دراسات تاريخية

تاريخ الجزائر: المنفيون..جريمة أخرى للاستعمار الفرنسي

بقلم حفيظ صواليلي – جريدة الخبر

 جاء تدشين الرئيس عبد المجيد تبون، أمس، بالعاصمة لنصب تذكاري تخليدا لآلاف الجزائريين المنفيين من قبل الاحتلال الفرنسي، ليعيد إحياء إحدى صور وفصل من فصول وحشية المستعمر الفرنسي في الجزائر، والتي كانت تنضاف إلى حملات القتل والعقاب الجماعي للمقاومين الجزائريين، إلى جانب القوانين والإجراءات الاستثنائية الخاصة بالمسلمين الجزائريين إبان الاحتلال الفرنسي وسياسات التمييز التي أبرزها قانون الأنديجينا أو الأهالي بالخصوص.

لقد عمد الاستعمار الفرنسي إلى إخماد جذوة المقاومة بشتى الطرق منذ بداية الاحتلال وسقوط مدينة الجزائر على أيدي قوات لويس أوغست فكتور دي شاز أو الجنرال دوبورمون في جويلية 1830، من المجازر والقتل الجماعي، إلى حرق وسلب الأراضي إلى النفي والإبعاد الإجباري.

وتمرس المستعمر الفرنسي منذ إقراره لما يعرف بقانون النفي الصادر سنة 1854 والمعروف تحت تسمية قانون 30 ماي 1854 المتعلق بتنفيذ الأشغال الشاقة، والذي أشارت في مقدمته “نابليون، بفضل الله والإرادة الوطنية، إمبراطور الفرنسيين، للجميع في الحاضر والمستقبل، سلام لقد صدقنا ووافقنا وأصدرنا تمت المصادقة على ما يلي: أقرت الهيئة التشريعية مشروع القانون الذي جاء محتواه على النحو التالي: سيتم إخضاع عقوبة الأشغال الشاقة في المستقبل في المؤسسات المنشأة بمرسوم من الإمبراطور على أراضي ممتلكات فرنسية أو أكثر غير الجزائر. يعمل المحكوم عليهم في أصعب وأشق أعمال الاستعمار وفي سائر أعمال المنفعة العامة . يجوز تقييدهم بسلاسل كل شخصين اثنين أو إجبارهم على سحب كرة حديدية كعقوبة تأديبية أو كإجراء أمان .يجوز نقل النساء المحكوم عليهن بالأشغال الشاقة إلى إحدى المؤسسات المنشأة في المستعمرات. على أن يتم فصلهن عن الرجال وتشغيلهن في عمل يتناسب مع سنهن وجنسهن”.

سياسات الإبعاد والنفي الإجباري بدأت بعد سنوات قليلة من الاستعمار، ولكن أبرز ملامحها كانت عمليات الإبعاد والنفي الجماعي التي تمت إلى كاليدونيا الجديدة والتي تظل مأساة إنسانية تكابدها أجيال من أحفاد المبعدين قصرا عن أرضهم.

فقد قامت فرنسا الاستعمارية بترحيل إجباري إلى جزيرة كاليدونيا الجديدة بين عامي 1864 و1897 نحو 2166 مقاوم جزائري، أغلبهم من الشباب، خلال 42 رحلة، وهي جزيرة احتلتها فرنسا سنة 1853 وتقع في قارة أوقيانوسيا جنوبي المحيط الهادي، وكان أبرز المنفيين الجزائريين الذين شاركوا في مقاومة الشيخ محمد المقراني ومحمد أمزيان الحداد سنة 1871 التي بدأت في أقصى شرق الجزائر بمدينة سوق أهراس وانتشرت إلى غاية مدينة برج بوعريريج، وشكلت صداعا للمستعمر، خاصة وأن هذه الثورة تزامنت مع هزيمة فرنسية عسكرية في أوروبا بعد صراع مسلح نشب بين الإمبراطورية الفرنسية الثانية بقيادة نابليون الثالث والولايات الألمانية للاتحاد الألماني الشمالي بقيادة مملكة بروسيا، وانقلاب النظام الحاكم في فرنسا بعد سقوط الإمبراطورية وظهور الجمهورية وبعد انهزام نابليون الثالث أمام بسمارك، والذي ساهم في بروز قوة المستوطنين في التأثير على حكومة باريس واستئثارهم بالسلطة في الجزائر، ومضاعفة كافة أشكال التنكيل والاضطهاد ضد الجزائريين، مع إقرار قانون النفي الاستعماري الصادر في 1854، كأحد القوانين الفرنسية التي قنّنت القمع مثله مثل قانون الأهالي أو الأنديجينا المعروف بلائحة كريميو، أو قانون 10-680 الصادر في 28 جوان 1881، إضافة إلى قانون التجنيد الإجباري.

وعمد الاحتلال الفرنسي إلى تنظيم رحلات دورية من الجزائر إلى كاليدونيا الجديدة، أولها وصلت في عام 1864، وكان على متنها رجل واحد يدعى براهم بن محمد، أما آخر رحلة فكانت سنة 1921 وتحمل رجلين هما حسن أحمد المحمود ومصطفى آغا محمود.

وتم إحصاء مجموع عدد الرحلات التي تمت بين 1864 و1921 بنحو 42 رحلة. نقل من خلالها 2166 منفي ونجا منهم 2016. وقد تمّ نقل أكبر عدد من المنفيين بين عامي 1867 و1895، وقد تم القيام بالرحلات على متن مراكب شراعية مصممة خصيصا لنقل السجناء. واستمرت هذه الرحلات ما بين 140 و150 يوم. قطعوا فيها حوالي 30928 كيلومتر في ظروف لاإنسانية. ولم تكن كاليدونيا الجديدة الوجهة الوحيدة للمنفيين الجزائريين قصرا، بل إن عددا من الجزائريين نفوا أيضا إلى ما يعرف بـ”غويانا الفرنسية” أو “كايان”، فما بين سنوات 1852 و1938 رحل آلاف الجزائريين إلى غويانا الفرنسية وزج بالمئات منهم في زنزانات معتقل “كايان” سيئ الذكر، وقد توفي العديد منهم هناك في غياهب السجون.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى