دراسات تاريخية

المشير محمد علي فهمي.. أول قائد لقوات الدفاع الجوي المصري و”حارس السماء المحرقة”.

محمد عبدالرحمن عريف

    هو المشير محمد علي فهمي قائد عسكري مصري نال شهرة واسعة كقائد لقوات الدفاع الجوى خلال حرب أكتوبر عام 1973، وقد شغل منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية خلال المدة من أوائل شهر يناير عام 1975 وحتي أوائل شهر أكتوبر عام 1978، ثم عين بعدها مساعدًا ومستشارًا عسكريًا لرئيس الجمهورية. وفي يوم 26 مايو عام 1979 رقاه الرئيس الراحل أنور السادات إلى رتبة فريق أول وفي عام 1981 شغل بعد تقاعده منصب رئيس مجلس إدارة شركة الملاحة الوطنية للنقل الإستراتيجي، ثم في يوم 14 أكتوبر‏ عام 1993 قام الرئيس الأسبق حسني مبارك بترقيته إلى رتبة مشير تقديرًا لدوره البطولي الذي قام به في حرب أكتوبر عام 1973.

   كان المشير محمد علي فهمي هو أول قائد لقوات الدفاع الجوي المصري منذ أن أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قرارًا جمهوريًا في يوم 23 يونيو عام 1969 بفصل سلاح الدفاع الجوى عن القوات الجوية وأن تكون فرعًا مستقلًا من الفروع الرئيسية للقوات المسلحة المصرية، وشمل القرار الجمهورى تعيين اللواء آنذاك محمد علي فهمي قائدًا لهذا الفرع الجديد، وكان ذلك إيذانًا بمولد القوة الرابعة فى القوات المسلحة المصرية بقائد وقيادة منفصلة بجانب القوات البرية والبحرية والجوية.

 وقد ظل المشير محمد علي فهمي قائدًا لها أثناء حرب الإستنزاف وحرب أكتوبر عام 1973 وحتى تعيينه رئيسًا لأركان حرب القوات المسلحة المصرية في أوائل شهر يناير عام 1975 بعد وفاة المشير أحمد إسماعيل علي وزير الدفاع وتعيين المشير محمد عبد الغني الجمسي وزيرًا للدفاع خلفًا له وهو الذي كان يشغل منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية.

     ولد المشير محمد علي فهمي يوم 11 أكتوبر عام 1920 بمحافظة الجيزة وحصل على شهادة إتمام الدراسة الثانوية من مدرسة فؤاد الأول الثانوية بالقاهرة عام 1937 ثم إلتحق بالكلية الحربية وتخرج منها يوم 1 نوفمبر عام 1939 وتم إلحاقه بسلاح المدفعية متخصصًا في المدفعية المضادة للطائرات وشارك في الحرب العالمية الثانية وحرب فلسطين عام 1948.

    بعد إنتهاء حرب فلسطين إلتحق محمد علي فهمي بكلية القادة والأركان وتخرج منها عام 1951 كما شارك في حرب السويس أيام العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وعمل بعد ذلك بهيئة عمليات القوات المسلحة حتى شغل منصب سكرتير عام الهيئة برتبة عقيد ثم تولى قيادة المجموعة السادسة مدفعية مضادة للطائرات بألماظة ثم رئيس أركان حرب الفرقة الخامسة مدفعية مضادة للطائرات ثم سافر إلى الإتحاد السوفيتي وحصل هناك على دورة الأكاديمية العليا للدفاع الجوي عام 1965 وبعد عودته شغل منصب قائد الفرقة الخامسة مدفعية مضادة للطائرات، وفي أعقاب حرب الخامس من يونيو عام 1967 إستدعاه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وكلفه بوضع تصور دقيق ومدروس لمنظومة دفاع جوي متقدمة لحماية سماء مصر، وما بين عام 1968 وعام 1969 عين رئيسًا لأركان حرب الدفاع الجوي وبعدها عين كما ذكرنا في السطور السابقة وكان قد وصل إلى رتبة اللواء كأول قائد لقوات الدفاع الجوى بعد فصلها عن القوات الجوية وبتعيينه في هذا المنصب قام البطل محمد على فهمى بدراسة أسباب نكسة عام 1967 والدروس والعبر المستفادة منها، ثم أعاد تأهيل ضباط وجنود قوات الدفاع الجوى المصرى معنويًا وجسمانيًا وذهنيًا وقام بإنشاء نظام دفاع جوى جديد فى منطقة الجيشين الثانى والثالث الميدانيين بجبهة القناة وأعقب ذلك بالبدء في بناء حائط الصواريخ الذي أدى إلى إبتعاد طائرات الإستطلاع والمقاتلات الإسرائيلية شرق القناة إلى مسافات كبيرة.

   قد قال السياسي حاييم هيرتزوج الرئيس السادس لإسرائيل ما بين عام 1983 وعام 1993 فى كتابه (الجولات العربية الإسرائيلية): “لم يكن إنشاء حائط الصواريخ المصري في عام 1970 الهدف منه حل مشكلة المصريين في حماية قواتهم غرب القناة فحسب وإنما كان تحولًا إستراتيجيًا لم نفهم معناه إلا بعد 3 سنوات خلال حرب أكتوبر عام 1973”.

    أما عن ملحمة بناء حائط الصواريخ المصري المضاد للطائرات، يقول المشير محمد علي فهمي: “إنه في عام 1969 بدأ الطيران الإسرائيلي يصعد عملياته ضدنا وإستهدفت الهجمات العاصمة القاهرة والأهداف الحيوية في العمق وكان الغرض من ذلك تأليب الجبهة الداخلية وإضعاف الروح المعنوية للشعب المصرى وهز ثقته في قياداته وكسب الحرب دون معركة وعندما وصل الوضع إلى هذا الشكل تحركت القيادة السياسية وطلبت من الإتحاد السوفيتي إمدادنا بالأسلحة اللازمة لمواجهة إسرائيل وعلى وجه الخصوص الأسلحة اللازمة لقوات الدفاع الجوى والقوات الجوية حيث كانت معظم الأسلحة التي لدينا من مخلفات الحرب العالمية الثانية وحرب يونيو عام 1967 لذلك أرسل الرئيس جمال عبد الناصر نائبه آنذاك أنور السادات إلى موسكو لطلب السلاح ولم يوافق الجانب السوفيتي سوى علي جزء بسيط من الأسلحة التي طلبناها وكان في المقابل قد وصلت إلى إسرائيل أعداد كبيرة من طائرات الفانتوم والسكاي هوك الأميريكية الحديثة وهو ما شجع الإسرائيليون على المزيد من الهجمات بهدف خلق حالة تمرد في الجبهة الداخلية لإسقاط الرئيس جمال عبد الناصر وهو ما دفع القيادة السياسية إلى التحرك بسرعة فسافر الرئيس جمال عبد الناصر إلى موسكو في زيارة سرية يوم 22 يناير عام 1970 ونتج عنها الإتفاق على السلاح المطلوب وتحددت الفترة بين شهري مارس وأبريل من العام نفسه لوصول الأسلحة المطلوبة وببدء وصول هذه الأسلحة أصبح في إمكاننا التحرك لبناء حائط الصواريخ غرب القناة لحماية التجمع الرئيسي لقواتنا التي ستنفذ الهجوم وتعبر القناة فيما بعد وهو ما أثار القادة العسكريين الإسرائيليين حيث أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك الجنرال موشيه ديان أن إسرائيل لن تسمح للقوات المسلحة المصرية بتحريك صواريخ سام 3 المضادة للطائرات إلى غرب القناة، وإعتبر هذا التحرك عملًا هجوميًا ضد إسرائيل لكن هذا لم يثننا عن عزمنا وبدأنا خطة تحريك الصواريخ بالفعل”.

فهمي ومنظومة الدفاع الجوي

   في وقت قياسي إستطاع محمد علي فهمي إستكمال منظومة الدفاع الجوى سواء على مستوى الجمهورية أو في نطاق جبهة القناة والذى لعب دورًا حاسمًا في معارك حرب أكتوبر عام 1973 وقد شملت خطة تحريك حائط الصواريخ على جبهة القناة عدد ثلاث وثبات كل منها تحمي التي قبلها وقد تمت الأولى في يوم 30 يونيو عام 1970، وإقتربت الصواريخ لتصبح على بعد 50 كيلو مترًا من قناة السويس، وخلال أسبوع واحد أسقطنا 26 طائرة إسرائيلية ثم بدأنا الوثبة الثانية في شهر يوليو عام 1970 وتحرك حائط الصواريخ حتى 30 كيلوًا مترًا من القناة وحتى ليلة 7 أغسطس عام 1970 كنا قد أسقطنا 51 طائرة إسرائيلية وكانت قد طرحت مبادرة ويليام روجرز وزير الخارجية الأميريكي حينذاك التي وافق عليها الرئيس جمال عبد الناصر والتي بموجبها سيتم وقف إطلاق النار لمدة 3 شهور حتى يستوعب رجال الدفاع الجوي السلاح الذي جاء من الإتحاد السوفيتي مؤخرًا.

   في ليلة سريان قرار وقف إطلاق النار في السابع من شهر أغسطس عام 1970مكنا قد وصلنا إلي 10 كيلو مترات من قناة السويس وإكتملت بذلك الصورة التي خططناها لحائط الصواريخ وبدأ بناء المواقع المحصنة للمرة الثانية وبنينا النسق الأول ثم الثاني لتصبح على بعد كيلو متر واحد من القناة لكن هذه المواقع ظلت هيكلية أي خالية حتى تحركنا إليها في أثناء حرب أكتوبر عام 1973.

    يقول المشير محمد علي فهمي: “إنه على الرغم من تخلف الأسلحة السوفيتية التي كانت في حوذة الجيش المصري بالمقارنة مع مثيلتها مع الجيش الإسرائيلي فقد إنتصر الجندي المصري بها وأن هناك مقولة عن السلاح تقول إنه لابد من تفصيله للمهمة التي سيستخدم فيها وهو ما إستطعنا إنجازه يالفعل فالصواريخ الروسية كانت كبيرة في حجمها وظاهرة وواضحة وضوح الشمس لطائرات الإستطلاع الجوي الإسرائيلية ويسهل إصابتها وفي حرب فيتنام مثلًا كانت الطائرات الأميريكية تبحث عنها وتضربها ولذا فقد سماها الأميريكيون البط الجالس وقد جعلنا نحن من البط الجالس بطًا متحركًا أي حولنا الصواريخ الساكنة الهامدة الي أسلحة متحركة تتحرك مع القوات وتساعدهم في تقدمهم وهو ما لم يعرفه الروس أنفسهم حيث كان في كل فرقة من فرق الجيشين الثاني والثالث الميدانيين وحدات من قوات الدفاع الجوى لحمايتها أثناء تحركاتها من أي هجمات جوية معادية”.

    جدير بالذكر أيضًا أن هناك نقطة مهمة يجب توضحيها وهي كيفية التنسيق والتعاون بين قوات الدفاع الجوي والقوات الجوية التي كان يقودها اللواء حينذاك حسني مبارك خاصة أنه في معارك عديدة تفتقد الجيوش هذا التنسيق والذي حين تولى قيادة القوات الجوية كان تنظيم التعاون بين الدفاع الجوي والقوات الجوية نظامًا قديمًا جدًا من أيام الحرب العالمية الثانية ولا يصلح لحرب حديثة وكان مبنيًا على نظام تقييد النيران بمعني أنه لو كانت لدينا طائرات في الجو فلا نطلق نيرانا وهذا الكلام كان صالحًا مع الطائرات القديمة البطيئة وأعدادها القليلة أما في الحروب الحديثة والطائرات السريعة التي تهاجم بأعداد كبيرة فلا يصلح هذا الأسلوب، ولذلك يضيف المشير محمد علي فهمي: “جلست مع اللواء مبارك ووضعنا تنظيمًا جديدًا للتعاون وكانت الوثيقة التعاونية التي وصلنا إليها من الوثائق المهمة في خطة الحرب وتغلبنا فيها على مصاعب كثيرة كانت مثار خلاف بين الطيران والدفاع الجوي، وأذكر أنه حينما ذهبنا بها إلى وزير الدفاع الفريق أول آنذاك أحمد إسماعيل علي قال إنها وثيقة مهمة جدًا وأبلغنا أنها فأل حسن قبل دخول المعركة”.

    كان لعلي فهمي بعض العمليات الهامة قبل قيام حرب أكتوبر عام 1973 والتي كانت خير تمهيد لها حينما صدرت تعليمات القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية في أوائل شهر سبتمبر عام 1971 بتكليف قوات الدفاع الجوي بمنع العدو من إستطلاع القوات البرية شرق القناة، ومن ثم تم تنفيذ العملية التي أطلق عليها إسم رجب في مساء يوم 17 من شهر سبتمبر عام 1971 حيث كانت هناك طائرة إستطلاع إلكتروني ضخمة من طراز ستراتوكروزر محملة بأجهزة إلكترونية بالغة الدقة والحساسية شرق القناة تقوم بصفة دورية برصد وتحدد بدقة جميع مواقع صواريخنا وراداراتنا وأجهزتنا الإلكترونية وهي تطير على إرتفاع متوسط في خط مواز لشاطئ القناة ويبعد عنه حوالي 3 كيلو مترات وكانت مواقع صواريخنا أرض جو تبعد عن القناة من 15 إلى 20 كيلو متر وبذلك فإنها تكون خارج نطاق صواريخ دفاعنا الجوي فتم الإتفاق ما بين الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس الأركان ومحمد علي فهمي على نصب كمين لهذه الطائرة وذلك بتحريك إحدى كتائب الصواريخ المضادة للطائرات ليلًا إلى موقع يبعد حوالي 5 كيلو مترات من شاطئ القناة وتكون مهمتها إقتناص هذا الصيد الثمين عند القيام بعملية الرصد المعتادة وبالفعل تم تنفيذ هذه الخطة وفي مساء اليوم المذكور تناثرت أشلاء هذه الطائرة وأصبحت أثرًا بعد عين وتم إنسحاب الكمين سريعًا إلى موقعه الأصلي وإحتجت إسرائيل إحتجاجًا شديدًا على إسقاط هذه الطائرة الذي أدى إلى فقدانها مجموعة من خيرة ضباطها ومهندسيها وفي اليوم التالي قامت إسرائيل بهجمة جوية إنتقامية بقوة 34 طائرة تحمل كل منها صاروخين من طراز شرايك المضادة للرادارات وتم إطلاق الصواريخ الثمانية والستين على مواقع الدفاع الجوي المصري غرب القناة من مسافة تبعد حوالي 10 كيلو مترات شرق القناة خوفًا من وجود أكمنة أخرى من الممكن أن تتسبب في سقوط بعض الطائرات وأعلنت إسرائيل أنها قد دمرت قوات الدفاع الجوي في الجبهة غرب القناة ولكن كانت الخسائر المصرية لا شيء تقريبًا فلم تحدث أي خسائر تذكر في الأفراد أو المعدات حيث كان التصويب غير دقيق نظرًا للقيام به من مسافة بعيدة، وجدير بالذكر أن قوات الدفاع الجوي المصري كانت على علم بإمتلاك العدو الإسرائلي لقذائف شرايك الأميريكية، وكان يتم إعداد بعض الخطط والأساليب لمقاومتها وبإستخدامه لهذا النوع من القذائف في هذه الغارة الإنتقامية فقد أعطى قوات دفاعنا الجوي الفرصة لتجربة هذه الخطط والأساليب والوقوف على مدى فاعليتها، ومن ثم إختيار أنسبها للتعامل مع هذا النوع من القذائف مستقبلًا.

    في يوم 24 يوليو عام 1972 حاول العدو الإسرائيلي إستغلال فرصة إنهاء مهمة الخبراء السوفييت في الجيش المصري بناءًا على قرار الرئيس الراحل أنور السادات الذي صدر في يوم 8 يوليو عام 1972 ظنًا منه حدوث فراغ وإرتباك في وحداته وخاصة في مجال القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي فإقترب بطائراته من القناة إلى مسافة أكثر مما كان يسمح به قبل ذلك وفي تمام الساعة الخامسة إلا الربع مساءًا تم إسقاط إحدى هذه الطائرات والتي كانت تطير على بعد حوالي 10 كيلو مترات شرق القناة ومن يومها صدرت التعليمات لسلاح الطيران الإسرائيلي بألا تقترب الطائرات من شاطئ القناة إلى مسافة تقل عن 14 كيلو متر.

   في يوم 10 أكتوبر عام 1972 كسرت بعض الطائرات هذه القاعدة فتم إطلاق صاروخين عليها فطاش أحدهما وأسقط الآخر إحدى الطائرات وكان من الواضح أن العدو الإسرائيلي يجرب وسائل وطرق جديدة للهجوم على قواتنا خاصة وأنه حاول التشويش على راداراتنا المخصصة للإنذار والمخصصة لإدارة النيران وكانت تلك فرصة تدريبية جيدة لكلا الطرفين.

   في يوم 28 يونيو عام 1973 حاول العدو الإسرائيلي مرة أخرى أن يقترب من شاطئ القناة لمسافة 10 كيلو مترات أو أقل وتم التصدي لها وإسقاط أحداها، وبعد هذا التاريخ وحتى إندلاع حرب أكتوبر عام 1973 لم تحاول الطائرات الإسرائيلية الإقتراب مرة اخرى من شاطئ القناة حتى مسافة 14 كيلو مترات وبذلك فقد سيطرت وسائل الدفاع الجوي من الصواريخ أرض جو على سماء جبهة القناة وحتى مسافة 14 كيلو متر شرق القناة وهكذا تمت تهيئة الظروف المناسبة لتنفيذ عملية العبور في أمان تام دون التعرض لغارات سلاح الطيران الإسرائيلي.

   لقد إستمر فهمي في أعمال تطوير وسائل الدفاع الجوي حتى قيام حرب أكتوبر عام 1973 وكان لهذا الحائط الصاروخي المضاد للطائرات أثره الأكبر في سير العمليات أثناء تلك الحرب وبدا ذلك واضحًا من أول يوم وعقب 40 دقيقة فقط من إندلاع الحرب حيث شنت إسرائيل أول هجمة جوية على قواتنا غرب القناة وعلى المعابر خسروا خلالها عدد 18 طائرة وكانت هذه لحظة فاصلة في تاريخ العسكرية المصرية عندما إنطلقت الصواريخ المضادة للطائرات التي زرعت الرعب والخوف في قلوب الطيارين الإسرائيليين وإستطاع البطل فهمي القضاء على أسطورة التفوق الجوي الإسرائيلي وأطلق عليه لقب “حارس السماء المحرقة”.

   يذكر أن أحد مراقبي الهدنة قال: “إنه من كل خمس طائرات إسرائيلية كان يتم إسقاط ثلاث طائرات”، ولا ينسى التاريخ أنه في نحو الساعة الخامسة مساء يوم السادس من أكتوبر عام 1973 أي بعد ساعات قليلة من بداية عبور قناة السويس إلتقطت الأجهزة الخاصة المصرية إشارة لا سلكية مفتوحة تحمل أوامر صادرة من الجنرال بنيامين بليد قائد القوات الجوية الإسرائيلية بعدم توغل الطائرات الإسرائيلية لمسافة لا تقل عن 15 كيلو مترًا شرق قناة السويس حتى يتجنب الخسائر الكبيرة في طائراته ومعنى هذه الإشارة أن قوات الدفاع الجوي المصرية بقيادة فهمي قد نجحت بنسبة مئة في المئة في تأمين عملية إقتحام وعبور القناة والهجوم بكفاءة عالية ليلًا ونهارًا وقدمت الحماية للمعابر والكباري وقوات المشاة والمدرعات مما أتاح للقوات المصرية أن تعبر القناة في أمان تام وفعلًا بعد ساعتين من القتال توقف الطيران الإسرائيلي عن مهاجمة القوات المصرية مما شجعنا على العبور بسرعة وقد حاول الطيران الإسرائيلي مرة أخرى في مساء يوم العبور السادس من أكتوبر عام 1973 شن هجمات لمنع قواتنا من التدفق والعبور إلى شرق القناة لكنها كانت هجمات ضعيفة غير مؤثرة وبأعداد صغيرة ومني بخسائر أكبر في طائراته.

    لقد ذكر دافيد اليعازر رئيس أركان حرب الجيش الإسرائيلي إبان حرب أكتوبر عام 1973 والذي عصفت به رياح تلك الحرب بعد إنتهائها وتم عزله من منصبه بعد أن أثبتت عليه لجنة القاضي أجرانات التي تشكلت بعد حرب أكتوبر عام 1973 لبحث إخفاق جيش الدفاع الإسرائيلي خلالها تقصيره في أداء واجبه ومهماته في مذكراته التي نشرها بعد ذلك: “إن الحقائق بدأت تتضح أمامنا شيئًا فشيئًا فالإشارات تذكر أن أكثر من ثلاثين ألفًا من الجنود المصريين أصبحوا يقاتلون في الضفة الشرقية للقناة ومازالت الدبابات والمدرعات والمعدات الثقيلة تعبر الكباري وتتدفق بغزارة إلى الضفة الشرقية وذلك نتيجة شل فاعلية سلاحنا الجوي بواسطة وسائل الدفاع الجوي المصري وإن بدء التلاحم بين جنودنا والمصريين معناه أن يفقد سلاحنا الجوي فاعليته وقد أصبح مجموع ما سقط لنا من طائرات حتى الساعة العاشرة وعشر دقائق مساء يوم 6 أكتوبر عام 1973 25 طائرة ولقد أصبح القتال يسير ضاريًا شرسًا والدلائل تشير إلى أننا نواجه خطة دقيقة ومحكمة لا نعرف مداها أو أبعادها”.

    لقد وصفت مجلة أرمية العسكرية الفرنسية البطل فهمي بأنه من أبرز الشخصيات العسكرية في العالم وأحد كبار المتخصصين في النواحي الفنية العسكرية في مجال الدفاع الجوي وقال عنه هودز رئيس تحرير مجلة أسبوع الطيران وتكنولوجيا الفضاء الأميريكية “إنه مهندس معركة الدفاع الجوي في حرب أكتوبر عام 1973”.

    لقد حصل المشير محمد علي فهمي على العديد من الأوسمة والنياشين منها وسام التحرير ووسام النجمة العسكري ووسام نجمة الشرف العسكرية ووسام الشرف العسكري من دولة سوريا ووسام الملك عبد العزيز من المملكة العربية السعودية ووشاح النيل، والعديد من الأنواط والميداليات في المناسبات القومية وعلاوة على ذلك فقد ترك لنا فهمي عدد من المؤلفات المهمة منها عن الحملة الفلسطينية، وألمانيا تهديد السلام، وألمانيا بين الشرق والغرب ويتكون من جزئين. فضلًا عن كتب عن الوحدة الأفريقية والقومية الأفريقية، وتاريخ قوات الدفاع الجوي المصري.

    كانت وفاة المشير محمد علي فهمي في العاصمة البريطانية لندن يوم السبت 11 سبتمبر عام 1999 أثناء رحلة علاجية وشيع الجثمان في اليوم التالي الأحد 12 سبتمبر عام 1999 من مسجد رابعة العدوية في جنازة رسمية عسكرية وتقدم الرئيس الأسبق حسني مبارك جنازته مع الوزراء وكبار رجال الدولة وقادة القوات المسلحة وعدد كبير من ضباط القوات المسلحة يمثلون مختلف الإدارات والهيئات بالقوات المسلحة ورؤساء الأحزاب‏ وقد حمل الفقيد ملفوفًا بعلم مصر على عربة مدفع وسار خلفها حملة الأوسمة والنياشين التي حصل عليها.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى