دراسات سياسيةدراسات مغاربية

الكوتا النسائية كآلية للتمييز الإيجابي لصالح المرأة (المغرب نموذجا)

بقلم صلاح الدين ياسين، باحث في العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني – الدار البيضاء ومدون إلكتروني.

أولا: الكوتا كآلية لتمكين المشاركة السياسية للمرأة

يحيل تمكين المرأة إلى كل التدابير والإجراءات والتشريعات التي تدعم إدماج المرأة في المجتمع وتطوير كفاءاتها وتعزيز مشاركتها في مختلف المجالات والميادين، بما يجعلها واعية بقدراتها وبإمكانياتها، وواثقة في نفسها. والتمكين بهذا المعنى يتجاوز رعاية النساء، إلى جعلهن مالكات لعناصر القوة النفسية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية التي تتيح لهن الإعتماد على مقوماتهن الذاتية في تحسين أوضاعهن المختلفة بصورة مستمرة والتأثير في القرارات التي تهم شؤونهن[1].

وتعد آلية الكوتا من أهم آليات التمكين السياسي للمرأة، وهي عبارة عن مصطلح لاتيني ويقصد به نصيب أو حصة (QUOTA)، ويرجع الأصل التاريخي لنظام الكوتا إلى مصطلح الإجراء الإيجابي (AFFIRMATIVE ACTION) الذي أطلق لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية على سياسة تعويض الجماعات المحرومة إما من قبل السلطات الحكومية أو من قبل أصحاب العمل في القطاع الخاص، وكان في الأصل ناجما عن حركة الحقوق المدنية واقترن بالأقلية السوداء، ثم طالبت به جماعات أخرى مثل الحركة النسائية[2]. وتبعا لذلك، تحيل الكوتا  النسائية إلى حصة أو جزء مخصص للنساء لضمان وصول عدد محدد سلفا من النساء لقبة البرلمان والمجالس التمثيلية[3].

وثمة اتجاهان يتنازعان المواقف بشأن آلية الكوتا، إذ يرى الإتجاه الأول المؤيد لها بأنها وسيلة لتجاوز مختلف المعيقات التي تحول دون تحسين أوضاع النساء السياسية والإقتصادية والإجتماعية كمدخل لتجاوز ضعف التمثيلية السياسية للمرأة في البرلمان والمجالس المحلية بشكل خاص، ولا يعتبرها رواد هذا الإتجاه تمييزا ضد الرجل بل تعويضا للمرأة عن التمييز السياسي الذي يطالها، والذي يترجمه ضعف أو انعدام حضورها في المشهد السياسي بشكل عام. بينما يؤكد آخرون على مبدأ العدالة الذي يملي تمثيل نصف المجتمع في المجالس النيابية على كافة مستوياتها، بالنظر للقيمة التي ينطوي عليها هذا التمثيل بما يضمن تعزيز كرامة المرأة[4].

غير أن اتجاها آخر يبدي معارضته للكوتا كتدبير مرحلي لتدارك الحيف الواقع على المرأة فيما يخص نسب تمثيليتها ومشاركتها السياسية، معتبرا إياه متنافيا مع مبدأ المساواة بين المواطنين، متناقضا مع مبدأ تكافؤ الفرص. فهو طبقا لهذا الرأي تدبير غير ديمقراطي، يمنح النساء حقوقا اعتمادا على النوع لا على الكفاءة. كما ثمة من يعبر عن تخوفه من أن يؤثر اعتمادها في نضال المرأة باتجاه التحسين الجذري لأحوالها، وتعزيز مشاركتها السياسية في المستقبل[5].

وتجد آلية الكوتا النسائية سندها في العديد من الإتقافيات الدولية من قبيل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1979، والتي نصت في مادتها الرابعة على ما يلي: “لا يعتبر اتخاذ الدول الأطراف تدابير خاصة مؤقتة تستهدف التعجيل بالمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة تمييزا بالمعنى الذي تأخذ به هذه الإتفاقية، ولكنه يجب ألا يستتبع، على أي نحو، الإبقاء على معايير غير متكافئة أو منفصلة، كما يجب وقف العمل بهذه التدابير متى تحققت أهداف التكافؤ في الفرص والمعاملة”.

كما أن برنامج عمل بكين الصادر عن المؤتمر العالمي حول المرأة المنعقد بالصين سنة 1995 والذي صادقت عليه 189 دولة، سار على ذات المنوال، إذ نادى بتعزيز حقوق المرأة والرجل على قدم المساواة في ممارسة العمل السياسي، وطالب بضرورة تمثيل النساء بنسبة 30 بالمائة في المجالس البرلمانية والمحلية وفي شتى مراكز القرار الأخرى، و”مراجعة التأثير المتغير للنظم الإنتخابية على التمثيل السياسي للمرأة في الهيئات المنتخبة، والنظر عند الإقتضاء في تعديل هذه النظم وإصلاحها”[6].

ويمكن التمييز بين ثلاثة أنواع من الكوتا، فثمة الكوتا القانونية أو الدستورية التمثيلية التي يتم من خلالها تخصيص نسبة محددة من المقاعد في المجالس التشريعية للنساء مثل الكوتا المطبقة في الأردن والمغرب. كما ثمة الكوتا الترشيحية التي قد تكون مقننة فتجبر الأحزاب على ترشيح نسبة محددة من النساء على قوائمها كما هو عليه الحال في فلسطين. أما ثالث صنف فهو الكوتا الطوعية التي تتبناها الأحزاب في لوائحها دون وجود نص قانوني ملزم كما هو معمول به في السويد[7].

ثانيا: واقع آلية الكوتا بالمغرب وحدود نجاعتها

بصمت المرأة المغربية على حضور سياسي متميز منذ زمن النضال ضد سلطات الحماية الفرنسية، وبعد الإستقلال وإبان الستينيات والسبعينيات. ومع بزوغ نجم الأحزاب والحركات المعارضة لاسيما ذات التوجه الإشتراكي واليساري، كانت المرأة موجودة بصفتها مناضلة وناشطة سياسية، بينما غابت بصفتها فاعلة سياسية في المجالس التمثيلية والمنتخبة حتى سنة 1993، حين تمكنت لأول مرة من ولوج قبة البرلمان ممثلة بسيدتين فقط.

وتأسيسا على ذلك، طرحت على طاولة النقاش العام مسألة ضرورة تمثيل الفئات المهمشة في المجتمع وبخاصة النساء والشباب، وضرورة توسيع مشاركتها في الهيئات المنتخبة ومناصب القرار وعلى رأسها البرلمان. وتبعا لذلك، اعتمد نظام الحصص أو ما يعرف بالكوتا، بحيث أقر المشرع تدبيرا جديدا استعيض بمقتضاه عن نمط الإقتراع الأحادي الإسم في دورة واحدة بالإقتراع باللائحة، وتم تبني نظام اللائحتين: لوائح محلية ولائحة وطنية من أجل إعطاء دفعة للحضور النسوي بالبرلمان المغربي[8]، وهو ما اعتبر ثمرة لنضال وفعالية الجمعيات النسائية في المطالبة بمراجعة قانون الإنتخابات بهدف تحسين مشاركة المرأة السياسية[9].

وعليه، فقد ساهمت آلية الكوتا في الرفع من عدد التمثيلية النسائية داخل البرلمان، فخلال الإنتخابات التشريعية لسنة 2002، تم تخصيص 30 مقعدا من أصل 352 مقعد للنساء، ليرتفع بعد ذلك العدد إلى 60 مقعدا خلال الإنتخابات التشريعية التي نظمت سنة 2011، وإلى 70 مقعدا في الولاية التشريعية الحالية حيث أضيفت 10 نساء مررن عبر لائحة الشباب. وفي السياق الحالي، ومن خلال النقاش الدائر حول القانون التنظيمي للإنتخابات المقبلة، وافقت وزارة الداخلية على إضافة ثلاثين مقعدا للنساء والتي كانت مخصصة في الإنتخابات الأخيرة للشباب ليصبح عدد المقاعد المخصصة للنساء 90 مقعدا[10].

ومن خلال توظيف المعطيات الإحصائية لرصد نسب الحضور النسائي في المؤسسة التشريعية، يبدو بأن نظام الكوتا لم يحقق النتائج المرجوة منه من حيث تقوية الحضور النسائي ورفع تمثيليته في البرلمان، بحيث ظل العدد الإجباري المنصوص عليه في الكوتا هو المحدد الأساسي لولوج المرأة إلى البرلمان. وعلى سبيل المثال، في الإنتخابات التشريعية التي نظمت سنة 2002 تمكنت خمس نساء فقط من ولوج البرلمان بشروط المنافسة نفسها مع الرجال، وفي الإنتخابات التشريعية لسنة 2007 تراجع العدد إلى أربع نساء فقط[11].

وثمة أسباب متعددة تفسر تلك التمثيلية المتدنية للنساء، فمن جهة لا يسمح نظام اللائحة للمرأة بالولوج إليها إلا مرة واحدة فقط، ولا بد من تزكية حزبها لترشحها مرة أخرى ولو أثبتت كفاءتها[12]. ومن هذا المنطلق، أبدت العديد من الفعاليات النسائية امتعاضها من تهاون وتحفظ عدد من الأحزاب السياسية إزاء المشاركة السياسية للنساء، لكونها ورغم الشعارات التي ترفعها في الحملات الإنتخابية، لا تتيح للمرأة الفرصة والشروط اللازمة لوصولها إلى البرلمان والجماعات المحلية، فالعديد من النساء لم يحظين بترؤس اللوائح الإنتخابية، وهو ما لا يتسق مع ما أحرزته المرأة من تقدم في العديد من المجالات والميادين[13].

ومن جهة أخرى، تنتقد الأحزاب لترشيحها المقربين من دوائر القرار على أساس معايير غير موضوعية، بعيدا عن تأهيل نساء قياديات يمثلن الحزب ويعكسن تطلعات واهتمامات المرأة المغربية، ويؤدين الدور المنشود منهن، وهو تصحيح الصورة النمطية للأداء السياسي للنساء في الدولة بشكل عام[14]. وتبعا لذلك، تحولت آلية الكوتا لدى العديد من الهيآت الحزبية إلى ريع سياسي، وهو ما تؤكده زهور الشقافي الأمينة العامة لحزب المجتمع الديمقراطي التي اعتبرت بأن الكوتا أفرزت ما أسمته ب”برلمان الأسرة، بحيث أفرغت تلك الآلية من مضمونها الأصلي الذي أسست من أجله في الديمقراطيات الحقيقة”[15].

وينعكس تحول الكوتا إلى ريع سياسي بالسلب على جودة الممارسة البرلمانية للنساء، حيث كشفت دراسة للجمعية الديمقراطية لنساء المغرب تحت عنوان “المشاركة السياسية للنساء من داخل قبة البرلمان” أن 69% من النساء من داخل البرلمان لا يعرفن طبيعة علاقة البرلمان بالحكومة، و50% منهن لا يستطعن تحديد علاقة البرلمان بالمؤسسات الدستورية للحكامة. وسجلت الدراسة كذلك أن نحو 40% من النساء المستجوبات لا يعرفن بالضبط طبيعة الإختصاصات المالية للبرلمان. كما كشفت الدراسة أن 22% من البرلمانيات صرحن بأنهن غير متمكنات من تقنية صياغة الأسئلة الكتابية، مقابل 17% فقط متمكنات من تقنية الأسئلة الشفوية[16].

ومع ذلك، يمكن القول بأن نظام الكوتا يبقى الحل المرحلي الأكثر مواءمة لمجتمع ما انفكت تطغى عليه العقلية الذكورية، ولا يؤمن بقدرات ومؤهلات المشاركة السياسية للمرأة بخاصة على مستوى اتخاذ القرار[17]. كما يؤكد الأستاذ الجامعي والباحث الأكاديمي عمر الشرقاوي بأن “لائحة النساء لعبت دورا كبيرا حيث تميزت فترتها بميلاد العديد من القوانين ذات الطابع النسائي، كقانون العنف ضد النساء وقانون مجلس الأسرة والطفولة ومشروع هيئة المناصفة ومشروع مكافحة التحرش الجنسي وهي قوانين حضرت فيها بشكل بارز بصمة المرأة”[18].

وتأسيسا على ما سبق، يتبين بأن الكوتا نجحت في إيجاد تمثيلية نسائية محدودة بقوة القانون داخل المؤسسة التشريعية، لكنها لم تفلح في خلق قيادات نسائية مؤهلة ولا في تغيير الأفكار النمطية التي تعتقد أن الرجل أكثر قدرة على الفعل السياسي والإنتخابي[19]. وعليه، فإن الإطار القانوني لوحده لا يكفي لتمكين المرأة، وهو ما يقتضي وضع وتفعيل سياسات اجتماعية واقتصادية وثقافية موازية لهدم التمثلات النمطية المسبقة التي ترسم نظرة دونية عن المرأة، والتي تجعلها مقصاة من التمثيل الحقيقي والمشاركة الفعلية، بسبب عدم ثقة المجتمع والأحزاب وصناع القرار بكفاءتها ومؤهلاتها لتولي مناصب القيادة[20].

الهوامش

 إدريس لكريني، “الكوطا ودورها في تمكين المرأة”، مجلة مسالك في الفكر والسياسة والإقتصاد، عدد مزدوج 23-24، 2013، ص: 491

2 مارية الشرقاوي، “الكوتا النسائية…إجحاف أم إنصاف؟”، موقع العمق المغربي، نشر بتاريخ: 21/01/2021

3 عن تقرير إخباري بعنوان: “بعد عقدين من تطبيقها بالمغرب.. هل ستحتاج النساء دائما “كوتا” التمييز الإيجابي في السياسة”، موقع الجزيرة، نشر بتاريخ: 04/02/2021

4 إدريس لكريني، الكوتا وواقع المشاركة النسائية في البرلمان بالمغرب، موقع الحوار المتمدن، نشر بتاريخ: 13/03/2009.

5 إكرام عدنني، ورقة بحثية بعنوان “الكوتا: تحدي التمكين السياسي للمرأة في المغرب”، منتدى السياسات العربية.

6 إدريس لكريني، “الكوطا ودورها في تمكين المرأة”، مرجع سابق، ص: 50.

7 مارية الشرقاوي، “الكوتا النسائية…إجحاف أم إنصاف؟”، مرجع سابق.

8 إكرام عدنني، الكوتا: تحدي التمكين السياسي للمرأة في المغرب”، مرجع سابق.

9 محمد بنهلال، المشاركة السياسية للمرأة في المغرب بين المعوقات وسبل التجاوز، المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد 29، 2011، ص:135.

10 مارية الشرقاوي، “الكوتا النسائية…إجحاف أم إنصاف؟”، مرجع سابق.

11 إكرام عدنني، “الكوتا: تحدي التمكين السياسي للمرأة في المغرب”، مرجع سابق.

12 المرجع السابق نفسه.

13 إدريس لكريني، “الكوتا ودورها في تمكين المرأة”، مرجع سابق، ص: 56.

14 إكرام عدنني، “الكوتا: تحدي التمكين السياسي للمرأة في المغرب”، مرجع سابق.

15 تقرير إخباري بعنوان “جدل الكوتا يحتدم في المغرب”، نشر بتاريخ 16/06/2016 على موقع:

Swissinfo.ch

16 إكرام عدنني، “الكوتا: تحدي التمكين السياسي للمرأة في المغرب”، مرجع سابق.

17 المرجع السابق نفسه.

18 تقرير إخباري بعنوان “جدل الكوتا يحتدم في المغرب”، مرجع سابق.

19 تقرير إخباري بعنوان بعد عقدين من تطبيقها بالمغرب.. هل ستحتاج النساء دائما “كوتا” التمييز الإيجابي في السياسة، موقع الجزيرة، مرجع سابق.

20 إكرام عدنني، “الكوتا: تحدي التمكين السياسي للمرأة في المغرب”، مرجع سابق.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى