المقاتلون الأجانب والمرتزقة

إعداد / شيماء سمير * باحث فى شئون الإرهاب الدولى

يطل علينا عبر بياناتهم الجهادية المألوفة وجوهاً ملثمة وألسنة بلغات ولهجات غير مألوفة ، تحمل سيفاً وتحدثنا باسم الله ورسوله ، ألسنتهم ليست بعربية حتى وإن كان منهم من يتحدثها ولكن تغلب لهجتهم عليها ، ترى من هم ؟ ومن أين أتوا ؟ ، ولماذا أتوا؟

هل هم عناصر أجنبيه أشهرت إسلامها واتجهت إلى تيار الجماعات المتطرفة تحت اسم الجهاد ؟

أم هل أتوا لأجل مصالح خاصة وطمعاً فى الأموال التى تغدقها عليهم داعش والقاعدة وغيرهم ، وكان الدافع بحثاً عن فرص لم يجدوها فى بلادهم ؟

ترى ما الفرق بينهم وبين الجهاديين المحليين أصحاب الدولة والقضية ؟ وما هى الخطورة التى قد يمثلها هؤلاء المقاتلون الأجانب ؟

لمعرفة الإجابة على الأسئلة السابقة علينا أولاً معرفة المصدر الذى كان سبباً رئيسياً لتدفق هذا الكم من المقاتلين الأجانب ، والذى وفقاً لإحصائيات دولية من مراكز متخصصة أكدت أنه ليس بقليل .

والواقع أن هناك خلط بين المقاتلين الأجانب والمرتزقة وكلا منهما يختلف عن الآخر ، حيث تتنوع العناصر الأجنبية المشاركة فى التنظيمات الإرهابية ما بين (المرتزقة) و(المقاتلين الأجانب) ، (والمرتزق يعنى) : أى شخص يجرى تجنيده محلياً فى الخارج ليقاتل فى نزاع مسلح أو يشارك فى أعمال عدائية ، وهو ليس من رعايا أى طرف فى النزاع ولا مواطناً مقيماً يسيطر عليه أحد أطراف النزاع ، وليس عضواً فى القوات المسلحة لأحد طرفى النزاع ، ويكون ذلك بدافع مكاسب شخصية وفى الغالب تكون مكاسب مادية ، ويعد أبرز أمثلة لسماسرة المرتزقة شركة (بلاك ووتر) الأمريكية التى ساهمت بدورها فى إمداد العراق بما يقرب من 20 ألف جندى مرتزق من جنسيات متعددة عام 2004 بناء على طلب الولايات المتحدة الأمريكية .

أما المقاتلون الأجانب فيختلفون عن المرتزقة حيث يقاتلون فى الخارج نيابة عن حكومات أو هيئات ممولة تمويلاً خاصاً أو تطوعاً لأجل نصرة قضية يرونها حق أو يتم إقناعهم بمشروعيتها ، عبر وسائل التجنيد المعتادة للتنظيمات الجهادية ، وهم وفقاً لتعريف ( ديفيد ماليت) أنهم ليسوا من مواطنى دول الصراع وينضمون إلى التمرد أثناء الصراعات الأهلية ، وغالباً ما تجذبهم الأيديولوجية وليست الدوافع المادية أو المكاسب الشخصية ، ويشير ( ديفيد ماليت) إلى أن الجماعات والتنظيمات الإرهابية كثيراً ما تقدر المقاتلين الأجانب ، لأن هؤلاء المقاتلون أتوا برغبتهم دون أى مطامع وليسوا مضطرين لذلك ويكون الدافع الأيديولوجى المحرك لهم أقوى من الذين تحركهم الدوافع المادية والمصالح والمكاسب ، وبالتالى فهم أكثر استعداداً للقتال والاستهداف والاستجابة والتعلم.

فلقد كان الغزو السوفيتى لأفغانستان سنة 1979 بمثابة بداية تدفق المقاتلين الأجانب من أجل الانضمام للجهاد ، وكذلك فى أوائل التسعينات قدمت البلقان أرض خصبة للمقاتلين الأجانب خلال حرب البوسنة والصرب ، ومنها إلى كل من الشيشان والعراق ضد الاحتلال الأمريكى فى العقد الأول من الألفية الحالية على خلفية بروز تنظيم القاعدة فى أواخر التسعينات .

ولقد قدم المقاتلون الأجانب للتنظيمات الإرهابية فائدة كبرى ، خاصة فيما يتعلق بالعمليات التى يقومون بها فى دولهم بعد عودتهم ، نظراً لخلفياتهم وجوازات سفرهم التى تقلل من التدقيق الأمنى

ولقد اختلف المقاتلون الأجانب فى أفغانستان عن السكان المحليين من حيث الحماس الأيديولوجى وترددهم لقبول وقف إطلاق النار خشية الترحيل إلى بلدهم ، بينما كانت صفات المقاتلون الأجانب فى أفغانستان بعد عام 2001 على النقيض من تلك التى كانت تجاهد ضد السوفيت ، حيث كانت لديها مجموعة من الخبرات القتالية إضافة إلى مجموعة مقاتلون بجنسيات متعددة تشمل مقاتلون من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والصين والاتحاد السوفيتى السابق .

وعلى الرغم من أهمية المقاتلين الأجانب داخل التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية ، إلا أنها كانت لها بعض الآثار السلبية خاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين المقاتلين الأجانب والمقاتلين المحليين داخل التنظيم ، وعلى رأسها :

* كان المقاتلون المحليون يقاتلون من أجل دوافع عشائرية وقومية ومالية ، وهو الأمر الذى عجل بصدامهم مع المقاتلين الأجانب الأكثر أيديولوجية .

* ساهمت أعمال الجهاديين الأجانب خاصة فى العراق على خلق ردود فعل عنيفة من السكان ، خاصة القبائل السنية وأعطت زخماً لإنشاء الصحوة ، حيث كانت القاعدة فى كثير من الأحيان تنتقد القبلية ، وتشجع على تفكيك الهيكل الاجتماعى القائم لإفساح المجال لإقامة نظام إسلامى حقيقى .

* التوتر بين المقاتلين المحليين والمقاتلين الاجانب نتيجة لعدم فهم طبيعة الأرض أو الجهل بالثقافة المحلية أو اللغة واللهجة ، الأمر الذى تسبب فى إحداث مخاطر أمنية للمحليين بسبب عدم قدرتهم على الاختلاط .

* خيبة أمل التوقعات السامية لبعض المجاهدين الأجانب عن واقع الجهاد الحقيقى للتنظيم ، ففى هذا السياق علق أحد المقاتلون البريطانيون على ذلك قائلاً : لقد انقلب الجهاد كله رأساً على عقب بالنسبة لى ، فالمسلمون يقاتلون المسلمين وأنا لم آت من أجل ذلك .

ولم تكن تلك هى كل الآثار السلبية الناتجة عن اندماج المقاتلون الأجانب فى العمل الجهادى ، بل أصبحت عودة تلك المقاتلون الأجانب إلى موطنهم الأصلى بمثابة زعر للحكومات وأجهزة الاستخبارات الغربية ، نظراً للخبرات القتالية المكتسبة لتلك الفئات وسهولة حركتها وإمكانياتها تنفيذ عمليات إرهابية ، وإنشاء خلايا نائمة وتجنيد المزيد فى الغرب وتسهيل عمليات الإمداد والتمويل ، ووفقاً للدراسة المئوية لتوماس هيغامر أن المقاتلون الأجانب الأوربيون كان معدل عودتهم للغرب يشير إلى أنه عاد واحد تقريباً من كل تسعة إلى إجراء الهجوم فى الغرب ، ومع ذلك كانت تلك الهجمات أكثر فتكاً من الهجمات التى تنظوى على عناصر غير أجنبية .

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button