الدبلوماسية و المنظمات الدوليةتحليل السياسة الخارجيةدراسات أسيويةنظرية العلاقات الدولية

المتغيرات التاريخية في العلاقات الروسية – الصينية 1917 -1999

 تمتد العلاقات الروسية–الصينية إلى مرحلة تاريخية توطدت وتنافرت فيها علاقات الدولتين في حقب مختلفة، حيث يشكل القرب الجغرافي، وتشابك المصالح الاقتصادية بين الدولتين ابعاداً لعلاقات سياسية أتسمت بالتعاون تارة، والتنافس والصراع تارة أخرى.

 ولا شك: إن أهم الحقائق العلمية والمسلّمات الأدبية التي لا يمكن تجاهلها أو التقاضي عنها عند دراسة أصول العلاقات الدولية عامة والسياسة الدولية منها بشكل خاص، الأهمية الكبرى التي يعلقها الباحثون على بحث ومعالجة التطور التاريخي للظاهرة موضوع الدراسة، ليتسنى لهم الوصول الى إدراك شامل وواضح لاتجاهاتها وأبعادها ومتغيراتها الاساسية، ولن نتعمق كثيراً في دراسة تاريخ العلاقات بين البلدين، أنما سنُشير إلى التاريخ بقدر ما يشكل متغير يدعم استمرارية ما جرى خلال المدة ما بين الأعوام(2000م-2012م)، أو ما ينفيه، وهنا سندرس المرحلة اللاحقة من العام 1917م، باعتبارها مؤشراً بارزاً على حصول إهتمام روسي بالعالم، وعموماً يمكن القول: بأنّ الحقبة التاريخية الممتدة من( العام 1917م إلى العام 2000م)، من تاريخ العلاقات السوفيتية-الصينية لا تتسم بطولها فقط، بل بتنوع وكثرة أحداثها.

   وعن طريق ما تقدم، فقد تم تقسيم المبحث الى ثلاثة مطالب: تناولنا عن طريقها تلك الحقبة التاريخية من العلاقات الروسية-الصينية في ظل التطورات والاحداث الحاصلة فيها، فقد تناولنا في المطلب الاول: المدة الزمنية الممتدة من(العام 1917م إلى العام 1949م)، وما شهدتها من أحداث وتطورات في العلاقات السوفيتية-الصينية، أما في المطلب الثاني تناولنا المدة الزمنية الممتدة من(العام 1949م إلى العام 1991م)، وما شهدتها من احداث وتطورات في العلاقات السوفيتية-الصينية، وأخيراً تناولنا في المطلب الثالث العلاقات الروسية-الصينية للمدة الممتدة من(العام 1991م إلى العام 1999م).

المدة الممتدة من العام 1917م إلى العام 1949م:

    أن جذور العلاقات الروسية-الصينية الحديثة تعود الى القرن التاسع عشر، أي منذ عهد القياصرة في روسيا، والاباطرة في الصين بحكم تمدد روسيا باتجاه الشرق، ووصول حدود دولتها إلى الصين، أن اندلاع الحرب العالمية الأولى كان لها تأثيراً واضح على مجريات الساحة الدولية، حيث استطاعت بعض الدول أن تستغل ظروف الحرب العالمية الأولى لتحقيق مكاسب لها، هذا ما فعلته اليابان من خلال اعلانها الحرب على ألمانيا، واحتلالها لشبه جزيرة(شانتونغ) التي كانت مستعمرة ألمانية قبل استسلام القوات الألمانية أمام اليابان، كما استطاعت اليابان من انتزاع اعتراف الصين باحتلالها لمنطقة(منشوريا الجنوبية)، أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية  فإنهّا استطاعت بموجب مقررات(مؤتمر واشنطن)* الذي دعت اليه عقب انتهاء الحرب العالمية الاولى، والذي أعطاها إمتيازات جديدة في الصين لكي يفسح المجال قبالة البضائع الأمريكية للدخول الى الصين.

  كما مثلت ثورة تشرين الأول من العام 1917م، في روسيا حدثاً، أسهم في إعادة صياغة جانب مهم من العلاقات الدولية بصورة عامة والعلاقة بين البلدين بصورة خاصة، في القرن العشرين.

    وكان لانهيار القوات الروسية في الحرب العالمية الأولى؛ بسبب إنحلال الحكومة القيصرية، وإستخدامها الأساليب الاوتوقراطية المستبدة في الحكم، الاثر الكبير في اندلاع الثورة ضد النظام القيصري، وإعلان الجمهورية، ونجاح البولشفيك في تسلم زمام الحكم، وإنهائها لحقبة تاريخية، ووضع الأسس السياسية والاجتماعية لحقبة حضارية جديدة، برز عن طريقها الاتحاد السوفيتي كأول دولة عمالية في التاريخ تطمح إلى بناء حضارة اشتراكية بديلة عن الحضارة الرأسمالية المهيمنة على العالم.

  حيث شهد العالم منذ قيام ثورة تشرين الاول العام 1917م في الاتحاد السوفيتي، سيلاً متواصلاً من الثورات والانجازات الثورية، وعلى الرغم من ان هذه الثورة كانت الأبرز والاهم في هذا العصر، إلاّ أنّها لم تكن الوحيدة في العالم، إذ شهد العالم ثورات اخرى عمت دول عالم الجنوب أو العالم الثالث، ولاسيما منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وكانت الثورة الصينية بقيادة(ماوتسي تونغ) واحدة من أبرز هذه الثورات.(2)

   ثم ظهرت في الحقبة التي أعقبت الحرب العالمية الاولى، وعلى أثر نجاح الثورة الروسية في العام 1917م، مجموعة من المثقفين الصينيين تحمل أفكاراً شيوعية أولية، مثل:(لي تشاو) و(تشن تو هسيو)، إذ عملوا على نشر الماركسية في الصين، وبتأثير الثورة الروسية حدثت في الصين حركة ثورية معادية للإمبريالية والاقطاعية، وهي حركة 4آيار في العام 1919م.(3)

   وكانت الثورة الروسية الاشتراكية التي حدثت في العام 1917م، تُعّد رسالة الخلاص بالنسبة للمثقفين الصينيين، الذين كانوا يتجاهلون أفكار ماركس* وأنجلز* بِعّدها لا تتناسب مع أوضاع الصين؛ لكونه بلداً زراعياً، في حين بِأصل النظرية الشيوعية التي نظر إليها كل من: ماركس وأنجلز فأن الشيوعية تحتاج إلى مجتمع صناعي.

  وخلال المدة ما بين  الأعوام(1920-1928م)، كانت الصين مقسمة الى قسمين: الصين الشمالية، والتي تحكم من خلال حكومة(بكين)، والصين الجنوبية التي تحكم من قبل(كانتون)، وكان تعامل روسيا في تلك المدة مع حكومة الجنوب الصيني، لكنها لم تسيئ علاقتها مع حكومة الشمال.

   وتم تأسس الحزب الشيوعي الصيني في العام 1921م، بمدينة(شنغهاي)، وفي مؤتمره الثاني الذي عقد في العام 1922م، أنضم الى الدولية الثالثة المعروفة بـــــــ(الكومنترن)*، وتنفيذاً لتعليمات الكومنترن تحالف الحزب الشيوعي الصيني مع الحزب الوطني الصيني(الكومنتانغ)، إلاّ أنه ما لبث أن وقع الخلاف بينهما، وخلال المدة الواقعة بين الأعوام(1927-1934م)، وعلى أثرها أصيب الحزب الشيوعي الصيني بضربات قاسية على يد الوطنيين الصينيين، لكنه إستطاع اجراء اتصال مع الحزب الشيوعي السوفيتي في موسكو، حيث لقي المساندة والدعم منه، وتمكن من تدريب انصاره على قيادة الجماهير وحرب العصابات، وأسس(ماوتسي تونغ) مع رفيقه(شوان لأي) جيش في منطقة صغيرة معزولة ونائية في وسط الصين هي منطقة(كيانشتي)، واقاموا فيها جمهورية سوفيتية بزعامة(ماوتسي تونغ).

  أرسل في العام 1934م، جيشاً قوامه مليون جندي للقضاء على(ماوتسي تونغ) وانصاره، والقضاء على الجمهورية التي اقامها، ووسط هذا التحدي الخطير، قرر(ماوتسي تونغ) وانصاره القيام بما عرف بـــ(المسيرة الكبرى)، حيث قطعوا نحو(10)آلاف كيلو متر من الاراضي سيراً على الاقدام ووصلوا الى المنطقة الشمالية، بعد ان سقط نحو ثلثي رجاله موتى من التعب والانهاك.

    وتمكن الشيوعيون الصينيون بمساعدة الاتحاد السوفيتي من الاستيلاء على كميات كبيرة من السلاح الياباني، اسهمت في تسهيل كفاحهم ضد قوات الحكومة الوطنية بزعامة(تشانغ كأي شيك)، حيث استطاع الشيوعيون تشكيل حكومات شعبية محلية في جميع المدن في شمال منشوريا، وباندلاع الحرب الاهلية الصينية خلال الأعوام:(1928-1937-1945-1949م)، تمكن الشيوعيون الصينيون من احراز انتصارات ضد القوات الوطنية بقيادة(تشانغ كأي شيك)، وكان أخرها في العام 1949م، التي أجبرت  قوات  كأي شيك على الانسحاب الى جزيرة فرموزا(تايوان).

   ومن ثُم أعلن الانتصار الشيوعي، وقيام جمهورية الصين الشعبية برئاسة(ماوتسي تونغ)، في الأول من تشرين الأول من العام 1949م، وبذلك فقد دخلت العلاقات السوفيتية–الصينية مرحلة جديدة، بعد اعتراف الاتحاد السوفيتي فوراً بالحكومة الجديدة وسحب اعترافه بحكومة تشانغ كأي شيك(الحكومة الوطنية)، التي انسحبت إلى فورموزا لكنها بقيت تمثل الصين في الأمم المتحدة، وكونها أيضاً عضواً دائم في مجلس الأمن، ولم يعَد الاتحاد السوفيتي يعترف بوفد الصين الوطني: كناطق بإسم دولة الصين في منظمة الامم المتحدة.(3)

 المدة الممتدة من العام 1949م إلى العام 1991م:

   اذا كانت المرحلة الاولى في تطور العلاقات الروسية الصينية قرينة بظهور الاتحاد السوفيتي، فإنّ المرحلة الثانية كانت قرينة بظهور الصين الشعبية، وتطبعها بالصبغة الشيوعية، وإنتهاءا بتفكك الاتحاد السوفيتي، وإنتهاء الحرب الباردة، وشهدت العلاقات السوفيتية-الصينية في المدة الممتدة ما بين الأعوام(1949م الى 1991م)، ثلاثة مراحل مختلفة: الأولى/الممتدة من العام 1949م، إلى العام 1960م، ويطلق عليها البعض تسمية(مرحلة التحالف)، والمرحلة الثانية/الممتدة من العام 1960م، إلى العام 1970م، والتي سميت بــ(مرحلة الخلاف)، والمرحلة الثالثة/ الممتدةمن العام 1970م، إلى العام 1991م، ويطلق عليها(مرحلة الصراع).

  المرحلة الأولى: من العام 1949م، إلى العام 1960م/ مرحلة(التحالف)، أن أنتصار الثورة الشيوعية في الصين في الاول من تشرين الأول العام 1949م، عُدّ حافزاً واضحاً للحركات الشيوعية لدى معظم الدول، وعدّه الاتحاد السوفيتي نصراً، لكونه قد حصل على حليف مهم بفضل توجهاته لدعم حركات التحرير، ونشر مبادى الشيوعية العالمية.وقد اشاد قائد الثورة الصينية(ماوتسي تونغ)، في اكثر من مناسبة بالاتحاد السوفيتي، وبثورة تشرين الأول في روسيا، ومنها قوله: (بأنهَا الثورة التي وفرت لقضية تحرير شعوب العالم امكانات واسعة، وفتحت لها طرقاً واقعية، وأنشأت جبهة جديدة للثورات ضد الإمبريالية العالمية).

    وعلى اثر ذلك، قام(ماوتسي تونغ)، بزياره الى الاتحاد السوفيتي في العام 1949م، من أجل توطيد العلاقات الثنائية بين البلدين، وقد التقى بالمسؤولين السوفييتيين، وفي مقدمتهم:(ستالين)، وكانت لهذه الزيارة اهميه كبرى على مستوى العلاقات الدولية بصوره عامه والعلاقات السوفيتية-الصينية بصوره خاصة.

   فقد ستمرت هذه الزيارة قرابة الشهرين توصل الجانبين خلالها إلى التوقيع على ثلاثة اتفاقيات في 14 شباط من العام 1950م، وهذه الاتفاقيات هي:

الاتفاقية الاولى: هي اتفاقية صداقة وتحالف ومعونه بين البلدين على المستويين: الثقافي والاقتصادي، أبرمت لمده ثلاثين عاماً، وكذلك منع الاشتراك أي من البلدين في تحالف يكون على حساب علاقات الطرفين أو احداهما، وهذه الاتفاقية موجهة ضد أي عدوان من قبل اليابان او أي دولة اخرى تنضم إلى اليابان بصوره مباشرة أو غير مباشرة.

الاتفاقية الثانية: وهي إتفاق على حل المشكلات المتعلقة بخط سكك حديد تشانغ تشون، وبورت آرثر ودالين، وتضمن الحل: قيام الحكومة السوفياتية بإعادة حقوقها على الخط مجاناً الى جمهورية الصين الشعبية عند توقيع اتفاقية الصلح مع اليابان، وعلى أبعد حد في آواخر العام 1952م، وهو التاريخ المحدد لانسحاب القوات السوفياتية من قاعدة(بورت آرثر) البحرية بشكل مشترك، وتأجيل حل قضية(دالين) الى ما بعد توقيع معاهدة السلام مع اليابان.

الاتفاقية الثالثة: منح إعتماد مالي للصين مقداره ثلاثمئة مليون دولار، لمدة خمس اعوام، وتكوين شركات صينية–سوفياتية لاستثمار النفط والمعادن في مقاطعة سين كيانغ .

    وبعد مضُي مدة صغيرة على توقيع هذه الاتفاقيات شعرت الحكومة الصينية بأنّ هناك رغبة السوفييت في الهيمنة على الصين، ولهذا عملت الحكومة الصينية على تنويع خياراتها السياسية اقليمياً ودولياً، وأبدت الصين بعد لقاء للدول الآسيوية الخمسة:(الهند، وسيلان، وبورما، وإندونيسيا، وباكستان) الذي عقد في كولومبو في 4 نيسان من العام 1954م، نوعاً من المواقف الاستقلالية إزاء الاتحاد السوفيتي، ونوعاً من التفاهم مع الدول الآسيوية الأخرى.

     من بين أسباب توجه الصين في سياستها نحو دول العالم الثالث يعود الى ماشهدته بداية الخمسينات من تصعيد في مظاهر الحرب الباردة بين مركزي الاستقطاب الدولي(واشنطن وموسكو) الى مستوى تسارع سباق التسلح النووي بينهما الى جانب الخسارة المادية والبشرية التي منيت بها الصين في الحرب الكورية(1950–1953) والتي عرقلت دخولها منظمة الامم المتحدة حتى وصفت بالدولة المعتدية بالحرب.

    وطرحت الصين على أثر ذلك فكرة(البانشا شيلا)، وهي المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، اولاً/لاحترام المتبادل للسيادة، ثانياً/وحدة الاراضي، ثالثاً/عدم الاعتداء وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، رابعاً/المساواة والمنفعة المتبادلة، خامساً/التعايش السلمي، التي تبنتها الحكومة الصينية في سياستها الخارجية والتي كانت المحور الذي قامت عليه فيما بعد ما عرف بــــــــــــ(حركة عدم الانحياز)*، والتي وقعها (شوان لأي) رئيس الوزراء الصين مع(جواهر لال نهر) رئيس وزراء الهند وآونو رئيس وزراء بورما عام1954م.

* (حركة عدم الانحياز): تأسست حركة عدم الانحياز من 29 دولة حضرت في مؤتمر(باندونغ) في اندونيسيا عام  1955م، حيث اتخذ المؤتمر قرارات مؤيدة للشعوب التي كانت تعيش  تحت سيطرة الاستعمار الغربي,  كما كانت هذه الحركة من إفرازات الحالة السياسية التي عايشها العالم في ظل واقع كان منقسم بين صراع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المعسكر الغربي من جهة والمعسكر الشرقي الاشتراكي الذي يقوده الاتحاد السوفيتي من جهة أخرى، بالإضافة إلى نتائج الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة، وكذلك بداية ثورات عارمة ضد الحالة الاستعمارية التي كانت تعيشها منطقة الشرق الأوسط في تلك الفترة الزمنية، وأول من نادى بتأسيس هذه الحركة هم رئيس الوزراء الهندي جواهر لإل نهرو والرئيس المصري جمال عبد الناصر والرئيس اليوغوسلافي تيتو.

     لقد أدى نزوع الاتحاد السوفيتي إلى الهيمنة على الصين وقناعة القيادة الصينية بأن الاتحاد السوفيتي لا يريد مشاركته في قيادة المعسكر الاشتراكي، الى محاولة القيادة الصينية تقديم نظامها السياسي لشعوب دول العالم الثالث بكونها ليست معنية بما يجري من صراع تنافسي في اطار الحرب الباردة بين الأتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، حيث كانت تجد نفسها الاقرب الى شعوب العالم الثالث منها الى اي من القوتين العظيمتين لهذا حاولت التقرب من دول العالم الثالث من اجل ايجاد علاقات دولية داعمة لها خاصة وان الصين بدأت تشعر بعزلة دولية بعد الحرب الكورية ونظرت الدول اليها بأنها الدولة المعتدية بالحرب لهذا بدأت الصين منذ العام 1954م، تقوم بدعم حركات التحرر الوطني في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية وطرحها للمبادئ الخمسة للتعايش السلمي كأساس للتعامل مع تلك الدول والتي تضمنتها المعاهدة الصينية–الهندية الموقعة في 29/4/1954 والتي أشارت الى بوادر التعاون بين البلدين باعتبارهما قوتين أسيويتين لهما ثقلهما السياسي والمعنوي في آسيا وافريقيا.

      وفي ضوء هذا التقارب الصيني–الهندي جاء عقد مؤتمر(باندونغ) في العام 1955م، إدراكاً لخطورة التوسع الأمريكي في المنطقة من خلال سلسلة الاحلاف في المنطقة، ولهذا جاءت دعوة رئيس الوزراء الهندي الراحل( جواهر لال نهرو) لدعوة الصين لحضور هذا المؤتمر لفك عزلة الصين وتقوية علاقتها مع دول العالم الثالث على حساب ارتباطها مع الاتحاد السوفيتي والشيوعية العالمية.

ومع تصعيد مظاهر الحرب الباردة في بداية عقد الخمسينات من القرن الماضي وتسارع سباق التسلح بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، واستخدامهما لأساليب الترهيب والترغيب مع الدول الاخرى، فضلاً عما شهدته هذه المرحلة من العلاقات الدولية من انتهاج الولايات المتحدة الأمريكية من سياسة الاحتواء لمنع انتشار النفوذ الشيوعي والشيوعية في  وسط وشرق أوروبا، وهو مما دفع الولايات المتحدة الأمريكية قبلها للتدخل في الحرب الكورية والتي وقعت في 25 حزيران من العام 1950م.

    وجاء تدخل الصين في الحرب الكورية في ضوء الرؤية الصينية بالتهديد لحدودها من جميع الاتجاهات تقريبا من قَبِل القوات العسكرية الأمريكية عند إندلاع الحرب، وذلك عندما عبر رئيس الوزراء الصيني آنذاك(شوان لأي): بأنّ الحرب الكورية مجرد ذريعة لغزو تايوان وكوريا وفيتنام والفلبين، فضلاً عن ذلك، فإنّ هناك أسباب أخرى دفعت الصين التدخل في الحرب الكورية، وهي: الرغبة في منع قوات الامم المتحدة من توحيد الكوريتين، مع فرض هيبة الصين العسكرية في مختلف ارجاء آسيا، وكذلك خشية الصين من استغلال الولايات المتحدة الأمريكية فرصة تواجدها على حدود الصين، والمغامرة بغزوها، وإرغام الأمم المتحدة على نقل إعترافها الرسمي من حكومة الصين الوطنية(تايوان) إلى حكومة الصين الشعبية.

     أما الموقف السوفيتي من التدخل الصيني في الحرب الكورية فقد تمثل بمناصرته لهذا التدخل لصد التدخل الأمريكي شمال خط(38) درجة شمالاً، وحذر الولايات المتحدة الأمريكية من لجوئها لاستخدام القنبلة النووية ضد الصين.

     اما نتائج الحرب الكورية، فإنّها من جهة: عززت علاقات التحالف بين الصين والاتحاد السوفيتي، أذ أخذت موسكو بدعم مصادر القوة الصينية وتحديثها، وبالمقابل إندفعت الصين نحو الاتحاد السوفيتي، والاعتماد عليه لاحتواء التهديد الأمريكي لأمنها القومي وسلامتها الإقليمية بعد ان تأكدت الحماية الأمريكية لتايوان، وضمان امنها، فضلاً عن اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية نحو تشكيل سلسلة من التحالفات الإقليمية لاحتواء وعزل الصين.

   وخلال هذه المرحلة كانت قضية فرموزا(تايوان) واحدة من أهم القضايا التي إهتمت بها الصين الشعبية في علاقاتها الدولية، كون تايوان في العام 1949م، أصبحت مقر لحكومة الصين الوطنية، وكذلك تمثل مقعد الصين الدائم في مجلس الأمن، فمنذ تشكيل حكومة الصين الوطنية في فورموزا كانت هذه الجزيرة الكبيرة(وأرخبيل الباسكادور)، جزءاً من سلسلة القواعد الأمريكية المنتشرة بين اليابان واوكيناوا في الشمال، والفلبين في الجنوب، واحتلت قوات(تشانغ كأي شيك)، وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية جزر شاطئية صغيرة اخرى، منها: جزيرتي ماتسو وكيموي اللتين تسيطران على مرفأ(فوتسو) ومرسى(آموني)، وفي مضايق تايوان(فرموزا) كانت هنالك قطعاً من الاسطول السابع الأمريكي، فعمدت الولايات المتحدة إلى تشكيل سلسلة من التحالفات الإقليمية لاحتواء وعزل الصين، خاصة بعد اسهام الصين في الحرب الكورية، وتحالفها مع الاتحاد السوفيتي، وفي ايلول من العام 1954م، بدأت المدفعية الصينية بقصف الجزر الشاطئية لإجبار حكومة الصين الوطنية على الانسحاب منها، إلاّ أنّ بعض اطراف الادارة الأمريكية حاولت اصدار امر بقصف الصين بواسطة الطيران الأمريكي، إلاّ أنّ الرئيس الأمريكي(ايزنهاور) وقف الى جانب المعارضين لهذا المقترح، وطلب من وزير خارجيته(جون فوستر دالاس)عرض موضوع توقيع معاهدة دفاع متبادل على(تشانغ كأي شيك)، واستبعاد فكرتي: القصف والحصار الشاملين للشواطئ الصينية، وهنا تشكلت رؤية صينية بخصوص مشهد مُفاده: إنّ حدود الصين من جميع الاتجاهات تقريباً مهددة بالقوات العسكرية الأمريكية.

 أما المرحلة الثانية: فهي المرحلة الواقعة ما بين الأعوام(العام 1960م، إلى العام 1970م)، أو ما يطلق عليها بــــ(مرحلة الخلاف)، وتدهور العلاقات السوفيتية-الصينية، لقد كانت طاعة الاتحاد السوفيتي والولاء له مصدر شقاء لـ(ماوتسي تونغ) منذ العام 1927م،  وتنافسه واختلافه معه بعد ذلك بثلاثين عاماً، أي في العام 1957م، كان ايضاً مصدر لشقائه، ففي العام 1957م، أرادت الصين من خلال خطة التنمية الصينية الثانية: القيام بأحداث تنمية كبرى، والتي حاولت من خلالها نقل الفلاحين الصينيين المتخلفين الى عمال زراعيين بحسب النموذج الروسي، واطلقت عليها القيادة الصينية بــ(القفزة الكبرى إلى الأمام)، إلاّ أنّ هذه القفزة منُيت بفشل كبير كان منشأها الاتحاد السوفيتي، والذي أقدم على سحب تام لجميع الفنيين الروس الذين كانوا يعملون بالصين.

  لقد وصف(ماوتسي تونغ) المساعدات التي يقدمها الاتحاد السوفيتي للصين بأنَها:(أشبه بانتزاع قطعة لحم صغيرة من بين انياب نمر)، واسهمت الخطوة السوفيتية المتمثلة باتخاذ قرار يقضي بوقف كل اشكال الدعم الاقتصادي للصين، وايقاف كل المشاريع المشتركة بينهما، مما أدى إلى تعثر في برنامج خطة التنمية الصينية. 

  أن من ابرز بوادر الخلاف التي ادت الى تفاقم الازمه، وتدهور العلاقات السوفيتية-الصينية هي: ظهور خلاف حول المعاهدة النووية السرية بين(خروتشوف) و(ماوتسي تونغ) في العام 1957م، ورفض(ماوتسي تونغ) طلب(خروتشوف)القاضي: بوضع الصين تحت قيادة الاتحاد السوفيتي في ادارة الرؤوس الحربية النووية التي سيتم إنجازها بموجب هذه المعاهدة، إذ رفض الاتحاد السوفيتي الالتزام بهذه المعاهدة التي نصت على: مساعدة الصين في برامجها النووية على صعيد الابحاث والانتاج.

   وصاحبها أقدام الاتحاد السوفيتي على توقيع معاهدة سلام بشكل منفرد مع اليابان في العام 1956م، والذي إعاد من خلالها العلاقات الدبلوماسية بينهما، وتعزيز العلاقات الاقتصادية، مما آثار الصين بشكل كبير، وتخوفها من تطور العلاقات اليابانية-السوفيتية بعيداً عنها أو على حسابها.

   كما رافق تلك الأزمة: الاهتمام السوفيتي الضئيل بأزمة مضايق تايوان في العام 1958م، والتي إفتعلتها الولايات المتحدة الأمريكية مع الصين لتعزيز وجودها في المضايق، حيث كان الموقف الأمريكي داعماً لتايوان، على عكس الموقف السوفيتي الذي إتسم بالتردد/اولاً، وعدم الحسم بنجدة الصين في حالة تعرضها إلى هجوم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية/ثانياً، اذ لم يشير الخطاب السوفيتي إلى دعم الاتحاد السوفيتي لمصالح الصين القومية في وحدة اراضيها معتبراً ذلك قضية داخلية، مما كون المسوغات للصين إلى أنّ تتصرف بمعزل عن المؤثر السوفيتي، والذي بدأت القيادة الصينية ترى فيه منافساً، ولا يتلائم مع علاقات المبادئ التي تسمو على علاقات المصالح، وهذا لم يكن بمعزل عن تأثر الحركة الصينية برؤية(ماوتسي تونغ) لتطور العالم، وتناقض الغايات النهائية للمشروع القومي الصيني مع المشروعين الأمريكي والسوفيتي في السيطرة على العالم.(2)

    واسهمت الزيارة التي قام بها(خروتشوف) لواشنطن، والتي كانت تهدف الى: تعزيز ودعم التعايش السلمي بين الغرب والشرق، الى زيادة حدة الخلاف بين موسكو وبكين، رغم قيام خروتشوف بزيارة الصين للمشاركة في احتفالات ذكرى تأسيس جمهورية الصين الشعبية في الاول من  تشرين الاول من العام 1959م، إذ لم تكن ذات فائدة كبيرة ولم تُسهم في الحد من الخلافات بين البلدين.(1) ومن الامور التي أسهمت في زيادة حدة الخلاف السوفيتي–الصيني: اعتبار الصين تراجع الاتحاد السوفيتي عن موقفه ازاء ازمة الصواريخ الكوبية في تشرين الاول من العام 1962م، هزيمة للمعسكر الاشتراكي، فقد هاجمت الصين الاتحاد السوفيتي وادانته على موقفه هذا بأقصى درجات العنف الدعائي، خلال الازمة التي أجبرت الولايات المتحدة الأمريكية فيها الاتحاد السوفيتي على سحب الصواريخ التي وضعت في كوبا لحمايتها من عدوان وغزو أمريكي محتمل وقد عدت الصين هذا التصرف السوفيتي بما أسمته بــــــــــ(سياسات اللين والمهادنة)، بل عدّتهَ إستسلام من قَبِل الروس للأمريكيين في هذه الازمة المتفجرة.

   كل ما تقدم، دفع بالعلاقات الصينية-السوفيتية نحو علاقات يسودها الخلاف وعدم الثقة، واحياناً صاحبها توترات حدودية، واشتباكات، وخلال هذه المرحلة استطاعت الصين بعد نجاح تفجيرها النووي الاول في العام 1964م، والتفجيرات اللاحقة من دخولها النادي النووي، وحيازتها للسلاح النووي، والذي اضفى عليها قوة استراتيجية مؤثرة في العلاقات الدولية، وبات لها وزنها الإقليمي والدولي، الذي يمثل تهديداً ولو آجلاً للقوتين العظيمتين، وتحررت الصين نسبياً من التهديد والابتزاز الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهتها، ومن الاعتماد في مشاكل الأمن على السوفيت غير الموثوق بهم وقد وصف احد القادة الصينيين إمتلاك الصين الأسلحة النووية بأنّه: نقطة تحول بالغة الخطورة في مجرى الحركة الشيوعية العالمية.(

   أما المرحلة الثالثة: فهي المرحلة الممتدة ما بين الأعوام(1970م-1990م) والتي غلب عليها: الصراع، فعد ان كانت العلاقات السوفيتية-الصينية في مراحلها الاولى تتسم بنوع من التفاهم والتعاون، ومن ثم حدوث خلاف في تلك العلاقة وصل الى مرحلة الصراع وإنعدام الثقة المتبادلة بين الطرفين، وعدّ احدهما للآخر العدو الاول في تغيير استراتيجي، فضلاً عن اعادة رسم سياسات وتوجهات كل طرف تجاه الطرف الآخر.

    حيث كشفت حرب الحدود السوفيتية-الصينية في آذار من العام 1969م، عمق الخلافات ومدى التباين الحاصل بين الطرفين، الى جانب تأثير هذه الحرب في مسألة(التوازن)، حيث عملت على تسريع المساعي الأمريكية لتطبيع العلاقات مع الصين لصالح دعم الموقف الأمريكي حيال الاتحاد السوفيتي.

   لقد ادرك الاتحاد السوفيتي: بأنّ الصين أصبحت عنصراً مهدداً للهيمنة السوفيتية في شرق  وجنوب شرق آسيا والعالم بشكل عام، وبذلك فقد إنصب إهتمام الاتحاد السوفيتي على احتواء ومحاصرة الصين عبر ثلاثة اساليب، هي:

1.خلق حلفاء إقليميين بشكل حيوي لدى موسكو ليقوموا بوظيفة الحصار بالنيابة.

2.نشر جزء مهم من القوات العسكرية السوفيتية على طول الحدود مع الصين قدرت بـ(30%) من القوات المسلحة السوفيتية.

3.قطع العلاقات الاقتصادية والعلمية مع الصين.

حيث، بالمقابل تعززت القناعات والرؤى الاستراتيجية لدى صانع القرار الصيني حول فكره مفادها توظيف العامل الأمريكي  للمناورة مع الاتحاد السوفيتي، وحقق التقارب الصيني مع الولايات المتحدة الأمريكية مكاسب كبيرة للصين، كان في مقدمتها: سعي الاتحاد السوفيتي إلى إزالة التوتر في علاقاته بالصين، حيث بدأت في نيسان من العام 1982م، مفاوضات مع الصين في “طشقند” أعقبتها خمس جولات تفاوضية اسفرت في العام 1984م، على توقيع أربع اتفاقيات في التعاون التجاري والعلمي والتكنلوجي والاقتصادي، وكان للتقارب الأمريكي الصيني الأثر الكبير في توفير المرونة والحرص من قبِل الاتحاد السوفيتي على الالتقاء، وفض الخلافات مع الصين، وبما يتوافق مع رغبات الزعامات الصينية، إذ مثلت هذه الاتفاقيات مؤشراً لبداية إختفاء الصراع السوفيتي-الصيني، وإحلاله بعلاقة عمل ثنائية طبيعية إلى حد كبير بين العملاقين الشيوعيين.

  وشهدت هذه المرحلة تغيراً واضحاً في سياسة الصين الخارجية، إذ غيرت فيها لهجتها تجاه الاتحاد السوفيتي الذي كانت تعّده ممثلاً للإمبريالية الاشتراكية، واندفعت معه إلى حل المشكلات العالقة بين البلدين، ولاسيما بعد تسلم(ميخائيل غورباتشوف)، زعامة الحزب الشيوعي في آذار من العام 1985م، وطرحه سياسة إعادة البناء والتفكير السياسي الجديد، وتبنيه مبادئ التعاون الدولي، وتوازن المصالح والمفاوضة والواقعية بديلاً عن الصراع، وتوازن القوى والحرب، وأدلجة العلاقات الدولية.

ويذكر إنّ الرئيس السوفيتي(غورباتشوف)، دعا في العام 1986م، إلى إقامة أمن جماعي في آسيا، ووافق على مطاليب بكين في إزالة العقبات التي تقف قُبالة تطبيع العلاقات السوفياتية-الصينية، والتي كان على رأسها: خفض التوتر العسكري على إمتداد الحدود المشتركة بين البلدين، والانسحاب من افغانستان، فضلاً عن إنسحاب القوات الفيتنامية(حليف الاتحاد السوفيتي)، من كمبوديا، كما دعا غورباتشوف إلى رسم مشروع لتعاون إقتصادي لدول المنطقة، كما أسهمت الزيارة الناجحة التي قام بها الرئيس السوفيتي(غورباتشوف) إلى بكين للمدة من(15-18)آيار من العام 1989م في دفع مسيرة العلاقات السوفيتية–الصينية الى الأمام.

لقد نجحت القمة السوفيتية–الصينية التي عقدت ببكين في العام 1989م، بإجتياز سور ضخم من الخلافات العقائدية والسياسية التي تراكمت بين العملاقين الشيوعيين طوال الأعوام الثلاثين الماضية عليها، وتمكنت: من تخفيف حدة التوتر مع الصين وإزالة مخاطر النزاعات الإقليمية في آسيا وقد كان للنظرة الواقعية والعملية للزعيم الصيني(دينغ هيسياو بينغ) دوراً فاعلاً في تجاوز الخلافات العقائدية التي توشحت بها مرحلة الصراع بين الدولتين الجارتين، إذ عادت العلاقات التجارية بينهما إلى أفضل مما كانت عليه، وولجت العلاقات السياسية والعسكرية طرقاً جديداً تعتمد التعاون والتنسيق والشراكة الاستراتيجية بينهما.

 المدة الممتدة من العام 1991م، إلى العام 1999م.

مثل تفكك الاتحاد السوفيتي وإنهيار المعسكر الاشتراكي نقطة تحول رئيسة في تاريخ  العلاقات الدولية، إذ أسقط هذا التفكك  نظام القطبية الثنائية الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية، وتمثل بارتباط مصير العالم بطبيعة العلاقات بين القطبين الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي، إذ بات العالم بأسرِه أسيراً لقرارات وسياسات وصراعات هاتين الدولتين، اللتين برزتا بعد الحرب، كقوتين: عسكرياً واقتصادياً، نفوذاً وتأثيراً على الساحة الدولية.

وشهدت الأعوام القليلة التي سبقت تفكك الاتحاد السوفيتي: تحسن تدريجي في العلاقات السوفيتية–الصينية، وأصبحت منذ مطلع الثمانينات تسير نحو الانفراج، وطي صفحات النزاع والصراع التي دامت أكثر من عقدين، إذ تجلت بوادر هذا الانفراج في الاتفاق على إجراء مشاورات سياسية بصفة دورية بين حكومتي البلدين.

   وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي، شرعت روسيا الاتحادية بوصفها الوريث الرئيسي له بتبني سياسة اصلاحية متكاملة في الداخل، والعمل على تحقيق قدر اكبر من التعاون مع دول العالم الاخرى، وسعى الرئيس الروسي(بوريس يلتسين)، ووزير خارجيته(أندريه كوزيريف)، إلى الاندماج في العالم الغربي وحضارته بغية الحصول على التكنولوجيا الغربية المتقدمة، والمساعدات الاقتصادية اللازمة لنجاح الاصلاح الاقتصادي في روسيا.

وفي عام 1993م, أعلن ما يُعرف باسم بمبادئ السياسة الخارجية الروسية الجديدة، والتي تبنت الاسس والاعتبارات الآتية:

1.ان روسيا تسعى لتحقيق تسوية سلمية للنزاعات، واحترام سيادة الدول والحدود المعترف بها.

2.لا تنظر روسيا لأي دولة على انهّا خصم أو عدو.

3.تؤيد روسيا: عدم إستخدام القوات المسلحة لأي دولة ضد اخرى إلاّ في حالات الدفاع الفردي أو الجماعي عن الدولة اذا تعرضت لهجوم مسلح على اراضيها أو ضد قواتها أو حلفاؤها.

4.دعم الجهود الدولية لتحقيق الأمن الجماعي، والعمل على منع قيام الحروب أو الصراعات العسكرية، والسعي للحفاظ على استقرار الأمن والسلم الدوليين.

    أن الرؤية الروسية للعلاقات السياسية مع الصين تنطلق من عدة اعتبارات فرضتها نتائج انتهاء الحرب الباردة، والأوضاع الموضوعية المتحققة في روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، وتحمل روسيا القسم الاكبر لأعباء هذا التفكك، كونها الوريثة الرئيسية(الشرعية، والقانونية)للاتحاد السوفيتي السابق، اذ خرجت روسيا بالحصة الأكبر من التركة السوفيتية من حيث القوة العسكرية والاقتصادية والثروات الضخمة، فضلاً عن حيازتها لمكانة الاتحاد السوفيتي السابق الدولية وموقعه في المجتمع الدولي، حيث احتفظت في عضوية المنظمات الدولية والإقليمية بما فيها العضوية الدائمة في مجلس الأمن.

  وسعت روسيا في النصف الثاني من التسعينات إلى تبني استراتيجية جديدة لتفعيل دورها الدولي، والذي تزامن مع توجهاتها لإصلاح الاوضاع الداخلية سياسياً واقتصادياً، واحتل الانفتاح الروسي تجاه الصين اولوية في اجندة السلوك الخارجي الروسي، فضلا عن الأدراك القيادي الروسي والمتمثل بالزيارات المتكررة للرؤساء الروس وكبار المسئولين إلى الصين، والتي تمخضت عن: توقيع إتفاقيات عديدة بين الدولتين، كان من اهمها: توقيع وثيقة(الشراكة الاستراتيجية للقرن الحادي والعشرين) في نيسان من العام 1996م، والقائمة على أساس: الثقة المتبادلة، والتنسيق المشترك، والتي اكسبت العلاقات الروسية–الصينية ابعاداً جديدة تمثلت في تعزيز التفاهم والتقارب الاستراتيجيين بينهما، ومعارضة البلدين لهيمنة قوة واحدة على النظام العالمي. وقد تعمق التفاهم الاستراتيجي بين الدولتين خلال زيارة الرئيس الصيني(جيانغ زيمين) إلى موسكو في نيسان من العام 1997م، حيث تم التوقيع على إتفاق يقضي بخفض القوات العسكرية على طول الحدود بين روسيا والصين وطاجكستان وكازاخستان وقيرغيزستان، والتي وصفها الرئيس الصيني بأنّها: خطوة مهمة على طريق وضع نظام أمني آسيوي.

 ويمكننا متابعة المنطلقات الادراكية التي إنطلقت منها روسيا لتطوير علاقاتها مع الصين ولعل ابرزها كانت المدركات الآتية.

 أولاً: سعي روسيا لمحو السجل الحافل بالمشكلات والقضايا العالقة مع الصين جراء إدراك مُفاده: أنّ هناك أهمية استراتيجية للعلاقات المبنية على التعاون والاتفاق والشراكة الاستراتيجية والتعاون الأمني والسياسي في القضايا ذات الاهتمام المشترك.

ثانياً: التفاهم حول المجال الإقليمي لكل دولة، إذ اعترفت روسيا: بأنّ تايوان والتبت هما جزءان لا يتجزآن من الصين، وتأكيد الصين على أن الشيشان هي جزء من روسيا.

ثالثاً: بروز إدراك مشترك: بأنّ العلاقة بين الدولتين تحقق لهما مصالحهما المنشودة بغض النظر عن المنظور الأيديولوجي للصين، والنهج الليبرالي الروسي الحديث.

رابعاً: حاجة روسيا الى السوق الصينية لاستيعاب جزء من صناعتها، وخاصة الصناعات العسكرية، والتي باتت تعاني من شبه كساد بعد انتهاء الحرب الباردة.

خامساً: بنيت السياسة الخارجية الروسية لمرحلة ما بعد الحرب الباردة على مفهوم(المصلحة القومية العليا)، والتي ترى: بأنّ روسيا قوة عظمى، وأيضاً: لامتلاكها ترسانة نووية تؤهلها إلى لعب دور عالمي، فضلاً عن حصولها على معظم الممتلكات المادية والعلمية والبشرية للاتحاد السوفيتي السابق، وبقاء الايمان المتجذر في نفوس الشعب الروسي بدولته كقوة عظمى في كل من: أوروبا وآسيا، وثاني دولة في العالم بعد الولايات المتحدة من حيث القدرات العسكرية. (2)

     وقد أدرك الروس عقم سياسة الانسياق خلف أرادة الولايات المتحدة الأمريكية، والذي تبلور  تدريجياً بعد العام 1993م، في اتجاه سياسي روسي داخلي تعمق لاحقاً، فأفصح عنه الرئيس الروسي السابق الأسبق(يلتسن)، بقوله :(إن روسيا ليست الدولة التي تقول نعم فقط)، وقوله أيضاً:(أن السياسة الروسية ترمي إلى: بناء منظومة في العلاقات الدولية، أساسها التصور: ان عالمنا متعدد الاقطاب)، وقد ساهم هذا الادراك في دفع روسيا والصين نحو تقارب اكثر إزاء بعضهما البعض، ومع قوى اخرى رافضة للهيمنة الأمريكية.

     وكانت زيارة الرئيس الروسي(بوتين)، للصين نهاية تموز من العام 2000م، والتي أكدت نتائجها: رفض البلدين لهيمنة القطب الواحد على النظام الدولي، علامة بارزة بالرغبة المشتركة في لعب دور فاعل، وبالاتجاه الذي يؤدي إلى: عودة سياسة التوازن، ورفض الانموذج الأمريكي المراد فرضه على العالم سياسياً واقتصادياً وثقافياً.

ومما تقدم، يتبين: أن التاريخ السابق على العام 2000م، كان حافلاً في دفع العلاقات الروسية-الصينية باتجاهات محددة، فالتعاون سرعان ما قاد إلى خلاف وصدَام مرحلي، إلاّ أن عمق التجربة السياسية لكا من الدولتين، جعلهما يدركان أهمية الاتجاه نحو تطوير علاقاتهما الثنائية، وهو ما تبين بعد العام 1996م، حينما دخلت الدولتان في إطار تفاهمات مشتركة تمخض عنها: اتفاقيات كان من أهمها: إتفاقية التعاون وحسن الجوار، وغيرها من صور التعاون سواء  أكان على المستوى الداخلي أم على المستويين: الإقليمي والدولي.

    ومما سبق ذكره، نرى: أن المتغيرات التاريخية التي رافقت العلاقة بين الدولتين كانت في حالة شد وجذب بحيث تراوحت العلاقة ما بين التنسيق التعاون تارة، والخلاف والصراع تارة أخرى، وفي المحصلة النهائية، وعن طريق دراسة المتغيرات التاريخية للعلاقة الروسية-الصينية خلال المدة ما بين الأعوام(1917-1999م)، نرى: أن العلاقة بين روسيا والصين تسير نحو التعاون والتقدم بالشكل الايجابي الذي يضمن للدولتين دوراً فاعلاً سواء  أكان على الصعيد الداخلي أم على الصعيدين: الإقليمي والدولي.

المصدر: رسالة ماجيستير بعنوان العلاقات الروسية – الصينية لفترة 2000-2012، من اعداد الباحثة سداد نوري جاسم العيساوي – جامعة النهرين – العراق

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى