أخبار ومعلومات

الغوص في عوالم أدب أمريكا اللاتينية الساحرة

بقلم مسعودة. ب – صحيفة الخبر

يأخذ الكاتب الصحفي حميد عبد القادر القارئ في آخر إصدار له والموسوم بـ “فضاء العجائبي في أفق الرواية اللاتينو – أمريكية” الصادر حديثا عن دار “ميم” للنشر، إلى عوالم الأدب اللاتينو أمريكي الساحر والمبهر، حيث بدأت بوادر اهتمام الكاتب بهذا الأدب منذ منتصف الثمانينيّات، واستمرّ لسنوات طويلة، كجزء من اهتماماته الأدبيّة والثّقافيّة.

يتحدث الكاتب حميد عبد القادر في تقديم الكتاب عن بداياته مع الأدب اللاتينو أمريكي وعلاقته به، فقد كانت أوّل مقالة كتبها عن أدب هذه القارة المُدهشة، والسّاحرة، حول الرِّوائي الأرجنتيني “إرنستو سباتو”. وعن علاقته بهذا الأدب كتب في مقدمة الكتاب: “الواقع أنّ علاقتي بأدب أمريكا اللاّتينيّة بدأت قبل هذا التّاريخ. ففي سنة 1983، قرأتُ كتاب “بلينيو أيوليو ميندوثَا”، الّذي ترجمه الأستاذ عبد الله حمادي، بعنوان “غابرييل غارسيا ماركيز.. رائد الواقعيَّة السِّحرية”، فقَادني صوبَ عوالمه الرِّوائية والقصصيّة، وإلى اكتشاف ظاهرة أدبيّة اسمها “الواقعيَّة السِّحرية”، الّتي استفاض الأستاذ حمادي، وأسهبَ في شرحِها وتقديمها في الكتاب”.

أما أوّل رواية قرأها فكانت لـ “غارسيا ماركيز” وهي روايته الأولى “عاصفة الأوراق”. وفيها أكتشف ما يُسمّى بتعدّدِ الأصوات في الرِّوايةِ. وهو ما لم يكن يعرفه في الرِّواية الجزائرية.

وفي منتصف الثمانينات قرأ الكاتب رواية “مائة عام من العزلة”. يقول عنها “حين اكتشافي لهذه الرّواية “كنتُ مرتبطًا حدّ الهوس بـالرِّوائي الأمريكيّ “ارنست همنغواي” والفرنسيّ “أونوريه دو بلزاك”. دخلتُ غرفتي، مع غروب الشّمس، وشرعتُ في القراءة إلى ساعة متأخّرة، دون توقّف. قرأتُ بحمى، وأنا أكتشف عوالم قرية عجيبة تدعى “ماكوندو”. قرأتُ مصابًا بالدّهشة”.

 استمرّ اهتمام الكاتب بأدب أمريكا اللاّتينيّة على مدى سنوات، وترسخ بعد اكتشافه رائعة أخرى لـ “غارسيا ماركيز” هي “الجنرال في المتاهة”، ثم روايته التي لا تقل أهميّة، وهي “خريف البَطريَريك”، وبلغ هذا الاهتمام حدًّا جعل كثيرا من الصّحافييِّن، خلال فترة التسعينيّات، يطرحون السؤال التَّالي، وهم في حال من الاستغراب والاندهاش: “ما سرّ اهتمامك بأدب أمريكا اللاّتينيّة؟”… أو.. “ما بك تطلع علينا كلّ مرّة بمقالٍ عن “غابرييل غارسيا ماركيز؟”… وغيرها من الأسئلة. يقول الكاتب حول هذا الجانب وكأنه يجيب على الأسئلة المطروحة :”كنتُ أعرف يقينًا في قرارة نفسي أنّ الأدب يعني الذهاب في رحلة اكتشاف البعيد، والسّفر  إلى الأمكنة القصيّة حيث يوجد مِخيال مُختلفٍ، وثقافةٍ مُغايرة، بحثًا عن الآخر/ المُختلف بتجاربه التي قد تختلف عن تجاربنا، لكنه حتمًا قريب منا بنزعته الانسانيّة، وتطلّعه للسلم”.

وبخصوص أمريكا اللاّتينيّة وثقافتها وآدابها، يضيف “كان الأمر يتعلق بالذهاب نحو خيالٍ ساحرٍ، والانفتاح المُدهش، والآخّاذ على عوالم مُختلفة، وثقافة فاتنة تلاقحت فيها الأجناس والتقت المخيالات، وتنوعت المكونات، بعد أن تلاقت في لحظة تاريخيّة انصهر فيها السكان الأصليون (الهنود)، و”الكونكيستادوريس” الإسبان (الفاتحون/الغزاة) والوافدون لاحقا من الأفارقة (الزنوج)، فكوّنوا ثقافة هجينة”.

وفي فترة التسعينات خصص الكاتب الجزء الأكبر من مقالاته الأسبوعيّة الّتي كانت تصدر حينها كلّ يوم ثلاثاء بيوميّة “الخَبر” الّتِّي التحقُ بها كصحفي في القسم الثّقافي سنة 1990، ضمن ركن “قراءات في الآداب الأجنبيّة”، لأدب أمريكا اللاّتينيّة، فكتب عن الكوبيّ “أليخو كاربونتييه”، والأرجنتينيّ “خوليو كورتاثار”، والكولومبيّ “غابرييل غارسيا ماركيز”، والمكسيكيّ “أوكتافيو باث”، والبيروفيّ “ماريو فارغاس يوسا”، والبرازيليّ “خورخي أمادو”… وغيرهم. وفي هذه الفترة يوضح الكاتب “تكوّنت لديّ خلال تلك السّنوات، رؤية مختلفة عن العالم، تقوم على مدحِ فضائل التعدّد والاختلاف والهجنة، والتّعايش، والنأيِّ عن الأحاديةِ والإقصاءِ والرفضِ، وعن كل ما يتعارض مع القيم الإنسانيّة ولا يخدمها”.

 تأثر الكاتب آنذاك بأفكار التّعايش بين الثقافات، ومدح الاختلاف، فيقول “خلال تلك السنوات، كنتُ أرى أنّ العالم من حولي كان بصدد التحوّل نحو التّرويج لقيم التعدّد والتّلاقح الثقافيّين، ونبذ ثقافة الصِّدام والتَّطاحن، بعد أن انتهت سنوات التّصادم الأيديولوجي، الّتي وضعت البشريّة في حالة من “الحرب الباردة الدّائمة”، خلال ذلك اليوم المشهود 10 نوفمبر 1989، حين تابعنا سقوط جدار برلين، كحدث أعلن عن نهاية الأيديولوجيّة الشّيوعيّة”.

ويضيف الكاتب “كنتُ من أنصار مدح التَّعايش، والرّفع من شأن التَّسامح، والدعوة إلى الهجنة كعنصر مُهم في الثّقافة اللاّتينو أمريكيّة، فكان ذلك سلاحًا فكريًا، ومرجعيّةٍ حضاريةٍ، كنّا نرجع إليها، ونتكئ عليها، لكي نقف في وجه التطرّف الدّيني والانغلاق الحضاري الّذي بدأت ملامحه تبرز مع صعود عنف تيّار “الإسلام المتطرّف”.

وكان أدب أمريكا اللاّتينيّة يمدُّنا بأخبار عن المصير المأسوي للأمم الّتي غرقت في الأحاديةِ، بعد أن قضت على الاختلاف، فكان مصيرها الهلاك، والسقوط، والفاجعة… كان صوتُ أمريكا اللاّتينيّة بمثابة صوت إبداعي عن فضائل التعدّد ومساوئ الأحادية”.

يُقدّم هذا الكتاب مسار الرّواية اللاّتينو– أمريكيّة. ويسعى لاستكشاف أفق العجائبيّة والسِّحرية التي اشتهرت بها، والتي جعلت روائييّ أمريكا الجنوبيّة يتطورون إبداعيًا، وحتى فكريًا، بالنظر إلى مدى الاقتراب منها عبر المُحاكاة والاقتداء والتّقليد، أو الابتعاد عنها بالتخلّي والتجاهل وعدم الاكتراث. فعلى مدى الثّمانين سنة الماضية، تطورت هذه الرّواية في علاقتها بالواقعيّة السّحرية أو العجائبيّة. كما يبحث الكتاب في نشأة هذه “الواقعيّة السّحرية” أو “العجائبيّة” في الرّواية اللاّتينو– أمريكيّة، ويتقصىّ الأسباب التي دفعت الأجيال الرّوائيّة الجديدة للتخلّي عنها، واختيار سردّية مُغايرة.

يتألف الكتاب من أربعة فصول. خُصص أولها للتَّعريفِ بأصولِ أدب أمريكا الجنوبيّة منذ ما قبل الغزو الإسباني الّذي بدأ في 1492، بالعودة إلى أهم الكتابات الماــ قبل كولومبيّة لشعوب ثلاث حضارات عريقة عرفتها هذه القارة، وهي الأزتيك والمَايَا والأنكَا، أما الفصل الثّاني، فيتناول بروز ما يُسمى بتِّيَّار “الواقعيّة السِّحرية”، بفضل أربعة روائييّن هم الأرجنتيني “خوليو كورتاثار”، المكسيكيّ “كارلوس فوينتيس”، البيروفيّ “ماريو فارغاس يوسا”، والكولومبيّ “غابرييل غارسيا ماركيز”. وخُصِصَ الفصل الثالث لأدب ما بَعد الـ”البوم”. فمنذ مطلع السبعينيّات، برز روائيون كتبوا بشكل مغاير ومختلف ضمن أدب “الواقعيّة السِّحرية”، منذ نشر رواية “طائر الليل البَذيء” للرِّوائي التشيلي “خوسيه دونوسو”.

 أما الفصل الرابع، فتناول دراسة التِّيَّارات الأدبيَّة الجديدة التي ابتعدت أكثر عن الواقعيَّة السِّحرية، منذ مطلع الثمانينيَّات إلى غاية التسعينيَّات من القرن العشرين، والتي عرفت بــ “الماك أوندو” McOndo و”الكراك”  Crack  .

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى