تأثير جائحة كورونا على الصراع وبناء السلام في الشرق الأوسط

إعداد  : سارة عبدالسلام الشربيني – المركز الديمقراطي العربي

تمهيد :

تشهد البشرية حاليا واحدة من أكثر الأزمات خطورة؛ حيث يعاني العالم من تفشي فيروس كوفيد-19، ففي وقت كتابة هذه السطور يوجد في العالم نحو أكثر من 4.5 مليون مصاب، ونتج عن الفيروس حوالي 320 ألف حالة وفاة، وشفاء نحو 170 ألف حالة، ومن الواضح أن جائحة كورونا أدت إلى العديد من التأثيرات السلبية على كافة الأصعدة، ويأتي انتشار الفيروس في المنطقة على رأس العديد من الأزمات الإنسانية الأكثر حدة في العالم، ولا سيما في سوريا واليمن وليبيا، وتعاني مناطق الصراع هذه من أنظمة رعاية صحية وبنية تحتية ضعيفة لا يمكنها التعامل مع المواقف الحالية.

ومن الصعب الحديث عن أي أثر إيجابي لما يحدث الآن، ولكن انتشر في الآونة الأخيرة ما يسمى بالسلام الإيجابي بعد الوباء، وما يسمى بدبلوماسية الصحة العامة، كما اعتبر البعض أن وباء كورونا العالمي قد يكون بمثابة جسر لبناء السلام داخل الدول التي تعاني من الصراعات والنزاعات، وقد وجهت نداءات في هذا الاتجاه، ولا سيما دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس لوقف إطلاق النار على الصعيد العالمي.

 والتساؤلات ذات الصلة هنا:

  • هل يمكن أن يغير فيروس كورونا المستجد من ديناميات الصراع لجعل السلام أكثر احتمالا؟ وهل يمكن لكوفيد- 19 أن يجلب التضامن والسلام؟ أم أنه سيؤدي إلى المزيد من انعدام الأمن والعنف في الأماكن التي أصابتها بالفعل الصراعات؟
  • وفي ظل أن التحدي الذي يواجه الشرق الأوسط حاليا لا يزال متمثل في القيادة والإرادة السياسية، فالسؤال هنا هل  يمكن أن  تحفز الأزمة التي أثارها الفيروس الجهود السياسية والاقتصادية لحل النزاعات التي طال أمدها؟ ويمكن أن تضح إجابات تلك التساؤلات في السطور التالية.

 وضع الفيروس في ليبيا واليمن وسوريا:

بالنسية لأعداد الضحايا من الفيروس في الدول التي تعاني من الصراعات والحروب في المنطقة العربية فنجد أن عدد المصابين في ليبيا وصل لأكثر من 60 حالة، وفي اليمن يصل عدد المصابين لأكثر من 160 حالة، أما في سوريا فتصل عدد الإصابات إلى اكثر من 50 حالة، ولكن من المحتمل أن يكون عدد الإصابات أكبر ولكن نتيجة لضعف البنية الصحية وانهيارها في تلك الدول لا تتمكن من إجراء الفحص الخاص بالفيروس على نطاق واسع.

ويواجه القطاع الصحي في دول الصراع في المنطقة كليبيا واليمن وسوريا أزمات خانقة، جراء الصراع والحروب الأهلية والانقسامات السياسية وغياب المؤسسات، فمثلا تعاني المستشفيات الليبية من نقص حاد في الأطقم الطبية والأدوية، إضافة إلى أن عددا كبيرا من المرافق الصحية أغلقت أبوابها بشكل كامل، بعد تعرضها للاستهداف، أو لكونها تقع في مناطق تشهد معارك مسلحة بين أطراف الصراع الليبي، وتشير ممثلة منظمة الصحة العالمية في ليبيا: أن الأجهزة كأجهزة التنفس وما إلى ذلك، ناقصة في العديد من المستشفيات، وهناك نقص في الأطباء والممرضات في البلدات وفي الريف، وأضافت أن ليبيا لا تملك الوسائل لفرض إجراءات مكافحة لمنع انتشار الفيروس، وأن الشعب الليبي يعيش أوضاع معيشية بائسة خاصة للمهاجرين والنازحين، وأنهم أكثر قابلية للمرض بسبب سوء التغذية التي تجعلهم عرضة للخطر على نحو خاص.

ونجد أن مؤشر الأمن الصحي العالمي في عام 2019 يضع ليبيا في المرتبة 168 من بين 195 دولة في العالم، ذلك أن جاهزية البنية الصحية أضعف من أن تتعامل مع الأوبئة أو تحد من انتشارها، وهو أمر مماثل لدول الصراعات في الشرق الأوسط، كما حال العراق وسوريا واليمن، حيث نالت تلك البلدان مراتب متدنية هي الأخرى على التوالي في المؤشر (167، 188، 190).

ومما سبق نجد أن دول الصراع في الشرق الأوسط كاليمن وسوريا وليبيا وفقا للأرقام حاليا لا تعاني تفشي للفيروس، ولكن من المحتمل أن يتبدل ذلك الوضع نظرا ضعف البنية الصحية وتدهور القطاع الصحي، وسوء التغذية وتكدس اللاجئين والنازحين في مخيمات مما يشير إلى أن تلك الدول أكثر عرضة لتفشي الفيروس، وبالتالي هي أكثر عرضة للمخاطر الناجمة عن الفيروس.

ونتيجة لكون الفيروس وانتشاره شديد الخطر على الدول المتأثرة بالصراع، وعلى مستويات العنف بها، وللتخفيف من تأثير الوباء في الدول المتأثرة بالصراعات والدول الهشة، جاءت دعوات أممية لوقف إطلاق النار في العالم، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، واعتبر البعض أن وقف إطلاق النار العالمي هذا هو الخطوة الأولى التي يجب أن يصاحبها بناء السلام، وحل النزاعات والصراعات المستعصية.

وقف إطلاق النار وأثره على بناء السلام:

دعى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش كافة الأطراف المتحاربة في العالم لوقف إطلاق النار، وترك كافة الأعمال العدائية، وتحويل كل الاهتمام والجهود اللازمة لمحاربة عدو مشترك، كما كانت هناك عدة دعوات دولية أخرى لوقف إطلاق النار في الفترة الأخيرة، وقد أطلق مبعوثو الأمين العام للأمم المتحدة للشرق الأوسط تأكيدا على دعوة الأمين العام في أبريل الماضي خلال بيان مشترك لدعوة جميع الأطراف إلى المشاركة في وقف إطلاق النار، والتوصل إلى حلول طويلة الأمد للصراعات المستمرة في جميع أنحاء المنطقة، وبالفعل بدأت الجماعات المسلحة والحكومات في أكثر من 14 دولة بوقف إطلاق النار استجابة للدعوة، ومن تلك الدول اليمن وأفغانستان وسوريا وليبيا، وهم من أكثر الدول التي شهدت صراعات دموية في الفترة الأخيرة، ولكن السؤال هنا: هل أثر وقف إطلاق النار بالفعل على مستوى العنف؟ وهل يمكن أن يؤدي وقف إطلاق النار إلى بناء السلام؟

غالبا ما يكون الهدف من وقف إطلاق النار الحد من العنف وبناء الثقة بين الأطراف المتحاربة لتسهيل والتحدث والتفاوض، وهناك هدف آخر لتنفيذ وقف إطلاق النار هو الأغراض الإنسانية، مثلا للمساعدة في إجلاء المدنيين من منطقة ذات قتال عنيف، أو لتأمين الوصول إلى الغذاء والمساعدة الطبية، ويندرج وقف إطلاق النار خلال أزمة الوباء الحالية ضمن هذه الفئة، ويجب الإشارة إلى أنه من الصعب تحقيق وقف إطلاق نار متعدد الأطراف  في دول الصراع في المنطقة؛ حيث من الممكن أن تنتهز بعض الأطراف المتحاربة الفرصة لكسب ميزة نسبية عن أعدائها.

وتعد منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق في العالم التي تعج بالصراعات والحروب الأهلية، ففي سوريا واليمن وليبيا أدت تلك الصراعات والحروب إلى إنهيار المنظومة الصحية، مما يجعل من الصعب على تلك الدول مواجهة تفشي الفيروس، ويؤدي الاستمرار في الحرب والعنف إلى تفاقم المعاناة في ظل تسجيل حالات مصابة بالفيروس في تلك الدول، وبالفعل استجابت تلك الدول لدعوات وقف إطلاق النار، ولكنها لم تلتزم به مما جعل الوضع يبقى كما كان عليه، وهو ما يتضح في التالي:

  • وقف إطلاق النار في ليبيا

تبنت السلطات في شرق وغرب ليبيا إجراءات احترازية للوقاية من انتشار الفيروس، ولكن التصعيد المتواصل والهجمات المتكررة تنذر بخطر كبير يهدد البلاد خاصة مع ضعف الامكانيات في القطاع الصحي، ويشير مراقبون إلى أن استمرار الانقسامات والصراعات من شأنه تشتيت الجهود لاحتواء خطر الفيروس، ويؤكد هؤلاء أن توحيد مؤسسات الدولة بات ضروريا لمواجهة التحدي الصعب الذي عجزت أمامه دول متقدمة.

وقد جاءت الدعوة الأولى لوقف إطلاق النار المتعلق بفيروس كورونا في ليبيا في 18 مارس، وفي البداية ظهرت ليبيا كمثال متفائل للعالم عندما اتفق كل من حكومة الوفاق الوطني، والجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر على وقف إطلاق النار الإنساني في 21 مارس ، وهما طرفي الحرب الأهلية في ليبيا منذ سقوط معمر القذافي في 2011، ومع ذلك لم يستمر هذا التفاؤل كثيرا؛ حيث استمرت المعارك بعد أقل من يوم في ليبيا، وبعد أربعة أيام تعرضت العاصمة طرابلس لقصف مكثف، كما عادت الخروقات من جديد من طرف المليشيات، التي شنت هجوما مفاجئا على قاعدة الوطية العسكرية؛ بهدف تحقيق تقدم في المعارك ضد الجيش الوطني الليبي بعد أن فشلت في تحقيقه طوال الأشهر الماضية.

وتمثل ليبيا أسوأ سيناريو لوقف إطلاق النار الإنساني؛ فبدلا من منح المدن استراحة في الصراع لمكافحة الوباء اشتد الصراع وزادت مستويات العنف، وهذا  يمكن أن يكون تدميرا لعملية بناء السلام على المدى الطويل، كما أنه إذا تم إيقاف إطلاق النار في ليبيا مرة أخرى، فستبقى الهدنة هشة وقابلة للانهيار؛ فبينما يشترط الجيش الوطني الليبي إخراج المرتزقة والقوات التركية، ووقف إمدادات السلاح التركي، وتصفية الجماعات الإرهابية من غرب ليبيا؛ كي يتم تفعيل ذلك وقف اطلاق النار الدائم، تطالب حكومة الوفاق بعودة الجيش الليبي إلى ما قبل خطوط بدء معركة طرابلس في الرابع من أبريل 2019.

  • وقف إطلاق النار في اليمن

أعلن التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن وقف إطلاق النار من جانب واحد في  أبريل الماضي وتم إعلان تمديد وقف إطلاق النار لمدة شهر في 24 أبريل الماضي؛ بسبب انتشار الفيروس بسرعة في شبه الجزيرة، واعترض الحوثيون الذين كانوا يحرزون تقدما في الاستيلاء على الأراضي في البداية، ثم قبلوا وقف إطلاق النار في اليوم التالي، لكن انتهاكات الحوثيين بدأت على الفور، وبعد أسبوع خلص مسؤولو الأمم المتحدة إلى أن وقف إطلاق النار فشل في وقف الأعمال العدائية وأن المحادثات من أجل سلام دائم لم تكن جارية.

وقد نفت جماعة الحوثي وجود هدنة في اليمن بعد أن أعلنت السعودية والتحالف العربي تمديدها شهر بناء على طلب أممي، وقد قال عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثي محمد البخيتي في تغريدة عبر تويتر: أنه لا توجد أي هدنة في اليمن حتى تقوم السعودية بتمديدها، وإنما تصعيد قامت بتمديده، وأضاف أن هدف الرياض من هذا “الإعلان الكاذب” على حد وصفه التبرير المسبق لهزيمتها المتوقعة في محافظة مأرب بشرقي البلاد، كما أشار المتحدث العسكري باسم جماعة الحوثي يحيى سريع إلى أن طائرات التحالف السعودي الإماراتي نفذت 35 غارة جوية في مناطق متفرقة بمأرب وصعدة ومكيراس، وأضاف سريع أن الحوثيين واللجان الشعبية تصدوا لزحف واسع شنته قوات التحالف من مسارين باتجاه مواقع للحوثيين في مديرية رغوان بمحافظة مأرب.

  • وقف إطلاق النار في سوريا

تدخل سوريا السنة العاشرة من الصراع، مع عواقب إنسانية كارثية وأكبر أزمة نزوح منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ويهدد الوباء بتعميق الأزمات الإنسانية وأزمات النزوح الحادة الناجمة عن قرابة عقد من الصراع، وقد جاءت الدعوة التي وجهها مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا جير بيدرسن، من أجل وقف فوري لإطلاق النار على الصعيد الوطني في جميع أنحاء سوريا في ضوء جائحة كورونا، وليس فقط وقف إطلاق النار المتفق عليه مؤخرا في إدلب، وبالفعل تم الاستجابة للدعوة.

وقد شهد وقف إطلاق النار في سوريا العديد من الخروقات، حيث أكد المنسق الأممي مارك لوكوك: أن عمليات قتل المدنيين في جميع أنحاء سوريا تتزايد، ويبدو أن مختلف أطراف النزاع، بما في ذلك تنظيم داعش ينظرون إلى كورونا على أنه فرصة لإعادة التجمع وإحداث العنف ضد السكان المدنيين، وأقر بوجود نقص شديد في معدات الوقاية الشخصية وغيرها من المواد الطبية في عموم البلاد.

وقد أفادت الوكالة العربية السورية للأنباء “سانا” في 27 أبريل الماضي بمقتل 3 مدنيين وإصابة 4 آخرين، من بينهم طفل، من جراء سقوط شظايا صواريخ إسرائيلية على منازل للمواطنين في بلدتي الحجيرة والعادلية بريف دمشق، وكان الطيران الحربي الإسرائيلي قد أطلق من فوق جنوب لبنان مجموعة من الصواريخ باتجاه الأراضي السورية، وفي 28 أبريل الماضي قتل أكثر من 36 شخصا، بينهم مدنيون ومقاتلون سوريون موالون لأنقرة، جراء تفجير صهريج وقود مفخخ في مدينة عفرين في شمال سوريا والتي تسيطر عليها القوات التركية وفصائل سورية موالية لها، وذلك وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، وتعد حصيلة القتلى من بين الأعلى في المنطقة، منذ سيطرة القوات التركية عليها قبل عامين، وقد اتهمت وزارة الدفاع التركية في تغريدة المقاتلين الأكراد باستهداف المدنيين الأبرياء في عفرين.

ونخلص إلى أن وقف إطلاق النار في دول الصراع الأساسية في الشرق الأوسط شهد العديد من الخروقات، ولم ينتج عن وقف إطلاق النار انخفاض في مستوى العنف، ولم ينتج عنه النتائج المرجوة من التمهيد لبناء السلام، لأن وقف إطلاق النار لا يعالج الأسباب الهيكلية للصراع في تلك الدول، وفضلا على عدم الالتزام بوقف إطلاق النار الذي فرضته أزمة كورونا، فإن الأزمة أدت إلى عدد من الآثار السلبية التي أثرت على مستوى العنف وبناء السلام في دول الصراع.

تراجع الاهتمام بمكافحة الارهاب واستغلال الجماعات الإرهابية الفرصة

هناك العديد من الباحثين يحذرون قادة العالم من فقدان التركيز على التهديدات الأمنية العالمية ومكافحة الإرهاب، وقد حذر جيل دي كيرتشوف منسق مكافحة الإرهاب بالاتحاد الأوروبي من أن الأموال التي سيتم إنفاقها لمعالجة العواقب الاقتصادية والاجتماعية والصحية للفيروس ستكون على حساب الأمن، كما أن الجماعات والمنظمات المتطرفة تستغل جائحة الفيروس لزيادة عملياتها، وتزيد من نفوذها في الوقت الذي تعالج فيه الدول آثار الوباء، ومن الجدير بالذكر أن  الولايات المتحدة الأمريكية والشركاء الدوليون قاموا بسحب العمليات العسكرية الرئيسية في الشرق الأوسط وأفريقيا مؤقتا؛ وذلك للتكيف مع التهديدات التي تسببها جائحة كورونا.

نجد أنه مع الاهتمام العالمي بشكل شبه حصري بكورونا المستجد، تغتنم الجماعات المسلحة الفرصة، ويستغلون الخوف وعدم الاستقرار، وذلك كما حدث عندما حاول سجناء داعش الفرار في سوريا في 30 مارس الماضي، وفي أفغانستان تم استئناف الهجمات الطائفية، كما أن الأزمة قد تخلق فرصا للجماعات الإرهابية لشن هجمات جديدة ضد الحكومات الضعيفة في أفريقيا والشرق الأوسط؛ حيث تميل الجماعات الإرهابية لاستغلال الفوضى و كسب الأراضي والأتباع عندما تواجه الدول الضعيفة اضرابات وأزمات، فقد حث داعش مقاتليه في العدد الأخير من مجلته الأسبوعية الرقمية النبأ على “مهاجمة وإضعاف الكفار” والاستفادة من الأزمة الصحية دون “إظهار أي علامة من علامات الشفقة” على الأعداء، وقد أعلن أنصار التنظيم بالفعل أن الفيروس “جندي من جنود الله” وينبغي استغلال لحظة تشتت انتباه القوى الأوروبية والأمريكية التي تجندت لمحاربة الوباء على الجبهة الداخلية.

وتستمر الهجمات العنيفة والتهديدات من قبل الجماعات الإرهابية والنزاعات المسلحة في جميع أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط، مستغلين انغماس الحكومات الهشة في مكافحة الفيروس، ومن هذه التهديدات إمكانية عودة داعش في العراق وسوريا، وزيادة القوة التي تتمتع بها الجماعات الشيعية المدعومة من إيران في العراق، ويؤدي نشاط الجماعات الإرهابية وزيادة نفوذها في مناطق الصراع إلى تقويض جهود السلام وتفاقم الصراعات، والرجوع خطوات إلى الوراء فيما يخص عمليات بناء السلام.

تعطل المساعدات الدولية ومحاولات بناء السلام

من المتوقع أن تؤدي الاستجابة للوباء إلى المزيد من المساس بالأمن وتقويض احتمالات السلام؛ وذلك بسبب إعاقة جهود الإغاثة والمساعدات بسبب عمليات الإغلاق والحظر والتباعد الإجتماعي وقيود السفر، ونجد بسبب الأزمة الحالية وسياسات الإستجابة لخطر الفيروس؛ تراجعت أعمال المنظمات الإنسانية ومنظمات وبناء السلام والمنظمات الإنمائية، وإعمالا لسياسة التباعد الاجتماعي قلصت تلك المنظمات من عدد موظفيها في دول الصراع المختلفة، وهناك دولا مثل جنوب السودان طلبت من الأمم المتحدة عدم إرسال قوات جديدة إلى بلدانها، خاصة من الدول التي يُنظر إليها على أنها مصدر عالي الخطرة للوباء مثل الصين وإيطاليا وكوريا الجنوبية وأسبانيا.

كما تراجعت المساعدات الدولية؛ وذلك لتوجيه الموارد إلى ما هو ضروري فقط، فالمنظمات الدولية ستجد عقبة في أي جهة تحول المساعدات المالية لها (جهة حل الصراع أم جهة مكافحة فيروس كورونا)، والحكومات كذلك ستجد نفسها أمام اختيارين: إما السعي لتحقيق السلام في تلك الدول، أو حل أزمة كورونا داخل دولتها، والتي سببت أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية، ونجد أن قصر الموارد على ما هو ضروري حاليا سيساعد على المدى القصير في احتواء الفيروس، ولكن على المدى المتوسط ​​إلى الطويل سوف تتأثر قدرة بعثات السلام على تحقيق المعايير والأهداف المكلفة بها.

كما أن التدابير المتخذة لاحتواء انتشار الفيروس تؤثر بالسلب على تنقل صانعي السلام وحفظة السلام وبناة السلام في دول الصراع، فضلا على أنها تثبط الجهود الدبلوماسية من أجل حل الصراعات، حيث تعيق الاستجابة العالمية لفيروس كورونا المستجد حركة بناة السلام الدوليين والوطنيين في البلدان المتأثرة بالصراعات، ولا يتمكن بناة السلام هؤلاء من السفر إلى مناطق الصراع، ووضعت المنظمات الدولية قيودا على الحركة لموظفيها، كما عاد الكثير منهم إلى أوطانه، إن تراجع أنشطة بناء السلام خلال هذه الفترة ينذر بخطر كبير على المجتمعات المتضررة من الصراعات العنيفة، وتعد إحدى النتائج المحتملة هي أن الجماعات المسلحة ستغتنم الفرصة لتوسيع حدودها، وبالتالي تقويض عمليات السلام الجارية.

ومن هنا لحقت الأضرار بآليات إدارة الأزمات الدولية وحل النزاعات؛ حيث أثرت قيود السفر بالسلب على جهود الوساطة الدولية، وقد منع مبعوثو الأمم المتحدة العاملون في الشرق الأوسط من السفر إلى المنطقة وداخلها بسبب إغلاق المطارات، وقد صرح وكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بيير لاكروا: أن الظروف الاستثنائية لجائحة كورونا أثرت على عملية السلام في السودان وعلى سحب بعثة الأمم المتحدة منه، كما أوقفت المنظمات الإقليمية المبادرات الدبلوماسية في مجالات تتراوح بين جنوب القوقاز وغرب إفريقيا ، بينما اضطر مبعوث مجموعة الاتصال الدولية حول فنزويلا – وهي مجموعة من الدول الأوروبية وأمريكا اللاتينية التي تبحث عن حل دبلوماسي للأزمة هناك – إلى إلغاء رحلة طويلة بالفعل إلى كاراكاس في أوائل مارس لأسباب تتعلق بـفيروس كورونا المستجد.

ومن الجدير بالذكر أن الوباء أدى إلى قلة اهتمام القادة الدوليين، والذين يركزون على الظروف الداخلية لبلادهم ومواجهة كوفيد 19، وليس لديهم وقت لحل الصراعات أو عمليات السلام، وتشير بعض الدراسات إلى أن  الجهود المبذولة لضمان وقف إطلاق النار في ليبيا، والذي كان أولوية لبرلين وبروكسل في فبراير لم تعد تحظى باهتمام رفيع المستوى، كما تشير الدراسات إلى أن الدبلوماسيين الذين يعملون على منع حدوث مواجهة قاتلة في شمال اليمن بحاجة ماسة إلى وقت وطاقة كبار المسؤولين السعوديين والأمريكيين، لكنهم أفادوا بأن الاجتماعات مع كلاهما تم إلغاؤها أو تقليصها، كما ألغى الرئيس الكيني أوهورو كينياتا قمة 16 مارس مع نظرائه من إثيوبيا والصومال والتي تهدف إلى نزع فتيل التوترات المتصاعدة بشكل خطير بين نيروبي ومقديشو، حيث أشار المسؤولون الكينيون إلى حاجتهم إلى التركيز على الجهود لوقف انتشار الفيروس المحتمل.

المخاطر الاقتصادية والاجتماعية للفيروس وتأثيرها على الصراعات

قد يشدد فيروس كورونا المستجد قبضته على الدول الهشة التي تعاني من الصراع، أو المعرضة لخطر الصراع، وبالتالي يزيد من خطر التوترات، وربما العنف؛ حيث يمكن للتأثير الاقتصادي الكارثي للمرض أن يزرع بذور الاضطرابات المستقبلية في الدولة الهشة التي تعاني من الصراعات، فمن شأن تلك التاثيرات الاقتصادية أن تخلق ضغوطا كبيرة على المجتمعات والأنظمة السياسية في الدول الهشة والتي تعاني من صراعات، مما يخلق إمكانية اندلاع أعمال عنف جديدة؛ حيث ستؤدي تلك التأثيرات إلى حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي، والذي سيكون له عواقب وخيمة على تلك الدول، حيث سيؤدي الركود الاقتصادي إلى تعطيل التدفقات التجارية وخلق بطالة وصدمات اقتصادية شديدة وزيادة انعدام الأمن الغذائي بشكل خاص في الدول الهشة، مما يخلق احتمالات أكبر لتصعيد الاضطرابات والصراعات.

ونجد أن الوباء يمكن أن يؤثر بشكل خاص على منطقة الشرق الأوسط، وأفريقيا جنوب الصحراء، حيث هناك معاناة بالفعل من الصراعات والاضطرابات، يمكن أن يعمقها الفيروس بشكل أكبر، ويضخم الأزمات الموجودة مسبقا، ويعمق المظالم الشعبية، ويسرع الركود الاقتصادي، ويكثف الأزمات الإنسانية وأزمات النزوح.

  • انعدام الأمن الغذائي بسبب كورونا:

وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، تؤثر جائحة كوفيد-19 على أنظمة الغذاء في العالم وتعطل التجارة الزراعية الإقليمية، وقد حذرت منظمة الأغذية والزراعة من أن نقص الغذاء يشكل خطرا حقيقيا في الأشهر المقبلة، ويتأثر القطاع الزراعي بشكل كبير بسب الفيروس، حيث أدى نقص العمال بسبب الفيروس، وتوقف عمليات النقل، وإجراءات الحجر الصحي إلى التقليل من القدرة على الوصول للأسواق وحدوث انقطاعات في سلسة التوريد، ينجم عنها خسارة المواد الغذائية وهدرها، وهذا من شأنه أن يؤثر على سلسة توريد الغذاء.

وقد صدر عن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن عدد المعرضين للنقص الحاد في الغذاء قد يتضاعف هذا العام ليصل إلى 265 مليونا بسبب التداعيات الاقتصادية لمرض كوفيد-19، كما من المتوقع أن يتسبب انخفاض عائدات السياحة وتحويلات العاملين بالخارج وقيود أخرى ترتبط بتفشي فيروس كورونا المستجد في دفع قرابة 130 مليونا نحو الجوع الشديد هذا العام لينضموا إلى نحو 135 مليونا ضمن هذه الفئة.

كما نجد أن الانتشار الواسع النطاق للمرض في أي بلد أكثر فقرا وأشد معاناة من انعدام الأمن الغذائي قد يؤدي إلى خسائر فادحة في الاقتصاد أكبر بكثير من الخسائر في دول أخرى، ويصيب الضرر الأكبر القوى العاملة في البلدان الأشد معاناة من انعدام الأمن الغذائي وذات الدخول المنخفضة، فمع الإنتاج كثيف العمالة التي تتسم به تلك الدول، يؤدي ذلك إلى تداعيات أكثر خطورة على الإنتاج، كما تعتمد الصناعات الخدمية في تلك الدول على التواصل المباشر، وهذا يعني أن إجراءات احتواء انتشار المرض وسياسات التباعد الاجتماعي المصممة للحد من التواصل بين البشر قد تؤدي إلى خسائر أكبر.

أما بالنسبة للآثار السلبية اقتصاديا واجتماعيا للفيروس في المنطقة العربية:

  • صدر عن اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا: أن من المتوقع أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية بما لا يقل عن 42 مليار دولار، وهذا الرقم مرشح للارتفاع نتيجة للآثار المضاعفة لانخفاض أسعار النفط والتباطؤ الاقتصادي الكبير الناجم من إغلاق مؤسسات القطاع العام والخاص، وكلما طالت فترة الإغلاق التام ازدادت الكلفة المترتبة على اقتصادات المنطقة.
  • تعاني المنطقة العربية بالفعل من فقدان الوظائف المقلق بسبب فيروس كورونا، ويمكن أن تفقد أكثر من 1.7 مليون وظيفة في عام 2020، وذلك وفقاللجنة الاقتصادية والاجتماعية.
  • هناك 8.3 مليون شخص إضافي معرضون لخطر الوقوع في الفقر في المنطقة العربية، مما قد يزيد من عدد من يعانون من نقص التغذية بنحو 2 مليون شخص، وهناك 101.4 مليون شخص في المنطقة مصنفين بالفعل على أنهم فقراء، و 52 مليون يعانون من نقص في التغذية.
  • أدى الفيروس إلى تفاقم الوضع الاقتصادي الصعب في سوريا، وأصبح 9.3 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، في ظل فيروس كورونا المستجد وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وسط أزمة اقتصادية خانقة، وقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية ارتفعت بنسبة 107 في المئة خلال عام واحد في سوريا، على خلفية الأزمة المالية في لبنان التي تنعكس على اقتصادها، إلى جانب تفشي فيروس كورونا.
  • كما تفاقم الوضع الاقتصادي الحرج أصلا في ليبيا جراء عمليات الغلق وتوقف تصدير النفط، واتخذت حكومة الوفاق إجراءت تقشفية بما في ذلك خفض الرواتب، مما زاد من معاناة الليبين وزاد من الضغوط الاقتصادية عليهم.
  • تسبب الوباء في نقص المواد الغذائية لملايين اليمنيين، حيث أن اليمن يعتمد في الحصول على احتياجاته من المواد والسلع الأساسية على الاستيراد من الخارج، كما أكد محافظ البنك المركزي اليمني أن الاقتصاد اليمني يمر بمرحلة حرجة، مع انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية، الأمر الذي ستكون له تبعات كبرى وستتسع الفجوة بين الإيرادات والمصروفات، ما سينعكس على ميزانية 2021 التي ستكون الأسوأ في تاريخ اليمن إن لم تتحسن الأوضاع في الأشهر القليلة المقبلة.

هل الصراعات في المنطقة في طريقها للسلام في ظل كورونا؟

أولا بالنسبة للوضع في ليبيا حاليا لا يوجد سيناريو لاستئناف المفاوضات، كما أن كل طرف من أطراف الصراع المحلية في ليبيا لا يمتلك القدرات الاقتصادية والبنية الصحية اللازمة لمواجهة فيروس كورونا إذا تفشى في ليبيا ، وفي ظل إغلاق موانئ وحقول النفط وتخفيض الإنتاج، وتفاقهم الخسائر التي بلغت قرابة 3.5 مليارات دولار، وفقا للمؤسسة الوطنية للنفط، وفي ظل ارتفاع مستويات العنف وعدم التزام أي من الطرفين بوقف إطلاق النار، وفي ظل تراجع جهود السلام الدولية، واستغلال أطراف الصراع للوضع الحالي لكسب ميزة نسبية على حساب نظائرها، وفي ظل تفاقم الصراع ؛ فلا يوجد حلول دبلوماسية و سياسية حاليا ولا يوجد سوى الحل العسكري الذي تؤيده معطيات أخرى في الواقع.

أما الوضع في سوريا واليمن فلا يختلف عن الوضع في ليبيا، واستمرار الصراعات هناك ليس مفاجئا، فطالما كانت هناك محاولات لوضع حد للصراع في الدولتين، ولكنها كلها باءت بالفشل، فلماذا سمكن أن يتغير الوضع الآن؟ كما يبرز الخوف من أن تستعمل الأزمة كسلاح من قبل أطراف الصراع ، إذ يمكن أن تستأثر أطراف الصراع بالمساعدات الطبية لداعميها، وفي سوريا بالأخص يمكن أن يستغل النظام السياسي الأزمة الصحية لإحكام سيطرته.

وحتى الآن من الواضح أن الأزمة لم تغير مسارات وديناميات الصراعات الحالية في سوريا أو اليمن أو ليبيا، فالدول التي تأثرت سياستها في ليبيا وسوريا واليمن بالوباء، الصراعات ذات أهمية ثانوية لديها، وهي واحدة من مصالحها الكثيرة ولكنها ليست مصلحة حيوية، فالصراع في اليمن على سبيل المثال يعد قضية وجودية للحوثيين، ولكن ليس للمملكة العربية السعودية، والتي كانت قيادتها قد بدأت بالفعل في التشكيك في حكمة مشاركتها في الصراع، وهذا يفسر سبب استجابة السعودية لإعلان وقف إطلاق النار وتمديده من جانب واحد، بينما انتهكه الحوثيون.

وبالاستعانة بالشواهد التاريخية نجد أن الأوبئة لا تضع حدا للعنف والصراعات والحروب، ففي أحسن الأحوال تؤدي إلى هدوء مؤقت، لكن في أغلب الأحيان يستمر القتال بلا هوادة، مما يضيف أعداد أخرى من القتلى، وعلى سبيل المثال في نهاية الحرب العالمية الأولى عندما اجتاح فيروس الأنفلونزا الأسبانية الجيوش المتنافسة، استمر القتال بينما بذل القادة قصارى جهدهم لإخفاء خطورة الوضع؛ خوفا من استغلال خصومهم للوضع، وقد حصد ذلك الوباء روح أكثر من 50 مليون إنسان، وبالتالي وفقا للشواهد التاريخية لن يوقف وباء كورونا الصراعات القائمة في الشرق الأوسط في الوقت الحاضر، ما فعله ذلك الوباء فقط هو تعطيل خطط القوى المعنية بالصراع في المنطقة، ولكن استأنفت هذه القوى أعمالها القتالية بعد تكيفها مع الوضع.

خاتمة:

نخلص إلى أن أزمة كورونا أثرت بالسلب على بناء السلام في دول الصراع في المنطقة خاصة سوريا وليبيا واليمن، وفاقمت الأزمة من حدة الصراعات الموجوجة، بل استغلت بعض الاطراف الازمة لكسب ميزات نسبية عن نظائرها من الفصائل المتعارضة، ونخلص إلى عدة نتائج:

  • الاستجابات الحالية للأزمة على المستويات الدولية والوطنية لا تظهر حساسية تجاه النزاع أو تتخذ نهجا شاملا لبناء السلام؛ حيث تؤدي عمليات الإغلاق العامة إلى زيادة مروعة في العنف، وتعيق القيود المفروضة على التجمعات والسفر عمليات السلام بطرق قد تثير التوترات، أو تفيد بعض الجماعات على حساب غيرها، كما تؤثر الآثار الاقتصادية الناجمة عن الأزمة بشكل مباشر على الفقراء والضعفاء.
  • أدت الأزمة إلى تفاقم ديناميات الصراع وأنماط عدم المساواة القائمة، وتعطيل عمليات السلام، وزيادة مخاطر العنف في المجتمعات التي تعاني بالفعل من صراعات.
  • أوقفت الأزمة مؤقتا ولفترة قصيرة  جدا النزاعات، لكنها لم تغير الهياكل الأساسية للصراع، مثل المنطقة التي تسيطر عليها المجموعات، والحصول على الأسلحة والتمويل أو الدعم.
  • بينما ظهر وقف إطلاق النار كنقطة انطلاق نحو السلام، نجد أن حل الصراعات ليس بهذه السهولة، فصنع السلام يعتمد على مجموعة معقدة من العوامل، كما أن هناك تقليد قديم يدعو إلى وقف إطلاق النار لأسباب صحية مثل حملات التطعيم ضد شلل الأطفال، لكن هذه لا تؤدي بالضرورة إلى السلام.

وفي النهاية ينبغي لمجتمع بناء السلام والجهات الفاعلة الدولية والحكومات والجهات المانحة أن تضع برامج تعالج الأسباب الهيكلية للصراع ، مثل عدم المساواة والتمييز، التي تتفاقم بسبب الأزمة وتتطلب حلولا طويلة الأجل، ويشمل ذلك: التخطيط لعملية الانتعاش الواسعة بعد الأزمات التي ستكون ضرورية للمجتمعات لإعادة بناء اقتصاداتها وأنظمتها الصحية، وإعادة تشغيل التعليم والحياة الاجتماعية.

المراجع::

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button