دراسات اقتصاديةدراسات سياسية

العولمة وانجراف الدولة

THE EROSION OF THE STATE GLOBALIZATION

الأستاذ الدكتور/ كمال محمد محمد  الأسطل

تعريف العولمة Globalization

العولمة تعني جعل الشيء عالمي Universal أو جعل الشيء دولي International  الانتشار في مداه أو تطبيقه منتشر بين الشعوب والأمم و والدول Inter-states. وهي أيضاً العملية  Processالتي تقوم من خلالها المؤسسات المختلفة  سواء التجارية  Commercial والاقتصادية والتي تكون من خلالها العولمة عملية اقتصادية Economic Globalization  في المقام الأول، ثم سياسية Political ، ويتبع ذلك الجوانب الاجتماعية Social  والثقافية Cultural  . فالعولمة عملية   محاولة تذويب  وصهر  Melting  الشعوب والأمم والدول والحضارات والثقافات وابتلاعها   في بوثقة واحدة .Melting pot

تعريفات العولمة

يشتق مصطلح العولمة في اللغة الإنجليزية من كلمة globalization  والمنسوبة إلى كلمة كوكب  ولذلك يسميها البعض الكوكبة، الكوننة، الأمركة، التغريب وبالفرنسية تنسب إلى كلمة  Monde العالم . والعولمة بالفرنسية هي Mondalisation إلا أن مصطلح العولمة طغى على غيره من التعبيرات.

  1. عرف الدكتورصادق العظمالعولمة بأنها تعني “وصول نمط الإنتاج الرأسمالي إلى نقطة الانتقال من عالمية دائرة التبادل والتوزيع والسوق والتجارة إلى عالمية دائرة الإنتاج وإعادة الإنتاج” وهذا يعني في رأيه رسملة العالم على مستوى العمق بعد أن كانت رسملته على مستوى سطح النمو. أي نقل دائرة الإنتاج الرأسمالي إلى الأطراف بعدما كانت محصورة كليا في مجتمعات المركز ودوله.
  2. وعرفها الدكتورصبري عبد اللهبأنها ظاهرة تتداخل فيها أمور الاقتصاد والثقافة والاجتماع والسلوك، ويكون الانتماء فيه للعالم كله عبر الحدود السياسية للدول…”
  3. وعرفها الأستاذ محمد الأطرش بأنها تعني، بشكل عام “اندماج أسواق العالم في حقول التجارة والاستثمارات المباشرة وانتقال الأموال والقوى العاملة والثقافات والتقانة ضمن إطار من رأسمالية حرية الأسواق. وبالتالي، خضوع العالم لقوى السوق العالمية مما يؤدي إلى اختراق الحدود الوطنية وإلى الانحسار الكبير في سيادة الدولة. وأن العنصر الأساسي في هذه الظاهرة هي الشركات المتعدية (أو المتعددة) الجنسيات”Multi    National Companiesأو ما يسميه الآن البعض الشركات العالمية.
  4. ويعتبر الدكتور أبو راشد أن العولمة تعني “التعبير عن انسحاق الإنسان أمام سطوة الآلة والتقدم العلمي وتمركز رأس المال وانعدام القيم الإنسانية والأخلاقية وسيادة منطلق الربح والإزدهار الفردي والبقاء للأقوى من خلال تجارة السوق المعلوماتية والإستلاب الثقافي للشعوب والدول والقوميات”..
  5. وعرفها الكاتب الفرنسي دولفوس بأنها “تبادل شامل وإجمالي بين مختلف أطراف الكون يتحول العالم على أساسه إلى محطة تفاعلية للإنسانية بأكملها. وهي نموذج للقرية الكونية الصغيرة التي تربط ما بين الناس والأماكن ملغية المسافات ومقدمة المعارف دون قيود.…”
  1. أما الدكتور الجابري فيعتبر أن العولمة تعني “نفي للآخر وإحلال الاختراق الثقافي محل الصراع الأيديولوجي كما تعني الهيمنة وفرض نمط واحد للاستهلاك والسلوك” وهنا يصل الجابري إلى نتيجة مفادها التمييز بين العولمة والعالمية. ففي حين أن العولمة هي مرادف للهيمنة وما تحمله من دلالات وترتبه من نتائج، فإن العالميةUniversalizationتعني الانفتاح على الآخر وعلى الثقافات الأخرى في ظل الاحترام المتبادل والتعدد. والجابري يذكرنا هنا بالمناقشات التي كانت قائمة إبان السبعينيات والثمانينيات  بخصوص الغربنة والحداثة أي Modernization و westernisation وأيهما أفضل للمجتمعات المتخلفة. أخيرا يعرف الأستاذ ما قروMagrew العولمة بأنها “عملية يصبح بموجبها للأحداث والقرارات والنشاطات في مكان ما من العالم نتائج مهمة للأفراد ومجتمعات في أمكنة أخرى بعيدة”

        نستنتج من التعاريف السابقة مجموعة نتائج أساسية هي:

  1. أن التعاريف، ورغم وضعها في فترة متزامنة جاءت متباينة من حيث الشمولية والجزئية ومن حيث المنطلق والهدف. وهذا الاختلاف في التعاريفأدى بالنتيجة إلى اختلاف في المواقف بشأن العولمة بين مؤيد أو معارض أو متحفظ.
  2. أن كل كاتب يقدم تعريفا يتماشى وتصوراته للظاهرة ضمن اختصاصه مما يجعل من العولمة وكأنها تطور طبيعي وآلي بل وحتمي.
  3. أن التعاريف تختلف في تكييف العولمة. فهل هي ظاهرة أو عملية تحول متنوعة ومتعددة الجوانب أو وسيلة أو مرادف للخوصصة … الخ.
  4. أن الاختلاف في التعاريف أدى إلى اختلاف في الأطروحات: هل المقصود من العولمة توحيد العالم؟ وهل ستكون فيه أمريكا كدولة مهيمنة؟ وهل للعولمة نتائج سلبية أو إيجابية أم معا؟ هل العولمة في النهاية تؤدي إلى زوال السيادات وزوال الدول وحلول الفوضى محل النظام؟
  5. أن الاختلاف في التعاريف ترتب عنه اختلاف حول ملامح أو مظاهر العولمة من جهة واختلاف حول تراتبية تلك الملامح، وخاصة بين الملامح الاقتصادية والملامح القانونية والسياسية مثل تراجع وظيفة الدولة أو انهيار الدولة في حد ذاتها أو عولمة الاقتصاد.
  6. أن بعض التعاريف تقوم على نعوت معينة للعولمة كوصفها بالظاهرة ألما-بعدية. أي ما بعد الإمبريالية، وما بعد الاستعمار، وما بعد الحرب الباردة أو تلك المنظمة المتكاملة من العلاقات النفعية التبادلية القائمة على الاستلاب والاحتكار والاحتلال والقمع لفترة ما بعد الثنائية القطبية. أي فترة الأحادية القطبية والهيمنة الأمريكية، مما يجعل الكثير يذهب إلى التأكيد بأن العولمة شرا أكثر منها خيرا لمعظم البشرية حيث أنها تنمي الفوارق والتخلف وتعمم الفقر، وتقوم على مبدأ « كثيرا من الربح وقليلا من المأجورين” كما يؤكد ذلك الدكتور الجابري.وهي من كل هذا ليست نظاما اقتصاديا فقط، ولكن نظاما أيديولوجيا ونظاما يقفز على الدولة والأمة والوطن. والعولمة في الأخير تعمل على التهميش والإقصاء. والتفتيت، ورفع الحواجز والحدود أمام الشركات والشبكات الدولية الاقتصادية منها والإعلامية لتمارس سلطتها بوسائـل خاصة ولتحل محل الدولة في ميادين المال والاقتصاد والإعلام، وتؤدي إلى انحسار دور الدولة السياسي لتصبح مجرد شرطي أي خادم لها. كما تحول الدولة إلى جهاز لا يملك أدوات القيادة والتوجيه. وتكون السياسة الخارجية من عمل مؤسسات دولية بصورة مباشرة وعلى رأسها مجلس الأمن والمؤسسات الاقتصادية العالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
  7. أن بعض التعاريف، وخاصة الأجنبية منها “بريئة” أكثر مما يجب لآن العولمة في الواقع أكثر شراسة مما يظهر في بعض التعريفات كما يقول الدكتور هندي إحسان. وينطبق هذا خاصة على تعريف الكاتب الفرنسي دولفوس وتعاريف كل من يتغنى بالعولمة ويتباهى بها مثل الكاتب الأمريكي داني رودريك.

بداية ظهور العولمة وتطورها :

1-يختلف المفكرون بخصوص بداية ظهور مصطلح العولمة. فبعضهم يرجع المصطلح إلى القرن 19 حين اتسع نطاق التجارة و تنامت الظاهرة الاستعمارية وظهرت الشركات المتعددة الجنسيات وحدث التطور التكنولوجي الهائل الذي صاحب الثورة الصناعية وما بعدها.

2- ومنهم ممن يرى أن مصطلح العولمة حديث العهد ويرتبط أساسا بظهور هيمنة القطب الواحد الذي يعد من إفرازات النظام الدولي لما بعد الحرب الباردة الذي يطلق عليه أحيانا صفة النظام الدولي الجديد والذي يرمز إلى فترة الحقبة الجارية من القرن العشرين أي فترة التسعينيات.

3- أما الرأي الثالث: فيرجع ظهور فكرة العولمة إلى السبعينيات (1970) عندما ظهر آنذاك كتابين: “حرب وسلام في القرية الكونية” لمؤلفه مارشال مارك يوهان الكندي المختص في علم الإجتماع، ثم “أمريكا والعصر الإلكتروني” لمؤلفه زبيغنيو بريجنسكي المفكر والمنظر الأمريكي ومستشار الرئيس كارتر في بداية الثمانينات ثم مسؤولا للأمن القومي في عهد الرئيس ريغان خلال المنتصف الثاني للثمانينات.

 منذ هذه الفترة وما بعدها أصبح مفهوم العولمة يتداول بين ألسنة الكتاب ولكن، وابتداء من اندلاع حرب الخليج الثانية، أصبح المسؤولون السياسيون يستعملون هذا المفهوم مرة باسم النظام الدولي الجديد ومرة بالنظام الدولي لما بعد الحرب الباردة، ومرة بنظام الأحادية القطبية …الخ.

ويؤكد الأستاذ رشاد الشريف أن العولمة كمصطلح وكمفهوم اقتصادي وسياسي لم يدخل حيز التداول إلا في العقدين الأخيرين من القرن العشرين أي منذ الثمانينات عندما بدأ الاهتمام يتركز على دراسة ظاهرة العولمة في حدودها الحالية، وآفاقها المستقبلية، وأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على الأطر والتكوينات و الهويات الثقافية والقومية للشعوب والأمم المختلفة.

وعلى هذا الأساس بنى بعض المحللين النشأة الأولى لنظام العولمة، فقد تتبع زولاند روبرتسون البعد الزمني التاريخي لظاهرة العولمة بناء على المراحل التالية:-

الأولى: المرحلة الجنينية :

وهي الممتدة منذ بواكير القرن الخامس عشر الميلادي حتى منتصف القرن الثامن عشر وفيها شهدت أوروبا نمو المجتمعات القومية.

?الثانية: مرحلة النشوء

وهي من منتصف القرن الثامن عشر حتى عام 1870م وفيها تطورت فكرة الدولة المتجانسة الموحدة التي ظهرت في صور مثل زيادة الاتفاقيات الدولية والمؤسسات الخاصة بتنظيم العلاقات بين الدول.

?الثالثة: مرحلة الانطلاق:

 التي ابتدأت منذ عام 1870م حتى عقد العشرين من القرن العشرين.

?الرابعة: الصراع من أجل الهيمنة:

وقد استمرت من عقد العشرين حتى منتصف الستين من القرن الحالي وفيها بدأت الخلافات والحروب الفكرية وركز فيه على القضايا الإنسانية لا سيما بعد إلقاء القنبلة الذرية على اليابان.

? الخامسة: مرحلة عدم اليقين:

وهي المرحلة التالية التي ابتدأت من عقد الستين إلى الوقت الراهن وقد تم فيها إدراج العالم الثالث في المجتمع العلمي وشهدت نهاية الحرب الباردة وازدادت المؤسسات العالمية.

توجد أثار إيجابية وسلبية للعولمة

 إن آثار العولمة لم تعد مقتصرة على تأثير واحد وهو الاقتصادي أو السياسي أو الثقافي فقط، بل تعداه إلى نطاقات أوسع، وهذه الآثار إيجابية أو سلبية قد أثرت على العالم أجمع، حيث تعمل العولمة بتأثيراتها السلبية على زيادة الهوة بين المجتمعات، حيث تكون العولمة في هذا الصدد سلبية على الطرف الأضعف الذي يكون تابعًا للطرف الأقوى بينما التأثير الإيجابي للعولمة يكون بالاستفادة من النواحي التنموية التي تسهم في التطور، وفي تكريس التواجد على الساحة العالمية سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا.

THE ERIOSION OF THE STATE انجراف الدولة

وفي مقاله لها تحت عنوان ” انجراف الدولة ” ( THE ERIOSION OF THE STATE) كتبت الأستاذة سوزان سترينج بجامعة ورويك البريطانية حول موقفها من العولمة قائلة : ” أن هناك اتجاهين متداولين بخصوص العولمة وهي تقف إلى أحد الجانبين وبصراحة ” (الاتجاه المنكر لواقعية أو حقيقة العولمة، والمؤيد لها) . فالعولمة بالنسية لها واقع وحقيقة وأن الدولة لم تعد وحدها الطرف الوحيد ومركز الاهتمام في العلاقات الدولية ، هناك فاعلون آخرون مثل الأسواق والشركات وقوى أخرى تؤدي إلى التغيير مثل التكنولوجيا والإعلام والاتصالات …الخ “  ثم تضيف سترينخ قائلة : أن معظم الأسئلة المطروحة بشأن العولمة صادرة عن فرع من العلوم الاجتماعية يدعى بالعلاقات الدولية . ولا نملك هنا إلا أن نؤيد الأستاذة سترينخ فيما ذهبت إليه بخصوص قلق وخوف طلبة العلاقات الدولية من العولمة وما ترمي إلى تجسيده في المدين المتوسط والبعيد . وفي نفس الوقت لا نعتقد أن طلبة العلاقات الدولية هم فقط القلقين من العولمة فهناك علماء الاجتماع و الفلسفة والدين كلهم يبدون تخوفا كبيرا من العولمة وينظرون إليها كأنها غول أو ظاهرة قوية يمكن أن تحطم كل ما بنته البشرية خلال قرون بدعوى إدماج البشر وثقافاتهم وحضارتهم في بوتقة واحدة هي بوتقة العولمة من جهة، وكنتيجة لسنة التغيير من جهة ثانية .

الغرب ضد بقية العالم  THE WEST AGANIST THE REST

وفي مقالته “صراع الحضارات” يؤكد الأستاذ “صامويل هانتجتون”، وردا على  “فرانسيس فوكو ياما مقولة (نهاية التاريخ)  لم ينته بعد وأن الدولة القومية ستظل أهم لاعب في الأوضاع الدولية وأن صراع الحضارات الإيديولوجية والاقتصاد وسيكون طرفا النزاع هما : الغرب ضد البقية The West against the Rest  ويبدو أن ميشال كلوغ أكثر معارض لأطروحة العولمة وتوحيد العالم عندما كتب قائلا “… مع ذلك لا تعمل العولمة على خلق عالم موحد. فهي ليست مرادفا لتعبير عالم واحد بل هي تتجه أكثر فأكثر إلى خلق نظام متشابك لعوالم متصلة أي مرتبطة فيما بينها…..

أولاً: مفهوم العولمة

يطرح روبرت هولتون “Robert Holton” في تناوله للعولمة مشيرًا إلى أن عمليات التغير التي قادت إلى العولمة أخذت شكلاً تراكميًا حيث كانت هناك عولمات صغيرة سابقة للعولمة الموجودة في الوقت الحالي، من بينها التوسعات الإمبريالية، والتجارة التي أدت إلى نقل البضائع والثقافات، وانتشار الأديان بالإضافة إلى تجارة الرقيق، وكلها سمات للتاريخ الإنساني منذ الالاف السنوات، وبالإضافة إلى دور الغرب في ذلك هناك اسهامات العرب والمسلمين وشعوب البحر المتوسط.

وفيما يتعلق بظهور العولمة كمفهوم، فإنه يعود إلى مرحلة الستينيات، حيث يعد عالم الاجتماع الكندي مارشال ماكلوهان M.Mcluhan””  هو أول من أشار إلى مفهوم “القرية الكونية”.

تعددت مفاهيم العولمة وفقا للكثير من الكتاب والباحثين والعلماء والسياسيين، إذ ينظرون لها حسب اختصاصاتهم وتوجهاتهم الفكرية والعلمية والسياسية؛ لذا فإن إعطاء تعريف دقيق للعولمة تبدو حالة معقدة لأنهم يفسرون العولمة من خلال ما أفرزته من تخيلات وتصورات وتفسيرات ايديولوجية، وبشكل عام يمكن تعريف العولمة على أنها “اندماج أسواق العالم في حقول التجارة والاستثمارات المباشرة ضمن إطار رأسمالية حرية الأسواق، وتاليا الى اختراق الحدود القومية والى الانحسار الكبير في سيادة الدولة”.

ونرى ثمة فرقاً بين العالمية والعولمة، فالعالمية تفتح الخصوصية، وترتقي بها إلى ما هو عالمي وكوني، أي أنها تعتبر قاسماً مشتركاً، تنفذ من خلاله رؤية تعبر عن وجهة نظر تستوعب جميع الثقافات والتكتلات والآراء، في إطار التساوي في التعايش بين بني الإنسان. أما العولمة فهي تعبِّر عن وجهة نظر خاصة تريد أن تبسط سيطرتها على الرؤى الأخرى على المستوى الإقليمي أو العالمي.

ثانيًا: أبعـاد العـولمة

لكي يتحقق مشروع العولمة على أتم وجه، لابد من نشر هذا النظام ليشمل كافة أنحاء الحياة الإنسانية، لذلك فقد حدد أصحاب هذا النظام أبعادًا جوهرية يتم تنفيذ العولمة من خلالها، فالعولمة هي تعقيل العالم بما يجعله يتحول إلى مجال واحد من العلاقات بين المجتمعات والأفراد. وفيما يأتي وقفة على كل بعض الأبعاد المتعلقة بالعولمة.

1- البعد الاقتصادي

وهو البعد الأكثر بروزاً في أبعاد العولمة، إذ أن مفهوم العولمة قد كرسته اتفاقية اقتصادية هي الاتفاقية العامة للتجارة والتعريفات General Agreement for Trade and Tariffs التي عرفت اختصاراً بالجات GATT.   

وبناءً على هذه الاتفاقية، يتم إلغاء الرسوم الجمركية، وغيرها من القيود ليصبح العالم سوقًا واحدة، ومن ثم يتسنى للشركات أن تقيم المصانع، وغيرها من الأنشطة التجارية في أي مكانٍ شاءت من العالم، كما يمكن تحويل ملكية الدولة للقطـاع الخاص، في إطــار ما يسمى بـ (الخصخصة)، وتحرير أسواق المال والأوراق المالية من أيِّ قيود.

ومن ثم فإن هذه الاتفاقية تتيح للدول الغنية ـ وهي صاحبة رأس المال ـ أن تسيطر على الدول الفقيرة من خلال شركاتها العاملة هناك.

كما أن الاستثمار الأجنبي سمة من سمات العولمة تحاول هذه الشركات الأجنبية السيطرة على اقتصاد العالم بصورة عامة واقتصاد الدول النامية خاصةً، وقد حاول الاقتصاديون إبداء ثلاثة آراء حول هذه الشركات :

1- أن الشركات المتعددة الجنسيات تجنى فوائد كبيرة من العولمة دون مساءلة من المجتمع الدولي وأن الانتقال الحر لرأس المال تقتصر فائدته على الرأسمالية العالمية والوطنية المرتبطة بها وعلى أصحاب بعض المهن العليا، وأن التسابق الدولي على جذب الاستثمار الأجنبي يلحق الضرر بالاقتصادات الوطنية.

2- الاستثمار الأجنبي عنصرًا داعمًا لعمليات التنمية وزيادة حجم الناتج المحلي الأجمالي في الدول المتقدمة والنامية على السواء، فضلاً عن رفع مستوى التعليم والارتقاء بالخدمات الصحية وتحسين البنية الأساسية؛ مما يفضى إلى تحسين ظروف ومستوى المعيشة في جميع الدول.

3- أن الاستثمار الأجنبي المباشر يتجه إلى تنمية مناطق جغرافية معينة على حساب مناطق أخري في العالم.

2- البعد السياسي

 إن الحماية الاقتصادية التي تجدها الشركات الأجنبية داخل الدول، تنعكس على النظام السياسي لهذه الدول، إذ تؤدي إلى تقليص دور الدولة وتراجعه أمام تلك الشركات، التي تتحرك بدعم ومساندة القوانين الدولية، ومن ثم تتدخل الدول الأجنبية لحماية شركاتها، فتظهر انعكاسات ذلك على الأوضاع السياسية عامةً في الدولة، ويكون ذلك أكثر وضوحًا في الدول النامية، حيث يتم الحديث عن الديمقراطية، والحريات العامة، وحرية الإعلام. ويتبعه الحديث عن قوانين الدولة، وأنظمتها تجاه الأقليات، وحقوق الإنسان، والإرهاب، وغير ذلك مما يسفر عن الأهداف والأبعاد السياسية جرَّاء الاتفاقيات الاقتصادية.

3- البعد الثقافي

أن العولمة الثقافية هي الهدف النهائي والعولمة الاقتصادية والسياسية إلا وسائل للوصول إلى هذا الهدف، ومن الشواهد الواضحة على ذلك السعي إلى فرض القيم التي تحملها الثقافة الأمريكية اليوم على الأمم الأخرى، فمنزلة الثقافة من العولمة بمنزلة الرأس من الجسد.

والعولمة الثقافية تكون بترويج الأيديولوجيات الفكرية الغربية، وفرضها في الواقع من خلال الضغوط السياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية أيضاً؛ وذلك في مجالات عدة كحقوق الإنسان، والديمقراطية، وحقوق الأقليات، وحرية الرأي، وتستخدم في ذلك آليات ووسائل منها:

 أ – إصدار الصكوك والاتفاقيات الدولية المصاغة بوجهة نظر غربية والضغط من أجل التوقيع عليها، مثل (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مكافحة التمييز ضد المرأة.. إلخ). وهذه الاتفاقيات وإن كان فيها بعض الايجابيات إلا أن فيها جوانب سلبية تعود لخدمة الذين اصدروها.

ب – إصدار القوانين من أجل استخدامها ضد دول العالم الثالث باسم حماية الأقليات، مثل قانون التحرر من الاضطهاد الديني الصادر عن الكونجرس الأمريكي.

ج – إصدار التقارير الدورية للضغط الإعلامي والسياسي والاقتصادي على المجتمعات الأخرى، مثل إصدارات الكونجرس الأمريكي ووزارة الخارجية الأمريكية الدورية، وإصدارات المنظمات العالمية الكبرى الدورية، بل حتى الشركات التي تعنى بالتصنيف الائتماني (أي الملاءة المالية) للدول؛ حيث تستغل لصالح الدول والبنوك والمؤسسات المالية الغربية.

4- البعد العسكري

عقب انتصار الرأسمالية واتجاه العالم إلى القطبية الأحادية، سارعت القوة الوحيدة أن تتدخل عسكريًا وأن تعيد أسلوب الاستعمار القديم، وهو الاحتلال العسكري المباشر، بالرغم من أن العلاقات بين القوي الكبرى وبين دول العالم كانت تتخذ شكل الأحلاف أو المعاهدات والاتفاقيات، وبمقتضى ذلك تحافظ القوة الكبرى على مصالحها في الدولة دون أن تتدخل مباشرة عسكريًا، وفي هذا توفير للنفقات ودرءً لاستفزاز المشاعر الوطنية في الدول النامية، ولكن بعد تفكك الاتحاد السوفيتي سقطت كل المحاذير التي كانت تحول بين التدخل المباشر في الدول النامية وانفتح الباب واسعًا أمام هذه التدخلات واستعمال القوة المفرطة وقتل أكبر عدد من الأفراد، وتعزي الأسباب في ذلك تصدير السلاح إلى هذه الدول بوتيرة متسارعة بحيث أصبحت تجارة السلاح سمة أساسية في عالم العولمة، فعملت العولمة على تنظيم هذه التجارة وفقًا لمصالحها، وعمدت القوي الكبرى إلى أن تغض بصرها عن إمداد الدول النامية بسلاح يقتصر استخدامه على حرب الطوائف والأعراق والقبائل داخل الدولة.

ثالثًا: مفاهيم استحدثتها العولمة

عملت العولمة على استحداث مفاهيم جديدة لم تكن موجود من قبل من أبرزها على سبيل المثال:

1- الأحزاب السيبرانية Cyber Parties هو نوع من الأحزاب السياسية الذكية التي تستخدم الانترنت في المشاركة السياسية، وبتكلفة بسيطة، وأنه يمكن الأحزاب الصغيرة من التواجد والانتشار الالكتروني، والتي يمكن لها بطريقه ما أن يؤدي بها الحال إلى منافسة حزبية.

2- الدولة الفاشلة failed Stateأنه بشكل عام يشير الى حالة من الاخفاق الوظيفي تعاني منه الدولة تؤدي الى تأكل قدرتها وقدرة نظامها القائم على الحكم بفاعلية وكفاءة، وهو ما ينتج عنه في أكثر حالاته سقوط وانهيار الدولة. فعلى المستوى الداخلي، وعلى المستوى الدولي، يتمثل الفشل في تراجع قدرتها على التفاعل مع الوحدات السياسية كعنصر دولي كامل الأهلية.

3- الدولة المفترسة predatory State : يُعد الافتراس من إحدى المنظورات مكونًا رئيسيًا لحالة التنمية، ومن منظور آخر يمكن وضع الافتراس في مساره الجيد ومساره السيء. ونقدم التعريف الأكثر وضوحاً للدولة المفترسة بأنها: الدولة التي تفترس مواطنيها الذين يقيمون فيها وتقوم بسلب ممتلكاتهم المشتركة وتقديم القليل لهم في صورة خدمات يتم تقديمها، إن إحدى المسارات الناتجة عن هذا التعريف هي دراسة سبب انتهاج بعض القادة السياسيين لسياسات التي تعتبر غير أخلاقية لتعظيم وزيادة الموارد المتاحة ويقر هؤلاء القادة بأن تحسين رفاهية المواطنين قد يحدث تحولاً جوهريًا في السلطة السياسية مما قد يهدد بقائها، وقد استنتج هؤلاء القادة بأن الاحتفاظ بالقوة والسلطة ودعم التنمية الاقتصادية يعتبران هدفان متداخلان مشتركان وهو التناقض الذي يشير إلي العديد من الحالات الجوهرية.

4- الجوهرانية: تعني وجود جوهر واحد ممتد للمجتمع هذا الجوهر يتسم بكونه لازماني ولا تاريخي ومنسجم، وهو أساس وجود أي مجتمع، وتقوم سياسات الهوية على الحفاظ على ما تراه هذا الجوهر الذي يجب ألا يتغير أو يتبدل، وبالتالي تنفي عنه التعدد أو الاختلاف أو التغير، وبالتالي تتخيل تيارات الهوية وجود جوهر أسطوري ممتد.

5- النكتة السياسية Political joke: تعد النكتة السياسية أكثر الأساليب دلالة على التعبير عن رغبات الأفراد ودوافعهم وطموحاتهم، فالنكتة مثلها مثل أى رسالة أو ظاهرة اجتماعية توفى ببعض الوظائف الخاصة بالأفراد وتستخدم أساليب معينة لها محتواها الخاص ولها دلالتها الخاصة. ومن ثم تعد النكتة السياسية مقوم هام من مقومات الشخصية بما لها من دور وظيفى وسلوكى فى التفاعل مع الأحداث السياسية ولهذا فالنكتة السياسية وجهان:

الأول: حفظها للذات لأنها تنفس عنها وتعوضها شعورًا بالاستعلاء على الطرف الآخر الذى تنتقده.

الثاني: أنها عامل تعويضي، إذا تصرف الانفعال الإيجابي، خاصة فى المواقف التي يستطيع الانفعال أن يوقف التمادي فيها، وهى تصرف الانفعال بإثارة الضحك الذى يحدث خلخلة فى صرامة الموقف فتضعف ناره. وبعدها نشعر بالسلبية والتفريط فنستعلى عليها بالإفراط في المباهاة والتزيد في الحديث والمبالغة في التصرف، مما يكبدنا في حياتنا اليومية الكثير في سبيل مظاهر خارجية نتوسع فيها بقدر رغبتنا في تأكيد الذات.

6- الجيوش الإلكترونية Electronic armies : هم مجموعة من الأشخاص يعملون وفق أجندة خاصة لصالح جهات سياسية أو أمنية. يعملون عن طريق إنشاء حسابات بأسماء وهمية وإدارتها عن طريق روبوتات لتشارك في النقاشات، ويدعمون أوسمة معينة لإيصالها إلى المراتب الأولى، ويخترقون مواقع إلكترونية لشخصيات ومؤسسات ودول. تهدف هذه الجيوش إلى تضليل الرأي العام وتشكيله أو توجيهه وتروج للإشاعات ولبعض الأفكار والتوجهات.

7- التدخل الإنساني Humanitarian Intervention: هو عمل إرادي ومنظم تقوم به وحدة سياسية دولية – دولة، منظمة دولية، أو مجموع ما ذكر– لتقديم المساعدات الإنسانية الى ضحايا الكوارث الطبيعية والكوارث التي هي من صنع الإنسان، بما في ذلك حالات الطوارئ المعقدة، على اساس قصير الأجل واساس طويل الأجل بما في ذلك وسائل الإكراه السياسية بدءاً من ابسط اشكال الحرب، كالحرب النفسية مروراً بالدبلوماسية فالاقتصادية ونهاية بالعسكرية، بقصد إنقاذ الارواح والتخفيف من المعاناة والحفاظ على الكرامة الإنسانية.

8- العولمة الثقافية  Cultural globalization: تعني انتقال الأفكار والمعاني والقيم إلى جميع أنحاء العالم لتوسيع وتعزيز العلاقات الاجتماعية. وتتميز هذه العملية بالاستهلاك والاستخدام الشائع للثقافات المنتشرة والمتعارف عليها عبر الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والسفر عالمياً.

9- الموضة السياسية Political Fashion :  تلك الأفكار والبرامج السياسية التي يكون لها شهرة في وقت وجيز دون تحقيق الاستمرارية لأسباب عدة ، يقابلها أي ـ موضوع السياسة ـ قوة سياسية ذات أسس قوية ديمقراطية تعكس بشكل أو أخر حاجيات المجتمع.

10- التسويق السياسي Political Marketing : هي عملية متواصلة ومستمرة لتخطيط وتنفيذ وتقويم البرامج السياسية بما يساعد على إشباع احتياجات ورغبات المواطنين لضمان النجاح للأحزاب والمرشحين في البيئات السياسية المختلفة.

11- مذهب المركانتيلي Merchantilism: مذهب اقتصادي أثر على السياسة بشدة وخصوصًا في مجال تكوين الدولة الإقليمية وما انطوى عليه من مشاعر جديدة تتعلق بهذه الدولة وتتخذ من الملوك رمزًا لها وما صاحب ذلك من فكر سياسي ارتبط أساسًا بالنظام الملكي المطلق.

12- فينومينولوجياPhenomenology : تسمى الظاهراتية، وهي القابلية للتطبيق على الظواهر الاجتماعية والسياسية ذات الطبيعة النفسية المركبة على نحو يسمح للملاحظ بإدراك بنائها أو نوع تنظيمها الداخلي، وذلك في تجربة إدراكية واحدة.

13- أتيميا Atimia: مصطلح يقصد به انخفاض مكانة الدولة، أي تعرضها للتخلف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي مما يخفض مكانتها عند باقي الأمم.

14- التوتاليتارية Totalitarianism: مصطلح يعبر عن النزعة الأفلاطونية التي تعلن أن (السلطان الكلي يكون للدولة)، من خلال نظام قانوني شديد صارم وغير مرن، وهو عكس الفوضوية.

15- الحتمية المفرطة Over determination: وهو مصطلح يعنى أن الكثير يجري هناك ، بمعني أن اللاقوي الفاعلة في التاريخ لا تعمل بمفردها ، إذ قد يؤدي عدد كبير من القوى الاجتماعية إلى انتاج حدث واحد والمصطلح يعنى تضافر القوي أو تشابكها لتؤدي إلى أثر محدد.

16- الطوطمية Totemism  : مصطلح مرتبط بالشمولية Totalitarianism ويتوسط بين إلحاق ضرر Torts والشمولية، وتوصف به بعض المجتمعات ذات الاتجاه الشمولي.

رابعًا: العولمة بين فاعلية التراث والفعل الحداثي

إن للعولمة أهدافًا اقتصادية وسياسية وثقافية، وإن ناتج الأهداف الثقافية أكثر ضررًا على حياة الأمم، وهذا ظهر في سعى العولمة إلى نشر العولمة لمفاهيم ومصطلحات جديدة تنقض الأصول المرتبطة بحياة الأمم وبشخصيتها المعنوية وهويتها، وإلى ابتكار أساليب جديدة تؤدي إلى إلغاء الخصوصية القومية وإلى خلق قطيعة بين الشعوب وتراثها.

تركز أهداف العولمة على تشويه العلاقة بالتراث، لأن التراث هو ذاكرة الأمة التاريخية والثقافية والعلمية والفنية، وهذه الذاكرة تصنعها الأجيال وفق ما تؤمن به من قيم وعادات وتقاليد وتصورات ورؤي يؤرخ بها لنبض شعوب حية تجعل من تراثها هوية ثقافية تتمايز بثقل نوعي، وهذا الثقل النوعي يمنح الأمم وجودها وثباتها ويحميها من التحول إلى ورقة تقذف بها المؤثرات الخارجية إلى حيث شاءت.

يربط رواد الحداثة الفعل الحداثي بالدعوة إلى الثورة والتمرد، لكونها تشكل حدثًا جديدًا وحتميًا تفرضه صيرورة الحياة. ولذلك فإن هذا التمرد يهدف إلى البناء والتأسيس، بقدر ما يهدف إلى الهدم والتغيير، والبناء والتأسيس يحتاجان إلى أصل ثابت وقوي يكون منطلقًا لأي حراك فاعل غايته خلق مسارات جديدة ومغايرة وقادرة على الثبات والابداع.

خامسًا: قراءة سيكولوجية للعولمة

إن العولمة نجحت في أن تخلق داخل المجتمعات حالة أقرب ما تكون بحالة التعليم الغرضي Purposive Learning  على النحو التالي:

1- نتيجة الزخم الإعلامي للعولمة يشعر الفرد بأنه في حاجة إلى إشباع دافع أو رغبة معينة (الحلم الأمريكي- قيم واتجاهات العولمة).

نظرًا لحاجة الاحتياج، يبدأ الفرد في التفكير في كيفية الوصول إلى هذا الهدف (مع إغفال للشروط التي يجب أن تتوفر لديه لتحقيق هذا الهدف)، وهذا هو الدور المهم الذي تقوم به وسائل الاتصال التي تصور الوصول إلى الرغبات والإشباعات عملية سهلة وميسرة ومن ثم تعزل عملية الإشباع عن شروطها.

3- هنا يبدأ الفرد في إجراء عدد من المحاولات للوصول إلى الهدف المرغوب، بل ويحطم كل معوقات الوصول إلى الهدف سواء أكان تدميرًا مشروعًا أو غير مشروع (أشبه بحالة المدمن).

4- في حالة تحقيق الهدف، فإن الفرد يشعر بالارتياح وهنا تعمل قوانين (التكرار – الحداثة- التدريب – الأثر).

5- وعندما يتحدث مع الآخرين عن ارتياحه يجد أن الجميع يشاركونه نفس الارتياح ونفس الحاجة والرغبات (يتفعل قانون التعميم) عن طريق (Talk show- Chat).

سادسًا: العولمة وإعادة تشكيل وظائف الدولة

فيما يتعلق بالوظيفة الجديدة التي بدأت تلبسها الدولة المحلية وتتبناها، وهي وظيفة لم تعد الدولة معها فاعلاً أو حكمًا لا في إنتاج وإعادة إنتاج القيمة على المستوى الدولي فحسب (قد تلعب الدولة هذا الدور ولكن هامشيًا وبصورة غير مباشرة) بل وعلى صعيد المنافسة الدولية أيضًا، بحكم تصاعد أدوار الفاعلين “الجدد” حيث يتجسد تصاعد هذه المعايير، ومن بين ما يتجسد فيما يلي:

1 – سقوط ما يسمى “محرمات الوحدة الترابية ” لا بحكم ممارسات الشركات عبر الوطنية وإسهامات تكنولوجيا الإعلام والاتصال فحسب، ولكن أيضًا بحكم تراجع القواعد والنواميس التي كانت إلى عهد قريب تحمي الدولة القطرية وتضمن سيادتها؛ فالقواعد التي كانت تحصن الدولة من الانهيار القطرية وتضمن سيادتها ؛ وتحمي حدودها انهارت وشاهدنا سقوط إمبراطوريات من دول متعددة القوميات وولادة دول جديدة، ونعيش اليوم انفجارًا ضخمًا في عدد الدول، فصار مقبولاً إعادة رسم حدود دولة أو تقسيم أخرى بعدما كانت موازين وقواعد معينة تحمى دولا هشة من هذا المصير.

ومع تآكل قدسية الدولة ككيان فقد تآكل ما هو أسهل من ذلك وهو قدسية السيادة، وصارت هنالك جرأة أكبر مع المعطيات الجديدة للتدخل تحت عناوين كثيرة أو لتسويغ التدخل وتقييد سيادة الدولة. ومعنى ذلك أن الحدود الجغرافية التي كانت أحد مقومات الدولة والسيادة، بدأت تتآكل بحكم الاتجاهات نحو تقنين السيادة المحدودة وكذلك انتصار “قيم ومعايير عالمية” تدفع باتجاه “تقزيم” الدولة والسطو على مكونات سلطاتها الجغرافية والبشرية، وكذلك احتكار العنف الشرعي، من قبيل بروز قانون دولي لحماية البيئة وحماية الجماعات المستضعفة والمضطهدة وغيرها.

2- نشوء التكتلات الاقتصادية الكبرى بين الدول والفضاءات الجغرافية وما ترتب على ذلك من نتائج تمثلت بالأساس في انهيار حاجز المسافات بينها مع ما يعنيه ذلك من تزايد إمكانيات التأثير والتأثر المتبادلين، وإيجاد نوع جديد من التقسيم الدولي للعمل الذي يتم بمقتضاه توزيع العملية الإنتاجية الصناعية بين أكثر من دولة بحيث يتم تصنيع مكونات أي منتج نهائي في أكثر من مكان واحد. وقد انعكس كل ذلك – بلا شك – على تراجع بعض مفاهيم علم الاقتصاد التقليدي ونظرياته، وعلى تضاؤل دور الدولة من خلال سياسات الاقتصاد المخطط وإحلال دور القطاع الخاص محل القطاع العام في العديد من الدول.

أن مفهوم الدولة يعيش أزمة بسبب تعرض الدولة للمنافسة من قبل لاعبين يزدادون عددًا وقوة، فالعالم – الآن – إزاء ظاهرة شركات جبارة متعددة الجنسيات، وتعبر القوميات، وتعمل على تكييف محاولة تكييف مختلف النظم والسياسات الاقتصادية في العالم مع احتياجاتها هي، ومع تصورها لما يجب أن يكون عليه حال الأسواق، وهي إذ تتحكم في تكنولوجيا ثورة المعلومات والاتصالات من واقع الاستئثار بنصيب الأسد الذي تنفرد به في الإنفاق على البحوث والتطوير، تسعى لأن تفرض على اقتصاديات ودول ومجتمعات العالم أن تعيد التكيف مع ظاهرة ومعطيات العالم الجديد تحت مسمى “العولمة”.

سابعًا: العولمة والحديث عن نهاية الجغرافيا

أدت التطورات التكنولوجية المتسارعة إلى تسريع وتيرة تدفقات العولمة في وسائل الإعلام والاتصال وزيادة الترابط والاعتماد المتبادل الدولي في الميدان الاقتصادي، لكن نتيجة لحالات الدمار الناجمة عن النزاعات والحروب خاصة الداخلية في أكثر من بلد بسبب الإفرازات السلبية للعولمة أصبحت الحاجة إلى التحليل الجيوبولتيكي هامة لتناول قضايا العالم المعاصر.

ويظل العامل الجغرافي الأكثر أهمية في التحليل والتفسير كونه الأكثر ديمومة، فكل الظواهر تتطور وتتقدم وتتراجع، لكن موقع القارات والمحيطات والجزر والبحار لم تتغير كثيرًا عبر تاريخ البشرية المسجل. فرغم وصول تدفقات العولمة إلى مستويات متقدمة وإقامة شبكات معولمة ومعقدة فإن كل هذه المظاهر لم تنل من الافتراضات النظرية للجيبولتيكا.

فالجغرافيا لم تنته كما ادعت بعض اطروحات العولمة، وتبعًا لذلك تظل الجيواستراتيجيا رهينة بالجغرافية حيث تجسد وتنفذ السياسات الاستراتيجية للدولة أو تقاوم فيها سياسات التحالف بين الدول، وقد أثبتت الأحداث الحالية أن الجغرافيا تظل مهمة، وأن جنبًا مهمًا في فهم الصراعات قائمة بشكل أساسي على عنصر الجغرافيا.

هفوات وسلبيات العولمة

إن مقومات تحقيق المجتمع الإنساني الواحد يعتمد بشكل كبير على العنصر الإنساني المعنوي وليس العنصر المادي أو الادواتي ، لذلك يمكن أن نرى هفوات عميقة قد أفرزتها العولمة تعمق الشرخ العالمي وتقودها إلى مزيد من الانشقاق والعزلة.وهذه هي تعبير واضح عن عناصر تفكك المجتمع البشري وافتقاده لمقومات التوحد والانسجام.

أولا: الاحتكار ..الاستبداد..

إن العولمة في ظاهرها تحمل شعارات الحرية والديمقراطية والأسواق الحرة وحقوق الإنسان ولكنها في حقيقتها وأثارها ليست غير طريق لاحتكار التجارة العالمية ووسائل الإعلام وأدوات الإنتاج المعلوماتي ، بل إن شركات العولمة أصبحت لها نفوذا كبيرا في إسقاط الحكومات وافتعال الانقلابات وتحريك الأزمات وضرب الاقتصاديات المستقلة. وهي تتجه تدريجيا إلى تحويل المجتمع البشري إلي مجتمع مستعبد مدجن بواسطة وسائل الإعلام والدعاية الإعلانية الاستهلاكية. فالعولمة تعمل على الاستعباد فتحول دون حصول الأفراد والشعوب الخاسرة على الدنيا من الوفرة.

ثانيا: المعلوماتية أدوات تسلطية للفساد :

يبشر دعاة العولمة إلى بداية المجتمع العالمي بلا حدود وذلك لان المعلوماتية وصلت إلى قدرة كبيرة على التوسع والانتشار والسرعة بحيث تكون قادرة على إيجاد التواصل والحوار بين الشعوب ومن ثم وجود المجتمع العالمي الواحد. ولكن تبرز الإشكالية الأساسية في هذا المجال و هو السيطرة المطلقة للولايات المتحدة على الوسائل المعلوماتية فهي أذن لا تمثل إلا السياسة والمصالح والقيم الأمريكية وهذا هو الذي أزعج حلفاء الولايات المتحدة في أوربا ودعاهم للتشكيك في العولمة.

ثالثا: العولمة تحطيم العدالة الاجتماعية..

إن أساس قيام المجتمع العالمي الموحد يعتمد بشكل أساسي على رفع الحواجز النفسية والاجتماعية التي أوجدت شروخا كبير في الجسد البشري، فالفوارق الطبقية والعنصرية والقومية كانت الأساس لتشرذم العالم وانتشار الحروب وضياع العدل وسيطرة الظلم. ولكن ما يحدث في عصر العولمة هو تحطيم لقيم العدالة الاجتماعية في اشد مراحلها على طول التاريخ، فلم يعرف التاريخ ارتفاعا في نسبة الفقر في العالم مثلما عرفه في عقد التسعينات من القرن العشرين وحتى الآن. فالعالم الذي يضم حاليا اكبر عدد من الفقراء هو أكثر فقرا من أي وقت أخر ونسبة الفقر من أجمالي سكان الأرض هي الأعلى في تاريخ الأرض، والفقر اصبح فقرا مطلقا ومركبا يتضمن الحرمان من كل مقومات الحياة . وهناك قرابة (4،5) مليار إنسان يعيشون في تلك الدول التي تدعى النامية، 80% من الإنسانية هم فقراء، (1،3) مليار إنسان يتوجب عليهم العيش بأقل من دولار واحد في اليوم، اكثر من 800 مليون إنسان لا يجدون طعاما كافيا، بينما 800 مليون أخرى يتوجب عليهم التخلي عن الرعاية الصحية، وعلى الأقل هناك 840 مليون بالغ لا يستطيعون القراءة والكتابة. وهناك اليوم في عالم نخب العولمة 358 ملياردير عالمي أغنياء بطريقة العولمة حيث تماثل ثرواتهم مجموع ما يملكه (3.6) مليار إنسان أي قرابة نصف سكان الأرض .

رابعاً: فقدان الأمن….

إن اختلال ميزان العدالة الاجتماعية في ظل أحلام العولــمة قد حـــول العالم إلي بؤرة من الجريمة و اللاامن ، لان افتقاد الإنسان للشعور بوجوده العادل وحقه الإنساني سوف يغرقه في مستنقع اليأس وبالتالي يقوده لاستخدام العنف والجريمة من اجل استرداد كرامته المفقودة. فعندما يستمر الأيمان بأيديولوجية المنافسة الكونية بين السلع والرأسمال وتستمر الوعود بان السوق هي الدواء الشافي، وعلى مذابح أيديولوجية التجارة الحرة والليبرالية الجديدة تتم التضحية بحق الوجود الإنساني الكريم، بالأمان الاجتماعي، وببيئة سليمة نظيفة..

لقد ساهمت العولمة في نشر الجريمة العالمية على عدة أصعــــدة، واهم عامل انحسار الحدود القومية التي كثفت التجارة غير القانونية مع سهولة تحويل رأس المال، والتقدم التقني قد أدى إلى تسهيل تبادل المعلومات الإجرامية في خلال ثوان قليلة. وقد ازدادت أرباح تجارة مخدر الهيروئين خمسين مرة خلال العقدين الأخيرين، وساعد تفكك الاتحاد السوفيتي إلي انتشار الأسلحة وسرعة الحصول عليها. وهذه الولايات المتحدة التي تفتخر بديمقراطيتها تفوق العالم في مجال الجريمة حيث أن نسبة 2% من الشعب الأمريكي أما قابعون تحت السجون أو تحت إجراءات حسن السلوك. ومقاطعة كاليفورنيا التي تفاخر بقوتها الاقتصادية السابعة في العالم قدر أنفاقها على السجون بقدر ما تخصصه لميزانية التعليم. ويبلغ ما تنفقه الحكومة الأمريكية على السجين سنويا مقدار كلفة الدراسة في جامعة هارفارد المعروفة. إن من السخرية أن أغنياء العولمة يعيشون في سجون من صنعهم أيضا حيث إن ما يراوح من 100 مليون أمريكي يعيشون في مساكن محروسة بكل وسائل التقنية الحديثة من أسلحة وكاميرات وغيرها والسبب في ذلك عدم الاطمئنان جراء الجريمة المستفحلة .

وفي أوربا فقد ارتفع عدد السجناء في ألمانيا بين أعوام 1992 و2019 بنسبة 25% وفي بريطانيا بنسبة 75%.

خامسا: الفوضى والتفكك والانقسام :

تهدف العولمة في شعاراتها إلى تشكيل العالم ضمن نظام عالمي موحد ينسجم في وحدة متلاحمة. لكن من خلال ما أفرزته فأنها لم تخلق إلا الفوضى والتفكك في عالم أصبح اكثر تنافرا وصراعا وعزلة، لقد ذهب البعض إلى وصف الوضع السائد باللانظام أو الفوضى العالمية.ذلك إنها لا تريد إن تحقق من خلال التوحيد العالمي إلا مصالح آنية ترفع الأرباح في سوق الأسهم وليس لها أهداف بعيدة المدى تخدم الجنس البشري.إن الرأسمالية إذا ما أديرت بافتراض أن نظرية القطاع الخاص هي المبدأ بزعم أن حرية المطلقة دائما ستفضي إلى رفاهية الكل فإنها ستؤدي حتما إلى حروب أهلية، والعديد من المجتمعات يعيش اليوم نوعا من الفوضى الاقتصادية حيث ينتج العمال ما لا يستهلكون ويستهلكون ما لا ينتجون..

ويوم بعد يوم يزداد الظن قوة على تزايد الانعزال والتقوقع الذي اتخذته الجماعات الدينية والأيديولوجية والقومية والعنصرية للدفاع عن نفسها في مواجهة غزو العولمة ، ولاشك أن ازدياد حركات العنف والتطرف والحروب الأهلية والدعوات إلى استقلال الاقليات في كانتونات ودول صغيرة هي مؤشر على مزيد من الانقسام والفوضى والتفكك في عالم أصبحت فيه العولمة هي المسؤول الكبير عن انتهاك ابسط الحقوق الإنسانية وقواعد القانون الطبيعي.

المواقف المتباينة حول العولمة :

الصنف المؤيد للعولمة، والصنف المعارض، ثم الموقف الوسطي أو الإصلاحي.

1.الموقف المؤيد للعولمة  :

        إن هذا الإتجاه المعجب بالغرب والتغني بحضارته والتباهي بانحلاله يعتبر أن العولمة ظاهرة إنسانية إيجابية تهدف إلى التقارب بين الشعوب والثقافات المختلفة والعمل على تطويرها في اتجاه العالمية والإنفتاحية.

        في المجال السياسي يتوقع أن تؤدي العولمة إلى تحقيق مجموعة من النتائج مثل:

  1. سقوط الشمولية والنظم السلطوية والتسلطية وخاصة في القارة الأوربية نتيجة لتوفر العديد من العوامل المساعدة على ذلك كوجود معارضة حقيقة. ولكن ما أثر العولمة على النظم السلطوية خارج أوربا؟ وهل ستتأثر فعلا بعملية التعولم ومتى سيحدث ذلك؟
  2. الإنفتاح على مختلف الأفكار والتخلص من الولاء الأعمى والضيق كالتخلص من الثقافة القبلية أو ثقافة الدولة-الأمة والتحلي بالثقافة العالمية أو الثقافة البشرية. ما أسهل أن نقول ذلك وما أصعب رؤية ذلك في الواقع الدولي!؟
  3. النزوع إلى الديمقراطية والتعددية السياسية الحقيقية وليس الشكلية، والتي تضمن المشاركة الواسعة في إدارة شؤون الدولة وبالتالي تجسيد مفهوم التداول الحقيقي للسلطة في ظل احترام اختيارات الشعوب وسيادتها.
  4. عقلانية العلم وحياد الثقافة. وهذا يبدو أنه ضرب من الخيال نظرا لاستحالة تحقيق ذلك.
  5. احترام حقوق الإنسان وتعزيزها. ولكن كيف سيتم ذلك، وما هي الشروط الضرورية لتحقيق ذلك؟

2.الموقف الوسطي :

إن هذا الاتجاه يعتمد على العقلانية والواقعية السياسية في التعامل مع ظاهرة العولمة دون الانبهار بها كلية ودون رفضها دفعة واحدة ويرى أن العولمة ليست قضية أو مسألة واقع فرض نفسه، وما على الدول إلا التعامل مع هذه الظاهرة بحذر وانتقاء قدر الإمكان.

إلا أن هذا الاتجاه، والذي يوصف أحينا بالإصلاحي، متهم بأنه مبالغ في الحذر والتروي والانتظار دون أن يحدد لنا مدة الانتظار كم يستغرق مما يجعل قطار العولمة يفوت دون الاستفادة منه وحينها يمكن أن ينطبق عليه مقولة الاقتصادي الأمريكي ليستر ثوري ” إن عدم المشاركة في اختراع العجلة ليس أمرا مزعجا ولكن المزعج هو التأخر ولو للحظات عن استخدام العجلة بعد اختراعها.

3.الموقف المعارض:

        ينطلق هذا الاتجاه من منطلق أن العولمة هي فكرة وتصور أكثر مما هي واقع اللهم في بعض جوانبها مثل الجانب الاقتصادي.  وفي مقابل ذلك يسجل مجموعة من الملاحظات المخيفة مثل:

  1. أن العولمة التي نتحدث عنها اليوم ليست وليدة الساعة ولا هي ناتجة لانهيار الثنائية القطبية ولكن نتاج تراكمي لمجموعة تغيرات في البنى الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية والتي صاحبت الرأسمالية في مسارها التاريخي وخاصة من القرن السابع عشر والذي تزامن مع ظهور الدولة والتنافس الرأسمالي وبداية انتشار الثورة الصناعية.
  2. أن العولمة ظاهرة إستلابية وقاتلة للثقافات التي تصنع الحضارات كما أنها تدعو إلى إلغاء الدول الوطنية والشخصية الوطنية والمجتمعات القومية وبالتالي تدعو إلى بناء مجتمع دولي بل مجتمع عالمي خالي من الحدود والقيود مما يعني الوصول إلى مرحلة الفوضى في أسوأ تقدير وهيمنة ثقافة معينة ونظام معين ودولة معينة في أحسن تقدير.

       تلك هي المواقف الثلاثة بخصوص العولمة ونحن إذ نميل إلى الموقف الرافض العولمة، إذا كانت أداة هيمنة وإقصاء، من الضروري المشاركة وبحذر في صنع عالم العولمة من جهة ودراسة هذه الظاهرة بتمعن من جهة ثانية. وهذا حتى لا يتكرر ما حدث عندما تم صياغة القواعد القانونية الدولية ومبادئ العلاقات الدولية في القرن الماضي ومنتصف هذا القرن.

ثامنًا: خيارات مواجهة العولمة

1- على المستوى الوطني: حتمية الإصلاح الإداري والسياسي والتعليمي: حيث تكمن أهمية إصلاح الأجهزة الإدارية والحكومية بوصفها العصب الأساسي للدولـة، وهـو مـا  سيحصن أجهزة الدولة ومؤسساتها لتكون أقدر على التكيف مع المتغيرات الجديدة. كما أن إصـلاح سياسات التعليم والتدريب والتأهيل يمثل عنصراً جوهرياً في هذا الإطار، لأنه سـيخلق قـوة عاملـة مدربة ومؤهلة وقادرة على استيعاب التطورات المرتبطة بظاهرة العولمة. كما أن تطوير سياسات نقل التكنولوجيا وتوطينها يعد من متطلبات تهيئة الدول لعصر العولمة. فضلاً عن ضرورة الإصلاح السياسي بوصفه ركيزة أساسية في أية استراتيجية إصلاح داخلي، ويتمثل في تحقيق تحول ديمقراطي حقيقي بصورة تدريجية وتراكمية. ويعد تحقيق العدالة الاجتماعية، ومكافحة ظواهر الفساد السياسي والإداري المدخل الحقيقي لبناء دولة المؤسسات وتحقيق سـيادة القـانون، وترشيد عملية صنع السياسات والقرارات.

2- على المستوى الإقليمي: ضرورة تفعيل هياكل التكامل الإقليمي وسياساته: نظراً إلى عمق التحديات التي تطرحها العولمة ومحدودية قدرات دول الجنوب عموماً والدول العربية خصوصاً على التعامل معها فرادى، فإن تطوير سياسات التكامل الإقليمي بين هذه الدول فـي إطـار المناطق والنظم الإقليمية التي تشملها أصبح ضرورة، ولاسيما أن الدول العربية لا تنقـصها هياكـل التكامل، ولا التصورات والأفكار والبرامج، بل ما ينقصها هو إرادة التكامل. وقـد تكـون التحـديات المشتركة التي تمثلها العولمة بالنسبة إلى الدول العربية هي مدعاة لاتخاذ خطـوات عربيـة جـادة وحقيقية على طريق عمليات التكامل العربي والتكتل الإقليمي فيما بينها.

3- على المستوى العالمي: ضرورة العمل على إيجاد نظام عالمي أكثر عدلاً وديمقراطية، كـون فيـه الدول العربية طرفاً مشاركاً فيه وليس على هامشه، ويتم في إطاره ترشيد عملية العولمة، والوقوف مع دول الجنوب في مواجهة التحديات المزمنة التي تعاني منها، والتصدي للمشكلات العالمية العابرة للحدود.

العرب والعولمة: العولمة والهوية الثقافية

يطرح الدكتور محمد الجابري عشر أطروحات لرسم إطار عام بين العولمة والهوية الثقافية:

الأطروحة الأولى: ليست هناك ثقافة عالمية واحدة، بل ثقافات

الأطروحة الثانية: الهوية الثقافية مستويات ثلاثة: فردية، وجمعوية، ووطنية قومية، والعلاقة بين هذه المستويات تتحدد أساسا بنوع “الآخر” الذي تواجهه.

الأطروحة الثالثة:  لا تكتمل الهوية الثقافية إلا إذا كانت مرجعيتها: جماع الوطن والأمة والدولة

الأطروحة الرابعة: ليست العولمة مجرد آلية من آليات التطور الرأسمالي، بل هي أيضا، وبالدرجة الأولى، أيديولوجيا تعكس إرادة الهيمنة على العالم.

الأطروحة الخامسة: العولمة شيء و”العالمية” شيء آخر. العالمية تقتح على العالم، على الثقافات الأخرى، واحتفاظ بالخلاف الأيديولوجي. أما العولمة فهي نفي للآخر وإحلال للإختراق الثقافي محل الصراع الأيديولوجي.

الأطروحة السادسة: ثقافة الاختراق تقوم على جملة اوهام هدفها: “التطبيع” مع الهيمنة وتكريس الاستتباع الحضاري.

الأطروحة السابعة: العولمة نظام يعمل على إفراغ الهوية الجماعية من كل محتوى، ويدفع إلى التفتيت والتشتيت، ليربط الناس بعالم اللاوطن واللاأمة اللادولة، أو يغرقهم في أتون الحرب الأهلية.

الأطروحة الثامنة :العولمة وتكريس الثنائية والانشطار في الهوية الثقافية العربية (ثنائية التقليدي والعصري، المادي والروحي، شعب وقيادة، إزدواجية على المستوى الفردي والجمعوي والوطني والقومي…).

الأطروحة التاسعة: إن تجديد الثقافة، أي ثقافة، لا يمكن أن يتم إلا من داخلها: بإعادة بنائها وممارسة الحداثة في معطياتها وتاريخها، والتماس وجوه من الفهم والتأويل لمسارها تسمح بربط الحاضر بالماضي في اتجاه المستقبل.

الأطروحة العاشرة: إن حاجتنا إلى الدفاع عن هويتنا الثقافية بمستوياتها الثلاثة، لا تقل عن حاجتنا إلى اكتساب الأسس والأدوات التي لا بد منها لدخول عصر العلم والتقانة، وفي مقدمتها العقلانية والديموقراطية.

وهناك عدة ملاحظات اخيرة حول العولمة:

1-هل العولمة تعتبر نهاية عهد السيادة الثقافية؟

2-هل العولمة لاثقافية تسير في ركب التجارة الحرة (خركة افكار وقيم مع حركة البضائع)

3-هل العولمة جدل العدوان والمقاومة الثقافيين؟

4-يجب التمييز بن عولمة الثقافة وثقافة العولمة.

ماالعمل؟ ماذا يمكن أن يعمل العرب في مواجهة العولمة:

1-إقامة منظومة أمنية إقليمية عربية.

2-إنشاء سوق عربية مشتركة.

3- التنمية العادلة والمستقلة

4- تطبيع العلاقة بين الدولة والمواطن

5- إحياء المشروع العربي للتعاون المشترك

6- ربط التحدي الاقتصادي بأهدافه الاجتماعية

7- القدرة التنافسية

8-السوق والتخطيط

9-الارتقاء العلمي والتقني والثقافي

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى