دراسات سياسيةنظرية العلاقات الدولية

الميكافيللية ..مدرسة في الفكر السياسي وان اختلفوا عليها

كتب صفوت جبر

الكاتب والباحث السياسي.

الميكافيللية ..مدرسة في الفكر السياسي وان اختلفوا عليها.

  اود ان ابدء مقالي بجملة شهيرة ربما سمعها العالم كله يوما ولم يعرف الكثير من قائلها او فحواها السياسي !(الغاية تبرر الوسيلة)

من هو ميكافيللي؟.

انه نيكولو دي بيرناردو دي ميكافيلي،المفكر والسياسي الايطالي الفلورنسي، المولود في فلورنسا بايطاليا عام 1469 عندما كانت ايطاليا دولة مقسمة تعاني من الحروب السياسية والدينية، لاسرة مرموقة اجتماعيا لكنه لم يكمل تعليمه مثل ابناء النبلاء من عصره.وبدء حياته مهتما بشئون بلده ومهموما باصلاحها السياسي ، حتي كتب اشهر كتاب متداول سياسيا حتي الان(الأمير) بل ويتصفحه معظم الساسة القدامي والمعاصرين لانه وضع بمنتهي الدقه والبساطة في ذات الوقت ،قواعد اللعبة السياسية في الذكاء ودهاء الساسة والتي غالبا تكون فطرية او مكتسبة عند الامراء والحكام من خلال تدريبهم علي الحكم،وبصفة خاصة في الحكم الملكي او امارات تتوارث فيه الحكم كما هو الحال في ايطاليا في عصر النهضة.

لقبه السياسيين بانه الاب الروحي للعلوم السياسية الحديثة، من خلال ماكتبه اولا عن الفضائل ثم مالبث ان تغيرت افكاره للنقيض عندما طرد وسجن واضطهاد عائلة ميدتشي له ولكتاباته جعله يصوغ افكاره بحرفية مطلقة،وقد ظهر ذلك جليا من خلال كتاب الامير وبعض الرسائل ومؤلفاته للمسرح الايطالي، فاصبحت فيما بعد كل كتاباته دليل للسياسيين . .فقد غير اتجاهه من الدعوه الي الفضيله الي مبدء اخر وهو الغايه تبرر الوسيله وان لا رحمه ولا اخلاق للوصول للهدف وقد عني بها للحفاظ علي كيان الدوله والصراع من اجل البقاء فهو كان يؤمنبان البقاء للاقوي.

 من اشهر اقواله:

(ومن أبرز أقوال ميكافيلي:” حبي لنفسي دون حبي لبلادي”، “من الأفضل أن يخشاك الناس على أن يحبوك”، “الغاية تُبرر الوسيلة”، “أثبتت الأيام أن الأنبياء المسلحين أحتلوا وأنتصروا، بينما فشل الأنبياء غير المسلحين عن ذلك.)لذلك كانت افكار ميكافييلي منهاج للحركة الصهيونية العالمية،ليس فحسب بل بعض الحركات والثورات التحرريه اتخذت من اقوال  نيكولا ميكافيللي دستورا لتغيير اوضاعهم بالقوة حسب ماذكره في الاطروحات وكتاب الامير.وفي الحقبة الاستعمارية كانت اوروبا كلها تتخذ من مدرسة ميكافيللي عن نظرية القوة والحفاظ علي الدولة نبراسا لحفظ عروشهم.واذا ما تمعنا في الاحداث السياسية والارهاب الدولي وهو العنف والعنف المضاد ايا كانت اهدافه تتبع الاسلوب الميكافيللي في ان الغاية تبرر الوسيلة، واذا ما تحدث كاتب هذا المقال عن رائيه الشخصي فيما يخص الحركات الاسلامية نفسها داخل مجتمعاتهم الاسلامية، نجد انهم اتبعوا نفس الاسلوب وواقعية ميكافيللي، فهم قد يقتلوا مسلمين او مسيحيين بحجة انهم يسعوا الي الافضل او نشر الدين الصحيح من وجهة نظرهم  فنجد علي سبيل المثال لا الحصر ان داعش تقتل الاف المسلمين تحت مسميات وشعارات و اوهام نشر الفكر السلفي في المجتمعات الاسلامية،ومن قبلهم كانت الحروب الدينية في ايرلندا ومازال في اليمن صراع دامي بين حركات تنطلق من مسميات دينية كلها تعمل بالمبدء الميكافيللي بأن الغاية تبرر الوسيلة.

بل والاشمل والاعم ان كل الممالك والامبراطوريات القديمة كانت تجيد استعمال هذا النهج السياسي وهو لا اخلاق في السياسة او الغاية تبرر الوسيلة، قبل ان يولد نيكولا ميكافيللي بالاف السنين، لكن ميكافيللي هو من اصاغها بشكل علمي متفرد، ولم يخشي الحكم علي افكاره من الحكام بل واجههم بالحقيقة..فهو يستحق التقدير علي صياغته للفكرة التي طالما يجيدها بعض الانظمة تحت مسميات اخري علي استحياء ، وقد يكون منها نظام التقية او النفعية باستغلال الدين او نشر الديموقراطية وحقوق الانسان..

ف الميكافيللية لها اشكال عديدة تعيش بيننا بل ونعمل بها في حياتنا اليومية بكل اريحية بل ونبرر لها ايضا..؟

مراحل تطورالفكر السياسي وصولا للميكافيللية.

  مما لا شك فيه ان الفكر السياسي القديم والحديث هو اللبنة الاساسية لبناء الدول، وهو من ساهم في نشأة الدول بل وفي تشكيل سمات وبنيان الدولة ذاتها اذا ما اكتملت عناصرها من ارض وشعب وحكومة، فيري كاتب هذه السطور ان الفكر السياسي يشكل سيادة الدولة الواقعية والمعنوية لدي الشعوب، ولابد له من منهج علمي يتوافق عليه الحكام والا اصبحت طبوغرافية الشعوب في مهب ريح خلافات الدول وبالتالي فان البقاء للاقوي والاجدر علي صياغة افكاره في شكل سياسي يضمن للدولة استمراريتها وتوهجهها.

  منذ القدم ظهرت افكار سياسية ذا قيمة عليا نستمد منها طاقتنا كشعوب حتي الان ولنا في الصين ومصر وايران و المانيا واليابان علي سبيل المثال لا الحصر، افكارا واراء سياسية تبين لنا كيف ان للفكر السياسي المتميز يخلق شعورا وجدانيا للشعوب تتوارثه الاجيال وكأنها جينات وراثية تتحكم في العقل الجمعي للشعوب. هناك ثقافات قديمة و اجتهادات تعد اللبنة الاساسيه لمحاولة فهم وادراك معاني خاصة بالمجتمعات الانسانية وتكوينها وتقنين العلاقة بين الفرد ومجتمعه من خلال منظومة مجتمعية،كان لمحاكاة تكوين الشخصية دخل فيها وهي حب السلطه والقياده والنفوذ  وهو ما اطلق عليه فيما بعد “السياسة” .

 فان السياسه كعلم ومفهوم واسع المجال ومرتبط بكل العلوم،ورغم ان المجتمعات البدائية حكمتها ظروف سياسية معينة بدءت منذ عصر تكوين الامبراطوريات ،الا ان التعريف الحقيقي للسياسه بدء مع الثقافه الهلينيه القديمه في اليونان وحروب اثينا واسبرطة اعتمادا علي ما انتهت اليه الحضارة المصرية القديمة بل وتم الربط بين الافكار السياسية الفرعونية والهلينية،مما حذا بالمفكرين الاغريق لبحث عميق في الفكر السياسي وبلورة جميع افكارهم عن فكرة نشأة الدوله وبناء انظمة الدولة وعناصرها،وكان لمركزية الدولة المصرية وتمددها الجغرافي نبراس احتذت به اثينا ،ولربما هذا ما اتاح لنا معرفة جوانب كثيرة عن دول وممالك وامبراطوريات ربما لم يكن لها وجود الي وقتنا الحاضر ،لكن العلم والتاريخ والثقافه والنقل اتاح لنا معرفة كل ماهو متعلق بحياه الانسان السياسيه ومفهوم ونشأة الدول، فالتاريخ اثبت ان المفكرين الفلاسفة ماتوا ولكن افكارهم مازالت تعيش بل ندرسها ونحللها الي وقتنا الحالي.

فمن المفكرين الفلاسفه القدامي في مختلف الحضارت كالفرعونية والصينية والهندية والبابلية من عكسوا لنا مرءاة حضارتهم من خلال كتابات وملاحم تحكي لنا واقعهم السياسي،ومع التقدم البشري انذاك وظهور الحضاره اليونانيه بدء الكثير من المفكرين امثال ارسطو وافلاطون وسقراط وثيوسيدوس وفيثاغورث قد اصاغوا بشكل علمي بعض النظريا التي معمول بها سياسيا حتي الان، ،فالاحداث السياسيه داخل المجتمعات وفي كل العالم هي ذاكره في عقول مفكريها ومختزله مجتمعيا وقد تبرز ملامح المجتمع وسيكولوجية الشعوب في مدي استقبال الافكار المناسبه لمجتمعهم، فما يناسب هذه البيئة ربما لايتناسب مع بيئة مجتمعية اخري!

مرت الحضاره الانسانيه بكل مراحل تطور العلاقات الدولية والسياسية، وارتبط الدين بالسياسة حتي الان رغم تقوقع هذا الارتباط في دول اوروبا العلمانية، الا ان وفي كل مره مع ظهور الديانات السماوية كانت مناهج السياسة الاقليمية شبه متغيرة،حتي وصل العالم كله الي عصر النهضه وظهور تغيرات جذريه في شتي العلوم والافكار ونهايه اخر معقل من معاقل الظلام العالمي وهو تحرر الدول الاوروبية من دور الكنيسة وتغلغلها في صنع الاطار العام للسياسه الدوليه،والتي بدورها تسببت في اكبر صراع دموي قد حدث في تاريخ البشريه في وسط  اوروبا وقد راح ضحيتها اكثر من 8 مليون شخص في حروب دينية طاحنة في القرني ال16/17.

فعندما ولد المفكر والسياسي الفيلسوف برنادو دي ميكافيللي 1469 وانتشار افكاره حول نظريته السياسية عن (التنظير الواقعي والصراع السلطوي وكتاب الامير) الذي صاغ افكاره بجدارة مستحقة،و التي قد اصبحت فيما بعد منهاجا لمعظم السياسيين علي مختلف الثقافات والبيئات المجتمعيه، حتي سنحت الفرصة  وانتهت الحروب الدينيه بموجب اتفاقية ويستفاليا 1648 وعلي اثرها تم الفصل بين الكنيسة والدولة وسارت نظريته عن الواقعية السياسية محل تقدير وتطبيق علي ارض الواقع بل وتم بعض الاضافات عليها عندما تبناها مفكرين اخرين ومازالت تتطور الي يومنا هذا في ظل النظام العالمي الجديد.

ورغم انتقاد واختلاف البعض مع مبادىء وبعض الافكار الغير اخلاقية في الفكر الميكافييللي وارسائه لمبدء الغاية تبرر الوسيلة(وان كانت لا اخلاقية) في صراع القوة او السلطة،  الا انه اخذ في صياغه مفهوم تحليل القوه وكيف ان الغاية تبررر الوسيله هي ليست بدافع التسلط والنفوذ فقط للحكام !  ولكن للحفاظ علي الامن المجتمعي الداخلي من وجهة نظره الفلسفية ،فهو كان يعتقد بأن لكل نظام سياسي ضحايا من اجل بقاء الاقوي ،فهو من خاض الازمة السياسيه اللااخلاقيه التي حدثت مع عائلة ميدتشي في فلورنسا بايطاليا،ورغم انه ابن النبيل المحامي الذي لم يكمل دراسته الا انه كان حاد الذكاء السياسي و بدء في كتابه الاشهر في عالم السياسه(الامير) وهو سجين يبحث عن الحريه،ورغم انه مات مغضوب عليه من البابا بسبب افكاره عن القوه والتحليل السياسي انذاك الا انه دفن في الكنيسة التي رفض البابا ان يستقبله فيها!!! فقد اصبح المبدء الميكافيللي وتطبيق نظريته عن القوه اسلوب منهجي لمعظم دول اوروبا الحديثه،حتي اثناء الحروب العالمية كانت نظريه التنظير الواقعي الميكافيللية هي السائدة ولو انها توارت بعض الوقت لصالح نظريات اخري،الا ان التاريخ يعاود ويذكرنا دائما ان البقاء للاقوي وان الغاية تبرر الوسيلة له ضحايا، لكنه قد يحمي اخرين بنفس المنطق، فهذه غرائب السياسة ، والتي منها استحدث قوانين الضربات الاستباقية او الوقائية في مواثيق الامم المتحدة، وللعجب ان دولة الكيان الاسرائيلي ميكافيلية النزعة قد استخدمت هذه القوانين الاممية في شن حرب 1967 علي مصر وسوريا والاردن وفلسطين، وبالاخري ضربت وقتلت اطفال مدرسة بحر البقر تحت سمع وبصر العالم الذي لم يحرك ساكنا.

اعتكف بعض الساسة وعلماء النفس علي محاولة اثبات ان النظرية الواقعية او نظرية تحليل القوة لنيكولا ميكافيللي عكست كل اوضاع الواقع الاوروبي حينذاك،نعم فقد عكست مرءاة الاستعمار  والاحتلال القسري للدول كل معاني واطروحات ميكافيللي. حتي ان نظامنا العالمي الحالي احادي القطبية مازال يستخدم تلك النظرية الواقعية في استخدام القوة وفرض الامر الواقع في كل مكان، و مهما حاول مفكرين اخرين التقليل منها او اعتبارها نظريه غير اخلاقية فهو اعتبر ان لا اخلاق في السياسة او الوسيلة لطالما الغاية هي تحقيق نفع مادي او معني حفاظا علي قوة الدوله وحماية مواطنيها.

اذن لا معني لما يروجه البعض عن الشفافية والديموقراطية ذات الانياب الميكافيلية..!

صفوت جبر

الكاتب والباحث السياسي

16 ابريل 2021

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى