تحليل النزاعات الدوليةدراسات أسيوية

الفوضي تخلق نظاماً .. فهم الصراع بين أرمينيا وأذربيجان: “لا سلام في حرب القوقاز الجديدة/ القديمة”

بافيل ك. بايف Pavel K. Baev – زميل أول غير مقيم – فورين بوليسي، مركز الولايات المتحدة وأوروبا

ترجمة: تامر نادي

ملتقى الباحثين السياسيين العرب

اندلعت، يوم الأحد 27 سبتمبر، حربا مدمرة في جنوب القوقاز، وبينما يحشد الطرفان المتحاربان – أرمينيا وأذربيجان – قواتهما وأعلنتا حالة الحرب، لا توجد قوة دولية تحاول بجدية وقف الأعمال العدائية بين الطرفين. اندلع الصراع حول منطقة ناجورنو كاراباخ “قرة باغ” المتنازع عليها منذ 30 عامًا. فكلا الدولتان من الجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفيتي المنهار.

لم يتم تعزيز اتفاق وقف إطلاق النار بين البلدين الذي كان برعاية روسيا في مايو 1994، ولم تتم عملية تسوية لحفظ سلام، واستمرت الاشتباكات طول تلك الفترة، وكان أشدها تلك التى في أبريل 2016.

في خضم الحملات الدعائية على كلا الجانبين، فإن المسألة تحتاج إلى تعميق البحث حول: لماذا يحدث التصعيد الآن؟ ما مظاهر الصراع الجديدة؟ وماذا بعد؟ الإجابات مؤقتة فقط، لكنها قد تساعد في رفع ضباب الاتهامات المتبادلة والتقارير المضللة.

توقيت الهجوم لتقليل الانتباه:
في الواقع، هذه هي ثاني موجة تصعيد هذا العام في الصراع المسدود، لكن من المحتمل أن يكون تبادل المدفعية في بقعة معينة على الحدود الأرمنية الأذربيجانية ناتجًا عن توغل عرضي من قبل دورية أذربيجانية صغيرة. هذا الصدام العرضي أعطى أذربيجان معلومات مهمة حول استعداد أرمينيا ومستوى ونوع الاستجابات الدولية، وساعد “باكو” في توقيت الهجوم المخطط له منذ فترة طويلة. لم تُأخذ القيادة الأرمنية في “يريفان” على حين غرة، لكن روسيا – القوة الخارجية الرئيسية في المنطقة – فوجأت بالأمر بكل وضوح.

منذ “الثورة المخملية” في أرمينيا في ربيع عام 2018، أصبحت موسكو غير مهتمة وتشك في حليفها الأكثر موثوقية في منطقة القوقاز الغنية بالصراعات – أى روسيا. لا يوافق الكرملين على الانتفاضات الجماهيرية التي تهدد بالإطاحة بالأنظمة الاستبدادية، ومنذ أوائل أغسطس يعاني من الاضطرابات في بيلاروسيا للتعامل معها. لقد دمرت الانتخابات المزورة الدعم الشعبي للرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، وحتى التطبيق الأكثر وحشية لقوة الشرطة لا يمكن أن يوقف التجمعات الجماهيرية، التي تصدرت فيها نساء شجاعات بشكل لا يصدق زمام المبادرة.

اكتشف إلهام علييف – الرئيس الوراثي لأذربيجان، الذي يكره الاحتجاجات في الشوارع – أن فلاديمير بوتين سيكون منشغلاً بمعضلة إنقاذ أو استبدال لوكاشينكو. كما توقع أن تجعل الثورة المخملية القادة الأرمن عديمي الخبرة أكثر مرونة في قبول التسوية، وشعر بخيبة أمل شديدة عندما أعلن “نيكول باشينيان” مرة أخرى في فبراير: “كاراباخ هي أرمينيا ، هذا كل شيء”. كما بدا من المحتمل جدًا أن يؤدي تفشي وباء الكورونا الحاد في أرمينيا (التي يوجد بها عدد من الإصابات لكل فرد أكثر من إسبانيا) إلى تضخيم حالة الإحباط وفقد الأمل المعتادة بعد الثورة، لكن الحكومة تمكنت بالفعل من الاحتفاظ بثقة الشعب الأرميني. بعد الاشتباكات المسلحة في يوليو، أقال علييف وزير خارجيته لفترة طويلة، إلمار ماميدياروف، واصفًا بحثه عن حلول سلمية مع أرمينيا بأنه “لا معنى له” ومهد الطريق لتحقيق نصر عسكري.

صنع حرب أفضل:
استعد أذربيجان لحرب جديدة، واستثمرت بدقة الكثير من عائداتها النفطية في تجهيز قواتها المسلحة بأسلحة حديثة، بما في ذلك الطائرات بدون طيار. تعتمد أرمينيا كليًا على “سخاء” روسيا في بيع الأسلحة ولا يمكنها الاعتماد، من التجارب السابقة، على توسيع الدعم المباشر في حالة الطوارئ.

يميل الميزان العسكري بشكل قوي لصالح أذربيجان، لكن الخبراء الأرمن افترضوا أن المواقع الدفاعية المحصنة ستصمد أمام قصف المدفعية وهجمات الدبابات. ما يجعل من الصعب مقاومة هذا الهجوم هو الاستخدام المكثف للقوة النارية لدعم الهجمات المنسقة في جميع الاتجاهات الاستراتيجية الرئيسية، ولضرب أهداف داخل أراضي أرمينيا.

ما أحدث فرقا أكبر هو الدعم القوي من تركيا لتحرك أذربيجان. أعربت أنقرة عن تضامنها الكامل مع باكو خلال موجة الأعمال العدائية في يوليو، والآن ارتقت بهذه المشاركة إلى مستوى جديد. وصف الرئيس رجب طيب أردوغان أرمينيا بأنها التهديد الرئيسي للسلام في المنطقة وطالب بعبارات لا لبس فيها بالانسحاب الكامل للقوات الأرمينية من ناغورنو كاراباخ.

وقال أردوغان: إن دعم “الإخوة في أذربيجان” ليس مجرد كلام: في أغسطس، أجرت الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة، والآن التقارير عن ضربات طائرات تركية بدون طيار، واعتراض مقاتلين أتراك، ووصول مرتزقة من شمال سوريا الخاضع للسيطرة التركية. تبدو معقولة بشكل مزعج.

لقد فوجئت روسيا بهذا التدخل القوي ولا يمكنها العثور على رد مقنع. اعتادت موسكو على لعب دور وسيط مؤثر بين أرمينيا (التي تعتبر حليفًا رسميًا) وأذربيجان (التي ليست كذلك)، لكن موقف تركيا جعل هذا التوزيع المتساوي بلا معنى تمامًا.

بالعودة إلى يوليو، واجه الرئيس فلاديمير بوتين القليل من المشاكل في مناقشة هذا الصراع مع أردوغان، لكنه الآن لا يزال مترددًا في إجراء تواصل معه. كان يعتقد أن تصدير الغاز الطبيعي يمنح روسيا نفوذاً، لكن البيانات الأخيرة تظهر أن تركيا قلصت هذا الاستيراد بأكثر من 40٪ هذا العام.

أصدر الكرملين بعض المناشدات غير المقنعة لوقف القتال، وأعرب وزير الخارجية سيرجي لافروف عن قلقه من التصعيد، لكن يبدو أنه لا يوجد شيء يشبه مبادرة ذات مغزى.

المفارقة المحزنة في الموقف هي أنه قبل أسبوع فقط، استعرض بوتين المرحلة الأخيرة من التدريبات الإستراتيجية “القوقاز – 2020″، والتي كان من المفترض أن تُظهر الهيمنة العسكرية الروسية على المنطقة. يبدو أن الصواريخ المنبعثة من أسطولها ببحر قزوين لا يمكن أن تثني أذربيجان عن المضي في هجومها، كما أن رفع الإمدادات العسكرية عن طريق الجو لأرمينيا سيثير التوترات مع تركيا (والتي قد يتردد صداها في سوريا، حيث روسيا – بعد خمس سنوات من العمليات القتالية – ليست جاهزة لاندلاع جديد للأعمال العدائية).

هل يمكن للحرب أن تعطي فرصة للسلام؟
يتوقع الخبراء الروس أنه بعد أيام قليلة من القتال المكثف، فإن الأعمال العدائية ستنهك نفسها وتتدهور إلى حالة الجمود المألوفة، والتي تناسب موسكو تمامًا.

إن عدم فعالية روسيا في إدارة هذه الأزمة يكشف فقط حقيقة أن الأطر الدولية الراسخة، مثل مجموعة مينسك، أصبحت عديمة الفائدة تمامًا. وإن فك الارتباط الأمريكي مؤسف بشكل خاص، ولكن من الصعب عكسه، وذلك فقط لأن الصين ليست حاضرة بشكل بارز في القوقاز لجذب الانتباه في واشنطن.

كانت آخر مرة حاولت فيها الولايات المتحدة حل هذا الصراع في أبريل 2001، عندما أحضر الرئيس جورج دبليو بوش القادة الأرمينيين والأذربيجانيين إلى “كي ويست” بولاية فلوريدا، ولم ينجح تمامًا في إقناعهم بعقد صفقة. واستكشف الرئيس باراك أوباما في عام 2010 خيارًا للمصالحة بين أرمينيا وتركيا، ولم يصل أيضًا إلى أي نقطة.

لم يحاول الاتحاد الأوروبي أبدًا التدخل، بينما شمل كلا الدولتين في مبادرة الشراكة الشرقية. فالاتحاد الأوروبي منقسم للغاية بشأن التعامل مع تركيا لدرجة أنه لم يتمكن من الموافقة على قرار بشأن بيلاروسيا لأن قبرص رفضت التوقيع ما لم تتم الموافقة على قرار بشأن الأزمة في شرق البحر المتوسط ​​في وقت واحد، والذي ثبت أنه مستحيل.

هذا الشلل هو الذي شجع أردوغان على اتخاذ سلسلة من التحركات العدوانية في السياسة الخارجية. بمنحه دعمًا لا لبس فيه لأذربيجان، ربما اختار الزعيم التركي قتالًا واحدًا أكثر من اللازم: فهو ملتزم بدعم الحكومة في طرابلس وليبيا والمتمردين في محافظة إدلب السورية؛ يقف مع قطر في الخلاف مع السعودية. ويواجه اليونان في شرق البحر الأبيض المتوسط، ​​ويعادي الهند لحساب باكستان بتصريحات حول كشمير.

بالاعتماد على التضامن التركي وسلبية روسيا، أطلق علييف مجهودًا حربيًا مكثفًا لدرجة أن الاستيلاء على قرى قليلة لن يكون كافياً لإعلانه النصر. بينما تعنمد أرمينيا فقط على قدرتها الخاصة في الدفاع ضد الهجوم الثقيل.

يمكن أن تتسع الحرب في نطاق وتستمر لأسابيع بدلاً من أيام – ولكن قد يكون هناك أمل في هذه المأساة. إذا عانى الطرفان من خسائر فادحة ووصلتا إلى نقطة الإرهاق، فيمكنهما اكتشاف دوافع لتسوية سلام حقيقية. يمكن للأطراف الخارجية تسهيل (أو التلاعب) بالبحث عن حلول وسط، ولكن الأمر متروك لأرمينيا وأذربيجان للتغلب على مأزق العداء المتبادل.

إن قبول الجار كشريك صعب – ولكن ليس عدوًا أبديًا – ينطوي على إعادة تشكيل صعبة لهوية البلد، ولكن الحرب هي مُعلم عنيف.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى