المعركة الكبرى حتى عام 2049 : الحزام والطريق

وليد عبد الحي

كل دراسة متأنية للمشروعات الدولية الكبرى التي لها تماس بمستوى أو آخر بمنطقتنا العربية خاصة أو الشرق الاوسط بشكل عام، تشير الى ثلاثة مشروعات دولية استراتيجية هي :
أ‌- مشروع ترتيب التحلل الأمريكي التدريجي والمنظم حتى عام 2035 من الالتزامات العسكرية والسياسية المكلفة في الشرق الاوسط للتفرغ للهموم القادمة في منطقة حوض الباسيفيكي، وسيخلق هذا التحلل قدرا من الفراغ الاستراتيجي الذي ستستثمره القوى الدولية الصاعدة للمساهمة في تكييف البناء الجيواسراتيجي للمنطقة بالكيفية التي تتناغم فيها هذه البنية مع مشروعاتها.
ب‌- المشروع الروسي الخاص ببناء كتلة أوراسية ( القلب) تجعل من مجالها الحيوي يمتد في غرب آسيا حتى شواطئ المتوسط، والعمل على توظيف المنظمات العابرة للقوميات والأقاليم مثل شنغهاي والبريكس اطارا داعما لهذه الكتلة، ويزداد ثقل هذه الكتلة التي بدأت تأخذ طابعا تطوريا سياسيا واقتصاديا وعسكريا بوجود أطراف هامة مثل الصين والهند الى جوار روسيا.
ت‌- المشروع الصيني ” مبادرة الحزام والطريق”(BRI )، وهو الذي اظنه المشروع الأكير لا سيما وأن عدد سكان الدول الخمس وستين التي سيمر منها المشروع(الحزام والطريق) هو 65 دولة يشكلون 62 % من سكان العالم، بمجموع ناتج محلي يقارب 23 تريليون دولار أي ما يعادل حوالي 40% من الناتج المحلي العالمي وبحجم تجارة مع الصين يصل الى 3.2 تريليون دولار ، ناهيك عن أن المشروع الصيني سيكلف حوالي 26 تريليون ، تم انفاق التريليون الاول منها خلال الفترة من 2015 الى مطلع 2019.
وفي تقديري ان تكاتف المشروع الروسي والصيني ( دون نفي بعض التنافس بينهما) سيشكل المشهد الاقليمي في منطقتنا خلال الفترة من الآن وحتى عام 2030، بينما سيكتمل التشكل الجديد مع نهاية المشروع الصيني عام 2049 وسيمر في المنطقة العربية او الشرق الاوسط من – ايران-العراق-سوريا- تركيا( الطريق ) ومن بحر العرب- باب المندب- البحر الاحمر—قناة السويس-البحر المتوسط(الحزام).

ما هي الملامح الكبرى لانعكاسات مشروع الحزام والطريق على الشرق الاوسط ؟ :
أولا: التكاتف الروسي الصيني:
ان التكاتف الاستراتيجي الصيني الروسي لملء الفراغ الناجم عن التحلل الامريكي التدريجي والمنظم من المنطقة(المشروع الأول) سيؤدي لتغير في بنية التحالفات الاقليمية والتوجهات الآيديولوجية والثقافية ، ولعل هذا التوجه هو ما يقلق اسرائيل ويدفعها لتعمل بكل طاقتها لتكون ضمن البنية الجديدة ، وما الضغط الأمريكي لصالحها وتسارع هذا الضغط من ناحية والتطبيع العربي من ناحية ثانية وتسارعه كذلك، وتنامي العلاقات التجارية والتقنية الاسرائيلية الصينية ، والسعي لايجاد قواعد حوار دبلوماسي مع روسيا في أغلب موضوعات الشرق الاوسط إلا محاولة اسرائيلية لتوظيف البنية الجديدة القادمة بما لا يمس مصالحها الاستراتيجية، وهو أمر مرهون نجاحه او فشله بمدى ادراك دول المنطقة ومدى قدرتها على بناء خطة استراتيجية مقابلة.
ثانيا: الدور الايراني:
ستكون ايران من ضمن الدول التي ستتعزز مكانتها الاقليمية بحكم تلاقي المشروع الصيني والروسي عندها، وهو ما يتضح في تطور علاقاتها مع المشروعين في البعد الاستراتيجي بخاصة، ولعل الموقع الجغرافي لإيران وخياراتها الاستراتيجية هي التي مهدت الطريق لها لتكون بمستوى أو آخر عضوا او مراقبا في البنى التنظيمية للمشروعين( منظمة شنغهاي( منذ 2005) ودعوتها للانضمام لمعاهدة الامن الجماعي مع روسيا ودول الكومنولث المستقلة (2007)، ومنظمة البريكس ، و منتدى الدول المصدرة للغاز ، والاتحاد الجمركي الأوراسي، والاتحاد الاقتصادي الاوراسي، ومنطقة التجارة الحرة الأوراسية ، ناهيك عن المشروع الصيني مع روسيا والذي اطلق عليه اسم طريق الحرير الجليدي(ice silk road) وتداعياته..الخ من الأطر التنظيمية . ولعل هذه التوجهات تستوجب على الطرف العربي ان يدرك هذه التحولات القادمة بعيدا عن ” الثقافة السياسية الغرائزية “.

ثالثا:رد الفعل الناقد للمشروع:
ستبدأ الادبيات السياسية والاعلامية الغربية في السعي لصناعة التشكيك في المشروعين الروسي والصيني، بل ومحاولة تأجيج بعض هواجس دول المنطقة من المشروعين(بحق او بدون حق)، وقد بدأت بواكير هذه الأدبيات في الظهور ، فقد اعتبر مهاتير محمد المشروع الصيني بأنه “كولونيالية جديدة” رغم انه نفى لاحقا هذا التصريح، وفي الدول الغربية ركزت أدبياتها على وسم المشروع الصيني بأنه ” دبلوماسية فخ الديون” رغم ان شروط الصين في هذا المجال هي الايسر قياسا للدول الغربية ، وانتقدته الهند في ضوء مركزية باكستان في المشروع الصيني بخاصة ورود مشروع ” الممر الاقتصادي الهندي الباكستاني” في المشروع الصيني ، حيث رأت الهند ان المشروع ” تجاوز مبدأ السيادة”، لكن ذلك لا يتسق وتنامي العلاقات الصينية الهندية ، فقد انتقل ترتيب الصين في الشركاء التجاريين للهند من المركز 35 عام 2011 الى المركز 10 عام 2018.
رابعا: أبعاد المعركة القادمة
بدأ المشروع الصيني عام 2013، وتم الانتهاء من صياغته عام 2014، وتم نشر المشروع عام 2015 بعد تعديلات ومناقشات مستفيضة من هيئات الدولة ، بينما المشروع الروسي كان سابقا طبقا لوثائق الخارجية الروسية ، حيث بدأ بلورته من 2003، وكانت أيطاليا هي الدولة الاولى في اوربا في التوقيع على المشروع الصيني عام 2019.
لكن المناكفة والتعقيدات التي ستواجه المشروع الصيني تتمثل في بعدين:
1- التعقيدات السياسية في الدول التي سيمر منها المشروع ، فبين هذه الدول نزاعات حدود( مثل الهند وباكستان) ، ونزاعات قومية او دينية او طائفية او كل ما له علاقة بالثقافات الفرعية( مثل الدول الافريقية والعربية) ، وفي تمدد النزاعات وانتقالها عبر الحدود (مثل القضية الفلسطينية).
2- التعقيدات والأعباء العسكرية: ستضطر الصين الى ” عسكرة الطريق(البر) وعسكرة البحر( الحزام) لضمان أمن لمشروعاتها المختلفة والعاملين الصينيين في هذه المشروعات خارج حدودها وضمان استثماراتها المباشرة وغير المباشرة . ويمكن تلمس بوادر هذا التوجه في ما ينشر عن مشروعات صناعية عسكرية في باكستان لانتاج الطائرات الحربية وعن الوجود الصيني في ميناء غوادار الباكستاني الذي استأجرته شركة صينية حتى عام 2059. او وجود قاعدة عسكرية صينية في ميناء ( Hambantota ) في سيرالنكا ناهيك عن القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي، رغم ان الصين تحاول ان تواري الظلال العسكرية لمشروعها رغم ان الانفاق العسكر الصيني يتزايد بوتيرة واضحة، وسيترتب على كل ذلك بخاصة إذا تواصلت سياسة العسكرة تحت ضغط الظروف المختلفة ما يلي:
1- -التنافس مع الولايات المتحدة في اسيا ( نظرية ماكيندر) وسيتضح ذلك من خلال:
أ‌- اعادة تشكيل شبكة الاعتماد المتبادل بين آسيا وأوراسيا والشرق الاوسط وافريقيا وأوروبا وانعكاس ذلك على الولايات المتحدة
ب‌- إعادة تشكيل شبكة ممرات التجارة الدولية البرية والبحرية بكل ما لذلك من انعكاسات على الشبكات القديمة، وهو ما يترتب عليه تداعيات سياسية واقتصادية وعسكرية
ت‌- تغيير موازين القوى الاقليمية والدولية لا سيما في ظل التوجهات الصينية التي تعمل على :
1- توسيع دائرة السوق للسلع الصينية
2- جعل العملة الصينية (Renminbi) عملة عالمية وبالتالي الدخول لسوق السندات والاسهم بما يؤثر على مكانة الدولار
3- تخفيص نفقات النقل زمنا وتكلفة، وهو ما سيؤثر سلبا على بعض الدول وايجابا على دول أخرى
4- -تخفيض الرسوم الحمركية
5- تحسين الظروف الاقتصادية لغرب الصين بشكل ينعكس على المناخ الذي يربطها مع اسيا الوسطى
كل ذلك سينعكس على المركز الصين السياسي

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button