دراسات سياسيةدراسات مغاربية

بنجامين ستورا: أخشى من تصعيد ضد الجزائريين بناسبة الرئاسيات الفرنسية

تزين الملحق السياسي لجريدة “الخبر” في عدده السادس، بمادة ثرية ومتنوعة متناسبة مع الحدث “أزمة العلاقات الجزائرية الفرنسية”، سهر على إعدادها نخبة من الصحفين، سليمان حميش وحميد غمراسة وفريد معطاوي وجمال فنينش ومصطفى بسطامي ونسرين جعفر، وتعاونت معنا فيها أسماء دولية مرموقة ساهمت بكتابات قوية تشرح الموضوع من مختلف جوانبه وزواياه.

تجدون في العدد مواضيع كثيرة منها، حوار خاص مع المؤرخ بنجامين ستورا صاحب التقرير الشهير حول الذاكرة يتحدث فيه عن زوايا كثيرة. وأيضا حوار مع أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جنيف حسني عبيدي حول خلفيات الأزمة وتداعياتها.

 مساهمة للباحث سلام كواكبي، حفيد المفكر العابر للأجيال عبد الرحمن الكواكبي، حول الجزائر وأزمة الخطاب السياسي في فرنسا.

وأيضا مساهمة للكاتب المقيم بفرنسا فيصل إزرادن حول خبايا قرار فرنسا تقليص عدد التأشيرات للجزائريين.

كما تطالعون حوار مع المختص في الشأن العسكري أكرم خريف حول التعاون العسكري الجزائري الفرنسي في الساحل بعد الأزمة الأخيرة. من جهته شاركنا دكتور الاقتصاد عبد الرحمن مبتول بمساهمة حول ماذا لو اختفى التبادل الاقتصادي بين الجزائر وفرنسا؟.

تحميل العدد

بعد كثير من التحفظ والتعذر بكثافة العمل، أجاب المؤرخ الفرنسي، بن جامين ستورا، على بعض أسئلة “الخبر السياسي”، في سياق خاص وملتهب بين الجزائر وفرنسا بعد تصريحات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، المسيئة للجزائر. لا يتردد ستورا، المختص في تاريخ الجزائر، في أن يصوّب الرئيس الفرنسي، رغم العلاقة القوية التي تجمعه به، فهو لا يريد أن يكون مجاملا عندما يتعلق الأمر بالمسائل التاريخية التي يريد أن تبقى بين أيدي المؤرخين لا السياسيين. ويبدو متفاجئا من كلام ماكرون، حتى وإن قلّل من تأثيره، عندما أغمض عينيه عن حقيقة وجود أمةجزائرية في التاريخ، وردّد، وهو الذي يدعي دائما بحكم سنه الشاب تنصله من أعباء ماضي أجداده، نفس الرواية الاستعمارية التي حاولت تبرير الاحتلال، بهرطقات اكتشاف “أرض بلا شعب”.ويتحدث ستورا في عدة قضايا، بنوع من الصراحة أحيانا والدبلوماسية أحيانا أخرى، مظهرا في كلامه تفهما لردود فعل الجزائريين على تقريره الشهير الذي يقول إنه حاول من خلاله إيجاد جسور التقاء، ولم يكن هدفه كتابة مشتركة للتاريخ، فلكل حتما قصته مع الاستعمار وأسلوبه في الرواية، الضحية كما الجلاد، والحكم يبقى للتاريخ. لكن حتى تلك التوصيات الواردة في تقريره التي اعتبرت في الجزائر هزيلة، منها ما يلاقي،حسبه، معارضة في التنفيذ،ما يؤكد مرة أخرى أن الزمن ما يزال طريا عن استيعاب آلام الماضي.

بعد 10 أشهر من نشر تقريرك عن “الاستعمار وحرب الجزائر”،ما هي الاستنتاجات التي تستخلصها من هذه التجربة، وهل تشعر أنك ساهمت في دفع مسار المصالحة التاريخية إلى الأمام؟

نعم، أعتقد أنني ساهمت في جعل الجمهور في فرنسا أكثر وعيًا بواقع التاريخ الاستعماري.على سبيل المثال، في تقريري، تحدثت مطولا عمن يعرفون اختصارا بـSNP أي الذين بدون ألقاب، وهم هؤلاء الجزائريون الذين جُردوا من أسمائهم، وليس فقط أراضيهم. هذه الصفحات الثلاث من تقريري سلطت الضوء بشكل لافت حول حقيقة الغزو الاستعماري. لم يذهب تقريري أدراج الرياح، فقد تم تكليف مسؤول لمراقبة تنفيذه، ما يدل على أن العملية تجري على قدم وساق.

لقد قدمت في تقريرك حوالي ثلاثين توصية يمكن أن تساعد برأيك في تجاوز آلام الذاكرة بين البلدين. هل سيتم تنفيذ كل هذه التوصيات؟

أتمنى ذلك، لكن هناك صعوبات. على سبيل المثال، فوجئت بمعارضة دخول جيزيل حليمي إلى البانثيون (مقبرة العظماء بفرنسا)، بحجة أنها كانت قد دعمت جبهة التحرير الوطني، وناضلت من أجل قضايا المرأة في المعركة المعروفة حول جميلة بوباشا. على العكس من ذلك، تم بالفعل إطلاق برنامج منح للباحثين الشباب، تحت مسمى”منح أندري مندوز”. وسيتم تنفيذ مقترحات أخرى، مثل النصب التذكاري المخلد للأمير عبد القادر في أمبواز، مكان أسر الأمير. ويجري الإعداد أيضا لمشروع لتركيب لوحة في مقبرة”غيوتيار”في ليون، تُذكر بالمكان الذي دُفن فيه 11 جزائريًا تم إعدامهم قبل إعادتهم إلى وطنهم بين 1969-1971. بالطبع، هناك اعتراف رسمي من فرنسا باغتيال المناضل الوطني الجزائري عليبومنجل. كما ستنعقد ندوة دولية حول “معارضة حرب الجزائر” في جانفي بمكتبة فرنسا الوطنية. مبادرات أخرى تتطور، مثل إنشاء متحف فرنسا والجزائر في مونبولييه.

لكن هل تتفهم رد الفعل الجزائري الرسمي الذي يعتبر هذا التقرير فرنسياً فرنسياً ويرفض التعليق عليه؟

نعم، أتفهم ذلك،لأنها بالفعل مبادرة موجهة للمجتمع الفرنسي، حيث تتعايش مجموعات مختلفة حاملة للذاكرة. في رأيي، نحتاج إلى التعرف على بعضنا البعض بشكل أفضل، في وقت يتدفق خطاب الكراهية ووصم الناس والإسلاموفوبيا في فرنسا. يمكن تنفيذ بعض المبادرات معًا، مثل استئناف عمل مجموعات العمل المعنية بالأرشيف والمفقودين خلال حرب الاستقلال الجزائرية. هذه أشياء ملموسة للغاية، وتجعل من الممكن تدريجياً للأجيال الشابة أن تكون على دراية أفضل بواقع التاريخ الاستعماري. في إطار هذا المسعى، رغبت في الابتعاد عن الخطب الكبيرة التي تندد بالنظام الاستعماري (تم بالفعل إلقاء العديد من الخطب في هذا الاتجاه)، وذلك من أجل التقدم في الممارسة العملية، ما أود أقوله بالتماثل مع عبارة الفيلسوف ماركس إن “خطوة ملموسة إلى الأمام أفضل من ألف برنامج نظري”.

أثارت التصريحات الأخيرة للرئيس ماكرون (تحدث فيها عنك باعتبارك كضحية) ردود فعل قوية في الجزائر. ألا ترى أنها عودة إلى نقطةالصفر بخصوص مسار المصالحة التاريخية؟

لا، لا أظن ذلك. لا يمكن للعلاقة بين البلدين أن تتوقف انطلاقا من مجرد تصريحات نقلها صحفي واحد. فيما يخصني، أطمح لأن أكون فاعلًا في تحري الحقيقة. فقد أنجزت على سبيل المثال بمفردي، قاموسًا يروي السيرة الذاتية لـ600 مناضل وطني جزائري، بعضهم لم يكن لهم في ذلك الوقت،سنة 1985، حتى الحق في أن يذكروا في التاريخ…

كمؤرخ متخصص في الجزائر، هل فوجئت بتصريحات ماكرون التي تشكك في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟

بخصوص شروط “صنع” أو “بناء” أمة، كما هو الحال بالنسبة لجميع الأمم في أي مكان آخر من العالم، يبقى هذا نقاشا بين المؤرخين، ولا ينبغي أن يكون أسير المجال السياسي. في القرن الثامن عشر، من الثابت تاريخيا، أن مملكة فرنسا وإيّالة الجزائر كانت لهما مبادلات دبلوماسية وأبرما معا معاهدات دون المرور بالضرورة عبر تركيا. لكني لست مضطرًا للتعليق على تصريحات رئيس الجمهورية الفرنسية التي كانت خلال تبادل غير رسمي. ما يهمني هو الإجراءات العملية والقرارات المتخذة. على سبيل المثال، الاعتراف بجرائم قتل موريس أودان وعلي بومنجل أو إعادة جماجم مقاتلين جزائريين. آمل أن تكون هناك بادرة قوية للاعتراف بمجازر 17 أكتوبر 1961،فقد خضت هذه المعركة لمدة 40 عامًا كمواطن ملتزم وكمؤرخ.

هل تتوقع أو تأمل في لفتة خاصة من الرئيس ماكرون خلال إحياء يوم 17 أكتوبر الأليم بالنسبة للجزائريين؟

قلت إني آمل ذلك، أتمنى بادرة قوية للاعتراف بمجازر 17 أكتوبر 1961، لأنها معركتي منذ 40 سنة كمواطن ملتزم ومؤرخ كما قلت. لكني لا أعرف المزيد، والإيليزي هو المخول بإعطاء التفاصيل.

ماذا تعني كمؤرخ بعبارة “لفتة قوية” في يوم 17 أكتوبر؟

إعلان الاعتراف بمسؤولية الدولة الفرنسية فيما وقع.

هل تخشى أن يكون للمزايدة السياسية، من خلال استحضار الجزائر باستمرار، في هذه اللحظة الانتخابية بفرنسا، عواقب أخرى في المستقبل القريب على العلاقات بين البلدين؟

نعم، هناك مخاطر حدوث تصعيد في خضم العملية الانتخابية للرئاسيات الفرنسية، حيث يكون الكثير من الوصم والكراهية تجاه الجالية الجزائرية بفرنسا.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى