أخبار ومعلومات

بالمرصاد..رغم الاستنزاف!

بقلم ب. سليم/رزيقة أدرغال – الخبر

“لا نريد أن نصل حد الاختيار بين الولد ووالده لدخول الإنعاش بالأسرة محدودة”، “عانينا طوال سنتين “، “انقطعنا عن أهالينا لشهور طويلة والجائحة غيرت علاقاتنا العائلية”، “فقدنا زملاء وأصدقاء دكاترة وبدرجة بروفيسور” ،” على الناس أن تعي صعوبة المرحلة ” …هي وغيرها من العبارات التي أراد ثلة من الجيش الأبيض اختصار معاناتهم الممزوجة بالضغوط النفسية والمهنية والاجتماعية جراء الوباء الفتاك، وأملهم في أن يصطف الشعب معهم في مواجهة الجائحة من خلال التحلي بالوعي والمسؤولية، إلى أن يرفع المولى عز وجل الوباء القاتل.

 يتحدث البروفيسور يزيد عودية، رئيس مصلحة أمراض القلب بمستشفى 120 سرير بتيبازة، بألم عما يعيشه الأطباء والممرضين وكل المنتسبين لقطاع الصحة وحتى المرضى في زمن كورونا، نتيجة الضغوطات النفسية والمهنية، خاصة ومع انتشار الموجة الثالثة التي وصفها بالكارثية، ويعود البروفيسور عودية إلى بداية انتشار الوباء الذي لم يكن معروفا وفاجأ الجميع “لكن مع انتشاره في العالم وارتفاع عدد الوفيات، كان أملنا أن تتم السيطرة عليه، وقيل أنه سيختفي مع حلول الصيف ” وتابع ” مع الموجة الثانية اتخذت الجزائر تدابير وتحكمت في الوباء لكن للأسف سجل تراخي ولم يكن بالإمكان إجراء عملية تلقيح ضخمة في زمن قصير ما جعلنا نعيش اليوم وضعية وبائية مقلقة “.

ويقدر البروفيسور يزيد عودية أن عدد الوفيات ومرضى كوفيد يفوق المصرح به لعدة أسباب منها عدم توفر تحاليل “بي سي آر” للجميع وكذا اختيار الكثير من المرضى العلاج في المنازل وعدم التصريح بالإصابة، وهو ما يزيد من حدة الضغط على المستشفيات نتيجة وصول هؤلاء إلى حال ميئوس منها، وكل هذه المعطيات وغيرها يدفع الأطقم الطبية ثمنها، حيث يقول عن تجربته الشخصية ” في وقت سابق انقطعت عن والدتي المريضة لمدة شهرين وكذلك عن عائلتي وأشقائي بسبب الاعتكاف بالمستشفى في خدمة مرضى الجائحة، ومخافة نقل العدوى إليهم.

وان كانت الجزائر قد تحكمت في الموجة الأولى والثانية ، يقول البروفيسور يزيد عودية، إلا أن الموجة الثالثة التي يصنعها المتحور “دالتا” الخطير والمعدي بنسبة 60 بالمائة أقوى من سابقيه، أتعبت المستشفيات لسرعة انتشارها ،وتسجيل ضحايا لها من فئة الشباب في العشرينات والأربعينات من العمر، لذا كان على المسؤولين الاستشراف لتفادي تسيير الأزمة من موقع استعجال، ويرى أنه من الواجب اتخاذ إجراءات صارمة للحد من انتشار الوباء.

الضغوطات النفسية والمهنية التي يعيشها الأطباء في مواجهة كوفيد -19 ، لا تقتصر فقط على انقطاعهم عن العائلة ووقوفهم على سقوط  أعداد الوفيات، بل تتعداها لحمل هم نقص إكسير الحياة ” وقعنا في أزمة نقص الأكسجين واضطررنا لخفض نسبة ضغط الأكسجين الذي يعطى للمرضى للحفاظ على استمرار وفرته، فنفاذه يعني مفارقة المرضى للحياة “، ويجد البروفيسور نفسه أمام الأمر الواقع مضطرا لتدبر الأمر” وقعنا في أزمة أكسجين ونسعى لتجاوزها، لكن يجب ان نقولها ، تكويننا العلمي كان من اجل الوقوف على علاج المرضى لا على توفير الأكسجين”.

وأكثر ما حز في نفس رئيس مصلحة أمراض القلب بمستشفى 120 سرير بتيبازة، هو تساقط أطباء بدرجة بروفيسور ودكاترة من مختلف التخصصات أنفقت عليهم أموالا طائلة وقضوا حياتهم في التكوين، وحتى أعوان شبه طبيين وغيرهم من الأسلاك المشتركة ،فتك بهم الوباء نتيجة التراخي وسياسة اللامبالاة من جانب الكثيرين ويرى أن على السلطات توعية الشعب بخطورة الوضع بضرورة التحلي بالمسؤولية والتلقيح ،وعدم الانسياق وراء دعاة عدم التلقيح “.

علاقات عائلية لأطباء ضحايا أزمة كوفيد 19

“حتى علاقاتنا مع عائلاتنا تغيرت بسبب كوفيد -19” بهذه العبارة أراد الدكتور سليم بن تومي، طبيب جراح بمستشفى الشهيد تقزايت عبد القادر اختزال معاناة الأطباء مع الجائحة منذ سنتين، حيث يشير الدكتور بن تومي إلى أنه في الوقت الذي اعتقد أصحاب الجبة البيضاء أن الوباء تراجع بعد جهد جهيد ،انتفض الفيروس من جديد، ملقيا بضغط كبير على الأطباء الممارسين.

ولا يكشف بن تومي سرا عندما يتحدث عن تأثر العلاقات العائلية للأطباء بعد انقطاع دام قرابة 10 أشهر ،قضوها في مواجهة الجائحة دون انقطاع، فقلة هم من كان لهم حظ الاحتكاك بعائلاتهم، مضيفا ” نحن للعام الثاني على التوالي دون إجازات لضرورة المصلحة، نعيش ضغطا رهيبا طيلة سنتين “.

ويشير الدكتور بن تومي أن الأطقم الطبية تمكنت من تسيير الموجتين السابقتين، لكن الموجة الثالثة هي الأكثر خطورة ومرضاها يتطلبون عناية أكثر، وأردف الدكتور بن تومي يقول”وفوق هذا أصيب العديد من زملائنا، ومن يرابطون في المستشفيات يجدون أنفسهم عند عودتهم إلى المنزل أمام حتمية الوقوف على صحة أقاربهم المصابين بالمرض”، مبرزا الضغوط النفسية والإنهاك الجسدي الذي اعترى الأطباء خاصة عند فقدان مرضى لحياتهم بسبب الوباء.

هاجسا الخوف والعصبية يلازمان الأطباء

سنتين من الوقوف في الخط الأمامي لمواجهة الجائحة، ترك آثارا بليغة في نفوس الجيش الأبيض الذي غير الكثير منهم أساليب المعاملة خاصة مع بعض ذوي المرضى، ويؤكد الدكتور الطبيب العربي بوعمران عبد القادر منسق الإنعاش بمستشفى تيبازة، أن كثرة الضغوطات الناتجة عن مواجهة الجائحة كثيرا ما تدفع الأطباء إلى الدخول في مناوشات مع أشخاص من حيث لا يشعرون ” أصبحنا ندخل في مناوشات مع البعض دون أن نشعر “وتابع ” من يتفهم ما نعيشه نتفهمه أيضا، لكن لا يمكن أن نتحمل من يلقون علينا المزيد من الضغوطات في مثل هكذا ظروف” .

ويرى الدكتور العربي بوعمران أن عدم التزام الناس بتدابير الوقاية من الوباء عقد الأمر وأثقل كاهل الأطباء والممرضين وكل القائمين على المصالح الاستشفائية ” زادت معدلات الإصابة في أوساط الأطباء والممرضين، لحسن الحظ لم نفقدهم، لكن فقدنا زملاء لنا وأصدقاء في ولايات أخرى وفي مختلف الاختصاصات “.

وتابع ” الخوف والقلق يخيم على الجميع حتى وإن لم يبدوا ذلك جليا عليهم، فالموجة الثالثة كارثة صحية، ونحن نعمل بكد بمعية إدارة المستشفى ومديرية الصحة على توفير الظروف المواتية لعلاج المرضى، نواجه خطر نقل العدوى لعائلاتنا في هذه الموجة عكس الموجتين السابقتين، حيث وضعت وزارة الصحة وإصلاح المستشفيات الفنادق  في خدمة مستخدمي الصحة، يبيتون فيها نهاية العمل”، داعيا المواطنين البقاء في منازلهم إلا للضرورة لكسر الموجة”،  وأضاف” الأمور متعبة ،مريض واحد يريد 10 أشخاص أو يزيدون زيارته ،هذا أمر غير معقول “.

“تعبنا كثيرا وعلى الشعب أن يعي التحديات”

“لا تضعونا بين خيارين أحلاهما مر” يقول الطبيب الدكتور طراد منير مراد، متحدثا عن التحدي الذي يواجهه الأطباء في مجابهة الجائحة، ليؤكد بصفته طبيب مختص في التخدير والإنعاش ورئيس مصلحة في هذا الاختصاص بمستشفى تيبازة،  أن الكوفيد 19 لم يعد يفتك بكبار السن فقط بل حتى من هم دون الثلاثين ، لذا على الناس أن تعي خطورة الوضع وتساعد على المواجهة بالوعي والالتزام، “فهناك شباب يدخلون الإنعاش بعدما كان حكرا على كبار السن” لا نريد أن نصل إلى أن نختار بين الكبير والشباب في دخول مصلحة الإنعاش وأن نختار بين الولد ووالده ” مردفا ” إذا واصل الناس التعامل مع الوضع بنفس التراخي واللامبالاة ستزيد الأمور تعقيدا “.

ويشير الدكتور طراد إلى أن ضغط كوفيد 19، جعل الطبيب كما الممرض، الكل سواء في وضع اليد على المريض لإنقاذ حياته، فلم تعد هناك فوارق في العمل، لكن ما يؤسف له بحسبه هو أن كل المجهودات تقابل بتهاون الكثير من الناس لعدم احتياطهم من المرض حتى يصلوا المستشفى في حالات طارئة، أو يكونون سببا بتهاونهم في نقل العدوى لغيرهم.

كل ذلك، يضيف الدكتور طراد،يزيد الحمل ثقلا على الأطباء والممرضين ويرفع من معدلات إصابتهم بالعدوى، بشكل يستنزف الطواقم الطبية حيث يقول ” الضغط يؤثر على مردود مستخدمي الصحة العمومية والمستشفيات مملوءة، لذا على الناس أن يعوا ما يحدث ويأخذوا اللقاح حتى لا يصل بهم كوفيد 19 إلى الإنعاش “.

قصص واقعية… حزن وفرح من مصلحة الإنعاش

“نعيش قصصا مأساوية يوميا في مصلحة الإنعاش”، بهذه العبارة نقل الممرض  بمصلحة الإنعاش بمستشفى تيبازة زواوي يوسف في حديثه للخبر حجم المعاناة النفسية التي يعيشها الطاقم الطبي مع مرضى  كوفيد19، وهم يصارعون الموت تحت أجهزة التنفس الاصطناعي.

يقول الممرض زواوي:” وحدة الإنعاش هي عبارة عن عدة غرف فردية ينبعث منها ضجيج أجهزة قياس نبضات القلب، وصوت أجهزة الإنذار، وأجهزة التنفس.. مع كثير من أجهزة المراقبة: الشاشات، الأنابيب، الأسلاك، و ما نعيشه يوميا بهذه المصلحة يعجز اللسان عن وصفه، ففي كل  مناوبة نبكي فقدان 4 إلى 6 أشخاص يوميا بسبب مضاعفات الفيروس اللعين، وكم صعب أن ترى مريضا يختنق بسبب نفاذ الأكسجين ، ولكم تصور حالتنا النفسية مع هذه المشاهد التراجيدية، زيادة على الضغط  الذي تشهده هذه المصلحة  في ظل الموجة الثالثة للفيروس”

 ووصف الممرض زواوي فرحة وحزن الطاقم الطبي عند شفاء أو وفاة مريض دخل مصلحة الإنعاش قائلا:”بقدر ما فرحنا مع مرضى خرجوا من المصلحة بعد تعافيهم، بكينا لآخرين فارقوا الحياة، وأشعر بمرارة شديدة  عندما يخبرني طبيب التخدير و الإنعاش أن أيام المريض الذي أتكفل برعايته معدودة بسبب مضاعفات كورونا.. وأمام هذا  المشهد لا أجد سوى  قراءة القرآن له وتذكيره بالشهادتين”، والمحزن أيضا  يواصل الممرض عندما تخبر أفراد عائلة المريض بالوفاة، والذين يصبون جم غضبهم  على الأطباء والممرضين ضنا أنه تقصير منهم “

ورغم المجهودات المبذولة من قبل  فرسان المئزر الأبيض طوال الجائحة، إلا أن ظروف العمل  الصعبة  بسبب نقص الأسرة والأكسجين يدخلهم في مواجهة غضب المرضى وعائلاتهم، حيث أوضح يوسف قائلا:” نعيش ضغطا رهيبا، ونجابه الموت يوميا لكن نأمل أن يتراجع عدد الإصابات في الأيام المقبلة، لأن أقسى ما نخشاه  مواصلة العمل بهذه الوتيرة لأسابيع إضافية…إن شاء الله  لم نكن قد قصرنا مع المرضى…لا يكلف الله نفسا إلا وسعها”.

ودعا الممرض زواوي المواطنين  إلى الالتزام بالتدابير الوقائية حتى لا يعرضوا أنفسهم وعائلاتهم للعدوى وخطر الموت، وخاصة كبار السن لأن أغلبهم مصابون بأمراض مزمنة، وفي الإطار روى محدثنا قصة مؤلمة  لمريضة، وهي أم لشابين دخلت مصلحة الإنعاش بسبب كورونا، وعندما جاء ابنيها لزيارتها رفضت رِؤية أحدهما، والسبب أنه نقل لها العدوى، حيث ترجت الممرض زواوي قائلة  “لا أريد أن يزورني ابني أمين لأنه سبب إصابتي بفيروس كورونا”، وبعد أيام قليلة  تعقدت حالتها الصحية وتوفيت تاركة الابن أمين يصارع تأنيب الضمير.. “فارحموا آباءكم” يختم الممرض زواوي حديثه معنا.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى