نظرية العلاقات الدولية

المسافة السياسية لتفسير العلاقات الدولية

وليد عبد الحي

في مطلع الاربعينات من القرن الماضي وضع فرانك كلينغبيرغ ( Frank Klingberg) نموذجا هو:(Studies in measurement of the relations among sovereign states)
لقياس ما توافق الباحثون على تسميته ” المسافة السياسية” بين الدول، أي درجة التقارب بين الدول لتحديد احتمالات التصادم او التعاون، وقد اجرى الباحثون تطويرا لهذا النموذج بقدر غير بسيط ، فلو اخذنا بريطانيا والولايات المتحدة نموذجا مبسطا للتوضيح ( في كثير من الادبيات السياسية العربية يشار لبريطانيا على أنها ذيل او تابع لأمريكا) سنجد ان العلاقة بين الدولتين هي علاقة طبيعية محكومة بالمسافة السياسية بين الطرفين على النحو التالي:
1- الإرث التاريخي : فالولايات المتحدة كانت احدى مستعمرات بريطانيا، وعند دراسة سلوك المستعمرات بعد الاستقلال يتبين ان ” أغلب” المستعمرات أبقت صلاتها الوثيقة مع من استعمرها.
2- الرباط الاقتصادي : فبريطانيا هي المستثمر الأول في الولايات المتحدة( تصل الى 540 مليار دولار) كما ان الولايات المتحدة هي المستثمر الاول في بريطانيا( 750 مليار دولار)، كما أن حجم التبادل التجاري بين البلدين يصل الى حوالي 236 مليار دولار، وهناك 42 الف شركة أمريكية تصدر الى بريطانيا ، بينما تعمل سبعة آلاف وخمسمائة شركة امريكية في بريطانيا، وتحتل بريطانيا المرتبة الرابعة في الدول التي تصدر لها الولايات المتحدة، ويعمل مليون وربع المليون عامل امريكي في الشركات البريطانية.
3- النخبة الحاكمة: تعتبر نخبة الواسب(WASP) أي البيض البروتستنت من اصول انجلو سكسونية الطبقة المتنفذة في الولايات المتحدة( رغم تراجع دورهم بعض الشيء في الفترات الاخيرة)، وهذه النخبة في معظمها من اصول بريطانية.
4- الرباط اللغوي: تشكل اللغة الانجليزية احد الروابط الهامة بين الطرفين.
ذلك يعني ان البلدين يرتبطان بوشائج تاريخية واقتصادية ودينية بل ومذهبية (الاغلبية) ولغوية ، فاذا اضفنا لذلك الترابط من خلال الناتو (عسكريا) فإن الامر يكشف عن أن العلاقة لا هي ذيل ولا تبعية..أنها مصالح مشتركة تدار بعقلانية الحداثة أيا كان توصيفها الاخلاقي.
ويتم قياس المسافة السياسية التي استخدم نموذجها هنتينغتون في كتابه صدام الحضارات( دون ان يشير الى كلينغبيرغ رغم انه نقل منه نفس الرسم الذي يعبر عن المسافة) من خلال مؤشرات يتم التعبير عنها رقميا( الترابط الاقتصادي( التجارة، الاستثمار، العمالة،البورصات، المشاريع المشتركة، ..الخ) والجوار الجغرافي والروابط الآلية( بمفهوم دوركهايم) ومستويات الرشد السياسي( من خلال آليات اتخاذ القرار وطريقة اختيار البدائل..الخ) والصور الذهنية بين طرفي العلاقة( دراسة كانتريل) ثم الفارق في مؤشرات القوة عند الطرفين( القوة المادية والمعنوية وفن ادارة متغيرات القوة)، ثم يتم وضع قيم رياضية لكل مؤشر، ليتم بعد ذلك حساب المسافة السياسية بين الطرفين ، وباستخدام مصفوفة التأثير المتبادل يمكن تحديد احتمالات التعاون ، او التصادم ، او الحياد مع الآخذ في الاعتبار نتائج قياس التسارع (تقسيم فرق السرعة على الزمن).
وتشير اطروحة دكتوراة لطالب اسرائيلي عام 1994(أي قبل 26 سنة) عنوانها : Measuring the political distance between Middle East countries according to Klingberg model الى النتيجة التالية : ان المسافة السياسية بين الدول العربية ستتباعد بمقدار 33% خلال العقدين القادمين(يعني حتى عام 2015)..تُرى هل كان مصيبا في استنتاجه؟ لكم الاجابة.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى