تحديات بناء الدولة العراقية بعد عام 2003: دراسة جيوستراتيجية (2)

اطروحة تقدم بها الطالب علي حسين احمد  الى مجلس كلية العلوم السياسية/ جامعة النهرين وهي جزء من متطلبات نيل درجة الدكتوراه  فلسفة في العلوم السياسية/ الإستراتيجية، 2016.

الفصل الثاني: التحديات الداخلية لبناء الدولة العراقية بعد عام  2003      

يواجه النظام السياسي العراقي الوليد وهو يمر بمرحلة الأنتقال الى مرحلة التحول الديمقراطي في عملية بناء الدولة ازمات وتحديات عديدة نتجت عن انهيار دولة شمولية قامت على الاستبداد، لتحل محلها دولة  غير واضحة التشكيل يسودها عدم الاستقرار، وإنتظمت سلطتها في كيان سياسي متضعضع تعاني معظم القوى السياسية المعاصرة الفاعلة فيه من غياب الرؤية الواضحة لمفهوم الدولة، ومن قصور في إدراك أهمية بناء الداخل القوي المتماسك الذي يمثل العمق الاستراتيجي للدولة وركيزة وجودها وديمومة بقائها وهو المجتمع، واستغلت هذه القوى تخلف وضعف بنى المؤسسات السياسية العراقية حديثة النشأة، وسيادة الروابط والقيم التقليدية، والولاءآت الفرعية الضيقة ووظفتها في صراعها من اجل الهيمنة على السلطة، ويمكن تلمس ذلك في سلوك النخب السياسية الساعية للأستيلاء على السلطة وليس المشاركة فيها من خلال المحاصصة والسياسات الطائفية والعرقية العصبية والمناطقية، وتأسست العملية السياسية على قاعدة المحاصصة والمكون الاجتماعي الديني الطائفي والعرقي والاثني بدءاً من مجلس الحكم الانتقالي الذي تم تشكيله على اساس تمثيل هذه المكونات، وحكمت الانقسامات والولاءآت والانتماءآت الفرعية، سلوك وتوجهات الكتل والاحزاب السياسية، والحكومة والبرلمان وكافة مؤسسات الدولة بشكل أثر سلباً على بناء الدولة ووضع العملية برمتها في مواجهة تحديات سياسية وتشريعية، وامنية فضلاً عن التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تنخر كيان الدولة من الداخل وتعرضها للتداعي والانهيار.

اولاً. المحاصصة

المحاصصة سلوك اجتماعي ــ سياسي وتتحكم بهذا السلوك وتؤثر فيه عوامل نفسية وثقافية وحضارية تتفاعل في البيئة الاجتماعية وتحدد التوجهات للافراد والجماعات على حد سواء([1])، والسلوك السياسي هو نشاط وفعالية يمارسها الفرد، او مجموعة افراد يشغلون مواقع يؤدون من خلالها ادواراً سياسية معينة تعطيهم القدرة على التأثير في تنظيم وتوجيه الحياة السياسية في المجتمع، وتحديد مراكز القوى فيه ، وتنظيم العلاقات السياسية بين القيادة والجماهير، والتحكم بالسلوك الانتخابي الذي تؤثر فيه الثقافة السياسية للفرد، واعتبارات الانتماءآت الدينية والطائفية والعرقية والعشائرية خاصة في بلدان العالم غير المتقدم التي لا يملك الافراد فيها الحرية الكاملة في توجهاتهم السياسية، لأرتباط ذلك التوجه بالعوامل المشار اليها آنفا والتي تدفعهم في اتجاه معين([2]).

والمحاصصة تحدي مركب تواجهه عملية بناء الدولة العراقية بعد عام 2003، فهي عامل تفتيت للمجتمع وتعميق لأزمة الهوية فيه، كما تشوه المحاصصة العملية السياسية وتضعف الدولة ونظامها السياسي، وتلحق الضرر ببنى الاحزاب السياسية وتعطل دورها المنشود في بناء الديمقراطية.

  1. تفتيت المجتمع العراقي وتعميق أزمة هويته الوطنية

واجهت الدولة العراقية منذ نشأتها عام 1921 تحديا سياسيا ــ اجتماعيا تمثل بالتعارض بين نظامين اجتماعيين وثقافتين مختلفتين: نظام الدولة المعاصرة الناشئة وقيمها ومجتمعها المديني، والمجتمع العراقي التعددي وقيمه التقليدية وولاءآته الفرعية، والذي لم تكن مفاهيم السلطة والانتماء الوطني، والهوية الوطنية، مألوفة ومعروفة لديه، لذلك اصطدمت فكرة الدولة بالتوجهات السائدة في المجتمع العراقي الذي لا تنسجم الولاءات الفرعية السائدة فيه مع مفهوم الولاء للدولة وكان من الواجب على بناة الدولة العمل على خلق ولاء جديد يسمو على الولاءآت الفرعية دون انكارها ووضع توصيف للهوية الوطنية التي تضم وتؤطر الهويات الفرعية، إذ ان البنية الاجتماعية العراقية نشأت نتيجة لتمازج وتفاعل جماعات متعددة مختلفة تضم العرب والاكراد والتركمان وهم في غالبيتهم مسلمون لكنهم منقسمون حتى ضمن القومية الواحدة مابين شيعة وسنة، فضلاً عن وجود المسيحيين والصابئة واليزيدين وجماعات اثنية اخرى، وقد تعاملت هذه المجموعات مع بعضها اجتماعياً واقتصادياً عبر التاريخ دون أن يؤدي ذلك الى محو الفروقات الاجتماعية، او التقارب وخلق مشتركات بين ثقافاتها([3]).

وقد بذل الملك فيصل الاول جهده لصياغة هوية وطنية عراقية وسعى للتوفيق بين الفئات المختلفة للمجتمع، ادراكاً منه لحاجته الى دعم كل مكونات المجتمع في عملية بناء الدولة الوطنية العراقية، وقد طور اسلوبا للتعامل مع الجميع وخلق الروابط والصلات معهم بشكل لم يستطع أي حاكم تولى السلطة بعده من تحقيقه وكان يعمل على خلق الشعور لدى مكونات المجتمع بوجود ترابط ومصالح مشتركة بين الدولة والمجتمع بكل مكوناته كشرط اساسي لتحقيق الاستقلال وإكمال عملية بناء الدولة لإيمانه بأهمية وضرورة مشاركة كل الفئآت الاجتماعية في تكوين الهوية الوطنية العراقية، اذ لم يكن المفهوم المعاصر للمواطنة واضحا لدى افراد المجتمع، ويتطلب ترسيخ هذا المفهوم القائم على نقل نمط الولاءآت التقليدية الى ولاء جديد يسمو عليها والاقتناع به سياسة تربوية وتنشئة تستلزم جهودا كبيرة وزمناً ليس بالقصير، فالهوية الوطنية تضع القواعد والاسس التي تبنى عليها الحياة السياسية المستقرة، وهي فكرة تحدد السمات العامة لشعب الدولة وتغرس في عقول افراده شعوراً بالانتمآء لوطن واحد يضم الجميع في اطار تماسك اجتماعي ووحدة سياسية للامة المتعددة الانتماءآت العرقية والدينية والطائفية، ولهذه الهوية السمو على كل الولاءآت التقليدية، لانها تتضمن صياغة مشتركات تجمع بين مجمل ثقافات المكونات الاجتماعية بشكل يحقق انسجامها لخلق ثقافة للجماعة الوطنية تقوم على الانتماء المرتبط بوجود الانسان ولايمكن تصورها إلا في التعددية([4])، إلا أن وفاة الملك فيصل الاول تركت فراغا سياسيا في مرحلة حاسمة من مراحل بناء الدولة وقد غيرت المجرى السياسي في تاريخ العراق المعاصر، لقصر عمر الدولة الحديثة التكوين التي لا تملك جذورا تاريخية موحدة لمكونات مجتمعها، ولم تنجح الدولة في تحديد ملامح هوية وطنية عراقية تصبح اداة سياسية توفر الاطار الاجتماعي ــ الثقافي لبناء مجتمع تعددي([5]).

لقد تم بناء الدولة ومؤسساتها عام 1921 بالاعتماد على الضباط الشريفيين الذين شاركوا في الثورة العربية عام 1916 ضد الحكم العثماني والتي كان شعارها اقامة دولة واحدة تضم الوطن العربي كله، لذلك احتلت مسألة الوحدة العربية والهوية القومية اهمية وأولوية وعلى حساب بناء وتعزيز الهوية الوطنية العراقية وسادت نفس النظرة خلال العهد الملكي والعهود الجمهورية واشارت الدساتير التي اصدرتها كل انظمة الحكم خلال الفترة          1921 ــ 2003 الى عمل العراق من اجل تحقيق الوحدة العربية الشاملة، وانه جزء من الوطن العربي الكبير([6])، وكان امام الدولة خيارين: الخيار الاول هو هوية العراق المبنية على اساس الانتماء القومي للوطن العربي، والخيار الثاني الهوية الوطنية على اساس الانتماء القطري للاقليم الجغرافي للدولة العراقية، ولم تكن الهوية المبنية على الاساس القومي ووحدة الامة العربية تنسجم مع الواقع العراقي المتسم بالتعددية القومية والدينية والاثنية، بينما كان مفهوم الهوية الوطنية المبنية على الاساس القطري الجغرافي الذي يعني الاعتراف بالتعددية القومية والدينية والاثنية والثقافية اكثر ملائمة للواقع العراقي لبناء الدولة ـ الامة، وكان هذا النمط من الهوية بعيداً عن تفكير الساسة العراقيين الذين ارتبطت الوطنية لديهم بالقومية العربية ودولتها الواحدة التي تتجاوز حدود الدولة العراقية لتشمل الوطن العربي كله، ويختلف هذا المفهوم للوطنية عن مفهومها لدى القوميات غير العربية في العراق، ويتطلب واقع البلد ايجاد وخلق هوية وطنية عراقية تؤطر وتضم مكونات المجتمع وثقافاتها وتجمعها في هوية وطنية مبنية في جوهرها على اساس الانتماء للاقليم الجغرافي للدولة العراقية([7])، وقد عانت الدولة العراقية منذ نشأتها من النظرة القومية غير الواقعية التي رأت للدولة دورا رائدا لتوحيد الامة العربية في كيان سياسي واحد، وادى ذلك الى ظهور اتجاه قسري لبناء الهوية الوطنية العروبية، في حين يفترض في الهوية الوطنية ان تكون جامعة للمكونات الاجتماعية للبلد اولاً، وان تقوم على وعي يسمو على الوعي بالانتماءآت الفرعية لصالح الانتماء للوطن، اذ لايمكن تجاوز هذه الانتماءآت سعيا لبناء انتماء اكبر، لذلك اقترن معنى الوحدة الوطنية بالدمج القسري للجماعات المختلفة في الدولة الوطنية، وقاد ذلك الى المساس بحقوق وحريات المكونات غير العربية من أجل شعارات عاطفية غير واقعية عن الوحدة العربية وكانت النتيجة وجود الوطن وعدم وجود المواطن([8])، وادت هذه الاشكاليات الى عدم تحديد ملامح الهوية الوطنية العراقية وعدم وضوحها اذ يتداخل فيها البعد العراقي مع البعد القومي العربي، ولم يكن هنالك مكان للهويات المحلية القومية والدينية والطائفية والاثنية التي لم تؤخذ خصوصياتها الثقافية بنظرالاعتبار([9])، ويحفز تركيز احد مكونات المجتمع على انتمائه وهويته القومية المكونات المختلفة الاخرى ويدفعها للتمسك بانتمائها القومي تحت ضغط شعورها بتهديد يمس  انتمائها القومي وخصوصياتها الثقافية، فتصبح الهوية الفرعية اكثر قوة وحضوراً من الهوية الوطنية لدى مكونات المجتمع الاخرى([10])، ويتلاشى مبدأ المواطنة الذي يعني غيابه عدم الاعتراف بالاخر المختلف، ويتراجع إستيعاب المكونات الاجتماعية في مؤسسات الدولة وتنعدم بذلك المشاركة ثم الاندماج بسبب فقدان القيم المشتركة، او بسبب تعارض القيم، وبغياب القيم المشتركة تفقد الدولة قدرتها على التجذر في المجتمع، وينعدم التماهي بين الاخير وبين الدولة، وتعجز سياسات القسر عن تحقيق الاندماج الوطني لأنها تفضي الى تمسك المكونات غير العربية للمجتمع العراقي بإنتماءآتها وهوياتها وقيمها المبنية على حقائق الجغرافيا والتاريخ والخصوصية، وتعكس تلك الهويات إرادات لجماعات اجتماعية لايمكن ان تندمج ضمن إطار الهوية الوطنية إلا عند توافر وعي وقبول فردي وجمعي بالتنوع والاعتراف به([11]).

وقد أحيا الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003، وتدخل دول الجوار في الشأن العراقي تراكمات تعثر بناء الهوية الوطنية، وعمق حدة ازمتها انهيار الدولة، وحالة الفوضى الشاملة، وعجز الحكومة وعدم قدرتها على تأمين حماية المواطنين وضمان امنهم وفشلها في تأمين الخدمات، فتحكمت الأستقطابات العرقية والدينية والطائفية والاثنية بالمجتمع العراقي، وتحولت الى عنصر محرك مهيمن على المشهد السياسي الذي تراجعت فيه الهوية الوطنية ويمثل هذا الواقع جوهر الازمة والتحدي السياسي الذي يعيشه العراق، والذي جسده ظهور معادلة اجتماعية ــ سياسية تقوم على تقسيم المجتمع الى مكونات: شيعي ـ سني ـ عربي ـ كردي ـ تركماني ـ يزيدي ـ صابئي- مسلم ـ مسيحي، وتأسست العملية السياسية على قاعدة المحاصصة بدءاً من مجلس الحكم الذي شُكل على اساس تمثيل هذه المكونات حسب نسبتها، وسيطرت هذه الانقسامات العرقية والدينية والطائفية على توجهات، الكتل والاحزاب السياسية وعلى الحكومة وتشكيلها، وعلى البرلمان ومؤسسات الدولة كافة وانتقلت الى كل المحافظات العراقية التي شهدت انقسامات استندت الى الهويات الفرعية مما اثر بشكل كبير على الوحدة الوطنية وعلى بناء الدولة([12])، ومثل ذلك البداية لتصدع وحدة العراق الوطنية في مرحلة مابعد النظام الشمولي التي كرست المحاصصة ولجوء المواطنين الى العشيرة والدين والطائفة والعرق بحثاً عن الامن في ظل تراجع الهوية الوطنية وفشل الدولة وعجزها عن اداء وظائفها وهذا الامر متوقع عند ضعف الدولة وغياب مؤسساتها، وتتحمل الادارة الامريكية وقواتها التي احتلت العراق جانباً كبيراُ مما آل اليه الحال عندما تم القرار على اعتماد المحاصصة في تشكيل مجلس الحكم الانتقالي وكان ذلك مؤشرا على التخبط والاخطاء الكبيرة التي ارتكبتها الولايات المتحدة الامريكية في العراق([13])، وكانت المحصلة وضع الدولة العراقية في مواجهة صراع على هويتها بسبب الخلاف بين المكونات على هذه الهوية، والتمسك بالهويات الفرعية في ظل غياب الهوية الوطنية، وضعف تجانس المجتمع العراقي، وضعف عقيدته الوطنية العراقية، واحدث ذلك خللا وشرخا بين مكونات المجتمع استغلته القوى والاطراف السياسية لتحقيق مكاسب شخصية وآنية ضيقة، ويعاني البلد جراء ذلك من ضعف ولاء الفرد والمجتمع للدولة العراقية ويضعها في مواجهة تحدي سياسي غير محمود العواقب تنطوي ثناياه على مخاطر كبيرة تطال حاضرها ومستقبلها([14])

ان أي جماعة بشرية لا تدرك هويتها عندما تعجز عن ادراك احساس وشعور الجماعات المختلفة بهوياتها، اذ يتحقق الشعور بالهوية من خلال رؤية هوية الاخر المختلف، وادراك الجماعة لذاتها له بعدين: بعد فردي، وبعد جماعي، ويتم ادراك الهوية بمعرفة الفرد لذاته وتفاعل هذا الادراك مع ادراكه ومعرفته للاخرين، اذ تؤثر طريقة فهم الاخرين على تعريف الفرد لذاته، والمجموعة لذاتها، وعلى هذا الاساس تحتاج الجماعة الى تعريف نفسها الى الاخرين لتجنب الانغلاق([15]).

وللهوية ثلاثة مستويات: مستوى فردي يمنح الفرد شعوره بالانتماء لجماعة انسانية محددة يشاطرها المشاعر والتوجهات ومنظومة القيم، ويرتبط هذا المستوى بالتنشئة الاجتماعية للفرد والثقافة السائدة في محيطه الاجتماعي، ومستوى سياسي ـ جمعي يعكسه الاختيار الطوعي للفرد في الانخراط في التنظيمات والاحزاب السياسية، والمستوى الثالث سياسي يعكسه تبلور الهوية الوطنية في بنية الدولة ومؤسساتها ولم يعرف تاريخ العراق السياسي المعاصر نجاح الدولة في تجاوز حدود الولاءات الفرعية لصالح الهوية الوطنية التي تتصف بانتماء وسمات لا تشبه في شكلها ومضمونها الانتماء للهويات الفرعية التقليدية([16])، وادى التهميش والاقصاء اللذان وقعا على عدد من مكونات المجتمع العراقي الى تمسك هذه المكونات بهوياتها التقليدية دفاعاً عن وجودها وخصوصياتها الثقافية فتحولت الهويات الفرعية الى عامل اضعاف لرابطة المواطنة وكونت ثغرات ومكامن وهن في النسيج الاجتماعي والوطني وظهرت حالة عدم التوازن بين الهوية الوطنية والهويات الفرعية بسبب ضعف روح المواطنة، التي عززها تبني الدولة لسياسة القسر وإلغاء الآخر الذي سعى للتمسك بالانتماءآت التقليدية بحثا عن الحماية وكبديل عن الانتماء للهوية الوطنية([17])

لقد اكدت احداث مابعد عام 2003 والتحديات التي يواجهها العراق على ضرورة اعادة النظر في مسألة الهوية الوطنية العراقية وبنائها بضوء خصوصية المجتمع العراقي لتصبح حقيقة ملموسة في مجتمع يتصف بخصائص تميزه عن محيطه العربي ومحيطه الاقليمي، والعراق بحاجة الى هوية وطنية تقوم بشكل اساسي على القبول بالاختلاف والتعددية والتعايش مع الاخر والعمل سوية لبناء دولة مدنية تعتمد فيها المواطنة كهوية([18]).

ويستوجب بناء الهوية الوطنية العراقية إتصافها بسمة الهوية الجامعة والمؤطرة للهويات الفرعية، والافتقار الى هذه السمة يخلق حالة من الانفصال بين الدولة ومكونات مجتمعها، ويجب ان ترتكز الهوية الوطنية على ايجاد قيم مشتركة بين كافة مكونات المجتمع العراقي، واستيعابها في بنى الدولة ومؤسساتها لتحقيق الترابط والانسجام بين الهويات الفرعية والهوية الوطنية التي تتسجد في المشاركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويصبح الانتماء للوطن في المحصلة قائما على أساس شعور مكونات المجتمع بأن هوياتها مجسدة في الهوية الوطنية التي تمثل الشعب والوطن والدولة([19])، ويتحقق التماهي بين الدولة والمجتمع عندما يكون هناك اندماج طوعي بين مكونات المجتمع، ويتولد هذا الاندماج عندما يشعر الافراد ان الدولة تعبر عنهم وتحفظ حقوقهم وتحمي وجودهم وتؤمن مستقبلهم، ويتم الوصول الى حالة التماهي بين الدولة ومجتمعها عندما تأخذ العلاقة بينهما طابع الامتداد الافقي بعيداً عن المحاصصة عندها تتراجع أولوية الانتماءآت الفرعية لصالح الانتماء الوطني الاسمى([20]).

ويستلزم ذلك سمو السلطة السياسية فوق الاختلافات الاجتماعية والخلافات السياسية، وتقع على من يمارسها مسؤولية التأكيد على الهوية الوطنية الضامنة للعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص لكل مكونات المجتمع، ويحدد الدستور شكل هذه السلطة السياسية وطبيعتها ويضع الحدود لمسؤولياتها وصلاحياتها، اذ يضع الضوابط لممارسة السلطة ويحدد الاطار القانوني لعملها ونشاطها ويضمن سلامة الوضع القانوني للدولة([21])، وتتطلب عملية بناء الدولة التأكيد على مبدأ المواطنة الذي يجسده دستور يضمن الحقوق والحريات، ويحدد الواجبات والمسؤوليات للافراد، والمجتمع، ومؤسسات الدولة، وان يضع الدستور بشكل محدد قواعد البناء المؤسساتي لوضع حد للخلاف والصراعات ومحاولات الهيمنة على السلطة على وفق مبدأ المحاصصة التي تعمل على قاعدة المغالبة والمساومات وتمزيق النسيج الاجتماعي، ولا تخدم المحاصصة مصالح البلد ولا تؤسس لمستقبل ولا تبني دولة([22]).

وتشكل المواطنة مرتكز بناء كيان الدولة السياسي ــ الاجتماعي المتكامل حيث تضمن حق كل مواطن في العمل والعيش المشترك دون تمييز في الحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ويتحقق ذلك في اطار عقد اجتماعي (الدستور) وتَعدّ المواطنة بموجبه مصدر الحقوق والواجبات لكل مواطن في الدولة، اذ تقوم على قاعدتي المساواة، والحرية اللتان تمثلان دعائم البناء العضوي للدولة الشرعية، فالمواطنة منظومة قيم انسانية، والدولة ظاهرة انسانية تستند الى قواعد قيمية تضفي الشرعية على جودها، والواقعية على سلطتها([23]).

وتحدد المواطنة هوية المواطن بقاعدتي الانتماء والولاء للدولة وعليه يقوم مفهوم المواطنة على اساس توافر الروابط الموضوعية بين الدولة والفرد بوصف الاخير مواطنا في دولة ــ امة، فهو ليس جزءا من رعية، او جزءا من طائفة، او دين، او عرق ويحقق مبدأ المواطنة للمواطن حرية اختيار آيديولوجيته ويصوت في الانتخابات بضوء قناعاته وإختيارهأ الحر وتصبح العلاقة مباشرة بينه وبين السلطة، وبمقدوره بلورتها من خلال انتمائه لحزب يوفر له المنطلق في نشاطه السياسي اعتمادا على مبدأ المواطنة الذي يحقق المساواة بين المواطنين في الدور وفي الحقوق والواجبات([24]).

ولم يَعُدْ لمفهوم الرعية وجود في دول العالم المتقدم، وحل محله مبدأ المواطنة الذي يضمن مساواة الافراد أمام القانون، وامام الدولة بوصفهم مواطنين ينتمون الى وطن، او اقليم جغرافي بحدود معلومة ومعترف بها، ويوصف هذا الانتماء على المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية بالأنتماء الوطني، ويوصف على المستوى الحقوقي والقانوني بالمواطنة، وتتناقض المحاصصة مع مبدأ المواطنة لانها تؤكد على الانتماءآت الفرعية الضيقة بوصفها تعبيراً سياسياً عن وجودها وتطبيقها، وقد وضعت المحاصصة الدولة العراقية في مواجهة تحديات تمثلت في تفتيت الجتمع واضعافه، وتعطيل القرار السياسي، واعاقة رسم السياسة العامة للدولة لاعتمادها على المساومات اسلوباً في الاداء، بدلا عن الاداء المؤسساتي.

  1. تشويه العملية السياسية وإضعاف الدولة ونظامها السياسي

كان من نتائج المحاصصة واتباع اسلوب التوافقات بين الكتل والاحزاب السياسية القابضة على السلطة، خلق البيئة المؤآتية لظهور الاقطاع السياسي حيث تتحكم طائفة، او قومية، او حزب، او عائلة وحتى فرد بمفصل من مفاصل الدولة بوصفه الحصة المُقرة بموجب التوافق السياسي فغابت الصفة المؤسساتية عن الدولة، ووضع الدستور جانباً، وتحولت الدولة الى مجرد غطاء للفئوية، وترتب على ذلك توزيع وتقاسم السلطة والثروة على وفق قاعدتي المكون الاجتماعي، والتوافقات السياسية، واصبحت رئآسة مجلس الوزراء بموجب هاتين القاعدتين من حصة احزاب الاسلام الشيعي ورئآسة الجمهورية من حصة الاكراد، ورئاسة مجلس النواب لاحزاب الاسلام السني، واللافت للنظر اعلان كل القوى السياسية رفضها للطائفية والعرقية رغم تمسكها بها وتحويلها الى طابع مميز للنظام السياسي، واتضح ذلك من خلال الدورتين الانتخابيتين اللتان أعقبتا إقرار دستور العراق الدائم لسنة 2005، والدولة على هذه الصورة تُعبرّ عن كيان يضم مجموعة من المكونات العرقية، والدينية الطائفية والاثنية، فهي ليست دولة معاصرة لمواطنين يتمتعون بالحرية والمساواة في الحقوق والواجبات على اساس مبدأ المواطنة، لأن المحاصصة والتوافقات السياسية ترتكزان على رؤية قوامها تشارك المكونات الاجتماعية وليس على مشاركة المواطنين فتسود هويات المكونات الفرعية ومصالحها الفئوية على حساب الهوية الوطنية ودولة المواطنة وتخضع الدولة وبنى مؤسساتها وهياكلها الى توازن المكونات الذي يعني توزيع السلطة والثروة على اساس التوافقات والتشارك في اقتسام الغنائم وليس على اساس المشاركة،ومحصلة استمرار النظام السياسي على هذا الحال تفضي الى احتمالين: اولهما وجود طبقة سياسية يتصارع افرادها على المغانم وهي المناصب وعائدات موارد النفط، والاحتمال الثاني عودة الحكم الفردي الاستبدادي كرد فعل على استشراء الفوضى وتردي الاوضاع، والنتيجة في كلا الاحتمالين تحول الدولة الى اقطاعيات سياسية وادارية تعاني من القصور والعوق المؤسساتي، ويكمن خطر هذه الاوضاع في تهديدها لوحدة الدولة وتماسكها وتكامل اداء وعمل مؤسساتها، وتفتيت واضعاف الهوية الوطنية لأنها تماهي بين المكونات الاجتماعية والسلطة([25])، ويسود العلاقة بين القوى والاحزاب السياسية المشاركة في العملية السياسية وفي السلطة طابع الخلاف والصراع والمناكثة، وتطغى على الخطاب السياسي سمتي الاقصاء واللاعقلانية، ولاتقود هذه الاوضاع وتفاعلات مفرزاتها الى ضع الاسس السليمة لبناء دولة مؤسسات مستقرة وديمقراطية، بل تؤدي الى دولة هشة متعثرة يحتدم فيها الخلاف والصراع بين الكتل والاحزاب السياسية الامر الذي يجعل مستقبل العراق غير محدد وواضح المعالم، وقد اسهمت في ضعف الدولة وتشويه العملية السياسية فيها عوامل داخلية وخارجية:

  • العامل الداخلي المتمثل في ضعف البنية المؤسساتية للنظام السياسي الذي افقدته المحاصصة ، القدرة على اقامة حكومة قوية تحقق الامن والاستقرار، واوصلت الى السلطة طبقة سياسية غير مؤهلة تفتقر الى الخبرة والمعرفة، وتجهل اسلوب الحوار والتفاهم والوسطية للوصول الى قرارات عقلانية متوازنة تخدم مصالح المجتمع والدولة وتؤسس لبناء المستقبل، ولاتدرك هذه الطبقة الساعية لتحقيق مصالحها الضيقة الاهمية الجيوستراتيجية لموقع العراق الجغرافي وتأثيره على المصالح الاقليمية والدولية([26]).
  • العامل الدولي ساهمت الولايات المتحدة الامريكية بشكل كبير في تكريس الطائفية عبر نظام المحاصصة، وتسييس التنوع العرقي والطائفي المدعوم بدستور يرسخ النزعة الطائفية ويثير الخلافات، عبر تشكيل مجلس الحكم الانتقالي على اساس المحاصصة، واصدار الاخير الذي كان يعمل تحت الاشراف والسيطرة المباشرة للحاكم المدني الامريكي (بول بريمر) رئيس سلطة الائتلاف المؤقتة التي ادارت العراق بعد الاحتلال عام 2003، لقانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية في اذار 2004 الذي حددت المادة (60/الفقرة(أ)) منه الفترة الزمنية لسريانه، كما تم تحديد الخامس عشر من شهر آب 2005 موعداً أقصى تنتهي فيه الجمعية الوطنية من كتابة مسودة دستور العراق الدائم([27]).

وقد خلق قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية، ودستور العراق الدائم لسنة 2005 العديد من الاشكاليات لنظام الحكم، وسيكون الدستور مصدرا للخلافات في المستقبل، ويعود ذلك الى جملة اسباب من بينها تدخل الولايات المتحدة الامركيية في صياغة القانونين، وقد عبر (بول بريمر) عن ذلك بقوله “ان لدينا شرعة حقوق ستعترف بالمساواة بين المواطنين، وستقر استقلال السلطة القضائية” واردف قائلا “ان المحادثات ستجري ايضا حول فكرة حكومة فدرالية في العراق”، واضاف “كل هذه المبادئ ستكون مدرجة في قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية الذي سيفسح المجال لوضع دستور دائم تكون صياغته ضامنة للقيم الامريكية”([28]).

وكان لقانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية، ودستور العراق الدائم لسنة 2005، والسمات العامة غير المحددة اللتان كتبا بها والتي تركت تفاصيلها، او البت فيها الى وقت لاحق غير محدد، دوراً كبيراً في خلق الخلافات واثارة عدم الاستقرار السياسي، ولم يقتصر مصدر هذه الخلافات والاشكاليات على سلوك القوى والاحزاب السياسية القائمة على السلطة فحسب، بل كان للقيود والدور الذي مارسته الولايات المتحدة الامريكية من خلال حاكمها المعين في بغداد (بول بريمر) اثراً كبيراً في صياغة شكل النظام السياسي والمشكلات التي عانى وسيعاني منها مستقبلاً.

ج. العامل الاقليمي كان لهذا العامل دوراً ملموساً في عرقلة إمكانية قيام حكومة وطنية فاعلة تتسم بهوية وطنية عراقية وتسعى لتحقيق اهداف مشتركة للمجتمع العراقي بكل اطيافه، اذ تدخلت القوى الاقليمية العربية وغير العربية في الشأن الداخلي العراقي، وجعلت من العراق ساحة للصراع والتنافس على مصالحها وترك ذلك تأثيرات مباشرة على مسار العملية السياسية، حيث تعاملت هذه القوى مع العراق بوصفه مجتمع مكونات وطوائف: عرب ــ اكراد ـــ تركمان ــ سنة ــ شيعة ــ مسيحيون …الخ، واسهم هذا التدخل من جانب القوى الاقليمية في تأجيج الصراعات والتناقضات الاجتماعية التي انعكست على العملية السياسية وألحقت بها اضراراً كبيرة.

  1. تشويه بنى الاحزاب وتعطيل دورها في بناء الديمقراطية

أدى تفاعل تراكمات الخلل الذي اصاب الحياة السياسية في العراق في فترة حكم النظام الشمولي الاستبدادي مع افرازات الاحتلال الامريكي عام 2003 واصدار قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية، ودستور العراق الدائم لسنة 2005 الى التأسيس القانوني للمحاصصة والديمقراطية التوافقية التي تحولت الى توافقات سياسية انبثق عنها نظام سياسي يقوم على التشارك وليس على المشاركة السياسية الحقيقة، وتمثل المكونات الاجتماعية في هذا النظام حسب نسبتها العددية، فظهرت احزاب سياسية دينية وطائفية وعرقية ببنى وايديولوجيات تتقاطع مع قواعد وآليات الديمقراطية، وعكس تشكيل معظم هذه الاحزاب برموزها القيادية وقاعدتها الاجتماعية ديناً معيناً وطائفة معينة، او قومية معينة وتعتمد القاعدة العرقية في تشكيلها([29]).

وشكلت المجموعات الاثنية التي وجدت نفسها خارج الخريطة السياسية احزابها السياسية فظهر تنظيم الحركة الديمقراطية الايزيدية، ومشروع حزب التجمع المندائي، وتنظيمات كردية فيلية، وشكل المسيحيون الحزب الديمقراطي المسيحي العراقي فضلاً عن وجود احزاب كلدوآشورية، وانقسم التركمان بين سنة وشيعة، فأختار السنة منهم الانتماء القومي، وتبني التركمان الشيعة الانتماء الطائفي([30])، واضفت الكتل والاحزاب السياسية صبغة سياسية على الانتماء الطائفي، او العرقي، او الاثني لتعبئة المكون الاجتماعي الذي تدعي تمثيله فظهرت الطائفية السياسية في العراق وهي حصيلة ردود افعال عن الازمات السياسية الاجتماعية والثقافية التي مرت بها الدولة العراقية الحديثة، وتزخر ذاكرة مكونات المجتمع العراقي بموروث من انعدام الثقة بالدولة والنظام السياسي، ودفعها عجز الدولة عن توفير الامن للبحث عن مصادر بديلة تلجأ اليها فتوجهت الى الدين والطائفة والقبيلة والعرق، فالشعور بعدم الامان والخوف من المستقبل المجهول، والحاجة الى الحماية تشكل دوافع للتمسك بالانتماء العرقي وتغليبه على الانتماء الوطني([31])، وادت الخلافات والانقسامات بين الكتل والاحزاب السياسية  وفي داخلها الى تحويل الانتخابات الى ميدان لتشظية المجتمع العراقي تحت تأثير التعبئة المذهبية والعرقية والاثنية والعشائرية من اجل الوصول الى السلطة دون الالتفات الى التصدع الذي حل بوحدة المجتمع والهوية الوطنية والانتماء الوطني([32]).

وقد اسست المحاصصة لظاهرة استغلال الاحزاب السياسية لخصوصية إنتمآءات مكونات المجتمع العراقي الدينيةوالطائفية والعرقية والاثنية والتأكيد عليها في استخدام الرموز في المناسبات والتنشئة عليها بكل الوسائل المتاحة،  وبالمقابل تم تهميش الرموز والاهداف الوطنية العامة، وبذلك حولت المحاصصة المكونات الاجتماعية الى احزاب سياسية ذات صفة إجتماعية حصرية في عملية استقطاب تؤسس وترسخ الاختلاف والتمايز، وتعرقل ترسيخ مفهوم المواطنة والمواطن، ويشير واقع تجربة الاحزاب السياسية بعد عام 2003 الى صورة مغايرة للتجربة الحزبية التي شهدها العراق في بدايات نشوء الدولة العراقية عام 1921، حيث تم تأسيس الاحزاب على اساس الاستقطاب الافقي والانفتاح لضم كل مكونات المجتمع، وتلغي المحاصصة باستقطابها العمودي الحد الفاصل الذي يميز بين البعد الاجتماعي وبين العمل السياسي فيتداخلان وينتجان الطائفية السياسية وهي عامل ضعف للهوية الوطنية وهي من التحديات السياسية الكبيرة التي يواجهها العراق([33])، وتقود الطائفية السياسية الى اضفاء طابع الولاء لمنطقة معينة على الهويات المحلية المناطقية التي ترسخ بفعل المصالح المختلفة والفروقات الثقافية، ويفرض هذا الواقع قيوداً تضعف السلطة المركزية للدولة، لأن المحاصصة وتوافقاتها ترتكز على قاعدة الحضور السياسي للمكونات في بنية الدولة وهي عامل تفتيت، في حين ان المطلوب هو الحضور الاجتماعي دون التحول الى كيان سياسي مناطقي ويتحقق هذا الهدف عبر وجود الاحزاب السياسية ذات الامتداد الافقي وليس العمودي([34]).

ان وجود الاحزاب الحقيقية التي تعتمد مفهوم الديمقراطية وآلياتها ينشط الوعي السياسي، ويسهم في تشكيل الرأي العام وتوجيهه، كما تقوم هذه الاحزاب بدور مهم يتمثل في تهيئة الكوادر القيادية لادارة الدولة، وتتولى مسؤولية توحيد المجتمع وتحويله من طابعه الفردي الى الشكل الجمعي المؤسساتي مما يخلق ثقافة سياسية مشتركة غايتها بناء الوطن، وتحقق الاحزاب السياسية الديمقراطية الاستقرار السياسي من خلال تعبيرها عن المجتمع بكل مكوناته، وتملأ الفراغ بين الدولة والمجتمع وتقوم بمهمة حلقة الوصل والترابط بينهما([35])، فالاحزاب توفر بادائها لهذه المهام البيئة الصالحة للحفاظ على التماسك الاجتماعي عبر الاستمرار، والتنظيم، ودخول الانتخابات للوصول الى السلطة والالتزام بتحقيق برنامجها السياسي، وتمثل الاحزاب هنا مستودعات الافكار السياسية للمجتمع بكل مكونات نسيجه، كما تقوم بدور القناة التي تنساب عبرها هذه الافكار الى بنية الدولة ونظامها ومؤسساتها([36]).

ثانياً. العوز التشريعي

الدستور عبارة عن مجموعة القواعد القانونية التي تنظم السلطات في الدولة من حيث التكوين والاختصاصات، وتحديد العلاقة بينها، فضلاً عن إقرار حقوق الفرد وما عليه من واجبات ولابد ان يتضمن الدستور مبادئ تؤكد على إحترام احكامه، والفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية وتحقيق التوازن فيما بينها، وضمان الحقوق الحريات العامة، والتداول السلمي للسلطة، ومبدأ سيادة القانون، ولا تنتهي عملية بناء الدولة بعد انجاز عملية تشريع الدستور واقراره اذ ان هناك عدد من التشريعات التي تعد من المهام الاساسية التي تقع مسؤوليتها على السلطة التشريعية لأستكمال عملية بناء الدولة([37])، فسلطة الدولة لابدلها من مبادئ واسس تستند اليها مؤسساتها وفعالياتها وعدم توافر هذه المبادئ والاسس التشريعية والقانونية يُدخل الدولة في الفوضى، حيث ان الدولة لا تستطيع الحفاظ على وجودها دون وجود تشريعات وقوانين تعزز الدور الرئيس للدستور وهو حماية المجتمع والدفاع عنه وتنظيم العلاقة بين الحكام والمحكومين، وبين السلطات([38]).

وقد مرت كتابة الدستور العراقي الدائم لسنة 2005 بمرحلة شهدت ضغوطا وصراعات داخلية واقليمية ودولية فرضت رؤى وتصورات لاتنسجم مع التغيير والتطورات التي مر بها العراق ووضعت الدولة في مواجهة تحديات تشريعية طالت الحاضر وسيمتد تأثيرها الى المستقبل([39])، وقدعطلت الصراعات والخلافات بين الكتل والاحزاب السياسية المتصدرة للعملية السياسية الدستور، وسيطرت على البرلمان وعمله، وتم تعطيل العديد من التشريعات ذات الصلة الوثيقة ببناء الدولة على الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وفشل البرلمان في سن واقرار مشاريع عدة قوانين، بسبب عدم التصويت، او عدم مناقشة او عدم ادراج قوانين اخرى على جدول اعماله، او لاسباب عدة في مقدمتها عدم اكتمال النصاب، وكثرة ايام العطل، فضلاً عن السياسات التي تتبعها الكتل في مجلس النواب في التعامل مع القوانين المهمة، والضغوط التي تمارس من خارج المؤسسة التشريعية، والتجاذبات بين الكتل السياسية، وانعدام الثقة بينها، وتغليبها للمصالح الفئوية الخاصة على المصلحة العامة، كما لجأت هذه الكتل الى اسلوب المساومة والمقايضة عند الشروع باصدار قوانين، او اتخاذ قرارات مهمة بأستخدام طريقة تعطيل قانون مقابل تعطيل قانون، او تمرير قانون مقابل تمرير قانون([40])، كما ادت الصياغة النهائية التي انطوت على مكامن غموض في الدستور، واللغة المبهمة غير الواضحة والمتناقضة التي اتسمت بها كتابة عدد من بنوده الى ترك العديد من المسائل الرئيسة والجوهرية التي تستوجب المعالجة دون حل([41])، وأشر هذا الواقع العوز التشريعي الذي تعاني منه الدولة العراقية وكما مبين ادناه:

  1. العوز التشريعي في القوانين التأسيسية المكملة للدستور التي لا تحتمل التأخير والتي تزيد عن ستين قانوناً ومنها على سبيل المثال قانون الاحزاب السياسية الذي نصت عليه المادة (39/اولا)، وقانون حضر الكيانات التي تتبنى العنصرية والارهاب والتكفير الذي نصت عليه المادة (7/ اولا) وقانون خدمة العَلمْ الذي نصت عليه المادة (9/ ثانياً)، وقانون المحكمة الاتحادية العليا ونصت عليه المادة (93)، وقانون مجلس الاتحاد ونصت عليه المادة (65)، وقانون النفط والغاز، وقانون حرية التعبير والتظاهر، فضلا عن وجود عدة مواد دستورية تتطلب سن قوانين تفصيلية لتطبيقها([42])، وهناك قرارات صادق عليها مجلس النواب بصيغة اخذت طابعاً سياسياً وليس قانونياً بسبب تعدد الكتل والاحزاب السياسية واختلاف الآراء حول تعديل، او الغاء فقرة، او مادة من احد القوانين([43]).
  2. هناك عوز تشريعي يتعلق بالسلطة القضائية التي تأخذ اهمية كبيرة في النظام الفدرالي، ولم يوضح الدستور كيفية تشكيل السلطة القضائية، وكيفية اختيار رئيسها، ولم يحدد اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا لضمان استقلال السلطة القضائية وعدم تجاوز السلطات الاخرى على اختصاصاتها ولم يحدد الدستور عدد اعضاء المحكمة الاتحادية العليا وترك ذلك لقانون يصدر لاحقاً، وقد اشارت المادة (91/ ثانياً) من الدستور الى وجود عدد من القضاة والخبراء في الفقه الاسلامي، وفقهاء القانون في تشكيلة المحكمة الاتحادية العليا ويترب على وجود خبراء في الفقه الاسلامي محاذير عديدة اذ ان وجودهم يعني حضور المذهبية والمحاصصة، ويؤدي الى التباين في الآراء وعدم استقرار الاحكام التي تصدرها المحكمة بسبب اختلاف آراء الفقهاء المسلمين حسب مذاهبهم، في حين ان احكام المحكمة الاتحادية العليا يجب ان تستند الى اسس دستورية وقانونية بحتة([44])، ولا دور للفقهاء في مهامها.
  3. عوز في التشريعات الوثيقة الصلة بالاقتصاد العراقي وفي المقدمة قانون النفط والغاز الذي قدمت مسودته الى مجلس النواب في اذار 2007 ولا تزال المشاكل والخلافات حول القانون تتجدد سنويا حول ادارة واستثمار هذه الثروة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، كما ادى عدم تعديل قانون الاستثمار وهو من القوانين الجاذبة للاستثمارات الاجنبية بضوء ما يقدمه من ضمانات وحوافز تشجع المستثمرين على القدوم الى العراق الى خسارة فرصة عمل الشركات الكبرى واعادة اعمار البلد وتنميته اقتصادياً واجتماعياً([45])، وتثير المادتان (111) و(112) من الدستور الجدل والخلاف بين المركز وحكومة اقليم كردستان بصدد عائدية الثروات الطبيعية في العراق وتقسيمها بين الحكومة الاتحادية، وحكومة اقليم كردستان، حيث فسرت حكومة الاقليم المادتين بأعتبار النفط والغاز المنتج في الاقليم بعد عام 2005 ملك لسكان الاقليم وليس ملكاً لشعب العراق لأن الدستور اشار الى الانتاج الحالي ولم ترد فيه اشارة الى الانتاج المستقبلي([46])، واصبح هذا الموضوع عاملاً من عوامل التوتر بين الاقليم والمركز.
  4. العوز التشريعي في موضوع اولولية قوانين الاقاليم على القوانين الاتحادية في حال تنازع القوانين وما ورد في دستور العراق الدائم لسنة 2005 لامثيل له في دساتير النظم الفدرالية التي تسمو فيها القوانين الاتحادية على قوانين الاقاليم، فضلاً عن المادة (140) وقضية كركوك، والمناطق المتنازع عليها([47]).
  5. العوز الى تشريع لأجراء التعديلات على نصوص الدستور النافذ لكي يلبي الدستور متطلبات بناء الدولة والمجتمع الديمقراطي وتظهر القراءة المتأنية للدستور مايأتي([48]):
  • غموض الصياغة حول هوية العراق وعدم التأكيد عليها بشكل صريح، واستخدام عبارة وصفية غير محددة (عبارة وادي الرافدين) لوصف شعب العراق لا تخدم الشعب العراقي، فالعراق دولة ذات حدود جغرافية معلومة ومعترف بها ويقطن داخل الاقليم الجغرافي لهذه الدولة شعب العراق، وليس لوادي الرافدين حدود ثابتة معترف بها، وهو وصف تاريخي لمنطقة واسعة تقع اجزاء كبيرة منها ضمن حدود تركيا وسوريا وايران.
  • لم يحدد الدستور الشكل الفدرالي للدولة، وهل ان الفدرالية في العراق تقوم على اسس جغرافية؟ ام تقوم على اسس ادارية، ام عرقية؟ ويثير عدم التحديد الجدل والخلاف حول مضمون الفدرالية فهناك من يرى ان العراق يتكون من اقليمين فدراليين: اقليم عربي، واقليم كردي، وآخرين يرون ان العراق ينبغي ان يكون فدرالية من ثلاثة اقاليم: اقليم الجنوب، واقليم الوسط، واقليم الشمال، ويدعو البعض الى فدرالية مؤلفة من الاقاليم الثلاثة المذكورة آنفاً ويضاف لها اقليم العاصمة بغداد، واقليم كركوك، ويقول البعض ان اقامة الفدارلية ينبغي ان تكون على اساس المحافظات.
  • عدم وضوح وتفصيل مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث وتداخل اختصاصاتها، اذ حدد الدستور مهاماً وصلاحياتاً تشريعية لرئآسة الجمهورية يمنحها حق الاعتراض على القوانين والقرارات التي يصوت عليها مجلس النواب وهذه صلاحية تشريعية ، في حين ان رئآسة الجمهورية جزء من السلطة التنفيذية.
  • يصف دستور العراق الدائم لسنة 2005 نظام الحكم في العراق بأنه (جمهوري نيابي، ديمقراطي) واستخدام مصطلح نيابي لايعني البرلمان بشكل دقيق، لأن البرلمان اوسع من مجلس النواب، إذ يتألف البرلمان طبقاً للمادة (65) من الدستور من مجلسين: مجلس النواب، ومجلس الاتحاد، كما اشارت هذه المادة الى ان مجلس الاتحاد يشكل بقانون يصدر عن مجلس النواب، وصدور مثل هذا القانون يعطي لمجلس الاتحاد صفة الهيئة القانونية ولايجعله ذلك هيئة دستورية تشكل المجلس الثاني في السلطة التشريعية مع مجلس النواب.

هــ. عدم وجود دور للبرلمان في المبادرة بتقديم تشريعات تعزز الهوية الوطنية العراقية، بل على العكس من ذلك انشغل البرلمان بمقترح قانون تنظيم حقوق مكونات الشعب العراقي الذي تضمن سبعة وخمسين مادة تكرس تحويل الدولة العراقية الى دولة مكونات طائفية وعشائرية وعرقية، واهملت مواد مقترح القانون المقدم المعايير التي اعتمدتها قوانين بلدان العالم المتقدم التي تحترم حقوق الانسان وتحمي كرامته بوصفه فرداً مواطناً، وهناك معايير اقرتها الشرعية الدولية بخصوص الاقليات تنسجم مع قواعد المنطق، ويحصل جميع المواطنين على حقوقهم من خلال اعتماد مبدأ المساواة بين المواطنين دون تمييز، ويُراد بمقترح هذا القانون تجذير المحاصصة في حاضر الدولة العراقية ومستقبلها([49])، والبلد بحاجة الى اعتماد قانون جديد للأنتخابات التشريعية، وقانون لانتخابات مجلس الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة بأقليم، يُعتمد فيها مبدأ المواطنة لتجاوز نظام تكريس تفتيت المجتمع العراقي بين قوائم طائفية وعرقية، وقيم المجتمع المدني وحدها هي القادرة على تحقيق درجة من التجانس الاجتماعي في المجتمع العراقي المتنوع دينياً وطائفياً وعرقياً وعلى أساس مبدأ المواطنة الذي يُكسب الفرد هوية المواطن العراقي وليس العربي والكردي، والسني، والشيعي، والتركماني … الخ، مع احترام هذه الانتماءآت الفرعية التي يجب ان تتراجع لصالح الانتماء الاسمى للوطن فطابع المواطنة لا يحتاج الى تحديد وتمييز.

ثالثاً. العوق المؤسساتي

المؤسسة عبارة عن منظمة تقوم على بنية هيكلية مُرتِبة ومُنسِقة لنظام اجتماعي ــ سياسي ــ اقتصادي، ويُشكلها الافراد والجماعات لتنفيذ اهداف محددة من خلال ممارسة انشطة واعية، وتستند فكرة اقامة المؤسسة على قاعدتين اساسيتين هما: تلبية واشباع المطالب والحاجات الانسانية، والاداء المستمر والمتطور من خلال الاستخدام الافضل للموارد لتحقيق مصالح كل الاطراف المستفيدة([50])، ودستور الدولة يمثل المرجع لممارسة الانشطة الواعية التي تتطلبها عملية بناء الدولة، ويضع الاسس التي توفر الاستقرار السياسي والاجتماعي، فالدستور يتضمن الضوابط والقواعد المؤسسة لتنظيم الحياة السياسية ــ الاجتماعية، وتحديد حقوق وواجبات الافراد، وصياغة حدود الصلاحيات والمسؤوليات لشاغلي مواقع المسؤولية في الدولة كل ضمن نطاق مسؤولياته، ويشمل ذلك وضع الاطار القانوني للعلاقة بين الدولة والجتمع، لمنع التداخل في الاختصاصات والصلاحيات، كما يحدد المسؤولية القانونية في حالات التقصير في الاداء، وتنطلق عملية البناء المؤسساتي للدولة من الدستور الذي يكفل قيام عملية سياسية سليمة ودولة قوية، وقد بدأ العوق المؤسساتي في الدولة العراقية بعد عام 2003 من الدستور الدائم لسنة 2005، واول ما يُلاحظ عليه لغته المبهمة غير الواضحة البعيدة عن اللغة التي تكتب بها الدساتير والتي تتسم بالدقة والوضوح وعدم التعقيد([51]).

وقد تكررت في الدستور عبارة “ينظم ذلك بقانون” بدءاً من الباب الثاني (الحقوق والحريات) والذي يشمل الموارد (14-46)، ويعني استخدام هذه العبارة تعطيل المواد القانونية التي ترد فيها بسبب عدم وضع سقف زمني لسن التشريعات اللازمة الامر الذي يجعل من مسالة تفعيل هذه المواد أمراً مشكوكا فيه في ظل الخلافات والمشاكل العالقة بين الكتل والاحزاب المتصدرة للعملية السياسية، وتبدأ عملية البناء المؤسساتي للدولة بالعلاقة بين الفرد والدولة، حيث تشكل هذه العلاقة المدخل للترابط بين المجتمع وبين الدولة وسلطتها ويتجسد ذلك في صياغة الدستور التي يجب ان تتضمن مبدأ الفصل بين السلطات الشتريعية، والتنفيذية، والقضائية، وحماية حقوق المواطنين وحرياتهم([52])، فالدستور يوجد السلطة ويوزعها، ويحدد شروط توليها ودرجة تأثيرها، ويخلق السلطة المقابلة لها لتحقيق الرقابة المتبادلة والتوازن([53])، ويدل الالتزام بالدستور واحكامه على مكانته في النظام السياسي للدولة، ويعزز هذه المكانة سمو الاحكام الدستورية على الخلافات السياسية وعدم امكانية تجاوزها للاستحواذ على السلطة من قبل أي طرف من اطراف العملية السياسية .

ويجب ان يتصف الدستور الذي تقوم على هدي مبادئه وقواعده دولة المؤسسات بصفة العقد الذي يعكس الاجماع الوطني لأرادة المتعاقدين، غير ان دستور العراق الدائم لسنة 2005 جاء تعبيراً عن ارادة احزاب وقوى سياسية، وافتقرت لجنة صياغته الى الاختصاص والخبرة القانونية، وغلبت المحاصصة الطائفية والعرقية على تشكل هذه اللجنة لذلك عبرت صياغة النصوص الدستورية عن مطالب سياسية اكثر من تعبيرها عن الحاجة الى مواد دستورية قانونية([54])، وتفرض عملية بناء الدولة العراقية ومؤسساتها تجاوز هذا العائق عبر تعديل الدستور بطريقة تضمن الاجماع الوطني حول مبادئه واعادة صياغته اللغوية، وتنظيم السلطات وممارستها لأختصاصاتها لمنع هيمنة سلطة على اخرى، او هيمنة كتلة او حزب سياسي على السلطة([55]).

ان الدستور الذي ولد عبر التوافقات السياسية واسس للمحاصصة وافتقر الى التوازن تحول الى مصدر لتحديات تواجهها عملية البناء المؤسساتي للدولة، حيث وزعت مؤسسات الدولة الى حصص بين اطراف العملية السياسية المتصارعة عوضا عن تشكيل حكومات ائتلافية توزع الحقائب الوزارية فيها بين احزاب الائتلاف الحاكم التي تتسم ببنيتها الافقية الشاملة لجميع مكونات المجتمع بعيداً عن الاسس الطائفية والعرقية، وهذا الاسلوب تعمل به النظم الديمقراطية ذات التعددية الحزبية([56])، وقد شوهت المحاصصة مبدأ حكم الاغلبية السياسية الذي حولته ديمقراطية العراق التوافقية الى اغلبية مجتمعية على اساس النسبة العددية لكل مكون من مكونات المجتمع كما شوهت البنى التنظيمية لمعظم الاحزاب السياسية الفاعلة على الخارطة السياسية العراقية فهي احزاب دينية وطائفية وعرقية تعتمد العضوية فيها والانتماء اليها على الانتماء الديني والطائفي والعرقي للافراد([57])، واصبحت المكونات الاجتماعية احزاباً سياسية، وتحول ممثلوا هذه الاحزاب في البرلمان الى ممثلين لطوائف وقوميات وليس ممثلين لشعب العراق، ولا يستطيع نواب هذه الاحزاب في البرلمان تكوين رأي مستقل خارج نطاق الحزب، او الكتلة السياسية التي يمثلونها وهي تمثل في الوقت نفسه طائفة ، او قومية محددة، وتعاني هذه الاحزاب من عدم الالمام ببديهيات الفكر السياسي اذ تشكل فئة محدودي التعليم والتحصيل الدراسي نسبة كبيرة من قاعدتها الاجتماعية ويؤدي ذلك الى عدم ادراك ومعرفة الدور السياسي الذي تؤديه الاحزاب في بنية النظام السياسي والذي لا يقتصر على السعي للوصول الى السلطة والاستحواذ عليها واقصاء المنافسين، ولا يرتكز وجود هذه الاحزاب ولا تنظيمها على البنية المؤسساتية بل يتمحور وجودها حول شخص زعيمها، او حول عدد محدود من اعضائها مما يضفي عليها سمة الاحزاب الشخصية التي تتسجد فيها ظاهرة الشخصنة، ووصول مثل هذه الاحزاب الى البرلمان يجعلها ممثلة لزعيمها، وينعكس هذا سلباً على الطابع المؤسسي للبرلمان وعلى عملية البناء المؤسساتي للدولة الديمقراطية المتعارضة مع ظاهرة شخصنة السلطة فتضعف في المحصلة قدرة مؤسسات الدولة على الرسوخ ويشكل ضعف البنى التنظيمية للاحزاب وتحولها الى ادوات في عملية الصراع على المناصب مكمن خلل في بناء مؤسسات الدولة ومنها البرلمان([58])، وتشكل الاحزاب عاملاً فاعلاً في رسوخ البناء المؤسسي في النظم الديمقراطية من خلال دورها في التنشئة السياسية، وتجميع المصالح العامة والتعبير عنها، واستيعابها للافراد والجماعات دون النظر الى انتماءاتهم الفرعية وانما بصفتهم مواطنين في الدولة فتحقق بذلك المشاركة السياسية فضلاً عن دورها في الانتخابات وتشكيل حكومات قوية([59])، وتقوم الاحزاب السياسية في النظم الديمقراطية المتقدمة بنشر ثقافة الديمقراطية والثقافة المؤسساتية من خلال اطارها المؤسسي الذي تعمل ضمنه، وطبيعة كوادرها وقياداتها، والتزامها بمبادئ الديمقراطية، وتعد الاحزاب ضماناً لبناء المؤسسات السياسية القوية في دول العالم المتقدم([60])، اذ لا يقتصر بناء مؤسسات النظام السياسي الديمقراطي على الانتخابات، ووجود برلمان، ومؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية فحسب بل يتطلب ايضا وجود ثقافة ديمقراطية ولا يتحقق هذا الا بوجود احزاب سياسية تتوافر على هيكل وبنية تنظيمية مؤسسية تهيئ البيئة المؤسساتية التي يجري فيها تدريب واعداد القيادات السياسية للمستقبل([61])، ويظهر ذلك مدى الحاجة الى تشريع قانون للاحزاب السياسية في الدولة العراقية.

وتواجه الدولة العراقية تحدي العوق المؤسساتي الذي ولدته ازمة دستورية نشأت بسبب العوز التشريعي، وتعطيل النصوص الدستورية، وترك قسم منها دون تطبيق([62])، فضلاً عن المحاصصة وتأثيراتها، ومن مظاهر العوق المؤسساتي ما يأتي:

  1. العوق في تكامل المؤسسة التشريعية بسبب عدم تشكيل مجلس الاتحاد، اذ نص دستور العراق الدائم لسنة 2005 على ان السلطة التشريعية تتكون من مجلسين هما: مجلس النواب، ومجلس الاتحاد، وبذلك اخذ الدستور العراقي بنظام ثنائية المجلسين في السلطة التشريعية، وتتبع الدول اديمقراطية البرلمانية التي تأخذ بنظام المجلسين طريقة الانتخاب المباشر في تشكيل احد المجلسين، ويشكل المجلس الثنائي اما عن طريق الانتخاب المباشر لأعضائه، او انتخاب عدد منهم، وتعيين العدد الاخر، أو يشكل المجلس الثاني بكل اعضائه عن طريق التعيين([63])، وقد نصت المادة (48) من الدستور على تكوين السلطة التشريعية من مجلس النواب، وحددت هذه المادة اختصاصات ومسؤوليات مجلس النواب وكيفية تشكيله وعدد اعضائه، واشارت المادة (65) من الدستور الى تأسيس المجلس الثاني للسلطة التشريعية وهو مجلس الاتحاد بقانون يصدر عن مجلس النواب([64]).

ويعد عدم تشكيل مجلس الاتحاد بنص دستوري يحدد عدد اعضائه، وكيفية تمثيل الاقاليم والمحافظات فيه، وحدود صلاحياته ومسؤولياته أمراً يخل بتوازن البناء المؤسسي للسلطة التشريعية ذات المجلسين، حيث ان تاسيس مجلس الاتحاد بقانون يصدر عن مجلس النواب يخلق اشكالية في التوفيق بين وجود مجلس الاتحاد بوصفه المجلس الثاني في السلطة التشريعية وبين تأسيسه بقانون يصدره مجلس النواب، ويشير ذلك الاستفاهم عن كيفية سن جهة لقانون يؤسس جهة اخرى مساوية لها في الدرجة، ويدل ذلك على خلل في هيكلية المؤسسة التشريعية، لان تشكيل مجلس الاتحاد بقانون يصدر عن مجلس النواب سيجرده من السمو الدستوري الذي يتميز به الاساس القانوني لتشكيل مجلس النواب، وسيكون تابعاً لمجلس النواب الذي سيقوم بأنشائه بأصدار تشريع عادي، وستكون لمجلس النواب سلطة على مجلس الاتحاد الذي سيضعف دوره([65])، ويتيح هذا الوضع لمجلس النواب المبادرة بالغاء مجلس الاتحاد، او تحديد صلاحياته، بعد تشكيله في حال نشوب خلاف بين المجلسين حول قضايا تشريعية([66]).

ان الغاية من تأسيس مجلس الاتحاد تحقيق مشاركة الاقاليم والمحافظات في ممارسة السلطة التشريعية على قاعدة المساواة فيما بينها، وتتأتى مشاركة الاقاليم من خلال ممثليها في مجلس الاتحاد بغض النظر عن تعداد سكانها لكي تتساوى جميع الاقاليم والمجافظات في عدد ممثليها في هذا المجلس([67])، ويؤمن تطبيق نظام المجلسين المتكافئين في السلطة التشريعية ما يأتي([68]):

  • تحقيق التوازن في السلطة التشريعية وادائها حيث يؤدي وجود مجلس الاتحاد الى كبح جماح السلطة التشريعية ويحول دون هيمنتها على السلطة عندما تتكون من مجلس واحد.
  • يرفع وجود المجلسين من مستوى اداء السلطة التشريعية اذ يتيح الفرصة لتمثيل وعرض مطالب ومصالح المكونات المختلفة للمجتمع التي قد لا تتمكن من الحصول على مقاعد في مجلس النواب بسبب نسبتها العددية لمجموع السكان، اضافة الى تعزيز المشاركة السياسية.
  • يمثل وجود المجلسين عامل طمأنة للاقاليم والمحافظات في مجال تعبيرها عن مصالحها ومطالبها المحلية وعرضها على السلطة التشريعية في النظام الفيدرالي.
  1. علوية السلطة التنفيذية على السطلة التشريعية والخلل في التوازن بينهما إذ اثرت الظروف التي مر بها العراق بعد عام 2003، والثقافة الاجتماعية السائدة، والمحاصصة وما أفرزته من انعكاسات على بناء الدولة ونظامها السياسي، وعلى طبيعة العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية([69])، والتي اكسبت الاخيرة ارجحية على السلطة التشريعية ومن مظاهرها تعطيل الدور الرقابي للسلطة التشريعية وتحييد استخدام وفاعلية وسائل الرقابة البرلمانية التي حددتها المادة (61/سابعا، ثامناً) من الدستور وهي: توجيه السؤال من قبل عضو البرلمان حول امر يتعلق بالاداء، او العمل، الى رئيس مجلس الوزراء، او الحكومة، او احد الوزراء، وقد يطلب البرلمان بقصد الاستيضاح من الحكومة، او طلب رأيها حول موضوع يعرض للمناقشة في البرلمان، واخيراً الاستجواب وهو من اهم وسائل الرقابة على السلطة التنفيذية ، والغاية منه محاسبة رئيس مجلس الوزراء او احد الوزراء، او الحكومة في الامور التي تتعلق باختصاصاتهم في حال وجود تقصير، او خلل وعجز في الاداء ويمكن ان يؤدي الاستجواب الى الأقالة او سحب الثقة([70])، وتتجسد اهمية الرقابة البرلمانية في التحقق من مدى التزام السلطة التنفيذية بالقوانين وعدم تجاوزها عند ادائها لوظائفها، ومدى استجابتها لمطالب المجتمع ومصالحه، وتحديد المقصر لمسائلته واتخاذ الاجراءات القانونية بحقه([71])، وقد ادت المحاصصة وافرازاتها الى استخدام ادوات الرقابة كوسائل في الخلاف والصراع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ولاغراض التسقيط السياسي، وتعطلت آليات الرقابة وفاعليتها للاسباب التالية([72]):
  • عدم دقة النصوص الدستورية وافتقارها للوضوح في توزيع الصلاحيات، وتحولها الى مصدر للخلافات حول تفسيرها فتنشأ صراع على الصلاحيات بين المؤسستين التشريعية والتنفيذية مما اضعف الدور الرقابي المتبادل بينهما وانعكس ذلك على التعاون والتوازن.
  • تأثير السلطة التنفيذية على عمل السلطة التشريعية من خلال اغلبيتها البرلمانية الموالية لها والتي تلتزم الصمت ازاء التقصير والخلل في أداء السلطة التنفيذية.

ج. تدخل السلطة التنفيذية في عمل مجلس النواب الرقابي من خلال سعيها للحيلولة دون استجواب ومحاسبة الوزراء، ويؤدي ذلك الى الخلل في توزيع الصلاحيات بين السلطات وينعدم مبدأ الفصل بين السلطات ويغيب التوازن بينهما وتحوز السلطة التنفيذية على الارجحية على السلطة التشريعية، حيث تشير اللائحة الداخلية للسلطة التشريعية الى الحصول على موافقة السلطة التنفيذية عند طلب السلطة التشريعية تحديد موعد لاستضافة، او استجواب احد الوزراء، كما تؤدي التوافقات بين رؤساء الكتل النيابية واجتماعاتهم المغلقة ووصولهم الى قرارات خارج البرلمان الى الحد من دور وصلاحية السلطة التشريعية كمؤسسة واضعافها([73]).

  1. العوز في فهم الفدرالية والعوق في مؤسساتها

يقتضي تطبيق الفدرالية فهمها وتحديد ماهيتها، فهي نظام لا مركزي لادارة السلطة السياسية ويقوم هذا النظام على توزيع الوظائف التشريعية والتنفيذية والقضائية بين السلطة الاتحادية للدولة الفدرالية وبين الاقاليم ، او الوحدات التي تتكون منها هذه الدولة([74])، واللامركزية في النظام الفدرالي لها حدود وقواعد دستورية وقانونية تحكمها وتنظم العلاقة بين المركز أي السلطة الاتحادية، والسلطات المحلية في الاقاليم المكونة للدولة الفدرالية، وتنبع اهمية الفدرالية من دورها كوسيلة لتحقيق التجانس لمجتمع الدولة المتعددة قومياً، ودينياً، واثنياً ضمن اطار الوحدة السياسية التي تسمى الدولة الفدرالية، ويمثل تطبيقها في المجتمعات غير المتجانسة عامل اطمئنان لمكونات هذه المجتمعات المتعددة النسيج الاجتماعي وتبديد مخاوفها ازاء احتمالات تركز السلطة والاستئثار بها من قبل جماعة، او من اوفئة او سلطة تنفيذية مركزية([75]).

ويستوجب تطبيق الفدرالية فهما وقبولها والتعامل معها على وفق الشكل الاتي([76]):

  • التوزيع المتوازن لوظائف السلطة السياسية التشريعية، والتنفيذية، والقضائية بين المؤسسات الاتحادية، وبين المؤسسات التشريعية، والتنفيذية، والقضائية المحلية للاقاليم المكونة للدولة الفدرالية.
  • يقترن نجاح تطبيق النظام الفدرالي بتطبيق الديمقراطية الحقيقية ومبادئها التي تحول دون تركز السلطة.
  • التوازن بين قوة الحكومة الاتحادية، وبين قوة الحكومات المحلية في الاقاليم، ومصدر هذه القوة ينبع من الدستور والقوانين المتعلقة بتوزيع الاختصاصات والالتزام بها من قبل الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية للاقاليم، اذ لا يعني تطبيق الفدرالية ضعف الحكومة الاتحادية وقوة الحكومات المحلية، او العكس، بل يعني تطبيقها قوة الحكومة الاتحادية وقوة الحكومات المحلية.

ولا تزال الفدرالية غامضة في العراق رغم اقرارها دستوريا لعدم رسوخ جذورها سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، ولا تزال المظاهر الموروثة للمركزية ملموسة في ممارسة السلطة، وفي القيم والعلاقات الاجتماعية، وفي تعامل القوى السياسية معها في سلوكها وبرامجها، ويزيد سعي بعض القوى السياسية المعارضة للفدرالية لخلق فكرة لدى المواطن العراقي بأن الفدرالية تعني تقسيم العراق، من غموضها والشك في ماهيتها([77]).

وشهد تطبيق الفدرالية في العراق توتراً وخلافات في العلاقة بين الحكومة الاتحادية وبين اقليم كردستان بسبب غموض النصوص الدستورية المتعلقة بصلاحيات الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة باقليم وعدم وضوحها في دستور العراق الدائم لسنة 2005، والتي ادت الى خلق مشاكل عالقة ولدتها الاسباب المشار اليها ادناه:

  • المادة (140) من الدستور والتي اقرت تطبيق المادة (58) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية التي ألزمت الدولة العراقية بحل مشاكل المهجرين والمرحلين والساكنين في المناطق التي سميت (المناطق المتنازع عليها) من خلال اجراء استفتاء في كركوك والمناطق الاخرى حول رغبة سكانها في الارتباط بالمركز، أو بأقليم كردستان وحددت المادة (58) سقفاً زمنياً هو نهاية عام 2007([78])، وهناك جدل وخلاف بين المركز والاقليم حول ملكية الثروات الطبيعية وفي مقدمتها النفط الذي تشكل العائدات المالية لتصديره المورد الرئيس لخزينة الدولة العراقية([79])، وقد اشارت المادة (111) من دستور عام 2005، الى ان النفط النفط والغاز ملك لعموم شعب العراق، في حين نصت المادة (112) من الدستور على (تقوم الحكومة الاتحادية بأدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة)، ولم تتطرق هذه المادة الى الحقول غير المستثمرة والحقول التي لم تكتشف بعد وتحولت هذه المادة الى مسألة خلافية وشتت المسؤولية بين المركز واقليم كردستان والمحافظات المنتجة، وسيؤدي تشتيت المسؤوليات الى ضعف الاستثمار بسبب عدم الاستقرار وغياب مركزية ووحدة القرار([80])، ويفاقم الخلاف الخلل الدستوري المتمثل في اعطاء الارجحية لقوانين الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة بأقليم على القانون الاتحادي في حال تنازع القوانين كما ورد في المادة (115) من دستور العراق الدائم([81]).
  • عدم توصيف وتحديد نوع الفدرالية المطبقة في العراق، اذ يتميز شكل نظام الحكم الفدرالي بوجود حكومة مركزية اتحادية للدولة الفدرالية، وحكومات محلية للاقاليم التي تتكون منها الدولة الاتحادية، ويحدد الدستور الاتحادي ويوزع الاختصاصات بين الدولة الاتحادية وسلطتها المركزية وبين الاقاليم وسلطاتها المحلية وينظم العلاقة بينها، ولاجل تحقيق التوازن في اقامة المؤسسات وتأمين عدم التداخل في الاختصاصات وكفاءة الاداء تتوافر في الدولة الفدرالية مؤسسات لهذا الغرض، وقد نصت المادة (65) من الدستور على تشكيل مجلس الاتحاد وهو المجلس الثاني في مؤسسة السلطة التشريعية الاتحادية التي تتكون بموجب الدستور من مجلسين هما: مجلس النواب، ومجلس الاتحاد، ولم يصدر قانون تأسيس الاخير رغم اهميته في تحقيق التوازن في بناء السلطة التشريعية الاتحادية وادائها، كما نصت المادة (93) من الدستور على تشكيل المحكمة الاتحادية العليا التي تختص بالفصل في المنازعات التي تقع بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية للاقاليم والمحافظات غير المنظمة بأقليم وهي المؤسسة المعنية بتنسيق العلاقة بين المركز والاقاليم من خلال قيامها بعملية التحكيم في حال وقوع خلاف بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية([82])، ولم يتم تشكيل هذه المحكمة واقر الدستور في المادتين (105) و(106)، تأسيس هيئات خاصة لضمان حقوق الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة بأقليم، وتتولى هذه الهيئآت مراقبة تخصيص الواردات الاتحادية، ولم تؤسس هذه الهيئآت لحد الان([83])، كما لم يحدد الدستور الاساس الذي يقوم عليه النظام الفدرالي في العراق الامر الذي يثير التساؤل عن نوع الفدرالية المطبقة، بينما حدد قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية اقامة الفدرالية على اساس مبدأ الفصل بين السلطات وعلى الحقائق الجغرافية والتاريخية، واشار الى عدم الاستناد الى الاصل، او العرق، او القومية، او المذهب([84])، وعلى هذا الاساس لم تأخذ الفدرالية شكلها النهائي لعدم وجود نص دستوري، او اتفاق على توصيف الاساس الذي تقوم عليه.

ويكشف واقع الحال مدى حاجة الدولة العراقية الى نظرية تدار بضوئها عملية البناء المؤسساتي للدولة العراقية، ويمثل العقد الاجتماعي أي الدستور هذه النظرية التي يرتكز عليها تأسيس دولة مدنية عصرية فالدستور هو الذي ينشء الدولة وينظم ويوزع سلطاتها، وهو العقد بين الحاكم والمحكومين وتنبع اهميته من حقيقة تنظيمه للمجتمع فالقانون هو الوسيلة التي تمكن السلطة السياسية من ادارة شؤون المجتمع وتنظيمه وتوجيهه نحو تحقيق اهدافه([85]).

ويرسخ وجود مثل هذا الدستور في العراق مفهوم الدولة القانونية التي تخضع كل مؤسساتها وكل مواطنيها سواء كانوا حكاماً، او محكومين للقانون، ويمثل استكمال بناء دولة القانون مرحلة مهمة من مراحل بناء الدولة العراقية للانتقال الى مرحلة التحول الديمقراطي بوصفه شرطا لازما لهذا الانتقال لانه السبيل للحكم الصالح([86])، ويُعد الحكم الصالح المفتاح للدخول الى دولة المؤسسات التي تُحوِّل السلطة في العراق من وضعها الحالي، أي من وضع الكيان السياسي الذي يعاني من الازمات وعدم الاستقرار الى سلطة دستورية تتعامل بآليات الديمقراطية التي يجسدها الالتزام بالدستور، والانتخابات الحرة النزيهة، والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، مع ضمان الحقوق والحريات دستورياً وتنظيمها قانونياً وتفعيل ممارستها من خلال المؤسسات، ويضاف الى ذلك نشر وترسيخ ثقافة المشاركة وتعزيز النزعة الفردية، والنزعة العقلانية والنزعة العلمانية التي تنسجم مع البنية السياسية الديمقراطية المؤسساتية([87]).

رابعاً. العجز في الاداء الحكومي

يتوقف الاداء الحكومي وكفائته على الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وقدرة الجهاز الاداري وآلية عمل مؤسساته، ويعتمد ذلك على وجود برنامج يلتزم به السياسيون، ونزاهة ومقدرة الجهاز الحكومي على الانجاز، لان الاداء يعكس محصلة الاداء السياسي والاداء المؤسساتي([88])، وتستند عملية تقويم الاداء الحكومي على ثلاثة معايير([89]):

  1. كيفية وصول الحكومة الى السلطة، والآليات والسبل البرلمانية لمراقبتها ومحاسبتها، ويشمل ذلك درجة تمثيل الحكومة لكافة مكونات المجتمع، وقدرة الاخير على مراقبة الاداء والانجاز الحكومي من خلال الرأي العام واجهزة الرقابة البرلمانية، ويشير واقع الحال في العراق الى ضعف الرقابة البرلمانية بسبب المحاصصة، والتوافقات السياسية وعدم التزام الكتل المتصدرة للعملية السياسية بالنصوص الدستورية، وضعف الرقابة الشعبية بسبب قلة الوعي السياسي، وضعف الثقافة السياسية وضعف مبدأ المواطنة.
  2. درجة الاستقرار السياسي الذي يتعزز مع سعة قاعدة التمثيل الاجتماعي الذي يعكس مستوى التعاون بين الحكومة والمجتمع ويتوقف ذلك على ثقافة ودور المجتمع وقدرته على إجراء التغيير بالطرق السلمية الدستورية، او باللجوء الى العنف ويؤشر ذلك ازمة المشاركة السياسية في العراق الناتجة عن المحاصصة وانعدام الثقة بين المجتمع والدولة.
  3. قدرة الحكومة على معرفة وتحديد مطالب واحتياجات المواطنين ودراستها لوضع سياسات سليمة تستجيب لأكبر قدر من هذه المطالب، ويمكن قياس مقدرة الحكومة على صياغة السياسات العامة وتنفيذها بكفاءة عبر معرفة نوع التنظيم الحكومي المُعتمد، ويدل ضعف العلاقة بين الدولة والمجتمع على عدم قدرة الدولة على التوافق مع مجتمعها وعزلتها عنه ويعكس ذلك ازمة النظام السياسي وعجزه عن بناء الثقة بمؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، ويوضح المشهد السياسي في العراق ظاهرة انعدام البناء المؤسساتي لاجهزة الدولة، واستغلال المناصب الحكومية والمال العام لتحقيق المصالح الشخصية([90]).

ان أسباب العجز في الاداء الحكومي في العراق عديدة وفي مقدمتها ما يأتي([91]):

  • الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 وحل مؤسسات الدولة وتخريب بنيتها التحتية.
  • التدخلات الدولية والاقليمية في الشأن الداخلي للعراق.
  • المحاصصة ومفرزاتها.
  • الخلاف والصراع بين القوى السياسية المتصدرة للعملية السياسية.
  • ازمات الشرعية والمشاركة السياسية، والتنمية.
  • عدم الالتزام بالدستور والقانون.
  • ضعف الوعي السياسي في المجتمع.
  • عزلة الدولة عن المجتمع.

ان مستوى الاداء الحكومي المتدني يعود الى القصور والخلل في صياغة وإعداد الدستور من ناحية، والمحاصصة والخلاف والصراع بين القوى السياسية الفاعلة على الخارطة السياسية العراقية من ناحية اخرى، الامر الذي يؤكد الحاجة والضرورة لبناء الدولة على قواعد نظام المؤسسات لتجاوز الخلافات والصراعات والتحول من حالة الصراع السياسي الى التنافس السياسي بالآليات الديمقراطية الذي يحكمه الدستور وهو المرجع لبناء الدولة والمجتمع في اطار دولة مدنية معاصرة يسودها القانون، وتعمل فيها اجهزة الرقابة والمحاسبة البرلمانية بكفاءة وفاعلية، ويؤدي العجز في الاداء الى إضعاف قدرة مؤسسات الدولة على اداء وظائفها العامة خاصة عندما يتم تغليب الجانب السياسي على الجانب القانوني، والمصلحة الشخصية على المصلحة العامة فينهار نظام القيم وتاخذ العملية السياسية طابع الصفقات الآنية التي لا تخدم مصلحة الوطن، بل تخدم مصالح طائفية، او قومية، او عشائرية، او مناطقية([92])، وتكرس المحاصصة حالة الصراع بدل التنافس السلمي، وهي المدخل لهدم المؤسسات وترسيخ حالة العجز في الاداء الحكومي، وهي السبيل لتفتيت المجتمع وتجزئة البلد([93]).

والحكم على الاداء السياسي يعني الحكم على عملية ادارة السلطة لأن الاداء الحكومي هو اداء سياسي([94])، وتجسد دور المحاصصة في اضعاف اداء مؤسسات الدولة واصابتها بالشلل، في انشغال المسؤول الذي يتولى موقع المسؤولية بتحقيق اهداف الكتلة، او الحزب الذي ينتمي اليه والذي يخص مكوناً اجتماعياً معيناً يجمع اقاربه وافراد من طائفته، او قوميته، او عشيرته، او منطقته حوله دون مراعاة للأختصاص والاهلية والكفاءة، كما تنعكس عملية تغيير المسؤول، واحلال بديل آخر محله على مفاقمة العجز في الاداء الحكومي، اذ يعمد المسؤول الجديد الى تغيير المحيطين به ليأتي بالاقارب، وابناء الطائفة، او القومية او العشيرة، كما يغير اسلوب العمل بما يناسب هواه، فيتم تغليب الجانب السياسي على الجانب القانوني والمؤسسي بسبب التداخل بين ما هو سياسي، وما هو مؤسسي، ويكمن الفارق بين الدور السياسي، وبين الدور المؤسسي، في امكانية قيام الاول دون الحاجة الماسة الى التخصص المهني وتراكم الخبرة والمعرفة، بينما لا يقوم الدور المؤسسي القادر على الاداء الكفوء والانجاز الا مع توافر التخصص والخبرة والكفاءة وتراكم المعرفة، ويؤدي التداخل بين الدورين الى الارباك وعجز المؤسسات الحكومية وفشلها في اداء وظائفها([95])، وتكون المحصلة عدم سيادة القانون وغلبة طابع الشخصنة على مواقع المسؤولية في مؤسسات الدولة والنتيجة المحتمة هي الفشل والعجز في الاداء، فالمؤسسات لا تنجح ولا تعمل بكفاءة الا من خلال تطبيق الوصف الوظيفي للمؤهلات والمقدرة الشخصية التي يجب توفرها في من يشغل كل موقع مسؤولية، والالتزام بمبادئ التنظيم المقر لكي تمتلك المؤسسة المقدرة على التماسك والمرونة والتكيف والعمل بروح الفريق.

المبحث الثاني

تواجه عملية بناء الدولة ومؤسساتها تحديات أمنية داخلية يشكل تزامنها وتفاعل مخرجاتها عوائق تعترض عملية البناء وتعرضها لمخاطر عديدة، وتتجسد هذه التحديات في ظاهرة العنف التي يتداخل فيها عنف المجتمع الموروث في العقلية والقيم السائدة، وظاهرتي العسكرة والمليشيات المسلحة، وعنف الارهاب، وقد اضاف الفراغ السكاني وعدم توازن توزيع السكان خاصة في المنطقة الغربية ذات الاهمية الاستراتيجية بعداً آخر لهذه التحديات، كما تواجه وحدة الدولة واستقرار نظامها السياسي تحدي التوزيع غير الواضح للاختصاصات الامنية والتداخل فيها بين المركز وحكومة اقليم كردستان، وتستدعي جدية وخطورة هذه التحديات إيجاد الحلول والمعالجات لضمان اقامة الدولة على اسس راسخة.

اولاً. العنف

العنف محصلة للتفكك الاجتماعي عندما يتعرض المجتمع للحروب والكوارث والازمات فتندلع اعمال العنف كرد فعل في مواجهة التحولات والتغييرات السريعة في موازين القوة والسلطة داخل المجتمع، وكشفت احداث مابعد التاسع من نيسان 2003 عن عمق الازمة البنيوية الموروثة التي يعيشها المجتمع العراقي، والتي تشكل تعددية وتنوع نسيجه العرقي والديني والطائفي والاثني ابرز عناصرها، وقد وضعت هذه العوامل العراق في مواجهة أزمة (هوية الدولة) منذ قيامها عام 1921، وسبب نشوئها فشل السلطة في ادارة تعددية وتنوع المجتمع([1]).

وكان من نتائج هذا الواقع العزلة بين مكونات المجتمع، وشيوع العصبية بين فئآته وتفاقم حالة عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي كما إتسم تاريخ العراق السياسي المعاصر بدرجات متفاوته من العنف النابع من عدم ثقة القابضين على السلطة بمعارضيهم ومنافسيهم من السياسيين وامتد تأثير هذه العقلية التي غلب عليها الشك والخوف والقلق والتمسك بالسلطة وهاجس الامن، الى العلاقة بين الاحزاب السياسية فتولد العنف بأشكاله المختلفة وتم استخدامه في الصراع للاستحواذ على السلطة ولأقصاء الآخر وقد وفر الاحتلال الامريكي للعراق البيئة المواتية للتطرف والعنف الديني والطائفي والسياسي، واندفعت الجماعات الارهابية الى داخل العراق بعد تحوله الى حاضنة للارهاب هيأتها تراكمات الماضي وخصوصية التكوين الاجتماعي والاحتلال وما ترتب عليه من افرازات([2])، في مقدمتها حالة فراغ السلطة، وهي الحالة التي تفقد فيها الحكومة السلطة المركزية، وهي مماثلة لظاهرة الفراغ الذي يحدث في الطبيعة، اذ تميل القوى الاخرى للمسارعة لملئ الفراغ حال حدوثه، وقد يأخذ هذا الشكل لملئ الفراغ صورة مليشيات، او جماعات مسلحة، او قد يقع انقلاب عسكري، وتسمى منطقة فراغ السلطة منطقة الزوبعة للاشارة الى حالة الاضطراب وعدم الاستقرار الذي يعمها، وينشأ فراغ السلطة اثناء الحرب الاهلية، او بعدها لعدم وجود سلطة مركزية تمارس الرقابة وتفرض سيطرتها، وقد ينشأ فراغ السلطة في اعقاب أزمة دستورية يترتب عليها إثارة قضايا غير واضحة تتعلق بالصراع على السلطة، كما يرتبط المفهوم العام لفراغ السلطة بالعديد من المواقف الشخصية والتنظيمية في عالم الجريمة المنظمة([3]).

وتتوافر كل المعطيات المذكورة آنفاً على أرض الواقع في العراق، وتتجلى تأثيرات ظاهرة فراغ السلطة في العنف السائد فيه، وهو عنف مركب يتداخل ويتفاعل فيه عنف المجتمع، والعنف السياسي، والمليشيات المسلحة، وظاهرة عسكرة المجتمع، وعنف الارهاب.

  1. عنف المجتمع

العنف سلوك عدواني مشوب بالقسوة والاكراه والقهر وهو نقيض الحضارة والمدنية وسلوكها، وقد يكون فردياً، او جماعياً، وهو سلوك متبادل يبدأه فاعل ويواجهه رد من طرف مقابل فيبدأ مسار العنف والعنف المضاد([4])، ويندلع العنف في المجتمع الذي يتألف من جماعات ذات قيم ومصالح عندما يسود طابع الصراع على العلاقة بين هذه الجماعات التي تسعى كل منها للدفاع عن مصالحها والمحافظة على بقائها، وتتراوح اشكال العنف مابين الخلافات الشخصية، والصراع الطبقي، والصراع على السلطة، والصراع على الموارد الاقتصادية، ويوفر الصراع الوسط الملائم لنشوء العنف وتصاعد وتائره خاصة في حالة الخلل في توازن القوى، اذ يسعى الطرف الاقوى لفرض هيمنته على الطرف الاضعف الذي يتمرد على الهيمنة فتنشأ حالة العنف والعنف المقابل([5]).

والعنف في المجتمع محصلة لمجموعة من التناقضات والاختلالات الكامنة في البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ويُحرك دوافعه الفقر، والقمع، والشعور بالأغتراب والاقصاء([6]).

وتصنف المجتمعات الى مجتمعات متجانسة، ومجتمعات غير متجانسه، ويكون مجتمع الدولة متجانساً عندما تنتمي غالبيته العظمى الى نفس القومية والدين والمذهب، اما الدول غير المتجانسة فتتصف مجتمعاتها بالتعددية العرقية والدينية والمذهبية([7])، ويقع العراق ضمن تصنيف الدول التي تتسم مجتمعاتها بعدم التجانس، وقد اقترنت تعددية المجتمع العراقي بالعنف وعدم الاستقرار الذي يعكس أزمة الهوية، وأزمة الطائفية، وترجع أزمة الهوية في العراق الى نشأة الدولة العراقية عام 1921 وتبنيها للهوية القومية العروبية التي حركت مشاعر الشك وعدم اليقين لدى مكونات المجتمع غير العربية حول هويتها وانتمائها العراقي([8]).

وتجسدت أزمة الهوية في إضفاء الطابع القومي العربي على الهوية الوطنية العراقية ويتعارض هذا النهج مع السبيل الواقعي الواجب اتباعه لبناء الهوية الوطنية في مجتمع يتصف بالتعددية مثل المجتمع العراقي، وقد ادى تبني الحكومات العراقية خلال الفترة (1921 – 2003)  لفكرة تقرن العروبة بالامة، وتمسك النخب الحاكمة بفكرة القومية العربية، الى عدم قبول الاكراد لهذه الصيغة من الهوية، كما عارضها قسم من الشيعة الذين أكدوا على فكرة الهوية الوطنية العراقية([9]).

وانعكست تأثيرات التعارض والخلاف حول هوية المجتمع العراقي بين الحكومات المتعاقبة وبين القسم الاكبر من مجتمع الدولة على الاحزاب السياسية وعلى وحدة وتماسك المجتمع وهويته الوطنية، بسبب عدم تعبير الهوية التي سعت الدولة لفرضها عن واقع المجتمع العراقي ونسيجه المتعدد، واوجد ذلك حالة من الاحتقان وعدم الاستقرار والعنف، وتعد ازمة الهوية وعدم تكامل بنائها من العوامل الجوهرية التي تدفع الى إثارة العنف الذي تعددت مظاهره واشكاله وعوامل تأجيجه، فهناك عنف طائفي، وعنف ضد الاقليات، وعنف ذو طابع عرقي، وتكمن خطورة العنف على الصعيد الاجتماعي في تحوله الى ثقافة تهيمن على بنية المجتمع، وسلوك يعبر عن نفسه بمظاهر التطرف والتعصب والتمحور وصولاً الى تبني فكرة إلغاء الآخر المختلف واقصائه، وترتبط الدوافع النفسية للعنف الاجتماعي بالأحباط الذي يشعر به الافراد جراء الحرمان والفشل في تحقيق الاهداف، وللعنف دوافع اجتماعية يولدها الخلل في التوازن بين القيم والبيئة الاجتماعية بسبب فشل النظام الاجتماعي فتظهر الازمات الاجتماعية، فضلاً عن العنف الذي يحركه الصراع الذي ينشأ داخل المجتمع بين فئتين: فئة او طبقة معينة تمتلك السلطة والنفوذ والثروة وتهيمن على الاكثرية التي تشعر بالغبن وغياب العدالة الاجتماعية([10])، ومن عوامل تصاعد العنف فشل وعدم واقعية السياسات التنموية والاقتصادية التي تؤدي الى توسيع الفجوة بين الفقراء والاغنياء، وبين المتعلمين وغير المتعلمين، وارتفاع معدل البطالة، كما يسهم الفساد المالي والاداري والكسب غير المشروع في تغذية الشعور المعادي للدولة ومؤسساتها الامر الذي يشكل تحدياً للبنيه الاقتصادية ــ الاجتماعية للدولة([11]).

وولد السلوك السياسي والتطلع للتمسك بالسلطة، أزمة الطائفية في المجتمع العراقي من خلال توظيف السياسيين لانتمائهم الى طائفة معينة للحصول على دعمها واسنادها، والعمل على فرض نفوذها على الطوائف والمكونات الاخرى فتتحرك عوامل إثارة العصبية بسبب استخدام الانتماء الطائفي لتحقيق مكاسب يتطلع اليها زعماء الطائفة على صعيد السلطة والثروة، وتعبر الطائفية هنا عن واقع اجتماعي ــ سياسي تتفاوت فيه المواقع السياسية والاجتماعية والاقتصادية للطوائف في النسق الاجتماعي، فتتمتع طائفة ما بمزايا تفوق ما تحصل عليه الطوائف والمكونات الاخرى في المجتمع فينشب الخلاف بين المكونات حول نصيب كل منها من الثروة والمكانة الاجتماعية والسلطة ويتحول الامر الى قضية خلافية بين فئآت المجتمع وطوائفه([12])، وتلجأ الطوائف التي تشعر بأنعدام العدالة والمساواة الى التمسك بهويتها الطائفية طلباً للشعور بالامان من خلال تماهي الافراد مع كيان الطائفة كسبيل للحماية من استبداد الطائفة المهيمنة، وينشأ العنف وينمو مع زيادة امتيازات الطائفة المهيمنة وتمسكها بالوضع القائم ويدفع هذا الحال الطوائف الاخرى للسعي لتغيير الاوضاع، وعلى هذا الاساس تعد الطائفية في العراق طائفية سياسية لارتباطها بالصراع على السلطة، واستغلال السياسيين لأنتمائهم المذهبي للتمسك بها، ويصاحب هذا السلوك انكار لواقع التعددية الاجتماعية للمجتمع العراقي([13]).

  1. العنف السياسي

يمثل العنف السياسي أحد أوجه العنف الشامل في بعده الاجتماعي ــ السياسي لصلته بطبيعة سلطة الدولة وعلاقتها بالمجتمع([14])، ويعكس ظاهرة اجتماعية ــ سياسية متعددة الاوجه وينطوي على استخدام غير مشروع للقوة المادية لألحاق الاذى والضرر بالافراد والمتلكات، ويتضمن اشكال العقاب والتدخل في حريات الاخرين ([15])، وهو صراع يدور حول السلطة والنفوذ والثروة تحركه اهداف سياسية تدفع الى استخدام القوة المادية، او التهديد بها لتحقيق هذه الاهداف([16]).

وقد يستهدف العنف السياسي نظام الحكم عندما تمارسه جماعات، أو احزاب ضد السلطة، او قد تمارسه الدولة ضد جماعات او أحزاب سياسية معارضة، وقد يكون العنف السياسي متبادلاً بين الجماعات والاحزاب السياسية في البلد([17])، وقد يأخذ النوع الاخير شكل العنف الذي يسود طابع العلاقة بين الاطراف المتصدرة للعملية السياسية ومنشأوه الخلافات والصراعات على السلطة التي قد تصل الى درجة استخدام القوة بين العناصر المؤيدة لهذه الاطراف، ويدل العنف السياسي في جميع الاحوال على غياب القانون وتراجع دوره المنظم لأدارة المجتمع والعلاقات بين افراده، او بين الدولة والمجتمع، ويصيب العنف السياسي الحياة المدنية بالشلل، ويهدد بتجزئة وتفتيت المجتمع، ويضعف الترابط بين الاخير وبين الدولة، وهو تحدي خطير يُفضي الى ضعف الدولة وفقدانها للقدرة على السيطرة الكاملة على مؤسساتها مما يعرضها لخطر الانهيار، والعنف السياسي الذي تمارسه الدولة هو عنف رسمي، وهناك عنف سياسي غير رسمي يمارسه الافراد، او الجماعات المنظمة وغير المنظمة لتحقيق اهداف سياسية ويأخذ طابع الاضرابات والاحتجاجات واحداث الشغب والعصيان والخروج على القانون وتكون دوافعه على الاغلب الشعور بإنعدام المساواة والفقر والبطالة([18]).

والعنف السياسي في العراق له ادوات ومظاهر ابرزها المليشيات المسلحة، وظاهرة عسكرة المجتمع.

  • المليشيات المسلحة

تبنت العديد من القوى والحركات والاحزاب السياسية الفاعلة على الخارطة السياسية في العراق بعد عام 2003، الهويات والانتماءآت الفرعية التقليدية وروجت لها كأساس لقيامها وتحديد صفة المنتمين اليها، وشكل هذا الواقع قاعدة نظام المحاصصة في إعادة بناء الدولة ومسار العملية السياسية المتعثرة فيها والمتسمة بضعف الاداء الحكومي، وانعدام الأمن والاستقرار الاجتماعي والسياسي، لعدم اعتماد البناء السليم للمؤسسات، وتراجع دور القانون وانحسار سيادته، وتفشي حالة الصراع بين الكتل والاحزاب المتصدرة للعملية السياسية، وفاقم التدخل الدولي والاقليمي في الشأن الداخلي العراقي من حالة عدم الاستقرار، فنشأت البيئة الموآتية لظهور المليشيات المسلحة التي منحت نفسها صفة ودوراً يسموان على القانون ووظيفة الدولة([19]).

والمليشيا جماعة مسلحة غير نظامية لاصلة لها بالمؤسسات العسكرية والامنية للدولة، وهي تنظيم شبه عسكري يرتبط ببعض القوى والاحزاب السياسية، وتتألف من عناصر غير متجانسة على صعيد العمر والتعليم والوعي السياسي، وتربط منتسبيها وحدة الانتماء لمكون اجتماعي محدد، عرقي او طائفي، وتتغير اهدافها تبعاً لتغير رغبات واهواء قياداتها التي تستخدمها لتحقيق اهداف سياسية وتمارس المليشيات اعمال العنف والتطهير العرقي والاثني([20])، وقد تغلغلت المليشيات في مؤسسات الدولة والاجهزة الامنية بشكل كبير في عام 2006، وعملت تحت غطاء حكومي، وتصاعدت اعمال العنف الطائفي والقتل على الهوية، وادى وجود المليشيات وممارساتها الى تصاعد الاحتقان الطائفي وعزز الشكوك وعدم الثقة بين الاطراف السياسية بشكل متبادل([21]).

وقسمت المليشيات مدن العراق وبشكل خاص العاصمة بغداد الى مناطق طائفية، وشكلت فرقاً للأغتيالات استهدفت المواطنين ومنتسبي الاجهزة الامنية، كما مارست جرائم السرقة والابتزاز والتهريب والتزوير، ونفذت اعمالاً انتقامية ترتب عليها بروز ظاهرة النازحين والمهجرين والهجرة في العراق([22])، وللمليشيات صلات وروابط مع عدد من دول الجوار، وتشكل تحدياُ كبيراً للأمن والاستقرار وتضعضع عملية بناء الدولة وتضعف هيبتها([23]).

ويرجع نشوء المليشيات في العراق بعد عام 2003 لعوامل عديدة اهمها:

  • ادى قرار الحكم المدني (بريمر) بحل المؤسسة العسكرية والمؤسسات الامنية الى فراغ في السلطة وانفلات أمني نشأت في ظله تشكيلات مسلحة غير نظامية تحت ذريعة حفظ الامن والنظام، فظهرت تنظيمات وهياكل شبه عسكرية غير نظامية موازية للمؤسسات النظامية التي بدأت عملية بنائها، وارتبطت هذه المليشيات ببعض الكتل والاحزاب السياسية([24]).
  • ادى فراغ السلطة الناجم عن الخلل الدستوري والقانوني في تنظيم وتوزيع الاختصاصات والصلاحيات بين السلطات الثلاث التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، الى فسح المجال لانشاء واستخدام المليشيات المسلحة([25]).
  • ضعف اداء المؤسسات المعنية بالامن (وزارة الدفاع، وزارة الداخلية والامن الوطني) لافتقارها الى المهنية والكفاءة في الاختيار والتعيين بسبب المحاصصة، كما ادى ضعف الانضباط والالتزام وعدم اعتماد مبادئ الاعداد والتنشئة العسكرية، وانعدام الرقابة، وضعف مصادر المعلومات الى اختراق المؤسسات الامنية من قبل المليشيات والجماعات المسلحة([26]).

وقد أضفى وجود المليشيات المرتبطة بعدد من الكتل والاحزاب السياسية على الصراع السياسي ــ الاجتماعي طابعاً مسلحاً بأبعاد طائفية وعرقية، وكان ذلك من عوامل ترسيخ الفرقة والتشتيت الاجتماعي، وانعدام الامن وتزايد حدة عدم الاستقرار، فتزايدت معدلات النزوح والتهجير الطائفي والعرقي وهاجر عدد كبير من العراقيين خارج البلد بسبب الشعور بعدم الأمان وقامت المليشيات بدور كبير في هذا الجانب([27]).

وكان لجرائم المليشيات والعنف الطائفي الدور الكبير في مقتل اعداد كبيرة من المواطنين على الهوية وبلغ عدد المهاجرين الذين غادرو العراق اكثر من اربعة ملايين مواطن([28])،  وتواجه الدولة مصاعب ومعوقات في التعامل مع ظاهرة المليشيات وحلها في ظل غياب اجماع وطني واضح، وعدم توافق الكتل السياسية، كما يترتب على دمج المليشيات بالقوات المسلحة والمؤسسات الامنية، وهو احد الحلول المطروحة نتائج سلبية تشكل تحدياً للامن والاستقرار وتتمثل فيما يأتي([29]):

  • ولاء المليشيات للاحزاب التي تنتمي اليها وترتبط بها وليس للمؤسسة التي تعمل ضمن اطارها والتي يتحدد الولاء فيها للوطن.
  • وجود المليشيات داخل المؤسسات العسكرية والامنية يجعلها مماثلة للخلايا النائمة التي تنشط وتتحرك عندما تقرر الجهة التي تسيطر عليها تحريكها.
  • يعزز وجود المليشيات ضمن القوات المسلحة والقوات الامنية، الانتماءات التقليدية العشائرية والطائفية والعرقية والمناطقية، حيث تواجه عملية نشر القوات النظامية في عموم مساحة العراق معارضة رؤساء العشائر والمتنفذين الذين يطالبون بنشر قوات ينتمي افرادها الى مناطقهم، ويتعارض ذلك مع مبدأ المواطنة والانتماء الوطني.
  • تحول عملية دمج المليشيات الى ميدان للاستقطابات السياسية وتصبح عملية الدمج امتداداً لنفوذ الاحزاب والكتل السياسية وصراعاتها.
  • عسكرة المجتمع

عسكرة المجتمع ظاهرة تتسم بها الانظمة الشمولية التي تتدخل في تنظيم كل مفاصل الحياة في المجتع، والعسكرة تعني إضفاء الطابع العسكري على المجتمع المدني وسلوكه لتسهيل خضوعه وانقياده للسلطة الحاكمة من خلال تغييب القانون واستبدال التعايش السلمي بثقافة العنف، وتفضي العسكرة الى اضعاف الصلات والروابط بين مكونات المجتمع وتلحق الضرر بثقافته وبنيته([30]).

وعَرَف العراق ظاهرة العسكرة في ثلاثينيات القرن العشرين إثر وقوع انقلاب بكر صدقي عام 1936، وبدأت منذ ذلك التاريخ هيمنة المؤسسة العسكرية على السلطة وتدخلها في الحياة السياسية، وقد استخدم الجيش خمساً واربعين مرة في قمع التحركات الفلاحية واضرابات العمال وتظاهرات الطلاب والحركات اليسارية والثورات الكردية، وكان للانقلابات العسكرية المتتالية التي مثلت آلية التغيير السياسي وانتقال السلطة، دور كبير في ترسيخ هذه الظاهرة التي تعكس ثقافة العنف وعقلية الغلبة السائدة في العقلية الاجتماعية العراقية، واقترنت السيطرة على الدولة والتحكم بمؤسساتها بالمؤسسة العسكرية ومن يتحكم بها حيث يعني امتلاك القوة بقاء نظام الحكم وتحقيق المصالح الخاصة للقابضين على السلطة لاسيما بعد تحول مؤسسات الدولة الى اقطاعيات سياسية([31]).

وقد استمرت ظاهرة العسكرة في الوجود بعد عام 2003 بسبب تصاعد العنف، وحيازة المواطنين على كميات كبيرة من الاسلحة، وإسناد المهام الامنية والعسكرية الى المليشيات، والجماعات المسلحة والشركات الامنية، فضلاً عن حمايات المسؤولين، وقد تم توجيه قسم كبير من موارد الدولة لدعم هذا التوجه، وتنطوي ظاهرة عسكرة المجتمع على تحديات اجتماعية، وسياسية، وعسكرية، وأمنية، واقتصادية، ويعاني العراق من ارتفاع معدلات البطالة وهي من عوامل تغذية العسكرة، حيث تندفع اعداد كبيرة من الشباب للالتحاق بالجيش والمؤسسات الامنية، او تنتمي الى المليشيات وتلتحق حتى بالارهاب بسبب عدم توفر فرص العمل وتحت ضغط الاحوال المعاشية([32]).

وتكمن خلف نشوء ظاهرة العسكرة في المجتمع العراقي اسباب متعددة في مقدمتها حالة الانفصال بين المجتمع وبين الدولة، وتأثير الثقافة الاجتماعية التقليدية وسيادة القيم العشائرية التي ترى في حيازة السلاح وحمله مصدر فخر، ومن عوامل ترسيخ هذه الظاهرة لجوء السلطة الى صرف انتباه المواطنين عن المشاكل الداخلية من خلال الترويج لوجود تهديد وخطر دائم يستهدف الدولة، واستغلال الاوضاع لفرض قوانين طوارئ استثنائية، وتعبئة المواطنين وحشدهم في تشكيلات مسلحة تحت مسميات عديدة، كما ساهمت سياسات التسلح والانفاق العسكري وعلى حساب التنمية في تعزيز ظاهرة العسكرة من خلال زيادة عدد المتطوعين الراغبين بالعمل في صفوف القوات المسلحة  للحصول على رواتب مغرية([33])

ويؤشر الحجم الكبير للقوات العسكرية والامنية، والحمايات الخاصة بالمسؤولين، وفي الدوائر الحكومية، ووجود المليشيات المسلحة العائدة للاحزاب والكيانات السياسية، مظاهر العسكرة في الحال الحاضر فضلاً عن الشركات الامنية الخاصة، كما تخصص الدولة نسبة كبيرة من ميزانيتها للانفاق العسكري وعلى حساب ما تخصصه من نسبة للتنمية والخدمات([34]).

ومن ابرز التأثيرات والنتائج السلبية لظاهرة العسكرة، ترسيخ ثقافة العنف واللجوء اليه في معالجة الخلافات والنزاعات الاجتماعية والسياسية، وتتراجع ثقافة التعايش والقبول بالاخر المختلف، كما انها تؤثر سلبا على نشر وتعزيز ثقافة الديمقراطية، والتداول السلمي للسلطة، وتدفع الى عدم احترام القانون والتجاوز عليه فتشكل عائقا معرقلاً لعملية بناء الدولة المدنية التي يسودها حكم القانون وتُشيع ظاهرة العسكرة ثقافة الخوف والخضوع، وتعزز الولاءآت والانتماءآت التقليدية في المجتمع وعلى حساب الهوية الوطنية، كما انها تخلق الوسط الملائم لانتشار عصابات الجريمة المنظمة([35])، وتفرض هذه الظاهرة وجود العنف والعنف المقابل كأمر واقع فتسود روح العداوة والانتقام بين مكونات المجتمع وافراده وتنشأ بينهم حواجز نفسية وفكرية تحول دون ترابطهم وتماسكهم، كما انها تجعل من العنف السبيل الوحيد لادارة العلاقات الاجتماعية([36]).

  1. الارهاب

يقترن الارهاب بالعنف وهو استخدام منظم له لإثارة الرعب الذي لايمكن التكهن بوقت وقوعه، ويوجه ضد الحكومات، والمجتمع والافراد، من اجل تحقيق هدف سياسي([37])، وهو من مظاهر العنف السياسي، ويستخدم بشكل منظم او يتم التهديد بأستخدامه لأثارة الشعور بأنعدام الامن جراء الخوف والرهبة لتحقيق اهداف سياسية([38])، وغاية الارهاب بث الرعب في نفوس الناس باستخدام العنف لتعريض ارواحهم وحرياتهم وامنهم للخطر لفرض مواقف معينة على الدول، او المجتمعات، او الافراد، وهو صراع قيم ومصالح بين جماعات مختلفة([39]).

والارهاب عدوان وجريمة لتسببه في إحداث الدمار والخراب وازهاق الارواح، والاخلال بأمن واستقرار المجتمع على الصعد المحلية والاقليمية والدولية ويطال خطره افراد المجتمع، والشعوب، و الدول([40])، وتلجأ الجماعات الارهابية لأستخدام العنف لبث الرعب في المجتمع كوسيلة للضغط على السلطة واجبارها على تلبية مطالب الارهاب التي تحقق اهدافه السياسية، او الدينية، او الاقتصادية([41])، ويستهدف العمل الارهابي الجميع دون تمييز لزرع اليأس بين الناس من خلال التأثير النفسي([42]).

ويتميز عنف الارهاب عن باقي اشكال العنف بخاصية استهدافه للجانب النفسي وهو عنف تفوق تأثيراته النفسية تأثيراته المادية، ويقترن النشاط الارهابي وتصاعد وتائره بتوافر البيئة المساعدة على توسيع نطاق تأثيره وانتشاره، وتقدم المجتمعات غير المتجانسة التي تعاني من خلل في بنيتها، وتواجه ازمة حول هويتها، وتفتقر الى التنشئة الاجتماعية القائمة على تنمية مبدأ المواطنة، وتعاني من فراغ السلطة الملاذ والحاضنة للارهاب([43])، وتتوافر كل هذه العناصر في العراق منذ عام 2003.

وللارهاب خصائص تميزه عن العنف الاجتماعي والعنف السياسي ومن خصائصه([44]):

  • التنظيم المعقد القائم على نظام الخلايا المترابطة بأسلوب خيطي لتأمين عدم اكتشاف التنظيم الارهابي عند انكشاف احدى خلاياه، وهذا التنظيم غير تراتبي كما هو مألوف في بنى المنظمات التقليدية.
  • التركيز على الجانب النفسي من خلال زرع الرعب في النفوس عبر ايقاع اكبر عدد ممكن من الخسائر والتدمير بالارواح والممتلكات، ويوظف الارهاب وسائل الدعاية والاعلام ومنجزات التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي لهذا الغرض.
  • الارهاب عابر للحدود وعابر للجنسية، وتتداخل عناصر الدين والايديولوجيا والسياسة في الاواصر التي تربط الجماعات الارهابية.
  • غموض وعدم وضوح الهدف السياسي للجماعات الارهابية.
  • تأمين القدرة على التخفي والانتشار من خلال تماهي العنف الذي يمارسه مع العنف الاجتماعي، والعنف السياسي.
  • للارهاب القدرة على التكيف والجمع بين وسائل واساليب متنوعة ومتعددة في العمليات التي ينفذها.
  • الاستمرارية في ادامة حالة الفزغ والرعب من خلال تحفيز مشاعر الناس بالتوقع المستمر لحدوث عمليات ارهابية حاضراً ومستقبلاً.

وللارهاب في العراق دوافع وأبعاد سياسية واستراتيجية تتداخل وتتفاعل فيها مصالح قوى دولية، واقليمية، مع ادوار تقوم بها تنظيمات وافراد في الداخل، وتوظف كل هذه الاطراف عنف الارهاب، وتقدم اشكال الدعم للجماعات الارهابية في اطار صراعها من اجل تحقيق مصالحها، وتتأتى الاهداف السياسية للجماعات الارهابية من رغبتها في اضعاف الدولة واسقاط النظام السياسي عن طريق إثارة الفوضى وادامة حالة عدم الاستقرار للسيطرة على المجتمع وتغيير طابع العلاقات فيه، وفرض الرأي السياسي لهذه الجماعات عليه([45])، ونظراً لقيام عملية بناء الدولة في العراق بعد عام 2003 على انقاض دولة وسلطة منهارة، فأن عملية البناء تحكمت فيها حالة فراغ السلطة وعلاقات القوة في بيئة الدولة الداخلية أي في مجتمعها، وفي محيطها الخارجي الاقليمي والدولي، وكانت الارجحية لقوى البيئة الخارجية في التأثير على الساحة الداخلية، واصبح هذا التأثير عائقاً وتحدياً تواجهه عملية بناء الدولة، وكان للاجراءآت التي اتخذتها الولايات المتحدة الامريكية في العراق بعد احتلالها له دوراً كبيراً في جعل البلد مسرحاً لحربها المعلنة على الارهاب الدولي، وساحة لتصفية الحسابات، بسبب تركها لحدوده الدولية مفتوحة وعملها على اثارة وتصعيد النزاعات الداخلية بين مكونات المجتمع لترسيخ نظام المحاصصة الذي حول العلاقة بين اطراف العملية السياسية من الطابع السياسي التنافسي السلمي الى طابع الصراع العنيف([46])، واستخدمت الولايات المتحدة في تعاملها مع هذه الاطراف استراتيجية تقوم على خلق توازنات قلقة فيما بينها، وتتحكم هي بهذه التوازنات لخلق وصنع التغيير عندما يكون مطلوبا على وفق رؤيتها الاستراتيجية وبضوء مصالحها([47]).

وإتبعت الولايات المتحدة الامريكية خطوات لجذب تنظيم القاعدة الارهابي وتجميع عناصره في العراق في سعيها لحصر الحرب مع هذا التنظيم في مسرح واحد بدلاً من مواجهته في مناطق متفرقة ومتعددة في العالم وهو ما عبر عنه الرئيس الامريكي (بوش الابن) بقوله (ان العراق ساحة رئيسة لمواجهة الارهاب)، وقد تم التمهيد لذلك بالقرار الذي اتخذه الحاكم المدني الامريكي (بريمر) بحل المؤسسة العسكرية والمؤسسات الامنية، ولم تقم قوات الاحتلال بتحمل مسؤوليتها في حفظ الامن الداخلي، وضبط الحدود الدولية للعراق والسيطرة عليها([48])، وادى فراغ السلطة الى تفشي العنف والجريمة وتوافرت البيئة المواتية للارهاب ونشاطه في العراق، وحركت هذه الاوضاع التي تزامنت مع الهدف الامريكي المعلن حول إقامة الشرق الاوسط الجديد، وإعتبارها العراق المنطلق لهذا المشروع الذي يتضمن القيام بأصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية في اقليم الشرق الاوسط، مخاوف دول المنطقة، وأثارت هواجسها الامنية ازاء النوايا الامريكية، فأستغلت هذه الدول لاسيما دول الجوار والقوى الاقليمية حالة العنف والصراع الذي يتشابك فيه عنف المجتمع، والعنف السياسي، وعنف الارهاب وتدخلت في شؤون العراق الداخلية، وتحول البلد الى ميدان لتصفية حسابات القوى الاقليمية فيما بينها، ومع الولايات المتحدة الامريكية، للحصول على مواقع نفوذ داخل العراق لتعزيز مصالحها، او لدفع تهديدات الصراع الدائر فيه وإبعاد مخاطر امتداده اليها، ويضاف لذلك عدم رغبة القوى الاقليمية في استعادة العراق لتوازنه ودوره الاقليمي حتى لا يشكل طرفاً منافساً لها على المكانة والدور الاقليمي، كما تخشى العديد من دول المنطقة من قيام دولة عراقية ديمقراطية مدنية مبنية على النظام المؤسسي وتمثل مثل هذه الدولة عامل تحفيز يحرك شعوب المنطقة للمطالبة بحقوقها وحرياتها، وتهدد هذه التطورات في حال حدوثها مستقبل النظم السياسية القائمة وبقائها في السلطة([49]).

ثانياً. الفراغ السكاني في المنطقة الغربية

تُعدّ عناصر الجغرافيا الطبيعية والبشرية من المرتكزات في بناء قوة الدولة، او ضعفها، وتشمل العناصر الطبيعية الموقع الجغرافي للدولة ومدى اهميته الاستراتيجية، ومساحتها، وطبيعة تضاريسها، ومناخها، والموارد والثروات الطبيعية التي تملكها، ويشمل العنصر البشري التركيب الديموغرافي للسكان، أي عدد نفوسهم، وتركيبتهم العرقية والاثنية، وثقافتهم، ومستوى تعليمهم وتطورهم الحضاري، والهرم العمري لهم، ودرجة تجانسهم، وتوزيعهم الجغرافي، وتتفاعل عناصر الجغرافيا الطبيعية والبشرية مع عناصر قوة الدولة السياسية، والاقتصادية والعسكرية بشكل تكاملي يعكس درجة قوة، او ضعف الدولة([50]).

وسكان الدولة هم العنصر الاهم والاكثر فاعلية في بنائها وتطورها، ويزداد دور هذه الفاعلية مع توافر المساحة الكافية والموارد الطبيعية التي تتيح للدولة امكانية استيعاب الزيادة السكانية والاستمرار والبقاء والتطور، وهناك علاقة بين التوزيع الجغرافي للسكان وبين قوة الدولة، فالتوزيع والانتشار المنظم والمتوازن للسكان داخل حدود الدولة يؤمن مزايا ايجابية في الجوانب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والامنية والعسكرية، إذ تتمكن الدولة من السيطرة على كل أجزائها، واستثمار مواردها الطبيعية، فيشعر المواطنون بوجود سلطتها وقوتها المادية ويتوثق ارتباطهم بها، بينما ينعكس سوء التوزيع الجغرافي للسكان سلباً على الامن الوطني للدولة بأبعاده الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والامنية والعسكرية([51]).

  1. التوزيع الجغرافي للسكان في المنطقة الغربية وظاهرة الفراغ السكاني

يرتبط التوزيع الجغرافي للسكان بالعوامل الطبيعية التي تحدد نمط استيطانهم ونشاطهم الاقتصادي، ومناخ المنطقة الغربية صحراوي يتصف بالتباين الحراري الكبير بين الشتاء والصيف، وبين الليل والنهار، وتسقط الامطار في فصل الشتاء وكمياتها قليلة ومتفاوتة بين سنة واخرى، وكمية المياه السطحية قليلة، عدا المناطق القريبة من نهر الفرات، والمناطق التي تتجمع فيها مياه الامطار، والسيول خلف السدود التي أُقيمت في بعض المناطق، وعدد من المناطق التي تستثمر فيها المياه الجوفية، والمياه عامل حاسم في نمو المجتمعات السكانية، وقد أدت خصائص المنطقة الغربية الى نشوء تجمعات سكانية صغيرة في مناطق متفرقةومتباعدة، ويقوم اقتصاد المنطقة على الرعي والزراعة المحدودة في مناطق صغيرة، وتتسم حياة السكان بالاعتماد على الذات وقد نشأت عزلة وفجوة واسعة بينهم وبين سكان المدن ولم تفلح جهود الدولة التنموية في القرن العشرين في ردم هذه الفجوة لعدم واقعية خطط وبرامج وسياسات التنمية، وتبني الحكومات المتعاقبة آليات مركزية مشوهة أدت الى تعميق الاختلالات البنيوية وتركز التنمية في محافظات مُحددة دون اخرى وزاد ذلك من حدة التفاوت في مستويات التنمية الاجتماعية والاقتصادية ومعاناة المنطقة الغربية من الاهمال([52]).

والمنطقة الغربية قليلة السكان قياساً الى مساحتها الواسعة البالغة (177.473) كلم2 من مجموع مساحة العراق الكلية البالغة (434.920)كلم2 وتشكل 40% من مساحة العراق، وبلغ عدد سكانها حسب تقديرات عام 2007 (360.759) نسمة، ويرجع سبب ذلك الى القصور في المشاريع التنموية والاستثمارية، وتردي الاوضاع المعيشية في عموم العراق منذ عام 1991 وما بعده بسبب تأثيرات الحصار الاقتصادي([53]).

ولايتناسب عدد سكان المنطقة مع اهميتها وسعة مساحتها وما يتوفر فيها من موارد وثروات طبيعية، فالمنطقة غنية بالفوسفات وحجر الكلس، وخام الحديد، والبوكسايت، ورمال الزجاج، وفيها حقول غاز طبيعي وحقول نفطية قدر الخبراء وجود اكثر من (300) مليار برميل من النفط الخام فيها([54])، كما يولد الفراغ السكاني والتوزيع غير المنتظم للسكان ضغطاً على الموارد في المناطق التي يتركز فيها السكان، في حين تعاني مناطق الفراغ السكاني من الحرمان من الاستثمار الافضل لمواردها([55])، ويعدّ الفراغ السكاني في المنطقة الغربية أحد معوقات التنمية الاقتصادية حيث يؤثر عدد السكان على استثمار الموارد الطبيعية التي تتطلب عملية استخراجها وفرة في اليد العاملة، كما ان للفراغ السكاني ابعاد سياسية إذ لا يحظى سكان هذه المنطقة بالتمثيل السياسي الكافي في مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتؤدي عزلتهم وسكنهم في مناطق متفرقة ومتباعدة الى ضعف ارتباطهم بالدولة وسلطتها، فيضعف شعورهم بالانتماء للوطن ووحدته([56]).

  1. الاهمية الاستراتيجية للمنطقة الغربية

تتصف المنطقة بمساحتها الواسعة، وامتدادها جغرافياً في خمس محافظات هي: الانبار، كربلاء، النجف، المثنى، ومحافظة البصرة، وهي محافظات حدودية تعاني كلها من ظاهرة الفراغ السكاني، وعدم توازن توزيع السكان فيها، ويسير خط الحدود في هذه المنطقة بمحاذاة الحدود السياسية للعراق مع أربع دول عربية هي: سوريا، الاردن، السعودية والكويت([57]).

وتشكل المنطقة الغربية جسراً برياً يربط العراق مع عمقه ومحيطه العربي وهي الممر الطبيعي للتنقل من والى العراق، وتساعد طبيعة الارض المفتوحة على التنقل بشكل واسع وعدم التحدد بالطرق المعبدة لوجود طرق نسيمية عديدة فضلاً عن الوديان المنتشرة فيها، وتقترب المنطقة في قسمها الشمالي الشرقي من العاصمة بغداد القلب السياسي والاقتصادي للدولة العراقية، كما تقترب في قسمها الجنوبي الشرقي من البصرة مركز انتاج النفط في الجنوب ومنفذ العراق الى الخليج العربي([58]).

وتكتسب المنطقة الغربية اهميتها من الأهمية الجيوستراتيجية لموقع العراق الجغرافي جنوب غرب قارة آسيا، اذ تقع ضمن الجسر الارضي الرابط بين الخليج العربي والبحر المتوسط([59])، وقد أضفى موقع العراق الجغرافي شبه القاري المعزول عن البحار، عدا إطلالة صغيرة على الرأس الشمالي للخليج العربي أهمية كبرى على هذه المنطقة بالنسبة للبلد من الناحيتين الاستراتيجية والاقتصادية، فهي منفذه الى سواحل المتوسط السورية، ويوفر ذلك بديلاً للعراق عن الموانئ التركية المطلة على نفس البحر، كما أنها تربط العراق بميناء العقبة في الاردن، وميناء ينبع السعودي وكلاهما من موانئ البحر الاحمر، وتوفر المنطقة بهذه المزايا للعراق القدرة على تجاوز الضغوط ومحاولة خنقه عبر غلق مضيق هرمز، فيؤمن الاتصال مع العالم الخارجي لمرور وارادته وصادراته خاصة النفط([60]).

  1. الابعاد العسكرية والامنية للفراغ السكاني في المنطقة الغربية

تشكل مناطق الفراغ السكاني مناطق وهن وضعف في الدولة من الناحيتين العسكرية والامنية، إذ يسهل على اي قوات عسكرية معادية، او جماعات ارهابية، او جماعات التهريب والجريمة المنظمة، اختراق هذه المناطق وعزلها عن سيطرة الدولة، حيث يمكن استهداف مناطق التركز السكاني المتفرقة والمنعزلة، وكذلك تكون عملية الاختراق في مناطق الفراغ والتخلخل السكاني امراً سهلاً لا يواجه اية مقاومة([61])، وتجعل سعة المنطقة، وطبيعتها المفتوحة التي تتخللها الطرق النيسمية العديدة، والوديان والتلال والتموجات التي تساعد على التنقل خارج الطرق المعبدة، وتؤمن الاختفاء، فضلاً عن حدودها الطويلة على امتداد جوار اربع دول عربية، من مهمة تأمينها والدفاع عنها مسألة صعبة([62])، وقد اخترقت القوات الامريكية هذه المنطقة ووصلت الى اهداف في عمقها خلال حرب الخليج الثانية عام 1991([63])، كما سهلت طبيعة المنطقة وخصائصها عملية اختراق وتقدم القوات الامريكية نحو بغداد لأحتلالها عام 2003، واستغلت الجماعات الارهابية هذه الخصائص وسيطرت على مناطق واسعة في محافظة الانبار وامتدت الى محافظة نينوى، وهنا يبرز الدور المهم للسكان من الناحيتين العسكرية والامنية، فوجودهم وتوزيعهم المتنظم المتوازن يمثل عائقاً امام القوات المعادية المهاجمة، وامام نشاط الجماعات الارهابية، اذ يمكنهم عرقلة عملية اختراق القوات المعادية وتأخيرها لحين وصول القوات العسكرية المدافعة، ويقدم السكان المعلومات للسلطات عن أي نشاط ارهابي، كما يوفر السكان الدعم للقوات العسكرية والامنية في القضايا التموينية، بينما يؤدي الفراغ السكاني الى حصول العدو والجماعات الارهابية على حرية الحركة والعمل واستهداف مناطق العمق([64]).

ان الخصائص الطبيعية للمنطقة والفراغ السكاني الذي تعاني منه وامتدادها الحدودي مع اربع دول عربية مجاورة، فرض اعباء أمنية كبيرة على المحافظات التي تتوزع عليها المنطقة الغربية من العراق، واستغلت الجماعات الارهابية، والمهربون، والخارجون على القانون هذه الخصائص وجعلوا المنطقة مسرحاً لنشاطهم وملاذاً آمناً لهم، لاثارة العنف والفوضى وعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والامني([65])، وهددوا وحدة الدولة وسلامتها الاقليمية لسهولة تسللهم ودخولهم الى المنطقة عبر دول الجوار العربية مستفيدين من الفراغ السكاني وخصائص المنطقة التي يصعب تأمينها والسيطرة عليها من قبل الدولة، لذلك يعزز التوزيع المنتظم للسكان ومعالجة ظاهرة الفراغ السكاني، عملية بناء الدولة ويدعم قدراتها في استثمار الموارد والثروات الطبيعية وتوظيفها للتنمية، ويُمكنها من السيطرة على كل أنحاء اقليمها الجغرافي، وينعكس الفراغ السكاني في المنطقة الغربية سلباً على امن واستقرار الدولة ووحدتها وتماسكها الاجتماعي ويستوجب ذلك النظر جدياً والتخطيط استراتيجياً لمعالجة هذا الخلل والوهن في جسد الدولة العراقية والسعي لتنمية المنطقة واستثمار مواردها لتحويلها الى عامل قوة للدولة.

ثالثاً. التوزيع غير الواضح للاختصاصات والصلاحيات الامنية

لا يقتصر تطبيق النظام الفدرالي في العراق على اقليم كردستان فقط، بل يشمل العراق كله بموجب الدستور الدائم لسنة 2005، ويعتمد نجاح النظام الفدرالي وعدم تحوله الى منزلق سياسي، على القبول به والتعامل معه كنظام يستمد مقومات بقائه من الالتزام بالدستور والقوانين المتعلقة بتوزيع الاختصاصات والصلاحيات بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية في الاقاليم، وعلى اساس قوة الحكومة الاتحادية، وقوة الحكومات المحلية للاقاليم والتوازن بينها، ومصدر القوة والتوازن هو الدستور الواضح في نصوصه وتحديده للاختصاصات والصلاحيات والتزام الجميع به([66]).

ويفرض تبني الدولة للنظام الفدرالي توافر ضمانات دستورية وقانونية واضحة، وتوزيع لاختصاصات ووظائف السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية للاقاليم، ويحقق الالتزام بالدستور وعدم خرقه بتجاوز حدود الاختصاصات سواء من قبل الحكومة الاتحادية، او الحكومات المحلية للاقاليم، التوازن الذي يضمن استمرار النظام الفدرالي والحفاظ على وحدة الدولة([67]).

  1. توزيع الصلاحيات الامنية في دستور العراق الدائم لسنة 2005

أشارت المادة (121) من الباب الخامس من الدستور الدائم الى منح سلطات الاقاليم صلاحية ممارسة الأختصاصات التي لم ينص الدستور الفدرالي عليها ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الفدرالية، وقد حددت المادة (110) من دستور العراق الدائم لسنة 2005 اختصاصات السطات الاتحادية بالآتي([68]):

  • رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية وسياسات الاقتراض والتوقيع عليها وابرامها ورسم السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية السيادية.
  • وضع سياسة الامن الوطني وتنفيذها بما في ذلك انشاء قوات مسلحة وادارتها لتأمين حماية وضمان أمن حدود العراق والدفاع عنه.
  • رسم السياسة المالية والكمركية واصدار العملة وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الاقاليم والمحافظات في العراق ووضع الميزانية العامة للدولة ورسم السياسة النقدية وانشاء بنك مركزي وادارته.
  • تنظيم امور المقاييس والمكاييل والاوزان.
  • تنظيم امور الجنسية والتجنس والاقامة وحق اللجوء السياسي.
  • تنظيم سياسة الترددات البثية والبريد.
  • وضع مشروع الموازنة العامة والاستثمارية.
  • تخطيط السياسات المتعلقة بمصادر المياه من خارج العراق وضمان مناسيب تدفق المياه وتوزيعها العادل داخل العراق وفقا للقوانين والاعراف الدولية.
  • الاحصاء والتعداد العام للسكان.

وحددت المادة (114) الاختصاصات المشتركة بين السلطات الاتحادية وسلطات الاقاليم وكما يلي([69]):

  • إدارة الكمارك بالتنسيق مع حكومات الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم وينظم ذلك بقانون.
  • تنظيم مصادر الطاقة الكهربائية الرئيسة وتوزيعها.
  • رسم السياسة البيئية لضمان حماية البيئة من التلوث والمحافظة على نظافتها بالتعاون مع الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم.
  • رسم سياسات التنمية والتخطيط العام.
  • رسم السياسة الصحية العامة بالتعاون مع الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في الاقليم.
  • رسم السياسة التعليمية والتربوية العامة بالتشاور مع الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في الاقليم.
  • رسم سياسة الموارد المائية الداخلية وتنظيمها بما يضمن توزيعاً عادلاً لها وينظم ذلك بقانون.

وتبدو صياغة المادة (113) من الدستور والمتعلقة بأدارة المواقع الاثرية، والآثار والمخطوطات، والمسكوكات، والابنية التراثية، كأنها مضافة للاختصاصات المشتركة بين السلطات الاتحادية وسلطات الاقاليم الواردة في المادة (114)، إذ جاء في المادة (113) أن ادارة هذه المواقع تجري بالتعاون مع سلطات الاقاليم والمحافات وينظم ذلك بقانون([70])، ولم يصدر هذا القانون وتخلق مثل هذه الصياغات غير الواضحة والتي  تتداخل بها الاختصاصات والصلاحيات العديد من المشاكل، وهي مدخل للازمات.

وبينت المادة (115) ان كل مالم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من صلاحية الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم، وعند تنازع القوانين حول الصلاحيات المشتركة بين السلطات الاتحادية، وسلطات الاقاليم تكون الاولوية لقوانين الاقاليم([71])، وهذه الحالة غير مألوفة في النظم الفدرالية حيث تكون الارجحية للقوانين الاتحادية على قوانين الاقاليم.

وتشير دساتير الدول التي تأخذ بنظام الفدرالية الى ان الدفاع، ومنظومة الاستخبارات، وشؤون الامن الوطني هي من اختصاصات السلطة الاتحادية بوصفها من مظاهر قوة الدولة ووحدتها، لعلاقتها الوثيقة ببناء وتنظيم المؤسسة العسكرية وقواتها الثلاث البرية والجوية والبحرية، وتسليحها وتدريبها، ويُعدّ الرئيس الامريكي في النظام الفدرالي للولايات المتحدة الامريكية على سبيل المثال القائد العام للقوات المسلحة ويتولى مسؤولية رئآسة مجلس اركان الحرب، ومجلس الدفاع الوطني في حالة الحرب، كما يُعين ويعزل كبار القادة العسكريين، وتدخل مسألة اعلان الحرب ضمن اختصاص الكونغرس، حيث يقدم الرئيس رسالة الى الكونغرس يطلب فيها اعلان الحرب، كما أناط القانون الاساسي الالماني شؤون الدفاع بالسلطة الاتحادية حصراً([72]).

وقد وضع دستور العراق الدائم لسنة 2005 شؤون الدفاع والامن ضمن اختصاصات السلطة الاتحادية، ويدخل ضمن هذه الاختصاصات وضع سياسة الامن الوطني وتنفيذها، وانشاء القوات المسلحة وادارتها وخضوعها للسلطة المدنية دون التدخل بالشؤون السياسية، او في عملية تداول السلطة، ويمارس رئيس مجلس الوزراء مهام القائد العام للقوات المسلحة، وترتبط به جميع الوزارات الامنية واجهزة المخابرات والاستخبارات، ويقع ضمن اختصاصاته تعيين اصحاب الدرجات الخاصة ورئيس اركان الجيش ومعاونيه ومن هم بمنصب قائد فرقة فما فوق، ورئيس جهاز المخابرات الوطني ورؤساء الاجهزة الامنية بعد موافقة البرلمان([73]).

وتثير مسألة تطبيق الاختصاصات والصلاحيات الامنية المشار اليها آنفاً والمنصوص عليها في الدستور عند حدوث تقاطع، أو تعارض بين الحكومة الاتحادية، والحكومة المحلية لاقليم كردستان بوصفه الاقليم الوحيد في النظام الفدرالي العراقي حالياً، تساؤلات وملاحظات وكما يأتي:

  • اشارت المادة (110) من دستور العراق الدائم الى ان وضع سياسة الامن الوطني وتنفيذها، وانشاء القوات المسلحة التي تتولى حماية وضمان امن حدود العراق والدفاع عنه، تقع ضمن اختصاصات وصلاحيات الحكومة الاتحادية، في حين منحت المادة (121/ خامسا) حكومات الاقاليم سلطة انشاء وتنظيم قوى الامن الداخلي للأقليم مثل الشرطة والامن وحرس الاقليم، وفي ذلك عدم وضوح وتداخل في المادتين ويتطلب الامر التوضيح ذلك ان حماية حدود العراق لا تقع على عاتق وزارة الدفاع فقط بل تتحمل وزارة الداخلية الاتحادية جزءاً من مسؤولية الدفاع عن حدود البلد من خلال قوات الحدود التابعة لها، ومن ثم ستكون من ضمن اختصاصات سلطة الاقاليم وهنا تبرز الحاجة الى ان تكون قيادة قوات الحدود قيادة اتحادية لكي تصبح مسألة الدفاع عن كل حدود العراق ضمن اختصاصاها بالتعاون مع الجيش([74]).
  • عدم وضوح مصطلح حرس الاقليم وواجباته في الدستور الذي أثرت على عملية كتابته طبيعة الظروف السياسية في تلك المرحلة التي إتسمت بالسعي لشرعنة الوضع القائم في اقليم كردستان فجاء ذكر حرس الاقليم لأضفاء الشرعية على وجود قوات البشمركة الكردية، ويبرز هنا تساؤل عن وظيفة حرس الاقليم ودوره في الوقت الذي اشار فيه الدستور العراقي إلى أن حماية الحدود الدولية والدفاع عنها هي من مهام الحكومة الاتحادية، ولا يقتصر هذا التساؤل على وظيفة حرس الاقليم في اقليم كردستان فقط، بل يطال الاقاليم التي ستنشأ مستقبلاً وهو امر نص عليه الدستور، ويزداد عدم الوضوح والغموض في الاقاليم التي لا توجد لها حدود دولية، هذا من جانب ومن جانب آخر يوجد في مشروع دستور اقليم كردستان نص في المادة (65/ ثاني عشر)، يمنع دخول القوات المسلحة الاتحادية العراقية الى الاقليم دون موافقة برلمان كردستان، والمفروض ان للقوات المسلحة الاتحادية حرية الحركة على كامل التراب العراقي لاجل القيام بدورها في الدفاع عن البلد، وهذا الوضع يقود في الحقيقة الى وجود جيشين بعقيدتين وتنظيمين عسكريين مختلفين داخل حدود الدولة الواحدة ونظامها السياسي ومن شأن ذلك اضعاف الدولة وسوء ادارة الامن فيها خاصة عندما يكون هناك استقلال في التمويل وفي القيادة والسيطرة([75]).

ومن الامور التي تتعارض مع مبدأ وحدة القيادة في جيوش الدول الفدرالية ما ورد في المادة (65/ ثالث وعشرون) في مشروع دستور اقليم كردستان، اذ منحت هذه المادة رئيس الاقليم صلاحية منح الرتب العسكرية لضباط الاقليم، ووصفت المادة (60) رئيس اقليم كردستان بالقائد العام لقوات حرس الاقليم، ويتعارض كل ذلك مع مبدأ وحدة وتكامل منظومة الامن الوطني المتعارف عليه في كل الدول سواء كانت فدرالية، ام غير فدرالية([76]).

ان إقامة اقاليم مستقبلية في العراق حق دستوري نصت عليه المادة (119) من دستور العراق الدائم لسنة 2005، فهل يعني ذلك أن لكل إقليم حرس خاص به؟ مع العلم ان الدستور لم يحدد المرجعية والارتباط العسكري، ولا واجبات حرس الاقليم، وهل ستكون الاختصاصات والصلاحيات والتنظيم العسكري والارتباط على غرار ما هو قائم في اقليم كردستان حالياً؟

ويضع هذا الامر عملية بناء الدولة وأمنها الوطني في مواجهة تحديات جدية ومتعددة حالياً وفي المستقبل، ويتطلب تدارك هذه التحديات تبني عقيدة عسكرية وتنظيم عسكري موحدان في كافة تشكيلات القوات المسلحة، مع توحيد الزي والرتب العسكرية وتنسيق المهام حيث يرمز ذلك الى الوحدة الوطنية التي تعكس بنية المؤسسة العسكرية والمؤسسات المعنية بالامن جانباً مهماً من جوانبها فضلاً عن ضرورة تفسير المواد الدستورية المتعلقة بهذه الجوانب بشكل واضح لا لبس فيه لاهمية وجود جيش اتحادي قوي، ومؤسسات أمنية اتحادية قوية، وتعمل معها بتكامل وتناسق القوات الامنية في اقليم كردستان وفي الاقاليم التي ستنشأ مستقبلاً وعلى وفق الصلاحيات والاختصاصات الدستورية لضمان الاستقرار الامني والسياسي والحفاظ على وحدة الدولة العراقية([77]).

لقد تعددت الخلافات والازمات التي سادت طابع العلاقة بين الحكومة الاتحادية، وحكومة اقليم كردستان، ومن بين هذه الازمات، تلك التي وقعت بعد الاعلان عن تشكيل قيادة عمليات دجلة في 3 تموز 2012، التي كُلفت بمسؤولية المحافظة على الامن ومواجهة الارهاب في محافظات ديالى، وصلاح الدين، وكركوك، وتضم هذه المحافظات الثلاث مناطق متنازع عليها بين المركز والاقليم، ووصف الاكراد تشكيل هذه القيادة بأنه خطوة غير دستورية غايتها فرض واقع يتعارض مع الدستور في المناطق التي تم وضعها ضمن الاختصاص الامني لهذه القيادة، وأنها تأسست بنوايا وغايات موجهة ضد الاكراد، لتعارضها مع تطبيق المادة (140) من الدستور الدائم، ورد رئيس مجلس الوزراء السابق نوري المالكي على اعتراضات الاكراد بالرفض، وذكر ان تشكيل هذه القيادة هو اجراء اداري وتنظيمي ضمن الصلاحيات الدستورية، وان لتشكيلات الجيش العراقي حرية الحركة على كل ارض العراق، لان واجب الجيش حماية السيادة الوطنية، ويقع هذا الاجراء ضمن نطاق حماية الامن الوطني من الارهاب، كما أشار الى ان تحرك قوات البيشمركة في المناطق المتنازع عليها مخالفة دستورية([78])، وتوترت العلاقة بين المركز واقليم كردستان ووصلت الى حافة الصدام المسلح بين قطعات الجيش وقوات البيشمركة في المنطقة جنوب وجنوب غرب كركوك.

كما أبدت قيادات كردية رفضها تشكيل قوات الحرس الوطني في محافظة كركوك الذي طرحته حكومة رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي ضمن مسودة مشروع قانون تأسيس الحرس الوطني الذي نص على تشكيل هذه القوات من ابناء المحافظات العراقية لتتولى مهمة حماية الامن والاستقرار فيها، وصرح عدد من المسؤولين في اقليم كردستان ان قوات البيشمركة تتولى حماية كركوك، وانها تحمي كل مكونات المدينة وطوائفها دون تمييز، وان البيشمركة تتكفل بحماية هذه المناطق بالتعاون مع طيران التحالف الدولي كما اشاروا في الوقت عينه الى بقاء قوات البيشمركة في كركوك والمناطق الاخرى التي دخلتها بعد ترك القوات الامنية المكلفة بحمايتها لمواقعها إثر استيلاء الجماعات الارهابية على الموصل وتكريت، وان البيشمركة لن تنسحب من هذه المناطق([79]).

لقد بدى السجال بين المركز واقليم كردستان وكأنه يدور بطابع صراعي بين اطراف لا تنتمي لدولة واحدة، وعكس الواقع والفشل والعجز في ادارة الامن مدى الخلل في كتابة الدستور وعدم وضوحه، وثغراته، وقد شاركت في كتابته اطراف حركتها نوازع ودوافع، بعضهم لم يكن هدفه بناء دولة موحدة، والبعض الاخر كان متلهفاً للوصول الى السلطة والثروة، ولم يكن هدف بناء الدولة المدنية المعاصرة القادرة على التطور والبقاء في عالم حافل بالصراع، حاضراً في اذهانهم بسبب انعدام الرؤية الاستراتيجية وعدم النضج السياسي، والافتقار الى مؤهلات وخبرة رجل الدولة، وظهر جلياً دور وأثر كوامن الموروث الاجتماعي في عقلية الغلبة، والميل الى العنف، والشكوك وانعدام الثقة المتبادلة بالنوايا، والتعصب، وعدم القدرة على الحوار للوصول الى حلول وسطية، إذ أن الحوار ركن من اركان البناء الديمقراطي.

المبحث الثالث

تكشف قراءة متأنية لتاريخ العراق السياسي المعاصر ان الدولة كانت في هذا البلد ظاهرة غير مستقرة تتسم بالنشوء والنمو ثم تنهار في إطار دورة من العنف الدموي وقد تركت هذه السمة أثرها على عملية تكامل بناء الدولة وعمقت من تحدياتها بسبب إزدياد حدة الصراع السياسي ــ الاجتماعي الذي تمحور حول السعي للوصول الى الدولة ومؤسساتها للهيمنة عليها من قبل الجماعات المتطلعة للسلطة والثروة، فغدت الدولة هدفاً وميداناً للتنافس والصراع بين هذه الجماعات، وكان النفط الذي تزامن اكتشافه والشروع بأنتاجه، والعائدات المالية التي ترتبت على تصديره مع بدايات تأسيس الدولة العراقية، قد جعلها دولة ريعية، فأصبح له دور كبير في تأجيج الصراع الذي أثر على عملية بناء الدولة التي لم تتكامل مؤسساتها ولم تُفلح في غرس قيم الديمقراطية في مجتمع لم يعرف سوى الاستبداد، وتولى جهاز الدولة الضعيف والقليل الخبرة إدارة وتوزيع موارد الثروة النفطية وعائداتها، وقد عمقت الحالات المتكررة لوقوع الانقلابات العسكرية، والعنف في تغيير الانظمة السياسية، وتفكيك مؤسسات الدولة وإعادة بنائها، من سوء ادارة وتوزيع الثروة النفطية، ومن الملاحظ ان هذه التغييرات تقع، أو تتزامن مع كل طفرة في أسعار النفط ومنذ عام 1958([1]).

ويرى العديد من الباحثين ان الحكومات في بلدان العالم غير المتقدم تميل الى التسلط والاستبداد والابتعاد عن الديمقراطية عندما يكون إقتصادها ريعياً يعتمد في إيراداته على العائدات النفطية ومن هنا نشأت إشكالية العلاقة بين النفط والتنمية في العراق، إذ فرض سعي الحكومات المتعاقبة للسيطرة على النفط وعوائده من أجل احتكار الثروة والسلطة، تبعية المجتمع والاقتصاد للدولة وتعزيز السمة الريعية لأقتصارها، وقد عزز الاحتلال الامريكي للعراق في عام 2003 من التوجهات الريعية في إعادة بناء مؤسسات الدولة التي أثقلت كاهلها الحروب، والعقوبات الاقتصادية، ومشاكل الفساد الاداري والمالي، وباتت الدولة التي تم الاعتماد في عملية بنائها على نظام المحاصصة والديمقراطية التوافقية بعيداً عن معايير الكفاءة والاهلية والشفافية، في مواجهة تحديات فرضها الواقع السياسي والامني والاجتماعي والاقتصاد الريعي، الذي يؤثر على التنمية وعملية بناء الدولة وتعزيز الديمقراطية فيها، وقد أعاق النفط وموارده وسوء إدارتها تحقيق التنمية بسبب التعارض بين السمة الريعية للدولة وبين الاقتصاد، وإنعكس ذلك التعارض سلباً على العلاقة بين الاقتصاد والسياسسة والتي يفترض ان تكون متوازنة ومن ابرز مظاهر الاختلال في العلاقة بين الجانبين السياسي والاقتصادي سوء إدارة وتوزيع عوائد الثروة النفطية والفشل في تنويع الاقتصاد والاعتماد على النفط والمركزية في ادارة الاقتصاد وفشل التنمية وتزايد معدلات الفساد والبطالة والفقر([2])، وللاحاطة بما تقدم فقد خصص هذا المبحث للوقوف على ابرز التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي حالت دون بناء دولة معاصرة وعلى النحو  الاتي:-

اولاً. سوء إدارة وتوزيع عوائد الثروة النفطية

يرتبط النظام السياسي والنظام الاقتصادي للدولة بعلاقات تأثير متبادل، ويمكن أن يدفع تغيير النظام السياسي في بلدان العالم غير المتقدم الى إحداث تبدلات جذرية في النظام الاقتصادي، إذ أن تبني الاشتراكية على سبيل المثال يقود الى إلغاء الملكية الفردية لوسائل الانتاج وسيطرة الدولة عليها، وتركيز معظم الموارد الاقتصادية بيدها ويؤدي ذلك الى إقامة نظام سياسي شمولي، للترابط بين إحتكار السلطة السياسية والسيطرة على الموارد الاقتصادية، ولايمكن في هذه الحالة توقع قيام نظام ديمقراطي يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات ويؤمن بالتعددية والتنوع ويحترم حقوق الانسان، ويُفضي خضوع إدارة النظام السياسي، وتوجهاته لرغبات القائمين على السلطة وابتعادهم عن النظام المؤسسي الى عدم قدرة النظام الاقتصادي على التعاطي مع المتغيرات الاقتصادية وإستشراف المستقبل، لذلك يميل أصحاب المشروعات والافراد الى الاستثمار في المشروعات المضمونة والسريعة الربح والتي يمكن تصفية أصولها بسرعة فتتشوه الاستثمارات الانتاجية التي يمكن ان تدعم النمو والتقدم الاقتصادي([3]).

وتبرر النظريات المستندة الى الفكر الشتراكي تدخل الدولة المباشر في كافة المجالات الاقتصادية، بالقول بأن التنمية لا تحقق إلا من خلال هذا التدخل، وقدم هذا التبرير الذريعة للنخب الحاكمة في بلدان العالم  غير المتقدم للتمسك بالسلطة والاعلان بان الهدف هو تحقيق التنمية مع إغفال مسألة الديمقراطية، إلا أن الازمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي عصفت بهذه البلدان فسحت المجال لطرح مسألة الديمقراطية التي حركتها عوامل فشل الدولة في تحقيق التنمية التي أكسبها تطور مفهومها بعداً إنسانيا بوصف الديمقراطية وحقوق الانسان من الدعائم الاساسية لتحقيق التقدم الاقتصادي الذي يرتكز على الحرية الاقتصادية ودور القطاع الخاص كشرطين ضروريين لتحقيق الكفاءة في ادارة الموارد، وقد ظهر مفهوم التنمية مع ظهور مفهوم التخلف في اطار توجهات فكرية لفهم الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية للبلدان التي كانت خاضعة للاستعمار، بهدف تمكين تلك البلدان من التطور واللحاق بالبلدان المتقدمة، وكان الفكر الاقتصادي يركز قبل ظهور مفهوم التنمية على مسألة النمو الذي يعني الزيادة والتوسع المستمرين في انتاج السلع والخدمات([4]).

وتمثل التنمية الوسيلة التي تتمكن المجتمعات من خلالها من مواجهة عوامل تخلفها وتحقيق التقدم، وهي عملية متواصلة يجري بموجبها توجيه جهود الدولة والمجتمع لتحسين الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لتحقيق الرفاهية والازدهار الاقتصادي للأفراد، وخفض نسبة البطالة والفقر وتوفير التعليم، وهي عنصر اساسي للاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ويرتبط بمفهوم التنمية مفهوم التنمية البشرية وتعني عملية تطوير وتوسيع قدرات وخبرات أفراد المجتمع للوصول الى مستوى مرتفع من الانتاج والدخل مع التمتع بحياة طويلة وصحية وتوفير التعليم، والمفهوم ذو الصلة بهذا الجانب هو التنمية المستدامة وهي عملية تطوير المدن والمجتمعات والموارد التي يجب إستثمارها بطريقة مثلى لتلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة وحق الاجيال القادمة على تأمين متطلبات حياتها([5]).

وتتسم التنمية ومسارها في بلدان العالم غير المتقدم ومنها العراق بخصائص تنعكس سلباً على إدارة الثروة ومواردها وهي([6]):

  • عدم استقرار الناتج المحلي الاجمالي لأعتماده على اسعار المواد الاولية المصدرة، والمساعادات والقروض، المتقلبة وغير المستقرة.
  • تمحور التنمية حول الدولة كسلطة سياسية وأجهزة إدارية، فالتنمية من صنع الدولة وترتبط بها، وتُقصي النخب الحاكمة القطاع الخاص وتنكر دوره في التنمية، إذ ترى فيه هذه النخب المتسلطة عدواً لها، وقد عملت على جعل القطاع العام ركيزة الاقتصاد، وفرضت القيود على حرية السوق، وإعتمدت أساليب التخطيط المركزي الشامل، والمركزية مدخل لسوء ادارة الموارد في البلد.
  • تخصص السلطات الحاكمة جانباً كبيراً من موارد الدولة لبناء سلطتها وقوتها القمعية من أجهزة أمنية وقوات مسلحة، وعلى حساب الموارد المخصصة لبقية القطاعات فينعدم التوازن في تخصيص الموارد .
  • اقتصار التنمية في مجال البنى التحتية والخدمات على العاصمة والمدن الكبرى وإهمال الارياف حيث تعيش أغلبية السكان، وأدى اهمال الارياف الى نزوح كثيف للقوى العاملة نحو المدن هرباً من الفقر وسعياً وراء فرص العمل والخدمات المتوفرة فيها وساهم ذلك في خلق مشكلة سوء التوزيع السكاني وتفاقم البطالة ونشوء أحزمة الفقر والمناطق المهمشة التي تحيط بالمدن.

لقد ادى سوء التصرف بالثروة وعدم العدالة في توزيعها الى إحداث تراتب طبقي فظهرت فئة قليلة غنية إستحوذت على نسبة عالية من الثروة مقابل فئات وشرائح اجتماعية واسعة محرومة، وأدى التدهور في معدلات التبادل التجاري، وتراجع أسعار المواد الاولية المصدرة ومن ثم تدني العوائد المالية للدول المصدرة لها، الى تصاعد قيمة مستوردات هذه البلدان من السلع الوسيطة ووسائل الانتاج المستخدمة([7])، ويحفز وجود الثروة النفطية الحكومات في بلدان العالم غير المتقدم للابتعاد عن النظام الديمقراطي والميل الى الاستبداد والتسلط، اذ يسمح وجود هذه الثروة للسلطة ببناء اجهزة القمع والقسر التي تُسخر للبقاء في السلطة وإدامة وجود النظام السياسي على حساب جميع الاهداف الاخرى، فتتحرر الدولة من رقابة المجتمع ومن آليات الرقابة والمحاسبة الرسمية، كما تُغذي هذه الثروة وسوء استخدامها النزعة المسلحة وعسكرة المجتمع فتغلب صفة العنف على حل المشكلات الداخلية والخارجية على حساب الحوار والعقلانية والخيارات السلمية، ويمثل هذا الواقع محصلة للسطات غير المحدودة للقابضين على السلطة والتي تنبع من التحكم بالثروة دون مسائلة ورقابة ومحاسبة، لذلك لم ينعكس وجود الثروة النفطية إيجابا على إقتصادات هذه البلدان ونظمها السياسية بل أدى الى معاناتها من الفقر وإنخفاض معدلات النمو وبطئ معدلات التنمية وتدني مستويات التنمية البشرية فضلاً عن استشراء الفساد، ويزداد إبتعاد الدولة الريعية عن الديمقراطية مع تزايد العائدات المالية لتصدير النفط حيث تتجسد سوء ادارة الثروة وتوزيعها وانعدام العدالة في التوزيع في التباين الكبير في توزيع عائدات الريع الذي تحصل فئة صغيرة تمثل الطبقة الحاكمة والمقربين منها على القسم الاكبر منه ويوزع الباقي على غالبية أفراد المجتمع، وقد وفرت الثروات النفطية والتحكم بها، القدرة للدولة الريعية على فرض نمط من العقد الاجتماعي بينها وبين مواطنيها، ويحصل المواطنون بمقتضى هذا العقد على منافع مادية مقابل ولائهم للنظام السياسي وقبولهم بالخضوع له، وتعمل مثل هذه الدولة على إفهام مجتمعها بأن ما يحصل عليه مرتبط ببقاء النظام القائم، وبما أن هذا النظام لا يجبي الضرائب من مواطنيه لذلك لا حاجة لمسائلته، او فرض رقابة على سياساته، فتتحرر الدولة النفطية بوجود الايرادات المالية النفطية من القسم الاكبر من مسؤولياتها السياسية تجاه مواطنيها، وبذلك تكون غير مسؤولة امامهم، في الوقت الذي يعتبر المواطنون انفسهم مسؤولين امام الدولة([8]).

  1. خصائص اقتصاد الريع

يكون إقتصاد الدولة ريعياً عندما تشكل العوائد المالية المترتبة على تصديرها لمورد طبيعي الى الاسواق الدولية نسبة كبيرة من ناتجها المحلي الاجمالي، ويشكل الريع مصدر الاقتصاد وتستحوذ عليه الدولة وتعيد توزيعه، ويوفر الاقتصاد الريعي مداخيل للسكان من دون مشاركتهم في النشاط الانتاجي وخلق الثروة، وتعد الدول النفطية دولاً ريعية، وتكون نسبة مشاركة السكان في تحقيق الريع (2-3%) في حين تشكل مداخليه اكثر من 90% من ايرادات الخزينة في هذه البلدان([9]).

ويتسم الاقتصاد الريعي بخصائص تميزه عن بقية الاقتصادات وكما يلي:

  • ضعف العلاقة بين النشاط الانتاجي الداخلي وبين العوائد المالية المترتبة على تصدير النفط، ولا ترتبط هذه العائدات بعلاقة مع تكاليف الانتاج المحلي، وتكون مساهمة الدولة واسعة في النشاط الاقتصادي الذي يتمحور حول هذا المورد، فضلاً عن الدور الضعيف للايرادات الداخلية مثل الضرائب، مما يحد من قوة الادوات التوزيعية للسياسات المالية في الدول الريعية فتضطر للدولة للدخول في النشاط الاقتصادي من الجانب الانفاقي للموازنة العامة فقط لذلك لا يواكب معدل النمو في الموارد المالية النمو في النفقات العامة([10]).
  • في الاقتصاد الريعي يكون للدولة دور مركزي مسيطر فهي تقوم بدور الوسيط بين قطاع النفط وبين باقي قطاعات الاقتصاد الوطني، فهي تتسلم العائدات المالية وتعيد تخصيصها وتوزيعها للفروع المختلفة للنشاط الاقتصادي، لذلك تكون علاقات الترابط والتشابك القطاعية ضعيفة في الاقتصاد الريعي، ويعد تشابك القطاع النفطي مع القطاعات المحلية الاخرى في البلدان التي لم تنشأ فيها صناعة نفطية متطورة لما بعد الاستخراج هامشياً([11]).
  • ضعف الاهتمام بالقطاعات الاساسية غير النفطية مثل الزراعة والصناعة بسبب وفرة العائدات المالية النفطية، ويشكل ذلك أحد مكامن الوهن في الاقتصاد الريعي الذي تؤثر فيه الازمات الاقتصادية العالمية لاعتماد موارده المالية على حجم الطلب العالمي على النفط ومستوى أسعاره التي لا يمكن للدولة التحكم بها، كما ان العملة المتحكمة بسعر النفط هي الدولار وينعكس تذبذب قيمته سلباً على حجم العوائد المتحققة([12]).
  • تتركز القوة السياسية والقوة الاقتصادية بيد الدولة صاحبة الدور المركزي في توزيع الريع النفطي، فالدولة هي طرف العلاقة الوحيد مع الخارج في عملية بيع النفط في السوق الدولية، وهي قناة التمويل للبلد والموجه الوحيد لحركة السوق الداخلي فتتحول الثروة النفطية الى وسيلة لتثبيت وبقاء النظام السياسي الذي يشتري الولاء الطائفي والعشائري والقومي من خلال الريع النفطي([13]).

وتنعكس هذه الخصائص على إقتصاد البلد الذي يعتمد على عائدات تصدير النفط، وترتفع معدلات الانفاق على السلع الاستهلاكية ويتجه الاقتصاد نحو قطاعي الخدمات والعقارات ويبتعد عن الاستثمار المنتج ويشجع ذلك على تفشي ظاهرة الفساد، كما تقوم الدولة بدور المُعيل للمجتمع من خلال قيامها بدور الوسيط، وتُضعف عائدات الريع قدرة الدولة على تعزيز النمو الاقتصادي، وتدفع الحكومات لتكريس القسم الاعظم من مواردها للحفاظ على الوضع القائم بدلاً من تعزيز التنمية([14]).

وفي الاقتصاد الريعي تصبح العلاقة بين الدولة والمجتمع علاقة تبعية، فالدولة تعطي كل شيء، وتتمحور علاقتها بالفرد المواطن حول مقدار ما يحصل عليه من مال، او خدمات، فتراجعت مطالبته بحقوقه السياسية مقابل ما تعطيه الدولة من مكارم، إذ تتحكم الطبقة السياسية القابضة على السلطة بالمال العام وتبني سلطتها عليه، ولا توجد في الدولة الريعية سياسة ضريبية فاعلة وهي من اسس قيام الدولة المعاصرة وصلتها بالمجتمع الذي يمارس دوره الرقابي لمعرفة أوجه إنفاق أموال دافعي الضرائب، فيؤدي تركز السلطة بأيدي القلة الى غياب الديمقراطية وسيادة الولاءات الفرعية التقليدية على العوامل الاقتصادية، وإستيلاء السلطة السياسية على الريع دون خوف من ردود أفعال قوية من جانب المواطنين([15]).

لقد أدى اخفاق الدولة في إدارة الموارد النفطية، وحالة عدم الاستقرار والعنف، والفوضى السياسية الى دخول الدولة في أزمة سياسية وإجتماعية وإقتصادية متفاقمة وغير مُسيطر عليها([16])، وتحولت ثروة النفط الى عامل تشويه للاقتصاد وحافز للتشبث بالسلطة مما ادى الى تبديد الثروة الوطنية وهدرها([17])، وأستخدمت موارد النفط بأسراف في تمويل الموازنات التشغيلية، وتحولت الدولة الى أكبر رب عمل في العراق وأتاح ذلك للحكومة حرية التصرف بالاقتصاد والثروة الوطنية فتعززت حالة الانفصال بين الدولة والمجتمع، وضعف مفهوم المواطنة والانتماء للدولة لصالح الولاء لمن في السلطة، وتولد شعور لدى افراد المجتمع بان الثروات الطبيعية للبلد هي مُلك لمن يحكم وكان ذلك من مغذيات عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في العراق([18]).

  1. تأثير الريع النفطي على الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي وعلى ادارة الموارد في العراق

أدى إعتماد العراق بصورة كلية على عائدات النفط في تمويل النفقات العامة للدولة الى تشوهات في تشكيل النشاط الاقتصادي في العراق واوجد تحديات سياسية واجتماعية تمثلت في العوز والقصور في التشريعات والقوانين، والخلل في ادارة وتوزيع الموارد، وفي تفاقم مشكلة البطالة وزيادة نسب الفقر والحرمان حتى وصلت نسبة الذين يعيشون دون خط الفقر الى اكثر من (7) مليون شخص يشكلون ربع السكان عام 2009، فضلاً عن عدم وضوح الرؤية الاقتصادية واستمرار الاعتماد على العوائد النفطية لتغطية نفقات الدولة التي تفتقر تخصيصاتها الى التوازن مابين متطلبات التنمية، واحتياجات الانفاق التشغيلي، وتغطية نفقات الجيش والاجهزة الامنية، الامر الذي يؤشر قصور الاستراتيجيات المعتمدة في ادارة الاقتصاد وفي عملية اعادة بنائه مما يؤكد الحاجة لتحرير الاقتصاد من الاعتماد على عائدات النفط من خلال تنمية القطاعات الاقتصادية الاخرى لاسيما الزراعة والصناعة مع تشجيع مشاركة القطاع الخاص ودعوة رأس المال الاجنبي للاستثمار في العراق([19]).

أ. العوز والقصور في التشريعات والقوانين والخلل في ادارة  وتوزيع الموارد

أشار دستور العراق الدائم لسنة 2005 الى أهمية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للفرد العراقي دون تحديد واضح لفلسفة الدولة في ادارة اقتصادها، ونصت المادة (25) من الدستور “تكفل الدولة إصلاح الاقتصاد العراقي وفق أسس إقتصادية حديثة وبما يضمن إستثمار كامل موارده وتنويع مصادره وتشجيع القطاع الخاص وتنميته”، وجاءت صياغة هذه المادة بشكل عمومي دون توضيح للاسس الحديثة التي تمت الاشارة اليها، أو للاستراتيجية التي تُعتمد في إدارة الاقتصاد، وما يُعدّ حديثاً اليوم يصبح قديماً بعد مرور فترة قصيرة من الزمن، وكان ينبغي الاشارة في الدستور الى فلسفة الدولة في ادارة الاقتصاد وتحديد التوجهات المطلوبة لتنميته وتطويره بما يحقق الرفاهية للمجتمع([20]).

وقد نصت المادة (26) من الدستور “تكفل الدولة تشجيع الاستثمارات في القطاعات المختللفة وينظم ذلك بقانون”، وغلبت صفة العمومية على هذه المادة التي لم توضح الاسلوب الذي ستكفل به الدولة تشجيع الاستثمارات وفي أي القطاعات من الاقتصاد، كما تُرك الامر بدون تحديد كيفية صدور القانون الذي سينظم هذه العملية، فالدستور إهتم بتوزيع الموارد أكثر من إهتمامه بتنميتها وادى ذلك الى غياب المرجعية الدستورية للسياسات والبرامج الاقتصادية([21])، كما صدرت عدة قوانين تتعلق بالجانب الاقتصادي مثل قوانين الاستثمار، والشركات والضريبة، والملاحظ على هذه القوانين عدم تجانسها وعدم فاعليتها رغم تعلقها بجانب محدد وهو تنظيم النشاط الاقتصادي([22])، هذا على صعيد السلطة التشريعية، اما على صعيد السلطة التنفيذية فقد أدى نظام المحاصصة والتوافقات السياسية بين الكتل الى إهمال البناء المؤسسي ذي الطابع الفني التخصصي وزيادة عدد الوزارات والتوسع في بنية الوزارات القائمة فتضخم الجهاز الاداري في الدولة مما أدى الى التعقيد والارباك وتفشي الفساد وضعف الاداء الحكومي، وإستنزف ذلك جانبا كبيرا من موارد الموازنة العامة منذ عام 2003 ويفسر ذلك تدني مستويات الكفاءة في الاداء خاصة في المجال الاقتصادي فتعطل مسار التنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية([23])، كما ادت المحاصصة والخلافات بين الكتل السياسية المتصدرة للعملية السياسية الى تسييس مسألة إقرار الموازنة العامة للدولة، التي تحولت الى موضوع خلاف وصراع سياسي يخضع لتوافقات الكتل السياسية وتفاهماتها لذلك يتأخر إقرار الموازنة العامة عدة أشهر ويؤثر التأخير على تمويل قطاع الخدمات في الدولة ويعيق اداء الحكومة لوظائفها ويزيد من حالة عدم الاستقرار في البلد([24]).

ب. تأثير الريع النفطي في الجانب الاجتماعي

يتسم الاقتصاد المعتمد على عائدات النفط بقلة كثافة العمالة في القطاع النفطي لذلك لا يُعتمد عليه في توليد الوظائف وتوفير الدخول للشرائح الدنيا في المجتمع فاتجهت الدولة من أجل معالجة مسألة البطالة الى التوسع بالتوظيف في مؤسساتها وقد إرتفعت نسبة التوظيف الحكومي بشكل كبير بعد عام 2003 وبلغ عدد الموظفين في أجهزة الدولة (1.047.000) مليون شخص في عام 2004، وارتفع العدد الى (2.389.901) مليون في عام 2008 وفي عام 2011 بلغ عدد الموظفين (2.645.220) مليون، وقد ازداد ترهل جهاز الدولة الاداري من أجل استيعاب البطالة العالية وتوظيف الاعداد المتزايدة من السكان غير المؤهلين الذين يفتقرون الى المهارات الكفيلة بحصولهم على فرص عمل، فتفاقمت ظاهرة البطالة المقنعة التي تخفي تناقضات المجتمع والاقتصاد، وعزز ذلك من التراخي والكسل والعزوف عن العمل الحر على الصعيد الاجتماعي وزاد من التطلع للحصول على الوظائف في مؤسسات الدولة بضوء اعتقاد افراد المجتمع بان هذا التوظيف حق تاريخي في الحصول على نصيب من الريع النفطي، ويؤشر هذا الحال طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع ومدى تصرف الدولة بالثروة عندما يتحول المجتمع الى متلقي للريع النازل اليه من قمة السلطة في البلد([25]).

ج. تأثير الريع النفطي على الاقتصاد العراقي

ان إعتماد الدولة في تطبيق سياساتها الاقتصادية على الموازنات السنوية التي يمولها الريع النفطي، وتخصيص اكثر من 80% من الموازنة السنوية للجانب التشغيلي لتغطية الرواتب والاجور والحماية الاجتماعية، لا يترك للجانب الاستثماري سوى خُمس الموازنة السنوية ويذهب معظم التخصيص لأصلاح مؤسسات الطاقة الكهربائية والنفط، ويؤشر ذلك خللاً كبيراً في ادارة وتوزيع الثروة ويعرقل التنمية، فضلاً عن دور الفساد الاداري والمالي في عرقلة النمو الاقتصادي وتدني مستويات الاداء الحكومي([26])، وقد كشفت حالات ضعف المرونة، وعدم قدرة الاقتصاد العراقي على الاستفادة من الزيادات التي تحققت في العوائد النفطية عند ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير عام 2008، وعدم تشجيع القطاع الخاص المحلي والاجنبي للقيام بالاستثمار في المجالات التي يحتاجها الاقتصاد العراقي خاصة في البنى التحتية، إفتقار السياسة الاقتصادية للعراق منذ عام 2003 الى الوضوح وتحديد الاهداف وإتسمت القرارات الاقتصادية بالارتجال وبوصفها ردود أفعال تجاه الظروف السياسية والاجتماعية والامنية غير المستقرة([27]).

ان حجم التحدي الذي تواجهه الدولة على صعيد إدارة وتوزيع موارد الثروة النفطية يستدعي تبني الحكومة لتوجهات تنموية واضحة المعالم والاتجاهات ومحددة الاهداف، فضلاً عن معالجة العوز والقصور في التشريعات المتعلقة بالنشاط الاقتصادي، لتنويع الاقتصاد وخفض الاعتماد على عوائد النفط، وإيجاد موارد بديلة لرفد الموازنة العامة للدولة من مصادر الضرائب والرسوم والايرادات وتخصيص القسم الاكبر من الموارد النفطية وعائداتها لاغراض التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفي إطار من التكامل والتوازن بين القطاعين العام والخاص.

ثانياً. الفساد

الفساد ظاهرة مرضية إجتماعية تهدد كيان الدولة والمجتمع وتُضعف منظومة القيم، وتكرس الفقر والتخلف، وتشل مؤسسات الدولة وتعرقل مسارات التنمية وبرامجها، وهو إستغلال الوظيفة العامة لاجل الكسب غير المشروع لصالح شخص، أو لخدمة مصالح فئة إجتماعية معينة، ويشمل الرشوة والابتزاز وسوء استخدام موارد المؤسسات العامة([28]).

وللفساد إنعكاسات خطيرة على بناء الدولة والمجتمع، ويستشري داء الفساد في البلدان التي تمر بأزمات وظروف معقدة خاصة في مراحل الانتقال والتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية كما هو الحال في العراق، وتتعاظم ظاهرة الفساد في ظل إنعدام الامن والصراعات السياسية والعنف وغياب دور القانون، إذ تُهيأ هذه الاوضاع الوسط الملائم لنمو الفساد الذي تطال مخاطره الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية وتفضي تفاعلات هذه العوامل ومخرجاتها الى إضعاف مرتكزات إستقرار الدولة والمجتمع وصولاً الى حالة الفوضى والانهيار، فالفساد ظاهرة مركبة ذات أنماط سياسية، وأجتماعية، واقتصادية، وادارية، وقانونية([29]).

  1. الفساد السياسي

وهو من العوامل الرئيسة والاساسية للفساد، وتوفر عملية تغيير أنظمة الحكم في بلدان العالم غير المتقدم التي يصاحبها العنف وعدم الاستقرار البيئة الملائمة لنمو الفساد السياسي في ظل إحتكار السلطة، ووضع القيود على المشاركة السياسية، وتصدع العلاقة بين الحكام والمحكومين، والاعتماد على العلاقات الشخصية والروابط العرقية، أو الدينية، أو المذهبية للبقاء في السلطة، فيغدو الحاكم والمحيطين به محور النظام السياسي وتغيب المؤسسات ودورها، وتنعدم آليات الرقابة والمسائلة وتعمل الادارة الحكومية على وفق هواها([30]).

والفساد السياسي هو الفساد الذي يسري في السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، وفي الاحزاب السياسية وكل من يعمل في المجال السياسي بغض النظر عن المواقع والانتماءآت، وهو سلوك منحرف عن الادوار الرسمية المتحددة بالوظيفة العامة من أجل تحقيق مصالح خاصة خلافاً للقانون([31])، ومن مظاهر الفساد السياسي رشوة الناخبين لضمان الحصول على أصواتهم لصالح القابضين على السلطة وعدم القبول بالتداول السلمي للسلطة والسعي للتشبث بها، والتأثير على المشاركة السياسية بمنع المواطنين من ممارسة حقوقهم السياسية ومصادرة حرية إرادتهم في الاختيار، وعدم القبول بالنقد وكشف أوجه الفساد الذي يمارسه من يحكم والجماعات المنتفعة من وجوده([32]).

وينمو الفساد وينتشر في غياب الحكم الصالح، وهو نسق من المؤسسات المجتمعية المعبرة عن المجتمع بشكل سليم، وتربط هذه المؤسسات فيما بينها، وبين الافراد شبكة من علاقات الضبط والمراقبة والمسائلة بواسطة أفراد المجتمع، ومن يمثلهم بهدف تحقيق الصالح العام، كما يعني الحكم الصالح ممارسة القوة عبر مجموعة متنوعة من المؤسسات من اجل التوجيه والسيطرة وتنظيم الانشطة بشكل يخدم المواطنين([33])، ويحترم حقوقهم الانسانية والسياسية والمدنية ويضمن مساواة الجميع أمام القانون، ويحميهم من التجاوزات الادارية والاجراءات القمعية التي قد تقوم بها السلطة التنفيذية، ويوفر الحكم الصالح الفرص المتكافئة التي تعتمد على كفاءة الاداء وثقافة الانجاز، لضمان وصول كافة المواطنين الى خياراتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، كما يحقق وجود المؤسسات المتخصصة القادرة على تطوير وتنفيذ السياسات التنموية وتوفير الخدمات العامة اذ يقوم الحكم الصالح على أسس هي: دولة المؤسسات، وسيادة حكم القانون، ودور السلطات المحلية، ودور المجتمع المدني، ودور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي والتنمية([34]). وسيفضي الخلل في أي من الاسس المشار اليها آنفاً الى إستشراء الفساد السياسي عن طريق تحول الحكم الصالح الى نظام متسلط تنعدم فيه الرقابة والمسائلة بسبب ضعف مشاركة المجتمع في الحياة السياسية والاقتصادية فيرتفع مستوى الفساد([35]).

والحكم الصالح شرط أساس لتحقيق التنمية البشرية والاقتصادية إذ يقلص ضعف الوعي الاجتماعي وظروف العوز والفاقة من الخيارات المتاحة أمام المواطن للحصول على حقوقه وحرياته والتمتع بها، وتجعل هذه الظروف من مشاركة المواطن في الانتخابات مجرد ممارسة عقيمة عديمة الجدوى، ويقترن وجود الحكم الصالح بتحديث بنى ومؤسسات الدولة، وبممارسة الديمقراطية فهو يعبر عن مفهوم واسع يتضمن آليات وشبكة علاقات ومؤسسات تُمكن المواطنين من التعبير عن آرائهم ومصالحهم، وممارسة حقوقهم، والقيام بواجباتهم، وتسوية خلافاتهم، ومن هنا تتضح اهمية بناء وتطوير المؤسسات السياسية للدولة العراقية لتتمكن من اداء وظائفها وتقديم الخدمات التي تستجيب لمطالب المجتمع وحاجاته، الامر الذي يستدعي التأكيد على بناء المؤسسات للحد من ظاهرة الفساد، فضلا عن إعداد المواطن للاسهام في الحياة السياسية كجزء من واجباته كفرد في المجتمع([36]).

ويُضفي توافر المعايير المذكورة أدناه صفة الحكم الصالح على النظام السياسي([37]):

  • إحترام الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين وحمايتها.
  • تأمين الاستقرار السياسي.
  • تأمين البيئة الامنة والمؤآتية للاستثمار والنشاط الاقتصادي.
  • وجود حكومة فاعلة تتصف بكفاءة الاداء وتوفر الخدمات.

هـ. وجود مؤسسات حقيقية تطبق حكم القانون.

ويكون للنظام السياسي دور كبير في التشجيع على الفساد في ظل تردي الاوضاع الامنية وحالة عدم الاستقرار، وإتباع نظام المحاصصة في اشغال المواقع الوظيفية دون الالتفات الى معايير الاختصاص والكفاءة والخبرة والنزاهة، والاعتماد على الولاء لمن في المنصب والسلطة، او الولاء لكتلة سياسية معينة، مع شيوع الولاءآت الفرعية التقليدية على حساب الانتماء الوطني وغياب دور الانظمة الرقابية والتستر على المفسدين وحمايتهم([38]).

  1. الفساد الاجتماعي

ينمو الفساد في بيئة إجتماعية معينة، فطبيعة البيئة الاجتماعية وقيمها وتقاليدها والثقافة السائدة فيها قد تساعد على نمو الفساد وإستشرائه، أو قد تعمل على كبحه، ويرتبط ذلك بالموروث التاريخي وتأثير الحالة الاقتصادية التي يمر بها البلد وطبيعة نظامه السياسي([39])، وهناك عوامل وأسباب اجتماعية تؤدي الى تفشي الفساد وهي:

  • سيادة القيم التقليدية الموروثة التي ترسخ الفساد وتنشره مثل الانتماءآت والولاءآت العشائرية والدينية والطائفية والعرقية، إذ تشجع هذه القيم على التستر على الفساد والتغاضي عنه، كما تشيع المحسوبية ومخالفة اللوائح والقواعد الوظيفية ويصبح الفساد مع مرور الزمن جزءاً من ثقافة المجتمع([40]).
  • تراجع الاخلاق وتدهور منظومة القيم وهي تشكل أهم عناصر بناء الشخصية والسلوك الاداري لشاغلي المواقع الوظيفية العامة، فالاخلاق تمثل جوهر المنظومة الادارية، ويشكل إنهيار منظومة القيم والاخلاق المدخل الاجتماعي للفساد([41]).

ويزيد من الفساد شعور الافراد بأهمية الانتماءآت الفرعية التقليدية وسموها على الانتماء الوطني، عندما تمنحهم الاحساس بالحماية والاعتبار المعنوي وتضمن لهم اشغال المواقع الوظيفية العامة دون إعتبار لمعايير الكفاءة والتخصص، وتعد هذه الظاهرة من نتائج إنهيار النظام القيمي للافراد([42]).

ويمثل الفساد في بعده الاجتماعي قصوراً ثقافياً ناتجاً عن عدم إستيعاب فكرة الدولة التي تقدم الخدمات للمجتمع من خلال مرافقها العامة مقابل ما يدفعه أفراده من ضرائب ورسوم، وعندما يجهل الفرد دور الدولة وصلته بها وما توفره له فأنه سيغدو اكثر إستعداداً لاستغلال الوظيفة العامة التي يشغلها لتحقيق منافع ذاتية، وتنبع خطورة هذا النوع من من الفساد من تغلغله في الثقافة والبيئة الاجتماعية فيفقد المجتمع القدرة على التمييز بين السلوك النزيه والسلوك الفاسد، ويتقبل الممارسات والقيم الفاسدة وتترسخ لدى افراده نزعة التغاضي عنها([43]).

لقد تركت الازمات المتعاقبة التي مر بها العراق آثارها على بنية المجتمع وعلى شخصية الفرد من ناحية القدرة على التكيف والتصرف بدرجة من المرونة والعقلانية، وادى الشعور بالتهميش والاقصاء والاحباط الى الميل للعنف([44])، كما أضعف إنعدام الامن والعنف آليات الضبط الاجتماعي، فضلاً عن عمق الفجوة بين النخب السياسية المتصارعة ذات المصالح المتعارضة وبين المجتمع، فأنعكست الحياة السياسية على الواقع الاجتماعي وتدهورت منظومة القيم، وطفت على السطح السلوكيات الكامنة فانتشرت مظاهر الاعتداء على الملكية العامة وساد الفساد وشاعت المخالفة لمعيار المسؤولية الاجتماعية وهي من التحديات التي تواجهها الدولة، فالازمات والعنف وعدم الاستقرار تضع المجتمع والفرد تحت ضغوط تنعكس تأثيراتها على السلوك فتظهر ممارسات غير مألوفة بسبب تراجع دور وفاعلية القواعد الاخلاقية وتصبح الاعمال المستهجنة مسألة شائعة لا تقابل بالاستنكار([45]).

  1. الفساد الاقتصادي

تعد الازمات الاقتصادية، والسياسات الاقتصادية غير المدروسة وسوء التخطيط، ومعدلات النمو المنخفضة وتدني مستوى الدخل لدى المواطنين في مقدمة الاسباب الاقتصادية للفساد، فيندفع غير المحصنين للانجراف في منزلقات الرشوة والاختلاس وهي من مظاهر الفساد([46])، ومن الاسباب الاقتصادية للفساد التوزيع غير العادل للثروة في المجتمع، وعدم التوازن والعدالة في سلم الرواتب والاجور، ويؤدي ذلك الى ظهور فئة ثرية مقابل شرائح واسعة محرومة في المجتمع([47])، بسبب تفاوت الدخل والثروة وتوزيعها بين افراد المجتمع وهي المدخل للفساد ويشجع  تدخل الدولة في الانشطة الاقتصادية والدور المركزي للقطاع العام على الفساد، فالافراد يميلون بطبعهم لتقديم الرشوة والهدايا للمسؤولين في القطاع العام لتخطي القواعد والاجراءآت العامة وتجاوزها للحصول على مقاولات وعقود تعود عليهم بمبالغ كبيرة، ومن مجالات الفساد في القطاع العام سوء استغلال كبار الموظفين للسلطة والصلاحيات المخولة لهم في التحكم بالاسعار وفرض القيود على الاستيراد، وفي منح التصاريح والرخص وحقوق الانتاج والتسويق، مقابل حصولهم على الرشوة وغيرها من المكاسب غير المشروعة([48]).

ومن أنماط الفساد الاقتصادي تركيز السلطة لاتخاذ القرارات الاقتصادية في مؤسسات عامة ذات صلاحيات واسعة مع ضعف في آليات الرقابة والمسائلة ويأتي الفساد هنا عن طريق هدر الموارد العامة وسوء إدارتها وتحولها الى ثروات خاصة للموظفين المسؤولين عن ادارتها([49]).  

  1. الفساد الاداري

ترجع أسباب الفساد الاداري الى طبيعة البيئة الادارية ودرجة حصانتها ضد تسلل الفساد اليها، ويجد الفساد سبيله للانتشار عندما تتسم البيئة الادارية بتدني مستوى الوعي والثقافة، ومن الاسباب الرئيسة لتفشي الفساد الاداري وكما يأتي:

أ. الترهل الاداري وتخلف الاجراءات الادارية

ويقصد بالترهل الاداري تضخم الجهاز الاداري بوجود عدد كبير من الموظفين في الوقت الذي لا يتطلب العمل وإنجازه مثل هذا العدد، كما يعني أيضاً إسناد العمل الاداري الى أفراد تنقصهم الخبرة والدراية فتكون المحصلة عملاً ادارياً غير متكامل الانجاز، وبطالة مقنعة بسبب وجود موظفين بلا عمل، فضلا عن التعقيد في الاجراءات، أما تخلف الاجراءات الادارية فيقصد به ضعف المؤسسات الادارية ومؤسسات الخدمة المدنية وإفتقارها الى استراتيجيات واضحة ومحددة الاهداف، وعدم قيام هذه المؤسسات بدورها في إعداد وتأهيل الكوادر البشرية لادامة التطوير في أساليب الاداء، وتهيئة الاجيال اللاحقة لاشغال المواقع الوظيفية في المؤسسات وبذلك تنعدم الصفة المؤسسية([50]).

ب. عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب

إذ تتطلب عملية الاداء الوظيفي والانجاز، امتلاك الموظف العام للامكانية والخبرة والمؤهلات التي تتناسب مع الوظيفة فضلا عن القدرة على التأثير في العاملين معه من المرؤوسين وتحفيزهم من أجل تحقيق أهداف المؤسسة([51])، وعندما يعين اشخاص لاتتناسب مؤهلاتهم وقدراتهم وخبراتهم مع الموقع الوظيفي تكون النتيجة فشلهم في اداء مهامهم وعرقلة العمل الاداري للمؤسسة فيزداد الميل للفساد بسبب عدم تعيين الشخص المناسب للموقع الوظيفي العام، ومن اسباب مثل هذه التعيينات المحاصصة وعلاقات القرابة والمحاباة والمحسوبية، ومن مظاهر الفساد الاداري خلق المعوقات، وهدر الوقت، وعدم الالتزام بالاوامر الادارية وتوجيهات الرؤساء، والجمع بين وظيفتين لتحقيق مكاسب مادية، وقبول الهدايا والرشوة من المراجعين([52]).

  1. الفساد القانوني

تعد سيادة القانون من ركائز النظام السياسي الديمقراطي وهي من المعايير الاساسية لتطبيق النظام ونزاهة القضاء لضمان الحقوق والحريات الاساسية التي يجب ان يتمتع بها المواطنون دون تمييز وتستند سيادة القانون على ثلاثة مبادئ: قوة القانون، ومساواة جميع المواطنين امام القانون، والامتناع عن التنفيذ الجزئي للقانون، وتتنافى سيادة القانون مع السلطة المطلقة التي تفضي إساءة إستخدامها وفساد القائمين عليها الى غياب دور القانون، ويُعدّ ضعف رقابة السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية من الاسباب الرئيسة للفساد وحماية المفسدين، إذ يشجع عدم فاعلية الانظمة الرقابية على الفساد والاضرار بالمصالح العامة للمجتمع([53])، فيفقد القانون هيبته في المجتمع بسبب قدرة المفسدين على تعطيله وعدم تطبيقه ضد المخالفين الذين تهدد ممارساتهم أمن المجتمع، فتصبح مخالفة القانون هي القاعدة السارية، ويتحول إحترامه الى إستثناء، ويأمن المفسدون من المسائلة والعقاب([54]).

إن ضعف السلطة القضائية وعدم إستقلاليتها، وعدم تمتعها بالحصانة يؤدي الى إطمئنان المفسدين وثقتهم بالافلات من المسائلة وتحمل التبعات القانونية، فتنعدم ثقة المواطن بالسلطة ويحجم عن الابلاغ عن حالات الفساد، ويعكس القضاء المستقل العادل والنزيه صورة مغايرة، إذ تتولى السلطة القضائية مراقبة تطبيق القوانين بأستقلال تام عن تدخل السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتكون قوية في القيام بدورها في الكشف عن خروقات القانون وحالات الفساد التي تؤثر على عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية، ويمثل دور القضاء رادعاً وقائياُ ضد الفساد لادراك الفاسدين لعدم امكانية تجنب المحاسبة والعقاب([55]).

وتواجه عملية مكافحة الفساد في العراق عقبات عديدة في مقدمتها الاتي([56]):

  • تراكمات تأثير الحروب والحصار الاقتصادي والاستبداد والتسلط، والسياسات الفاشلة التي رسخت حالة القبول بالانحرافات في السلوك وعدم استهجانها، وقد مهدت الروابط العشائرية والعرقية والدينية والطائفية التي يعلو الولاء لها على الولاء للوطن، السبيل امام تفشي الفساد لتحقيق المكاسب الشخصية وللمقربين وللمنتمين الى نفس العرق او الدين، او الطائفة.
  • ضعف التنشئة الاجتماعية بشكل عام، وتتطلب مكافحة الفساد التوجه نحو بناء الفرد المواطن فهو الاساس للبناء الاجتماعي، والقيام بعملية إصلاح تركز على البعد الانساني والبيئة الاجتماعية التي ينشأ فيها الفرد لتهيئة المحيط الملائم لتحقيق الفاعلية في مكافحة الفساد.
  • أدى إضمحلال الطبقة الوسطى وتراجع دورها الى خلل في تركيبة وتوازن المجتمع العراقي، وتوسع الفجوة بين الاغنياء والفقراء بسبب تدني مستوى معيشة أفراد هذه الطبقة ووصوله الى موقع قريب من خط الفقر، ويشكل الفقر البيئة الحاضنة للعنف والجريمة والفساد.
  • تحوّل مؤسسات الدولة الى ملاذ للفاسدين بسبب ضعف آليات الرقابة وعدم فاعليتها، وفاقم الوضع عدم وضوح الصلاحيات والاختصاصات وتداخلها وعدم تحديد المسؤولية ، والتأخر في حسم قضايا الفساد، فضلاً عن ضعف دور الاعلام الذي لا يقتصر على الكشف عن حالات الفساد فحسب، بل يشمل دوراً مهماً في إحداث التغيير والمساهمة في التنمية الاجتماعية من خلال التأكيد على القيم الاخلاقية والنزاهة.

هــ. المحاصصة والطائفية السياسية وتدخل الكتل والاحزاب السياسية في عمل القضاء والاجهزة الرقابية، وهناك علاقة وثيقة بين الفساد وبين المحاصصة والطائفية السياسية والمحسوبية والمنسوبية التي أصابت مؤسسات الدولة بالترهل والعجز والفشل في الاداء، وغدت الدولة والمجتمع في مواجهة تحدي يعترض سبيل عملية بناء الدولة في العراق.

لقد أدركت الشعوب في دول العالم المتقدم عدم جدوى مكافحة الفساد دون وجود هيئات ونظم وآليات رقابية فعالة ومستقلة ترصد وتراقب نزاهة عمل شاغلي الوظائف العامة في كل مؤسسات الدولة، ومنح هذه الهيئات صلاحيات تمكنها من أداء دورها على الوجه الاكمل بأستقلالية تامة ودون تدخل، أو تأثير من أي جهة في الدولة([57])، ويرتكز بناء نظام للنزاهة على توافر متطلبات أساسية هي([58]):

  • وجود سلطة تشريعية تقوم بدور فعال في مجال الرقابة والتشريع والمسائلة، ولا يتحقق ذلك إلا في ظل نظام سياسي ديمقراطي يتبنى الانتخابات الحرة النزيهة، ويحترم مبدأ الفصل المتوازن بين السلطات، مع أهمية وضوح مواد الدستور وعدم تداخلها وتعارضها.
  • وجود سلطة تنفيذية تلتزم بالتداول السلمي للسلطة، وعدم طغيانها على باقي السلطات في الدولة والتأثير على عملها.
  • وجود قضاء مستقل نزيه يؤدي دوراً محورياً في الرقابة على سلوك المؤسسات الحكومية والمسؤولين فيها في مجال تطبيق القوانين بعدالة وموضوعية ودون محاباة، ويمثل القضاء المستقل المعيار لمبدأ الفصل بين السلطات في النظم الديمقراطية.
  • وجود الهيئآت الرقابية المالية والادارية، وان تكون لها صلاحيات محددة بالقانون لمسائلة الجميع، فضلاً عن دور هيئآت الحكم المحلي، ووسائل الاعلام، ودور المجتمع المدني.

ان المدخل للنجاح في مكافحة الفساد يتحقق عبر إستراتيجية سياسية لبناء نظام ديمقراطي يقوم على التداول السلمي للسلطة، والانتخابات الحرة النزيهة، والفصل بين السلطات، وتوسيع المشاركة السياسية وإعتماد الشفافية والرقابة والمسائلة واحترام حقوق الانسان وحرياته، وفسح المجال للاحزاب السياسية ووسائل الاعلام لمتابعة وتقييم الاداء الحكومي لمحاسبة المقصرين ومنع التستر على المفسدين، وتتكامل مع الاستراتيجية السياسية إستراتيجية إقتصادية تهدف لتحسين الدخول وتؤمن العدالة في توزيع الثروة الوطنية وتقلل من الفروقات الكبيرة في رواتب العاملين في مؤسسات الدولة، والسعي لتقليل معدلات الفقر للحد من الفساد وتنمية الشعور بالعدالة الاجتماعية.

ثالثاً. البطالة

تبرز مسألة البطالة كتحدي في بلدان العالم غير المتقدم لسببين الاول عدم تيسر فرص العمل للعاطلين، والثاني عدم حصولهم على إعانات وتأمينات ضد البطالة، فهم محرومون من أي مورد للرزق ويفتقرون الى الامن الاقتصادي فتتعرض أسرهم للفقر والحرمان فضلاً عن معاناتهم العائلية والاجتماعية والصحية والنفسية التي تتحول الى شعور بالاقصاء والتهميش، والبطالة ظاهرة إجتماعية ــ إقتصادية تتمثل في عدم ممارسة الافراد الذين في سن العمل للنشاطات الاقتصادية لظروف خارجة عن إرادتهم رغم قدرتهم على العمل ورغبتهم فيه([59])، ويعد كل شخص يبلغ الخامسة عشر من العمر في حالة بطالة إذا توافرت فيه حسب مكتب العمل الدولي ثلاثة شروط: الاول ان يكون بلا عمل، والشرط الثاني ان يكون جاهزاً للعمل في إستخدام مأجور، أو غير مأجور، والشرط الثالث ان يكون باحثاً عن عمل([60])، وقد شكلت البطالة في العراق بعد عام 2003 تحدياً وهاجساً للدولة بعد تفاقم معدلاتها وتعدد أسبابها، إذ تداخلت تراكمات تركة الماضي مع ظروف الحاضر في رفع معدل البطالة الذي بلغ 28.1% في عام 2003([61]).

  1. أسباب البطالة في العراق

أسباب البطالة في العراق نوعين، أسباب عامة، وأسباب خاصة تتعلق بظروف البلد وطبيعة اقتصاده الريعي، وتشمل الاسباب العامة للبطالة ما يأتي:

  • آثار الحصار الاقتصادي الذي عجز النظام السابق عن التعامل معها فقد ادى إيقاف تصدير النفط الى تراجع قدرة القطاع العام على التوظيف فضلاً عن ضعف القطاع الخاص فتصاعد معدل البطالة الذي اصبح تراكمياً، وازداد الوضع سوءاً بعد احتلال العراق عام 2003 بسبب الحرب والتدمير الذي لحق بالمنشئآت الصناعية والبنية التحتية جرائها، وتعد الحروب والنزاعات المحلية من اكبر المخاطر التي تواجهها المجتمعات وإقتصادها لأنها تؤدي الى توقف الافراد عن العمل وإنعدام الامن والاستقرار ومن هنا يأتي الترابط بين معدلات البطالة المرتفعة والحروب والازمات([62]).
  • خلل النظام التعليمي وعدم قدرته على إعداد الخريجين الحاصلين على مؤهلات تتناسب مع متطلبات وإحتياجات سوق العمل من الكفاءآت الفنية وأدى ذلك الى ندرة الاختصاصات المطلوبة وكان ذلك من عوامل زيادة معدلات البطالة التي بلغت نسبتها 16.1% بين حملة شهادة البكالوريوس من اجمالي عدد العاطلين عن العمل([63]).
  • ضعف الحوافز المشجعة على جذب الاستثمارات الخارجية فضلاً عن انعدام الامن والاستقرار، وهروب رؤوس الاموال العراقية الى دول الجوار بحثاً عن بيئة آمنة للاستثمار، وإنعكس ذلك على تدني التنمية وارتفاع معدلات البطالة([64]).
  • سوء إدارة الثروة الوطنية والتفاوت في الدخل، ويحدد توزيع الدخل نمط إدارة الثروة الوطنية وتقسيمها بين المواطنين، ويكشف عن جوانب التباين الاقتصادي والمعاشي في المجتمع، ويؤدي هذا الخلل الى صعوبة تحقيق النمو الاقتصادي بسبب إنتشار البطالة والفقر، إذ يحرم التفاوت في الدخل وسوء توزيع الثروة الغالبية العظمى من أفراد المجتمع من الحقوق الاساسية بسبب الترابط بين الوضع الاقتصادي والاندماج في الفعاليات المدنية التي تعد جوهر عملية التنمية([65]).

وتشمل الاسباب الخاصة المتعلقة بظاهرة البطالة في العراق ما يلي:

  • السمة الريعية للاقتصاد العراقي والسياسات الاقتصادية الخاطئة التي إعتمدتها الحكومات السابقة كانت نتيجتها الفشل في تنمية الاقتصاد العراقي وجعلته إقتصاداً أحادي الجانب يعتمد بشكل كلي على الريع النفطي([66])، ويعتمد القطاع الاستخراجي النفطي أنماط عمل تتصف بكثافة رأس المال وقلة استخدام الايدي العاملة، ولا يوظف هذا القطاع سوى 2-3% من العمالة المتوفرة في السوق، لذلك لجأت الحكومات العراقية المتعاقبة الى تضخيم الجهاز الاداري للدولة وإستيعاب أكبر عدد ممكن من الشباب في المؤسسات العسكرية والامنية وفي منشئآت القطاع العام بما يفوق متطلباتها الحقيقية، ورغم ذلك تبقى هذه القطاعات عاجزة عن استيعاب الاعداد المتزايدة من الملتحقين بسوق العمل فنتج عن ذلك تفشي البطالة، فالاقتصاد العراقي الريعي بطبيعته لا يولد فرص العمل، وقد تعرض الاقتصاد العراقي لهزات متعاقبة بسبب تذبذب عائدات النفط لعدم إستقرار اسعاره العالمية، أو الكميات المصدرة، وهذا مؤشر على فشل التنمية التي تعتمد على النفط كمصدر أساسي([67]).
  • قرارات الحاكم المدني الامريكي (بريمر) بحل المؤسسات العسكرية والامنية، والتصنيع العسكري، والاعلام، كان لها دوراً مباشراً في تفاقم مشكلة البطالة وزيادة العنف وتردي الوضع الامني([68]).
  • الفساد السياسي والاداري ويتأتى أثره على البطالة من خلال إنعكاساته على النمو الاقتصادي، إذ يؤثر على حجم الاستثمارات المحلية والاجنبية، فالاستثمار يتجنب البيئة التي يستشري فيها الفساد([69])، وتعدّ المحاصصة والتوافقات السياسية التي تُعتمد في توزيع الحقائب الوزارية بين الكتل السياسية إحدى مولدات الفساد في العراق وارتفاع معدلات البطالة فيه بسبب التعيين على أساس المحاصصة والمحسوبية والولاءات التقليدية وليس على أساس الكفاءة والتحصيل الدراسي، فضلاً عن غياب المتابعة للمشروعات المقررة في المحافظات من قبل الحكومة المركزية مما يزيد من معدلات البطالة ووصلت نسبة تنفيذ المشروعات الى أقل من 10% في عام 2006([70]).
  1. تحديات البطالة في العراق

تنطوي البطالة على بذور عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ومصدر خطورتها هو تزايد عدد القادرين على العمل والباحثين عنه دون جدوى، فتثير الشعور بالاحباط لديهم، وتترتب عليها عواقب سياسية وإجتماعية وإقتصادية سلبية، ويُعقد مشكلة البطالة، تفاقمها وإستمرارها فضلاً عن إرتفاع نسبة الاعالة، فرص مشكلة متعددة الابعاد بالنسبة لأي مجتمع لانحرافها عن قيم ومعايير الحياة الاجتماعية التي تحفظ قيمة الانسان([71]).

وتمثل البطالة أحد مداخل الفقر والحرمان، ويقود ذلك الى العنف الذي تحركه حالة عدم المساواة وإنعدام العدالة في المجتمع، ويغدو العاطلون في مواجهة خيارين: الاول الانحراف السلوكي والتمرد على السلطة وعدم الامتثال للقانون فترتفع معدلات الجريمة، ويضعف الشعور بالانتماء الوطني وتتصاعد الكراهية تجاه المجتمع والسلطة وصولاً الى ممارسة العنف، أو الانخراط في الارهاب، والخيار الثاني هو هجرة العاطلين خارج الوطن ويمثل أصحاب الكفاءآت وحملة الشهادات النسبة الكبيرة بين المهاجرين فيصبح البلد أمام تحدي هجرة العقول والكفاءآت بسبب تدني مستوى المعيشة وإنخفاض الدخل وإنتشار البطالة([72])، وترتبط المستويات المرتفعة للعنف في العراق في جانب منها بالحالة الاقتصادية وتفشي البطالة، وتُهيأ البطالة التي يصاحبها الفقر والعوز المادي بيئة خصبة لنمو الجريمة والعنف وهذا مؤشر على تبادلية العلاقة بين تردي الحالة الاقتصادية والبطالة وبين العنف وعدم الاستقرار([73]).

ومن عوامل تفاقم مشكلة البطالة ارتفاع معدل النمو السكاني في العراق والبالغ 3% سنوياً وهو معدل مرتفع قياساً بالمعدلات العالمية، ولا يقابل هذا النمو السكاني نمو إقتصادي متوازن، فضلا عن دور التوسع في التعليم دون توفير فرص عمل مناسبة، والفشل الحكومي في توفير فرص العمل يقود الى تفاقم البطالة التي يؤدي  عدم إيجاد حلول لها الى سخط العاطلين على النظام السياسي الذي يعتبرونه المسؤول عن معاناتهم([74])، ويزيد المشكلة تعقيداً توظيف الاطراف الخارجية الاقليمية والدولية لمجتمع البطالة لتصعيد العنف وإدامة عدم الاستقرار، وتجد هذه الاطراف فرصتها لتغذية العنف بأستغلال تردي الاوضاع الاقتصادية والمعيشية، وتردي الخدمات، وانشغال الكتل والاحزاب السياسية المتصدرة للعملية السياسية بالصراعات والخلافات التي أفضت الى عجز الاداء الحكومي، بسبب الخلل في بنية النظام السياسي القائم على المحاصصة والتوافقات بين الكتل([75]).

رابعاً. الفقر

الفقر هو تدني المستوى المعاشي للفرد ويعكس حالة الحرمان المادي التي يجسدها إنخفاض استهلاك الغذاء كماً ونوعاً، ويعد الفقر أحد مؤشرات فشل التخطيط الاقتصادي في العراق، والعجز عن تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ويمثل الحرمان المادي الاساس لتعريف ظاهرة الفقر التي يعكسها النقص الكبير في توفير الحاجات الاساسية بالحد الادنى مثل السكن والملابس والغذاء مع تدني المستويات الصحية والتعليمية، ويشير الفقر الى الصعوبة التي يواجهها الفرد في تأمين متطلبات الحياة التي تحقق الكرامة واحترام الذات، ويؤشر الفقر العجز والقصور في الاداء الحكومي، ويدل على  طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكومين([76])، إذ يُعدّ الفقر من نتائج سوء إدارة وتوزيع الثروة الوطنية، ويشير الى التفاوت الاجتماعي والاقتصادي بين فئآت المجتمع([77]).

والفقر مفهوم مركب متعدد الجوانب ويتضمن معاني عديدة: فمن منظور الدخل يكون الفرد فقيراً إذا كان مستوى دخله دون مستوى خط الفقر، ويتحدد هذا الخط على أساس الحصول على الدخل الكافي لتأمين كمية محدودة من الغذاء، ويعبر الفقر من منظور تأمين الحاجات الاساسية عن الحرمان من المتطلبات المادية اللازمة لتلبية الحد الادنى المقبول من الاحتياجات الانسانية التي تشمل الغذاء، وخدمات الصحة والتعليم والخدمات الاساسية الاخرى التي يتوجب توافرها للحيلولة دون وقوع الافراد في الفقر ويشمل هذا الجانب توفير فرص العمل والمشاركة([78])، ويشير منظور التهميش الى عالم الفئآت المهمشة الذي يضم فئآت إجتماعية تنتشر في قاع المدن، وهو عالم له علاقاته وثقافته وقيمه، ويتألف من خليط من الفقراء والمحرومين والمعدمين، وذوي الاجور المنخفضة، والعاطلين عن العمل، والمتسولين، الذين يسكنون الاحياء الفقيرة ويشكل هؤلاء الشريحة المدينية الدنيا([79])، وقد برزت ظاهرة المستوطنات الهامشية في المدن بسبب تزايد موجات النزوح والهجرة من الارياف سعياً وراء فرص العمل والحصول على الخدمات الاجتماعية المفقودة في الريف، فنشأت هذه المستوطنات على اطراف المدن، وفي الاحياء القديمة، والمناطق الفارغة وأطلقت عليها تسمية جيوب الفقر، أو مدن الصفيح([80]).

ويواجه مجتمع الفئآت المهمشة ظروفا إقتصادية وإجتماعية متدنية ترتبط بالخلل المتجذر في البنية الاجتماعية، وتتصف الفئآت المهمشة بعدم قدرتها على التفاعل مع محيطها المحلي، وحرمانها من أبسط حقوقها وعزلتها بسبب دونية موقعها الاجتماعي وهي عاجزة عن الحصول على حقوقها التي يجب ان تكلفها الدولة([81])، وتتصف المستوطنات الهامشية باختلافها الاجتماعي والثقافي والاقتصادي عن مجتمع المدينة وثقافته الحضرية، وينتمي أفراد المجتمع الهامشي الى أكثر من ثقافة دون أن يتمكنوا من إستيعاب أي منها، فيشكلون هجيناً ثقافياً متناقضاً يعيش على هامش مجتمع المدينة وثقافته وقيمه، كما انهم ليسو أعضاء بصفة كاملة في أي من هاتين الثقافتين، وتتعزز الصفة الهامشية بأنخفاض دخل هذه الفئة الاجتماعية، فتتحول الى مصدر للتوترات والصراع الاجتماعي([82])، ويؤدي استمرار النزوح والهجرة بأتجاه المدن التي تضخمت بشكل يفوق قدرتها على الاستيعاب فضلاً عن تنامي البطالة والفقر والتهميش، الى إحتضانها لمجموعة من التناقضات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وتحولها الى ظاهرة مرضية([83]).

ومن نتائج المشكلة السكانية وإرتفاع معدل النمو السكاني ضياع مجهودات التنمية التي تصبح مخرجاتها غير ملموسة ويمر المجتمع بحالة ركود،  أو يشهد إرتداداً الى الخلف وتتفاقم تحديات البطالة والفقر وتدني الخدمات والامية وأزمة السكن([84])، وتخلق مخرجات تفاعل هذه المتغيرات المشاكل الآتية:

  1. مشكلة الامية وعمل الاطفال

تعد الامية من معرقلات التنمية، اذ ان لمستوى تعليم الافراد وما يتصل به من مهارات علاقة مباشرة بانخفاض معدلات البطالة، الى جانب علاقتها بمعدلات أجور العمال خاصة العمال المهرة بسبب إرتباط معدل الاجور وزيادتها بمستوى التعليم والتأهيل الذي يوفر فرصاً افضل للعمل، وتقل فرص الحصول على التعليم في المناطق الريفية وفي المناطق الحضرية الفقيرة، إذ يستثمر الوقت من اجل كسب الدخل وعلى حساب التعليم خاصة بالنسبة للاطفال، وهناك علاقة بين الفقر وإنخفاض مستوى التعليم وارتفاع معدلات الامية([85]).

إن ظاهرة عمل الاطفال بسبب الفقر وتجاوز عدد ساعات عملهم اليومي تسع ساعات يعرضهم الى الحرمان والمخاطر الآتية([86]):

  • المعاملة السيئة والعنف من جانب ارباب العمل، فهم يعملون بصورة غير رسمية ولا يتمتعون بأي حماية قانونية.
  • عدم إمتلاك الاطفال للمقدرة الجسمانية، او العقلية لتحمل أعباء المسؤوليات المطلوبة في عالم العمل، فضلاً عن تعرضهم الى الاخطار المحتملة بسبب طبيعة العمل.
  • حرمان الاطفال من العناية الصحية والتعليم وتحسين ظروفهم المعيشية والعقلية والاخلاقية.
  • ان الانقطاع عن التعليم وزيادة معدلات الامية يوسع الفجوة بين قدرة الاسرة على تعليم أطفالها وبين متطلبات التحصيل العلمي والمهارات التي يفرضها التقدم التكنولوجي والتطور الاقتصادي، فيترسخ التخلف ويزداد الفقر.
  1. ضعف الشعور بالانتماء

لشعور الافراد بالانتماء دور مهم في تحقيق أهداف الدولة، إذ يُنمي الشعور بالانتماء للمجتمع وللوطن، مشاعرا وأنماطاً سلوكية تشجع على التعاون والتضامن لأدراك الافراد لعدم تعارض مصالحهم، او تناقضها مع الاهداف الوطنية العامة، ويضعف الفقر المصاحب للبطالة من الشعور بالانتماء للوطن والمجتمع بسبب العجز عن تحقيق الفرد لذاته، ويقف الفقر عائقاً امام تحقيق طموحات الافراد وينعكس الامر سلباً على درجة إسهامهم في تنمية وتقدم مجتمعهم([87]).

  1. الفقر والتهميش ومشكلة الجريمة

يساعد التعارض بين ثقافات وقيم مجتمع المدينة الحضري وبين ثقافات وقيم الفئات المهمشة الفقيرة، على تداعي الضبط الاجتماعي ويدفع الى الجريمة بهدف تحقيق مكاسب مادية خاصة في الاحياء الفقيرة إذ تبرز ظاهرة الفقر والحرمان المصاحبة للبطالة لاسيما بين فئة الشباب، ويكون للفقر دوره في التحفيز على إرتكاب الجرائم كرد فعل على الضيق والعوز والحرمان([88])، ولأجل الحصول على المال لاشباع الحاجات الاساسية عند تعذر الحصول عليه بالطرق المشروعة، وقد أدت التغيرات السريعة في الجوانب المادية الى خلق فجوة ثقافية عجزت فيها المعايير والقيم الاجتماعية السائدة عن مواكبة هذه التغيرات والحفاظ على البناء القيمي للمجتمع، كما لم تتمكن المؤسسات الاجتماعية والثقافية من إمتصاص وقت فراغ الشباب الذي يصعب تصريفه في المناطق المتخلفة بعيداً عن مجالات الانحراف والجريمة([89])، فترتفع معدلات الجرائم مثل السطو والسرقة والنصب والتزوير والتي ترجع الى عوامل متداخله في مقدمتها الفقر والحرمان والبطالة وإنتشار الامية وتردي الاوضاع المعيشية([90]).

  1. التفكك الاسري

ويعني حالة التصدع التي تصيب الاسرة وتعيقها عن أداء دورها بفاعلية ويظهر ذلك من خلال تفكك الترابط الداخلي بين أعضاء الاسرة الواحدة، كما يعكسه سلوكها الخارجي في علاقاتها مع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، ويحدث التصدع بسبب فقدان أهمية النسق القيمي ودوره في توجيه سلوك الافراد، وتحلل المعايير الاجتماعية، والانتماء الى ثقافات وقيم متباينة ومتناقضة، فضلاً عن اللجوء الى العنف والجريمة، وإنحراف فئات ذات شريحة عمرية محددة يطلق عليه جنوح الاحداث، وتعبر ظاهرة الفقر والحرمان عن عجز النظام السياسي وعدم قدرته على إدارة الاقتصاد بصورة رشيدة، ويولد تزايد الفئآت الاجتماعية المهمشة والفقيرة والمحرومة آثاراً سياسية تتوقف أبعادها على مدى ارتفاع معدلات الفقر، والتوزيع الجغرافي للمناطق الفقيرة، وعلى الظواهر الاقتصادية المصاحبة للبطالة، وتؤدي نقمة الشرائح الفقيرة والمحرومة الى جعلها أرضية خصبة لانتشار الايديولوجيات المنحرفة والمتطرفة التي تغذي العنف، ويتحول قسم من أفرادها الى لاعبي أدوار أساسية في التنظيمات الارهابية([91])، ويعود السبب الحقيقي للمشكلة الى إخفاق السياسة الاقتصادية للدولة وفشلها في تحقيق تنمية إقتصادية وإجتماعية حقيقية([92])،  وتخلق سلبية موقف الدولة إزاء تردي الخدمات، والاوضاع المعيشية وعدم تحركها إلا لدفع المخاطر الامنية وباستخدام القوة، مشاعر سلبية لدى الفئات الفقيرة المحرومة والمهمشة التي ترى في السياسيين طبقة واحدة ينحصر إهتمامها في تحقيق مصالحها الخاصة([93])، ويتحرك الشعور الاجتماعي في إتجاه واحدة يتحدد في الظرف المعاشي وصعوبة مواجهة متطلبات القدرة على العيش ويدفع هذا الشعور الذي يؤججه الاحباط الى العنف الذي يزعزع الاستقرار السياسي والاجتماعي في الدولة ويرسخ قطيعتها مع المجتمع.

هوامش الفضل الثاني – المبحث الاول

([1])  صادق الاسود، علم الاجتماع السياسي: اسسه وابعاده، مطبعة جامعة الموصل، 1986، ص383-389.

([2])  شمران حمادي، الاحزاب السياسية والنظم الحزبية، مطبعة دار السلام، بغداد، 1972، ص155.

([3])  ليورا لوكيتز، العراق والبحث عن الهوية الوطنية، مصدر سبق ذكره، ص87-108.

([4])  المصدر نفسه، ص113-114.

([5])  المصدر نفسه، ص115.

([6])  رعد الجدة، التشريعات الدستورية في العراق، بيت الحكمة، بغداد، 1998، ص134.

([7])  ليورا لوكيتز، مصدر سبق ذكره، ص114-115.

([8])  عبد العزيز بلقزيز، الدولة والمجتمع: جدليات التوحيد والانقسام في الاجتماع العربي المعاصر، الشبكة العربية للابحاث والنشر، بيروت، 2008، ص114-121.

([9])  يوسف الصواني، القومية العربية والوحدة العربية في الفكر السياسي العربي، ترجمة سمير كرم، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2003، ص44.

([10])  ياسين سعد محمد، بنية المجتمع العراقي: جدلية السلطة والتنوع العهد الجمهوري الاول 1958- 1963 (انموذجاً)، مؤسسة مضر مرتضى للكتاب العراقي، بغداد، 2011، ص164.

([11])  خالد الحروب، مبدأ المواطنة في الفكر القومي العربي من الفرد القومي الى الفرد المواطن في بشير نافع واخرون، المواطنة والديمقراطية في البلدان العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2001، ص100-101.

([12])  Dawn Brancati, Can Federalism Stabilize Iraq? The Washigton Quarterly, Vol.27, No.2, Spring 2005, P.16.

([13])  Stephen Biddle, Iraq Go Deep or Get Out, Washington Post, July 11th 2007.

([14])  عامر حسن فياض وكاظم علي مهدي، اشكاليات بناء الدولة وادارة الحكم في العراق المعاصر، مجلة قضايا سياسية، العدد (34)، كلية العلوم السياسية جامعة النهرين، بغداد، كانون الاول 2013، ص38.

([15])  صموئيل هنتغتون، من نحن؟ التحديات التي تواجه الهوية الامريكية، ترجمة حسام الدين خضور، دار الرأي للنشر، دمشق، 2005، ص39.

([16])  علي عباس مراد، اشكالية الهوية في العراق: الاصول والحلول، ندوة التعليم وتعزيز الهوية الوطنية في العراق، جامعة بغداد، 2010، ص17.

([17])  هادي محمود، العودة الى الفقه الطائفي، مجلة المواطنة والتعايشن العدد (13)، السنة الاولى، بغداد، 2007، ص98.

([18])  مثيم الجنابي، العراق ومعاصرة المستقبل، دار المدى للثقافة والنشر، بغداد، 2004، ص33-34.

([19])  محمد عابد الجابري، العرب والعولمة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2000، ص299.

([20])  ياسين سعد محمد، بنية المجتمع العراقي، مصدر سبق ذكره، ص108-124.

([21])  طعيمة الجرف، نظرية الدولة والمبادئ العامة للانظمة السياسية ونظم الحكم (دراسة مقارنة)، مكتبة القاهرة الحديثة، 1973، ص414 – 415.

([22])  وليد سالم محمد، مؤسسة السلطة وبناء الدولة ــ الامة (دراسة حالة العراق)، اطروحة دكتوراه (غير منشورة)، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 2012، ص299.

([23])  حسين درويش العادلي، نحو عراق جديد، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2004، ص65.

([24])  علي طالب، المواطنة العراقية في ظل الديمقراطية التوافقية، مجلة فكر، العدد5، بغداد، 2008، ص61-62.

([25])  سعيد مجيد دوحدوح، العراق من دكتاتورية الفرد الى دكتاتورية الاحزاب، مجلة حمورابي، العدد9، السنة 13، مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، بغداد اذار 2014، ص22-25. 

([26])  ابراهيم سعيد البيضاني، الدولة العراقية الهشة: نتائج داخلي ام ضرورة امريكية، مجلة حمورابي، العدد(9)، السنة 13، مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، اذار 2014، ص36.

([27])  تنظر المادة (60/ الفقرة (أ))، من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية.

([28])  خيري عبد الرزاق جاسم، نظام الحكم في العراق بعد 2003 والقوى المؤشرة فيه، بيت الحكمة، بغداد، 2012، ص57-62.

([29])  فراس كوركيس، الخيار الديمقراطي في العراق مابين الرؤية الامريكية والرؤية الوطنية، رسالة ماجستير (غير منشورة)، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 2008، ص136.

([30])  رشيد الخيون، ضد الطائفية: العراق جدل مابعد نيسان 2003، مدارك، بيروت، 2001، ص43-45.

([31])  حسام الدين علي مجيد، اشكالية التعددية الثقافية في الفكر السياسي المعاصر: جدلية الاندماج والتنوع، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2010، ص112-128.

([32])  ميثم الجنابي، العراق ورهان المستقبل، دار المدى للثقافة والنشر، دمشق، 2006، ص147.

([33])  ياسين سعد محمد البكري، اشكاليات الديمقراطية التوافقية وانعكاساتها على التجربة العراقية ، المستنصرية للدراسات العربية والدولية، العدد (27)، الجامعة المستنصرية، بغداد،  ايلول 2009، ص65-68.

([34])  المصدر نفسه، ص69.

([35])  عبد الغني بسيوني عبد الله، الوسيط في النظم الدستورية والقانون الدستوري، الدار الجامعية للطباعة، بيروت، 1984، ص324.

([36])  Ernest Parker, Political Parties and the Party System, Fredrick A.Branger, New York, 1952, P.194-195.

([37])  غسان عبيد محمد المعموري، اشكالية الدستور: تنازع الارادات وتعطيل البناء، الحلقة النقاشية حول المهام القانونية والدستورية في بناء الدولة العراقية، مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، بغداد، آذار 2014، ص1-4.

([38])  حسان محمد شفيق، الدستور، جامعة بغداد، 1981، ص120.

([39])  جورج باركر، بوابة الحشاشين، امريكا في العراق، مصدر سبق ذكره، ص155.

([40])  حسن ناجي سعيد، عن اشكالية العلاقة بين السلطة الشتريعية والتنفيذية في النظام السياسي العراقي، رسالة ماجستير (غير منشورة)، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 2008، ص114-115.

([41])  فيبي مار، عراق مابعد 2003، ترجمة مصطفى نعمان احمد، مراجعة احسان عبد الهادي الجرجفجي، دار المرتضى للطبع والنشر والتوزيع، بغداد، 2013، ص68-69.

([42])  دستور جمهورية العراق لعام 2005.

([43])  عامر حسن فياض وكظم علي مهدي، اشكاليات بناء الدولة وادارة الحكم في العراق المعاصر، مصدر سبق ذكره، ص32-33.

([44])  سعيد مجيد دحدوح، الآليات الفاعلة في إعادة قراءة الدستور، الحلقة النقاشية حول المهام القانونية والدستورية في بناء الدولة العراقية، مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، بغداد، 2014، ص4-5.

([45]) غسان عبيد محمد المعموري، اشكالية الدستور تنازع الارادات وتعطيل البناء، مصدر سبق ذكره، ص6-8. 

([46])  حميد حنون خالد، قراءة في قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، دراسات دستورية عراقية: موضوعات اساسية في الدستور العراقي الجديد، المعهد الدولي لحقوق الانسان، جامعة دي بول، شيكاغو، 2006، ص421. 

([47])  المصدر نفسه، ص421.

([48])  التقرير الاستراتيجي العراقي الاول، مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، بغداد، 2008، ص68 ومابعدها.

([49])  عامر حسن فياض وكاظم علي مهدي، اشكاليات بناء الدولة وادارة الحكم في العراق المعاصر، مصدر سبق ذكره، ص41-43.

([50])  سعد علي العنزي، عناصر القوة في القيادة (الادارة ــ المنظمة ــ الموارد البشرية ــ الاستراتيجية)، ط1، دار ومكتبة عدنان للطباعة والنشر والتوزيع، بغداد، 2015، ص163.

([51])  غانم جواد ، نظرة نقدية الى الدستور العراقي في بدور زكي احمد واخرون، مأزق الدستور: نقد وتحليل، معهد الدراسات الاستراتيجية، بغداد ــ بيروت، 2006، ص208.

([52])  امين عاطف صليبا، دور القضاء الدستوري في ارساء دولة القانون (دراسة مقارنة)، المؤسسة الحديثة للكتاب، بيروت، 2002، ص58.

([53])  يوسف حاشي، في النظرية الدستورية، ابن النديم للنشر والتوزيع، بيروت، 2009، ص160.

([54])  غانم جواد، نظرة نقدية للدستور العراقي، مصدر سبق ذكره، ص60.

([55])  التقرير الاستراتيجي العراقي الثاني، مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، بغداد، حزيران 2009، ص82.

([56])  وصال نجيب العزاوي، قياس جودة الحكم: نموذج فاعلية الاداء الحكومي في العراق، مجلة العلوم السياسية، العدد (142)، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 2011، ص105.

([57])  ياسين سعد محمد، اشكاليات الديمقراطية التوافقية وانعكاساتها على التجربة العراقية، مجلة المستنصرية للدراسات العربية والدولية، العدد 72، 2008، ص65-66.

([58])  جابر حبيب جابر، صراع الدولة والهوية في العراق، مجلة فكر حر، العدد7، التجمع الثقافي في شارع المتنبي، بغداد، 2009، ص21.

([59])  حسن نافعة وآخرون، مقدمة في علم السياسة: الايديولوجيات والافكار والنظم السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2002، ص317.

([60])  شادية فتحي ابراهيم ، الاتجاهت المعاصرة في دراسة النظرية الديمقراطية، المركز العلمي للدراسات السياسية، عمان، 2005، ص41.

([61])  لاري دايموند، الديمقراطية تطويرها وسبل تعزيزها، ترجمة فوزية ناجي الرفاعي وزارة الثقافة، بغداد، 2005، ص72.

([62])  سولاف محمد، الازمة الدستورية في العراق، جامعة صلاح الدين، اربيل، 2009، ص5-6.

([63])  شمران حمادي، النظم السياسية والدستورية في الشرق الاوسط، شركة الطباعة والنشر الاهلية، بغداد، 1964، ص23.

([64])  تنظر المادتان (48) و(65) من دستور العراق الدائم لسنة 2005.

([65])  المصدر السابق نفسه، دستور العراق الدائم لسنة 2005.

([66])  محمد عمر مولود، الفيدالية وامكانية تطبيقها في العراق، مؤسسة موكرياني للطباعة والنشر، اربيل، 2007، ص519-520.

([67])  درع حماد الفهداوي، دور المحكمة الاتحادية العليا في ترسيخ العلاقة في النظام الفدرالي، الحلقة النقاشية حول (المهام القانونية والدستورية في بناء الدول العراقية)، مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، بغداد، اذار، 2014، ص1-2.

([68])  ليث عبد الحسن الزبيدي وكاظم علي مهدي، مجلس الاتحاد والتوازن التشريعي في العراق، قضايا سياسية، العددان (37-38)، كلية العلوم السياسية، جامعة النهرين، 2014، ص81-82.

([69])  علي محمد علوان وخضر عباس عطوان، اداء البرلمان السياسي، افكار سياسية لعمل برلمان رشيد، مجلة الحكمة، العدد (52)، بيت الحكمة، بغداد، 2011، ص9-12.

([70])  المادة (61/سابعاً، ثامناً) من دستور العراق الدائم لسنة 2005.

([71])  المصدر السابق، ص17-19.

([72])  حازم الشمري، التكيف الدستوري للنظام السياسي العراقي للمرحلة الانتقالية، المجلة العراقية للعلوم السياسية، العدد 2، الجمعية العراقية للعلوم السياسية، بغداد، 2005، ص22.

([73])  لبنان هاتف الشامي، العملية السياسية في العراق والديمقراطية التوافقية، ندوة العراق وبناء المستقبل، كلية العلوم السياسية، جامعة النهرين، 2011، ص4.

([74])  عامر حسن فياض، سيناريوهات تقسيم العراق رؤية نقدية، مجموعة باحثين، المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، عمان، 2006، ص630.

([75])  عامر حسن فياض وكاظم علي مهدي، اشكاليات بناء الدولة وادارة الحكم في العراق المعاصر، مصدر سبق ذكره، ص51-52.

([76])  عامر حسن فياض، جدلية العلاقة بين الاستقلال والديمقراطية في الخطاب السياسي العراق المعاصر، مجلة العلوم السياسية، العدد(29)، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، تشرين الاول2004، ص110.

([77])  عامر حسن فياض وكاظم علي مهدي، مصدر سبق ذكره، ص54.

([78])  المادة (58) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية والمادة (140) من دستور العراق الدائم لسنة 2005.

([79])  محمد علي الزيني، الدستور العراقي وثروات العراق النفطية والغازية، معهد الدراسات الاستراتيجية، بيروت، 2006، ص273.

([80])  المصدر السابق، ص274.

([81])  المادة (115) من دستور العراق الدائم لسنة 2005.

([82])  المادة (65) والمادة (93) من دستور العراق الدائم لسنة 2005، وينظر جورج اندرسن، مقدمة عن الفدرالية، منتدى الاتحادات الفدرالية، كندا، 2007، ص2-3.

([83])  المادة (105) والمادة (106) من دستور العراق الدائم لسنة 2005.

([84])  المادة (4) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية.

([85])  عامر حسن فياض، سرديات العقل وشقاء التحول الديمقراطي في العراق المعاصر، سلسلة كتاب الصباح الثقافي، بغداد، 2008، ص105.

([86])  الحكم الصالح هو الحكم الذي تتولى مسؤوليته قيادات سياسية منتخبة، وفرق ادارية تلزم بادارة وتطوير موارد المجتمع وقدراته، وتقدم الخدمات للمواطنين وتحسن نوعية حياتهم ورفاهيتهم برضاهم وعبر مشاركتهم ودعمهم، ويعتمد البناء السياسي للحكم الصالح على ترابط وتفاعل عناصر تشمل: المواطن، السلطة الدستورية، المجتمع المدني، ويولد ناتج تفاعل هذه العناصر حكماً صالحاً يقوم على اسس الشرعية الديمقراطية المستندة الى عنصر الرضا والقبول من خلال الانتخابات، وعنصر الانجاز المتحقق من خلال ضمان وتنظيم البناء المؤسساتي للحقوق والحريات لتمكين ممارستها. ينظر: حسن كريم، مفهوم الحكم الصالح في كتاب الفساد والحكم الصالح في البلاد العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2004، ص96، وينظر: عامر حسن فياض وكاظم علي مهدي، اشكالية بناء الدولة وادارة الحكم في العراق المعاصر، مصدر سبق ذكره، ص55.

([87])  عامر حسن فياض، السلوك الديمقراطي واثره في بناء عراق مابعد الانسحاب الامريكي في (الواقع السياسي في العراق بعد الانسحاب الامريكي)، مركز انماء للبحوث والدراسات، الحلة، 2010، ص7.

([88])  وصال نجيب العزاوي، قياس جودة الحكم: نموذج فاعلية الاداء الحكومي في العراق، مصدر سبق ذكره، ص84. 

([89])  برنامج الامم المتحدة الانمائي UNDP، تقرير التنمية الانسانية العربية: خلق الفرص للاجيال القادمة، 2002، ص 106-107.

([90])  المصدر نفسه.

([91])  The Corruption Perception Index 2008-2010, Transparency Global Coalition Against Corruption, www.transparency.org.

([92])  عامر حسن فياض، بناء الدولة المدنية وشقاء التحول الديمقراطي في العراق المعاصر، مجلة فكر حر، التجمع الثقافي في شارع المتنبي، العدد(5)، 2008، ص27-28.

([93])  رعد عبد الجليل، الجمود المؤسسي وأثره في فشل التنمية السياسية، مجلة العلوم السياسية، العدد 40، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، كانون الثاني، 2010، ص100-101.

([94])  برنامج الامم المتحدة الانمائي UNDP، تقرير التنمية الانسانية العربية: خلق فرصة للاجيال القادمة، 2002، ص106.

([95])  رعد عبد الجليل، المصدر السابق، ص101.

هوامش الفصل الثاني – المبحث الثاني

([1])   سليم مطر، جدل الهويات: صراع الانتماءآت في العراق والشرق الاوسط، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2003، ص66.

([2])  واقع العنف والارهاب في العراق: رؤية في محاور متعددة، المؤتمر الوطني السادس، مركز حمواربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، بغداد، كانون الاول 2013، ص1-2.

([3])  http://dictionary.cambridge.org/dictionary/britishpower-vacuum.

([4])  اسماء جميل، العنف الاجتماعي، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2007، ص71.

([5])  Johnson Chalaners, Revolutionary Changes, Little Brown Company, Boston, U.S.A, 1976, P.25.

([6])  ناهدة عبد الكريم حافظ، المشهد العراقي: جدلية العنف والتسامح، مؤتمر ثقافة اللاعنف في التعامل مع الآخر، بيت الحكمة، 2008، ص256.

([7])  سعد الدين ابراهيم وآخرون، المجتمع والدولة في الوطن العربي، مصدر سبق ذكره، ص37.

([8])  رشيد الخيون، المجتمع العراقي: تراث التسامح والتكاره، معهد الدراسات الاستراتيجية، بيروت، 2008، ص151.

([9])  اريك دافيس، مذكرات دولة، مصدر سبق ذكره، ص23.

([10])  محمد نبيل الشيمي، الشبكة الدولية للمعلومات، ص2-4:

http://arabsfordemocracy.org.

([11])  التقرير الاستراتيجي العراقي، احداث سامراء وانعكاسها على العملية السياسية، مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، بغداد، 2008، ص35-36.

([12])  فرهاد ابراهيم، الطائفية السياسية في العالم العربي، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1996، ص25.

([13])  سعد الدين ابراهيم، مصادر الشرعية في انظمة الحكم العربية، المستقبل العربي، العدد (62)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1988، ص98-99.

([14])  فيليب برنو وآخرون، المجتمع والعنف، ترجمة الياس زحلاوي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والطبع، دمشق، 1985، ص5-7.

([15])  سهيلة عبد الانيس، العنف الطائفي في العراق، مؤتمر ثقافة اللاعنف في التعامل مع الآخر، بيت الحكمة، 2008، ص323.

([16])  حسنين توفيق ابراهيم، ظاهرة العنف السياسي في النظم العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1992، ص48.

([17])  قدري حنفي، صور العنف السياسي، الندوة المصرية ــ الفرنسية حول (ظاهرة العنف السياسي من منظور مقارن)، مركز البحوث والدراسات السياسية، القاهرة، 1995، ص42.

([18])  حسنين توفيق ابراهيم، ظاهرة العنف السياسي في النظم العربية، مصدر سبق ذكره، ص5.

([19])  التقرير الاستراتيجي العراقي، احداث سامراء وانعكاساتها على العملية السياسية، مصدر سبق ذكره، ص39.

([20])  سيار الجميل، المشروع العراقي: اجندة بلا مليشيات او ليغارشية ، الشبكة الدولية للمعلومات:

www.sayyaraljamil.com

([21])  جوناثان ستيل، الهزيمة: لماذا خسروا العراق، ترجمة بسام شيحا، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2009، ص325.

([22])  جون لي اندرسون، رجلنا في العراق، ترجمة علي الياسري، مؤسسة شرق غرب، بغداد، 2010، ص64.

([23])  علي عبد الامير علاوي، احتلال العراق ربح الحرب وخسارة السلام، مصدر سبق ذكره، ص672.

([24])  عاشور شوايل، واقع ورؤية تداعيات الربيع العربي أمنياً على ليبيا، مؤتمر  تحول قطاع الامن العربي في المرحلة الانتقالية، مركز كارنيغي للشرق الاوسط، 22-23 كانون الثاني/ يناير 2014، ص1-3.

([25])  تداعيات  فراغ السلطة في العراق، الشبكة الدولية للمعلومات:

www.kitabat.com

([26])  التقرير الاستراتيجي العراقي، احداث سامراء، وانعكاساتها على العملية السياسية، مصدر سبق ذكره، ص41-44.

([27])  انتوني كوردسمان وإيما دافيس، عنف العراق الطائفي والعرقي وتطور تمرده، الشبكة الدولية للمعلومات:www.crisis.org

([28])  التقرير الاستراتيجي العراقي، مصدر سبق ذكره، ص46-52.

([29])  المصدر نفسه، ص53-54.

([30])  رند حكمت محمود، مشكلة بناء الدولة في العراق (للمدة 1921-2006)، اطروحة دكتوراه (غير منشورة)، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 2007، ص114-115.

([31])  المصدر نفسه، ص117-125.

([32])  علي عبد العزيز الياسري، مظاهر وتبعات عسكرة المجتمع، سلسلة ثقافة بناء الدولة من منظور الامن الوطني، مجلس الامن الوطني ، بغداد، 2011، ص5-7.

([33])  المصدر نفسه، ص12-13.

([34])  المصدر السابق، ص15-16.

([35])  عسكرة المجتمع نخر في بناء الدولة الحديثة، الشبكة الدولية للمعلومات:

http://shrusc.com/articles/2030.htm.

([36])  التقرير الاستراتيجي العراقي، احداث سامراء وانعكاساتها على العملية السياسية، مصدر سبق ذكره، ص34.

([37])  هبة الله احمد خميس بسيوني، الارهاب الدولي اصوله الفكرية وكيفية مواجهته، الدار الجامعية، الاسكندرية، 2009، ص73.

([38])  لمى مضر الامارة، التوظيف الاستراتيجي الامريكي لقضية الارهاب، مجلة العلوم السياسية، العدد(27)، كلية العلوم السايسية، جامعة بغداد، 2003، ص111.

([39])  احمد فلاح العموش، مستقبل الارهاب في هذا القرن، مركز البحوث والدراسات، جامعة نايف العربية للعلوم الامنية، الرياض، 2006، ص35.

([40])  عبد الله عبد الجليل، الارهاب الدولي في الواقع والقانون، مجلة القضاء، العددان (3، 4)، بغداد، 1989، ص24-27.

([41])  باسكال بونيفاس، الحرب العالمية الرابعة، ترجمة احمد الشيخ، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، 2006، ص103.

([42])  ادونيس العكرة، الارهاب السياسي: بحث في اصول الظاهرة وابعادها الانسانية، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، 1983، ص72-75.

([43])  محمد عاطف غيث، قاموس علم الاجتماع، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، 1997، ص83.

([44])  سرمد زكي الجادر، البيئة السياسية لمكافحة الارهاب: رؤى من اجل استراتيجية فاعلة لمكافحة الارهاب في العراق، المؤتمر الوطني السادس حول واقع العنف والارهاب في العراق: رؤية في محاور متعددة، مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، بغداد، كانون الاول 2013، ص5-6.

([45])  ادونيس العكرة، الارهاب السياسي: بحث في اصول الظاهرة وابعادها الانسانية، مصدر سبق ذكره، ص90.

([46])  سرمد زكي الجادر، البيئة السياسية لمكافحة الارهاب: رؤى من اجل استراتيجية فاعلة لمكافحة الارهاب في العراق، مصدر سبق ذكره، ص1-2.

([47])  سرمد العبيدي، الاستراتيجية الامريكية في العراق بعد عام 2003، مجلة دراسات سياسية، العدد(12)، بيت الحكمة، بغداد، 2007، ص3.

([48])  خالد محسن جابر اليعقوبي، السياسة الامريكية تجاه العراق وانعكاساتها الاقليمية والدولية بعد نيسان 2003، ص493-496.

([49])  سرمد زكي الجادر، البيئة السياسية لمكافحة الارهاب: رؤى من اجل استراتيجية فاعلة لمكافحة الارهاب في العراق، مصدر سبق ذكره، ص2-3.

([50])  فردريك دبليو. كاغان، الدبلوماسية والقوة والاقناع، ترجمة مازن بوري، مجلة الثقافة العالمية، العدد(138)، الكويت، 2006، ص110.

([51])  طلعت احمد مسلم، التعاون العسكري العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1990، ص45.

([52])  آمال شلاش وآخرون، تحليل الوضع السكاني في العراق: التقرير الوطني الثاني حول حالة السكان في اطار توصيات المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، صندوق الامم المتحدة للسكان، حزيران 2012، ص26-38.

([53])  وزارة التخطيط والتعاون الانمائي، الجهاز المركزي للاحصاء وتكنولوجيا المعلومات، تقديرات عام 2007.

([54])  موسوعة محافظة الانبار، الشبكة الدولية للمعلومات:

http://www.microsoft.com/isapi/pedir.

([55])  عبد المنعم عبد الوهاب وصبري فارس الهيتي، الجغرافيا السياسية، دار الكتب للطباعة والنشر، الموصل، 1989، ص77.

([56])  صادق الاسود، علم الاجتماع السياسي اسسه وابعاده، مصدر سبق ذكره، ص134 .

([57])  طالب احمد عبد الرزاق الجنابي، امكانية استثمار السياحة الصحراوية في العراق، رسالة ماجستير (غير منشورة)، كلية التربية، جامعة الانبار، 2001، ص29-30. 

([58])  صباح محمود محمد، الهضبة الغربية، مشروع تطوير جغرافي عسكري، مجلة كلية التربية، العدد (2)، المجلد (7)، الجامعة المستنصرية، بغداد، 1992، ص16-20.

([59])  عبد سالم عبد الله المالكي، جغرافية العراق، دار الكتب للطباعة والنشر، البصرة، 2007، ص8.

([60])  عدنان عبد الجبار محمد، تأثير العوامل الجيوبولتيكية للسوق العراقي، هيئة الدراسات والبحوث السوقية، جامعة البكر للدراسات العسكرية العليا، 2001، ص172-173.

([61])  منذر عبد المجيد البدري ورضا سلمان الشمري، سوء التوزيع الجغرافي لسكان الوطن العربي: أبعاده وطرائق علاجه، مجلة كلية الاداب، العدد (59)، جامعة بغداد، 2002، ص23.

([62])  قاسم الدويكات، الجغرافيا العسكرية، جامعة مؤتة، عمان، 2002، ص201.

([63])  منذر عبد المجيد البدري ورضا سلمان الشمري، مصدر سبق ذكره، ص26.

([64])  قاسم الدويكات، مصدر سبق ذكره، ص200-201.

([65])  أمجد رحيم عبد الله، دور المجمعات الحدودية في نمو المستقرات البشرية الحدودية في محافظة الانبار، اطروحة دكتوراه (غير منشورة)، كلية الاداب، جامعة بغداد، 2008، ص53.

([66])  عامر حسن فياض، جدلية العلاقة بين الاستقلال والديمقراطية في الخطاب السياسي العراقي المعاصر، مصدر سبق ذكره، ص110.

([67])  قاسم محمد عبيد، توزيع الاختصاصات الامنية في الانظمة الفدرالية (العراق انموذجاً)، ندوة انظمة الحكم الفدرالية، دائرة البحث والتطوير، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، 2013، ص2-3.

([68])  المادة (110) والمادة (121) من دستور العراق الدائم لسنة 2005.

([69])  المادة (114) من دستور العراق الدائم لسنة 2005.

([70])  المادة (113) من دستور العراق الدائم لسنة 2005.

([71])  المادة (115) من دستور العراق الدائم لسنة 2005.

([72])  قاسم محمد عبيد، توزيع الاختصاصات الامنية في الانظمة الفدرالية (العراق أنموذجاً)، مصدر سبق ذكره، ص4.

([73])  المواد (المادة (9)/ اولا ـ أ) و (المادة (61)/ خامسا ـ ج) والمادة (78) و (المادة (80)ـ خامسا) و (المادة (110) ـ ثانيا) من دستور العراق الدائم لسنة 2005.

([74])  المادتان (110) و(121/ خامساً) من دستور العراق الدائم لسنة 2005.

([75])  قاسم محمد عبيد، توزيع الاختصاصات الامنية في الانظمة الفدرالية (العراق انموذجاً)، مصدر سبق ذكره، ص5.

([76])  المصدر نفسه، ص6.

([77])  المصدر نفسه، ص6-7.

([78])  الشبكة الدولية للمعلومات في 13 تشرين الثاني 2012 على الرابط:

http://ar.shafaqna.com

([79])  الشبكة الدولية للمعلومات في 29 كانون الثاني 2015 على الرابط:

http://awsat.com/home/artical/196286.

هوامش الفصل الثاني – المبحث الثالث

([1])  حسن لطيف الزبيدي، قراءة في إشكاليات بناء الدولة في العراق (الديمقراطية والنفط والتنمية)، مؤتمر بيت الحكمة العلمي السنوي (بناء الدولة)، بغداد، 18-19 كانون الثاني 2012، ص50.

([2])  حسن لطيف الزبيدي، مصدر سبق ذكره، ص46-51.

([3])  المصدر نفسه، ص47-48.

([4])  نجيب عيسى، الفقر في الوطن العربي، منظمة العمل العربية، عمان، 1995، ص2.

([5])  الامم المتحدة، التنمية البشرية، والتنمية المستدامة، شبكة المعلومات الدولية:

http://www.un.org/ar/development.

([6])  نجيب عيسى، الفقر في الوطن العربي، مصدر سبق ذكره، ص7.

([7])  جورج قرم، التنمية المفقودة، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، 1981، ص134.

([8])  حسن لطيف الزبيدي، قراءة اشكاليات بناء الدولة في العراق، مصدر سبق ذكره، ص49-50.

([9])  محمود عبد الفضيل، النفط والمشكلات المعاصرة للتنمية العربية، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1990، ص99.

([10])  أسامة عبد الرحمن، المورد الواحد والتوجه الانفاقي السائد، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1988، ص81.

([11])  نادر فرجاني، الهجرة الى النفط، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1983، ص192.

([12])  محمد الرميحي، النفط والعلاقات الدولية، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1990، ص29.

([13])  محمد عبيد عياش، الدولة الخليجية، سلطة أكثر من مطلقة ومجتمع اقل من عاجز، الشبكة الدولية للمعلومات:

www.alazminah.com.

([14])  H.Mahdavy, Patterns and Problems of Econmic Development in Rentier State: The Case of Iran, in M.A. Cook, Studies in Economic, History of the Middle East, London, Oxford University Press, 1979, P.470-476.

([15])  حازم الببلاوي، الدولة الريعية في الوطن العربي، ندوة الدولة والاندماج في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1990، ص283.

([16])  عبد علي كاظم المعموري، عنف الدولة في هدر الامكانية وسوء تخصيص الموارد في العراق، مجلة قضايا سياسية، العدد (17)، كلية العلوم السياسية، جامعة النهرين، 2009، ص43.

([17])  مجموعة باحثين، النفط والاستبداد (الاقتصاد السياسي للدولة الريعية)، معهد الدراسات الاستراتيجية، بغداد، 2007، ص230.

([18])  عبد الرزاق الفارس، الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية للطفرة النفطية على دول مجلس التعاون الخليجي، المستقبل العربي، العدد (363)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2009، ص61.

([19])  احمد عمر الراوي، نحو إستراتيجيات جديدة لادارة الاقتصاد العراقي في ظل اقتصاد احادي الجانب، في استراتيجية بناء الدولة في العراق بعد الانسحاب الامريكي، المؤتمر السنوي لقسم الدراسات السياسية، بيت الحكمة، بغداد، 2011، ص477-478.

([20])  المادة (25) من دستور العراق الدائم لسنة 2005.

([21])  المادة (26) من دستور العراق الدائم لسنة 2005.

([22])  أحمد عمر الراوي، نحو إستراتيجيات جديدة لادارة الاقتصاد العراقي في ظل اقتصاد احادي الجانب، مصدر سبق ذكره، ص489.

([23])  حسن لطيف الزبيدي، قراءة في إشكالية بناء الدولة في العراق، مصدر سبق ذكره، ص55.

([24])  أحمد بريهي العلي، الاقتصاد السياسي لعجز الموازنة العامة ومضمونه النقدي، المؤتمر العلمي لكلية الادارة والاقتصاد، جامعة القادسية، 2009، ص1.

([25])  حسن لطيف الزبيدي، قراءة في اشكاليات بناء الدولة في العراق، مصدر سبق ذكره، ص55-57.

([26])  احمد عمر الراوي، نحو استراتيجيات جديدة لادارة الاقتصاد العراقي في ظل إقتصاد أحادي الجانب، مصدر سبق ذكره، ص479-481.

([27])  أحمد كاظم حبي، العراق في ظل اقتصاد معولم، مؤسسة مصر مرتضى للكتاب العراقي، بغداد، 2009، ص211.

([28])  عدنان ياسين مصطفى، الفساد والحكم الصالح في العراق: دراسة تحليلية من منظور اجتماعي، جامعة بغداد، حزيران 2012، ص8.

([29])  حمدي عبد العظيم، عولمة الفساد وفساد العولمة، الدار الجامعية، الاسكندرية، 2008، ص46-47.

([30])  التقرير الاستراتيجي العراقي، مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، بغداد، 2008، ص318.

([31])  حمدي عبد العظيم، المصدر السابق، ص40.

([32])  المصدر نفسه، ص65. 

([33])  غادة موسى ، الشفافية والمسائلة في المانيا بعد الوحدة، في مصطفى كامل السيد، الفساد والتنمية: الشروط السياسية للتنمية الاقتصادية، مركز دراسات وبحوث الدول النامية، جامعة القاهرة، 1999، ص16.

([34])  حسن كريم، مفهوم الحكم الصالح، في اسماعيل الشطي وآخرون، الفساد والحكم الصالح في البلاد العربية، ندوة مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع المعهد السويدي في الاسكندرية، بيروت، 2004، ص123.

([35])  المصدر نفسه، ص273.

([36])  وزارة التخطيط والتعاون الانمائي، خطة التنمية الوطنية 2010 – 2014، بغداد، 2009، ص215.

([37])  عدنان ياسين مصطفى، الفساد والحكم الصالح في العراق: دراسة تحليلية من منظور اجتماعي، مصدر سبق ذكره، ص7-8.

([38])  جاسم محمد الذهبي، التطور الاداري: مداخل ونظريات ـ عمليات واستراتيجيات، جامعة بغداد، 2001، ص252.

([39])  حسين جابر عبد الحميد الخاقاني، الفساد الاقتصادي وآثاره على عملية التنمية الاقتصادية في البلدان النامية، أطروحة دكتوراه (غير منشورة)، كلية الادارة والاقتصاد، جامعة بغداد، 2008، ص18.

([40])  حمدي عبد العظيم، عولمة الفساد وفساد العولمة، مصدر سبق ذكره، ص61.

([41])  علي عبد الحسين حميد العامري، دور القيادة الاستراتيجية والشفافية في محاربة الفساد الاداري، رسالة ماجستير (غير منشورة)، كلية الادارة والاقتصاد، جامعة كربلاء، 2010، ص120.

([42])  جاسم محمد الذهبي، التطور الاداري، مصدر سبق ذكره، ص253.

([43])  أحمد محمود نهار أبوسويلم، مكافحة الفساد، دار الفكر ناشرون وموزعون، عمان، 2010، ص20-21.

([44])  كليفود غيرتز، الثورة الادماجية: المشاعر الوشائجية والسياسات المدنية في الدول الحديثة، في التعدد وتحديات الاختلاف: المجتمعات المنقسمة وكيف تستمر، دار الساقي، بيروت، 1997، ص145-150. 

([45])  عدنان ياسين مصطفى، سوسيولوجيا الانحراف في المجتمع المأزوم: العراق انموذجاً، دار إثراء للنشر، عمان، 2011، ص89.

([46])  فوزي حسين محمد، الفساد الاداري: اسبابه، نتائجه ومعالجاته في الفساد الاداري: أبعاده القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ندوة قسم الدراسات القانونية، بيت الحكمة، بغداد، 2009، ص103.

([47])  جاسم محمد الذهبي، التطور الاداري، مصدر سبق ذكره، ص254.

([48])  المرسي السيد حجازي، التكاليف الاجتماعية للفساد، المستقبل العربي، العدد (173)، مركز دراسات الوحد العربية، بيروت، 2000، ص21.

([49])  احمد صقر عاشور، مكافحة الفساد في الدول العربية: اشكالية البحث والقياس في المشاريع الدولية لمكافحة الفساد والدعوة للاصلاح السياسي والاقتصادي في الاقطار العربية، المنظمة العربية لمكافحة الفساد، بيروت، 2006، ص61.

([50])  مهدي حسن زويلف وسليمان احمد اللوزي، التنمية الادارية والدول النامية، دار مجدلاوي للطباعة والنشر، عمان، 1993، ص25.

([51])  جاسم محمد الذهبي، التطور الاداري، مصدر سبق ذكره، ص256.

([52])  طارق عبد الرسول تقي، استقلالية القضاء ومكافحة الفساد السياسي والاداري والمالي، مجلة النزاهة والشفافية، العدد (2)، هيئة النزاهة، بغداد، حزيران 2010، ص9.

([53])  جاسم محمد الذهبي، التطوير الاداري، مصدر سبق ذكره، ص252.

([54])  سحر قدوري، مؤسسات المجتمع المدني وإمكانياتها في الحد من الفساد الاداري، المؤتمر السنوي الاول، هيئة النزاهة سنة 2008، ص206.

([55])  إحسان علي عبد الحسين، دور الاجهزة الرقابية في مكافحة الفساد، دائرة الشؤون القانونية، هيئة النزاهة، بغداد، بلا تاريخ، ص24.

([56])  قاسم محمد عبيد، آليات ترسيخ قيم النزاهة والشفافية في العراق، المؤتمر السنوي الرابع، هيئة النزاهة، بغداد، 2010، ص6-10.

([57])  قاسم محمد عبيد، دور الاعلام في مكافحة الفساد وتعزيز قيم النزاهة، مجلة هيئة النزاهة، العدد (2)، هيئة النظاهة، بغداد، كانون الاول، 2011، ص4. 

([58])  المصدر نفسه، ص6-9.

([59])  علاء شفيق الراوي وعبد الرسول جاسم، إقتصاد العمل، مطبعة جامعة الموصل، 1983، ص62.

([60])  ب. بريئييه وأ. سيمون، أصول الاقتصاد الكلي، ترجمة عبد الامير إبراهيم، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1989، ص313.

([61])  وزارة التخطيط والتعاون الانمائي، خطة التنمية الوطنية للسنوات 2010-2014، ص37.

([62])  عبد الرسول جابر ابراهيم، العلاقة بين الخصخصة والبطالة في بعض الاقتصادات النامية للمدة 1990-2005، أطروحة دكتوراه (غير منشورة)، كلية الادارة والاقتصاد، الجامعة المستنصرية، بغداد، 2008، ص90.

([63])  وزارة التخطيط والتعاون الانمائي، مسح التشغيل والبطالة لسنة 2008، ص35.

([64])  وزارة التخطيط والتعاون الانمائي، خطة التنمية الوطنية للسنوات 2010-2014، ص177.

([65])  مفيد ذنون يونس، التنمية الاقتصادية والمواطنة ودور مؤسسة الحكم، مجلة دراسات اقليمية، العدد (13)، مركز الدراسات الاقليمية، جامعة الموصل، 2009، ص145. 

([66])  أحمد عمر الراوي، الاقتصاد العراقي في ظل المتغيرات الاقليمية وعلاقته بدول الجوار الجغرافي، مجلة العرب والمستقبل، العدد (2)، مركز المستنصرية للدراسات العربية والدولية، بغداد، 2002، ص88.

([67])  حيان أحمد سلمان، الاقتصاد الريعي، مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر، دمشق، 2009، ص1.

([68])  عبد المنعم الحسيني، الآثار السلبية للفساد على التنمية، بيت الحكمة، بغداد، 2007، ص27.

([69])  التقرير الاستراتيجي العراقي الثاني، مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، بغداد، 2010، ص237.

([70])  عبد الجبار عبود الحلفي، البطالة في العراق مع الاشارة الى بطالة الشباب، مجلة بحوث إقتصادية عربية، العددان (43، 44)، بيروت، 2008، ص103.

([71])  عارف حمو وآخرون، مبادئ الاقتصاد، دار اللوتس للنشر والتوزيع، عمان، 1993، ص417.

([72])  عبد الفتاح عبد الناصر احمد عبد السلام البدراني، هجرة الكفاءآت العربية: الاسباب والنتائج (العراق أنموذجاً)، رسالة ماجستير، كلية الادارة والاقتصاد، الاكاديمية العربية، كوبنهاغن، 2009، ص81.

([73])  س. ريك توراون وم. موير، البطالة والعنف في العراق، مجلة المستنصرية، العدد (29)، مركز المستنصرية للدراسات العربية والدولية، الجامعة المستنصرية، بغداد، 2010، ص279.

([74])  حسنين توفيق ابراهيم، ظاهرة العنف السياسي في النظم العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1999، ص282.

([75])  طارق محمد طيب وطارق محمد ذنون الطائي، أثر العامل الخارجي في المواطنة، مجلة دراسات اقليمية، العدد (13)، مركزالدراسات الاقليمية، جامعة الموصل، 2009، ص83. 

([76])  جمال عزيز العاني، ثلاثية الفشل الاقتصادي في العراق (الفقر، البطالة ، والفساد)، مجلة حمورابي، العدد (9)، السنة الثالثة، مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، بغداد، آذار 2014، ص42.

([77])  إسماعيل قيرة، من هم فقراء الحضر: قاع المدينة العربية أنموذجاً، المستقبل العربي، العدد (205)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1996، ص52.

([78])  محمد حسين باقر، قياس وتحليل الفقر مع التركيز على الاساليب غير التقليدية، سلسلة دراسات مكافحة الفقر (8)، الامم المتحدة، نيويورك، 1997، ص44.

([79])  اسماعيل قيرة، مجتمع التهميش الى أين: مهمشوا المدينة العربية أنموذجا، المستقبل العربي، العدد (290)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2003، ص56.

([80])  اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، الفقر والمأوى في منطقة غرب آسيا، الامم المتحدة، نيويورك، 1997، ص10.

([81])  إسماعيل قيرة، المصدر السابق، ص56.

([82])  إسماعيل قيرة، الهامشية الحضرية بين الخرافة والواقع، المستقبل العربي، العدد (153)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1991، ص27-28.

([83])  عدنان ياسين مصطفى، الفقر والمشكلات الاجتماعية، الندوة العلمية لقسم السياسات الاجتماعية، بيت الحكمة، بغداد، 2002، ص173.

([84])  نور عبد المنعم نور، مشكلة السكان والبطالة، المكتب العربي للمعارف، القاهرة، 1995، ص43. 

([85])  عدنان ياسين مصطفى، مصدر سبق ذكره، ص185.

([86])  ماريا ديلالوز سيلفا، الفقر في المدن وعمل الاطفال، ترجمة خالد أسعد عيسى، وزارة الثقافة، دمشق، 1998، ص231.

([87])  معهد البحوث والدراسات العربية، مشكلة البطالة في الوطن العربي، مطابع دار الهلال، القاهرة، 1992، ص175.

([88])  خالص حسني الاشعب، الجريمة الحضرية بين الامن المتحقق والوقاية المطلوبة، مجلة الدراسات الاجتماعية، العدد (1)، السنة الاولى، بيت الحكمة، بغداد، 1999، ص52.

([89])  عدنان ياسين مصطفى، الفقر والمشكلات الاجتماعية، مصدر سبق ذكره، ص60.

([90])  جلال معوض، الهامشيون الحضريون والتنمية في مصر، مركز دراسات وبحوث الدول النامية، القاهرة، 1998، ص60.

([91])  معهد البحوث والدراسات العربية، مشكلة البطالة في الوطن العربي، مطابع دار الهلال، القاهرة، 1992، ص190-192.

([92])  جلال معوض، المصدر السابق، ص105.

([93])  فاروق يوسف احمد، السلوك السياسي: مقدمة لدراسة السلوك الانساني والسياسي، جامعة عين شمس، القاهرة، 1988، ص90.

SAKHRI Mohamed
SAKHRI Mohamed

I hold a Bachelor's degree in Political Science and International Relations in addition to a Master's degree in International Security Studies. Alongside this, I have a passion for web development. During my studies, I acquired a strong understanding of fundamental political concepts and theories in international relations, security studies, and strategic studies.

Articles: 14889

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *