرور جوانحنا حينما علمنا بما توصلتم إليه من تفاهم بينكم وبين إخوانكم . وإننا كما قلت أرجو أن تكونوا مثلا لإخوانكم في مشرقكم العربي ، وأن نحتذي بالخطوات التي خطوتموها ، وأن نصفي ما بيننا من خلافات إذا كانت توجد هناك خلافات .

وفي اعتقادي أنه ليست هناك مشاكل أو خلافات ، ولكن هناك حاجة قصوى إلى الإخلاص والتفاني من أجل الصالح العام وإنكار الذات لنصل إلى ما نصبو إليه جميعا من أخوة صادقة وتعاون وثيق .

أيها الأخ الكريم : تفضلتم وذكرتم من أن شقيقتكم المملكة العربية السعودية كان لها بعض الجهد في مساعدة إخواننا في هذا البلد العزيز ، وإنني أكرر هنا أنه ليس في ذلك ما يوجب شكرنا عليه ؛ لأن هذا واجب تفرضه علينا أخوتنا ، والرابطة التي تربط بيننا وتاريخنا القديم والحديث ، بل يجب علينا أن نبتهل إلى الله بالشكر والامتنان لما وفقنا إليه حتى نقوم بما يجب علينا تجاه إخوتنا وأشقائنا .

وإنه لمن دواعي افتخارنا وعزتنا أن نرى في هذا الشعب الذي كافح من أجل الاستقلال والحرية نفس الاتجاه ونفس الهمة في كفاحه من أجل الحياة وفي سبيل الرقي والتقدم والقوة  ، ذلك أن ديننا وشريعتنا يفرضان علينا نشر العدالة والسعي لخير شعبنا وأمتنا والأخذ بأيديهم إلى مدارج الرقي والتقدم ، ولقد قال الله سبحانه وتعالى ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ) . وإن كلمة قوة هي لا تعنى فقط الأسلحة أو القوات الحربية ، وإنما هي القوة في كل الميادين الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والتربوية .

إن ديننا أيها الأخ الكريم هو دين التقدم كما هو دين الازدهار والقوة والعدالة والسلام والمحبة .

وأرجو الله أن يوفقنا جميعا إلى الأخذ بما فيه مصلحتنا جميعا ، وأن يوفقنا كذلك إلى السعي في كل ما يوثق روابط الشعبين والبلدين من تعاون في المجالات الاقتصادية  والثقافية والعلمية والاجتماعية .

وإني لأؤكد لفخامتكم بأن إخوتكم في المملكة العربية السعودية لا يقلون عنكم رغبة في هذا السبيل ؛ ذلك أنهم يسعون إلى ذلك بكل ما أتوه من قوة سائلا الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا الرشاد وأن يوفقنا إلى ما نصبو إليه .

وأكرر بهذه المناسبة شكري وامتناني لما لاقيناه من إخواننا رئيسا وحكومة وشعبا من حسن الاستقبال والحفاوة البالغة ، وذلك طبعا نابع من الإيمان الراسخ ، والمحبة الخالصة لا تستغرب عن مثل هذا الشعب النبيل .

وأرجوكم قبول احترامي ، وامتناني والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته “42.

وقد أثرت هذه الزيارة في نفس الملك فيصل تأثيرا بالغا نضحت  به البرقيتان اللتان بعث بهما واحدة إلى الرئيس بومدين،  [ جاء في جريدة الشعب تحت عنوان (  برقية إلى الرئيس بومدين من الملك فيصل ) :  وعندما حلقت طائرة العاهل مغادرة الجزائر بعث برقية إلى الأخ الرئيس هواري بومدين هذا نصه : ” في اللحظة التي أغادر فيها أرض الجزائر الغالية أبعث لفخامتكم ولجميع المسؤولين وللشعب الجزائري النبيل بخالص شكري وعظيم تقديري للحفاوة البالغة والترحيب الحار اللذين قوبلت بهما مع أعضاء الوفد المرافق من قبل الشعب الجزائري العريق المضياف من قادته ومن فخامتكم شخصيا . راجيا من الله العلي القدير أن يكون من نتائج هذه الزيارة ما يعود بالخير على بلدينا وعلى الأمة العربية والإسلامية . ليثق فخامتكم بأن الزيارة ستبقى ذكراها خالدة في نفسي لما أحسست به من مشاعر أخوية عميقة الجذور تجسدت فيها أواصر الدين والدم واللغة . متمنيا لفخامتكم الصحة والتوفيق وللشعب الجزائري الشقيق التقدم والرفعة والازدهار في ظل قيادته الحكيمة الواعية ” 43.  والأخرى خص  بها الشعب الجزائري * [ كما نشرت الشعب تحت عنوان ( تحية إلى الشعب الجزائري وقائده من الملك فيصل ) جاء فيها : ” أرى من واجبي وأنا أغادر هذا البلد العربي المسلم المضياف أن أتقدم بالشكر الوافر لفخامة الأخ الرئيس هواري بومدين الذي أتاح لي فرصة زيارة هذا البلد الذي سطر تاريخ أبنائه الشهداء البررة ، بعد أن رصت صفوفه لغة القرآن ، وناضل تحت راية الإسلام الخفاقة ، فأيده الله بنصر من عنده .

ولقد زرت هذا البلد للمرة الأولى حينما كان الاستعمار جاثما فوق صدره يضيق عليه الخناق مستعملا مختلف وسائل الضغط والإرهاب ، لينتزع منه دينه وعروبته وتراثه الروحي الخالد .

وما أسعدني هذا اليوم وأنا أرى علائم البشر والسرور وقد ارتسمت على محيا كل فرد من أبناء هذا الشعب المناضل الذي ما أن انتهى من معركة التحرير حتى عزم على خوض معركة التعمير والبناء فجابهها بعزم وتصميم بقيادة نخبة  صالحة من أبنائه المخلصين ، عركتهم أحداث الحياة ، وصقلتهم تجاربها فنذروا أنفسهم للسير بوطنهم في مدارج الرقي والتقدم والسمو به إلى سراة العزة والكرامة سائرين على هدى من تعاليم دينهم الحنيف وتراثهم العربي الخالد .

فإلى هذا الشعب العربي المسلم الذي تربطني به روابط الدين والدم واللغة أبعث تحية صادرة من الأعماق راجيا من الله العلي القدير أن يشد بعضده وأن يمنحه المنعة والسؤدد في ظل قيادته المخلصة الواعية وأن ينصره ويثبت أقدامه في معركة البناء والتعمير ، كما ثبتها في معركة التحرير ، وأن يتخذ المناضلون من كفاح هذا الشعب البطل وتماسكه ووحدة أهدافه دروسا وعبرا بعد أن ضرب أروع مثل في الفداء والتضحية “44.

كما توجت تلك الزيارة التاريخية بصدور بيان مشترك إثر انتهائها*تضمن خلاصة الزيارة ووجهات النظر المتطابقة حول قضايا الساعة ، خاصة منها الإعجاب المتبادل بالجهود المبذولة في سبيل تحقيق وحدة المغرب العربي ، وبذل المال والدم في سبيل نصرة الإخوة الفلسطينيين وقضيتهم ، وبذل النصح لهم والأخذ بأيديهم ، والاعتماد  ـ بعد الله تعالى ـ على النفس في استرجاع الحق السليب ، والترفع عن الخلافات المفتعلة التي هي في الحقيقة سوء فهم وتقدير من بعضهم ؛ لأنها لا تقف على شيء سليم ذي بال .

ومما يستخلص من خطابي الزعيمين ـ أيضا ـ الإخلاص والصق فيما يدعوان إليه ، ووضوح الهدف والتوافق الكبير في وسائل تحصيله .  كما تتجلى الروح الإسلامية العميقة لدى جلالة الملك فيصل في الرؤية والتناول ، إلى جانب تواضع العظماء في جلالهم . 

والحق أن هذا ليس إلا بعض خلال ومؤهلات مما تميز به جلالته ، ارتقت به إلى ذروة الدور القيادي في العالم العربي ـ  كما عددها الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي ـ هي :

  أولا : كان فيصل ملكا مسلما صحيح الإسلام ، مؤمنا متين الإيمان ، سلفي العقيدة ، قديما في دينه جديدا في دنياه ، واسع الإطلاع على أحوال زمانه ، يقظان العقل في أسرار السياسة المحيطة به .

  ثانيا : اتسم الملك فيصل بالصمت والصبر والصدق والحكمة والحنكة ، وهي الخلال الخمس التي جعلته يترفع عن الصغائر ، وتصغر في عينه العظائم .

  ثالثا : فضائله الفطرية تلاءمت مع الفضائل التي اكتسبها بالدرس والتجربة والاحتكاك ، فالذكاء الفطري يمازج الإلمام الواسع بما يجري في الكون ، والإيمان بالعاقبة يزاوج الاحتفاظ الشديد بحقوق المسلمين ، والصبر على المكاره يقارن الصراحة في قوله الحق . يزين ذلك كله بساطة متناهية هي بساطة المسلم الصادق المتشبع بالفضيلة والذي لا تزدهيه المظاهر .

  رابعا : كان فيصل من القادة العرب القلائل في القرن العشرين الذين جمعوا بين السلطة الزمنية والسلطة الروحة ، ولعله في قرارة نفسه كان يميل إلى الإمامة أكثر من ميله إلى السياسة ، وقد أعطى الإمامة حقها من التقوى والحزم ، كما أعاد إليها هيبتها وحرمتها بتصرفه الشخصي ومسلكه العام .

  خامسا : كان فيصل من السعوديين النافذين القلائل في جيله الذين عرفوا العالم الغربي في بعض وجوهه الحضارية ، مما جعله يؤيد مماشاة العصر الجديد بالأخذ بوسائل التجديد “45.

وقد اخترنا التركيز على هذه الزيارة رغم ما اكتسته الزيارات الأخرى للجزائر  باعتبارها الزيارة الرسمية الأولى وللأهمية التي أوليت لها من الجانب الجزائري على المستويات الرسمية والصحفية وحتى الشعبية .

أما المستوى الثاني الذي أسفر عن حقيقة مكانة الملك فيصل لدى القيادة السياسية الجزائرية إثر حادث استشهاده ـ  يرحمه الله تعالى ـ الذي أحدث صدمة كبيرة وأسى عميقا عكسته الصحافة الجزائرية التي نقلت الرؤية والشعور الرسمي للقيادة الجزائرية ؛ فأعلنت الرئاسة التزام الحداد الوطني بالجزائر لمدة سبعة أيام وتوجه الرئيس بومدين إلى الرياض ليشارك الشعب السعودي نيابة عن الشعب الجزائري في تشييع العاهل الراحل 46.

وقد أولت جريدة الشعب الحادث /المأساة اهتماما خاصا فتناولته من خلال ألوان التحرير الصحفي ؛ التعليق والتحليل والتغطية الصحفية والخبر الصحفي وغيرها.

فتحت عنونا ” الخسارة “ كتب محرر جريدة الشعب افتتاحية ناعيا الملك الراحل كاشفا عن حجم الخسارة التي مني بها الشعب السعودي والعالم العربي والإسلامي في فقد الملك فيصل ، فقال : ” فقد أمس العالمان العربي والإسلامي قطبا من أقطابه البارزين ولعل هذه الخسارة ناجمة عن كون الملك فيصل لعب خلال السنوات التي تولى فيها الحكم في المملكة العربية السعودية دورا مرموقا لا نتعقد أن أحدا يقلل من أهميته كما لا نعتقد أن أحدا ينكر عليه الدور الإيجابي والفعال الذي لعبه عقب حرب أكتوبر 73 والدعم الذي قدمه للجبهة العربية ابتداء من تلك الحرب وحتى الآن ” 47.  معددا انجازاته الوطنية بقوله : ” وبنفس الروح وجه الملك فيصل اهتماما كبيرا للبناء الداخلي وقد تميز هذا الاهتمام خاصة في السنوات الأخيرة حيث سجلت العربية السعودية تقدما واضحا في المجال الاقتصادي قد تكون عائدات البترول هي التي ساعدت على ذلك ، ولكن ليس هذا مهما ، المهم هو أن التطور قد حصل . وقد يكون هذا التطور الذي يرافقه احتياطي كبير وتتحكم فيه سياسة أثبتت فعاليتها ، ولعب فيها الملك فيصل الدور الرئيسي هذه العوامل مجتمعة هي التي جعلت السعودية تتبوأ المكانة التي أصبحت تحتلها سواء على الصعيد العربي أو العالمي ” 48.

ورغم عدم توافق بعض قناعات الملك الراحل السياسية ـ كما ذهبت الجريدة ـ مع بعض قناعات القادة العرب والواضح بأن المقصود من هذا الاختلاف في التوجهات السياسية والأيديولوجية بين النظام الإسلامي في المملكة والنظم الثورية وخصوصا الاشتراكية العربية . فإن “هذا الاختلاف لم يحل دون منحه الاحترام والتقدير اللذين يستحقهما كوطني مخلص لبلده وقوميته ، عمل دائما على صيانة وحدة الشعب العربي “49.

ثم أشادت الجريدة بمواقفه الصلبة في خضم الأحداث الخطيرة التي كانت تمر بها الأمة العربية آنذاك ؛ “وللحق والتاريخ نقول أيضا أنه على الرغم من الضغوط الكبيرة التي مورست عليه من قبل الامبريالية والاحتكارات البترولية فإن فيصل لعب دورا ايجابيا في منظمة الأوبيب حفاظا منه على وحدة الصف ، وقد برز هذا الموقف خاصة في مؤتمر القمة لدول الأوبيب الذي عُقد بالجزائر .

ولو مات الملك فيصل في ظرف غير هذا الظرف ، لترحم عليه الناس وعددوا خصاله ثم واصلوا السير ، ولكن أن يموت الملك فيصل في هذه الفترة الدقيقة بالذات هو ما يجعل وفاته تكتسي طابعا آخر ” 50.

وهنا يشير إلى المؤشرات والتغيرات الكبرى في المنطقة سواء التي حدثت أو هي آخذت في التشكل ؛ ” إن منطقة الشرق الأوسط تشهد هذه الأيام تطورات هامة ، وكل الدلائل كانت تؤكد هذا الاعتقاد ، فالاتفاق العراقي الإيراني ، والتقارب السعودي العراقي ، الذي لم يُعلن عنه رسميا ، والسياسة الواقعية الجديدة التي انتهجتها جمهورية اليمن الديمقراطية تجاه شقيقاتها في الخليج ، كل هذه الدلائل كانت مؤشرات تؤهل المنطقة لأن تعرف عهدا جديدا ، وتأتي اليوم وفاة الملك فيصل لتضع علامات استفهام كبيرة على مستقبل العلاقات السياسية في شبه الجزيرة العربية بصفة خاصة ، ومنطقة الشرق الأوسط بصفة عامة ، خاصة إذا قرنا هذه الوفاة بالتطورات الجديدة والتصريحات التي بدأنا نسمع تردادها حول مراجعة المواقف والسياسات ” 51. ومن المؤكد أن الجريدة تشير إلى الأدوار البارزة التي أداها الملك فيصل في كثير من هذه المستجدات ، والمراهنة على حكمته وتبصره وأيضا مواقفه الحازمة في كثير مما ينتظر حدوثه من تطورات ومستجدات .

أما فيما يتعلق بالعلاقات الجزائرية السعودية ، فقال كاتب المقال : ” فعلى الرغم من التباين الواضح في المنهج السياسي الذي يتبعه كل بلد في مجال البناء الداخلي، فإن النظامين استطاعا أن يجدا أرضية للتفاهم ، وأن يقيما علاقات حسنة كانت تتعزز على مر السنين ، وقد كان للملك المغفور له دور بارز في تحسين هذه العلاقات ، كما كانت تربطه بالجزائر علاقات قديمة ومتينة ، والجزائر لن تنس له الدور الذي قام به أيام حرب التحرير ، إذ لم يدخر جهدا في سبيل  مناصرة ثورتها التحريرية  ، وبنفس الصدق ونفس الإخلاص وجدناه فيما بعد يعمل على تعزيز وتمتين الروابط التي تربط بين الشعبين الشقيقين ، فهو لم يفوت مناسبة إلا وزار الجزائر بدأ بزيارته الرسمية الأولى في جوان 1970 ومشاركته الشعب الجزائري باحتفالات 19 جوان … ولعل هذه الروابط التاريخية هي التي ساعدت في تمتين علاقات ودَ وصداقة ربطت بينه وبين الرئيس بومدين . من كل هذا تبدو وفاة الملك فيصل أنها خسارة تتجاوز ليس فقط حدود المملكة العربية السعودية ، وإنما حدود العالم العربي والإسلامي” 52.

وتأكيدا على هذه المشاعر الصادقة إزاء فقد الملك الشهيد التي أفاضت في بيان دواعيها جريدة الشعب ، فقد أكدتها رسالة وبرقية\ التعزية التي أرسلها الرئيس بومدين رحمه الله تعالى إلى جلالة الملك خالد رحمه الله تعالى ، عبر له عن مدى التفجع الذي أصابه والشعب الجزائري في فقد فيصل وضمن تداعيات الحدث ـ دائما ـ وحرصا من الصحافة الجزائرية على متابعته وتحليل ملابساته وربطه بالعلاقات الجزائرية السعودية ، أثارت جريدة الشعب ما أسمته ” نقاط استفهام ” حول السياق السياسي الذي جاءت في حادثة الاغتيال ، فلم تغرق في مناقشة الفرضيات الواردة بشأنه ، لكنها اتجهت إلى ربطه بمستجدات الأحداث خاصة ، منها ما اعتبرته مؤثرا في السياسة الأمريكية بالمنطقة إثر مساعي الدكتور هنري كيسنجر ،  كما عبر الرئيس الأمريكي   ( فورد ) ” ( إن الولايات المتحدة ستعيد النظر في جميع مظاهر السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ، ويعني ذلك جميع الدول بما فيها تلك التي ليست لها صلة مباشرة بالأزمة ) “53.

فمن فرضيات تأثير السلوك السياسي للملك فيصل في نشأت هذا القرار الأمريكي، ما ذهبت إليه الجريدة في مقالها المذكور : ” أن  الملك الراحل رغم علاقاته الطبية بالولايات المتحدة ، كان له موقف مشهود أثناء حرب أكتوبر في إطار القرار العربي بحظر البترول على هذا البلد بالذات ، وعلى الدول الغربية الأخرى التي كانت تؤيد إسرائيل .

وفي المدة الأخيرة أقدم على اتخاذ … قرار الإشراف الكلي على أرامكو بنسبة 100 % ، متجاوزا بذلك حكاية المشاركة التدريجية … إن العربية السعودية باعتبارها ثالث منتج وأول مصدَر للذهب الأسود ، بإمكانها ـ إن شاءت ـ أن تؤثر سلبا أو إيجابا على أسعاره ، وهذا الاحتمال بالإضافة إلى الاتجاهات القلقة في السوق ، يعطي للتساؤل السابق معنى خاصا ، ذلك أن البترول يعتبر في اللحظة الراهنة أسخن نقطة مواجهة بين الأغنياء والفقراء .

وإذا كانت هذه مكانة ودور البترول على مستوى ( الأوبيك ) ، فأنه يشكل على مستوى آخر إحدى النقاط التي يرتكز عليها التضامن العربي ، بالإضافة إلى ما يسمى بقضية الشرق الأوسط .

والواقع أن العربية السعودية بفضل إنتاجها واحتياطها الضخم من البترول أصبحت  قطعة أسياسية في رقعة الشرق الأوسط ، فهي محور السياسة البترولية للبلدان العربية ، ومما يسجل للفقيد الكبير في هذا الميدان أنه احترم وحدة الصف العربي ، ولم يخرج عنها رغم ثقل الضغوط الأمريكية والغربية ، كما كان له موقف شرف إزاء قضايا التحرر في الوطن العربي ، ولا سيما قضية فلسطين”53.

ومما يلقى مزيدا من الضوء على أهمية ونتائج بعض تلك القرارات والسياسات التي اتخذها الملك الراحل فكانت محط تنويه وتقدير من الجانب الجزائري ما ذهب إليه أحد المفكرين والمحللين الاقتصاديين العرب الدكتور يوسف صايغ بالنسبة لقرار السيطرة الكاملة على شركة آرامكو يرى من ناحية الفائدة التي انجرت عنه من ناحية التعليم والخبرة ” تتسم عملية التعلم عبر الممارسة التي اكتسبتها الحكومات النفطية العربية بقيمة كبيرة ، بالمحصلة ، وهي قيمة تفوق قيمة الاكتساب المتمهل والجزئي للمهارة التكنولوجية والإدارية التي كانت ستحصل عليها لو استمر وجود الشركات إنما خلال فترة زمنية أطول بكثير . إن مواجهة التحدي والأزمات والنضال ، تعود بفائدة كبيرة على أي بلد أو مجموعة بلدان تمتلك الإرادة والإصرار على قبول “55.

وأما عن قرار استخدام النفط بتخفيضه وحضره بصورة انتقائية للضغط على الغرب في الصراع العربي الإسرائيلي في حرب أكتوبر 1973 فيرى الدكتور صائغ أن ذلك لا يشكل تيارا سياسيا للسياسة العربية أو عنصرا أساسيا فيها ، بل قرارا تم اتخاذه ويمكن أن يتخذ مرة أخرى ضمن أوضاع حيوية طارئة يشعر العرب فيها أن بعض مصالحهم المركزية مهددة  ” 55  و”من أجل تسجيل الاستياء والقلق البالغين إزاء الدعم المقدَم إلى إسرائيل ، ومن أجل  تعبئة الرأي العام الدولي وترجمته إلى الضغط على الولايات المتحدة التي كانت تزود إسرائيل بكميات ضخمة من العتاد لتمكينها من الاحتفاظ بالأرض العربية . وتمثل الأمل في أن العقوبات النفطية ستجعل الولايات المتحدة تضغط بدورها على إسرائيل كي تنسحب من الأراضي العربية التي احتلتها” 57. 

كما أنه ليس ابتكارا عربيا أي ” أن العرب لم يبتكروا استخدام  الموارد أو القدرات الاقتصادية للأغراض السياسية . بل لأن ذلك ابتكار قديم قدم النزاعات العالمية . … ولهذا يشعر العرب  أن القضية التي من أجلها قاموا بتطبيق رادعهم النفطي والعقوبات النفطية ، تتسم بأهمية حيوية أكبر لوجودهم من الأهمية الحيوية التي تمثل القضايا المختلفة “58 التي حدت بالدول الغربية  إلى إجراءات ردعية وعقوبات اقتصادية في تاريخها الحديث كالعقوبات التي فرضتها على الثورة البولشفية أو الصين وكوبا.

وقد وقفت مجلة ” المجاهد” لسان حزب جبهة التحرير الوطني الحزب الحاكم الوحيد بالجزائر ، وقفة تحليلية بمناسبة الحث الأليم في مقالها الافتتاحي بعنوان (فيصل والجزائر) استهله صاحبه بالتساؤلات الآتية ” كان الأثر الذي خلفه نبأ وفاة الملك فيصل كبيرا ، ردود الفعل السياسية والصحافية ، العربية وغير العربية تؤكد ذلك ، فهل يرجع ذلك فقط إلى الصورة التي نجح الملك فيصل ـ رحمه الله ـ في رسمها عن نفسه ؟ أم هل يرجع ذلك إلى مجموع المعطيات التي تتحكم في الظرف السياسي الراهن ، سواء ما كان يرتبط منها بقضية فلسطين أو بمسألة البترول والمواد الأولية ؟ أم يرجع إلى الطريقة التي وضعت حدا لحياته بالاغتيال؟ ” 59.

لكن ودون خوض في تقصي أي العوالم المطروحة كان وراء الأثر الأعمق الذي خلفه رحيل الملك الفقيد ، فقد اختار الوقوف عند بعض الحقائق التي تفسر الأثر البليغ بالنسبة للجزائر ، مما يبرهن على متانة العلاقات بين البلدين من مجرد علاقات مجاملة بينهما بسبب عوامل الوحدة الجغرافية واللسانية والعرقية”60 ،فكان من بين ما ذكَر” علاقة روحية ، ترجع إلى فترة ما بين الحربين العالميتين . كانت الحركة الوهابية التي نجحت في بسط نفوذها على الحجاز بعد نجد ذات صدى بعيد في بعض الأوساط الجزائرية المثقفة ، وخاصة في أوساط الإصلاح الديني بالجزائر ، التي كانت تعتمد في جملة ما تعتمد من مصادر ، كتب ابن تيمية ، فكانت تلتقي مع الوهابية من بعض الوجوه ، نظرا إلى أن محمد بن عبد الوهاب كان مصدره الأساسي [ الأصح أحد مراجعه الأساسة] في دعوته الدينية والسياسية هو ابن تيمية . وهذا ما كان يحمل بعض ممثلي الزوايا الطرقية بالجزائر على إطلاق نعت الوهابيين على دعاة الإصلاح الدينين هنا في تلك الحقبة ” 61.

كذلك الدعم الذي قدمته السعودية للجزائر في ثورتها ضد المستعمر والدور الذي عرُف به فيصل في هذا الصدد كما هو معروف . إضافة ” للعلاقات الخاصة التي تأكدت بين البلدين خلال السنوات الأخيرة . فمعروف أن تفهم الملك فيصل قد ساعد على تجنيب التضامن العربي ضربات قاتلة ، كما ساعد على تجنيب دول الأوبيك تشتتا كانت الامبريالية ـ وما تزال ـ تعمل له بشتى الطرق ” 62.

واستغل كاتب المقال هذه المناسبة الخاصة لبعض ما اتسمت به الحركة الوهابية من ثورة على الخرافات والشعوذة وعودة إلى الكتاب والسنة والعقل السليم وحركة إيجابية ، لمواجهة ما يطبع واقعنا المعاصر من جمود وتخلف واتكال على الآخر وتواكل لاستيعاب الجاهز دون حركة إبداع وتطور ، فهذه الخصائص الحية التي طبعت الحركة الوهابية ، لا زلنا في حاجة إليها لمواجهة نقيضاتها من جمود وتخلف وخضوع للأجنبي ، وأسر للخرافة والبدعة ، كي نتطور ونحطم أسطورة القصور التي يٌراد لنا أن ننطبع بها على الدوام وننقمع عن التغيير الإيجابي 63 .

وبمقارنة اليوم بالأمس في سير وتطور الأحداث والوقائع السياسية على الأرض والبحث عن مصادر للفكر المتطرف الذي أنتج ( الظاهرة الإرهابية ) في الجزائر، نجد كثيرا من الأصابع تتجه باتهام لما يسمونه بالوهابية . والحقيقة  أنها منهم ومما يرمونها به براء ، وإنما هي كانت حركة ” أيقظت الكثير من النفوس ، وكان لها الصدى الواسع ، في كثير من البلاد الإسلامية ، وكأنها كانت الصيحة الشديدة التي أيقظت المسلمين من سباتهم ، وبصرتهم بما عليه من الانحراف عن دينهم وسلوكهم … وهي تشبه أن تكون ممثلة للشمعة الأولى التي أضيئت في ظلمة الليل التي انتهى إليها المسلمون في ذروة عهد التخلف والانحطاط ” 64 .

وتعبيرا من الصحافة الجزائرية عن تأثرها العميق لوفاة الملك الشهيد رحمه الله تعالى ، وفي صفحة ( الثقافة للجميع ) التي أنشأتها جريدة الشعب لتبسيط المعلومات والقضايا والأحداث لمحدودي الثقافة والعلم ، باستعمال وسائل مساعدة وميسرة كالخط البارز المشكل والصورة ، فنشرت تحت عنوان ( يموت الرجال وتبقى الأعمال ) : ” ودع العرب والمسلمون جلالة الملك فيصل الوداع الأخير أمس الأول ، وودعوا في شخصه قُطبا من أقطاب الكفاح العربي الإسلامي ، ورجلا من الرجال العاملين الذين لعبوا دورا إيجابيا في تغذية المعركة من أجل تحرير الوطن العربي وتطوره وتوحيد مواقف بلدانه ، ولذلك كان موته فاجعة أليمة وخسارة كبرى للعروبة والإسلام ، أدمت القلوب ، وجرحت المشاعر وأبكت العيون على امتداد العالم العربي والإسلامي . فقد غاب الرجل ورحل عن الوجود ، لكن أعماله الإيجابية ستبقى ما بقي الوجود ، وسيستمر ترديدها ما استمرت الحياة ، فرحمه الله ، وعوض أمته وشعبه بخير العوض ” 65 .

ونخلص إلى القول إن العلاقات السعودية الجزائرية حسب ما عكسته الصحافة الجزائرية باللغة العربية اتسمت بالجفاء المصحوب بالتحامل على النظام السعودي في عهد الرئيس الأول للجزائر بعد الاستقلال ، لكنها اتخذت منحى إيجابيا إثر التغيير الذي حصل بها بعد عام 1965 ، ومن الواضح أن الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية قد ساعدت على التقارب ، بل والتفاعل المؤثر في سير الأحداث من قبل القائدين العربيين آنذاك بومدين وفيصل ، فتقدمت المصالح القومية على النزعات الأيديولوجية إلى حد كبير .

كما أن من شأن الحصول على وثائق أرشيفية من جهة و ومذكرات وشهادات لمن عاصروا تلك الفترة ومجريات الأمور خلالها سيسمح للباحث برسم وتحليل الصورة الصحيحة لما كانت عليها العلاقات الجزائرية السعودية في الفترة المقترحة للبحث ، وهي الدعوة التي يحملها هذا البحث من لمواصلة السير في   سبيل مزيد من البحوث في الصدد نفسه .

هــوامــش :

أحمد توفيق المدني [ 1899 ـ 1983] أحد رجال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين والكتاب الجزائريين ، تولى مهام وزارية في الحكومة المؤقتة وكذلك بعد الاستقلال . له مؤلفات كثيرة أشهرها مذكرات حياة كفاح وكتاب الجزائر .

**أورد الأستاذ المدني عند هذه الفقرة كلاما عن الأمير فيصل يتعلق بنقد أوضاع داخلية حذفناه لعدم صلته المباشرة بموضوعنا .

1 ـ أحمد توفيق المدني : حياة كفاح ،(د.ط)، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر، ج3 ، 1982،ص13.

* أنظر : محمد بن عبد الكريم مراح ْموقف الملك سعود بن عبد العزيز من القضية الجزائرية ” ، الدارة ، العدد الرابع ـ السنة الثانية والثلاثون ، 14276هـ

* ترجمة العباس بن الشيخ الحسين عضو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وشخصية سياسية جزائري .

**  محمد  خيضر وحسين آيت أحمد ورابح بيطاط شخصيات سياسية وثورية جزائرية .

2ـ المدني المرجع السابق، ص562

3ـ المرجع نفسه، ص566،567.

4 ـ المرجع نفسه،  ص567 .

5 ـ جريدة الشعب ، السنة الثالثة ، ع 747 ،14/1/1385هـ 15/5/1965م.

* توزع الباقون على الدول العربية على النحو الآتي : ـ مصر 258 ـ العراق : 68 ـ سوريا : 98 ـ الأردن : 101 ـ الكويت : 73 لاـ المملكة الليبية : 224 ـ تونس : 103 ـ المغرب : 78. م.ن

** كانت لسان حال الدولة والحزب منذ الاستقلال : تأسست في 11/9/1962م بالفرنسية وصدرت بالعربية في شهر مارس 1963م .

*** جريدة الشعب عدد 584،س 2 الصادر بتاريخ 29/4/1384هـ 4/11/1964م

6 ـ جريدة الشعب : عدد587، س 2، 2/8/1384هـ 7/11/1964م

* الشعب ، عدد : 363، س 2، 22/9/1383هـ 6/2/1964م

** أنظر بحثنا “موقف الملك سعود من القضية الجزائري” ، المرجع السابق .

7 ـ الطاهر بن خرف الله: النخبة الحاكمة في الجزائر: 1962  ـ 1989ط1، دار هومة ، الجزائر، 2007، ج2 . ص 81.

8 ـ المرجع نفسه، ج 1، ص 77

9ـ المرجع نفسه، ج2ص23.

10 ـ المرجع نفسه ج1،ص138،139،

* الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي [ 1932 ـ ] طبيب وسياسي نجل الشيخ محمد البشير الإبراهيمي الرئيس الثاني لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين .  تولى مسؤوليات علمية وسياسية كثيرة منها وزير التربية الوطنية ( 1965 ـ 1970 ) وزير الخارجية،  [ 1982 ـ 1988] عضو المجالس اللغوية بالقاهرة ودمشق  له تآليف ومشاركات علمية عديدة .         

11 ـ الحجيلان ، جميل إبراهيم،( الدور القيادي للملك فيصل في العالم العربي )، هدية مجلة الفيصل العدد 237 ، ربيع الأول 1417هـ/1997م ،ص 35 ، 36 .

12 ـ المرجع نفسه، ص37.

13 ـ جريدة الشعب  العدد 872، السنة الثالثة، 11/4/1385هـ 8/10/1965م

14 ـ جريدة الشعب، العدد 875، السنة الثالثة ، 15/4/1375هـ 12/10/1965م

15 ـ جريدة الشعب ، العدد 1012، السنة    29/11/1385هـ 29/03/1966م.

*  جريدة الشعب.العددان 1068 ،1069 ، السنة الرابعة، 6، 7 صفر1386هـ 27 ،28 مايو 1966م .

16 ـ المرجع نفسه .

 17 ـ المصدر نفسه .

18 ـ المصدر نفسه .

19 ـ المصدر نفسه .

20 ـ المصدر نفسه .

21 ـ المصدر نفسه .

22 ـ الدكتور الإبراهيمي ، المرجع السابق ، ص 39 .

* باعزيز بن عمر : ” قضية فلسطين ومؤتمر القمة الإسلامي”، مجلة لمحات ، اللجنة الوطنية الجزائرية لليونسكو ، السنة الثالثة ، العدد الرابع 1970 .

** باعزيز بن عمر[1906 ـ 1977 ]  ، شخصية إصلاحية وكاتب اجتماعي.

  ـ أنظر : محمد مراح ، باعزيز بن عمر حياته وفكره الإصلاحي ، أطروحة دكتوراه .

23 ـ المرجع نفسه .

24 ـ المرجع نفسه .

25 ـ المرجع نفسه .

26 ـ المرجع نفسه .

27 ـ المرجع نفسه .

28 ـ المرجع نفسه .

*مدينة أرزيو مدينة صناعية بترولية تابعة لولاية وهران بالغرب الجزائري .

29 ـ الإبراهيمي ، المرجع السابق ، ص 37 .

 * يصرح الكاتب والروائي الجزائري رشيد بوجدرة لصحيفة الشروق الجزائرية فيقول : ” لا ننسى أعداءنا الكبار الذين تسببوا وأخذوا الجزائر كمخبر للإرهاب هي السعودية أولا وثانيا أمريكا فيما بعد أعطت المستندات والمساندة “

   ـ  أنظر : الشروق اليومي العدد2195 . 12/1/2008م الموافق لـ4/1/1429هـ.

30 ـ الإبراهيمي ، المرجع السابق ، ص37.

31 ـ المرجع نفسه  ، ص 37.

32 ـ الشعب ، العدد 2331، السنة الثامنة ، 13/ربيع الثاني 1390هـ 17/6/1970م .

33 ـ الإبراهيمي ، المرجع  نفسه ص37 .

34 ـ المرجع نفسه ، ص 37 .

35 ـ المرجع نفسه، ص 37.

* مدينة عنابة ، إحدى أكبر مدن الشرق الجزائري الساحلية ، والصناعية .

**مدينة وهران بالغرب الجزائري وهي بمثابة العاصمة الثانية للجزائر خاصة لأهميتها الاقتصادية والتاريخية .

36 ـ الشعب ، العدد 2333، السنة الثامنة ، 15/ربيع الثاني 1390هـ 19/6/1970م .

37 ـ الشعب ، العدد 2334، السنة الثامنة ، 16/ربيع الثاني 1390هـ 20/6/1970م .

38 ـ الإبراهيمي ، المرجع  نفسه ص38.

39 ـ الشعب ، المصدر السابق .

* الشادلي بن جديد الرئيس الجزائري الثالث ترأس الجزائر ما بين [ 1978 ـ 1992 ] .

41 ـ جريدة الخبر العدد5205، السنة الثامنة عشرة 30 /12/2007مـ 21/12/1428هـ.

42 ـ الشعب ، المصدر السابق .

43 ـ المصدر نفسه .

43 ـ  الشعب ، العدد 2336، السنة الثامنة ، 18/ربيع الثاني 1390هـ 22/6/1970م.

44 ـ المصدر نفسه .

* نص البيان المشترك : إثر الزيارة الرسمية التي قام بها إلى الجزائر في الفترة ما بين 16ـ 20 /جوان جلالة الملك فيصل عاهل المملكة العربية السعودية صدر البيان المشترك التالي :

بدعوة من سيادة الرئيس هواري بومدين رئيس مجلس والحكومة للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية قام حضرة صاحب الجلالة الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية على رأس وفد رسمي هام بزيارة إلى الجزائر في الفترة ما بين 12ـ 16 ربيع الثاني 1390هـ الموافق لـ 16ـ20 يونيو 1970م، وقد استقبل جلالة الملك فيصل والوفد المرافق له استقبالات حارة رسمية وشعبية ولقي حفاوة بالغة عبرت عن عمق المشاعر الأخوية والصلات الروحية التي جمعت بين الشعبين الشقيقين منذ القدم .

وقد قام صاحب الجلالة الملك فيصل والوفد المرافق له بزيارة إلى مدينة وهران ومدينة أرزيو البترولية حيث وقف على المنجزات الصناعية والبتر وكيمائية التي افتتحت بهذه المناسبة .

وقد اشترك جلالته مع الرئيس هواري بومدين في وضع الحجر الأساس لمصفاة البترول التي ستقام في هذه المنطقة ، كما حضر جلالته احتفالات يوم 19 يونيو التاريخية . وقد أبدى جلالة الملك فيصل إعجابه وتقديره لكل هذه المنجزات التي حققتها الجزائر في فترة وجيزة من استقلالها وللجهود الكبيرة التي بذلتها ويبذلها الشعب الجزائري في ميدان النهضة الصناعية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في ظل قيادته الواعية والرشيدة .

وفي جو سادته روح المودة والإخاء والصراحة التامة جرت محادثات بين جلالة الملك فيصل والرئيس هواري بومدين اشترك فيها من الجانب السعودي كل من :

  ـ صاحب السمو الملكي الأمير نواف بن عبد العزيز

  ـ صاحب السعادة الشيخ كمال أدهم

  ـ صاحب السعادة السفير الشيخ رياض الخطيب

ومن الجانب الجزائري  كل من السادة :

  ـ عبد العزيز بوتفليقة وزير الشؤون الخارجية

  ـ قايد أحمد عضو مجلس الثورة ومسؤول جهاز الحزب.

  الشريف بلقاسم عضو مجلس الثورة .

  أحمد مدغري عضو مجلس الثورة ووزير الداخلية المكلف بالمالية والتخطيط.

  ـ الدكتور أحمد طالب وزير التربية الوطنية .

  ـ عبد السلام بلعيد وزير الصناعة والطاقة .

  ـ مولود قاسم وزير الأوقاف .

  ـ إسماعيل حمداني المستشار بالرئاسة .

وقد استعرض الجانبان العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين ، وأبديا ارتياحهما لما تتسم به هذه العلاقات من روح المودة والإخاء . واتفقا على ضرورة تطوير هذه العلاقات وتنميتها وذلك بتنميتها إلى اتفاقات عملية تشمل جميع المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والفنية ، وخاصة تنسيق سياسة الدولتين في ميدان البترول .

كما اتفق الطرفان على ضرورة تبادل الوفود والخبراء والفنيين على كل المستويات لتحقيق هذا التعاون .

وقد تدارس الجانبان الوضع الراهن في المشرق العربي الناتج عن الاستعمار الصهيوني الاستيطاني الذي يدعمه أعداء الشعوب والحرية في العالم ، والتقت وجهة نظرهما على أن الكفاح المسلح هو السبيل الوحيد أمام الأمة العربية لتحرير أراضيها وانتزاع حقوقها المغتصبة . 

وسجل الجانبان بارتياح ظاهرة بروز المقاومة الفلسطينية بعد حرب يونيو 1967 كعنصر إيجابي فعال مكن الشعب الفلسطيني من استلام زمام مصيره بيده . ويؤكد الوفدان أن واجب الدول العربية هو دعم المقاومة الفلسطينية ، وتمكينها من أسباب النصر ومدها بكل العون المادي والمعنوي الذي يتطلبه الكفاح المسلح المشروع . ويطالب الجانبان في هذا الصدد بوجوب توحيد العمل الفدائي الفلسطيني في جبهة موحدة متماسكة كشرط لتصعيد المعركة وتحقيق النصر وكسب تأييد الأحرار في العالم . كما يهيب بهم أن يرتفعوا إلى مستوى المسؤوليات التاريخية وينبذوا كل أسباب الخلاف والفرقة بينهم .

وبهذا الصدد يشيد الجانبان بالجهود التي يبذلها العالم الإسلامي في سبسل إنقاذ مقدساته في فلسطين المحتلة .

وقد استعرض الجانبان الوضع في الخليج فأشادا بالجهود التي بذلت من أجل الحفاظ على عروبة إماراته والعمل على تحقيق الاتحاد بين هذه الإمارات العربية .

وفي اليمن الذي سيؤدي إن شاء الله إلى إحلال الأمن والاستقرار والتآخي في هذا الجزء العزيز من الوطن العربي .

وفي هذا الصدد يسجل الجانب العربي السعودي ابتهاجه ، وتقديره لما تم بين شعوب المغرب العربي من تفهم وتعاون مثمر نزيه على أسس من الاحترام المتبادل لسيادة وسلام تراب كل دولة في المنطقة ، وتصفية جميع الخلافات بينها ، وهذا يشكل في حد ذاته خطوة إيجابية في سبيل الوحدة المنشودة .

وتدارس الجانبان قضايا حركات التحرير في أسيا ، فاتفقت وجهة نظرهما على مؤازرة الشعوب التي تكافح من أجل حريتها واستقلالها ضد الاستعمار والتمييز العنصري ، كما يطالب الوفدان بضرورة انسحاب جميع القوات الأجنبية من هذه المناطق وتمكين شعوبها من تقرير مصيرها بنفسها .

       أنظر :  جريدة الشعب ، 22/6/1970.

45 ـ الإبراهيمي ، المرجع السابق ، 42 ،43.

46 ـ الشعب. العدد3513، السنة الثالثة عشرة ، 13/3/1395هـ 26/3/1975م.

47 ـ المصدر نفسه .

48 ـ المصدر نفسه .

49 ـ المصدر نفسه .

 50 ـ المصدر نفسه .

51 ـ المصدر نفسه .

52 ـ المصدر نفسه .

* نص رسالة التعزية : لقد علمنا ببالغ الأسى والتأثر بالوفاة المفجعة لأخينا صاحب الجلالة الملك فيصل ، وأن الجزائر بأكملها تشاطر الحداد المؤلم الذي أصاب الأسرة الملكية وشعب المملكة السعودية الشقيق .

وإذ نستحضر الدور الذي أداه إلى جانب الملك عبد العزيز الذي يتماثل وجهه مع نهضة العربية السعودية ، والعمل الذي واصله بشجاعة للدفاع عن كرامة الأمة العربية والإسلامية ، ومصالح بلده ؟

إننا نعبر عن كل الأسى الذي نستشعره وإننا إذ نؤكد لكم عن تعاطفنا العميق نقدم لجلالتكم وللأسرة الملكية ولحكومة العربية السعودية تعازينا طالبين من الله أن يشمل الفقيد النبيل برحمته “

  ـ أنظر :  الشعب العدد3513السنة الثالثة عشرة ، الأربعاء 13ربيع الأول 1395هـ الموافق 26/3/1975م .

53 ـ المصدر نفسه .

54 ـ المصدر نفسه .

55 ـ يوسف صائغ . سياسات النفط العربية في السبعينيات ، ط1،المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ـ لبنان ، 1983، ص30.

56 ـ المرجع نفسه،ص301 ، 302 .

57 ـ المرجع نفسه ، ص 303 .

58 ـ المرجع نفسه ، ص 303 .

59 ـ مجلة المجاهد . ” فيصل والجزائر” ، لسان حزب جبهة التحرير الوطني ، العدد 763 ، 30/3/1975 ، ص3 .  

60 ـ المصدر نفسه، ص3 .

61 ـ المصدر نفسه ، ص3 .

62 ـ المصدر نفسه ، ص3 .

63 ـ المصدر نفسه ، ص3 .

64 ـ عبد المجيد النجار.  مشاريع الإشهاد الحضاري ج 3 ، دار الغرب الإسلامي ،ط 1، 1999 ص24 .

65 ـ  جريدة الشعب 28/3/1975.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى