دراسات أمنية

الميليشيات المسلحة: عوامل الظهور، المخاطر والمعالجات

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ ألمانيا  وهولندا

 إعداد وحدة الدراسات والتقارير 

1- مكافحة الإرهاب ـ الميليشيات والدول الهشة، عوامل وأسباب الظهور

أصبحت الميليشيات ظاهرة متنامية في الشرق الأوسط تهاجم المصالح والبعثات الأجنبية داخل الدول وتتسبب في تفكيك وتقسيم الدول وتهدد أمنها القومي. وتعد بعض القوى الإقليمية والدولية الداعم الرئيسي لتسليح وتمويل الميليشيات التي رسخت نفسها كقوة صانعة للقرار في بلدانها لا سيما في إفريقيا وأفغانستان والعراق واليمن ولبنان.

الدول الفاشلة وظهور الميليشيات

الدولة الفاشلة : هي دولة تتميز بضعف قدرة الدولة أو ضعف شرعية الدولة مما يترك المواطنين عرضة لمجموعة من الصدمات.
الميليشيات : هي جماعة منظمة لديها هيكل تنظيمي محدد وقيادة منظمة للعمل خارج سيطرة الدولة باستخدام القوة لتحقيق أهدافها السياسية وتستخدم العنف لتحقيق أهدافها. فهي بشكل عام جيش أو منظمة قتالية أخرى تتكون من جنود غير محترفين أو مواطنين من دولة أو رعايا دولة.

تقول “كورين دوفكا” خبيرة منطقة الساحل في منظمة “هيومن رايتس ووتش” في 18 نوفمبر 2021 إن هذه الجماعات “تستغل بذكاء الانقسامات على أسس عرقية واقتصادية ودينية لكسب المزيد من المجندين.. لقد تغلبوا على جيوش المناطق وتغذوا على الجغرافيا الصعبة والحكم الضعيف والفاسد في كثير من الأحيان”.

عوامل ظهور الميليشيات في الدول الهشة: 

الصراعات المحلية والإقليمية وضعف الدولة

شهدت بورما اضطرابات منذ الصراع على السلطة في فبراير 2021 ما أدى إلى ظهور ميليشيات غير رسمية في 14 أغسطس 2022.

ومنذ ظهور الأزمة الانتخابية في إفريقيا الوسطى في ديسمبر2016 تلقت سلطات أفريقيا الوسطى تعزيزات أمنية عديدة من قبل ميليشيات “فاغنر” التي يبلغ عددهم في 16 سبتمبر 2021 حوالي (2000) مرتزق في البلاد يقاتلون بجانب القوات الحكومية منذ بداية العام 2022.

أما مالي فما زالت تعاني من حالة عدم الاستقرار منذ عام 2012 والتي أدت إلى تنامي تنظيم “داعش” داخل البلاد .  أكد تحالف من ميليشيات موالية للحكومة  في 10 سبتمبر 2022 إن أعضاء في جماعة تابعة لتنظيم “داعش” نفذت هجوم إرهابي على بلدة في منطقة ينتشر بها عدم الاستقرار والصراعات على الحدود مع بوركينا فاسو والنيجر.

الطائفية الدينية والعرقية

توجد في لبنان (18) طائفة معترفاً بها رسمياً في لبنان واعتاد اللبنانيون مشاهد من الصراع الطائفي. وكانت قد تشكّلت عبر عقود خارطة ميليشيات مذهبية وطائفية ومتشابكة وذلك بالتزامن مع تصاعد المخاوف في لبنان من تكرار سيناريو الحرب الأهلية خصوصاً أن التحالفات الطائفية المبنية على أساس ديني ما زالت تتحكم في المناخ السياسي ما تسبب في العديد من الأزمات الاقتصاديّة والمالية التي تمر بها لبنان.

لا تزال ليبيا بدون حكومة واحدة لها سلطة على البلاد بأكملها بعد سنوات من اندلاع الاضطرابات التي بلغت ذروتها في الإطاحة بمعمر القذافي ووقعت بعض عناصر الجماعتين المتنافستين على اتفاق لتقاسم السلطة برعاية الأمم المتحدة لكن البعض الآخر لا يزال يعارضه ولا يزال السلام بعيد المنال. إن الميليشيات التي تعمل في جميع أنحاء البلاد، والتي يُعتقد أن عددها يقارب (2000)، هي التي تطلق الفوضى.

بدأت الأقليات العرقية كأقلية “الهزارة” في أفغانستان في 22 يونيو 2021 بالبحث عن ميليشيات للدفاع عن مناطق “الهزارة” ضد حركة طالبان وتنظيم داعش خاصة بعد انسحاب القوات الأميركية وحلف شمال الأطلسي (الناتو) من أفغانستان. واعتمدت أقلية “الهزارة” على ميليشيات “فاطميون الأفغانية” التي شكلتها إيران في سوريا وأرسلت جزءاً منهم إلى اليمن، و بلغ عددهم (800) في سبع مناطق في أفغانستان تحت مسمى “مجموعات الحماية الذاتية” ما أتاح لإيران موطئ قدم في أفغانستان.

تشهد الساحة الإثيوبية عمليات حشد لقوات خاصة وميليشيات من عدد من المناطق إلى إقليم “تيغراي” لدعم العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات الحكومية حيث تنقسم البلاد إلى (10) ولايات إقليمية على أسس عرقية تتمتع بالحكم الذاتي إلى حد كبير. فيما يملك كل إقليم قوات خاصة بالإضافة إلى ميليشيات محلية تتشكل في الغالب من مزارعين تشبه إلى حد كبير وحدات الحراسة.

سياسات التهميش وسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية

أدى تهميش القوات والمؤسسات الحكومية في العراق إلى تصاعد حدة الاضطرابات وتصاعد الصراع بين المليشيات للسيطرة على مؤسسات الدولة منذ عام 2003 و م ابعد الانسحاب الأمريكي من العراق عام 2011 وأدت تلك الصراعات إلى سوء تقديم الخدمات للمواطنين واستحواذ الميليشيات والجماعات القبلية على عائدات الجمارك من ميناء “أم قصر” العراقي على الخليج، وكذلك سيطرت الميليشيات المدعومة من إيران في العراق على قطاعات مثل الخردة المعدنية وابتزاز الشركات مقابل توفير الحماية. وتتسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية إلى تنامي أنشطة تجنيد واستقطاب الميليشيات لآلاف الشباب ومنهم من يتم تجنيدهم قسرا لكونهم أقل تكلفة من الكبار، وغالباً ما يتم استخدامهم كمقاتلين وطهاة وحمالين وسعاة ولأغراض التجسس وتوصيل الرسائل وحمل المواد وتنفيذ هجمات إرهابية.

التمويل الخارجي والداخلي

رحب وزير الدفاع الإسرائيلي “بيني غانتس” في 7 يونيو 2022 بقرار حكومته بتقديم منح سكنية لمقاتلين في ميليشيا لبنانية كانت تتلقى تمويلاً وتدريباً من الجانب الإسرائيلي خلال الحرب الأهلية اللبنانية، واصطفت إسرائيل إلى جانب الميليشية التي كان بعضهم من أفراد وحدات انشقت عن الجيش اللبناني ووفرت لها السلاح والدعم والتدريب. وفي تطور آخر شهد غرب السودان دعم قبلي للميليشيات ومواجهات قبلية ونزاعات عنيفة على الأراضي أو المياه واتهمت ميليشيات التي انضم عدد كبير من أفرادها إلى قوات الدعم السريع بارتكاب أعمال العنف في 12 مارس 2022.

لعبت إيران دوراً كبيراً في تأزم الصراع في اليمن عن طريق دعم الحوثيين مادياً وعسكرياً . وكان قد حدد مجلس الأمن في  مارس 2022، إن إيران هي المصدر الرئيسي للأسلحة التي تهربها لميليشيات الحوثيين في اليمن وغيرهم في المنطقة، وأكد أن مصدر آلاف منصات إطلاق الصواريخ والأسلحة الآلية وغيرها التي ضبطها الأسطول الأميركي في بحر العرب هو ميناء تابع للأسطول الإيراني في جنوب شرقي إيران. ودوماً ما تنفي إيران صلتها بالميليشيات في المنطقة، ففي 24 أغسطس 2022 نفت إيران أن يكون لها أي صلة بجماعات استهدفتها ضربات جوية أمريكية داخل الأراضي السورية وأن إن المواقع التي قُصفت لا صلة لها بطهران.

تدعو قرارات مجلس الأمن دوماً إلى نزع سلاح الميليشيات لضمان استقرار الدول فعلى سبيل المثال تدعو القرارت (1559 و 1680 و 1701) بوضوح إلى حل ونزع سلاح جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، وذكرت الأمم المتحدة أنه يجب نزع سلاح الميليشيات وأن إبقاء سلاح الميليشيات خارج سيطرة الدولة يحد من قدرة لبنان على ممارسة سيادته الكاملة وسلطته على أراضيه. ‪ملف: حزب الله في أوروبا ـ لماذا أوروبا لاتضع الحزب بالكامل على قائمة الحظر ؟

الحرس الثوري نموذج

يمثل الحرس الثوري ذراع  إيران إيران القوي في الداخل والخارج، وتنتشر في الشرق الأوسط لا سيما في سوريا ولبنان.

يذكر أن الحرس الثوري الإيراني قد تأسس بعد قيام “الثورة الإيرانية” و أصبح منذئذ قوة عسكرية وسياسية واقتصادية كبيرة بالإضافة إلى سيطرته على قوات “المقاومة” شبه النظامية (الباسيج). ويعد “فيلق القدس” هو الذي يقع تحت إشراف الحرس الثوري والمرشد الإيراني خامنئي ويتولى تنفيذ مهام حساسة في الخارج مثل تقديم الأسلحة والتدريب للميليشيات المقربة من إيران.

يقود الحرس الثوري شبكات لتهريب النفط وغسيل الأموال لتسهيل تمويل وكلائه في المنطقة ففي 25 مايو 2022 كشفت الولايات المتحدة الأمريكية عن عقوبات جديدة على إيران تستهدف شبكة دولية لتهريب النفط وغسيل الأموال بقيادة مسئولي فيلق القدس التابع للحرس الثوري. تلك الشبكات سهلت بيع ما قيمته مئات الملايين من الدولارات من النفط الإيراني لكل من الحرس الثوري والجناح العسكري لحزب الله، وعملت الشبكة كعنصر حاسم في زيادة عائدات النفط الإيرانية فضلاً عن دعمها الميليشيات التي تعمل بالوكالة في المنطقة.

يدعم الحرس الثوري الإيراني العديد من المليشيات في المنطقة لتهديد وزعزعة استقرار الدول في المنطقة استقدمت الميليشيات الإيرانية التي يدعمها “الحرس الثوري” من الأراضي العراقية في 19 فبراير 2021 منصات إطلاق صواريخ ونشرتها في قاعدة “الإمام علي”. ويعد إطلاق الصواريخ من تحت الأرض هي إستراتيجية سبق وأن تطرق “الحرس الثوري” للحديث عنها في عدة مناسبات، بينما طبقتها الميليشيات التابعة له في العراق من خلال استهداف المواقع العسكرية التابعة للتحالف الدولي وللحرس الثوري الإيراني وجود كبير في سوريا منذ عام 2011 حيث أرسل مئات الجنود لتقديم المشورة وتدريب الميليشيات الموالية للحكومة.

يحتفظ الحرس الثوري بعناصر له في السفارات الإيرانية عبر العالم وهذه العناصر هي التي تقوم بتنفيذ العمليات الاستخباراتية وتقيم معسكرات التدريب كما تساهم في تقديم الدعم لحلفاء إيران في الخارج. تم الإعلان عن تأسيس “وحدة 400” التابعة لفيلق القدس لتكون مركز تنسيق العمليات الخارجية ولعبت هيئة مكافحة التجسس (الوحدة 1500) وهيئة العمليات الخاصة (الوحدة 4000) في استخبارات “الحرس الثوري” الإيراني دورا بارزا في التخطيط لعمليات اغتيال القنصل الإسرائيلي السابق في إسطنبول وثلاث سائحات إسرائيليات عبر ثمانية أعضاء بـ”الحرس الثوري” في تركيا. 

2- الميليشيات في الدول الهشة، المخاطر والتهديدات

سمحت العديد من دول المنطقة بدمج مقاتلي الميليشيات داخل مؤسساتها المدنية والعسكرية وأصبحت تلك المليشيات تتمتع بعلاقات وروابط قوية مع بعض عناصر قوات الأمن الرسمية. وأصبح لها نفوذ واسع داخل الأجهزة الأمنية والمدنية لتحقيق مكاسب سياسية والتوغل إلى داخل الدوائر والوكالات الحكومية، وغالباً ما تتورط الميليشيات في عمليات قتالية وتهريب للبشر ما يفسد سمعة المؤسسات الرسمية ويضعف من عملها.

مخاطر دمج الميليشيات في مؤسسات الدولة

ليبيا

اتفق طرفا الصراع في ليبيا على دمج الميليشيات في مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية وخروج “المرتزقة” والقوات الأجنبية من ليبيا في 18 يونيو 2022. وتأتي عملية دمج الميليشيات في القوات المسلحة الليبية في إطار خطة شاملة لمعالجة ملف المليشيات وفقا لشروط العمل في القوات المسلحة الليبية ومن خلال لجنة التجنيد العسكرية، وذلك بأن يتم تفكيك المليشيات وإدماجهم بشكل فردي في الجيش الوطني الليبي بشرط ألا يحمل أي فكر متطرف ولا يتبع لتنظيم “داعش” أو “القاعدة” وعدم صدور أي حكم قضائي ضده في جميع الجهات العسكرية في 21 مارس 2021.

اليمن

 الحوثيون حركة سياسية دينية اجتماعية مسلحة تأسست عام 1992 وباتت تتخذ رسميا اسم “أنصار الله”، وتمت تسميتهم بالحوثيين نسبة إلى مؤسسهم حسين الحوثي الذي قتل في 2004 ووالده المرشد الروحي للحركة بدرالدين الحوثي. وبدأ الحوثيون في 2014 حملة توسعية وضعوا يدهم خلالها على معظم معاقل النفوذ للقوى التقليدية في شمال اليمن، لاسيما آل الأحمر زعماء قبائل حاشد النافذة، وسيطروا على صنعاء في 21 سبتمبر  2014 . سيطروا ايضا على دار الرئاسة وحلوا البرلمان ومؤسسات الدولة وفرضوا الإقامة الجبرية على الرئيس عبدربه منصور هادي الذي تمكن من الفرار إلى مدينة عدن الجنوبية وأعلنها عاصمة مؤقتة. رتباط الحوثيين بإيران إذ تملك الحركة الحوثية ،وإن ارتباطهم بإيران ازداد بشكل كبير في السنوات الأخيرة.

سوريا

أعدت  بعض الأطراف القليمية والدولية  قوائم من أكثر من (40) ألف مقاتل ينتمون إلى ميليشيات وأُنشئت مراكز تجنيد في سوريا بالتعاون بين عسكريين روس وسوريين وميليشيات في محافظات عدة أبرزها في دمشق وريفها وفي حمص. ومنذ نهاية 2019، أرسلت تركيا وروسيا آلاف المقاتلين السوريين كمرتزقة لصالح أطراف تدعمها كل منهما في ليبيا. وتشير التقديرات إلى أن المجندين ينضوون في “الفرقة 25 المهام الخاصة” والفيلق الخامس، وتشترط روسيا أن يكون المجندون تلقوا تدريبات عسكرية من القوات الروسية وشاركوا في القتال إلى جانبها في سوريا وأن يكونوا من أصحاب الخبرة في حرب الشوارع. تتنافس الدول في استقطاب وتجنيد مقاتلي الميليشيات عبر تقديم إغراءات مادية لهم، ففي سوريا يترواح راتب الجندي السوري بين (15و35) دولاراً بينما وعدت القوات الروسية المجندين للالتحاق في الميليشيات التي تدعمها في سوريا براتب شهري يعادل نحو (1100) دولار أميركي، كما يحق للمقاتل تعويض قدره (7700) دولار في حال الإصابة.

لبنان

حزب الله، سبق الوجود التنظيمي لحزب الله في لبنان  والذي يؤرخ له بعام 1982 وجود عقائدي يسبق هذا التاريخ، وكانصعود خميني للحكم عام 1979 دافعا قويا لنمو حزب الله، وذلك للارتباط المذهبي والسياسي بين الطرفين.جاء في بيان صادر عن الحزب في 16 فبراير  1985؛ أن الحزب ملتزم بأوامر ولاية الفقيه. معظم أفراد الحزب هم من اللبنانيين  المرتبطين مذهبياً، بمرشد الثورة علي خامنئي  ويعتبر  حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، الوكيل الشرعي لخامنئي؛ هذا الارتباط الأيديولوجي والفقهي بإيران سرعان ما وجد ترجمته المباشرة في الدعم السريع والمباشر من إيران وعبر حرسها الثوري للحزب.

العراق

كشف “البنتاغون” في 15 فبراير 2022 أن المليشيات الإيرانية في العراق لديها نفوذ واسع داخل الأجهزة الأمنية العراقية وتستفيد من أموال دافعي الضرائب. وأفاد “البنتاغون” أن إيران والميليشيات المتحالفة معها ما زالت تتمتع بعلاقات قوية مع بعض عناصر قوات الأمن العراقية التقليدية، وخاصة الشرطة الفيدرالية العراقية وقوات الطوارئ وكذلك الفرقتان الخامسة والثامنة في الجيش العراقي.

تنفي إيران باستمرار الاتهامات الموجهة إليها بدعم الميليشيات في المنطقة، فنفت طهران اتهامات واشنطن لها بأنها قدمت الدعم لهجمات على القوات الأميركية في العراق وسوريا. وأكدت الحكومة الإيرانية أن إى ادعاء ينسب إلى إيران في أي هجوم يُنفذ ضد أفراد أو منشآت أميركية في العراق خطأ في الحقيقة ويفتقر إلى الحد الأدنى من متطلبات الصحة والدقة.تسعى الميليشيات إلى تحقيق مكاسب سياسية والتوغل إلى داخل الدوائر والوكالات الحكومية، فعلى سبيل المثال سيطرت بعض الميليشيات على هيئة الطيران المدني في العراق وعلى مناولة الأمتعة في مطار بغداد واستهداف الشركات والأشخاص.

وتجني الميليشيات دخلاً من مجموعة من المصادر والأنشطة التجارية غير المشروعة وتسمح سيطرتها المتزايدة على عناصر في الحكومة والمؤسسات العراقية باستغلال عائدات نقاط التفتيش ومراقبة الحدود في 12 أبريل 2021.أشار “أليكس ألميدا” مستشار الأمن الإقليمي في شركة “هورايزون كلاينت أكسس” في 30 أغسطس 2022 إلى أن الاقتتال بين الميليشيات في العراق أدى إلى تدمير البنية التحتية، وتسبب في كوارث إنسانية وتورط البلدان في نزاعات طويلة الأمد ومعقدة.زادت ميزانية رواتب الميليشيات في العراق سنوياً من (1.3) تريليون دينار عراقي (1.1 مليار دولار) في عام 2018 إلى (3.5 ) تريليون دينار عراقي في عام 2021، وتنفق الحكومة العراقية الآن (2%) من الناتج المحلي الإجمالي على قواتها المسلحة غير الرسمية. هذا لا يشمل الأموال التي تجنيها الميليشيات من التهريب والابتزاز، بالإضافة إلى أن الكثير من هذه الميليشيات ليسوا موالين للدولة في 19 يونيو 2021.

السودان

بدأ الجيش السوداني في 16 يناير 2022  تطبيق الترتيبات الأمنية المنصوص عليها في اتفاقية السلام الموقعة  لدمج الميليشيات، فتشمل القوة المشتركة في المرحلة الأولى (3300) عنصر تحت قيادة ضباط من القوات المسلحة وتضم (1500) جندي من قوات الدعم السريع ومثلها من الميليشيات بواقع (300) مقاتل من كل حركة. وذلك على الرغم من تورط بعض الميليشيات في عمليات نهب لممتلكات تركتها بعثة الأمم المتحدة، ما جعل هناك مخاوف من عدم القدرة على ضبط تحركاتها في ظل السيولة السياسية والأمنية في البلاد.

الكونغو

نص اتفاق بين الحكومة الكونغولية وميليشيا “إم23″على دمج مقاتلي الميليشيا في صفوف الجيش على الرغم من أن الميليشيا هي واحدة من أكثر الميليشيات التي تنشط في شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية في 19 يونيو 2022،  وتعد ميليشيا “إم23” من أخطر الميليشيات ومعظمها من أفراد ينتمون إلى عرقية “التوتسي”.

نشوب صراعات تهدد الأمن القومي

تهدد الميليشيات الأمن القومي للبلاد من خلال نشوب صراعات بين بعضها البعض، ففي ليبيا تشارك عدة فصائل وميليشيات في الصراع على السلطة، الأمر الذي أدى إلى اشتباكات عنيفة  في 27 أغسطس 2022 نتج عنها أضرار جسيمة تهدد المؤسسات الحكومية، مما أثار مخاوف من اندلاع حرب أهلية طويلة الأمد.

وفي نفس السياق، اندلعت مواجهات عنيفة أشبه بحروب صغيرة بين مليشيات ليبية تسيطر على مسارات تهريب البشر والسلاح والمخدرات والوقود، والتي تتيح لها عوائد تقدر بعشرات الملايين من الدولارات في 3 يوليو 2022، كما وقعت (30) مواجهة مسلحة بين الميليشيات الليبية للسيطرة على مسارات التهريب خلال الفترة من 2014 وحتى 2020. وفي 20 مايو 2022 اندلعت اشتباكات بالأسلحة الثقيلة بين ميليشيات في مدينة الزاوية غرب العاصمة الليبية طرابلس.

فيما لا تزال يسيطر مشهد الإقتتال بين المليشيات الصومالية  في صراعها على السلطة منذ عقدين من الزمن حتى اللحظة، ففي 18 سبتمبر 2022 قامت ميليشيا صومالية معروفة بـ”معويسلي”  متحالفة مع الحكومة بقتل ما لا يقل عن (45)  من مقاتلي حركة الشباب، وقطعت رؤوس بعضهم، في إقليم هيران بولاية هيرشبيلي، في ظل حمل المواطنين في مناطق وسط البلاد السلاح على نحو متزايد في وجه المسلحين.

تشكل الميليشيات خطراً داهماً على المؤسسات الأمنية داخل الدول، وذلك من خلال خوضها حروبا ضد القوات المسلحة للدول. ففي 21 مارس 2021 دقت الأمم المتحدة جرس الخطر بسبب تنامي أنشطة الميليشيات في السودان وعدّتها أكبر خطر يهدد الانتقال الديمقراطي في السودان وتشير التقديرات إلى وجود (4) ملايين قطعة سلاح بيد مقاتلي الميليشيات وبعض المدنيين في السودان، وتعد ميليشيا “أنانيا” أول حركة تقاتل الجيش السوداني وخاضت حرباً ضد القوات الحكومية.

جهود أممية لتفكيك الميلشيات ونزع السلاح

نص القرار (1559) لعام (2004) الذي اتخذه مجلس الأمن في 2 سبتمبر 2004 على حل جميع المليشيات اللبنانية ونزع سلاحها وتأييد بسط سيطرة حكومة لبنان على جميع الأراضي اللبنانية. ودعت الأمم المتحدة في بيان في 11 يونيو 2022 إلى “وقف فوري” للهجمات التي تشنها الميليشيات على المدنيين في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. كما بدأ فريق من الأمم المتحدة بمكتب سيادة القانون والمؤسسات الأمنية بدعم عمليات نزع سلاح الميليشيات والتسريح وإعادة الإدماج للميليشيات في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في جمهورية أفريقيا الوسطى.

3- الميليشيات ـ اقتصاديات موازية للدولة وتهديد للأمن القومي

عندما تفقد الدول استقرارها السياسي والأمني، فإنها ممكن أن تقع تحت ابتزاز وتهديد المليشيات، رغم أن بعض هذه الميليشيات كانت حليفة للدولة أو هي من أنشأتها، لتعمل هذه المليشيات لاحقاً على استنزاف موارد الدولة وإقامة كيانات إقتصادية موازية واحتكار ثروات البلاد لمصلحتها الخاصة.

تزايد الصراع بين المليشيات المسلحة والحكومات خلال السنوات الأخيرة، خاصة بععد مايسمى “الربيع العربي” عام 2011، لتوسيع نفوذها وتشديد قبضتها على الثروات في عدة دول عربية، وأصبحت هذه المليشيات تتدخل بشكل مباشر بالحصول على الصفقات التجارية والعقود، أو هي من تسيطر مباشرة أما على الموارد والثروات ، أو هي من تدير تلك الثروات وبما يخدم مصالحها ضمن ملفات الفساد والعمل لأطراف خارجية. وهذا ما يؤدي إلى استنزاف الموارد الاقتصادية، وشكل تهديد خطير على بيئة الاستثمار والتنمية والأمن القومي والسيادة لهذه الدول.

كيف تدير المليشيات اقتصادها الموازي؟

باتت المليشيات تسيطر على اقتصادات بعض الدول العربية وتستنزف ثرواتها، وصارت أنشطة رئيسية بيد هذه المليشيات، ومنها النفط والمنافذ الحدودية والتجارة والذهب، كما يحدث في اليمن، العراق، ليبيا، لبنان، السودان، على سبيل المثال لا الحصر.

اليمن

رغم سيطرة الحوثيين التامة على مؤسسات الدولة بالكامل في العاصمة صنعاء ومناطق نفوذها؛ فإن الجماعة الحوثية تستحدث باستمرار كيانات وهيئات موازية تنافس هذه المؤسسات وتحل محلها لتتمكن الحصول على الإيرادات وتعزيز النفوذ، ومثال ذلك استحداث الهيئة العامة للزكاة لتحصيل المساهمة الخيرية الإلزامية، والاستحواذ على ما تبقى من موارد اليمنيين، وهيئة إدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعافي من الكوارث “لنمشا”، وربطها بشكل غير رسمي مع وزارة التخطيط والتعاون الدولي الخاضعة للميليشيا، وتأسيس المنظومة العدلية، وهي كيان يسعى للسيطرة على المحاكم والقضاة وأمناء السر وموثِّقي عقود البيع والشراء، بهدف السيطرة على قطاع العقارات، الذي يدر عائدات سنوية ضخمة.

وأعقب ذلك تعيين مشرفين على المؤسسات الرسمية والحكومية من خارجها، ومنحهم صلاحيات غير قانونية، ومن خلالهم جرى تغيير كبير في الهيكل الإداري للمؤسسات، وتعديل في مهامها، وتجيير أنشطتها ومواردها لخدمة الميليشيات وتعزيز نفوذها. ومن الكيانات الموازية التي أنشأها الحوثيون، المؤسسة العامة للصناعات الكهربائية والطاقة المتجددة، والمجلس الاقتصادي الأعلى، وهي كيانات ذات طابع اقتصادي بغرض الجباية.

يعد النفط الإيراني المهرب إلى ميلشيات الحوثي جزءاً من مصادر ثروة القيادات الحوثية، وبلغت عائدات الوقود في مناطق سيطرة الحوثيين بأكثر من (19) مليون دولار شهرياً . كما أنشئت ميلشيات الحوثي، قرابة (30) شركة نفطية، تتبع قيادات في الصف الأول من الجماعة، وتمتلك صلاحيات حصرية في الاستيراد عبر مينائي “الحديدة” و”الصليف”، وتنشط في استيراد الوقود عبر شركات واجهة وشركات وسيطة. وبلغ حجم إمدادات الوقود عن طريق البر إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيين بين أبريل ومايو 2021 نحو (10) آلاف طن يومياً، وهو ما يمثل نحو (65%) من الوقود المستورد.

أنشأت الميليشيات  مصادر أخرى، أحدها يشكل اقتصاد أمراء الحرب أو اقتصاد الميليشيا المقصور على نخبتها السياسية بشكل عام، التي تتربح من عوائد الحرب، لا سيما الاتجار في المعونات الإنسانية، بالإضافة إلى الاستيلاء على خُمس عوائد الإقتصاد بعد سن قانون “الخُمس” الخاص بالفئة الحاكمة التي تظن أنها تحكم وفق تفويض إلهي.

العراق

حشدت المليشيات قدراتها وامكانياتها خلال عمليات محاربة تنظيم داعش عام 2014 ومابعده ليحصلوا بعد ذلك على وضعاً قانونياً في العراق بعد ضمها الى تشكيلات وزارة الدفاع، تضم (50) مليشيا قوامها نحو (150) ألف مقاتل.

خرجت الميليشيات العراقية عن نطاق السيطرة، وأقامت دولتها الموازية على أنقاض الدولة الرسمية، وعلى طول الحدود البرية والبحرية للعراق، تقوم جماعات متشابكة ومعقدة بعمليات تهرّب جمركي، تحوّل من خلالها ملايين الدولارات التي يُفترض أن تدخل خزائن الحكومة إلى جيوب أحزاب وجماعات مسلحة ومسؤولين. إذ اعترفت  وزارة المالية العراقية  في مارس 2021 بأن التواطؤ بين المسؤولين والأحزاب السياسية والميليشيات والعصابات ورجال الأعمال أدى إلى نهب الأموال العامة، وبدل الحصول على سبعة مليارات دولار من الجمارك سنوياً، يصل إلى وزارة المالية (10%) إلى (12%) فقط من موارد الجمارك.

يعد  تهريب النفط ومواد أخرى من وإلى العراق، مصدر الإيرادات الرئيس للميليشيات العراقية، وكشف جهاز الأمن الوطني العراقي في 15 يوليو 2022 عن ضبط أكثر من مليون لتر مهرب من المشتقات النفطية خلال الأشهر الأخيرة. وفي 15 أبريل 2022 قدرت شركة المنتجات النفطية الوطنية العراقية حجم تهريب النفط بـ (7) ملايين لتر يومياً، وهو ما يقارب نصف الإنتاج اليومي الإجمالي للبلاد. فيما بلغت خسائر العراق بين عامي 2017 و2019، جراء التهريب نحو ملياري دولار من عائداته النفطية.

كما تلجأ الميليشيات العراقية إلى طرق عدة لجمع العملة الصعبة وتهريبها عبر الضلوع بأنشطة فساد في عقود المشاريع الخدماتية العامة وعمليات غسيل الأموال التي تدار عبر “مكاتبها الاقتصادية” وشبكاتها السرية. تفرض المليشيات ضرائب ورسوم غير قانونية على دخول البضائع عبر المعابر البرية وعلى الأرصفة التجارية في الموانئ البحرية، وتبتز التجار والموردين وتأخذ الإتاوات مقابل السماح لشاحناتهم بالوصول للمخازن. إذ تتقاسم جماعات مسلحة معظم إيرادات هذه المنافذ المتحققة من فرض الرسوم على السلع المستوردة، وقد تصل قيمة العائدات السنوية التي تجنيها هذه الميليشيات ” إلى نحو (11) مليار دولار . أمن دولي ـ تداعيات تهديد إيران والحوثيين للملاحة الدولية وأمن الخليج

ليبيا

يقع الاقتصاد الليبي تحت سيطرة مجموعات مسلحة منذ العام 2011. وتشير التقديرات إلى أن عدد المليشيات المسلحة في ليبيا يصل إلى أكثر من (300) مجموعة مختلفة التسليح والأعداد. وأفرز اقتصاد المليشيات العديد من الخصومات التي اشتدت خلال السنوات العشر الماضية في فرض إملاءات على الحكومات، وصلت إلى حد خطف رئيس الحكومة الأسبق، علي زيدان، خلال العام 2015، وأجبرت خلاله مجموعة مسلحة رئيس الحكومة على دفع ملياري دينار.

وتقوم المجموعات المسلحة، في مقابل بدل مادي، بحراسة المباني الحكومية، ومن بينها وزارتا الخارجية والمالية. فيما سيطرت مجموعات مسلحة على الحقول والموانئ النفطية فتكبدت الدولة خسائر مالية بسبب الإغلاقات غير القانونية بقيمة (160) مليار دولار في السنوات الخمس الأولى من الأزمة. كما أغلقت منذ منتصف أبريل2022 ستّة حقول نفطيّة ومحطّات تصدير، وبحسب المؤسسة الوطنية للنفط في 16 يوليو 2022 انخفض إنتاج النفط نحو (400) ألف برميل يومياً، مقارنة بمليون برميل في مارس من العام نفسه، وبالتالي تكبدت ليبيا العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) خسائر يومية بمئات ملايين الدولارات. فيما مثلت مبيعات كميات النفط والبنزين والديزل المكتسبة بطرق غير قانونية (20%) من دخل الجماعات المسلحة غير الحكومية المنخرطة بالصراع.

إضافة إلى ذلك، أصبح تهريب المهاجرين وتسهيل مرورهم على طول الطرق العابرة للصحراء صناعة مربحة للغاية بالنسبة للجماعات المسلحة، إذ تجني عبر هذه الأنشطة إيرادات سنوية تقدر بما بين (89 -236) مليون دولار أميركي. تهريب الأسلحة صناعة مربحة كذلك، حيث تقدر قيمة تجارة الأسلحة الليبية المهربة في حقبة ما بعد القذافي بما بين (15 – 30) مليون دولار سنوياً، والتي تعيد الفوضى الدائرة في ليبيا إلى غياب تأمين الحدود بالشكل الملائم.

لبنان

يستكمل “حزب الله” بعد المنظومة العسكرية المستقلة بناء اقتصاده الموازي عبر مؤسسات تجارية وغذائية ومالية وطبية منفصلة تماماً عن الدولة، يديرها عبر موارد مالية، مباشرة ونقداً من إيران، وغير مباشرة عبر عمليات تهريب أو تهرب من الرسوم التي تفرضها البوابات البحرية والبرية والجوية للبنان.

تكلفة كل ذلك تم تقدريها في السنوات الأخيرة بنحو (600) مليون دولار. وقد ساهم هذا الدعم في تغطية نفقاته المالية من الحاجات المادية والعسكرية، لكنه في الوقت نفسه استفاد حزب الله من المرافق الحيوية للدولة اللبنانية لتمويل اقتصاده الموازي مثل المنافذ البحرية والبرية والجوية التي يدخل عبرها بضائعه دون دفع رسوم جمركية للدولة.

إلى جانب التهريب عبر المنافذ غير الشرعية، وهو ما حرم الخزينة اللبنانية من عائدات الجمارك وفي استنزاف احتياطي مصرف لبنان من العملات الصعبة.  حيث يستفيد حزب الله من دعم مصرف لبنان المركزي للمواد الغذائية والسلع الاستهلاكية الأساسية، بالدولار الأميركي وفق سعر الصرف الرسمي خاصة البنزين والمازوت ومن ثم تهريبه ودعمه للنظام السوري ، تهريب ما قيمته حوالي ملياري دولار تقريباً إلى سورية”.

اتسع نطاق التهريب ليشمل المنتجات الصحية على غرار حبوب الفياغرا وأدوية السرطان فضلاً عن الكبتاغون. وكانت قد أعلنت السلطات السعودية في 22 يوليو 2021 حجز حوالي (15) مليون حبة كابتاغون، مهربة من لبنان عبر ميناء جدة. وكشفت التحقيقات تدريجياً تورط شقيقا نائب في حزب الله في هذا الاتجار غير المشروع، حيث فشلت محاولات تعقبهما. حزب الله أصدر بياناً في 26 مايو 2022 للرد على الاتهامات المتواصلة له في صناعة  المخدرات والاتجار بها ‏والترويج لها  باعتبارها “صناعة أكاذيب وفبركة ‏إتهامات باطلة بهدف الإساءة الى الحزب وتشويه صورة حركات المقاومة ‏وخدشها أمام الرأي العام، خدمةً للعدو الإسرائيلي”.

إلى جانب المساعدات من إيران وسوريا – القوتان الإقليميتان اللتان تحميانه وتدعمانه – تكمن قوة حزب الله في جمع الأموال من جميع أنحاء العالم عبر الجمعيات الخيرية والمساعدات الإنسانية، على سبيل المثال أتاح مشروع “أيتام لبنان” ومقره غوتنجن بألمانيا إرسال تبرعات من سكان ألمان إلى جمعية “الشهيد” اللبنانية المقربة من حزب الله. 

تجربة الحرس الثوري في السيطرة على اقتصاد إيران

بات الحرس الثوري يهيمن على عصب الاقتصاد الإيراني، حيث اتجه بعد نهاية الحرب الإيرانية – العراقية في أواخر الثمانينات إلى الأنشطة الاقتصادية تحت شعار “إعادة الإعمار” في البداية، بحيث سيطر عام 2005 على ما يقارب (35%) من أسواق العمل والاقتصاد الإيراني، وتابعت القوّات سيطرتها عشرات القطاعات في الاقتصاد الإيراني، بما في ذلك (14) تكتلاً اقتصاديّاً تُشكّل جزءاً كبيراً من الناتج المحلّي الإجمالي لإيران، لتُسيطر بعدها على الاقتصاد الإيراني معظمه، بحيث لا يمكن للقطاع الخاص أن ينافسه في هذا المجال.

ويدير الحرس الثوري قرابة (100) شركة تصل قيمتها إلى (12) مليار دولار تقريباً، ويعمل فيها نحو (40) ألف شخص. تمتلك مؤسسة “خاتم الأنبياء” الذراع الهندسي الرئيسي للحرس الثوري الإيراني وأحد أكبر المقاولين الإيرانيين في المشاريع الصناعية والإنمائية نحو (800) شركة فرعية، وحصلت من خلالها على آلاف العقود الرسمية لتنفيذ مشاريع.ويحصل الحرس الثوري الإيراني معظم المناصب المحلية بالأشتراك مع محافظين. أعلن رئيس مجلس مدينة طهران في أكتوبر2021،  أن بلدية المدينة قررت إسناد مشاريعها كافة إلى الحرس الثوري.

يلعب لحرس الثوري الإيراني دوراً رئيساً في مبيعات النفط، والتي يستخدم عائداته في شراء معدات عسكرية وتمويل وكلاء الحرس الثوري الإيراني مثل حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية المتحالفة معه والحوثيين في اليمن.  وفي  هذا السياق صادرت أميركا سفينتين تحملان النفط الإيراني في مارس 2022 ، كانت تجول البحار منذ خريف عام 2020، تصل حمولتهما إلى ما يقرب من (750) ألف برميل من النفط الإيراني، بقيمة (38) مليون دولار.

وما لا تموله موازنة البلاد، يحظى بالدعم عبر تهريب المخدرات والأسلحة غير القانونية، وهي عمليات ينخرط بها الذراع الخارجي للحرس الثوري، أي فيلق القدس وأذرعه المختلفة، خاصة الوحدة-190 والوحدة-400. ومنذ سبتمبر 2015 حتى يناير 2022، نفذت القوات البحرية الدولية ما لا يقل عن (12) اعتراضاً بحرياً لشحنات الأسلحة الإيرانية التي يُعتقد أنها كانت متجهة إلى الحوثيين في اليمن. وكشف تقرير سري أعده خبراء بالأمم المتحدة في يناير 2022، أن آلاف الأسلحة التي صادرتها الولايات المتحدة على طول طرق الإمداد للحوثيين في اليمن، من المحتمل أن يكون مصدرها ميناء جنوب شرق إيران. وفي 8 يوليو 2022 نفت إيران اتهامات بريطانية تتعلق بمصادرة أسلحة إيرانية مرسلة إلى اليمن ، واعتبرتها لا أساس لها.

ورغم ما يحققه الحرس الثوري من أرباح خيالية عبر اقتصاده الموازي إلا أنه يحصل على تمويل سخي من موازنة الدولة، حيث ارتفعت مخصصاته في العام 2022 (55%) عن العام السابق، أي ما يقارب (22) مليار دولار أمريكي. 

التقييم

الميليشيات ممكن أن تكون واحدة من “الأذرع” التي تقاتل بالنيابة لصالح أطراف القوى الإقليمية أو الدولية في النزاعات والحروب وممكن ان تقاتل هذه الميليشيات ضد بعضها البعض أو لفرض السيطرة على الدولة وبالتالي تعزيز النفوذ الإقليمي من خلال نهج غير مباشر وأقل تكلفة.

تشكل الميليشيات مجموعات طائفية أو عرقية يكون أعضاؤها أيديولوجيون وذلك في محاولة لإضعاف الحكومات وإجبارها على الالتزام لمطالبهم والامتثال لأيديولوجيتهم ويصبح الوضع أكثر تعقيدا عندما تكون هناك ميليشيات متعددة الأعراق و الطوائف في دولة واحدة، فكل ميليشيا تخدم أجندة دولة يزيد من احتمالية نشوب حروب أهلية كما هو الحال في ليبيا ودول إقليمية أخرى.

نجحت إيران بالسيطرة على مناطق واسعة من حدودها الجنوبية الغربية وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط عبر وكلائها في المنطقة، لا سيما الحرس الثوري والميليشيات التابعة، وأصبحت تلك الميليشيات قادرة على تغيير مسار الصراعات في المنطقة.

أثبتت الدول الهشة أنها مصدر جذب للجماعات المتطرفة مثل القاعدة وداعش لترسيخ وجودها هناك ونشر الإرهاب وفي ظل هذه الظروف بات من المتوقع أن تتنامى قدرات الميليشيات العسكرية والمادية وتتنامى عمليات تجنيد واستقطاب المقاتلين وكذلك اتساع نطاق سيطرتها لا سيما في منطقة الشرق الأوسط.

ينبغي على المجتمع الدولي تعزيز سلطات الحكومات وسد الفراغ السياسي والأمني ومعالجة أسباب التطرف والإرهاب وكبح أسباب الطائفية والعنصرية في الدول كذلك حرمان الميليشيات التابعة للقوى الأجنبية من أي شرعية ووضع قواعد صارمة فيما يتعلق بالجهات المسلحة غير الحكومية.

**

تحاول بعض دول المنطقة حل معضلة الميليشيات بدمجها في مؤسسات الدولة مدنياً وعسكرياً ويعني دمج هذه الميليشيات في الجيوش النظامية حصولهم على الخبرات وعلى السلاح والمال، والأكثر خطورة هو أن ولاءهم يكون إلى أحزابهم وأيديولوجياتهم وليس للدولة، ما يترتب عليه إضعاف المؤسسات الدولة الرسمية العسكرية والمدنية.

يفسد دمج الميليشيات بعد حصولهم على دورات مكثفة وقصيرة ومنحهم رتب ومهام عسكرية سمعة المؤسسات الأمنية الرسمية في الدول، كمؤسسات الأمن والدفاع ويجعلها ضعيفة ومفككة من الداخل ناهيك عن التناحر الذي يمكن أن يحدث بين هذه العناصر والجيوش النظامية.

توجد قواعد وسياقات في العمل داخل المؤسسات المدنية فلا يمكن لعناصر ومجموعات تؤمن بالقوة والسلاح أن تتعامل مع المؤسسات المدنية والمدنيين، وهذا ما يفسد أيضاً سمعة المؤسسات المدنية ويضعف من عملها ناهيك عن تنمر عناصر الميليشيات على رؤسائهم.

يجب على المجتمع الدولي إصلاح القطاعات الأمنية ورسم خرائط لأماكن الميليشيات المنتشرة على المستويين الدولي والإقليمي، وتقديم المشورة بشأن كيفية التعامل معها من خلال وضع استراتيجيات لنزع الأسلحة وحل وتفكيك الميليشيات بما لا يعرقل أداء الحكومات وبما لا يمنع الاستقرار وأداء المؤسسات المدنية والعسكرية لمهامها.

**

لا ينحصر تأثير سلاح المليشيات عند حدود الوضع الأمني والسياسي، بل يعدّ أحد أبرز معرقلات التنمية الاقتصادية بسبب إنشاء الكيانات الموازية؛ التي تهدف إلى تدمير وتفريخ مؤسسات الدولة، وخصخصتها لصالح الميليشيات.

تأخذ المليشيات والجماعات المسلحة ثلاثة أدوار في الاقتصاد الموازي للدولة: احتكار مؤسسات الدولة بالسيطرة على ادارة الموارد، فرض الإتاوات والضرائب والاستيلاء على الجمارك وإحكام السيطرة على منافذ المعابر الحدودية والتجارية، والقيام بالعمليات غير المشروعة من تهريب السلاح والنفط وغسيل الأموال.

إنشاء هذه الكيانات الموازية يمثل كارثة مستقبلية للدولة وأنظمتها القانونية والإدارية، فبالإضافة إلى أن هذه المليشيات تعتمد على حصيلة ما تحصل عليه من ثروات البلاد بشكل غير مشروع لدعم قواتها وتسليحها، فهي تسعى إلى تأسيس دولة داخل الدولة، فتصبح تعيش على مقدرات الدولة وعلى جبايات تفرضها على سكان المنطقة التي تعيش فراغا أمنيا.

إن ضبط فوضى السلاح مدخل مناسب وطريق مختصر لاستعادة الدولة وسيادتها، لكن وقائع عدّة أثبتت أن المشكلة أعمق من مجرّد وجود السلاح بأيدي المدنيين والميليشيات، وتتمثّل في تغلغل تلك الميليشيات ذاتها في مؤسسات وهياكل الدولة بحيث يتكوّن لها ثلاث عوامل متكاملة: سياسي وعسكري واقتصادي تتخادم مع بعضها، يمنع العامل الأول اتخاذ قرارات وسنّ تشريعات تصبّ في اتجاه حصر السلاح بيد الدولة، أو سحب الامتيازات الاقتصادية والمشاريع الاستثمارية من قيادات هذه المليشيات،  بينما يحمي السلاحُ ذاتُه السياسيين المدافعين عنه ويحفظ مصالحهم ويمنع خضوعهم للمساءلة وتطبيق القوانين عليهم، كما يضمن استمرار سيطرة هذه المليشيات على الكيانات الاقتصادية الموازية ومنافذ التهريب .

تعزيز الرقابة القانونية على المجال الاقتصادي والمالي ساحة أساسية لخوض معركة ضدّ المليشيات والأحزاب المرتبطة بها، فبقدر ما تشتدّ الرقابة على موارد الدولة وتحدّ من هدرها، يضيق الخناق على الميليشيات المستفيدة من الفساد وتقلّ مصادر تمويلها، وتضعف بالتالي سطوتها وتغوّلها.

إن مكافحة الإرهاب، يتطلب وجود تعاون أمني واستخباراتي على مستوى وطني وقومي ودولي من أجل الكشف عن علاقات الميليشيات أو بالأحرى واجهات الميليشيات.

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات

الهوامش

With Government Paralyzed and Militias Fighting, Iraq’s Instability Deepens
https://nyti.ms/3RYrKn6

الأطفال حائط صد الميليشيات في النزاعات المسلحة
https://bit.ly/3qBXlzf

جيش لبنان الجنوبي: ماذا نعرف عن الميليشيا التي قررت إسرائيل صرف مساعدات مالية لمقاتليها السابقين؟
https://bbc.in/3eLGEPd

ما هي الميليشيات الروسية التابعة لمجموعة “فاغنر” التي تتقرب من المجلس العسكري الحاكم في مالي؟
https://bit.ly/3S3CQHk

ميليشيا: جماعة تابعة لتنظيم داعش تقتل 30 مدنيا في هجوم في مالي
https://bit.ly/3xlojPi

With Government Paralyzed and Militias Fighting, Iraq’s Instability Deepens
https://nyti.ms/3RYrKn6

**

“هناك سبب للأمل”.. تقرير: 3 خطوات ضرورية لإعادة بناء العراق
https://arbne.ws/3QW27Cm

الجيش الليبي يوضح حيثيات دمج الميليشيات في القوات المسلحة
https://bit.ly/3xtf6V9

اجتماع لقادة دول شرق إفريقيا الإثنين للبحث في الأوضاع الأمنية في الكونغو الديموقراطية
https://bit.ly/3dkSm2U

Iraq’s militias could push country into prolonged conflict, experts warn
https://bit.ly/3S9LTGX

تقارير عن عمليات تجنيد وتسجيل آلاف السوريين للقتال في أوكرانيا الى جانب الجيش الروسي
https://bit.ly/3xxBlJX

**

الكيانات الموازية… سلاح حوثي يهوي بالدولة ويفكك المجتمع
https://bit.ly/3SoAQ

In Iraq’s disputed territories, militias dictate civilians’ lives
https://bit.ly/3R71y8S

Iraqi Militias Are Developing Local Funding Source s for Social Activities
https://bit.ly/3R1Aisj

كارتيل الفساد على حدود العراق “أسوأ من شريعة الغاب”
https://bit.ly/3BZJUjf

Benefits of peace in Libya: Neighbouring countries and beyond
https://bit.ly/3BZvhfD

التدفقات المالية غير المشروعة واسترداد الأصول في دولة ليبيا
https://bit.ly/3dxaSoO

Les fonds secrets du Hezbollah (volet 1), trafics, rackets et contrefaçons
https://bit.ly/3Lwlotc

Iran Navy Port Emerges as Key to Alleged Weapons Smuggling to Yemen, U.N. Report Says
https://on.wsj.com/3dyqOXW

إيران تضاعف المخصصات المالية للدفاع لعام 2022
https://arbne.ws/3DRNWLE

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى