تحليل النزاعات الدوليةدراسات افريقية

بحث حول الحرب في مالي

   مقدمة
   المبحث الأول: أسباب الصراع وتطوره
   المبحث الثاني: الأطراف المختلفة ودورها في الصراع
   المبحث الثالث: موقف الولايات المتحدة الأمريكية والمنظمات الدولية والإقليمية
   المبحث الرابع: قرار مجلس الأمن الدولي والتدخل العسكري الفرنسي
   المبحث الخامس: جهود التسوية والسيناريوهات المستقبلية
   مسير الأحداث المهمة
   الأشكال
   المصادر والمراجع

مقدمة

  1. التعريف بدولة مالي

مالي دولة إسلامية أفريقية، وكانت مستعمرة فرنسية سابقة، تمتد على مساحة 1.24 مليون كم2، وهي بذلك الأكبر مساحة في غرب أفريقيا، محاطة بسبع دول، منها دولتان عربيتان هما الجزائر وموريتانيا، ما يعطيها أهمية إستراتيجية خاصة (اُنظر خريطة مالي).

تمتد عبر ثلاث مناطق مناخية، ابتداءً من مناطق السافانا في الجنوب، مروراً بالمنطقة السودانية، وانتهاءً بالمنطقة الصحراوية. ويبلغ عدد السكان نحو 14.8 مليون نسمة، منهم نسبة 65% من الشباب تحت سن 25 عاماً، موزعين في مجموعات قبلية كبرى، أهمها البول، والدوجون، والبوبو، والبمبارا، والبوزو، والسونييكا، والسونداس، والمانينكا؛ إضافة إلى الطوارق في الشمال، ويبلغ عددهم نحو ربع سكان مالي، بالقرب من الصحراء الكبرى في ثلاث مناطق، هي تمبكتو، وكيدال، وغاو.

يدين نحو 80% من السكان بالإسلام، الذي وصل إلى مالي في القرن الثامن الميلادي، ونشأت العديد من الممالك الإسلامية في مالي. كما اشتهرت مدينة تمبكتو المالية بمكتبتها الفنية. أما المسيحية فدخلت في بداية القرن العشرين، مع الاستعمار الفرنسي، ويدين بها نحو 15% من السكان.

وقعت تحت الاحتلال الفرنسي منذ نهاية الثلث الأول من القرن التاسع عشر، وقد أُطلق عليها السودان الفرنسي، وظلت تحت حكم الاستعمار إلى أن استقلت، عام 1960.

  1. خلفية تاريخية عن دولة مالي

انفصلت قبائل سونيكي وماندنيكا عن وينمادو (غانا)، عام 1230م، حيث قام قائد ماندنيكا “سونديا تاكيبتا” بتكوين اتحاد للقبائل في الوادي الخصيب بأعالي نهر النيجر، وجعل جيرانه تحت سيطرته، مؤسساً إمبراطورية مالي، وكانت أكبر من مملكة غانا، وامتدت في أوجها من ساحل المحيط الهندي غرباً، إلى ما وراء تخوم منحنى نهر النيجر شرقاً، ومن حقول الذهب في غينيا جنوباً إلى محط القوافل التجارية عبر الصحراء شمالاً.

كان إمبراطورها “مانسا موسى” قد حج لمكة، عام 1324م، عبر القاهرة، واستقبله المماليك في القاهرة بحفاوة بالغة، وقد انخفض سعر الذهب في العالم إثر رحلة الحج، لكثرة ما وزع من ذهب طوال الرحلة. وفي هذه السنة أصبحت العاصمة تمبكتو بجنوب غرب نهر النيجر، مركز تجارة الذهب وتعاليم الإسلام.

في أواخر القرن الرابع عشر، استقلت الأقاليم الخارجية، واستولى الطوارق (بدو جنوب الصحراء الكبرى) على تمبكتو العاصمة.

في سنة 1500 م، امتد حكم مالي لمناطق بأعالي نهر النيجر، وكانت تمبكتو هي عاصمة مالي منذ إنشائها، وكلمة تمبكتو أمازيغية الأصل. وامتدت مملكة مالي حتى حدود مملكة دارفور قديماً.

في نهاية القرن التاسع عشر، أخضع الفرنسيون هذه المنطقة، التي أصبحت مستعمرة فرنسية. وفي عام 1904، سُميت بالسودان الفرنسي. وفي عام 1920، أصبحت جزءاً من الاتحاد الفرنسي. واستقلت عن فرنسا عام 1960، باسم فيدرالية مالي، بزعامة “موديبوكيتا”.

في عام 1968، نفذ الجيش انقلاباً عسكرياً، بزعامة الملازم “موسى تراوري”، عندما تدهورت الأوضاع الاقتصادية، وأطاح بموديبوكيتا من السلطة، وعطل الدستور.

في عام 1974، صدر دستور جديد، جعل مالي دولة الحزب الواحد، يسيطر عليها حزب الشعب المالي الديموقراطي الاشتراكي القومي، بزعامة “موسى تراوري”.

في عام 1975، وبمقتضى اتفاقية لاجوس، أُنشئ تجمع اقتصادي لدول غرب أفريقيا، ضم كل من مالي، وموريتانيا، وساحل العاج، والسنغال، وبنين، والنيجر، وبوركينا فاسو، والرأس الأخضر، وجامبيا، وغانا، وغينيا، وغينيا بيساو، وسيراليون، وتوجو، ونيجيريا، ومقر التجمع في أبوجا عاصمة نيجيريا.

في ديسمبر 1985، تقاتلت مالي مع بوركينا فاسو بسبب نزاع حدودي طويل بينهما.

في عام 1991، انتهى الحكم الديكتاتوري، بحكومة انتقالية. وفي عام 1992، كان إجراء أول انتخابات رئاسية ديموقراطية، فاز فيها الرئيس “ألفا عمر كوناري”. وفي عام 2002، خلفه بانتخابات ديموقراطية الرئيس “حمدو توماني توري”.

في 22 مارس 2012، حدث تمرد عسكري في مالي، حيث سيطرت مجموعة من العسكريين على السلطة بعد استيلائها على القصر الرئاسي في باماكو، وجاء الانقلاب بعد مطالب للجيش، تلخصت في تسليح رفاقهم الذين يعانون من هزائم متكررة في شمال البلاد، في حربهم ضد الطوارق، وأنشطة المجموعات الإسلامية المسلحة.

  1. خلفية تاريخية عن قبائل أزواد في جمهورية مالي

منطقة أزواد تقع في شمال مالي، ويفصلها عن جنوبه نهر النيجر، ويتكون سكان أزواد من قبائل الطوارق، وهم في الأصل من قبائل البربر الذين ينتشرون في الشمال الأفريقي، ولكنهم يرفضون هذه التسمية، وهم قبائل عربية. ومن المعروف أن مالي كانت ممالك وسلطنات، ثم توحدت فيما بعد، واللغة العربية كانت سائدة إلى أن محاها الاستعمار الفرنسي.

قبائل أزواد ينحدرون من الهجرة العربية الكبرى إلى المغرب العربي، التي انطلقت من مصر تحت اسم بني هلال، والتي واصلت الهجرة حتى نهري صنهاجة (السنغال) والنيجر، وكان لها الفضل في تعريف هذه المنطقة، وترسيخ الدين الإسلامي، بفضل الانصهار مع السكان المحليين.

تتوزع القبائل من الأصول العربية بأزواد في شمال مالي من الغرب إلى الوسط إلى المنطقة الشرقية، ومن أهم أسماء القبائل: أولاد داوود، وأولاد أزعيم، أيجومان، والوسرة رقان، والنواجي، وأهل الكوري، وأهل بوكو، وأهل سيدي الأمين النولاني، والزخيمات، والطوارق، وأركيبي، وكرزاز… وغيرهم.

والحياة الاجتماعية لهذه القبائل هي حياة عربية أصيلة لا تختلف عن حياة العرب في الشمال الأفريقي، أو الجزيرة العربية. فهم أهل بدو، ويمارسون تربية المواشي، وخصوصاً الإبل والأغنام، وينتقلون من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، حسب الفصول وأماكن الكلأ.

وهناك نشاط آخر مهم إلى جانب الرعي، وهو استخراج الملح من منجم (تاودني)، الذي يبعد نحو 750 كم شمال مدينة تمبكتو، وهي معقل لتدريس الدين الإسلامي منذ القدم، وراجت التجارة بالملح المستخرج حتى ما وراء نهر النيجر.

منطقة أزواد تتكون من أربع ولايات، هي:

  • الولاية الخامسة (موبتي): سكان هذه المنطقة معظمهم من قبيلة فولان التي ترجع إلى قبيلة بني حمير العربية (أصلها من اليمن).
  • الولاية السادسة (تمبكتو)
  • الولاية السابعة (قاوة)
  • الولاية الثامنة (كيدال)

والولايات الثلاث الأخيرة يسكنها العرب والطوارق والصونغي.

كان شعب أزواد، قبل مجيء الاستعمار الفرنسي، يتكون من عدة سلطنات تحكم بواسطة النظام القبلي، وتتكون من:

  • سلطنة الفولان.
  • مملكة الصونغاي.
  • سلطنة البرابيش.
  • سلطنة كونتة.
  • سلطنة ألمدن.
  • سلطنة الأنصار.
  • سلطنة أفرغاس.

وجميع هذه السلطنات كانت تضم عشرات القبائل التي كانت تنضوي تحت لواء القبيلة الحاملة لاسم السلطنة. وعند مجيء حركة الاستقلال، من عام 1957 – 1958، طلبت فرنسا من السلاطين أن يوافقوا على جعل منطقة أزواد محمية فرنسية، إلا أنهم رفضوا العرض الفرنسي لاعتقادهم أنه يستهدف محاصرة الثورة الجزائرية، ولاعتقادهم أنه يستهدف بقاء قواعد عسكرية فرنسية بالمنطقة.

المبحث الأول: أسباب الصراع وتطوره

أصبحت مالي مستعمرة فرنسية، عام 1833، وسميت بالسودان الفرنسي، ولسهولة السيطرة على المستعمرات الأفريقية في الظهير الجنوبي للشمال الأفريقي، أنشأت فرنسا الاتحاد الفيدرالي المالي، في أبريل 1959، الذي ضم السودان الفرنسي (مالي) ودولة السنغال. ولكن بحدوث الخلافات تفكك الاتحاد، وحصلت مالي على استقلالها، عام 1960، ولكنها لم تحصل على استقرارها، فقد حكمها أربعة رؤساء، أُطيح بثلاثة منهم في انقلابات عسكرية، وكان آخر هذه الانقلابات ما حدث في 22 مارس 2012، والذي أطاح بالرئيس “أمادو تورا”، وأعلن الانقلابيون أن السبب يرجع إلى الهزائم المتكررة للجيش المالي في مواجهة مسلحي الطوارق، ما أدى إلى انفصال إقليم الأزواد بشمال مالي.

أولاً: جذور الصراع

إن جغرافية مالي حتمت وجود الصراع، فرغم مساحتها الكبيرة، التي تبلغ 1.24 مليون كم2، إلا أن نهر النيجر يفصل بين شمال مالي، المعروف بالأزواد، عن جنوبها. ورغم أن هذا الإقليم يمثل ثلثي مساحة الدولة تقريباً، حيث يبلغ 822 ألف كم2، إلا أن عدد السكان به يبلغ مليون ونصف نسمة تقريباً، من أبناء قبائل الطوارق الذين يمتهنون مهنة الرعي. في حين يتركز باقي السكان، الذين يقاربون 13 مليوناً في باقي الإقليم الذي يُقارب الثلث، ومعظمهم من المزارعين. وقد تركزت معظم الخدمات والتنمية في الجزء الجنوبي، بينما تقلصت في شمال البلاد، وهذا ما يفاقم المشكلة ويعقدها.

أدت جغرافية البلاد إلى نشأة وضعين مختلفين في البلاد. ففي الشمال إقليم صحراوي يسكنه قلة من السكان يعملون بالرعي، والجزء الأكبر من السكان يتوطنون في الجنوب، ويعملون بالزراعة، نتيجة وجود مياه الأمطار، ويفصل بينهما مانع طبيعي هو نهر النيجر، ما أدى إلى توجهات انفصالية بين الإقليمين، خاصة من قبائل الطوارق الشمالية، التي أحست بتهميشها.

وقد ظهرت مشكلة الطوارق، منذ عام 1958، حينما أرسلت، في مايو 1958، رسالة إلى الجنرال “شارل ديجول” الزعيم الفرنسي، حيث طالبه 300 من شيوخ الطوارق بعدم ضمهم إلى دولة مالي، ولم تستجب فرنسا لهذا الطلب. ومما يدعم الحركات الانفصالية، توزع قبائل الطوارق بين دول النيجر ومالي وبوركينا فاسو وليبيا والجزائر، وعدد قليل منهم في الصحراء الغربية بمصر، وهذا يدعم التوجه بتحقيق حلم إنشاء دولة للطوارق تمتد شرقاً من الحدود المصرية، وغرباً حتى أقصى غرب القارة. ولذلك خاضوا عدة ثورات، بدأت منذ عام 1963، ولازالت مستمرة حتى الآن.

لم يكن التمرد الأخير سوى استمرار للتمرد الدامي الذي قاده الطوارق في مالي والنيجر، منذ التسعينيات، وهم ينتشرون في شمال مالي، بمحاذاة الحدود الموريتانية وشرقها، تقع منطقة (أدنماغ أفيوغاس) المحاذية للحدود النيجرية والجزائرية، ويفصل وادي تلمس بين المنطقة السابقة ومنطقة الأزواد، ويشكلان معاً الصحراء المالية. وغالبية السكان من الطوارق ذوي الأصول الأمازيغية أو من قبائل عربية هاجرت منذ قرون من موريتانيا أو من دول الشمال الأفريقي. ويُطلق على هذه المناطق ولايات تمبكتو وغاوو وكيندال.

بدءاً من الستينيات، طالب طوارق أزواد بالانفصال، ولكن النظام الصارم للرئيس الأسبق “موديبوكيتا” أجهض هذه المطالب، وانضم كثير من شباب الطوارق إبان نظام العقيد “معمر القذافي” في ليبيا إلى الميليشيات التي قاتلت في تشاد وفي جنوب لبنان، وبعد عودتهم إلى بلادهم، في بداية التسعينيات، وحصولهم على خبرة القتال، بالإضافة إلى السلاح والتدريب، بدأ الصدام بينهم وبين الجيش المالي لتحقيق حلم الطوارق في الانفصال بإقليم أزواد.

ثانياً: العوامل المؤدية لتطور الصراع

  1. العوامل الرئيسية لتطور الصراع

يختلف العصيان الحالي في مالي عن الحركات التي وقعت في السابق، نظراً لمستوى التسليح الذي يتمتع به المتمردون. فالعديد من الطوارق المشاركين في التمرد الحالي عادوا من ليبيا، حيث شاركوا في القتال في صفوف العقيد “القذافي”، وصفوف الثوار الليبيين، وازداد تشدد الطوارق من ذوي النزعة الانفصالية في مواقفهم مع عودة إخوانهم بخبرات قتالية وأسلحة، في الربع الأخير من عام 2011، ساعدت على تطور الصراع.

يسعى الطوارق إلى تأسيس دولة خاصة بهم في إقليم أزواد، حيث إنهم يشعرون بالتهميش من قِبل الحكومة، ويواصلون القتال في شمال مالي ضد قوات الحكومة، محرزين تقدماً متواصلاً، حتى منتصف عام 2012.

في عام 2002، جرت انتخابات رئاسية فاز فيها الرئيس الحالي “حمدو توماني تراوري”، وأُعيد انتخابه مرة أخرى سنة 2007. وفي عام 2012، وقبيل إجراء الانتخابات الرئاسية بحوالي شهر، نفذ الرائد “أمادو ساناغو” انقلاباً عسكرياً أطاح بالرئيس “أمادو توماني”. وتحت ضغوط دولية وإقليمية، سلم قادة الانقلاب السلطة إلى رئيس مجلس النواب لحين إجراء انتخابات رئاسية، وأدت هذه المشكلات إلى التأثير على استقرار البلاد وأمنها، بالإضافة إلى الحالة الاقتصادية التي أثرت على البلاد بعامة، وشمالها بخاصة.

وبرزت أزمة مالية كان من أسبابها اتساع مساحة الدولة، وقلة عدد السكان، والتوزيع الديموجرافي غير المتجانس، وعدم الاستقرار السياسي، وعدم التوزيع العادل للثروة والسلطة ما بين الشمال والجنوب، في ظل امتداد قبائل الطوارق في شمال البلاد على امتداد الصحراء الكبرى، من موريتانيا حتى شمال تشاد، وأصبحت هذه المناطق المخلخلة السكان غير المستقرة سياسياً، مناطق جاذبة للقوى والحركات الإسلامية المتشددة، وخاصة بعد انتهاء الثورة الليبية وعودة العناصر الإسلامية التي قاتلت في ليبيا بخبراتها وأسلحتها، بالإضافة إلى ما تسرب إلى البلاد من أسلحة الجيش الليبي، التي لم تستطع السلطات الليبية المحافظة عليها أو السيطرة والاستيلاء عليها، والتي كان لها النصيب الأكبر في زيادة القدرة القتالية للمتمردين. ومن ثم لم تتمكن قوات الانقلاب العسكري، الذي حدث في مارس 2012، من إيقاف تقدم الحركات المتمردة، حتى أنها نجحت في الاستيلاء على المدن الرئيسة في الشمال، ثم أعلنت استقلال الإقليم.

  1. الأوضاع الداخلية وتطور الصراع

إن تطور الأوضاع يمكن إرجاعه إلى عديد من الأسباب، أهمها:

أ. الفساد السياسي وهشاشة التركيبة السياسية.

ب. إهمال المناطق النائية تنموياً.

ج. التمرد المستمر في شمال مالي.

تُعد مالي الحلقة الأضعف في الساحل الأفريقي والجزء الشمالي من القارة، حيث إنها الأكثر عرضة لزعزعة الاستقرار، وخاصة بعد انتشار جماعات الإسلام السياسي المتشددة، ما أدى إلى استئناف القتال في الشمال، واستمراره بين حين وآخر، منذ عام 1962، إلا أن تدهور الأوضاع بعد ثورة ليبيا، في فبراير 2012، عمل على تقوية شوكة الحركات الإسلامية ومتمردي الطوارق.

حاولت الحكومات المختلفة مواجهة هذا التمرد مرات عديدة، إلا أنها لم تنجح في استيعاب الأمر واحتوائه، نتيجة لإتباعها طرق غير ملائمة أدت إلى تفاقم الأمر بدلاً من علاجه، على نحو ما ظهر من محاولة “أمادو توماني توري”، الذي تولى الرئاسة في مالي، بين عامي 2002 و2012، الذي رأى أن حل الأزمة يستوجب الاعتماد على مجموعة من الجهات، مثل النخب المحلية، والفصائل المسلحة، والميليشيات سهلة الانقياد، للقيام بوظائف الدولة للاحتفاظ بالسيطرة على الشمال، لتوسيع سلطة الدولة، لتشمل المناطق المتمردة، والتي تشكل ثلثي البلاد من حيث المساحة، ويقطنها 10% فقط من السكان، لكي لا تنزلق إلى التورط المسلح.

وتورطت إدارة الرئيسي “توري” بعلاقات مع أنصار سياسيين وأصحاب أعمال مشبوهين، لهم صلات بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب، وهو تنظيم إرهابي دولي، حيث كان ينظر إلى التعاون مع هذه الجهات على أنه ينطوي على منفعة متبادلة. وقد استفاد حلفاء توري كثيراً من الفساد والإيرادات المتحصلة من النشاط الإجرامي الدولي، وسمحوا له بالاحتفاظ بالسلطة القضائية في باماكو، في الأماكن قليلة السكان وغير الصالحة للإقامة.

وفي النهاية لم تكن هذه الإستراتيجية قابلة للاستمرار، فقد أدت إلى تفاقم التوترات الإثنية والقبلية، وأهملت المشكلات الخاصة بالتخلف والفقر، والأسوأ من ذلك أنها كانت قائمة على تحالفات هشة لا يمكن الاعتماد عليها.

أطلقت حكومة “توري” البرنامج الخاص بالأمن والسلامة والتنمية، في أغسطس 2011، بقيمة 50 مليون يورو في محاولة لتعويض ما خسرته في الشمال، ولكن المحاولة جاءت متواضعة وبعد فوات الأوان. فقد كانت الخطة سيئة التخطيط والتنفيذ، وأدت إلى زيادة إشعال الثورات بين الشمال والجنوب. فالبرنامج الذي موله الاتحاد الأوروبي والجهات الدولية المانحة، هدف إلى إخماد السخط المتزايد، ولكن الأمر انتهى باستعداء السكان المحليين، وتعزيز المشاعر المعادية لباماكو، وتمهيد الطريق أمام تجدد القتال مرة أخرى، ولكن على نطاق أوسع، حيث عارض الطوارق استثمارات الحكومة في إعادة هيكلة الوجود العسكري لقواتها في الشمال، الذي عدوه انتهاكاً لاتفاقية الجزائر الموقعة عام 2006، والتي نصت على خفض القوات الجنوبية التابعة للدولة في الجزء الشمالي. وأكد هذا عمق الخلاف وانعدام الثقة بين الجنوب والشمال، الذي بدأ مع استقلال مالي عام 1960، وتفاقم من جراء الحرمان الاقتصادي للشمال.

ونتيجة لفشل الحكومة من استيعاب مطالب الطوارق في الشمال، ظهر العديد من المنظمات المناهضة للسلطة المركزية، من أبرزها الحركة الوطنية الأزوادية (وأزواد هو الاسم الذي يستخدمه الطوارق للإقليم الشمالي)، وقد سعت الحركة، التي أُنشئت عام 2010، إلى بناء شبكة معارضة محلية، وحشد الدعم الدولي لمشروع استقلال الشمال عن مالي. وتمحورت دعوى الحركة الوطنية الأزوادية للانفصال حول المظالم القائمة والإهمال الاقتصادي المتعمد، واستيلاء مسؤولي الدولة على أموال المساعدات الدولية، وخرق اتفاقات السلام السابقة الموقعة بين الشمال والجنوب.

وعليه بات من الصعب احتواء الخلاف داخلياً في مالي، وجاء الصراع في ليبيا، الذي أطاح بمعمر القذافي، عام 2011، الحافز الذي عجل بتحول الحركة الوطنية الأزوادية إلى تمرد، نتيجة عودة المئات من الذين حاربوا في صفوف قوات القذافي الأفريقية، التي أُنشئت عام 1972، وأعطت لهؤلاء الخبرة القتالية والتسليح اللازم.

ثالثاً: تفجر الصراع وإعلان انفصال الشمال

  1. تصاعد وزيادة حدة الصراع

لقد أصبح تنظيم القاعدة وفروعه الثانوية نشطاً، ونجح في التسلل إلى مناطق الشمال الأفريقي، وأخذت ملامح الإرهاب تتضح تدريجياً، بدءاً من شمال مالي حتى منطقة شمال أفريقيا، وقد سيطر متمردون وانفصاليون على صلة بتنظيم القاعدة على شمال مالي، وقاموا بتجنيد عناصر جديدة، ما ساعد على تزايد أعداد المتمردين والمتطرفين في القطاع الشمالي من البلاد.

اندلعت مواجهات مسلحة بين الجيش المالي ومقاتلين تابعين للحركة الوطنية لتحرير أزواد، بالقرب من مدينة ديدال شمال مالي، وقُتل ثلاثة مقاتلين من الحركة في اشتباك مع قوات الجيش المالي، وذلك بعد أن هاجموا دورية مشتركة بين القوات المالية وقوات الأمم المتحدة، قرب بلدة ميناكاني، في ساعة مبكرة من الصباح. وذكرت المصادر في مدينة غاو، إحدى كبريات مدن شمال مالي، أن مقاتلي الحركة الوطنية لتحرير أزواد بدأوا إطلاق النار أولاً، وردت الدورية على إطلاق النار، وسقط ما يقرب من ثلاثة قتلى في صفوف قوات الحركة. وذكرت وزارة الدفاع المالية أن المسلحين من عناصر الطوارق، وأن دورية القوات المسلحة تعرضت لكمين نصبته مجموعات مسلحة في محلة إيفازار، الواقعة على بعد 140 كم من ميناكا. (اُنظر شكل مناطق الصراع في مالي)

باستمرار الأعمال العسكرية للحكومة المالية، قامت الحركة الوطنية لتحرير أزواد بإعادة تنظيم صفوفها، وبدأت عملياتها ضد الحكومة المالية، ابتداءً من يناير 2012، عبر استخدام العنف المسلح، ونتيجة للعمليات العسكرية الشرسة ضد قوات جيش الدفاع المالي، أجبر ثوار الطوارق في مالي القوات الحكومية على التراجع جنوباً، بالرغم من الدعم العسكري الأمريكي والتدريب المكثف الذي تقوم به القوات الكندية، من أجل تقوية قدرات جيش الدفاع المالي في التعامل مع حرب العصابات ومكافحة ما يُسمى بالإرهاب.

وفي أوائل مارس 2012، قامت قوات الحركة الوطنية بالزحف على مواقع عسكرية مالية بالقرب من مدينة تيساليت، الواقعة في الشمال الغربي بالقرب من الحدود الجزائرية. وفي 7 مارس، سيطر الثوار الطوارق على بلدة تيساليت، التي انسحب الجيش المالي منها نتيجة الضغط الشديد، بالرغم من الدعم اللوجستي وعمليات الإنزال والإسقاط، التي قامت بها القوات الأمريكية والكندية لصالح قوات الدفاع المالي. والجدير بالذكر أن القوات الأمريكية لأفريقيا (أفريكوم)، والقيادة الكندية قد نسقا سياستهما في أفريقيا لعام 2012، وهما يصنفان دولة مالي من الدول الإستراتيجية في المنطقة لمكافحة الإرهاب.

أدى سقوط مدينة تيساليت وتراجع القوات الحكومية المالية نحو الجنوب، تحت ضغط الثوار بقيادة القائد العسكري “محمد آغ نجم”، وإلحاق هزائم متكررة بالجيش المالي، إلى استياء عام داخل صفوف الجيش.

ترجع خلفيات الأحداث إلى أعوام سابقة، فهي ليست وليدة اللحظة أو فورية. ففي 19 سبتمبر 2012، قُتل 12 مسلحاً من القاعدة وعشرة جنود من الجيش الموريتاني، وأكد مصدر عسكري موريتاني أن الجيش اشتبك مع مسلحين من تنظيم القاعدة ببلاد المغرب العربي، وأن الاشتباكات جرت في منطقة حدودية مع مالي، واستُخدمت فيها الأسلحة الثقيلة.

وأكد مصدر عسكري مالي وقوع المواجهات في الأراضي المالية، وبالتحديد في منطقة حاس سيدي، على بعد مائة كم شمال مدينة تمبكتو، وأن الجيش الموريتاني قتل 12 عنصراً من تنظيم القاعدة. وتأتي هذه العملية بعد الإعلان عن خطف سبعة أشخاص بينهم خمسة فرنسيين من النيجر، واتهمت فرنسا تنظيم القاعدة بتنفيذها، وقالت مصادر أمنية مالية وجزائرية أن المختطفين السبعة يعملون في شركة أريفا الفرنسية للتكنولوجيا النووية المملوكة للدولة، ويوجدون برفقة خاطفيهم في الصحراء المالية، بعد أن عبروا إليها من الحدود مع النيجر.

في 14 أغسطس 2012، نشرت أنباء في الجزائر عن زيادة نشاط الجماعات الإرهابية في شمال مالي، ومفادها ازدياد النشاط الإرهابي، حيث رصدت أشخاص يوزعون الملابس والمواد الغذائية والأموال للبدو الطوارق السكان المحليين من أجل كسب الثقة وسط الأهالي. وتتجول الجماعات الإرهابية على متن عشرات السيارات. وقالت مصادر أمنية لوكالة الأنباء الفرنسية، أنه منذ انتهاء الدوريات الأمنية الموريتانية في مناطق الحدود، رُصدت عودة الإسلاميين إلى الصحراء.

ومن جهة مضادة، أطلقت مالي برنامجاً خاصاً، أطلقت عليه البرنامج الخاص للسلام والأمن والتنمية في المناطق الشمالية، ويشمل البرنامج ست بلدات، تقع في ثلاث محافظات بشمال مالي، على الحدود الجزائرية، بالإضافة إلى مدينة تمبالا الواقعة جنوباً، من أجل محاربة الإرهاب وعصابات الجريمة، التي تمركزت في الصحراء، خاصة وأن عناصر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي يعدون المنطقة منطقة عبور لهم ولكل سلعهم، ودأبوا على المتاجرة بالسلع والمخدرات، إلى جانب تهريب السلاح. ولهذا تقوم مالي بتسيير دوريات عسكرية مشتركة مع موريتانيا لتعقب عناصر القاعدة التي تنشط في مناطق الحدود المشتركة بين البلدين والجزائر.

ذكرت وكالة أنباء أفريقيا، نقلاً عن مصادر بمنطقة شمال مالي، أن جبهة مسلحة جديدة بدأت تتشكل بالمنطقة بهدف رئيس يتمثل في إفشال سعي حركتي أنصار الدين والجبهة الوطنية لتحرير أزواد، لإقامة دولة إسلامية شمال البلاد، وذكرت وكالة أنباء أفريقيا، التي تتخذ من العاصمة السنغالية مقراً لها، أن الحركة المسلحة الوليدة مؤلفة من مجموعات من المقاتلين الشباب، أطلقت على نفسها اسم “جبهة تحرير شمال مالي”، وستعمل على منع إقامة دولة إسلامية باستخدام القوة المسلحة، وأنها ستحرر منطقة شمال مالي، وستحارب الحركتين المسلحتين “أنصار الدين”، و”الوطنية لتحرير أزواد” المتطرفتين اللتين تحتلان منطقة شمال مالي.

  1. انقلاب مارس 2012

حكم مالي منذ استقلالها، في سبتمبر 1960، أربعة رؤساء، أُطيح بثلاثة منهم في انقلابات عسكرية، كان آخرها انقلاب 22 مارس 2012، الذي أطاح بالرئيس “أمادو توماني توري”، وكان تعليل ذلك بأنه تراخى في مواجهة الطوارق، الذين عملوا بقوة السلاح على دحر الجيش المالي، أملاً ورغبة في تحقيق انفصال الإقليم الشمالي المعروف بأزواد. وفي الحقيقة فإن الانقلاب، الذي وصف منفذوه الرئيس المالي بعدم الكفاءة والتراخي في مواجهة مطالب الطوارق الانفصالية، لم يشر إلى دهاليز السياسة وخفاياها. فالرئيس “أمادو تروي” كان يعلم أن جانباً من جنرالات مالي كانوا يتقاضون أموالاً كثيرة من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، مقابل معلومات يحصل عليها التنظيم، وكان سكوت الرئيس بسبب خشيته الإطاحة به.

في حقيقة الأمر، فإن القوات الحكومية المالية تعرضت لهزائم متكررة من المتمردين في إقليم أزواد، ما اضطرها إلى التراجع جنوباً أمام قوات المتمردين، التي تستخدم أساليب حرب العصابات، والمزودة بالسلاح والخبرة القتالية، نتيجة تمرسها على القتال في ليبيا، إما مع قوات العقيد “معمر القذافي”، أو مع القوات المعارضة له.

فوجئت الحكومة المالية بالسرعة والحسم اللتين جرت بهما العمليات العسكرية لصالح المتمردين، الأمر الذي تسبب في استياء وغضب شعبيين من تعامل الرئيس “توري” مع الأمر، فضلاً عن حدوث تمرد داخل الجيش، إذ أطاح مجلس عسكري بقيادة “هيا أمادو ساناغو”، مستغلاً حالة الفوضى في العاصمة، بالرئيس، في 22 مارس، وذلك قبل ستة أسابيع من انتهاء فترة ولايته. وفسر البعض وقوع الانقلاب في هذا التوقيت، بكونه جاء نتيجة مباشرة للهزيمة التي مُنيت بها القوات المالية على أيدي المتمردين الطوارق.

بيد أن هذا الأمر ليس هو المفسر لحالة الاستياء التي انتشرت بين صفوف الجيش المالي، فالاستياء بين الرتب الدنيا في القوات المسلحة يعود لفترة ما قبل بداية التمرد. فالتواطؤ والفساد السياسي هما العاملان الأساسيان وراء الانقلاب. فصغار الضباط كانوا غاضبين من عمليات اختلاس المساعدات العسكرية الخارجية، والانتهازية التي تتسم بها النخبة العسكرية الغارقة في الفساد، وكان الغضب موجهاً أيضاً إلى المجموعة المحيطة بالرئيس، والتي عدها الكثيرون فاسدة، وأنها سبب أزمة البلاد. وعليه فالانقلاب عبر عن حالة التفكك والتدهور التي تعاني منها المؤسسة العسكرية.

إن انهيار النظام في مالي جاء أسرع من كل التوقعات، فبعد أقل من ثلاثة أشهر من اندلاع الأزمة في مالي، في يناير 2012، هُزمت القوات الحكومية على نحو غير متوقع، عندما حاولت إخماد التمرد في الشمال، وحدثت الهزيمة على يد مجموعات مسلحة يجمعها تحالف هش، وعمل هذا على تقوية شوكة المتمردين، المطالبين بالانفصال، كما أدى أيضاً إلى تمسك المتمردين بمواقف متشددة.

بعد الانقلاب قام الجيش بإعادة الحكم المدني، وتنصيب حكومة مدنية مؤقتة، وحاولت الإدارة الجديدة استعادة الثقة الشعبية، وتأكيد سيطرتها على المجلس العسكري. إلا أن الجماعات الإسلامية المتشددة قامت بتعزيز سيطرتها على شمال البلاد، وألقت بظلالها على جهود السلام الحالية، وعلى أي تدخل عسكري في المستقبل لإعادة إدماج الشمال في بقية البلاد. وعليه فتعثر المحاولات الدبلوماسية التي بُذلت لحل الأزمة، كان النتيجة المتوقعة للأوضاع في مالي. فقد عجزت الدول الأساسية التي يمكنها أن تؤثر على أصحاب المصلحة الرئيسين في الصراع، أو لم تكن راغبة في التوفيق بين مصالحها وبين تنسيق إجراءاتها، ولذلك تبقى الاتهامات والاتهامات المضادة بشأن التمتع بالمنافع المجانية والمواقف التي تخدم المصالح الذاتية هي الأساس.

أ. تطور الأحداث الخاصة بالانقلاب

سيطرت مجموعة من العسكريين على القصر الرئاسي في العاصمة باماكو، وبذلك سيطروا على السلطة، وذلك بعد عدم استجابة الحكومة لمطالبهم الخاصة بتسليح رفاقهم الذين يعانون من هزائم متكررة في شمال البلاد.

مساء يوم الأربعاء 21 مارس 2012، عمل وزير الدفاع “ساديو غاساما” جاهداً على احتواء أجواء الاحتقان خلال زيارته للقاعدة العسكرية، قبل أن يفشل وتخرج الأمور عن السيطرة ويحتدم الوضع. وفي أثناء زيارته للقاعدة العسكرية، بالقرب من القصر الرئاسي، بدأ جنود غاضبون بإطلاق النار في الهواء، ثم ألقوا الحجارة على سيارته، مجبرين إياه على الرحيل ومغادرة المعسكر.

اقتحم عسكريون من الجيش المالي، يوم 22 مارس 2012، مباني اتحاد الإذاعة والتليفزيون في باماكو، وطوق آخرون القصر الرئاسي، وقاموا بمحاصرة الرئيس “أمادو توري” وعائلته، واعتقلوا عدداً من الوزراء. وأعلن متحدث باسم المتمردين عن إنهاء حكم الرئيس “أمادو توري”، وأكد نية العسكريين تسليم السلطة إلى حكومة منتخبة، كما أعلن عن قرار حل جميع المؤسسات الحكومية وتعليق تنفيذ الدستور في البلاد، وتعيين النقيب “أمادو سانوغو” لتولي رئاسة هيئة جديدة، أُطلق عليها اسم “اللجنة الوطنية لاستعادة الديموقراطية وإعمار الدولة”، وفرض الانقلابيون حظر التجوال معلنين أنه سيستمر حتى إشعار آخر.

استطاع “أمادو توماني توري” الرئيس السابق التحصن بإحدى المستعمرات التابعة للجيش، في حراسة قوات موالية، ذاكراً أن ما حدث لا يُعد انقلاباً عسكرياً ضد نظام الحكم، وإنما هو تمرد وعصيان.

اعتقل المتمردون، يوم الجمعة 23 مارس 2012، ثلاثة من أعضاء الحكومة السابقة، وهم رئيس الوزراء “سيسي مريم كايداما”، ووزير الخارجية “سوميلو بوباي مايغا”، ووزير الإدارة الإقليمية “كافوغونا كونيه”، اعتقلوا بمعسكر للجيش قُرب العاصمة. وبالرغم من دعوة “أمادو سانوغو” لوقف النهب واحترام الممتلكات الخاصة، فقد حدثت أعمال نهب وسلب في باماكو العاصمة، وطالت محطات الوقود والمتاجر والسيارات الخاصة، ما أدى لإغلاق المتاجر ومحطات الوقود والشركات.

في 24 مارس 2012، سرت شائعات في مالي بأن انقلاباً موالياً للرئيس السابق سيعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه، وأن رئيس اللجنة الوطنية لاستعادة الديموقراطية وإعمار الدولة، النقيب “أمادو سانوغو”، قد قُتل. إلا أن التليفزيون المالي نفى هذه الشائعات، وظهر بيان للمتمردين يطمئن الشعب على أن كل شيء على ما يرام، داعياً الناس إلى ممارسة حياتهم اليومية كالمعتاد. وظهر “أمادوا سانوغو” على شاشة التليفزيون، صباح السبت 24 مارس، مطمئناً المواطنين على أنه في صحة جيدة وبخير.

احتج الآلاف في العاصمة المالية باماكو، يوم 26 مارس 2012، منددين بسلطة الانقلاب ومطالبين بعودة النظام الديموقراطي للبلاد، وسط تهديدات من قِبل المجلس العسكري، ومطالبة المواطنين بضبط الأعصاب وعدم التظاهر

ب. ردود الفعل الدولية

(1) أعلن “جون بينج” رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، في 23 مارس، أن الاتحاد جمد عضوية مالي فيه، أثر الانقلاب.

(2) أدانت الجزائر الانقلاب العسكري الذي أطاح بنظام الرئيس المالي “أمادو توماني توري”، عادّة استخدام القوة مخالفة واضحة للدستور.

(3) دعت فرنسا إلى احترام النظام الدستوري، ونددت باللجوء إلى العنف، وإجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن.

(4) دعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تجاوز الضغوط، من طريق الحوار وليس من خلال العنف، وطالبت بالعودة الفورية للنظام الدستوري الحالي.

(5) أدان الرئيس النيجيري “جولاك جونثان” الانقلاب الذي قام به مجموعة من ضباط الجيش في مالي، مؤكداً أن بلاده لن تعترف بحكومة غير دستورية.

(6) أدان الاتحاد الأوروبي الانقلاب العسكري في مالي، وطالب بعودة السلطة الدستورية في أقرب وقت ممكن.

(7) أدانت الخارجية الألمانية الانقلاب العسكري في مالي، ووصفته بأنه غير دستوري، ودعت جميع الأطراف إلى الامتناع عن مزيد من العنف.

(8) أدانت موريتانيا الأحداث التي وقعت في مالي، داعية كل الأطراف والقوى في مالي إلى الامتناع عن مزيد من العنف والعودة للنظام الدستوري.

(9) رفضت وزارة الخارجية المغربية الاستيلاء على السلطة بالقوة في مالي.

ج. إعلان انفصال أزواد، في أبريل 2012

(1) ساهم الانقلاب العسكري في مالي في تقوية المتمردين وحلفائهم الإسلاميين، والحقيقة أن انقلاب 22 مارس، جاء في وقت تشهد فيه البلاد تمرداً حقيقياً للطوارق في شمال البلاد، بالإضافة إلى شعور القوات المالية بمذلة لا تُطاق أمام التقدم المستمر لمتمردين على درجة عالية من التسلح. وزاد من حدة التوتر شكاوى الرأي العام المتزايدة من سلبية الرئيس “أمادو توري”، عندما ترك المسلحين يتدفقون من ليبيا بعد سقوط القذافي، دون أن تُنزع منهم أسلحتهم، كما جرى في النيجر المجاورة.

(2) قامت قوات المتمردين بالهجوم على حامية عسكرية في الشمال، وقتل سبعون جندياً، بعد أن باغتهم مسلحون من الحركة الوطنية لتحرير أزواد، وجماعات تنتمي لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وجهاديون من جماعة أنصار الدين التي يقودها “إياد آغ غالي”.

(3) إن الانقلاب العسكري أثر كثيراً في مختلف الحركات المسلحة التي احتلت أغلب مناطق شمال البلاد، وتمركزت بها. وأبرز مثال على ذلك استيلائهم على المركز العسكري في تساليت، المجهز بمدرج لهبوط الطائرات، لأنه يشكل منفذاً للمتمردين على العالم الخارجي، يضمن تزويدهم بالأسلحة والذخائر والمؤن المختلفة.

(4) أعلن المتمردون سيطرتهم على بلدة رئيسة في الشمال، وأنهم يتجهون صوب الجنوب للسيطرة على بلدات أخرى انسحب منها الجيش. وأن المتمردين يقتربون من البلدات الواقعة في الشمال الصحراوي، مستغلين الفوضى التي خلفها الانقلاب في العاصمة، وأنهم احتلوا الثكنة العسكرية في أنفيس (100 كم جنوب غرب)، بعد انسحاب القوات الحكومية. كما أن انسحاب الجيش إلى مدينة غاو، أدى إلى غياب أية قيادة عسكرية، وأن المتمردين في ظل هذا أصبحوا يسيطرون على جزء كبير من شمال البلاد.

(5) في 6    أبريل 2012، أعلن الطوارق في بيان نُشر على شبكة الإنترنت عن استقلال أزواد عن مالي بعد انسحاب الجيش منها. وتتكون أزواد في مناطق مالي من تمبكتو وكيدال وغاو، وأيضاً جزء من منطقة موبتي، وتشكل نحو 60% من مساحة مالي. وتحدها بوركينا فاسو من الجنوب، وموريتانيا من الغرب والشمال الغربي، والجزائر من الشمال والشمال الشرقي، والنيجر من الشرق والجنوب الشرقي. أما مالي فتحدها من الجنوب الغربي. وأكبر مدنها غاو، وهي العاصمة المؤقتة حالياً. وتمبكتو هي المدينة الثانية حجماً، وهناك اتجاه لجعلها العاصمة.

(6) قام “محمود آغ علي” الأمين العام لحركة تحرير أزواد، بتوقيع إعلان استقلال أزواد. وجاء انفصال أزواد رسمياً بعد وقت وجيز من الانقلاب العسكري في مالي. ورفضت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس) الاعتراف بأزواد، واعتبرت إعلان الاستقلال لاغياً وباطلاً، وقالت أنها سترسل قوات إلى المنطقة المتنازع عليها لدعم حكومة مالي.

(7) أعلنت الحركة الوطنية لتحرير أزواد، مع شريكتها في الحرب السابقة (جماعة أنصار الدين)، في 26 مايو، اتفاقاً بالاندماج لتكوين دولة إسلامية. إلا أن تقارير لاحقة أشارت بانسحاب الحركة من المعاهدة والانفصال عن جماعة انصار الدين، بعدما أعلنت أنصار الدين أنهم يرفضون فكرة انفصال أزواد، ما حدا بهما للمواجهة واحتدام القتال بينهما، وبلغ ذروته في معركة غاو، في 27 يونيه 2012، حيث تمكنت كلتا الاثنتين، حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، وجماعة أنصار الدين من السيطرة على المدينة، وطرد الحركة الوطنية لتحرير أزواد منها، ثم أعلنت جماعة أنصار الدين في اليوم التالي سيطرتها على كل مدن شمال مالي.

(8) تعهدت الحركة الوطنية لتحرير أزواد بصياغة دستور لإنشاء دولة ديموقراطية، واعترفت في بيانها بميثاق الأمم المتحدة، وأن الدولة الجديدة ستتمسك بمبادئها. كما تعهد “موسى آغ الساريد”، الناطق الرسمي للحركة الوطنية، في 6 أبريل 2012، باحترام الحدود الدولية منذ الحقبة الاستعمارية التي تفصلهم عن الجيران، وأصر بأن إعلان الاستقلال له شرعية دولية.

(9) لم تنل أزواد اعترافاً دولياً من أية جهة رسمية، حيث رفض كلُ من الاتحاد الأفريقي والمجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (الإيكواس) إعلان الاستقلال، وأعلنوا أن مالي وحدة واحدة وكيان لا يمكن تجزئته، وقالت المجموعة أنها قد تلجأ للقوة لإسقاط المعارضة. كما أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أنها لن تعترف بتقسيم أحادي الطرف لمالي، إلا أنها دعت إلى مفاوضات بين الكيانين لمعالجة مطالب الطوارق سكان الشمال، الذين لم يتلقوا لفترة طويلة ردوداً كافية لمطالبهم الضرورية. وأشارت بأنها ستقدم دعماً لوجستياً. كما رفضت الولايات المتحدة الأمريكية إعلان الاستقلال.

المبحث الثالث: موقف الولايات المتحدة الأمريكية والمنظمات الدولية والإقليمية

إن انهيار النظام الحاكم في مالي جاء بأسرع مما هو متوقع، فبعد أقل من ثلاثة أشهر من اندلاع الأزمة في مالي، في يناير 2012، هُزم الجيش المالي على يد المتمردين هزيمة مفاجئة، ولم تكن متوقعة، نتيجة محاولته إخضاع التمرد في شمال البلاد، ونتج عن ذلك ازدياد الغضب داخل القوات المسلحة، واتهام الرئيس “أمادو توماني توري” بالمسؤولية عن عدم تجهيز الجيش على نحو مناسب، وعدم دعم القوات المباشرة للقتال، بالإضافة إلى الفساد المتفشي بالبلاد.

أدى هذا إلى تنفيذ القوات المسلحة انقلاباً عسكرياً، في 22 مارس 2012، ضد نظام الرئيس “أمادو توري”، وتولى السلطة مجلس عسكري بقيادة “هيا أمادو سانوغو”.

وفي 6 أبريل 2012، أعلنت الحركة الوطنية لتحرير الأزواد، انفصال إقليم شمال مالي المعروف بإقليم أزواد، ورفعوا العلم الخاص بدولتهم، البالغ مساحتها 822 ألف كم2، أي ما يعادل مساحة فرنسا وبلجيكا معاً.

أدى الانقلاب العسكري وانفصال إقليم الأزواد بشمال مالي، في غضون الفترة من مارس إلى أبريل 2012، إلى حدوث فجوة هائلة من اللاشرعية في الظهير الجنوبي لمنطقة شمال أفريقيا، وهي منطقة الساحل التي تقع مالي في المركز منها، وتشاد والنيجر شرقاً وموريتانيا والسنغال غرباً.

أدى هذا الوقع المتسارع للأحداث إلى ظهور العديد من المواقف المتباينة للقوى الدولية والإقليمية، التي رأت أن مصالحها قد تأثرت نتيجة سقوط نظام العقيد “القذافي” وما تبعه من تمكن العناصر الإسلامية المتشددة من تثبيت أقدامها في المنطقة مهددة مصالحها. وكان من أبرز التداعيات إسقاط نظام الحكم في مالي بواسطة الانقلاب العسكري، وما تلاه من انفصال شمال مالي نتيجة عمليات عسكرية قامت بها الحركات الإسلامية المسلحة في مواجهة القوات الحكومية، وأسفر ذلك عن اندحار القوات الحكومية وهزيمتها، ما أدى إلى تغير الأوضاع وانتهاء فترة حكم الرئيس “أمادو توري”.

أولاً: موقف الولايات المتحدة الأمريكية

أصرت الولايات المتحدة الأمريكية على تعزيز عملية الانتقال السياسي في باماكو أولاً قبل التفكير في شن هجوم على العناصر المسلحة في الشمال، وفيما تستمر الأزمة، يزداد قلق الولايات المتحدة الأمريكية بشأن قدرة تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي على استخدام شمال مالي نقطة انطلاق لزعزعة استقرار جيرانها، وخاصة الديموقراطيات الجديدة الهشة في شمال أفريقيا.

وقد زادت الولايات المتحدة الأمريكية بالفعل عمليات التدريب على مكافحة الإرهاب والمساعدات العسكرية للدول الأكثر عرضة للتهديد بسبب الفوضى في مالي. فقد منحت موريتانيا، في يوليه 2012، معدات عسكرية تُقدر قيمتها بنحو سبعة ملايين دولار. في حين حصل النيجر على طائرتين للنقل العسكري والقيام بأعمال المراقبة، وصلت قيمتهما إلى 11.6 مليون دولار.

وأجرت الولايات المتحدة الأمريكية، بالتعاون مع فرنسا، مناورات عسكرية مع حلفائها في غرب أفريقيا (السنغال، وبوركينا فاسو، وغينيا، وجامبيا). كما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بسلسلة من العمليات الاستخباراتية ومراقبة الاتصالات والمراقبة الجوية فوق الصحراء الكبرى. ويعتقد الذين يؤيدون تنفيذ ضربات من جانب واحد ضد مقاتلي تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي في شمال مالي، أن القاعدة تمثل خطراً عالمياً وليس إقليمياً. ومع ذلك هناك تخوف وحذر أمريكي من عواقب التصرف غير المحسوب في مالي.

ومن ثم فالولايات المتحدة الأمريكية تعمل مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، في إطار خطة لحفظ السلام، لكن المخاوف من أن الإيكواس مرهقة بالفعل بسبب الأزمة في غينيا بيساو، حيث أطاح المجلس العسكري بالحكومة، في أبريل 2012.

  1. جهود الولايات المتحدة الأمريكية في مكافحة الإرهاب في شمال وغرب أفريقيا

رغم علم الولايات المتحدة الأمريكية بوجود الجماعات الإسلامية المتشددة وانتشارها في شمال وغرب القارة، ورغم تخوفها من القيام بأعمال تهدد مصالحها، إلا أنها كانت قد أعدت كثير من برامج مكافحة الإرهاب، أو الشراكة مع الدول الأفريقية في المنطقة للقضاء على أنشطة هذه التنظيمات الإرهابية أو الحد منها، وإن كان الواقع الفعلي يؤكد عدم الاعتماد على هذه البرامج بصورة فعلية، حيث تسارعت الأحداث في الشمال والغرب الأفريقي على نحو لم يمكن من رؤية المكافحة على أرض الواقع.

إلا أن هذه البرامج مازالت قائمة، ويمكن عرضها عرضاً سريعاً لمعرفة الجهد الذي قد بُذل في الإعداد لها.

أ. برنامج شراكة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء

أطلقته وزارة الخارجية الأمريكية، في مبادرة لزيادة أمن الحدود ومكافحة الإرهاب، لأربع دول من غرب أفريقيا، هي مالي، وتشاد، والنيجر، وموريتانيا. ثم جرى تطوير المبادرة وأُطلق عليها “مبادرة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء”، ثم تطويرها إلى شراكة. ويتولى تمويل البرنامج كلاً من وزارة الدفاع والخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. ويضم البرنامج تسع دول أفريقية، هي الجزائر، والمغرب، وتونس، وتشاد، ومالي، وموريتانيا، والنيجر، ونيجيريا، والسنغال.

ويهدف برنامج الشراكة إلى القضاء على الإرهاب، من خلال تعزيز القدرات الإقليمية، وإضفاء الطابع المؤسسي على تعزيز التعاون بين قوات الأمن في المنطقة، وتعزيز العلاقات العسكرية الثنائية مع الولايات المتحدة الأمريكية. وأنشأت وزارة الدفاع الأمريكية عملية “الحرية الدائمة عبر الصحراء” للقيام بالمهام العسكرية للشراكة، حيث تولت التدريب والمناورات المشتركة بين القوات الأمريكية ودول الشراكة. ورفعت إدارة الرئيس “أوباما” تمويل البرنامج من 15 مليون عام 2009، إلى 20 مليون دولار عام 2010.

ب. قوة العمل المشتركة “أزتيك الصامتة”

أنشأت القيادة الأمريكية الأوروبية قوة العمل المشترك “أزتيك الصامتة” تحت قيادة الأسطول السادس، لتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب في شمال وغرب أفريقيا، ولتنسيق العمليات الأمريكية مع دول المنطقة. وتتولى القوة عمليات المراقبة باستخدام إمكانات الأسطول السادس، وتبادل المعلومات الاستخباراتية بين وكالات الاستخبارات الأمريكية والقوات العسكرية المحلية.

وتضم هذه القوة سرباً من طائرات الاستطلاع الأمريكية، يتمركز في جزيرة صقلية. وفي مارس 2004، أُعيد تمركزه في جنوب الجزائر، بقاعدة “تمنراست”، وذلك لجمع المعلومات عن تحركات مقاتلي الجماعة السلفية الجزائرية التي تعمل في تشاد ومواجهتها، وتقديم المعلومات للقوات التشادية التي تشارك في مكافحة الجماعات الإرهابية.

ج. برنامج التعليم والتدريب العسكري الدولي (أحد برامج المساعدات الأمنية العسكرية)

 يقوم على تعليم الأشخاص الأجانب من المدنيين والعسكريين وتدريبهم في الجيش الأمريكي والمؤسسات التعليمية التابعة له. وتتولى وزارة الخارجية الأمريكية تمويل البرنامج، الذي يأتي للدول المستفيدة في شكل منح.

والدول الأكثر استفادة من البرنامج هي تشاد، وجيبوتي، وإثيوبيا، وغانا، وكينيا، وليبريا، ومالي، والنيجر، ونيجيريا، ورواندا، والسنغال، وجنوب أفريقيا، وأوغندا.

ويُعد البرنامج من أهم برامج التعاون العسكري الأمريكي وأخطرها، حيث يركز على تدريب الأفراد المتوقع توليهم مناصب قيادية في المستقبل.

د. برنامج المساعدة والتدريب على عمليات الطوارئ الأفريقية

حل هذا البرنامج محل مبادرة الاستجابة للأزمات الأفريقية، ويهدف إلى رفع مستوى القدرات العسكرية الأفريقية في مهام حفظ السلام، ويوفر التدريب على عمليات دعم السلام، بما في ذلك تدريب وحدات المشاة الخفيفة، والوحدات التكتيكية الصغيرة.

قام البرنامج، خلال عام 2009، بتوسيع نظام تبادل المعلومات الإقليمي في جماعة الإيكواس، وذلك لتمكين الدول الأعضاء في الجماعة من تبادل المعلومات والاتصال عبر الأقمار الصناعية.

هـ. القيادة العسكرية الأمريكية (الأفريكوم)

في 6 أبريل 2007، أعلن “روبرت جيتس” وزير الدفاع الأمريكي أمام مجلس الشيوخ، أن الرئيس “بوش” قد اعتمد قراراً إنشاء قيادة عسكرية أمريكية جديدة للقارة الأفريقية، بدلاً من الوضع الراهن الذي يُقسم القارة بين ثلاث قيادات عسكرية. وقد أُطلق على القيادة الجديدة “أفريكوم”، ووقع الاختيار مدينة شتوتجارت الألمانية مقراً مؤقتاً لها، وأنها ستعمل بكامل قدراتها في أكتوبر 2008. ويشمل نطاق عملها كل القارة الأفريقية، باستثناء مصر، التي ستظل كما هي ضمن نطاق القيادة المركزية الأمريكية. ولها اهداف معلنة تتلخص في بناء الشراكة مع دول القارة وتطويرها، وإدارة أنشطة الأمن والتعاون، وإدارة العمليات العسكرية، وخاصة في غرب القارة، ومكافحة الإرهاب وانتشار الشبكات الإرهابية في شمال وغرب القارة، بالإضافة إلى محاصرة النفوذ الأوروبي والتغلغل الصيني.

وأثار قرار تأسيس الأفريكوم الكثير من القلق بدول القارة، ما حدا بوزارة الدفاع الأمريكية إرجاء نقل مقر القيادة إلى القارة حتى تتمكن من إقناع الدول المعنية بتقبل الفكرة.

  1. الأهمية الجيوسياسية لأفريقيا في دوائر السياسة الخارجية الأمريكية

على الرغم من امتداد الالتفات الأمريكي لكامل القارة الأفريقية، إلا أن هذا الالتفات لا يشمل عموم أنحاء القارة بدرجة واحدة، وذلك لعدة عوامل واعتبارات. ويدفع الهم الأمني ومكافحة الإرهاب باهتمام الولايات المتحدة الأمريكية إلى نطاق جغرافي ممتد جنوب الصحراء الكبرى، ليشمل عدة دول أصبح نفوذ  تنظيمات الإسلام الراديكالي متزايداً بها، كشمال مالي، وتشاد، ونيجيريا، حيث تنامى نموذج القاعدة الفكري في شمال أفريقيا، ودول جنوب الصحراء.

في حين يتصدر ملف الأزمة في مالي، ممثلاً في جماعات الطوارق المسلحة، والجماعات المحسوبة على القاعدة فكراً أو تنظيماً في شمال مالي، بالإضافة إلى جماعة بوكو حرام في نيجيريا، أجندة الاهتمام الأمريكي بشأن التنظيمات المسلحة المحسوبة بدرجة أو بأخرى على الإسلام الراديكالي، وتنامى الحديث إعلامياً عن المتمردين الطوارق وتنظيمهم المعروف بالحركة الوطنية لتحرير أزواد، مع إعلانهم استقلال شمال مالي في أعقاب الانقلاب العسكري، في 22 مارس 2012.

وكان ظهورها في إطار مجموعة من الحركات الأزوادية وتمردها على سلطة الحكومة المركزية لمالي والنيجر، وتكونت من مجموعات من مجندين ماليين ونيجيريين سابقين من أصول طوارقية.

ومن مظاهر الاهتمام الأمريكي بما يحدث، ما صرح به الجنرال “كارتر هام” رئيس القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) لوكالة رويترز، في يوليه 2012، من أن جناح القاعدة في شمال أفريقيا هو المهيمن على القوى الإسلامية التي تسيطر على شمال مالي، وأن المجتمع الدولي وحكومة مالي يواجهان تحدياً معقداً في محاولة التعامل مع الوجود المتزايد لهذا التنظيم في شمال صحراء مالي. مُشيراً بذلك لاحتمالات تدويل هذا الملف.

ومن ثم تُعد المنطقة التي ينشط فيها هذه التنظيمات في شمال مالي منطقة ذات حيثية اقتصادية وإستراتيجية مهمة، حيث إنها تمثل معبراً لتجارة السلاح والهجرة غير الشرعية، وتهريب المخدرات. وتمثل من ناحية أخرى أهمية عسكرية تتجاذب نحوها أنظار كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.

ثانياً: مواقف دول الجوار الإقليمي تجاه الانفصال

  1. الجزائر

تبلغ حدود الجزائر مع شمال مالي 1200 كم، ويأتي موقف الجزائر من انفصال شمال مالي في إطار إدارة الجزائر سياسياً وأمنياً لملف الإرهاب، وهي إدارة تتسم بدرجة عالية من الدقة التي تستلزم تحليلاً متكاملاً لأبعاد الخطورة وحيوية الملف، بوصفه وثيق الصلة بالاستقرار الداخلي للدولة.

ونجحت سياسة الجزائر في مواجهة الإرهاب في المنطقة إلى حد كبير، ويمكن القول أن السياسة الأمنية الجزائرية تتسم بأنها ذات مسارين في مواجهة الإرهاب

أ. المسار الأول: الاحتواء

تعتمد الجزائر في هذا المسار أحد أساليب ثلاثة أو كلها مجتمعة، وتتمثل في:

(1) الاشتباك الأمني المباشر مع عناصر الإرهاب، وذلك على أرض الإقليم الجزائري.

(2) زرع عناصر مخابراتية في صفوف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي.

(3) التعامل مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي تعاملاً أيديولوجياً، بهدف منع استفزاز هذا التنظيم، تحقيقاً للاستقرار الداخلي، وذلك بمنع فتح المجال الجوي أمام الطائرات الأمريكية الموجهة من دون طيار، والتي من الممكن أن تتصيد بمهارة عالية مجمعات هذا التنظيم، وهذا يُدخِل الجزائر في المستنقع الأفغاني.

كما عارضت الجزائر وجود “أفريكوم” على أراضيها، ورفضت الاشتراك مع فرنسا في أي عمل عسكري، وذلك لأن تنظيم القاعدة يرى أن الغرب هو عدوه الإستراتيجي.

ب. المسار الثاني: إبعاد الخصم

هذا هو منطلق موقف الجزائر بعد انفصال مالي، فالجزائر ترفض رسمياً انفصال شمال مالي، حتى لا تبدو دبلوماسياً ودولياً أنها تتعارض مع المجتمع الدولي، إذ أن منع قيام دولة مستقلة في شمال مالي يزيد من النفوذ الإقليمي والدولي للجزائر، ولكن الجزائر لن تترك تنظيم القاعدة ينفرد بشمال مالي، لأن الطوارق قوة عسكرية موالية تماماً للجزائر. هذا التوازن بين قوتين إحداهما موالية تماماً للجزائر، والأخرى مخترقة من أجهزة مخابراتها، وهي القاعدة، تمكن الجزائر من تحقيق استقرار الاستثمارات النفطية في شمال مالي للشركة الوطنية الجزائرية “سوناتراش”، واكتساب 822 ألف كم2، مساحة شمال مالي، عمقاً إستراتيجياً جديداً للجزائر.

  1. النيجر

من المعروف أن رئيس وزراء النيجر “بريجي رافيني”، ونائبه من طوارق النيجر. والنيجر هي ثاني منتج في العالم لليورانيوم، وتقوم شركة (أريفا) الفرنسية بالاستثمار في استخراجه، وهي من أكبر منتجي المفاعلات النووية دولياً. كما توجد بها استثمارات دولية أخرى في مجال إنتاج الفحم والذهب، في منطقة الأجاديز، ولا يقطن في هذه المناطق إلا نصف مليون من الطوارق.

وتعارض النيجر أي تدخل عسكري في الأزواد، لأن رد الفعل المتوقع في حالة حدوث هذا التدخل هو أن يتحرك طوارق شمال مالي ليدخلوا صحراء الأجاديز بشمال النيجر، ما يؤثر سلباً على الاستثمارات الدولية القائمة المزدهرة في النيجر.

عموماً، فإن الطوارق في النيجر لا يعانون من ذلك الشعور بالإقصاء والاضطهاد، كما في شمال مالي، لأنهم متداخلون مع بقية الأعراق في كل مناطق النيجر. إلا أن عدم التدخل العسكري ضد طوارق شمال مالي يدعم الاستقرار الداخلي للنيجر، التي ينتشر بها الطوارق في كل أقاليمها.

  1. موريتانيا

اختار الرئيس الموريتاني “محمد ولد عبدالعزيز” أن يكون دوماً حليفاً لفرنسا في منطقة الساحل. ومن هذا المنطلق حرصت باريس على تحديث الجيش الموريتاني، الذي تحرك عدة مرات عابراً الحدود المشتركة مع شمال مالي، التي تبلغ 900 كم طولاً، لتنفيذ مهام ضد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي. ومن ثم فالعداء قديم بين النظام في موريتانيا وتنظيم القاعدة. ولكن على الجانب الآخر كان الرئيس الموريتاني وسيظل حليفاً لطوارق الأزواد.

وما من شك في أن انفصال شمال مالي يشكل تهديداً مباشراً لنظام الرئيس الموريتاني، الذي يعاني حالياً من مواجهات مع المعارضة الموريتانية، التي تأمل في الإطاحة به. وفي ظل وجود التهديد بقلاقل داخلية وقلاقل حدودية من جانب تنظيم القاعدة، يتوثق تأييد الرئيس الموريتاني لطوارق الأزواد، بهدف إضعاف تنظيم القاعدة واحتوائه.

  1. المغرب

أعلنت وزارة الخارجية المغربية عن رفضها الاستيلاء على السلطة بالقوة في مالي، مُشيرة إلى ضرورة التمسك بالدستور. وجاء في بيان الوزارة “بعد الانقلاب العسكري في جمهورية مالي، ندعو إلى التمسك بأحكام الدستور واحترام المؤسسات المنتخبة”. وأضاف البيان أن المغرب يعد بالعمل من أجل الحفاظ على السلام والأمن والاستقرار في منطقة الساحل والصحراء، بالتعاون في هذا المجال مع دول المنطقة والمنظمات الإقليمية المعنية. كما أوضح البيان أن المملكة تجدد التأكيد على تمسكها باستقرار ووحدة وسيادة أراضي جمهورية مالي، مُشيراً إلى أن الرباط أنشأت خلية مهمتها متابعة وضع المواطنين المغاربة في جمهورية مالي، والسهر على حمايتهم وحماية مصالحهم.

ثالثاً: موقف الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس)

  1. وجهة النظر العامة

وصلت جهود الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا لحل الصراع في شمال مالي إلى طريق مسدود، حيث إن الوساطة التي تضطلع بها المجموعة لم تؤد إلى حل مناسب، إذ انقسمت الآراء داخل الجماعة إلى من يطالب بالتدخل واستخدام القوة العسكرية، ومن يطالب بإتباع أساليب أقل حدة وتدرجاً. ومما يدعو إلى الشك في مقدرة الجماعة الاقتصادية على حل النزاع، عدم قدرتها على الحصول على الدعم المناسب من مجلس الأمن أو الولايات المتحدة الأمريكية أو الجزائر، التي تعدها دول الجوار الإقليمي وسيطاً لحل الأزمة.

تسعى المجموعة الاقتصادية إلى تنفيذ عملية انتشار عسكري على مراحل في مالي. تستلزم المرحلة الأولى منه تأمين عملية الانتقال السياسي، وتطوير المؤسسة المالية العسكرية لوضع الأسس لتنفيذ عمل عسكري. أما المرحلة الثانية، فينفذ فيها التدخل العسكري في الشمال.

ولكن من المحتمل ألا تنجح هذه الإستراتيجية، حيث أعلنت كل من غانا والسنغال عدم مشاركتهما في الانتشار العسكري في مالي، بينما تُبدي كل من النيجر وبوركينا فاسو استعدادهما للتدخل العسكري، حتى ولو كانت الأوضاع السياسية في جنوب مالي غير ملائمة.

وفي ضوء وجود عدم استقرار في الشمال، وعدم القدرة الحكومية في الجنوب، فإن أي تدخل مبكر لن يُعطي نتائج ملموسة. فالجيش المالي في حالة فوضى، وقد رفض حتى الآن السماح بنشر جنود من غرب أفريقيا في باماكو، كما رفض أي تدخل مباشر من المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (الإيكواس). وفضلاً عن ذلك، فإن المرحلة الأولى من الإستراتيجية بالغة الأهمية للمرحلة الثانية من التدخل العسكري في الشمال، ومن دون هذه الإستراتيجية يبدو التدخل غير مرجح.

وبعد الإطاحة بنظام الرئيس “أمادو توري”، ضغطت الإيكواس على الرئيس “ساناغو” للتنازل عن السلطة لحكومة مؤقتة بقيادة “ديونكوندا تراوري”، خاصة في ظل عجز الإدارة الجديدة عن إثبات وجودها سياسياً. كما أن الأحزاب عديدة ومجزأة، ما يعرقل إنشاء جبهة وطنية متحدة. بالإضافة إلى أن الشمال مازال يسوده الارتباك بشأن مدى تقارب الجماعات المسلحة أو تداخلها. وظهر ذلك في تنازل الحركة الوطنية لتحرير أزواد عن الأراضي التي استولت عليها ـ بعد هزيمتها للقوات الحكومية ـ إلى قوات إسلامية مسلحة بقيادة جماعة أنصار الدين.

ومن شأن التدخل العسكري أن يفشل أيضاً من دون دعم البلدان الرئيسة في المنطقة، مثل الجزائر وموريتانيا والنيجر. وحتى الآن لم تتمكن المجموعة من تنسيق إجراءاتها، حيث تدعو النيجر إلى تدخل عسكري، فيما تعارضه كل من الجزائر وموريتانيا، إذ تتعرض الجزائر للضغوط طبقاً لمواقفها الإقليمية والدولية، أما موريتانيا فإن أي عمل عسكري قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على استقرار البلاد.

  1. جهود الإيكواس للتسوية

تنبع جهود الإيكواس للتسوية من المنطلقات التالية

أ. التخوف من تقسيم البلاد: حيث هناك قوى تنادي بدعاوى انفصالية، وهذا قد يحدث بصورة عنيفة خلافاً لحالات تدخل الإيكواس السابقة في كل من سيراليون، وساحل العاج، وغينيا بيساو.

ب. التخوف من انتقال عدوى الانفصال إلى الدول المجاورة: حيث إن قبائل الطوارق تنتشر في منطقة صحراوية واسعة، تمتد من حدود مصر الغربية شرقاً، إلى ليبيا وتشاد والجزائر وموريتانيا والنيجر وبوركينا فاسو غرباً.

ج. وجود تنظيم إسلامي مسلح يسعى لإقامة إمارة إسلامية: وكل هذه التنظيمات المسلحة الموجودة، مثل حركة التوحيد والجهاد، وجماعة أنصار الإسلام، لها علاقة وثيقة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي.

د. التخوف من مشكلات اللجوء والنزوح: التي قد ينشأ عنها مأساة إنسانية.

يُلاحظ أنه لم تكن هناك أي مشكلات قانونية بشأن تدخل الإيكواس لحسم النزاع، رغم التخوفات السابقة، حيث إن النظام الشرعي قد طلب هذا التدخل، حيث طلب الرئيس الانتقالي “ديونكوندا تراوري”، في بداية سبتمبر 2012، دعماً جوياً ولوجستيا، وخمس كتائب قتالية لدعمه في استعادة السيطرة على البلاد والقضاء على المتمردين.

  1. خطوات الإيكواس للتسوية

أ. فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على مالي

ففي 2 أبريل 2012، قررت الإيكواس تعليق عضوية مالي بها، وحظر اقتصادي شامل عليها، يشمل إغلاق جميع الحدود لجميع الدول أعضاء الإيكواس معها، ومنع التجارة، باستثناء السلع الإنسانية.

ب. التوصل لاتفاق سياسي مع زعماء الانقلاب

وقع عليه قائد المجموعة العسكرية “أمادو سانوغو” في باماكو، ينص على تولي رئيس البرلمان “ديونكوندا تراوري” الرئاسة لمرحلة انتقالية، مع تعيين رئيس للوزراء وحكومة انتقالية، على أن تكون مهمة الرئيس الانتقالي تنظيم اقتراع رئاسي خلال المهلة الدستورية المحددة بأربعين يوماً. كما نص الاتفاق على إصدار عفو عام عن الانقلابيين، وحماية الرئيس المخلوع “أمادو توماني توري”.

ج. عقد مؤتمرات قمة للتحضير للقوات التابعة للإيكواس

ففي خلال الستة أشهر التالية للأزمة، عملت الإيكواس على عقد عدة مؤتمرات قمة من خلال وسيط من بوركينا فاسو، مع عقد اجتماعات لرؤساء أركان دول الإيكواس، للتحضير لإرسال بعثة عسكرية من دول الإيكواس.

د. قرار الإيكواس بإرسال قوات تابعة لها

قررت الإيكواس، في يونيه 2012، إرسال قوات تابعة لها، تبلغ 3300 جندي، لمساعدة الجيش المالي في استعادة السيطرة على المناطق الشمالية، بحسبان أن هذا هو الأساس لتسوية الأزمة. وقد طالبت مجلس الأمن بالموافقة على إرسال هذه القوات، بموجب الفصل السابع من الميثاق، مع أهمية التنسيق الإقليمي والدولي.

أظهرت اجتماعات الإيكواس على مستوى رؤساء الأركان في كل من أبيدجان وباماكو، في أغسطس 2012، مدى التباين في وجهات النظر بين الإيكواس والجيش المالي، الذي يتمثل في تحديد مناطق انتشار قوات الإيكواس. فقد رغبت حكومة مالي في انتشار قوات الإيكواس في شمال البلاد فقط، بينما رأت الإيكواس أنه لكي تنفذ العملية بنجاح، فلابد من إقامة قاعدة لوجستية في العاصمة باماكو في الجنوب، تشمل فريقاً عسكرياً ومدنياً، مع التدخل عبر مجموعة من المراحل، تبدأ بإرسال قوات إلى العاصمة لتقوية الحكومة الانتقالية، ثم المساعدة في إعادة تنظيم الجيش الوطني، ثم أخيراً إرسال قوات عسكرية مشتركة لاستعادة الأوضاع في الشمال.

لكن حكومة مالي رفضت نشر قوات الإيكواس في العاصمة، وبهذا عُرقلت جهود الإيكواس. وعلى أثر ذلك طلب الرئيس المالي “ديونكوندا تراوري” من الأمين العام للأمم المتحدة، إصدار قرار من مجلس الأمن يسمح بتدخل قوة دولية (قرار مجلس الأمن الرقم 2071، الصادر في 5 أكتوبر 2012).

رابعاً: موقف الاتحاد الأفريقي من الأزمة

طالب وفد من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، قادة الانقلاب العسكري الذين سيطروا على الحكم في دولة مالي، بالتخلي عن السلطة. وحذر الوفد مجموعة الانقلاب أنه لا شروط للعودة بالعمل بالدستور، وذكر رئيس الوفد أن زعماء الانقلاب لم يحددوا إطاراً زمنياً لإعادة السلطة، وأن الوقت ليس في صالحهم، وكلما طال بقاؤهم في السلطة تعقدت الأمور.

أرسل رئيس كوت ديفوار “الحسن وتارا”، والرئيس الحالي للإيكواس بعثة مشتركة جمعت وفداً مكوناً من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، بقيادة “قادر ديزير أودراوجو” رئيس مفوضية الإيكواس، في 24 مارس 2012، لإجراء مباحثات في باماكو مع رئيس اللجنة الوطنية للإصلاح الديموقراطي، واستعادة الدولة “الكابتن أمادو ساناغو”، وتوصيل رسالة للسلطات المالية. وجرت المباحثات في اجتماعات مغلقة.

قرر الاتحاد الأفريقي تعليق عضوية مالي وتجميد مشاركتها في جميع أنشطة الاتحاد، وذلك إلى حين استعادة النظام الدستوري. وقال رئيس الاتحاد الأفريقي أنه سيرسل بعثة لتقييم الأوضاع بعد الانقلاب الذي أطاح بالرئيس “أمادو توري”. وذكر رئيس مجلس السلم والأمن الأفريقي التابع للاتحاد، أن هذا التجميد لن يرفع إلا بعد استعادة النظام الدستوري في مالي. فيما قرر صندوق التنمية الأفريقي تعليق تمويل دولة مالي.

أعلن الاتحاد الأفريقي عن فرض عقوبات على زعماء الانقلاب العسكري في مالي ومساعديهم، الذين يرفضون عودة النظام الدستوري للبلاد. وقال مفوض الاتحاد الأفريقي لشؤون السلم والأمن في تصريحاته، عقب اجتماع للمجلس عُقد في أديس أبابا، أن المجلس قرر فرض عقوبات، وأنها سيبدأ سريانها على الفور، وتستهدف حظر السفر وتجميد أصول زعيم المجلس العسكري، وكذلك الكيانات التي تعرقل عودة النظام الدستوري. كما أضاف أن المجلس أقر القرار الذي اتخذته الدول الأعضاء بالتجمع الاقتصادي لدول غرب أفريقيا (الإيكواس) بتنشيط قوة الاحتياط الجاهزة التابعة للجماعة.

كما عقد مجلس السلم والأمن اجتماعاً في أديس أبابا، لبحث تطورات الأوضاع في مالي، بمشاركة الدول الأعضاء في المجلس، واستمع خلاله إلى بيان رئيس المفوضية، وإلى بيانات عن ممثلين عن مالي وعن الإيكواس.

وبتسليم السلطة إلى رئيس الحكومة الانتقالية، رحب مفوض الاتحاد لشؤون السلم والأمن بتسليم السلطة في مالي إلى الرئيس الانتقالي “ديونكوندا تراوري”، وذكر أن المجلس يُبدي الشعور بالارتياح لأداء الرئيس الانتقالي اليمين القانونية، كما أشاد المجلس بالجهود التي بذلتها الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس) في التوصل لاتفاق لتسليم السلطة، وسيعقد المجلس اجماعاً حول مالي في أديس أبابا، لاتخاذ الإجراءات المناسبة حيال هذا التطور.

طالب مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي بحل المجموعة الانقلابية فعلياً، مندداً بتدخلاتها غير المقبولة في المرحلة الانتقالية. وجاء في بيان صدر في ختام اجتماع المجلس “أن المجلس يطالب بإنهاء التدخلات غير المقبولة للمجموعة العسكرية والداعمين لها من المدنيين، في إدارة المرحلة الانتقالية”، وطالب بالحل الفعلي للمجموعة الوطنية لإعادة الديموقراطية وإعادة بناء الدولة، التي كانت تسلمت السلطة في مالي، في 22 مارس 2012، أثر الانقلاب الذي قامت به.

وكان زعماء دول غرب أفريقيا قد طالبوا بتشكيل حكومة وحدة وطنية في مالي، قبل 31 يوليه 2012، تحت طائلة فرض عقوبات على من يعرقل هذا التشكيل. ويكشف هذا الموقف عن نفاد صبر دول غرب أفريقيا من الوضع القائم في باماكو، رغم الاجتماعات المتعددة التي عٌقدت على مستوى القمة، واستيائها الشديد من دفع العملية الانتقالية لطي صفحة الانقلاب.

في 21 أكتوبر 2012، قرر الاتحاد الأفريقي رفع تجميد عضوية مالي بعد انقلاب 22 مارس، في أنشطة الاتحاد الأفريقي، كما أقر خطة تهدف إلى استعادة سلطات الدولة في شمال البلاد، التي سيطر عليها مجموعات إسلامية مسلحة بعد الانقلاب. ودعا إلى تنظيم انتخابات في مالي، في أوائل عام 2013. وتستهدف خطة العمل التي ستُحال إلى مجلس الأمن الدولي، تنظيم انتخابات حرة وعادلة خلال الفصل الأول من عام 2013.

خامساً: موقف الأمم المتحدة من الأزمة

دعا مجلس الأمن الدولي إلى العودة للنظام الدستوري والحكومة المنتخبة ديموقراطياً في مالي، وجاء في البيان “أن الأعضاء الخمسة عشر يدينون بشدة الانقلاب في مالي، ويطلبون من العسكريين المتمردين ضمان أمن الرئيس “أمادو توري”، والعودة إلى ثكناتهم”.

أعلن الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لغرب أفريقيا، أن الانقلاب العسكري في مالي غير مقبول، داعياً السلطة العسكرية الحاكمة إلى ضمان سلامة الرئيس “أمادو توري”، كما ذكر أيضاً أن دول غرب أفريقيا أمهلت السلطات العسكرية في مالي 72 ساعة لعودة الوضع إلى طبيعته. وأضاف إلى أن الانقلاب غير مقبول لأنه كان ضد رئيس منتخب ديموقراطياً، وفي وقت كانت فيه الأسرة الدولية مستعدة لتقديم دعم للتوصل إلى حل سلمي لشمال البلاد، حيث ينتشر المتمردون. كما دعا أيضاً إلى ضمان سلامة الرئيس المخلوع، والإفراج عن الأشخاص الذين اعتقلوا بعد الانقلاب.

طالب وفد الأمم المتحدة قادة الانقلاب العسكري، الذي سيطر على الحكم في مالي، بالتخلي عن السلطة، معلناً أن خططهم لحل مشكلات البلاد وإعادة الأمن قبل تنحيتهم لن تفلح.

  1. إنشاء بعثة الأمم المتحدة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي

أنشئت بعثة الأمم المتحدة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، بموجب قرار مجلس الأمن الرقم 2100، المؤرخ في 25 أبريل 2013. وبموجب أحكام هذا القرار، ستُدعم البعثة العملية السياسية، وستقوم بعدد من مهام الأمن المتصلة بتحقيق الاستقرار، مع التركيز على المراكز السكانية، وخطوط الاتصال الرئيسة، وحماية المدنيين، ورصد حقوق الإنسان، وتوفير الظروف لتوفير المساعدات الإنسانية، وعودة المشردين، وبسط سلطة الدولة، والتحضير لانتخابات حرة شاملة.

  1. دعم العملية السياسية والمساعدة على تحقيق الاستقرار

ستؤدي البعثة مهامها في إطار قواعد اشتباك محكمة، في ظل ولاية تشمل استخدام جميع الوسائل الضرورية لمواجهة التهديدات التي تعترضها في تنفيذ مهامها، التي تشمل حماية المدنيين المعرضين لخطر العنف، وحماية أفراد الأمم المتحدة، ومن الممكن أن يشمل ذلك قيام البعثة بعمليات بمفردها أو بالتعاون مع قوات الدفاع والأمن المالية. وقد أُذن للقوات الفرنسية بالتدخل لدعم البعثة في حالة التهديد.

  1. إنشاء مكتب الأمم المتحدة في مالي وبعثة الدعم الدولية بقيادة أفريقية

في أعقاب انقلاب مارس 2012، وانفصال إقليم أزواد، في أبريل 2012، عرض الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لغرب أفريقيا على السلطات المالية، أن تمدها الأمم المتحدة بالدعم، وترتب على ذلك أن طلبت السلطات المالية المؤقتة المساعدة من الأمم المتحدة في بناء قدرات السلطات الانتقالية المالية، في مجالات التفاوض السياسي، والانتخابات، والحوكمة، وإصلاح قطاع الأمن، والمساعدات الإنسانية.

وأُجريت مشاورات إضافية أدت إلى نشر بعثات الأمم المتحدة في مالي، في منتصف يناير 2013. فقد أُذن بإنشاء وجود متعدد التخصصات للأمم المتحدة، بقرار مجلس الأمن الرقم 2085 المؤرخ في 20 ديسمبر 2012، لتقديم دعم منسق متجانس في العملية السياسية الجارية والعملية الأمنية، بما في ذلك دعم أعمال التخطيط لبعثة الدعم الدولية في مالي، بقيادة أفريقية، وأُذن بنشر بعثة الدعم الدولية بموجب أحكام نفس القرار الصادر من مجلس الأمن، بهدف الإسهام في إعادة بناء قدرات قوات الدفاع والأمن المالية، ودعمها في استعادة مناطق الشمال من إقليمها الواقعة تحت سيطرة الجماعات الإسلامية المسلحة.

  1. استنكار مجلس الأمن للانقلاب في مالي

استنكر مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة بشدة الانقلاب، وقال في بيان صادر من مكتب الأمين العام، أنه يدعو كل المسؤولين للامتناع عن أية أعمال قد تؤدي إلى مزيد من العنف، ومزيد من زعزعة الاستقرار في البلاد، وإلى إعادة الحكم الدستوري إلى مالي. وقد ذكر مساعد الأمين العام “لين باسكو”، أنه قدم تقريراً للأمين العام “بان كي مون” يُفيد بأنه لا يُرجى النفع من الإطاحة برئيس منتخب قبل شهر أو ستة أسابيع من الموعد المفترض لإجراء انتخابات جديدة.

كما ذكر السفير البريطاني في الأمم المتحدة، الذي يتولى رئاسة مجلس الأمن الدورية لهذا الشهر، أنه ترددت معلومات عن احتجاز وزراء في حكومة مالي، ودعا مجلس الأمن إلى الإفراج عن المسؤولين الماليين الذين جرى اعتقالهم.

  1. موافقة مجلس الأمن على نشر قوات عسكرية في شمال مالي

لتحقيق الاستقرار في مالي، واستعادة الأوضاع في شمال مالي، وافق مجلس الأمن الدولي على نشر قوات عسكرية في منطقة شمال مالي، بالمشاركة مع قوات عسكرية تقودها أفريقيا، وستحاول طرد تنظيم القاعدة والجماعات المسلحة الأخرى من المنطقة.

وأجاز مجلس الأمن الدولي، المكون من خمس عشرة دولة، بالإجماع التدخل العسكري في مالي، وأعطى القوات في البداية الوصاية لمدة سنة واحدة للمساعدة في استعادة شمال البلاد من الجماعات الإرهابية المسلحة، التي سيطرت على شمال البلاد بعد انقلاب مارس.

وجاءت موافقة الأمم المتحدة على هذا الحل، بعد اقتراح فرنسا بعد أسابيع من المباحثات مع الولايات المتحدة الأمريكية، كما سيؤذن للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء الأخرى في الأمم المتحدة، في مساعدة إعادة بناء القوات الأمنية المالية.

المبحث الرابع: قرار مجلس الأمن الدولي والتدخل العسكري الفرنسي

أولاً: قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن التدخل في مالي

أصدر مجلس الأمن عدة قرارات مهمة بشأن الأوضاع في مالي، تلخصت في القرارات الآتية:

وسنعرض فيما يلي لهذه القرارات الصادرة بشأن الوضع في مالي، بشيء من التحليل.

  1. قرار مجلس الأمن الرقم 2056، في 3 يوليه 2012

اتُخذ مجلس الأمن هذا القرار، في جلسته الرقم 6798، المنعقدة في 3 يوليه 2012، بخصوص الأوضاع في مالي. وأهم ما جاء بهذا القرار هو تأكيده الالتزام بسيادة الأراضي المالية ووحدتها وسلامتها الإقليمية، وإدانته للانقلاب العسكري في 22 مارس 2012، الذي أنهى سلطة الحكومة الديموقراطية المنتخبة. وأشاد بالجهود التي تبذلها الجماعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (الإيكواس)، والاتحاد الأفريقي، للمساعدة في إعادة النظام الدستوري في مالي.

كما أشار القرار إلى الجهود التي يقوم بها الوسيط الخاص بالإيكواس، رئيس بوركينا فاسو “بليز كومباوري”، وبالخطوات الإيجابية التي اتخذتها الحكومة في مالي، بالتوقيع في 6 أبريل 2012، على الاتفاق الإطاري الذي يسعى لإعادة إرساء الحكم الدستوري بالبلاد.

وأكد البيان على دعم مجلس الأمن لجهود الأمين العام للأمم المتحدة، التي تُبذل بواسطة ممثله الخاص لغرب أفريقيا، ويشدد على ضرورة الحوار بين مختلف الجهات السياسية والسلطة الانتقالية.

ويُلاحظ الآتي

أ. أن القرار الرقم 2056، جاء معبراً عن رغبة المجتمع الدولي، ممثلاً في مجلس الأمن، في تأكيده عدم شرعية القيام بأية انقلابات عسكرية، ومستنكراً قيام القوات المسلحة المالية المالية بانقلاب 22 مارس 2012، متجاهلاً سوء الأوضاع الداخلية التي أدت إلى قيام بعض قادة القوات المسلحة بمحاولة دعم الاستقرار الداخلي، والقضاء على المتمردين في شمال مالي.

ب. رحب القرار بجهود الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس) بوصفها جماعة إقليمية فرعية، وأقر مجهوداتها السلمية الخاصة بمحاولة المساعدة في إعادة النظام الدستوري، علماً بأن الإيكواس لها قوات عسكرية مُشكلة تُسمى (قوات الإيكوموج)، وقد سبق لها التدخل العسكري بهذه القوات في بعض دول غرب أفريقيا، مثل السنغال، وساحل العاج.

ج. أكد البيان دعم جهود ووساطة الأمين العام للأمم المتحدة التي تتلخص في المساعدة في دعم الحوار بين الأطراف، ولم يشر إلى ضرورة التدخل العسكري لاستعادة الأمن والاستقرار بالقوة المسلحة.

د. قرر البيان أن الحالة في مالي تُشكل خطراً يهدد السلام والأمن الدوليين في المنطقة، وإنه يمكن التصرف طبقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

  1. القرار الرقم 2071، في 12 أكتوبر 2012

اتُخذ مجلس الأمن هذا القرار، في جلسته الرقم 6846، المنعقدة في 12 أكتوبر 2012. وأهم ما جاء به أن المجلس يعبر عن قلقه إزاء انعدام الأمن، نتيجة أنشطة الجماعات المسلحة. ويؤكد مسؤولية السلطان المالية عن تحقيق الأمن وحماية مدنييها، ويشجع المجتمع الدولي على تقديم الدعم لتسوية الأزمة، من خلال إجراءات منسقة. كما يعلم إحاطته بطلب السلطات الانتقالية المساعدة العسكرية من أجل إعادة تنظيم القوات المسلحة في مالي، واستعادة السلامة الإقليمية، وكذا بطلب السلطات من الإيكواس أيضاً بنشر قواتها في مالي. كما يوضح أن السلطات في مالي خاطبت الأمين العام، طالبة الإذن بنشر قوة عسكرية دولية، وذلك بعد استصدار قرار من مجلس الأمن.

كما رحب المجلس بتعيين حكومة وحدة وطنية، داعماً الرئيس المؤقت “ديونكوندا تراوري”، ويكرر المجلس مطالبته بعدم تدخل القوات المسلحة في عمل السلطة الانتقالية.

ويُلاحظ الآتي

أ. أن القرار الرقم 2071، جاء ليوضح طلب الحكومة المالية المؤقتة للدعم العسكري، نتيجة عدم قدرتها على تحقيق الاستقرار في البلاد، بسبب القدرة المحدودة لقواتها المسلحة في مواجهة قوات المتمردين المتمركزة في شمال مالي، والتي تمتلك قدرة عسكرية أكبر، وقد تحقق لها هزيمة القوات الحكومية في فترة سابقة.

ب. يُعبر المجلس عن علمه برسالة السلطة الانتقالية، في 23 سبتمبر 2012، إلى الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، بشأن نشر قوات الجماعة في مالي. وكذلك الرسالة الموجهة من السلطات المالية إلى الأمين العام للأمم المتحدة، بطلب نشر قوة عسكرية دولية، بعد استصدار قرار بذلك من مجلس الأمن، طبقاً للرسالة المؤرخة في 18 سبتمبر 2012.

ج. أن المجلس قد أُخطر بواسطة الجماعة الاقتصادية من طريق الأمين العام للأمم المتحدة، باستصدار قرار لنشر قوة لتحقيق الاستقرار في مالي، طبقاً لنص الفصل السابع من ميثاق منظمة الأمم المتحدة، وكذلك علمه بمخاطبة الإيكواس للاتحاد الأفريقي للتعاون معها في كيفية وطرق ووسائل نشر القوة الدولية لتحقيق الاستقرار في مالي.

د. رغم طلب نشر قوة عسكرية، إلا أن المجلس يحث السلطات الانتقالية في مالي، وجماعات المتمردين والممثلين الشرعيين للسكان المحليين في شمال مالي على الدخول في أقرب وقت ممكن، في مفاوضات جادة ذات صدقية، سعياً للتوصل لحل سلمي.

هـ. أوضح المجلس استعداده، بمجرد تلقيه تقريراً من الأمين العام للأمم المتحدة، للاستجابة إلى طلب السلطة الانتقالية في مالي، لنشر القوة العسكرية الدولية المطلوبة، لمساعدة القوات المسلحة المالية في استعادة المناطق المحتلة بشمال البلاد.

  1. القرار الرقم 2085، في 20 ديسمبر 2012

هذا القرار اتخذه مجلس الأمن، في جلسته الرقم 6898 المنعقدة في 20 ديسمبر 2012. ويدين بقوة استمرار تدخل القوات المسلحة وقوات الأمن في عمل السلطة الانتقالية. ويدين كذلك جميع الانتهاكات لحقوق الإنسان التي يرتكبها المتمردون والجماعات الإسلامية المتطرفة في شمال مالي.

كما أشار القرار إلى ما سبق طلبه من الحكومة المالية برغبتها في نشر قوات عسكرية دولية، من خلال قرار مجلس الأمن، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. كما أكد علمه بالبيان الختامي الصادر عن الدورة الاستثنائية لهيئة رؤساء دول وحكومات الجماعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (الإيكواس)، التي عُقدت في أبوجا في 11 نوفمبر 2012. وكذلك بالبيان الصادر من مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، الذي أيد مطالب مالي فيما يتعلق بالقوة العسكرية الدولية، لدعم قوات الدفاع والأمن المالي. وكذلك تفهمه لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة، الذي يدعو فيه لمواصلة العمل في المسارين السياسي والأمني، لإيجاد حل للأزمة المالية.

ويحث مجلس الأمن، في متن القرار، السلطات الانتقالية في مالي على أن تُعجل بوضع إطار ذي صدقية للتفاوض مع جميع الأطراف في شمال مالي، الذين قطعوا صلاتهم بالمنظمات الإرهابية، ولاسيما تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، والجماعات المرتبطة به، مثل حركة الوحدة والجهاد في غرب أفريقيا. كما قرر الإذن بنشر بعثة دعم دولية بقيادة أفريقية، لفترة أولية مدتها عام. وحث السلطات الانتقالية في مالي في أن تتعاون بصورة تامة مع نشر بعثة الدعم الدولية وعملياتها، وسلامتها وتأمينها، وحرية تنقلها.

وفي النهاية، طلب الأمين العام أن يبقى المجلس على علم بصورة منتظمة بالحالة في مالي، من خلال تقارير خطية تُقدم كل 90 يوماً للمجلس.

ويُلاحظ الآتي

أ. أن استمرار انعدام الأمن يشعر المجتمع الدولي بالقلق، ويجعل مجلس الأمن يشعر بضرورة سرعة الاستجابة لمطالب مالي والمنظمات الإقليمية، من ضرورة نشر قوات دولية في الشمال المالي. وأن هذه الاستجابة جاءت متطابقة مع مفهوم الأمن الإستراتيجي لجماعة الإيكواس ومجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، طبقاً للبيانات الصادرة منهما بهذا الشأن في 11 و13 نوفمبر 2012.

ب. يحث المجلس على ضرورة السير في مسارين، أحدهما سياسي خاص بالتفاوض بين جميع الأطراف في مالي، وخاصة المتمردين الذي قطعوا صلاتهم بالمنظمات الإرهابية، وخاصة تنظيم القاعدة والجماعات المرتبطة به. والآخر مسار أمني، يختص بتنظيم العمل لنشر القوة الدولية.

ج. قرر مجلس الأمن نشر بعثة دعم دولية في مالي بقيادة أفريقية، لفترة أولية مدتها عام واحد، لدعم السلطات المالية في استعادة مناطق الشمال الواقعة تحت سيطرة الجماعات المسلحة، مع إسهام دول المنطقة بقواتها في بعثة الدعم، لتمكين البعثة من الوفاء بولايتها.

د. إسهام الدول الأعضاء والمنظمات الدولية بتقديم الدعم المالي العينية إلى بعثة الدعم الدولية، وكذا إسهام الاتحاد الأوروبي بتقديم الدعم المالي من طريق مرفق السلام الأفريقي. وأن تقوم الأمم المتحدة بدعم لوجستي يشمل المعدات والخدمات، لمدة عام واحد.

  1. احتمالات التراجع عن التدخل الدولي

كان مجلس الأمن قد وافق مبدئياً، في 5 أكتوبر 2012، بموجب القرار الرقم 2071، على إرسال قوة قوامها ثلاثة آلاف عنصر تابعة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا المعروفة باسم الإيكواس، مدعومة من الأمم المتحدة، وبدعم لوجستي من بعض الدول الغربية، مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، إلى شمال مالي التي صارت في يد القوى المسلحة. واشترط المجلس، يوم 12 أكتوبر 2012، ضرورة أن تتقدم الإيكواس بتفاصيل ومتطلبات خطة التدخل العسكري في غضون 45 يوماً، تنتهي في 27 نوفمبر 2012. وقامت الإيكواس بالفعل بإرسال 3300 جندي تابعين لها إلى مالي، ووضع خطة الانتشار، تفعيلاً لقرار مجلس الأمن الرقم 2071، وذلك بالتنسيق مع كل من حكومة مالي، وخبراء أمنيين وعسكريين تابعين للأمم المتحدة، والشركاء الدوليين من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا والاتحاد الأوروبي ودول الجوار. وقد رفعت الخطة إلى الاتحاد الأفريقي، الذي رفعها بدوره للأمين العام للأمم المتحدة، كي يضمنها تقريره الذي سيرفعه إلى مجلس الأمن.

ولكن المفاجأة كانت في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، حيث أشار إلى وجود مجموعة من الأسئلة الجوهرية تتعلق بهذه القوات، وأماكن نشرها، ودعمها، وتسليحها، وتمويلها. وهي أسئلة لا إجابات لها حتى الآن. ومن ثم فإنه يرى أن التدخل العسكري لابد أن يكون آخر الحلول، ومن ثم لابد أن تكون هناك مبادرات سياسية تشمل كل القوى من أجل تحقيق الإجماع على خريطة طريق سياسية للبلاد خلال المرحلة الانتقالية.

ثم أوصى “بان كي مون” في نهاية تقريره، بعدم الاستعجال في إرسال قوات الإيكواس إلى مالي، وهو الأمر الذي أثار حفيظة اجتماع وزراء خارجية الإيكواس، الذي عُقد أوائل ديسمبر 2012، في أبيدجان، واصفاً إياه غير معبر عن الوضع على الأرض. ومن ثم كان موقف الاتحاد الأفريقي أن حث المجموعة الأفريقية في الأمم المتحدة على ضرورة القيام بجهود دبلوماسية عاجلة في كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن، لشرح خطورة الموقف وتشكيل لجنة مشتركة عالية المستوى من الاتحاد الأفريقي والإيكواس، لإعادة تأكيد موقف القارة من التدخل في مالي.

كل هذا يطرح عدة تساؤلات عن أسباب التراجع الدولي، وهل له علاقة بالموقف الأمريكي من ناحية، والبُعد الإقليمي من ناحية أخرى، لا سيما ما يتعلق بموقف الجزائر أم لا. ثم علاقة ذلك بالأوضاع الداخلية في مالي، لا سيما في ظل وجود حالة من الرفض لدى المؤسسة العسكرية فيما يتعلق بتدخل هذه القوات ورغبتها في أن تكون عملية التدخل من خلال الجيش الوطني، وأن تكون هذه القوات قوات مساعدة، فضلاً عن أن يكون نطاق التدخل خاصاً بالشمال فقط، وليس التمركز الدولي في باماكو العاصمة، وفقاً للخطة الموضوعة من الإيكواس.

وربما يفسر هذا أسباب قيام العسكريين بإجبار رئيس الوزراء “موديبو ديارا” على الاستقالة، بسبب تأييده لتدخل الإيكواس.

ثانياً: التدخل العسكري الفرنسي

بمجرد صدور قرار مجلس الأمن (الرقم 2071/2012)، بالموافقة على التدخل الدولي، باشرت فرنسا فعلياً عملية عسكرية في مالي، لمواجهة الجماعات المسلحة التي سيطرت على الشمال.

تزعمت فرنسا فكرة التدخل الخارجي للقضاء على الجماعات المتشددة، على الرغم من أن عملية التدخل العسكري كان من المفترض أن يتولاها قوات الجماعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (الإيكواس). لكن مع هذا الاهتمام والاستعداد للتدخل من الإيكواس، تضمن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة تفضيل الحل السلمي على الحل العسكري، بسبب عدم الجاهزية من ناحية، فضلاً عن صعوبة توفير الدعم المالي للتدخل من ناحية أخرى، حيث رفض الطلب الأفريقي بتحمل المنظمة تكاليف التدخل، التي تُقدر بنحو 350 مليون دولار، مُشيراً إلى ضرورة أن يكون ذلك من خلال إسهامات طوعية أو ثنائية، وهو أمر لا تقدر عليه الإيكواس، أو حتى الاتحاد الأفريقي، وهو ما يعني استمرار أزمة عدم التدخل بدون حل.

باشرت فرنسا فعلياً عملية عسكرية في مالي، وقادت القوات الفرنسية العمليات العسكرية في شمال مالي، ما أعطى انطباعاً بأن هذه العمليات تنطوي على أهداف مختلفة، سواء على المدى القصير أو البعيد، وتتجاوز مجرد استعادة الاستقرار والحفاظ على وحدة الأراضي المالية.

وكانت وجهة النظر الفرنسية ترى أنه لا بد من إتمام عملية عسكرية للقضاء على الجماعات المسلحة، وأهمها جماعة التوحيد والجهاد، وجماعة أنصار الدين، بالإضافة إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الذي حظي بوجود في الشمال المالي، في ظل إهمال الحكومة المالية للشمال، وعدم تنميته.

واتفقت غالبية الأطراف المؤيدة للتدخل في مالي، ومنها الحكومة المالية وبعض الأطراف الأفريقية، على أن القوات الأفريقية، وتحديداً قوات الإيكواس، هي الأقدر على تولي قيادة هذه العملية، على أن تقدم الدول الغربية دعماُ على الصعيد اللوجستي، والمراقبة والاستخبارات.

كما صدر قرار مجلس الأمن الرقم 2085، في 20 ديسمبر 2012، بالموافقة على نشر قوة دولية أفريقية في مالي، لمساعدتها في استعادة السيطرة على الشمال، حيث دعا القرار الاتحاد الأفريقي بالتنسيق مع الإيكواس، والأمين العام للأمم المتحدة، والمنظمات الدولية الأخرى، والشركاء المعنيين بالأزمة. ونشر بعثة الدعم الدولية “ميسما” بقيادة أفريقية في مالي، وتحديد أنشطتها، بما في ذلك شن الهجوم في شمال البلاد.

تغيرت إستراتيجية التدخل، نتيجة بروز عوامل جديدة، قدمت لفرنسا فرصة الإسراع بتولي قيادة عملية للتدخل. فمن ناحية بدأت الجماعات المتشددة، عقب صدور قرار مجلس الأمن، في الزحف نحو مدن الجنوب، وسيطرت على مدينة كونا القريبة من العاصمة، وبالتزامن مع سقوط المدينة، انطلقت مظاهرات عنيفة في العاصمة، للتنديد بالجماعات المسلحة وحمل المتظاهرون الأسلحة مطالبين الجيش المالي باستعادة السيطرة على مناطق الشمال.

دفعت هذه التطورات الرئيس المؤقت “ديونكوندا تراوري” إلى مطالبة فرنسا بمساعدة الجيش المالي. ومن ناحية أخرى بدأت قوات الإيكواس في اتخاذ تدابير التدخل العسكري لمساعدة الجيش المالي. إلا إنه تبين أن هذه التدابير ستستغرق عدة أسابيع، وربما شهوراً، لأسباب لوجستية. ونظراً لأن فرنسا كانت في البداية ترى ضرورة الحسم العسكري للصراع في الشمال، فإنها لم تتردد في إرسال قواتها إلى مالي، في 11 يناير 2013.

إن المصالح الحيوية لفرنسا في إقليم غرب أفريقيا، والذي يمثل حمايتها أهم الأهداف الرئيسة، لحرص فرنسا على القضاء على الجماعات الإرهابية في الإقليم، وكانت وراء الاندفاع الفرنسي لقيادة الحرب في مالي، ورفض الحوار مع الجماعات المتشددة. فالمصانع الفرنسية تعتمد على مخزون اليورانيوم، الذي تحتويه أرض النيجر المجاورة، حيث تُعد أكبر منتج لهذا المورد في العالم. كما أن الموقع الإستراتيجي لدول غرب أفريقيا، والأسواق التي يضمها الإقليم، يجذبان مختلف القوى الدولية والإقليمية للبحث عن موطئ قدم، بالإضافة إلى أن الرعايا الفرنسيين في المنطقة كانوا هم الأكثر استهدافاً من قِبل تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، خلال السنوات الأخيرة.

وعلى الرغم من أن التدخل القسري في مالي قد مثل مفاجأة للكثيرين، فإن الرئيس الفرنسي “هولاند” سرعان ما بدأ يتحدث عن أهداف الحرب في مالي، بوصفها جزءاً من الحرب العالمية على الإرهاب، وقد ترددت بعض الدول، مثل ألمانيا، في مساندة الحملة، إلا أنها عادت وانضمت للحملة الدولية المؤيدة للتدخل، فظهرت سلسلة من التعهدات بالمساندة وتقديم الدعم للقوات المتدخلة.

ثالثاً: قيادة فرنسا للعمليات العسكرية

اجتمع مجلس الأمن، في 10 يناير 2013، مطالباً بانتشار سريع للقوة الدولية لمواجهة التدهور الخطير للوضع على الأرض، ولصد تقدم المجموعات المسلحة، تنفيذاً للقرار الرقم 2085، الذي سبق أن اتخذه المجلس في 20 ديسمبر 2012، لمساعدة القوات الحكومية لفرض سيطرتها على البلاد. على الرغم من أن قرار مجلس الأمن لم ينص على مشاركة القوات البرية للاتحاد الأوروبي مباشرة في العمليات، إذ عليها تأمين الدعم اللوجستي لجيش مالي.

فإن فرنسا لم تنتظر طويلاً لتتخذ قراراً بالتدخل العسكري، بعد نجاح العناصر المسلحة في الاستيلاء على كونا، التي تُعد آخر منطقة عازلة بين المقاتلين الإسلاميين وبلدة موتبي الإستراتيجية، التي تبعد 50 كم جنوباً، مهددين بالتقدم نحو العاصمة.

سارعت فرنسا في تنفيذ عملية عسكرية، أطلقت عليها اسم “سرفال” (أي القط المتوحش)، وقد حظى قرار التدخل بدعم الكثير من الدول الأوروبية ومجلس الأمن، وبطلب من حكومة مالي. وقد اتخذت فرنسا هذا القرار تحت البند الرقم (51) من ميثاق الأمم المتحدة، الذي ينص على شرعية الدفاع عن النفس الفردي والجماعي، في حالة تعرض أحد أعضاء الأمم المتحدة لعدوان مسلح.

وقد بدأت فرنسا عملياتها الجوية، في 11 يناير، بعد يوم واحد من صدور قرار مجلس الأمن، بقصف المجموعات الإسلامية على الخط الفاصل بين شمال البلاد وجنوبها. وبعد أربعة أيام، تحديداً يوم 15 يناير، بدأت في نشر قوات برية معززة بالدبابات والمدرعات في مالي، حيث من المقرر نشر نحو 2500 جندي فرنسي. (اُنظر شكل التدخل الفرنسي)

ويقوم التدخل الفرنسي على ثلاثة محاور:

  1. الضربة الجوية، التي تستهدف سيارات الدفع الرباعي المسلحة، ومراكز تجمعها على الخط الفاصل بين الشمال والجنوب.
  2. تعزيز وحدات القوات الفرنسية الخاصة، التي نُقلت إلى المعارك في مالي، من قواعد تمركزها في بوركينا فاسو المجاورة، والتي شاركت في استعادة مدينة كوتا الإستراتيجية، التي كانت السبب المباشر لإطلاق العملية الفرنسية.
  3. تعزيز القوة الفرنسية المرابطة في باماكو بعناصر فرنسية إضافية من القوات المرابطة في دول الجوار، وخاصة ساحل العاج وتشاد، بغرض حماية المواطنين الفرنسيين والأوروبيين والمصالح الفرنسية.

تعتمد باريس على أسطول جوي مكون من 12 طائرة مرابطة في تشاد، منها خمس طائرات من نوع ميراج، للقيام بالضربات الجوية. بينما وضعت في فرنسا قيد التأهب مجموعة من طائرات رافال. وتولت القوات الفرنسية بدء العمليات في مالي، بالتعاون مع القوات الحكومية، وبمشاركة جنود من نيجيريا والسنغال. وفي انتظار إكمال نشر القوة الأفريقية، وبمساعدة لوجستية محدودة من جانب الدول الغربية.

وبناءً على قرار الإيكواس، فقد بدأ انتشار طلائع القوات للمشاركة في القتال، إذ من المقرر نشر نحو 3300 جندي، بقيادة النيجيري “شيهو عبدالقادر”، لإسهام بلاده بأكثر من 900 جندي في تلك القوة، التي تتكون من ثماني دول إلى جانب نيجيريا، وهي توجو، وبنين، والسنغال، والنيجر، وغينيا، وغانا، وبوركينا فاسو. ومن المقرر أن تتسلم المسؤولية الأمنية من الجيش الفرنسي. ومن المنتظر استكمال وصول نحو ألفي جندي، ليتم في النهاية نشر 5300 جندي أفريقي في مالي.

في حين تقود فرنسا العملية العسكرية بالتعاون مع القوات الأفريقية، فمن الملاحظ أنها لم تحظ بدعم عسكري واسع من الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي. على الرغم من التضامن السياسي الواسع الذي حظيت به العملية من الدول الغربية وروسيا، وقد سمحت الجزائر بفتح مجالها الجوي لمرور الطائرات الفرنسية، وأعلنت واشنطن عن تقديم معلومات استخباراتية عن تحركات الجماعات المسلحة المقاتلة، مما ترصده طائراتها الموجهة من دون طيار، مع الموافقة على طلب باريس الدعم بجسر جوي لتيسير نقل الجنود الفرنسيين ومعداتهم إلى مالي.

أرسلت بريطانيا طائرة شحن من نوع C-17 ، لنقل الجنود الفرنسيين، لكن مع التشديد بعدم مشاركة الجنود البريطانيين في القتال، وهو نفس الموقف بالنسبة لألمانيا وإسبانيا وبلجيكا وإيطاليا، ولهذا الدعم المحدود الذي حصلت عليه فرنسا، فقد طلبت باريس المساعدة من مجلس التعاون الخليجي، إما على المستوى اللوجستي أو على المستوى المالي، حيث إن الدعم الأوروبي محدود.

وعلى الرغم من أن الرئيس الفرنسي صرح بأن فرنسا ليس لديها أي مصالح في مالي، وأنها ستسحب قواتها بمجرد عودة الاستقرار والأمان، ويصبح لها نظام سياسي راسخ. ولكن واقع الأمر يؤكد وجود مخاوف فرنسية وأوروبية من إقامة دولة إرهابية على أبواب أوروبا وفرنسا، تحكمها مجموعات إرهابية، على رأسها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

أوضحت العمليات الجارية في مالي عن صعوبات في إلحاق الهزيمة سريعاً بالمقاتلين الإسلاميين، حيث أكدت الاشتباكات الأولية التي خاضتها القوات الفرنسية أن العناصر المسلحة مدربة أفضل مما توقعت فرنسا، قبل أن تشرع في التدخل العسكري، الأمر الذي أرجع إلى انضمام مئات من أفضل العسكريين في الجيش المالي إلى صفوف المتمردين، بعدما تدربوا جيداً على أيدي الخبراء الأمريكيين لمكافحة الإرهاب لعدة أعوام، وذلك لرفض جانب كبير منهم التدخل الأجنبي بالبلاد، وأيضاً للتسليح الجيد الذي تم الحصول عليه بعد سقوط نظام القذافي في ليبيا.

مع كل ما سبق، يرى العديد من الخبراء العسكريين والسياسيين، أنه حتى مع بدء العمليات العسكرية في مالي، إلا أنه يجب العودة إلى جهود الحل السياسي.

المبحث الخامس: جهود التسوية والسيناريوهات المستقبلية

إن جهود التسوية اللازمة تُبنى وترتبط ارتباطاً وثيقاً بردود الأفعال تجاه التدخل من القوى الإقليمية والدولية، ويجب وضع ردود الأفعال هذه في الحسبان، عندما نبحث عن الآليات وجهود التسوية والتعاون لمواجهة ظاهرة الإرهاب في منطقة الغرب الأفريقي، حيث إنها ظاهرة متفردة لسببين:

  • الأول: تمركز العناصر الإسلامية المتطرفة بكثافة في نطاق جغرافي واسع.
  • الثاني: أنه بالقرب من أوروبا، حيث يهدد المصالح الأوروبية، وخاصة الفرنسية، في المنطقة.

ولهذا لابد من تصور للسيناريوهات المستقبلية ومدى ما يمكن أن تقدمه للخروج من الأزمة، التي لن تنحصر في مالي بمفردها, ولكن يمكن أن تنتشر في غرب أفريقيا بكاملها.

أولاً: ردود الأفعال الإقليمية والدولية تجاه التدخل

  1. مجلس الأمن

رحب مجلس الأمن بالعمل السريع الذي قامت به القوات الفرنسية بناءً على طلب السلطات الانتقالية في مالي، لوقف هجوم الجماعات الإرهابية المتطرفة المسلحة، وكذلك الجهود الكبيرة للقوات الفرنسية وبعثة الدعم الدولية بقيادة أفريقية، لدعم قوات الدفاع والأمن المالية، لاستعادة السلامة الإقليمية، كما رحب بدعم المجتمع الدولي، وشجعه على تقديم دعم واسع من طريق اتخاذ الإجراءات المنسقة لتلبية الاحتياجات الفورية وطويلة الأجل.

أدان مجلس الأمن الهجوم الذي شنته جماعات إرهابية متطرفة جنوب مالي، في 10 يناير 2013، وحث الدول والمنظمات الإقليمية والدولية إلى المشاركة والتعاون بفاعلية لمواجهة الخطر الذي يشكله الإرهاب.

أدان مجلس الأمن كل ما يُرتكب في مالي من تجاوزات وانتهاكات لحقوق الإنسان، وانتهاكات القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك حالات الإعدام خارج القضاء، وحالات الاعتقال والقتل والتشويه، وتجنيد الأطفال واستخدامهم في الهجمات.

كما أدان المجلس استخدام الجماعات المسلحة للأسلحة، وطالبها بوقف الأعمال العدائية، والتعجيل بالدخول في عمليات تفاوض شاملة، تحت رعاية الأمين العام للأمم المتحدة.

قرر مجلس الأمن إنشاء بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، وطالب الأمين العام بدمج مكتب الأمم المتحدة ضمن البعثة المتكاملة، كما قرر نقل الصلاحيات من بعثة الدعم الدولية إلى البعثة المتكاملة، للعمل على تحقيق الاستقرار في مالي.

قرر مجلس الأمن أن يكون قوام البعثة المتكاملة 11.200 من الأفراد العسكريين، بما في ذلك كتائب احتياطية للانتشار السريع، حسبما تقتضي الحالة.

وكذلك 1440 فرد من أفراد الشرطة، لكفالة الأمن وتحقيقه، مع دعوة الدول الأعضاء إلى الإسهام بقوات عسكرية وقوات شرطة من أجل تعزيز قدرة البعثة المتكاملة على الاضطلاع بمسؤولياتها.

يُؤذن للأمين العام للأمم المتحدة باتخاذ الخطوات الضرورية لكفالة التعاون بين البعثات، ولاسيما البعثة المتكاملة، وبعثة الأمم المتحدة في ليبريا، وعملية الأمم المتحدة في ساحل العاج، والقيام بعمليات نقل مناسبة للقوات وعتادها من البعثات الأخرى التابعة إلى البعثة المتكاملة.

ويطلب أيضاً من الأمين العام التعجيل بتعيين ممثل خاص في مالي، تكون له من تاريخ تعيينه، الصلاحية العامة في الميدان، لتنسيق جميع أنشطة الأمم المتحدة ووكالاتها وبرامجها في مالي.

قرر مجلس الأمن أن تشمل ولاية البعثة المتكاملة الآتي:

  • دعم السلطة الانتقالية وتحقيق الاستقرار، وردع التهديدات.
  • دعم السلطة في توسيع نطاق إدارة الدولة وبسط نفوذها.
  • دعم جهود إعادة بناء قطاع الأمن، من طريق المساعدة التقنية.
  • مساعدة السلطة من طريق التدريب، وخاصة في مجال إزالة الألغام، وإدارة الأسلحة والذخائر.
  • مساعدة السلطات في وضع برنامج لنزع السلاح، وإعادة دمج الميليشيات وتفكيكها.
  1. الاتحاد الأوروبي

دعا الاتحاد الأوروبي ممثله الخاص لمنطقة الساحل، إلى التنسيق الوثيق مع البعثة المتكاملة والشركاء الذين يقدمون المساعدة لمالي في مجال إصلاح القطاع الأمني.

كما رحب بنشر بعثة التدريب التابعة للاتحاد الأوروبي، التي توفر التدريب والمشورة من أجل الإسهام في تعزيز السلطة المدنية واحترام حقوق الإنسان.

  1. الولايات المتحدة الأمريكية

أكد الرئيس الأمريكي “أوباما” أن الولايات المتحدة الأمريكية تقف إلى جانب شعب وحكومة مالي، وتتطلع بشكل وثيق مع الحكومة الجديدة، من أجل توسيع وتعميق العلاقات بين البلدين. وأكدت الولايات المتحدة الأمريكية أنها تفضل الحل السلمي، وتخشى من حدوث ضربات انتقامية من قِبل تنظيم القاعدة ضد مصالحها ورعاياها، على غرار ما هو حادث الآن مع الرعايا الفرنسيين.

كما عبر الجنرال “كارتر هام” القائد الأعلى للقوات الأمريكية الأفريقية (أفريكوم)، بأن أي عمل عسكري سيزيد من تدهور الأوضاع، وأن المفاوضات هي الحل الأمثل للأزمة.

  1. الصين

تحفظت الصين على التدخل العسكري الفرنسي، خشية أن يكون مقدمة لتشريع مبدأ التدخل، الذي يُعد مخالفاً لمبادئ الصين بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى. وفي المقابل رحبت الصين بالانتخابات الرئاسية المالية التي ستُجرى في البلاد.

  1. موقف الإيكواس والاتحاد الأفريقي

أنشأ الاتحاد الأفريقي والجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، فرقة عمل مشتركة معنية بالأوضاع في مالي، في مقر الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا، ما استحقوا به ثناء مجلس الأمن على ما يبذلونه من جهد لحل الأزمة في مالي.

نظم الاتحاد الأفريقي مؤتمراً للمانحين في أديس أبابا، في 29 يناير 2013، دعماً للبعثة ولقوات الدفاع والأمن المالية. كما تعهد الاتحاد الأفريقي بالإسهام من خلال أنصبته المقررة.

عقد الاتحاد اجتماعات منتظمة لفريق الدعم والمتابعة المعني بالحالة في مالي، الذي أنشأه مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، وحضرها شركاء دوليون آخرون، في 5 فبراير و19 أبريل 2013، وجرى التنسيق فيها لتعزيز الأمن السياسي والاستقرار والتقدم في مالي.

  1. موقف دول الجوار الإقليمي

أ. الجزائر

رغم أن الجزائر تُعد أكثر الدول تضرراً من وجود اضطرابات في مالي، وتخشى السلطات من انتقال الفوضى إليها، وبسبب تجربتها المريرة خلال العقدين الأخيرين. حاولت الجزائر ألا تخضع للضغوط التي مارستها عليها فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، للانخراط في الحرب في مالي، وأكدت أن الاعتماد على الحل الأمني فقط في مواجهة هذه الجماعات سيؤدي إلى نتائج وخيمة. لذلك حاول المسؤولون الجزائريون إجراء حوار مع جماعة أنصار الدين، وكذلك الطوارق.

إلا أن صدور قرار مجلس الأمن الذي تبعه تحرك للجماعات المسلحة للسيطرة على مدن جديدة وزحفها نحو العاصمة باماكو، قضى على كل الجهود، واضطرت الجزائر إلى الموافقة على فتح أجوائها للطائرات الفرنسية في طريقها إلى مالي، ما أثار انتقادات داخلية حادة للحكومة الجزائرية.

ب. دول الطوق (النيجر ـ موريتانيا ـ الجزائر)

مع تصاعد الأزمة في مالي، وتمكن الجماعات المسلحة من السيطرة على الشمال، الذي يمثل ثلثي الدولة. زادت مخاوف دول الساحل المجاورة لمالي من انتقال عدوى هذه الجماعات إلى أراضيها، أو التعاون مع جماعات داخلية، أو تكوين خلايا إرهابية داخلها. وتفاوتت درجة التهديد لهذه الدول الأكثر تعرضاً، وهي ما تُعرف بدول الطوق المكونة من النيجر، وموريتانيا، والجزائر. وترى هذه الدول أن تسوية الأزمة في مالي لابد أن تعتمد الحوار أكثر من استخدام القوة المسلحة.

فالنيجر تخشى أن يؤدي التدخل إلى نزوح الطوارق إلى مناطقها الشمالية ذات الاستثمارات الأجنبية، لا سيما منطقة أجادير. كما أن تأييد التدخل قد يُثير حفيظة طوارق النيجر المتداخلين مع باقي الأعراق الموجودة بالبلاد.

أما موريتانيا، فقد أعلنت بوضوح، رفضها التدخل العسكري في شمال مالي، وربما يرجع ذلك إلى الأوضاع المتردية في البلاد، خاصة في ظل زيادة ضغوط المعارضة على الرئيس الموريتاني، من أجل الاستقالة. كما أن تبعات التدخل العسكري في شمال مالي ستكون لها انعكاسات سلبية على نواكشوط، خاصة في ما يتعلق باحتمال نزوح اللاجئين إليها.

ج. ليبيا

أعلنت حكومة ليبيا تأييدها للتدخل العسكري الفرنسي، ما دامت الحلول السياسية لم تنجح، الأمر الذي قوبل بانتقادات داخلية خوفاً من ردود الأفعال للتنظيمات المتشددة، خاصة في شرق ليبيا، التي ستستهدف المصالح الغربية. ولدى الطوارق الذين يقطنون جنوب غرب ليبيا، والذين لهم روابط إثنية وقبلية وثيقة مع طوارق مالي.

ثانياً: جهود التسوية والتعاون الإقليمي لمواجهة ظاهرة الإرهاب

مما لا شك فيه أن جهود التسوية للأزمة تعددت أطرافها، ما بين الإيكواس بوصفها منظمة إقليمية فرعية لإقليم غرب أفريقيا، والاتحاد الأفريقي المنظمة الإقليمية للقارة الأفريقية، وأيضاً المجتمع الدولي ممثلاً بمجلس الأمن، وكذا بعض دول الجوار الأفريقي. ومن المعلوم أيضاً أن هذه الجهود كلها بدأت مبكراً، واستمرت لفترة تتأرجح ما بين النجاح والفشل.

ارتبطت جهود التسوية بالتخوف المشوب بالحذر من امتداد الصراع إلى مناطق مجاورة تهدد دول الجوار الإقليمي، أو تهدد المصالح الأوروبية بالمنطقة، أو تهدد السلام العالمي، نظراً لأن أطرافها في عُرف المجتمع الدولي هي منظمات إرهابية، سواء كانت تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، أو ما يرتبط بها من تنظيمات إسلامية متطرفة.

  1. جهود الجماعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (الإيكواس)

قررت الإيكواس، في 12 أبريل 2012، تعليق عضوية مالي بها، وفرض عقوبات اقتصادية عليها، وكذلك فرض حظر اقتصادي يشمل إغلاق جميع الحدود لدول الجوار معها من الدول الأعضاء بالجماعة، بحسبانها دولة حبيسة. واستثنت من ذلك الحظر السلع ذات الصفة الإنسانية، كالأغذية والأدوية وما يلزم للحاجات الإنسانية.

في أول أبريل، توصلت الجماعة لاتفاق سياسي مع قادة الانقلاب، وقع عليه “أمادو ساناغو” في باماكو، ينص على تولي رئيس الجمعية الوطنية “ديونكوندا تراوري” الرئاسة لمرحلة انتقالية، مع تعيين رئيس للوزراء وحكومة انتقالية، للعمل بالعودة بالبلاد إلى النظام الدستوري، بتنظيم اقتراع رئاسي خلال 40 يوماً. وأعلن رئيس المجموعة الحالي، الحاج “الحسن وتارا” رئيس ساحل العاج، بأنه سيرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على الجماعة فور توقيع الاتفاق.

عندما تأزم الموقف نتيجة استمرار قوات التمرد في الشمال في تحقيق انتصاراتها والزحف جنوباً، والاستيلاء على المدن المهمة. قررت الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، في 2 يونيه 2012، إرسال قوات تابعة لها، قوامها 3300 جندي، لمساعدة القوات الحكومية في استعادة السيطرة على المناطق الشمالية، وتحقيق الأمن والاستقرار، على أن هذا هو الأساس لتسوية الأزمة. وقد طلبت من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الموافقة على إرسال هذه القوات، مستندة إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يجيز التدخل العسكري.

استمرت جهود الإيكواس في التنسيق بين الدول الأعضاء بها وبين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وبعض الدول الأوروبية. ويلاحظ أن فرنسا من أكثر الدول حرصاً على تدخل الإيكواس، فإذا كان الموقف الدولي يتسم بالتريث منذ بداية الأزمة، فإن فرنسا كانت الأكثر اهتماماً، ولعبت دوراً كبيراً في صدور قرار مجلس الأمن الرقم 2056، الصادر في 5 يوليه 2012.

رحبت الإيكواس أيضاً بقرار مجلس الأمن الرقم 2071، الصادر في 12 أكتوبر 2012، والمتعلق بنشر القوات الدولية العسكرية، واتخذت خطوات إيجابية، سواء بالمشاركة أو تقديم الدعم المنسق للجهود التحضيرية بالوسائل المطلوبة كافة، طبقاً لما هو صادر بالقرار.

عند بدء القوات الفرنسية بالعملية العسكرية “سرفال” (القط المتوحش)، في 11 يناير 2013، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وبلجيكا والدنمارك والإمارات وكندا والمملكة المتحدة، ضد العناصر المتشددة في مالي. لم يقتصر دور الإيكواس على الترحيب بالعمليات فقط، بل كانت مشاركة تماماً بالقوة الأفريقية، البالغ عددها نحو 3300 جندي من دول المجموعة، المتمثلة في نيجيريا والنيجر وبوركينا فاسو، فضلاً عن قوات من دول أفريقية أخرى.

  1. جهود الاتحاد الأفريقي في تسوية الأزمة

بدأت جهود الاتحاد الأفريقي الفعلية، منذ وقوع الانقلاب. ودعماً منه في مساندة الشرعية الدستورية، رفض الاتحاد الأفريقي الاعتراف بالانقلاب، وقرر تعليق مشاركة مالي في أنشطة الاتحاد الأفريقي المنظمة الأفريقية كافة، وذلك خلال اجتماع استثنائي لمجلس السلم والأمن التابع له. كما قرر أيضاً إرسال بعثة مشتركة مع الإيكواس إلى باماكو للضغط على قادة الانقلاب.

نظم الاتحاد الأفريقي مؤتمراً للمانحين، بمقر الاتحاد في أديس أبابا، في 29 يناير 2013، دعماً لقوات الدفاع والأمن المالية، وحث جميع الجهات على ترجمة مساعدتها إلى إسهامات فعلية، كما قرر الإسهام بأنصبة الاتحاد الأفريقي المقررة.

تولى الاتحاد الأفريقي العمليات التنسيقية، وخاصة التنسيق الدولي لتعزيز الأمن السياسي، بعقد اجتماعات منتظمة لفريق الدعم والمتابعة المعني بالحالة الأمنية في مالي، الذي أنشأه مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، وذلك تحت رئاسة الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا.

قبل بدء العمليات العسكرية، لعب الاتحاد الأفريقي دوراً مهماً، من خلال الاتصالات الدائمة مع الأمم المتحدة، متمثلة في مجلس الأمن، لتنسيق أدوار كل من الإيكواس ومجلس الأمن، والإسهام في صدور قرارات مجلس الأمن المنظمة لعملية التدخل العسكري بالقوة المشتركة (الأوروبية ـ الأفريقية). وكان موقفه داعماً للتدخل الفرنسي في العملية سرفال، للقضاء على العناصر المتشددة بشمال البلاد، وتمكين الحكومة المالية من استعادة السيطرة وتحقيق الأمن والاستقرار.

  1. الجهود الأوروبية

إن أهم المواقف الأوروبية هو الموقف الفرنسي، فقد تدخلت فرنسا بقواتها العسكرية للقضاء عل القوات المسلحة المتمردة في شمال مالي، دعماً للحكومة المالية، وذلك بعد أن رأت أن القوات الأفريقية لن تستطيع التدخل العسكري بمفردها نتيجة ضعف الموقف المالي واللوجستي. وهذه الأسباب قدمت لفرنسا فرصة الإسراع بقيادة عملية التدخل العسكري في مالي.

كما شاركت الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، والاتحاد الأوروبي بالدعم اللوجستي لقوات التدخل العسكري، وقامت مجموعة أخرى من الدول الأوروبية بدعم القوات الفرنسية، سواء بنقل القوات، أو تقديم الدعم المادي لها، ومنها ألمانيا وبلجيكا والدنمارك والمملكة المتحدة، بحسبان أن قرار مجلس الأمن القاضي بالتدخل العسكري يعني عدم وجود فرصة أخرى للتسوية السلمية، وأن الأزمة باتت مستحيلة الحل بأي طرق أخرى.

  1. جهود دول الجوار الأفريقي

إن أكبر الجهود قدمتها الجزائر التي رحبت دائماً بالجهود الدبلوماسية والسياسية لحل الأزمة، ولم ترحب بالتدخل العسكري. وقد ركزت دول الجوار على أن تتولى الجزائر تنسيق الجهود الرامية لحل الأزمة، وفوضتها في إدارة الحوار، والسعي بين الأطراف لتقريب وجهات النظر.

وتأتي وجهة نظر دول الجوار من أن الجزائر لها علاقة تاريخية بالطوارق، بالإضافة إلى دعمها منذ اندلاع أزمة الطوارق في تسعينيات القرن الماضي لتفضيل التسوية السياسية، مع بقاء مالي موحدة، وترى أن استقرار المنطقة عامل حيوي لتأمين حدودها الجنوبية.

إن جهود باقي دول الجوار تركزت في محاولة فض الأزمة سياسياً، من خلال تفويض الجزائر في اتخاذ الخطوات اللازمة لتقريب وجهات النظر، وإنهاء الخلاف، وهي كل من نيجيريا والنيجر وبوركينا فاسو وموريتانيا. وعندما تبين عدم إمكان التوصل إلى اتفاقات سياسية ممكنة، كانت هذه الدول داعمة للتدخل العسكري المباشر، ضمن قوات الإيكواس، لتشكيل قوة عسكرية قوامها 3300 جندي، وهي التي اشتركت مع القوات الفرنسية القائدة للعملية العسكرية (سرفال)، للقضاء على القوات المسلحة بشمال مالي، واستعادة الاستقرار والأمن بمالي.

ثالثاً: السيناريوهات المستقبلية

لا يمكن الجزم بحقيقة ما سوف يحدث في مالي في مرحلة ما بعد التدخل العسكري الفرنسي، فهل ستعود إلى الاستقرار أم ستستمر حالة التمزق ما بين رغبة الحكومة المركزية في الاستقرار وتحقيق الأمن، ورغبة القوى المتشددة في بسط نفوذها والسيطرة على المدن المستولى عليها، وتحقيق تطلعاتها بتكوين دولة الطوارق.

إن استمرار حالة الحرب لا يصب في مصلحة مالي ومنطقة الغرب الأفريقي بأكملها، وكذلك ليس في مصلحة دول أوروبا، التي تريد أن تحمي مصالحها الإستراتيجية، وتريد مزيداً من تدفق المواد الخام الإستراتيجية اللازمة لها. فدول غرب أفريقيا تحتل مراكز متقدمة في النفط واليورانيوم والنحاس والألماس والحديد والذهب، الذي تُعد مالي ثالث أكبر منتج له في أفريقيا.

وتتفهم الجماعات المتشددة تأثير وجودها بالإقليم على تهديد مصالح الدول الغربية، التي تعدها العدو الأول لها، ومن ثم تسعى لتثبيت أقدامها بالإقليم، وزيادة إمكاناتها وقدراتها باستمالة العديد من الجماعات المتشددة الصغيرة، وضمها تحت لوائها. وكذا زيادة أعداد المؤيدين لها نتيجة انتشار الإسلام وتمكنه في نفوس أهالي المنطقة، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة نتيجة السياسات الخاطئة للنظم الحاكمة.

ولهذا يمكن القول أن هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة، وهي:

  • الأول: نجاح دول غرب أفريقيا في القضاء على الإرهاب، وخاصة في مالي.
  • الثاني: فشل دول غرب أفريقيا في القضاء على الإرهاب، مع تكوين دولة الطوارق واستمرار القتال.
  • الثالث: فشل دول غرب أفريقيا في القضاء على الإرهاب وانتشاره وتمركزه في دول الإقليم.
  1. السيناريو الأول: نجاح دول غرب أفريقيا في القضاء على الإرهاب، وخاصة في مالي

قد تنجح دول غرب أفريقيا في تنسيق جهودها مع الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ومجلس الأمن، مستفيدة من التدخل العسكري الفرنسي والقوات الأفريقية التابعة للاتحاد الأفريقي، في تجربة ذات دروس مستفادة، ومحاولة إعادة تكرارها، مع تلافي نقاط الضعف السابقة، والإعداد الجيد لقوة كافية تستطيع القيام بعمل حاسم للقضاء على الجماعات الإسلامية المتطرفة الموجودة في شمال مالي. مستفيدة من الدعم الدولي العسكري واللوجستي؛ ومن ثم تبسط سيطرتها على الإقليم والقضاء على العناصر المسلحة، أو على الأقل طردها خارج البلاد، وفي هذه الحالة ستحقق الآتي:

  • القضاء على الجماعات الإسلامية.
  • استعادة الأجزاء الشمالية المستولى عليها.
  • إعادة الأمن والاستقرار في مالي.

وسوف ينسحب هذا على بقية الإقليم، وسيؤثر تأثيرين أساسيين:

أ. الأول: استقرار كل دول الإقليم، في حالة النجاح في القضاء على هذه القوى المسلحة قضاءً تاماً.

ب. الثاني: انتشار عدم الاستقرار في دول إقليم غرب أفريقيا إذا كان نتيجة ما يجري في مالي هو خروج هذه الجماعات إلى الدول الأخرى المجاورة للحصول على موطن آمن.

  1. السيناريو الثاني: فشل دول غرب أفريقيا في القضاء على الإرهاب مع تكوين دولة الطوارق واستمرار أعمال القتال

وهذا السيناريو يتوقف على مدى قوة وتسليح عناصر الإسلام المتشدد، ومدى ما تحصل عليه من دعم مستمر، يؤدي إلى زيادة قدراتها القتالية في مواجهة القوات الحكومية في مالي.

كما أنه يتوقف أيضاً على مدى تفهم دول الغرب الأفريقي لخطورة ما يحدث في مالي، وتأثير ذلك عليها، ومدى ما ستقدمه من تعاون مع مالي في المجالات الدفاعية والأمنية للقضاء على قوى الإسلام المتشدد. وكذلك على قدرة مالي على الصمود.

فإذا لم تقم دول غرب أفريقيا بأعمال منسقة تحت قيادة الإيكواس ذات الخبرة العالمية في تجاربها السابقة في السنغال وساحل العاج والنيجر، وغيرها، فإنها بالقطع لن تستطيع القضاء على الإرهاب. فمالي لها وضع خاص، حيث تواجه حكومتها تركيبة إثنية متعددة، فنحو 90% من سكانها مسلمون منقسمون ما بين الشمال الذي يعيش فيه الطوارق، والجنوب الذي يقطنه العرب والمور. بالإضافة إلى أن القتال تزامن مع انخفاض النمو الاقتصادي، الذي بلغ 1.1% قبل عام 2011. ومع حدوث الانقلاب، في مارس 2012، ازدادت الأوضاع الاقتصادية سوءاً، وأثر هذا على كفاءة الأجهزة الحكومية، وخاصة الدفاعية والأمنية وأيضاً، زاد من سخط مناطق الطوارق نتيجة نقص الاهتمام بها.

إن زيادة استياء الطوارق في شمال البلاد، نتيجة أوضاعهم الاقتصادية، وسوء حالة البنية الأساسية للإقليم، يجعلهم مرتعاً خصباً لقوى الإسلام المتشدد، بحيث تزداد حدة العداء للحكومة، ومحاولة التخلص من سيطرتها والانفصال بإقليم أزواد. وهو و أُعلن من قبل وأصبح تجربة سابقة، ورفع العلم، وطردت القوات الحكومية منه، إلا أنه لازال تابعاً للدولة، التي تحاول بسط سيطرتها عليه.

إن الخوف ينبع من إعادة محاولة الانفصال وتحقيقه فعلاً، فتكون هذه الدولة الوليدة بهذا مكاناً آمناً تتمركز فيه قوى الإسلام المتشدد، وتنمو نمواً لا يمكن من القضاء عليها. وتصبح مركزاً لنشر هذه الآراء والأفكار في بلاد إقليم غرب أفريقيا كافة.

  1. السيناريو الثالث: فشل دول غرب أفريقيا في القضاء على الإرهاب، وانتشاره وتمركزه في دول الإقليم

في حالة فشل دول غرب أفريقيا في القضاء على الإرهاب في مالي ودول غرب أفريقيا، التي يتمركز بها بنسب متفاوتة، ومع غياب القدرات العسكرية، أو قلتها لهذه الدول، فإن الأمر سيخرج عن السيطرة، فتنتشر الجماعات الإسلامية المتشددة وتتمركز في دول الإقليم، نتيجة الظروف المواتية لزيادة نمو قدراتها، بما يمكن من استعادة الصورة المالية بما يتواءم مع ظروف كل دولة، في حالة استقرار العناصر المتشددة بها. وهو بالقطع ما لا ترغب فيه هذه الدول أو الدول الأوروبية ذات المصالح الحيوية المتعددة بالإقليم. ويمكن أن تنتشر شرقاً لتصل إلى ليبيا، ومن ثم مصر، وتصبح هذه المنطقة منافسة لأفغانستان، التي صدرت الإرهاب إلى معظم بقاع العالم.

ويمكن القول أن الفشل في القضاء على الإرهاب، مع هشاشة أنظمة الحكم بالإقليم، وتكوين دولة الطوارق في الأراضي المالية وما يجاورها من مناطق تمركز للطوارق في البلاد الأخرى، يهدد تماماً استقرار المنطقة، ويعمل على استمرار أعمال القتال، وزيادة أعمال العنف المسلح.

أما القوى الغربية، فستعمل على استغلال هذه الأزمة في تحقيق مزيد من النفوذ، والاستحواذ على مزيد من الثروات، وبناء القواعد العسكرية للسيطرة على هذا الإقليم الحيوي، والقريب من دول الشرق الأوسط، التي تحتوي هي الأخرى على مصالح إستراتيجية للدول الغربية.

إن هذا السيناريو هو الأقرب للتنفيذ للأسباب التالية:

أ. ليس لدول غرب أفريقيا إستراتيجية موحدة للمقاومة المنظمة للإرهاب.

ب. قلة الموارد والإمكانات المادية والفنية اللازمة للقضاء على الإرهاب.

ج. لا تمتلك هذه الدول الخبرات الأمنية القادرة على جمع المعلومات وتحليلها، والقيام بخطوات تنفيذية على أرض الواقع.

د. هشاشة النظم الحاكمة، وغياب الديموقراطية، مع تخوف بعض الدول من مدى قوة العناصر الإرهابية وقدرتها.

هـ. بناء التحالفات بين الجماعات المتشددة في الإقليم كله، لمواجهة الأنظمة الحاكمة التي تحاول القضاء عليها.

و. تدريب معظم قيادات العناصر المتشددة في أفغانستان، ويتشابه إقليم غرب أفريقيا معها، من حيث وعورة التضاريس، وحالة الفقر الذي يعانيه مواطنو الإقليم، وضعف هذه الدول وهشاشتها.

ز. المساحة الجغرافية الواسعة ذات الطبيعة الخاصة، التي تمتد من حدود مصر الغربية شرقاً حتى المحيط الأطلسي غرباً، ما يعني إمكان التحرك بحرية. وكذا سهولة التنقل والاختفاء، وتأمين الإمداد بالأسلحة والذخائر.

إن الفشل في القضاء على الإرهاب في مالي، يعني انتشاره في كثير من الدول، مثل ليبيا، والمغرب، والجزائر، وتشاد، وموريتانيا. وهذا يمثل عبئاً على المجتمع الدولي، حينما يرغب في مقاومته.

مسير الأحداث المهمة

الحدث التاريخ
انفصلت قبائل سونيكي وماندنيكا عن وينمادو (غانا) عام 1230
إمبراطور مالي “مانسا موسى” يحج إلى مكة، عبر القاهرة عام 1324
استقلت الأقاليم الخارجية لمالي، واستولى الطوارق على تمبكتو العاصمة. أواخر القرن الرابع عشر
امتد حكم مالي لمناطق بأعالي نهر النيجر، وكانت تمبكتو هي عاصمة مالي منذ إنشائها سنة 1500
أخضع الفرنسيون مالي، التي أصبحت مستعمرة فرنسية نهاية القرن التاسع عشر
سُميت مالي بالسودان الفرنسي عام 1904
أنشأت فرنسا الاتحاد الفيدرالي المالي، الذي ضم السودان الفرنسي (مالي) ودولة السنغال في أبريل 1959
استقلت مالي عن فرنسا باسم فيدرالية مالي، بزعامة “موديبوكيتا” يونيه 1960
قام الجيش بانقلاب عسكري، بزعامة الملازم “موسى تراوري”، عندما تدهورت الأوضاع الاقتصادية، وأطاح بموديبوكيتا من السلطة، وعطِّل الدستور عام 1968
صدر دستور جديد، جعل مالي دولة الحزب الواحد، يسيطر عليها حزب الشعب المالي الديموقراطي الاشتراكي القومي عام 1974
إنشاء التجمع الاقتصادي لدول غرب أفريقيا (الإيكواس) عام 1975
تقاتلت مالي مع بوركينا فاسو بسبب نزاع حدودي طويل بينهما ديسمبر 1985
انتهى الحكم الديكتاتوري، بحكومة انتقالية عام 1991
إجراء أول انتخابات رئاسية ديموقراطية، فاز فيها الرئيس “ألفا عمر كوناري” عام 1992
فوز الرئيس “حمدو توماني توري” بالانتخابات الرئيسية عام 2002
اغتيال “سيد محمد آغ شريف” 20 أغسطس 2010
إنشاء الحركة الوطنية لتحرير أزواد أول نوفمبر 2010
أطلقت حكومة “توري” البرنامج الخاص بالأمن والسلامة والتنمية، بقيمة 50 مليون يورو أغسطس 2011
تأسيس حركة أنصار الدين، بزعامة “إياد آغ غالي”. نوفمبر 2011
قامت الحركة الوطنية لتحرير أزواد بإعادة تنظيم صفوفها، وبدأت عملياتها ضد الحكومة المالية يناير 2012
قامت قوات الحركة الوطنية لتحرير أزواد بالزحف على مواقع عسكرية مالية بالقرب من مدينة تيساليت أوائل مارس 2012
سيطر الثوار الطوارق على بلدة تيساليت، التي انسحب الجيش المالي منها نتيجة الضغط الشديد 7 مارس
اقتحم عسكريون من الجيش المالي، مباني اتحاد الإذاعة والتليفزيون في باماكو، وطوق آخرون القصر الرئاسي، وقاموا بمحاصرة الرئيس “أمادو توري” وعائلته، واعتقلوا عدداً من الوزراء 22 مارس 2012
اعتقل المتمردون، ثلاثة من أعضاء الحكومة السابقة 23 مارس 2012
أعلن الاتحاد الأفريقي، تجميد عضوية مالي أثر الانقلاب. 23 مارس 2012
سرت شائعات في مالي بأن انقلاباً موالياً للرئيس السابق سيعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه 24 مارس 2012
احتج الآلاف في العاصمة المالية باماكو، منددين بسلطة الانقلاب ومطالبين بعودة النظام الديموقراطي للبلاد 26 مارس 2012
تعليق عضوية مالي في جماعة الإيكواس 2 أبريل 2012
إعلان استقلال إقليم أزواد 6 أبريل 2012
إعلان اندماج الحركة الوطنية لتحرير أزواد، مع جماعة أنصار الدين، لتكوين دولة إسلامية 26 مايو 2012
قررت الإيكواس إرسال قوات تابعة لها لمساعدة الجيش المالي يونيه 2012
معركة غاو بين الحركة الوطنية لتحرير أزواد وجماعة أنصار الدين 27 يونيه 2012
قرار مجلس الأمن الرقم 2056 3 يوليه 2012
قرار مجلس الأمن الرقم 2071 12 أكتوبر 2012
قرار مجلس الأمن الرقم 2085. 20 ديسمبر 2012
قرار مجلس الأمن الرقم 2100 25 أبريل 2013
نشر أنباء في الجزائر عن زيادة نشاط الجماعات الإرهابية في شمال مالي 14 أغسطس 2012
مقتل 12 مسلحاً من القاعدة وعشرة جنود من الجيش الموريتاني في اشتباكات جرت في منطقة حدودية مع مالي 19 سبتمبر 2012
مباحثات مع باماكو، برعاية الوسيط الإقليمي رئيس بوركينا فاسو 10 يناير 2013
إرسال فرنسا قوات عسكرية إلى مالي 11 يناير 2013
نشر قوات برية فرنسية معززة بالدبابات والمدرعات في مالي 15 يناير 2013
نظم الاتحاد الأفريقي مؤتمراً للمانحين في أديس أبابا، لقوات الدفاع والأمن المالي. 29 يناير 2013

المصادر والمراجع

  1. الأهرام المسائي، النسخة الإلكترونية، 24 مارس 2012.
  2. أيمن شبانة، “الطوارق وثورات الربيع العربي”، بحث غير منشور، مركز الدراسات السودانية، معهد البحوث والدراسات الأفريقية، جامعة القاهرة، 2013.
  3. بانوراما الشرق الأوسط، نوفمبر 2012.
  4. التقرير الإستراتيجي الأفريقي 2007- 2008، مركز البحوث والدراسات الأفريقية، جامعة القاهرة.
  5. التقرير الإستراتيجي الأفريقي 2009-2010، مركز البحوث والدراسات الأفريقية، جامعة القاهرة.
  6. التقرير الإستراتيجي الأفريقي 2011-2012، مركز البحوث والدراسات الأفريقية، جامعة القاهرة.
  7. الجزيرة نت.
  8. السياسة الدولية، العدد 186، مؤسسة الأهرام، القاهرة، يوليه 2012.
  9. السياسة الدولية، العدد 189، مؤسسة الأهرام، القاهرة، يوليه 2012.
  10. السياسة الدولية، العدد 191، مؤسسة الأهرام، القاهرة، أبريل 2013.
  11. مجلة السياسة الدولية، العدد 192، مؤسسة الأهرام، القاهرة، أبريل 2013.
  12. السياسة الدولية، العدد 194، مؤسسة الأهرام، القاهرة، أكتوبر 2013.
  13. شبكة الإعلام العربية www.moheet.com
  14. شبكة أنا المسلم للحوار الإسلامي، شبكة الإنترنت الدولية.
  15. العربية CCTV.com.
  16. قناة المنار، شبكة الإنترنت الدولية.
  17. ويكبيديا، الموسوعة الحرة، شبكة الإنترنت الدولية.
  18. ويكيبيديا، الموسوعة الحرة، شبكة الإنترنت الدولية.
  19. Magarebia.com/ar.
  20. www.masress.com.
  21. www.ansabonline.com.
  22. www.azwade.jeeran.com.
  23. www.djazairess.com.
  24. www.islamonline.com.
  25. www.masress.com.
  26. www.muslm.org.
  27. www.siyassa.org.eg/News-content.
  28. www.sudanlie.com.
  29. www.taqudoum.net.
  30. www.washington.institute.org.
  31. www.france24.com.
  32. www.UN.org/ar/peaceheeping/missions.

المصدر موقع المقاتل

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى