أخبار ومعلومات

بعكس الشائع عنها، اليابان متأخرة في رقمنة الحكومة و المعاملات الورقية

بعكس ما يُشاع عن اليابان من تطور تكنولوجي، تصارع حكومتها في مسألة التحول من نظام قائم على المعاملات الورقية إلى نظام قائم على الرقمية (الرقمنة).

“منبع التكنولوجيا” تصارع في مجال الرقمنة

في عصر فيروس كورونا الجديد، أصبح كل شيء يتم عن بعد للحماية من الإصابة. حيث تلعب التكنولوجيا في الحاضر دوراً مهماً لربط الناس ببعضهم البعض، ومنحهم فرصة العمل أو الدراسة عن بعد، مع الابتعاد قدر المستطاع عن التعاملات التقليدية أو استخدام الأوراق في المعاملات الورقية الرسمية وغير الرسمية.

ولكن اليابان وحكومتها متأخرة بعض الشيء عن العالم في هذا المجال عكس ما يُشاع عنها من تقدم تكنولوجي كبير. وهي مفارقة طريفة في نظر البعض، كون اليابان تعد من الدول الرائدة دولياً في مجال التكنولوجيا التي تُذهل الأجانب في الكثير من الأحيان.

ومن الجدير بالذكر أن الحكومة اليابانية (وشريحة كبيرة من الشركات الخاصة تيمناً بها)، ما زالت تعتمد على نظام قائم على استخدام الأوراق في المعاملات الرسمية (نظام المعاملات الورقية التقليدي) ونظام يُعنى بحضور الشخص بنفسه لاتمام ما لديه (بالأخص من أجل استخدام ما يُعرف بالختم الشخصي أو “هانكو”)، مع مواجهتها صعوبات في تطوير النظام إلى نظام قائم على الرقمية أو ما يُعرف بـ”الرقمنة”، وهو نظام يُسهلّ المعاملات بشكلٍ كبير، ويجعلها سلسة دون الكثير من الضوابط والقيود.

حيث كشفت جائحة كورونا عن نقاط ضعف الحكومة اليابانية فيما يتعلق بالرقمنة، والاعتماد على ثقافة عمل مرتبطة بشكلٍ وثيق بالأوراق والمعاملات الورقية التي تؤذي الإنتاجية، وتخلق جواً من الرتابة والعوائق، بالأخص في عصر جائحة كورونا.

عقدان من الرقمنة.. وثم لا شيء!

بدأت الحكومة اليابانية في محاولة التحول إلى نظام قائم على الرقمية في مطلع عام 2000. ولكن بعد مرور عقدين من الزمن وتطور التكنولوجيا بشكلٍ كبير، لم تُحقق الحكومة اليابانية هدفها بالرقمنة التامة لتعاملاتها البيروقراطية الإدارية (الحكومية) أو الورقية، ولم تتحول معظم هذه الأمور لتتم عبر الإنترنت.

وبالرغم من أن حكومة طوكيو المحلية جعلت من عام 2020 “عاماً للرقمنة” وتحاول الابتعاد عن استخدام الأوراق، إلا أنها قد لا تحقق هدفها الكبير بسبب الثقافة اليابانية المعاصرة (والتي تُعطي أولوية للحضور المادي حتى في التعاملات المالية) وصعوبة تغيير النظام القائم. حيث لا زالت شريحة كبيرة من البيروقراطيين والشركات في اليابان تفضل الطرق التقليدية في التعامل (من اجتماعات ومعاملات رسمية وغيرها) دون استخدام الإنترنت كوسيلة للتواصل.

ويقول عدة خبراء، بأن هذا الأمر (استخدام المعاملات الورقية التقليدية على سبيل المثال) يُشكل عائقاً كبيراً أمام زيادة الإنتاجية في ظل جائحة كورونا، ويثبط رغبة القطاع الخاص في الرقمنة التامة، كون الشركات الخاصة في اليابان تتبع إرشادات الحكومة في الكثير من الأحيان، وتحذو حذوها.

وقال الاقتصادي الياباني البارز “تاكويا هوشينو” – من معهد دايئيتشي لأبحاث الحياة – في مقابلة مع وكالة رويترز: “أعاق نقص الاستثمار الرقمي من قبل الحكومة الإنتاجية والفعالية في القطاع الخاص”. موضحاً أن الإنتاجية يمكن أن ترتفع مع رقمنة العديد من الإجراءات الرتيبة.

أرقام صادمة

وفق تقرير حديث من معهد أبحاث اليابان، تتم 12% فقط من المعاملات الحكومية الإدارية في البلاد عبر الإنترنت، وهو رقم منخفض جداً عند مقارنتها مع دول آسيوية مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية أو مع دول أخرى أوروبية.

و وفق تقرير آخر من لجنة حكومية: في المستقبل القريب، ستُضيع الحكومة اليابانية 323 مليون ساعة عمل (ساعات عمل أفراد الحكومة اليابانية ككل) في السنة، وهي خسارة توازي مبلغاً مادياً يبلغ نحو 849 مليار ين (نحو 8 مليار دولار) في حال لم يتغير النظام من نظام المعاملات الورقية إلى نظام رقمي.

و تصنف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) اليابان في تقريرها الاقتصادي الأحدث، في المرتبة الأخيرة من بين 31 دولة، في الإجراءات والمعاملات التي تتم عبر الإنترنت. حيث أن 5.4% فقط من الشعب الياباني يقوم بمعاملاته الحكومية عبر الإنترنت، بالرغم من أن اليابان تشتهر حول العالم بأنها “منبع التكنولوجيا المتطورة” وغيرها من هذه المبالغات.

وحلت اليابان في المرتبة الـ23 من أصل 63 مرتبة في التنافس الرقمي متخلفةً وراء سنغافورة، كوريا الجنوبية والصين، وفق أحدث إحصاء من مركز “IMD” السويسري للتنافس الرقمي بين الدول. ولكن بالرغم مما سبق، بدأت الحكومة اليابانية حالياً بانتهاج سياسةً جديدةً، تُعنى بضخ المزيد من التمويل في قطاعات التكنولوجيا (وعلى وجه الخصوص تكنولوجيا شبكات الجيل الخامس والحواسيب الخارقة والكمية)، من أجل الحفاظ على تنافسيتها مقارنةً بالدول المتقدمة الأخرى.

من أين تنبع هذه المشكلة؟ وما هي حلولها المقترحة؟

تبنع هذه المشكلة في الأصل، من تفضيل اليابانيين للتعاملات الورقية الرسمية وغير الرسمية، والتشديد على أولوية الحضور المادي للمواطن من أجل اتمام أموره المختلفة المتعلقة بالإجراءات الحكومية وغيرها. وعكس دول العالم، يستخدم اليابانيون ما يُعرف بالختم الشخصي أو “هانكو” وهو ختم يُصمم حسب رغبة الشخص، ويستخدم بدل التوقيع في الأوراق الرسمية، وهو تقليد عريق آخر أثبت بأنه عائق كبير أمام الرقمنة.

وبالإضافة لذلك، يوجد عائق كبير آخر: وهو الهيكلة الحكومية الرقمية الحالية، حيث أن لكل وزارة يابانية نظامها الرقمي الخاص المنعزل تماماً عن الوزارات الأخرى (لحمايتها من القرصنة)، وهو الأمر الذي يُصعب توحيد هذه الأنظمة في نظام واحد، ويجعل التواصل عبر اجتماعات الفيديو وغيرها من الوسائل، أمراً شبه مستحيل في بعض الأحيان.

وتسعى الحكومة اليابانية لمواجهة هذه المشكلة، عبر تسريع جهود الرقمنة قدر المستطاع والابتعاد عن المعاملات الورقية التقليدية، وهذه الأنظمة الرتيبة. وجعلت الحكومة اليابانية أمر “الرقمنة” كأولوية قصوى، خلال الاستراتيجية النصف سنوية لعام 2020. ومن الجدير بالذكر، أن لجنة حكومية حالية، تنظر في أمر التنازل عن تقليد استخدام “الهانكو – الختم الشخصي” من أجل تسريع المعاملات، بالأخص عند النظر إلى أن ختم “الهانكو” كان عائقاً كبيراً، منع وصول المساعدات والمنح المالية للكثير من العوائل اليابانية المحتاجة خلال حالة الطوارئ وأزمة فيروس كورونا الجديد في البلاد.

المصادر: وكالة كيودو اليابانية – وكالة رويترز اليابانية – منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) – مركز “IMD” السويسري للتنافس الرقمي – معهد أبحاث اليابان – صحيفة “Japan Times” اليابانية – وزارة الشؤون الداخلية والاتصالات اليابانية
صورة المقال الأصلية: رجل يتفاعل مع روبوت “بيبر – Pepper” المتطور من شركة سوفت بانك اليابانية في طوكيو عام 2017 | عبر وكالة بلومبرغ

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى