تحول الإستراتيجية الأمنية الأمريكية لمواجهة الإرهاب مابعد 2006

 المحافظين الجدد وتطور الإستراتيجية الأمريكية

كان من الواضح أن الإدارة الأمريكية في مرحلة ولايتَي كلينتون، تعاني من أزمة حقيقية، تتلخص في عدم قدرتها على بلورة رؤية إستراتيجية متماسكة وواضحة المعالم للنظام العالمي، في فترة ما بعد الحرب الباردة، ففي اللحظة التاريخية التي شهدت تعاظم قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على الفعل، تضاءلت قدرتها على تكوين رؤية إستراتيجية للفعل المطلوب، ولذلك اتسمت تلك المرحلة بعدم وضوح توجه إستراتيجي محدد لإدارة العلاقات الدولية بتفاعلاتها كافة، لا سيما جوانب الصراع منها، حيث كانت تُدير الأزمات والتوترات الدولية من موقع رد الفعل، دون السعي إلى امتلاك زمام المبادرة الإستراتيجية، وتُعد إستراتيجية الاحتواء المزدوج Dual Containment  والتي تضمنت في مدلولاتها أبعاد التحرك الأمريكي في منطقتي الشرق الأوسط والقرن الأفريقي نموذجاً لتدني مستوى الفكر الإستراتيجي الأمريكي، فهي بمثابة إعادة إنتاج لنظرية الاحتواء التي قامت عليها الإستراتيجية الأمريكية في النظام العالمي السابق، وكان التعامل مع العقوبات من أكثر القضايا تجسيداً لحدة هذه الأزمة.

سعت الإدارة الجمهورية الحالية (مرحلة بوش الابن) لتكوين رؤية إستراتيجية يتحدد فيها دورها الفاعل في النظام العالمي لدعم مصالحها الحيوية، على أن تفرض رؤيتها الكونية على كافة الأنساق الفرعية المكونة للنظام العالمي، دون الأخذ في الاعتبار القضايا الفرعية لتلك الأنساق، وهو ما أدى إلى العديد من تصادم المصالح وتعارض الرؤى مع القوى الإقليمية المحورية، وخاصة في الشرق الأوسط، ولقد سعى التيار المحافظ الأمريكي New-Conservative لدمج قضايا الشرق الأوسط في إطار صفقة متكاملة يدخل فيها الشأن العراقي إضافة إلى تسوية الصراع العربي ـ الإسرائيلي، إلا أنه سرعان ما وضح رفض الإدارة الأمريكية لكل مساعي السلام السابقة (وخاصة ما تم في عهد كلينتون)، لذلك كان إعادة ترتيب الأولويات الإستراتيجية الأمريكية بمثابة صدمة للجانب العربي، وخاصة لأولئك الطامعين بدور متوازن لها، فلقد تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية وبدأ التركيز على إعادة بناء التحالف الدولي المناوئ للعراق ودعم عمليات احتوائه.

فرضت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 تغييرات كبيرة على الفكر الإستراتيجي الأمريكي بعد ثبوت فشل العقيدة الأمنية التقليدية القائمة على الردع والاحتواء، وذلك في استجابة للتحديات الإستراتيجية والتهديدات الأمنية في شكلها الجديد وغير المألوف، ولذلك أقرت إستراتيجية الحرب الاستباقية، حيث رأت الإدارة الأمريكية أنها الإستراتيجية الأنسب خلال هذه المرحلة، وأصبح الاستخدام الوقائي للقوة هو الخيار الوحيد ضد الأخطار المحتملة، وغير المؤكدة، التي تهدد الأمن القومي الأمريكي، وفي إطار هذه الإستراتيجية فرضت الولايات المتحدة الأمريكية على العالم مفهومها الخاص للإرهاب وجعلته مفهوماً عالمياً وحيداً، ووصفت أي معارضة داخلية أو خارجية على أنها إرهاب ومعاداة للحضارة والإنسانية، بينما لم يشمل هذا المفهوم إرهاب الدولة الذي يُمارس في العديد من مناطق التوتر، مثل إرهاب الدولة الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.

من المؤكد أن الإستراتيجية العسكرية الأمريكية لمكافحة الإرهاب، هي إستراتيجية عدوانية بكل المعايير القانونية والسياسية والأخلاقية، حيث يعتمد خيار الحرب الاستباقية على تأويل منحرف، ومفهوم غريب لحق الدفاع عن النفس، حيث إن هذا المفهوم يُبقي على خيار الحرب الاستباقية سيفاً مسلطاً ضد كل من تعتقد الولايات المتحدة الأمريكية أنه يرعى الإرهاب أو يدعمه، وكذلك ضد كل من يرفض الخضوع للإملاءات الأمريكية في مجال مكافحة الإرهاب، كما أن الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة الأمريكية ضد الإرهاب دائمة ومفتوحة، وليس لها سقف زمني، فلقد بدأت لكي لا تنتهي، أو على الأقل لن تنتهي إلا في التوقيت الذي تختاره الإدارة الأمريكية، وبالطريقة التي تراها.

وإذا كانت الحرب الأمريكية ضد الإرهاب لا تُقيم أي اعتبار لمبدأ السيادة وسلامة أراضي الغير، بجعلها الكرة الأرضية كلها مسرحاً لعملياتها، فهي مستعدة للتدخل العسكري في أي مكان، وفي أي زمان، لمواجهة الإرهاب، إلا أن أخطر ما في إستراتيجية الحرب الاستباقية هو تغليفها بغطاء أخلاقي/ ديني باعتبار أنها حرب صليبية ضد الشر والوحشية، ودفاع عن الخير والحرية في كل مكان، ولذلك زجت بمفردات خطاب من التراث الاستعماري القديم، وحروب ملوك أوروبا التوسعية ضد الشرق، وأصبح ذلك المفهوم هو السمة المألوفة في السياسة الخارجية الأمريكية التي تولي العنصر الأيديولوجي أهمية كبرى في صياغتها، مع تحريك العنصر الديني من أجل التعبئة الداخلية وتأمين التضامن الوطني، لتغطية مستلزمات المواجهة سواء كانت مادية أو بشرية.

 توجهات الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط

أصبح من الواضح أن الاحتلال الأمريكي للعراق كان جزءاً من رؤية إستراتيجية أمريكية متكاملة لإعادة ترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط من منظور المصلحة القومية الأمريكية، فإلى جانب مواجهة الإرهاب بالمنظور المحافظ الجديد، كان التركيز على هدف آخر تمثل في نزع أسلحة الدمار الشامل من دول أُطلق عليها “مارقة” أو دول تمثل محور الشر وكان في مقدمة تلك الدول العراق، وسرعان ما انتقل التركيز الأمريكي إليه، إذ هو أضعف حلقات محور الشر، إضافة إلى أن احتلاله والسيطرة عليه يحقق السيطرة الأمريكية على أهم منابع النفط في الشرق الأوسط، التي تنتج أكثر من نصف إنتاج العالم، وتملك نحو 61% من احتياطاته.

ولقد كان احتلال العراق بداية لتحقيق هدف إستراتيجي يتمثل في استكمال السيطرة على قوس النفط الكبير الذي يبدأ طرفه الشمالي في آسيا الوسطى وبحر قزوين، ليمتد طرفه الجنوبي إلى الخليج العربي الأغنى والأهم، خاصة بعد أن فتحت الحرب على طالبان في أفغانستان المجال للسيطرة على الطرف الشمالي لقوس النفط الكبير، وتحقيق ذلك الهدف يمنح الولايات المتحدة الأمريكية الفرصة الكاملة للسيطرة على أهم مصادر الإمدادات النفطية في العالم.

في إطار تحقيق ذلك الهدف كان التخطيط لتغيير خرائط الشرق الأوسط، بما يضمن بسط الهيمنة الأمريكية على المنطقة وبقاءها بتفكيك دول قائمة، وإنشاء دول جديدة، وإعادة ترسيم خريطة الشرق الأوسط، وبعد احتلال العراق طمحت الإدارة الأمريكية إلى البقاء لأطول فترة ممكنة حتى تجعل من العراق نموذجاً ليبرالياً واجب التطبيق في باقي الدول العربية، ولذلك لجأت الإدارة الأمريكية إلى ممارسة الضغوط على مصر والسعودية، وفرض عقوبات ضد إيران وسورية، ودعم الخلافات الداخلية في لبنان، حتى يمكن العصف بالتوازنات التقليدية، وتفضيل إسرائيل حليفاً إستراتيجياً وحيداً، وإجبار النظم العربية على التطبيع مع إسرائيل، وإجراء الإصلاحات الديموقراطية، وعدم التذرع بتجاهل الإدارة الأمريكية لتسوية الأزمة الفلسطينية، لفعل ذلك.

يضاف إلى ذلك الوجود العسكري الأمريكي الدائم في بعض دول الخليج العربية وتمكين إسرائيل من القيام بدور فاعل في العراق، إلى جانب إقامة نموذج لدولة مقسمة وممزقة عملياً، من دون سيادة مركزية في السودان (وهو ما تؤكده اتفاقات تقاسم السلطة والثروة في السودان) مع تنامي الضغوط الدولية بشأن إقليم دارفور في غربي السودان، وهو ما يمثل جزءاً هاماً في الإستراتيجية الأمريكية لفصل السودان عن محيطه العربي، وبذلك يتحول السودان إلى ساحة نموذجية للنشاطات الاستخبارية الأمريكية والإسرائيلية ليتكامل مع النفوذ الأمريكي في كل من إثيوبيا وأوغندا وكينيا والكونغو الديموقراطية، وهو ما يُضعف موقف مصر ويعزلها عن عمقها السوداني والأفريقي.

الإستراتيجية الأمنية الأمريكية مابعد 2006

أصدر البيت الأبيض في 16 مارس 2006، وثيقة إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي، وكانت بمنزلة إعلان إمبراطوري جديد، حيث ثبت من الممارسة في ظل الإستراتيجية الأمنية السابقة والتي صدرت عام 2005، أن الحوافز والبواعث على الاستمرار على نفس النهج كان أكبر من المعوقات والدوافع للتباطؤ، ولذلك بدأ الرئيس بوش في إعلانه للوثيقة الأمنية الجديدة بتأكيد السعي إلى تغيير العالم ولعب دور أكبر في الأحداث، ولقد انطلقت الإستراتيجية من مبدأ أن الولايات المتحدة الأمريكية في حالة حرب لهزيمة الإرهاب دولاً ومجموعات وأفراد، كما تهدف إلى نشر الديموقراطية ودعمها في كل ثقافة وأمة، وذلك للمحافظة على أمن الشعب الأمريكي، وذلك يستدعي استمرار الهجوم خارج الأراضي الأمريكية لهزيمة الإرهاب، كما أكدت الإستراتيجية أن الولايات المتحدة الأمريكية تواجه أيديولوجية لا تنطلق من فلسفة علمانية، وإنما تتأسس على أيديولوجية شمولية ركيزتها تحريف الإسلام، الذي يختلف عن أيديولوجيات القرن الماضي، ولكنها تتفق معها في المضمون المتمثل في عدم التسامح والقتل والإرهاب والاستعباد والقمع.

ورغم أن الوثيقة تنفي أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية في حرب ضد المسلمين، وإنما تخوض معاركها ضد الإرهاب باعتبارها معركة أفكار وليست معركة ديانات، إلا أن الوثيقة في ذات الوقت، وصفت الدين الذي تحاربه بالإسلام الراديكالي الذي يسوغ القتل، ويحرف ديانة الإسلام لخدمة الشر، ومن ثم وضحت الرغبة الأمريكية في الاستخدام الأوسع للقوة العسكرية لتحقيق الأهداف في إطار مبادئ الدفاع عن الذات، حيث لا تستبعد استخدام القوة قبل حدوث هجمات ضد الولايات المتحدة الأمريكية، وإن لم تكن على اليقين بشأن توقيت الهجوم الإرهابي المعادي ومكانه.

لقد تضمنت الوثيقة العديد من الإجراءات لمواجهة التهديدات والتحديات الأمنية، إلا أنها تركزت على دعم التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب وكذلك مواجهة التهديدات المحتملة من استخدام الإرهاب لأسلحة الدمار الشامل، وتمثلت الإجراءات والتوجهات الأمريكية لمواجهة تلك التهديدات في الآتي:

  1. التوجه الأمريكي لدعم التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب العالمي

أوضحت الوثيقة الأمنية ما أكدته وثيقة الإستراتيجية الأمنية الأمريكية لعام 2002، من أن القضاء على الإرهاب لا بد له من إستراتيجية طويلة المدى تختلف عن الأساليب والآليات السابقة، وذلك لمواجهة نمط جديد من الإرهاب، فلم يعد الردع أسلوباً مناسباً، بل يجب تنسيق العمل مع الحلفاء، مع العمل على حرمان الإرهابيين من الملجأ الآمن والحماية والدعم المالي.

أ. السياق الحالي للنجاحات والتحديات التي تمت منذ عام 2002

(1) حققت نجاحات عديدة في سياق مواجهة الإرهاب، حيث فقد تنظيم القاعدة الملجأ الآمن في أفغانستان، وتدنت قوة القاعدة، كذلك هناك تحالف دولي يواجه الإرهابيين في العراق، كما انعقد إجماع عالمي ضد القتل المتعمد للأبرياء، كما تزايد التعاون الدولي لمواجهة الإرهاب سواء من خلال الاستخبارات أو استخدام القوة العسكرية أو النشاط الدبلوماسي.

(2) كانت هناك دول عديدة قبل أحداث 11 سبتمبر جزء من مشكلة الإرهاب، وحالياً أصبحت جزءاً من الحل، وحدث هذا التحول من دون التأثير على نظم حكم صديقة في المناطق الرئيسية، كما تبنت الإدارة الأمريكية تطبيق الإصلاحات الأمنية الأمريكية دون المساس بالحريات الداخلية.

(3) رغم أن العدو محدد ومعروف، ولكن تواجه الولايات المتحدة الأمريكية بعض التحديات الكبيرة والجديدة، فشبكات الإرهاب أصبحت أكثر انتشاراً وأقل تمركزاً، وأصبحت تقوم على خلايا صغيرة العدد، إلا أنها تعمل من خلال عقيدة مشتركة وتوجه من قِبل قيادة مركزية.

(4) ورغم تمكن الإدارة الأمريكية وحلفائها من إفشال العديد من الهجمات الإرهابية، إلا أن الإرهابيين تمكنوا من تنفيذ هجماتهم في أماكن عديدة منها أفغانستان ومصر وإندونيسيا والعراق وإسرائيل والأردن والمغرب وباكستان وروسيا والمملكة العربية السعودية وإسبانيا والمملكة المتحدة، كما أن العناصر الإرهابية تعمل للحصول على أسلحة الدمار الشامل لإحداث تأثير تدميري أكبر، كما أن بعض الدول مازالت تؤوي العناصر الإرهابية.

ب. الإجراءات الأمريكية لمواجهة الإرهاب

(1) في البداية كانت الحرب على الإرهاب معركة أسلحة ومعركة أفكار ضد عقيدتهم، على المدى القصير تضمنت المعركة استخدام قوة عسكرية وآليات أخرى للقتل، أو أسر العناصر الإرهابية وحرمانهم من الملجأ الآمن، ومنعهم من امتلاك أسلحة الدمار الشامل، وتجفيف مصادر التمويل والدعم، أما على المدى البعيد، فسيكون العمل على تحقيق النصر في معركة الأفكار.

(2) إذا كانت الحرب على الإرهاب معركة أفكار، فهي ليست معركة أديان، فالإرهاب العالمي الذي يواجه الولايات المتحدة الأمريكية يستغل حالياً الدين العظيم ـ الإسلام ـ لخدمة توجهاته السياسية العنيفة، وإنكار كل الحريات السياسية والدينية، ويحرفون فكرة الجهاد إلى الدعوة إلى قتل لكل المرتدين أو المتشككين ومنهم المسيحيون واليهود والهندوس، والحقيقة أن معظم الهجمات الإرهابية منذ 11 سبتمبر كان ضحاياها مسلمون.

(3) لبدء معركة الأفكار ضد الإرهاب عملياً يجب اتخاذ الإجراءات المناسبة التي لا تكون سبباً لتنامي الأنشطة الإرهابية، فالإرهاب ليس نتاج الفقر فأحداث 11 سبتمبر كان منفذوها من الطبقة المتوسطة، بينما زعماء الإرهاب من طبقة الأثرياء، كما أن الإرهاب ليس بسبب السياسة الأمريكية في العراق، حيث هوجمت الدول التي لم تشترك في الحرب على العراق، وأيضاً الإرهاب ليس نتيجة القضية الفلسطينية، فلقد نفذت القاعدة هجمات 11 سبتمبر خلال مرحلة اتسمت بنشاط العملية السلمية، إضافة إلى ذلك فإن الإرهاب ليس رداً على الجهود الأمريكية لمنع الهجمات الإرهابية، فلقد استهدفت القاعدة الولايات المتحدة الأمريكية قبل أن تستهدفها الولايات المتحدة الأمريكية.

(4) الإرهاب الذي تجرى مواجهته حالياً نتاج الانعزال السياسي، فالإرهاب العالمي يركز جهوده لتجنيد من ليس لهم القدرة على التعبير في بلادهم ولم يجدوا طريقاً شرعياً للتغيير، ولذلك كانوا عرضة للذين يدعون لرؤية منحرفة تقوم على العنف والدمار، ويقوم الإرهاب في النهاية على عقيدة تحِلُّ القتل حتى قتل الأبرياء، ولقد استغل الإرهابيون الدين الإسلامي لخدمة أهدافهم.

(5) تتطلب هزيمة الإرهاب على المدى البعيد اتخاذ العديد من الإجراءات، منها نشر الديموقراطية، والالتزام بالقانون، وحرية التعبير، واستقلال أجهزة الإعلام، واحترام كرامة الإنسان وحقوقه.

(6) تتعارض الديموقراطية مع الاستبداد الإرهابي، حيث تستند العقيدة الإرهابية على الاستعباد، ومن ثَم، فإن الديموقراطيات ليست محصنة ضد الإرهاب، فهناك الخلافات العرقية والجماعات الدينية غير الراغبة في الحرية، ومن ثَم، يستغلها الإرهاب العالمي، ووضح ذلك في تفجيرات لندن (يوليه 2005) والعنف في بعض الدول الأخرى.

(7) كذلك يجب تشجيع الإستراتيجية المواجهة للعقيدة الإرهابية من خلال مواصلة دعم سياسات الإصلاح السياسي التي تشجع المسلمين على تأكيد إيمانهم القائم على الاعتدال، وضرورة العمل بفاعلية في العالم الإسلامي، فكل من الأردن والمغرب وإندونيسيا اتخذت إجراءات مهمة بهذا الشأن، ويطلب مثل ذلك من الزعماء الإسلاميين لِمواجهة العقيدة التي تستغل الإسلام في التدمير.

(8) يعد تقدم الحرية والتمسك بكرامة وحقوق الإنسان من خلال الديموقراطية هي الحل طويل المدى لمواجهة الإرهاب العالمي، وهناك أربعة إجراءات ستتخذ في المدى القريب لخلق الحل المناسب تتمثل في الآتي:

(أ) منع الهجمات الإرهابية قبل حدوثها، كما أن الحكومات ملتزمة بحماية مواطنيها، ونظراً لأن الجماعات الإرهابية لا يمكن ردعها أو إصلاحها، لذلك يجب تعقبها قتلاً أو أسراً، ويجب نزع أفرادها من الشبكات التي ينتمون إليها، مع إعاقة تلك الشبكات الإرهابية وردعها.

(ب) منع الدول المارقة وحلفاء الإرهاب من امتلاك أسلحة الدمار الشامل، من خلال آليات جديدة، ولذلك تعمل الولايات المتحدة الأمريكية في إطار تعاون دولي لتعزيز الأمن في المواقع النووية الضعيفة بالعالم، وتعزيز قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على اكتشاف النشاط الإرهابي المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل وإيقافه.

(ج) حرمان الجماعات الإرهابية من الدعم والملجأ الذي توفره الدول المارقة، ولذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية في حالة حرب ضد الإرهابيين وضد من يدعمونهم، وأي حكومة تكون حليفاً مثل سورية وإيران، هي عدو للحرية والعدالة والسلام، ولذلك يجب على العالم أن يُحمل تلك الأنظمة المسؤولية.

(د) منع سيطرة الإرهابيين على أية دولة، وحرمان تنظيم القاعدة من أية قاعدة لانطلاق أنشطة الإرهاب، فهدف الإرهابيين إسقاط الديموقراطية وإنشاء ملجأ للإرهاب ما يزعزع استقرار الشرق الأوسط، وتوجيه ضربة إرهابية للولايات المتحدة الأمريكية.

(9) ستتزعم الولايات المتحدة الأمريكية الحرب على الإرهاب، وستواصل مشاركة الحلفاء، وسينضم حلفاء جدد إلى المعركة من خلال الآتي:

(أ) في أفغانستان والعراق الخطوط الأمامية في الحرب على الإرهاب، ففي أفغانستان يجب الاستمرار في دعم النجاحات، فلقد أجريت انتخابات حرة ناجحة بها، وأصبحت حليفاً في الحرب على الإرهاب، ولذلك يستحق الشعب الأفغاني دعم الولايات المتحدة الأمريكية وسائر المجموعة الدولية.

(ب) يرى الإرهابيون أن العراق هي جبهة رئيسية في معركتهم ضد الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم يعملون على هزيمتها في العراق، وإجبارها على التخلي عن العراقيين قبل تحقيق الاستقرار، وفي إطار الفوضى التي دمرت العراق اعتقد الإرهابيون بأنهم وجدوا الملجأ الآمن.

(ج) ستتمكن الحكومة العراقية، مدعومة من قِبل التحالف، من هزيمة الإرهاب، ولقد تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من قتل أهم قادة القاعدة (الزرقاوي) بعد أن حرمته من الملجأ الآمن الذي رغبه في العراق، وسيكون النجاح في العراق انطلاقاً للحرية في كافة أنحاء المنطقة التي كانت على مدى العصور مصدر عدم استقرار.

(د) ولقد أوضحت الإدارة الأمريكية في الإستراتيجية الأمنية آليات وأساليب مساعدة الشعب العراقي لهزيمة الإرهاب من خلال ثلاث مجالات رئيسية هي:

المجال السياسي: العمل مع العراقيين على تحقيق الآتي:

  • عزل العناصر المتشددة غير الراغبة في قبول العلمية السياسية سلمياً.
  • قبول الأفراد خارج العملية السياسية والراغبين في الابتعاد عن العنف.
  • إقامة بنية وطنية ومؤسسات تعددية فعالة تحمي مصالح العراقيين.

المجال الأمني: العمل مع قوات الأمن العراقية لتحقيق الآتي:

  • مواصلة الهجوم على المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون، وقتلهم وأسرهم وحرمانهم من الملجأ الآمن.
  • تخليص المناطق التي يسيطر عليها العناصر الإرهابية بالتعاون مع قوات الأمن العراقية، على أن تبقى تلك المناطق تحت سيطرة الحكومة العراقية.
  • بناء قوات أمن عراقية، ودعم قدرة المؤسسات المحلية لتسلم الخدمات، وتقدم في تطبيق القانون، وتشكيل المجتمع المدني.

المجال الاقتصادي: العمل مع الحكومة العراقية لتحقيق الآتي:

  • إصلاح الاقتصاد العراقي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، القائم على اقتصادات السوق.
  • إعادة بناء البنية التحتية العراقية المهملة، لمواجهة المتطلبات والحاجات الاقتصادية.
  • بناء قدرة المؤسسات العراقية، والحفاظ على البنية التحتية والدخول إلى الاقتصاد العالمي، وتحسين المعيشة ورفاهية العراقيين.
  1. التوجه الأمريكي لمواجهة تهديد المصالح الأمريكية ومصالح الحلفاء من أسلحة الدمار الشامل

أوضحت وثيقة الإستراتيجية الأمنية الأمريكية 2006 بشأن ما وقع من أحداث منذ عام 2002، أن البيئة الأمنية التي تواجهها الولايات المتحدة الأمريكية حالياً تختلف بشكل جذري عمَّا واجهته سابقاً، ورغم ذلك فإن المهمة الأساسية للإدارة الأمريكية هي حماية الشعب الأمريكي والمصالح الأمريكية، والالتزام بالمبدأ الأمريكي القائم على توقع التهديدات سواء بالنسبة للزمان أو المكان، واستخدام كل القدرات الوطنية لمواجهتها، فهناك تهديدات أخطر من الهجوم الإرهابي بأسلحة الدمار الشامل، ولمواجهة ذلك يجب أن تمارس الولايات المتحدة الأمريكية حقها الطبيعي في الدفاع عن النفس، وأن تلجأ للقوة في كل الحالات لمنع التهديدات المتصاعدة.

تتطلب عملية منع انتشار أسلحة الدمار الشامل لإستراتيجية شاملة لمنع وصول تلك الأسلحة إلى الجماعات الإرهابية، كما يجب إقناع أعداء الولايات المتحدة الأمريكية بأنهم لن يتمكنوا من تحقيق أهدافهم بأسلحة الدمار الشامل، وردعهم ونصحهم بعدم المحاولة للحصول على هذه الأسلحة.

السياق الحالي للنجاحات والتحديات التي تمت منذ عام 2002

أ. كان هناك جهد واضح لحماية أمن الولايات المتحدة الأمريكية ومواطنيها بالتعاون مع المجموعة الدولية لتحقيق الأهداف المشتركة، فلقد بدأت الولايات المتحدة الأمريكية ببناء دفاعات ضد الصواريخ الباليستية للحماية من الهجمات الصاروخية من قِبل الدول المارقة التي لديها أسلحة دمار شامل، وفي هذا الإطار انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من معاهدة 1972 والخاصة بمنع انتشار الصواريخ الباليستية.

ب. في مايو 2003 أطلقت الإدارة الأمريكية مبادرة أمنية (PSI) بهدف تفعيل الجهود العالمية لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل وكذلك المواد المتعلقة بها، ولقد أبدت أكثر من (70) دولة تأييدها لهذه المبادرة، مما حقق عدة نجاحات ضد تهريب أسلحة الدمار الشامل، كما تزعمت الولايات المتحدة الأمريكية تطبيق القانون تطبيقاً واسعاً، كما كان هناك تعاون كامل بين أجهزة الاستخبارات لعدة دول ما أدى إلى القضاء على شبكة خان النووية، كما وافقت ليبيا على إنهاء برامج أسلحة الدمار الشامل، وكانت مواد نووية من شبكة خان قد منعت من الوصول إليها.

ج. نجحت الجهود الأمريكية خلال أبريل 2004 في إصدار قرار مجلس الأمن الرقم (1540) الذي يطالب الدول بتجريم انتشار أسلحة الدمار الشامل، ويفرض الرقابة على تصديرها وتمويلها، كما عملت الولايات المتحدة الأمريكية على تعزيز قدرة هيئة الطاقة الذرية الدولية لاكتشاف الانتشار النووي ومنعه، ولقد أسست الإدارة الأمريكية إطاراً شاملاً لجميع مبادرات حماية الولايات المتحدة الأمريكية خلال القرن الحادي والعشرين من الإرهاب.

د. ورغم تلك الجهود المبذولة، ما زال هناك العديد من التحديات الجديدة تتمثل في الآتي:

(1) انتهكت إيران معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وتؤكد بأن برنامجها النووي للأغراض السلمية فقط.

(2) مازالت كوريا الشمالية تتحدى المجموعة الدولية، وتفتخر بامتلاكها ترسانة نووية وبرنامج نووي.

(3) استمرار الجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة في السعي للحصول على أسلحة الدمار الشامل.

(4) تمكن بعض العلماء من تحضير بعض المواد الانشطارية الضرورية لإعداد الأسلحة النووية، غير أنها لم تؤمَّن جيداً ما يتيح الفرصة لتهريبها للجماعات الإرهابية، كما أن التقدم التقني أتاح الفرصة لجهات غير حكومية الحصول على الأجهزة ذات التقنية العالية.

  1. الإجراءات الأمريكية لمواجهة انتشار أسلحة الدمار الشامل

تعهدت الولايات المتحدة الأمريكية في وثيقة الأمن القومي بمنع وصول أسلحة الدمار الشامل للعناصر والجماعات الخطرة وذلك من خلال الإجراءات التالية:

أ. الانتشار النووي

(1) يشكل انتشار الأسلحة النووية التهديد الرئيسي للأمن القومي الأمريكي، والأسلوب المناسب للحد من طموح الدول المارقة والإرهابيين للحصول على المواد الانشطارية، وما ركزت عليه الإستراتيجية الأمريكية هو أولاً منع الدول من اكتساب الخبرات لإنتاج المواد الانشطارية المستخدمة في تصنيع الأسلحة النووية، وثانياً منع نقل تلك المواد إلى الدول المارقة أو الجماعات الإرهابية.

(2) يتطلب الهدف الأول السيطرة على منافذ إنتاج المادة الانشطارية الرخيصة، والتي يمكن أن تُستخدم في إنتاج الأسلحة النووية تحت ستار برامج الطاقة النووية المدنية، ولتحقيق ذلك يجب أن يتبع المنتجون والمصدرون الرئيسيون للمواد النووية نظاماً مقبولاً لإمداد المفاعلات النووية المدنية بحاجاتها من المواد الانشطارية بشفافية على أن تبتعد عن عمليات الإخصاب، التي يمكن أن تؤدي إلى إنتاج مادة انشطارية، يمكن أن تُستخدم في إنتاج الأسلحة النووية.

(3) لقد أخفى النظام الإيراني جهوده النووية الرئيسية عن المراقبين الدوليين، ما شكل تحدياً كبيراً للمجتمع الدولي، كما أكد الرفض الإيراني، وعدم الالتزام بالقرارات الدولية أن البرنامج النووي ليس للأغراض السلمية فقط، فهناك بيانات عدوانية من رئيس الحكومة الإيرانية ضد إسرائيل، كذلك تتبني إيران النظم الإرهابية، إضافة إلى رغبتها الواضحة في إحباط عملية السلام في الشرق الأوسط، وعرقلة الديموقراطية في العراق، ومن ثم فإن القضية النووية، والمخاوف الأمريكية الأخرى، تحتم اتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية الأمن القومي، والاقتصاد الأمريكي، ضد تهديدات النظام الإيراني ومطامحه.

(4) يُشكل نظام الحكم في كوريا الشمالية تحدياً جدياً آخر للانتشار النووي، فهناك سجل طويل من المفاوضات التي اتسمت بسوء النية والازدواجية في الماضي، حالياً هناك إجماع بين الشركاء الإقليميين (الصين ـ اليابان ـ روسيا ـ كوريا الجنوبية) على ضرورة التزام كوريا الشمالية لمطالب المجتمع الدولي، ورغم البيان المشترك الذي وُقع في سبتمبر 2005 (ومحادثات اللجنة السداسية) ووافقت خلاله كوريا الشمالية على التخلي عن برنامجها النووي، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية ستواصل ضغوطها مع اللجنة السداسية لتطبيق هذه الالتزامات، فمازال للولايات المتحدة الأمريكية مخاوف ما واصلت كوريا الشمالية أنشطتها المحظورة وتهديد جاراتها.

(5) يجب العمل على منع وصول المواد الانشطارية للدول المارقة والجماعات الإرهابية، ولتحقيق ذلك يجب مواجهة الخطر بأسلوب جديد في حماية المواد النووية والإشعاعية يختلف عما سبق، وتعتمد الإدارة الأمريكية حالياً عدة مبادرات عالمية تحقق خفض المخزون الحالي من المادة النووية، وتعقب انتقالها إلى أي مكان، حتى يمكن منع التهريب لهذه المواد، كذلك هناك جهود أمريكية/ دولية لمواجهة تهريب أسلحة الدمار الشامل سواء بحراً أو جواً.

ب. الأسلحة البيولوجية

(1) تعد الأسلحة البيولوجية تهديداً خطيراً بسبب انتشار العدوى والمرض بين عدد كبير من الأفراد حول العالم، وذلك خلال السلاح النووي، كما أن الأسلحة البيولوجية لا تتطلب بُنى تحتية أو مواد ما يمثل تحدياً كبيراً للسيطرة على انتشارها.

(2) لا بد لمنع انتشار الأسلحة البيولوجية من تحسين القدرة على اكتشافها والرد السريع على الهجمات، وتعمل الولايات المتحدة الأمريكية في إطار التعاون الدولي للكشف المبكر عن حالات التفشي المريب للأمراض، كما أن هناك جهود أمريكية للإسراع في تطوير اللقاحات الجديدة، ما سينعكس على مواجهة الأوبئة وتهديدات الصحة العامة مثل أنفلونزا الطيور.

ج. الأسلحة الكيميائية

(1) هناك نشاط كبير من جانب الجماعات الإرهابية لنشر الأسلحة الكيميائية، وتزيد الأسلحة الكيميائية عن البيولوجية باحتياجها للتقنية المتقدمة وتطوير وسائل الحمل، إضافة إلى سهولة امتلاك المواد والأجهزة اللازمة للتصنيع.

(2) لمواجهة ذلك التهديد فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل لمنع الجماعات الإرهابية من الحصول على الأسلحة الكيميائية أو مواد إنتاجها، كما تعمل على زيادة القدرة على الاكتشاف والدفاع سواء في الداخل أو الخارج.

د. متطلبات المواجهة

(1) تتطلب البيئة الإستراتيجية الحالية أسلوبي ردع ودفاع جديدين، فإستراتيجية الردع الأمريكية لن تكون في المقام الأول لتدمير الأعداء المحتملين، وكل وسائل الدفاع ضرورية للردع ومنعهم من تحقيق أهدافهم وذلك من خلال الرد بقوة.

(2) فالقوة الموثوق بها والقوة النووية المؤمنة لها دور حاسم في الردع، بالإضافة إلى الدفاع السلبي والنشط والدفاع الصاروخي، بالإضافة إلى بنى تحتية مناسبة للقيادة والسيطرة وأنظمة استخبارات، كل ذلك سيؤدي إلى ردع التهديدات الجديدة التي تواجهها الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى تعزيز أمن الأصدقاء والحلفاء.

(3) ردع الأعداء المحتملين يتطلب تعاوناً دولياً لمواجهة انتشار أسلحة الدمار الشامل، وذلك لا يقتضي استخدام القوة العسكرية، بل يمكن ذلك من خلال الدبلوماسية الدولية، ولكنَّ مبدأ الدفاع عن النفس لا يستثني على المدى الطويل استخدام القوة قبل أن يقع الهجوم المعادي، وذلك في المكان والتوقيت المناسبين.

من تحليل الإستراتيجية الأمنية للولايات المتحدة الأمريكية التي صدرت عام 2006، يتضح أن الإدارة الأمريكية اتجهت لاستخدام القوة العسكرية لمحاربة الإرهاب والدول التي تتهمها بمساندة الإرهاب، كما قامت بتنفيذ العديد من الإجراءات الهادفة إلى التصدي إلي عمليات إرهابية في المستقبل، وفي مقدمة ذلك الاهتمام بحماية البنية الأساسية للولايات المتحدة الأمريكية وتقوية نظام الدفاع المدني وتعزيز أجهزة الاستخبارات وفرض القانون، وتوفير قدر أكبر من الحماية للحدود والسواحل ومنشآت البنية الأساسية الحيوية في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال شبكة كثيفة للدفاع الجوي والصاروخي.

أكدت الوثيقة الأمنية ضرورة الاستمرار في مواجهة الإرهاب على الساحة الدولية وتطبيق سلسلة من الإجراءات الداخلية التي لم يشهد لها الوضع الداخلي مثيلاً، وقد سعت جهود تعزيز الأمن الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية إلى تحقيق العديد من الأهداف، أبرزها الحيلولة دون وقوع المزيد من العمليات الإرهابية، باعتبار ذلك الهدف هو الأكثر إلحاحاً أمام الإدارة الأمريكية، ومعالجة الثغرات التي كشفت عنها الهجمات الإرهابية، فضلاً عن السعي لتحقيق هدف نفسي رئيسي يتمثل في توفير إحساس أكبر بالأمن للمواطن الأمريكي، الذي فقد قدراً كبيراً من ثقته في قدرة حكومته على تحقيق الأمن.

تضمنت الإستراتيجية الأمنية رسالة تحذير وتهديد قوية لإيران، مفادها أن الإدارة الأمريكية قد تستخدم القوة للقضاء على التهديد النووي الذي ينبع منها، إذ تشير بجلاء إلى إيران تعد أكبر تهديد للولايات المتحدة الأمريكية، ومن الملاحظ أن الاتهامات الموجهة إلى إيران في وثيقة عام 2006 تشابه الاتهامات التي وجهت إلى النظام العراقي السابق في وثيقة عام 2002، فالولايات المتحدة الأمريكية بحسب الوثيقة الأمنية لديها مخاوف أكبر من النظام الإيراني الذي يدعم الإرهاب ويهدد إسرائيل، ويحاول نسف السلام في الشرق الأوسط، وينكر على شعبه التطلع إلى الحرية.

رابعاً: أسباب إخفاق الإستراتيجية الأمريكية تجاه الحرب على الإرهاب

من أبرز النماذج وأوضحها على الإخفاقات الأمريكية التي مُنيت بها الإستراتيجية الأمريكية، هو فشل سياسة الاحتواء المزدوج التي طُبقت ضد كل من العراق وإيران، وانتهى معها قانون دامتو بعد أن رفضت الدول الأوروبية الالتزام به، وإذا كان تأييد الدول وتعاطفها مع الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، بما في ذلك الوطن العربي والعالم الإسلامي، كبيراً، إلا أنه انحسر كثيراً بعد مرور ثلاثة أعوام، ويرجع ذلك للأسباب الآتية:

  1. إستراتيجية الإدارة الأمريكية التي اعتمدتها تجاه الصراعات الدولية ومناطق التوتر لم تحظ بالإجماع، سواء داخل الولايات المتحدة الأمريكية، أو على صعيد الدول الغربية، التي رأت أن مبدأ الحرب الوقائية لا يخدم، في النهاية، نظام الرأسمالية ومصالحه الحيوية في المنطقة العربية، كما من شأنه تقويض الدعم الذي حظيت به الحرب الأمريكية على الإرهاب.
  2. التجاهل الأمريكي الواضح لبعض الحلفاء في أوروبا، ما ساهم ظهور محور معارض في مرحلة ما (باريس ـ برلين ـ موسكو) تمكن من تقويض الجهود الأمريكية للحصول على قرار من مجلس الأمن بشن حرب ضد العراق، ولذلك شُنت الحرب دون غطاء قانوني دولي.
  3. كان اعتماد الإدارة الأمريكية على التضليل الإعلامي لإجازة خططها وبرامجها الأمنية أحد العوامل التي ساهمت مساهمة بارزة في التأثير على الرأي العام الأمريكي والعالمي، غير أن الدلائل أكدت، بعد ذلك، تراجع تأثير الدعاية الأمريكية التي كانت قد حشدت لها الإدارة الأمريكية كل إمكاناتها.
  4. إصرار الإدارة الأمريكية على خوض العديد من الصراعات في وقت واحد، مع طرح خطط متباينة التوجهات على المستوى الدولي، من غير أن تتوافر لها القدرة أو الكفاءة المناسبة لإدارة تلك الصراعات دون حلفاء فعليين، ووضح ذلك أثناء الحرب على العراق، حيث صعدت الأزمة مع كل من سورية وإيران وكوريا الشمالية إلى جانب استمرار المواجهات في أفغانستان.
  5. التناقض الفاضح بين ما تنادي به الإدارة الأمريكية من توجهات بشأن الديموقراطية وحقوق الإنسان، وبين واقع ما تفعله الولايات المتحدة الأمريكية بحق الأقليات، لا سيما المسلمين، مضافاً إلى ذلك أحداث معتقل جوانتانامو وسجن أبو غريب، ما أدى في النهاية إلى فقد السند الأخلاقي الذي كانت تعتمد عليه الإدارة الأمريكية، عند إعلان تقييمها للأوضاع الداخلية في العديد من دول العالم.
  6. الاستخدام المفرط للقوة في مواجهة قوى ضعيفة عسكرياً سواء من حيث التنظيم أو التسليح (أفغانستان ـ العراق)، وكان نتيجة استخدام الأسلحة والذخائر الأمريكية المتطورة ارتفاع نسبة الخسائر في المدنيين، ما حد من التأييد الذي كانت تحظى به العمليات العسكرية الأمريكية، ولا سيما بعد أن ساهمت وسائل الإعلام في الكشف عن الآثار الإنسانية القاسية للاستخدام المبالغ فيه للقوة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية.
  7. غموض الشق السياسي في إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية، ولا سيما إزاء العراق، وأسهم ذلك الغموض في إفشال خطط الإدارة الأمريكية في تكوين تحالف دولي يشن الحرب على العراق، زد إلى ذلك عدم تماسك الخطاب السياسي والإعلامي الأمريكي، ما دفع العديد من النُخب السياسية الغربية إلى النأي بنفسها عن مخططات الحرب على العراق وعدم التورط فيها.
  8. على الرغم من أن الإدارة الأمريكية خططت لاستخدام العديد من القوى المعارضة العراقية، للمساعدة في الحرب على العراق، إلا أنها تخلت بعد ذلك عنها وعملت على إقصائها من الحكم، وهو ما أحدث شرخاً في العلاقة بين الجانبين، وأسهم كذلك في عدم تشكيل بنيان سياسي متماسك، يقود إلى حفظ الأمن والاستقرار داخل العراق.
  9. بدء الإدارة الأمريكية بشن حملات عدائية ضد دول الجوار العراقي، حيث اعتقد مخططو الإستراتيجية الأمريكية أن التصعيد مع تلك الدول سيسهم في تعزيز سيطرتهم على العراق، ما أثار قلق تلك الدول، وجعل من مصلحتها عدم تمكين القوات الأمريكية من تحقيق الاستقرار في العراق.
  10. عدم قدرة الإدارة الأمريكية على تحويل النصر العسكري، الذي تحقق في العراق إلى نصر سياسي إقليمي، حيث كان من المفترض أن تحقق تقدماً على الساحة الفلسطينية، ولا سيما بعد طرح خريطة الطريق وإلزام الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بها، إلا أن الإدارة الأمريكية لم يكن لها القدرة على تحقيق تقدم على هذا المحور، وذلك انسياقاً وراء الرغبات الإسرائيلية.
  11. افتقاد القوات الأمريكية للفهم الكافي للخصائص والتقاليد المحافظة للمجتمعات العربية والإسلامية بصفة عامة، والعراقية بصفة خاصة، حيث أفضت عمليات الدهم واعتقال المدنيين وتعذيبهم رجالاً ونساء إلى تزايد مستوى العداء لقوات الاحتلال.

خامساً: تقرير بيكر ـ هاملتون (مجموعة دراسة العراق) وإعادة تقييم الوضع في العراق)

قدمت مجموعة دراسة العراق التي رأسها “بيكر وهاملتون” تقريرها بشأن الأوضاع في العراق، وكانت تلك المجموعة قد تشكلت بموجب قرار للكونجرس في مارس عام 2005، ولديها تفويض بتقديم تقييم حالي ومستقبلي للأوضاع في العراق، بما في ذلك تقديم اقتراحات بشأن الإستراتيجية المقترحة للعراق والشرق الأوسط. ولقد عرضت اللجنة تقريرها يوم 7 ديسمبر 2006، وقد استغرق إعداده ثمانية أشهر، حيث أعلن المشاركون فيه أنهم وصلوا إلى استنتاج بأن الولايات المتحدة الأمريكية قد خسرت الحرب، وأكدوا ضرورة إعادة تعديل مهام القوات الأمريكية لتقوم بعمليات الدعم وليس بعمليات قتالية، وإعادة تمركزها بعيداً عن المدن، كما حدد التقرير عام 2008 توقيتاً مناسباً لسحب معظم القوات الأمريكية من العراق.

ولقد خلص تقرير اللجنة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية نشرت حوالي 140 ألف جندي في العراق، قُتل منهم أكثر من 2900 جندي أمريكي، وجُرح حوالي 22 ألفاً آخرين، وتجاوزت نفقات الحرب 350 مليار دولار منذ غزو العراق في مارس 2003، وطغت أعمال العنف الطائفية في العراق منذ صيف 2006 على المواجهات بين القوات الأمريكية وفصائل المقاومة العراقية، حيث قُتل حوالي 13 ألف مدني خلال أربعة أشهر فقط.

كما أشار تقرير مجموعة دراسة العراق بوضوح تام إلى أن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في العراق غير فاعلة، وأن النفوذ الأمريكي هناك في تضاؤل مستمر، ولذلك أوصت اللجنة بضرورة تغيير المهمة الأساسية للقوات الأمريكية بما يتيح سحبها بطريقة مسؤولة، كذلك طالبت اللجنة خفض دعمها السياسي والعسكري والاقتصادي، حال فشل الحكومة العراقية في إحراز تقدم بشأن تأمين البلاد وتحقيق الاستقرار.

ولقد حذر التقرير من مغبة استمرار تدهور الأوضاع في العراق، ما يزيد من مخاطر الانزلاق نحو فوضى قد تؤدي للإطاحة بالحكومة العراقية، وظهور كارثة إنسانية، مع الوضع في الاعتبار أن قضايا العراق لن تُحل بالعمل العسكري وحده، وفي ذات الوقت لم يركز التقرير على ضرورة وجود جدول زمني لسحب القوات الأمريكية من العراق.

ولقد تعرض التقرير لأهمية تحرك الإدارة الأمريكية بشأن سلام شامل في الشرق الوسط من أجل إرساء الاستقرار سواء في العراق، أو منطقة الشرق الأوسط من خلال تقديم مبادرة سياسية جديدة لحل النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، وحثت المجموعة في تقريرها إلى إجراء تغيير جذري في سياسات الحرب، مع ضرورة بدء مفاوضات مباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وكلٍ من إيران وسورية.

ولقد اعترف الرئيس الأمريكي بأن الوضع في العراق سيء، حيث أكد أن تقرير لجنة “بيكر ـ هاملتون” يتطلب إجراء دراسة جديدة، وإذا كان العنف هو إستراتيجية مقصودة في العراق بهدف التأثير على الديموقراطية، ومن ثم يجب التصميم على هزيمة الإرهاب، وذلك من خلال البحث عن نهج جديدة في العراق بصفة خاصة ومنطقة الشرق الوسط بصفة عامة، كما أكد تشكيل لجنة أخرى لتقييم شامل للأوضاع في العراق، وسيتخذ القرارات المناسبة بشأن الإستراتيجية الأمريكية التي يجب الالتزام بها تجاه العراق..

نتائج الحرب على الإرهاب وآثارها على المنطقة ومستقبل الحملة الأمريكية ضد الإرهاب

تسارعت وتيرة الوقائع الناجمة عن الحرب العالمية (الأمريكية) ضد الإرهاب، منذ الحادي عشر من سبتمبر2001، تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل حكومة الرئيس جورج بوش الابن والمحافظين الجدد، والتي أدت إلى نشوب حربين في عامى2001، 2003 في أفغانستان والعراق.

ويؤكد الخبراء، أن الولايات المتحدة الأمريكية استغلت أحداث 11 سبتمبر والحرب ضد الإرهاب لتحقيق هدف مزدوج وهو السيطرة على أفغانستان من ناحية، وبسط سيطرتها على منطقة آسيا الوسطى من ناحية أخرى، إضافة إلى السيطرة على منابع النفط في منطقة الخليج باحتلالها للعراق، والوصول إلى بترول بحر قزوين، ومن ثم فمن المهم أن نوضح في البداية، التداعيات لحربَي أفغانستان والعراق على المنطقة العربية بصفة عامة ومنطقة الخليج بصفة خاصة.

أولاً: آثار حربَي أفغانستان والعراق على منطقة الخليج (المنطقة الأكثر تضرراً)

تدل دروس التاريخ على أنه لا توجد حربان متماثلتان في أسباب نشوبهما، وظروف شنهما، أو في مسار تطورهما، أو في آثارهما، نظراً لاختلاف العوامل الذاتية والموضوعية، ومع ذلك لا يجانبنا الصواب إذا قلنا إن الحربين- في الشكل أو الصورة العامة أو حتى في المضمون- جمعهما توجه الولايات المتحدة الأمريكية الإستراتيجي إلى محاربة الإرهاب عالمياً، حيث (أحداث 11 سبتمبر 2001) سواء أكان منفذها جماعات إرهابية مثل شبكة “تنظيم القاعدة” أو وجود أنظمة سياسية ودول صنفت، وفقاً للتصور الأمريكي، راعية للإرهاب، مثل: طالبان في (أفغانستان)، والعراق في ظل حكم صدام حسين، وذلك من خلال توفير الملجأ أو تقديم السلاح والعتاد والمال، إلى غير ذلك.

ولقد ظل التركيز الأمريكي في الحالة الأفغانية، يهدف إلى القضاء المبرم على تنظيم القاعدة واجتثاث قوته كلها، انطلاقاً من مركزه في أفغانستان، حيث تدعم وجوده لفترة طويلة نسبياً من قبل نظام طالبان. ومن ثم كان من المفترض، في حالة النجاح الأمريكي في جهود مكافحة الإرهاب في أفغانستان، أن تتواصل الحملة بشكل أكبر في بعدها الدولي. ومن منظور مكمل، ورد ما يفيد أن الولايات المتحدة الأمريكية استطاعت أن تقضى على سبعين بالمائة تقريباً من قيادات القاعدة الرئيسيين وكوادرها، ومع ذلك لم تنجح حتى الآن في محاولات إلقاء القبض على زعيم القاعدة حياً أو ميتاً، على الرغم من إلقاء القبض على عديد من معاونيه ومريديه.

وفى المقابل، استطاعت القوات الأمريكية إلقاء القبض على عدد مهم من معاوني الرئيس العراقي السابق صدام حسين، بل أُلقي القبض على صدام ذاته، في منتصف ديسمبر 2003[1]. والشيء المشترك من آثار الحربين الأفغانية والعراقية، هو له صلة بالحملة العالمية المعادية للإرهاب التي أخذت أشكالاً مختلفة، منها التبادل المستمر للمعلومات الاستخبارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وأصدقائها، ومسألة تجفيف منابع الإرهاب الحالية والتي يجيء جزء رئيسي منها من بعض دول المنطقة.

وفى الحالة العراقية، فقد تركزت الجهود الأمريكية والبريطانية منذ اللحظات الأولى، عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، على إنهاء وجود النظام العراقي الديكتاتوري، بالنظر إلى مخاطره المستقبلية على الأمن القومي الأمريكي، كما يفهم في إطاره الواسع، وبالنظر إلى امتلاكه أسلحة الدمار الشامل واستخدامها ضد شعبه، وضد جارته الرئيسية إيران في عام 1988. وأضيف واقع آخر – ركزت عليه الإدارة الأمريكية- وهو احتمال تزويد النظام العراقي لشبكات الإرهاب بأسلحة الدمار الشامل.

ويعد امتلاك الأسلحة في التصور الأمريكي، مصدر خطر جدي، ليس على الأمن الأمريكي فقط، وإنما على الأمن الإقليمي كذلك، لا سيما في مناطق ذات أهمية حيوية جيواستراتيجية واقتصادية (نفطية) للولايات المتحدة الأمريكية، تلتزم الأخيرة بحماية أمنها. ولكن تبين من المنظور الموضوعي، أن قوة العراق العسكرية والاقتصادية، قد كاد يُقضى عليها، بفعل جهود سابقة ناجحة إلى حد بعيد، قامت بها الأونسكوم (اللجنة الخاصة التابعة للأمم المتحدة) أسفرت عن تدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية، يواكب ذلك غياب واضح للسيادة العراقية، وحصار اقتصادي شديد، وأنظمة رقابة صارمة.

ومقارنة مع العراق، تمثل أفغانستان بوصفها “دولة عازلة Buffer state” مصدر تهديد عسكري محتمل لمنطقة الخليج العربي، لا في الماضي ولا في الحاضر، ولا حتى في المستقبل القريب، ولكنها شكلت في آسيا الوسطى ، نوعاً آخر من التهديد، تمثل في الخوف من تأثير انتقال الأشخاص الذين يعتنقون الأفكار الأصولية الإسلامية إلى تلك المنطقة. وتعيش أفغانستان اليوم في شبه احتلال نظراً لاستمرار وجود قوات حلف الناتو والقوات المساعدة على حفظ الأمن الدولية (إيساف) والقوات الأمريكية التي وصل عددها إلى عشرة آلاف جندي.

هذا، وتشير الصورة القائمة، إلى أن الولايات المتحدة ما تزال هي اللاعب الإستراتيجي الرئيسي في تشكيل تلك الأحداث. وبناء على ذلك، فإن لتصوراتها ولدورها الجيواستراتيجى ثقلاً أساسياً في تشكيل أية خطة إستراتيجية عالمية أو إقليمية، كتلك التي تخص أمن الخليج العربي، أو أمن منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة، والواقع أن الإدارة الأمريكية التزمت بعد أحداث 11 سبتمبر، تعزيز موقف قوامه تعبئة كل أنواع الجهد الأمريكي، من أجل معركة لا تعرف مكانا أو زماناً في محاربة الإرهاب من مواقع انطلاقه، بسرعة ودون تردد أو انتظار طويل.

من هنا تنبع سيطرة أفكار محورها، رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في التدخل العسكري، شن ضربات استباقية عسكرية ضد أعدائها. كما أن المنطق الاستبدادي القائم على القوة العسكرية، وليس تعدد الآراء – المبنى على سمة المشاركة والحوار حول قضايا متعددة- هو الذي دفع الولايات المتحدة الأمريكية، للقيام بالحملات العسكرية ضد طالبان والقاعدة في أفغانستان إلى حدود معينة، ثم في العراق لإنهاء حكم صدام حسين من هذا المنطلق، ومع تقديم مختلف المسوّغات الخاصة بمحاربة الإرهاب عسكرياً، والتخلص من الأنظمة المارقة” أو دول “محور الشر”، فلم يعد هناك قيمة تُسوغ اتخاذ إجراء دبلوماسي أو سياسي، ما دامت الإدارة الأمريكية، قررت سلفاً المضي في حسمه بالقوة العسكرية، والذي أدى، بالطبع، إلى غزوها العراق في مارس 2003.

ثانياً: تأثير الإرهاب ضد الإرهاب على إقامة نظام أمنى خليجي مشترك

يقتضى إمكان إقامة نظام أمنى خليجي مشترك، البدء بمواجهة تحديات المرحلة المقبلة التي تتركز على عدة هواجس مركبة، تجد جذورها أساساً في الهاجس الأمني- السياسي- الإستراتيجي، بالارتباط مع عدة هواجس أخرى ما زالت تتفاعل في منطقة الخليج العربي، نتيجة لتداعيات الحربين العراقية والأفغانية.

وتثار عدة تساؤلات هامة حول مدى تمكن العراق وأفغانستان من بناء وطن أو دولة مستقرة في المديين القريب والمتوسط، أو حتى في المدى البعيد نسبياً، حيث إنَّ بناء الدول الحرة والمتماسكة نسبياً غاية في الصعوبة، على الرغم من المخزون الحضاري للعراق، وبدرجة أقل كثيراً لأفغانستان. وبالطبع ليس من السهل التنبؤ بما ينطوي عليه المستقبل في ظل ظروف سياسية وأمنية واقتصادية تتراجع وتبتعد عن الخط المرسوم لها في مسألة تأسيس الاستقرار والتنمية السياسية المرغوب فيها، وينطبق ذلك على كل من “العراق الجديد”، وأفغانستان، حيث لا يزالان يعيشان حالة من افتقاد وجود نظم سياسية مستقرة ومقبولة جماهيرياً.

إن بناء أفغانستان أو “عراق جديد” سياسياً واجتماعياً وثقافياً مسألة غاية في الخطورة، لأن الفشل في تحقيق هذه المهمة سيؤدى إلى نتائج من الصعب التكهن بها، والتي ستؤثر بالطبع، وتترك تداعياتها في المستقبل على منطقة الخليج العربي بصفة خاصة، كما أن الفشل في تشكيل نماذج وطنية شرعية بالعراق أو أفغانستان، قد يؤدى إلى انتقال التأثيرات الطائفية والعرقية إلى جيران العراق، وإلى احتمال فرض قيود على دور بعض الجماعات الطائفية والعرقية وغيرها وحركتها، ما سينعكس سلباً على استقرار المحيط الإقليمي، وقد يوفر المناخ المواتي لانتعاش حركات الإرهاب وشبكاته. فهل من الممكن للعراق الجديد، أن يستغل سيطرة الشيعة على الحكم، بتوظيف التخريب السياسي ضد بعض الدول الخليجية بعينها. ومن منظور آخر، تعد الليبرالية العراقية توجها منافساً قوياً لبعض النظم في الخليج التي لا تزال تعتمد في أساسياتها على الصيغة التقليدية الدينية المحافظة. من هنا ترى بعض النظم الخليجية، أن العراق النشط سياسياً والليبرالي النزعة، هو الركيزة الإقليمية المنافسة لها من المنظور الجيواستراتيجي الأمريكي.

وإذا تحدثنا عن إيران، التي هي جزء من النظام الأمن الخليجي، فعلى الرغم من انتشار المصالح الإيرانية على أكثر من ساحة إقليمية (أفغانستان – آسيا الوسطى)، يبقى اهتمامها الرئيسي بالخليج العربي، لأنه الأكثر قرباً، وتركيزاً بفعل تركز مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية الحيوية في محيطه. وليس هناك من شك في إن وجود قوات التحالف الدولي في العراق، لن يغير من الموقف الأمريكي كثيراً، حيث لازال العراق يخضع لظروف الضغط والتأثير الأمريكيين في أي حكومة عراقية، طالما ظلت القوات الأمريكية بالعراق.

وفى إطار العلاقات الإيرانية – الخليجية، فلا تزال لإيران مصلحة حيوية في عدم إثارة توتر جديد مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بل وتفضل تعزيز العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية معها، وعلى سبيل المثال، فقد وصلت قيمة التبادل التجاري الثنائي (السعودي – الإيراني) إلى 4ر1مليار دولار في عام 2001، كما إن إيران نجحت في عقد عدة اتفاقيات مع بعض دول الخليج ، خاصة فيما يتعلق بإمداد الأخيرة بالمياه، وعلى سبيل المثال تزايدت العلاقات التجارية بين دولة الإمارات وإيران إلى حدود فاقت 3 مليار دولار في عام 2001.

ومن الواضح أن أية سلطة جديدة في العراق- خاصة مع سيطرة الغالبية الشيعية في نظام الحكم- ومهما كانت الضغوط الأمريكية عليه، فإنها لن ترتكب حماقات النظام العراقي السابق، مثل إثارة الحروب والمجابهات أو نقل الصراعات الداخلية إلى إيران، كما لن يكون من مصلحة إيران في الوقت ذاته أن تتدخل في شؤون العراق الداخلية، بل يجب أن يعمد الطرفان العراقي والإيراني إلى إغلاق ملف الحرب السابقة كلياً، باعتباره من تركة النظام القديم.

ثالثاً: شبكات الإرهاب والتداعيات الإقليمية والدولية في ضوء حربَي أفغانستان والعراق

تشير الدلائل، إلى أن ما يحدث في العراق وأفغانستان من أعمال عنف أو إرهاب، هو نتيجة واضحة لظاهرة الهيمنة الاستعمارية، حيث ترفض الشعوب في التدخل الخارجي في شؤونها، وثم فإن مقاومة المحتل تعد أمراً طبيعياً. ليس هذا فحسب، بل هناك وضوح رؤية لحقيقة مؤداها أن الولايات المتحدة الأمريكية لا ترغب في تشكيل عراق حر ذي نظام فاعل وحقيقي متمتع بالسيادة.

وتشير جريدة واشنطن بوست في عددها الصادر في 18 مارس 2004، بأن هناك ثلاث مجموعات، تقوم بأعمال العنف في العراق: أولاها “أنصار الإسلام التي لديها علاقات مع القاعدة، ومركزها الرئيسي في شمالي العراق، والجماعة الثانية هي “أنصار السنة” وتتألف من ثماني جماعات مكونة من الأجانب والعراقيين المتشددين، والثالثة هي الممثلة لتنظيم القاعدة.

ومن ثم يتضح لنا:

  1. إن أعمال العنف الشديدة في العراق، قد خلقت حالة عدم استقرار واضحة، ولكنها في الوقت نفسه، لم تفت في عضد الوحدة الوطنية بين الطوائف والأعراق، ولو أنها جرَّت العراق إلى ما يشبه الحرب الأهلية بين الطوائف والأعراق.
  2. إن الفيدرالية – التي تجد تأييداً من الأكراد وبعض جماعات الشيعة- يمكن أن تؤدى إلى تقسيم العراق في المستقبل، وهنا، بالطبع، مكن الخطورة.
  3. استمرار الشد والجذب بين العراق وجيرانه، فيما يخص عمليات التسلل عبر الحدود الإقليمية إلى داخل العراق. وقد تنظر دول الخليج إلى العراق وأفغانستان على حد سواء على إنهما يشكلان خطراً كامناً نابعاً من التحدي المرتبط بانتقال الأفكار المتطرفة، والأشخاص الذين ينتمون إلى تنظيمات إرهابية عبر دول الجوار.

ومن أهم تداعيات حربي العراق وأفغانستان في الخليج العربي كيفية سير عمليات بناء الدولة والأمة وبناء الوطن، ليس في العراق وأفغانستان فحسب، وإنما في المنطقة كلها ومع استمرار الانفلات الأمني في العراق وأفغانستان وتصاعد العنف، فإن بناء الدولتين يصبح أمراً صعباً، وينعكس ذلك على نموذج الاستقرار والديمقراطية والتنمية الإنسانية في منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة، والخليج بصفة خاصة.

ومن النقاط الجديرة بالذكر، مسألة العلاقة الجدلية بين ضرورة توافر الأمن الداخلي والإقليمي عبر الحدود مع دول الجوار، وانتعاش العلاقات التجارية، حيث إن التقارير التي تخرج من العراق، تشير إلى أن الحياة التجارية بدأت تعود إليه تدريجياً وسريعا في بعض الأحيان، وهذا أمر رضيت عنه مختلف فئات الشعب العراقي، ولكن مشكلة عدم الاستقرار الأمني واستمرار الهجمات ، تثير الكثير من الهواجس حول كيفية تعامل العراق مع جيرانه، كما تشير إلى القلق المشروع حول مستقبل العراق الاقتصادي طويل المدى، ولا سيما في مسألة تدفق الاستثمارات المالية من قبل بعض الدول. غير أنَّ المساعدة في إعادة إعمار العراق أو أفغانستان ضئيلة حتى الآن، بسبب الدور الأمريكي المهيمن على عمليات إعادة الإعمار، وهناك مشكلة ديون العراق المتراكمة، التي وصلت إلى 310 مليار دولار، والتي عجزت محاولات صندوق النقد الدولي، حتى الآن، عن تقليصها.

وهناك مشكلة إنتاج المخدرات والاتجار بها، والتي أصبحت هماً أفغانيا وخليجيا، خاصة بعد الغزو، حيث تنتج أفغانستان ثلاثة أرباع الإنتاج العالمي من المخدرات، ووصل ما حصلت عليه من تجارة الأفيون إلى 2ر1 مليار دولار عام 2002، وهو ما يوازى 20% من الناتج القومي للبلاد، والأخطر من هذا. أن العراق أصبح مركزاً وسيطاً لنقل هذه السموم عبر أراضيه إلى الدول المجاورة، خاصة إلى دول الخليج العربي.

رابعاً: تأثير تداعيات الحرب ضد الإرهاب على الشرعية الدولية من منظور النظام العالمي الجديد

لقد مرت الشرعية الدولية بثلاث مراحل متتالية، فمنذ البداية، وربما قبل أحداث سبتمبر، فإن الولايات المتحدة كانت تحاول تسخير إمكانات منظمة الأمم المتحدة وجعلها إحدى آليات تنفيذ سياستها، ومع تصاعد تداعيات أحداث سبتمبر، فقد سخرت أمريكا، الأمم المتحدة لمصلحتها، واستصدرت ثلاثة قرارات متتالية، هي التي استندت عليها في إعلان الحرب على الإرهاب”.

كان القرار الأول هو القرار 1368 (12 سبتمبر 2001)، حيث أكد أنَّ حق الدفاع عن النفس حق أصيل للدول سواء بشكل فردى أو جماعي، ودعا القرار جميع الدول الأعضاء للتعاون من أجل الوصول إلى منظمي ومرتكبي هجوم سبتمبر، وتنفيذ الاتفاقات الدولية الخاصة بمكافحة الإرهاب. ثم استصدرت القرار الرقم 1373 (28 سبتمبر 2001)، والذي اتسم بالانتقال إلى العمل وفق أحكام الفصل السابع من الميثاق، وحدد ثلاث حزم من الالتزامات الدولية على الدول الأعضاء: بمنع تمويل الأعمال الإرهابية، والامتناع عن تقديم أي نوع من الدعم للمنظمات الإرهابية، وتبادل المعلومات الخاصة بأعمال الشبكات الإرهابية وتحركاتها، ثم صدر القرار الرقم 1377 (12 نوفمبر 2001) والذي صدر مع تأكيد احتمالات النصر في أفغانستان ليؤكد على خطورة الإرهاب، ويمنح الولايات المتحدة الأمريكية الفرصة للانتقال إلى مرحلة جديدة.

وبناءً على قرار مجلس الأمن الرقم (1377) تشكلت لجنة لمكافحة الإرهاب، من رئيس وفد المملكة المتحدة رئيسا، ومن رؤساء وفود الاتحاد الروسي وكولومبيا وموريشيوس نوابا للرئيس، ومن رؤساء وفود أوكرانيا وايرلندا وبنجلاديش وتونس وجامايكا وسنغافورة والصين ومالي والنرويج والولايات المتحدة الأمريكية أعضاء. وقد تحدد اختصاص هذه اللجنة بمتابعة قيام الدول بتنفيذ الأتي:

  1. منع ووقف تمويل الأعمال الإرهابية وتحريم قيام رعايا الدول عمداً بتوفير الأموال أو جمعها في أرضها لاستخدامها في تمويل الأعمال الإرهابية، وتجميد الأصول المالية والموارد الاقتصادية للأشخاص الذين يرتكبون الأعمال الإرهابية أو يشرعون في ارتكابها، أو لكيانات يمتلكها هؤلاء الأشخاص، وحظر قيام رعايا هذه الدول أو أي أشخاص أو كيانات على أراضيها بإتاحة أي أموال أو أصول مالية أو موارد اقتصادية أو خدمات مالية للإرهابيين.
  2. الامتناع عن تقديم أي دعم صريح أو ضمني للإرهابيين، بما في ذلك الدعم الثقافي أو الإعلامي لمنع انضمام أعضاء جدد للجماعات الإرهابية.
  3. عدم تزويد الإرهابيين بالسلاح، وعدم توفير الملاذ الآمن لهم، أو لمن يمولون العمليات الإرهابية أو يديرونها أو يدعمونها.
  4. تقديم أي شخص يشارك في تمويل العمليات الإرهابية أو إدارتها أو إعدادها أو ارتكابها أو دعمها إلى العدالة.
  5. تجريم الأعمال الإرهابية في القوانين والتشريعات المحلية وتصنيفها جرائم خطرة وإيقاع عقوبات رادعة بمرتكبيها، تتناسب جسامة خطرها.
  6. قيام الدول الغنية بتقديم الخبرات والإمكانات، وتزويدالدول المطالبة بأقصى قدر من المساعدة.
  7. منع تحركات الإرهابيين أو الجماعات الإرهابية عن طريق فرض ضوابط فعالة في المنافذ والحدود واتخاذ تدابير فعاله لمنع تزوير أو تزييف أوراق إثبات الهوية.
  8. التعاون بين الدول في مجال تبادل المعلومات، وفى الشئون الإدارية والقضائية لمنع ارتكاب الأعمال الإرهابية.
  9. احجام الدول عن منح حق اللجوء السياسي، إلاَّ لمن يستحقه طبقاً للأحكام الصادرة في ذلك الشأن في القوانين الوطنية والاتفاقات الدولية.

أدى إصرار التوجه الأمريكي نحو الحرب على العراق، وتصاعد المعارضة الدولية، إلى انتقال الإدارة الأمريكية لمرحلة جديدة، تنفض يدها – من خلالها- عن الشرعية الدولية، وكان الهجوم الشرس الذي شنه الرئيس بوش في أكتوبر 2002، ووصف الأمم المتحدة، بأنها تشبه “عصبة الأمم”، التي لم تنجح في إيقاف انزلاق القوى المختلفة إلى الحرب العالمية الثانية. بمعنى أن الولايات المتحدة الأمريكية يمكنها الإطاحة بالأمم المتحدة وتصعيد نظام دولي جديد يتناسب مع المتغيرات السائدة. وقد أصدر مجلس الأمن في أعقاب ذلك القرار الرقم (1441) الذي يحدد عودة المفتشين عن الأسلحة للعراق، على أن ينصاع العراق لمقتضيات النظام والقانون الدولي، وكان تفسير الولايات المتحدة للقرار أنه إعلان حرب على العراق، ولكن تفسير الدول المعارضة كان غير ذلك، وأن إعلان الحرب لابد أن يصدر بقرار جديد من مجلس الأمن وعموما، فقد تخلت الولايات المتحدة الأمريكية، عن الشرعية الدولية، وقررت شن الحرب على العراق وذلك ما أعلنه الرئيس بوش في مؤتمر “جزر الآزور” في 16 مارس 2003.

خامساً: تأثير الحرب على الإرهاب على الاقتصاد العالمي

وهو تأثير لم يستثن أي دولة في العالم، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، التي تأثر اقتصادها بشدة، وظهرت آثار ذلك على الاقتصاد العالمي كله، ووقع التأثير الأكبر على الدول النامية، والدول متوسطة القدرة، بينما تمكنت الدول الغنية من استيعاب التأثيرات السلبية، وقد وصلت تكاليف الحرب ضد الإرهاب في عامها الثالث، إلى نحو 78 مليار دولار، كذلك فإن إعمار العراق لم يتحقق برغم المخصصات التي وصلت إلى 36 مليار دولار، كما تزايدت أسعار النفط إلى أرقام قياسية تعدى سعر البرميل 60 دولار، بما يشير إلى زيادة ركود الاقتصاد العالمي.

سادساً: تداعيات الحرب ضد الإرهاب على منطقة الشرق الأوسط عامة والوطن العربي خاصة

إن الولايات المتحدة الأمريكية في إعلان حربها ضد الإرهاب، ارتكزت على محددات رئيسية لسياسة الهيمنة التي تتبعها الدول الكبرى من أجل تحقيق أهدافها على المستوى الدولي، والتي تمثلت في الآتي:

  1. أن المصلحة الوطنية للولايات المتحدة الأمريكية تأتي على قمة الغايات القومية التي تحددها إستراتيجيتها الشاملة، ومن هنا يستند العمل السياسي والدبلوماسي، وممارسة الدولة لسياستها الخارجية على قوى الدولة الشاملة، وعندما يكون هناك تهديد أو مساس بالمصالح الأمريكية أو أمنها الشامل، فإن الحركة السياسية والدبلوماسية تسير على منهج المشاركة والتكامل طبقاً لإستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية.
  2. إن القوى الشاملة للدولة – وفى مقدمتها القوى العسكرية- هي السند الرئيسي لسياسة الدولة في تحقيق أهدافها، والقدرة السياسية لابد لها من قوة عسكرية تعتمد عليها في فرض الإرادة واستخدامها عند اللزوم، خاصة عندما تتعارض مصالح الدولة مع مصالح أخرى مضادة، أما القول بأن السياسة تستند على القانون والشرعية الدولية، فهي مقولة أثبتت عدم جدواها، خاصة في عالم أحدي القطبية.
  3. إن الهيمنة والتوسع لدى الدول الكبرى، قانون أزلي استمر عبر التاريخ من خلال صعود وهبوط دول وإمبراطوريات، كل منها كانت لديه مقومات التوسع التي يفرضها على الغير، والآن فإن الولايات المتحدة الأمريكية تفرض قانونها من خلال العولمة، وإدعاء حقوق الإنسان، والحرب ضد الإرهاب هي وسيلة لتحقيق تلك الغاية من أجل تحقيق الهيمنة على العالم.

إن الحرب ضد الإرهاب، وعلى مدى السنوات الماضية، أدت إلى تداعيات حادة على مستوى العالم والمنطقة وسوف تظل تلك التداعيات تؤثر على المقومات الرئيسية لسياسات دول العالم بصفة عامة، والدول العربية بصفة خاصة لفترة طويلة قادمة، وهذه التداعيات تتمثل في الآتي:

  1. احتلال العراق وأفغانستان من خلال حربين شنتهما الولايات المتحدة الأمريكية، وبرغم الاحتلال بقوات عسكرية كبيرة، إلا أن الاستقرار وتحقيق أهداف الحرب على كل منهما، لم يتحقق حتى الآن، وتشعر الإدارة الأمريكية أنها تورطت في هذين الحربين، بما ينعكس آثاره في إجراءاتها الحالية ضد الشعب العراقي نفسه، كما حدث في الفلوجة (نوفمبر 2004) وسامراء والموصل، خلال الفترة نفسها.
  2. الوجود العسكري الكثيف في منطقة الخليج العربي، دون تحديد زمن لانهائه، وقد اكتسب هذا الوجود شرعيته عبر اتفاقات أمنية بين كل دولة من دول الخليج منفردة مع الولايات المتحدة الأمريكية أو مع بريطانيا أو فرنسا، أو حتى مع روسيا والصين، ومن خلال هذا الوجود، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتمزيق وحدة مجلس التعاون الخليجي، كما حدث في حالة استقطاب دولة قطر.
  3. التأثير النفسي الحاد على شعوب المنطقة، نتيجة توجيه اتهامات باطلة لعقيدة الإسلام السمحة التي تدين بها شعوب المنطقة، وربط الدين بالإرهاب، وهو أمر غير مقبول.
  4. المؤثرات الاقتصادية التي أصابت الدول العربية ودول الشرق الأوسط نتيجة تداعيات الحرب، والتي أثرت بدورها على المجتمع العربي.
  5. توجه الغرب نحو فرض “مبادرة الشرق الأوسط الأوسع” على دول المنطقة، وتكليف حلف شمال الأطلسي بتنفيذ هذه المبادرة في نطاق مهمته الجديدة على المستوى العالمي.
  6. السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، والتي تكيل بمكيالين، بما أدى إلى تعميق فجوة عدم الثقة ما بين الشعوب العربية، وسياسة الولايات المتحدة والتي وصلت إلى درجة، كراهية أمريكا، كما تصفها وسائل الإعلام الأمريكية نفسها. ويتأسس ذلك على مواقف الولايات المتحدة من تشجيع إسرائيل للبطش بالفلسطينيين، واستصدار قانون معاقبة سورية، واستصدار قرار مجلس الأمن الرقم 1559/2004 بشأن انسحاب سورية من لبنان، وللقرار الرقم 1564/2004 بشأن اتخاذ حكومة السودان لإجراءات حماية حقوق الإنسان في دارفور، والتلويح المستمر لتوجيه ضربات عسكرية لكل من سورية وإيران، والتدخل في شؤون السودان وإصدار القرار 1706/2006 بإرسال قوات دولية في إقليم دارفور.
  7. كما أطاحت الولايات المتحدة الأمريكية بالشرعية الدولية في حربها على الإرهاب، وهى سابقة يمكن تكرارها في أي وقت، خاصة مع تبنيها إستراتيجية عسكرية تتجه نحو شن الحروب ضد أي دولة من الدول التي تصفها “بدول محور الشر” أو “الدول المناوئة” أو “دول مارقة”.

سابعاً: تأثير تنامي ظاهرة الإرهاب على الوطن العربي

إن الإرهاب أضحى ظاهرة شملت معظم أجزاء الوطن العربي، كما تعددت صورة الإرهاب من إرهاب أفراد أو منظمات إلى إرهاب دولة، المتمثل في نظام الحكم، أو إرهاب الدولة الموجه لدول أخرى، والحرب ضد الإرهاب لم توقف الإرهاب، الذي يغير دائماً من صوره، كما أدى الإرهاب إلى نتائج سلبية على العالم العربي، يمكن إيجازها في الآتي:

  1. التأثير على الأمن الداخلي في البلاد العربية، والتأثير على منجزات هذه الدول.
  2. تشويه صورة الإسلام في العالم.
  3. إعطاء الفرصة للنظام العالمي الجديد بكل أركانه لتوجيه الضغوط إلى الدول العربية، ومنطقة الشرق الأوسط التي ينتشر الإسلام في ربوعها، وكانت أبرز هذه الضغوط” مبادرة الشرق الأوسط الأوسع.
  4. التأثير بشدة على اقتصادات بعض الدول العربية نتيجة لانحسار الاستثمار، وتقليص حجم السياحة وغيرها.
  5. إثارة الخوف داخل المجتمعات العربية، وعدم طمأنينة الإنسان العربي في يومه وغده.
  6. التأثير على هيبة النظم في العديد من الدول التي عاشت دائماً في حالة من الاستقرار السياسي.

ثامناً: الوجود الأجنبي الكثيف بالمنطقة بوصفه تداعيات الحرب على الإرهاب

ومن الواضح أن الوجود الأجنبي لا يقتصر على دول الخليج والعراق، ولكن هناك توجه أمريكي لإرسال قوات إلى الدول العربية في الشمال الإفريقي، وفى الغرب والشرق الإفريقيين في دول غير عربية، إلى جانب وجودها في آسيا، وهذا هو جوهر الإستراتيجية الجديدة لانتشار القوات الأمريكية في القرن الجديد، التي أعلنها الرئيس الأمريكي جورج بوش في أغسطس 2004.

والوجود الأمريكي بهذه الكثافة، سوف يؤثر على أي إستراتيجية عربية، في كل المجالات، وفي السياق نفسه، فإن عدم تحديد مدة زمنية لهذا الوجود، من شأنه أن يربك الدول العربية وسياساتها المستقبلية، إلى جانب أن هذا الوجود سيؤدي إلى تصاعد ظاهرة الإرهاب تحت ذريعة مقاومة الاحتلال، وبما يزيد من تعقيد مسار آليات تفعيل الإستراتيجية العربية، وهو ما يجب أن تلتفت إليه الإستراتيجية العربية المقترحة، فتجعل همها تقليص هذا الوجود على المدى القصير أو المتوسط، واستبدال الاتفاقيات الأمنية مع الغرب باتفاقيات أمنية عربية.

تاسعاً: النتائج التي أفرزتها أحداث 11 سبتمبر على التوازن الإقليمي وعلى الخريطة السياسية الإقليمية

أفرزت أحداث الحادي عشر من سبتمبر حقائق جديدة: أهمها أن ملامح النظام العالمي الجديد، قد اكتملت أركانه والتي تشير إلى الآتي:

  1. أن الولايات المتحدة الأمريكية قد أكدت زعامتها لهذا النظام.
  2. أن القوى الأخرى التي كانت مرشحة لمنافسة الولايات المتحدة في النظام العالمي الجديد، قد أبدت تعاونا معها ووافقت على الانضمام للتحالف، بل إن دولة مثل الصين، قد أعلنت أنها لا تفكر في منافسة الولايات المتحدة الأمريكية، وأن إستراتيجيتها تتركز نحو الوصول لمصاف الدول المتقدمة خلال نصف القرن الحالي، ومن هنا فإن منافسة الولايات المتحدة الأمريكية على زعامة النظام العالمي لم تعد واردة على المديين المتوسط أو البعيد.
  3. أن توجهات الصراع العسكري أخذت طابعاً مخالفاً تماماً للأزمات السابقة، وأصبح الصراع يأخذ طابعاً دولياً، ومن خلال تحالف تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، وتنضم إليها العديد من الدول، مع توجه الصراع إلى قضايا طابعها دولي وحضاري مثل “الحرب ضد الإرهاب”.
  4. أن انعكاسات الأزمات التي تحدث في أي مكان بالعالم، تصيب الدول جميعها طبقاً لبعدها أو قربها من الأزمة، وأقرب مثال على ذلك، ما أصاب اقتصاد العالم أجمع من خسائر بعد أحداث الحادي من سبتمبر.
  5. أنه لا مكان، الآن، ومستقبلاً للصراعات الإقليمية المحدودة، والتي كانت المنظمات الإقليمية والدولية تتدخل لإيقافها أو علاج المسائل الناتجة عنها، حيث أصبحت الأمم المتحدة محكومة تماماً بالنظام العالمي الجديد، وأصبح من الممكن أن تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية إستراتيجية مزدوجة في هذا المجال، طبقاً لتأثير الصراعات المحدودة على مصالحها.

عاشراً: تأثير الحرب على الإرهاب على الخريطة السياسية لمنطقة جنوبي ووسط آسيا

نتيجة لأحداث الحرب ضد الإرهاب، ونجاح الولايات المتحدة في حسمها بإنهاء حكم طالبان والقضاء على تنظيم القاعدة، فإن الخريطة السياسية لهذه المنطقة قد تتكون في المستقبل طبقاً للأوضاع التالية:

  1. أفغانستان:

وجود نظام سياسي يخضع تماما للسيطرة الأمريكية من خلال

أ. إقامة حكومة تضم القوى التي تساير المخطط الأمريكي كافة، مع اضطلاع حلف الناتو بتأمين نظام الحكم في كابول.

ب. إقامة حياة ديمقراطية في أفغانستان (برلمان أو مجلس شورى/ لوياجيرجا) والذي يمثل القوى الأفغانية كافة.

ج. إعادة إعمار أفغانستان، مع دعمها مادياً، حتى يمكن القضاء المبرم على عناصر الإرهاب.

د. أن يكون لأفغانستان دور مستقبلي لتنفيذ الأهداف الأمريكية (الانطلاق نحو جمهوريات آسيا الوسطى- الحضور على الحدود الشرقية لإيران- وبالقرب من شبه القارة الهندية- وكذلك بالقرب من الحدود الصينية).

هـ. بناء جيش أفغاني حديث وقوات أمن موالية للولايات المتحدة الأمريكية موالاة تامة.

و. تغيير مناهج التعليم الإسلامي.

  1. جمهوريات آسيا الوسطى

استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تحقق أهدافها الإستراتيجية في هذه المنطقة الهامة على المستويين الإستراتيجي والاقتصادي كالآتي:

أ. على المستوى الإستراتيجي

من خلال الوجود الفعلي بقواعد عسكرية في عدد من جمهوريات آسيا الوسطى، مع الاتجاه نحو تطوير علاقاتها مع هذه الدول في المستقبل، وفى إطار تعاون عسكري (تسليح وتدريب مشترك) وبالطبع فإن هذا الوضع يحقق للولايات المتحدة الأمريكية:

(1) الوجود في جنوب روسيا، وبما يهدد الأمن الروسي مستقبلا.

(2) القرب من حدود الصين، بما يوفر ركيزة عسكرية لتهديد الصين، حالة حدوث صراع مستقبلي معها.

(3) إمكان تهديد إيران، في المستقبل بالوجود العسكري على حدودها الشمالية والشرقية.

(4) الوجود العسكري الدائم في شمال أفغانستان، وهو ما يمكن من ممارسة الضغوط على أي حكومة أفغانية في المستقبل.

(5) احتواء مناطق التسلح النووي في شبه القارة الهندية.

(6) إقامة تعاون إستراتيجي مستقبلي مع بعض دول وسط وجنوبي آسيا، وقد تدخل إسرائيل في هذا التحالف.

ب. على المستوى الاقتصادي

السيطرة على مناطق البترول والغاز الطبيعي في آسيا الوسطى وبحر قزوين، مع مد خط لإمدادات البترول من أذربيجان على بحر قزوين، حتى ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط ومنه إلى الأسواق العالمية (طول الخط 2000 كم).

  1. الهند وباكستان

أ. الهند

ركبت الهند الموجة المعلنة للحرب ضد الإرهاب، وأرادت أن تتخلص من جذور مشكلة كشمير التي تعانى منها منذ الاستقلال، وحتى حل هذه المشكلة من وجهة نظرها فلا بد من:

(1) القضاء على الحركات الكشميرية، والتي تضم العديد من التنظيمات السياسية والدينية مثل “عسكر طيبة” و”جيش محمد” و”المجاهدون” وغيرها.

(2) ضمان عدم دعم باكستان لأي حركات ثورية أو جهادية في كشمير.

(3) إيقاف أي تقارب “باكستاني أمريكي”، وإبدال تقارب “هندي- أمريكي” به، بمسوغ أنَّ الهند دولة ديموقراطية، وأنها القوة الكبرى في شبه القارة الهندية.

(4) ضمان تطوير البرنامج النووي الهندي، وتطوير قدراتها النووية بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية في إطار تعاون إستراتيجي بين البلدين.

ب. باكستان

تأكيد باكستان لتحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد الإرهاب، حتى لا تعطى الفرصة للهند لتصعيد الموقف ضدها، مع استمرار الحصول على السلاح الأمريكي، وتطوير قدراتها التقليدية والحفاظ على قدراتها النووية في مواجهة التهديد الهندي، هذا بالإضافة إلى الإبقاء على قضية كشمير، كواحدة من القضايا التي يمكن أن تصعد الصراع في أي وقت، والمطالبة بحل هذه المشكلة طبقاً للقرارات الدولية، مع إمكان السماح بوجود عسكري أمريكي يقدْر في بعض القواعد الجوية الباكستانية مقابل الحصول على تأييد أمريكي، مع دعم الولايات المتحدة الأمريكية في استمرار ملاحقة عناصر طالبان وتنظيم القاعدة.

حادي عشر: التحولات في ميزان القوى الإقليمية بعد غزو العراق وفى إطار الحرب ضد الإرهاب

عملت الإدارة الأمريكية على دعم فكرة الشرق الأوسط الأوسع أو الجديد في مقابل دعاوى “القومية العربية” و”الوحدة العربية” و”العالم الإسلامي” و”الأمن القومي العربي”، لتخلق بذلك كياناً إقليمياً جديداً وتوازنات وتفاعلات جديدة.

وبالطبع، فقد أدى الوجود العسكري الأمريكي في العراق، بالإضافة إلى ما تملكه من نفوذ سياسي ووجود عسكري في بعض دول الخليج، إلى تغيير الخريطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط، وهو ما أدى إلى فرض نموذجٍ جديد في ميزان القوى، توزع فيه الأدوار حسب مصالحها بحيث يكون لحلفائها التقليديين، وعلى رأسهم إسرائيل، الدور المؤثر في تهميش الأطراف الأخرى وفى ظل التصورات الأمريكية لمستقبل المنطقة، فإنها سوف تصب في مصلحة إسرائيل وتركيا، فتركيا خاصة تمثل إستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية في اتجاه القوقاز وأوروبا، بل وفى اتجاه إيران والخليج العربي أيضاً، كما أن لتركيا أطماعاً تاريخية في شمالي العراق، وتتحكم في مياه نهري دجله والفرات، ولا تتردد في استعمالها ورقة ضغط على سورية عند الأزمات.

أما إسرائيل فمن المنظور الأمريكي، تمثل أهم الركائز في ميزان القوى، الذي تسعى الولايات المتحدة إلى تأمينه، ولهذا تسعى إلى تعظيم دورها المستقبلي في هذا النظام، والاستفادة من الواقع الجديد بعد الحرب، لا سيما ما يخص التسوية مع الفلسطينيين، وتدرك إسرائيل أن ميزان القوى الجديد يميل لمصلحتها، الأمر الذي يمكن أن يكون عاملاً مهماً في تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية جديدة.

وسيتركز دور إسرائيل ـ كما حدث في الحرب ضد لبنان (يوليه ـ أغسطس 2006) ـ على الرادع العسكري في إطار إستراتيجية الحرب بالوكالة عن الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تكررت هذه الحرب ضد سورية وضد إيران، وضد المنظمات الفلسطينية بالضفة والقطاع.

وفى إطار مفاهيم الأمن الإقليمي للشرق الأوسط الجديد، فقد أضحى استخدام أساليب الإكراه لضبط أسلحة دول المنطقة أو نزعها، هو السمة الجديدة للنظام العالمي الجديد، على أن تطبق هذه الأساليب على الدول العربية، دون تطبيقها على إسرائيل.

وعلى مسار الإصلاحات السياسية ـ طبقاً لمشروع الشرق الأوسط الأوسع ـ  تمارس الضغوط الأمريكية والغربية على العالم العربي من أجل تحقيق مزيد من الديمقراطية، ودعم حقوق الإنسان والمرأة والطفل، وإصلاح الأنظمة السياسية والتشريعية والتعليمية ومحاربة الإرهاب والقضاء على الفساد والبيروقراطية.

ثاني عشر: الانعكاسات على مستقبل جامعة الدول العربية

رغم التداعيات السلبية التي تواجه النظام العربي حاليا، إلا أن هناك جانباً إيجابيا يتمثل في قناعة الدول العربية بضرورة إصلاح وتعديل الأسس التي يقوم عليها النظام العربي، بل ضرورة الإصلاح الشامل لمجمل الأوضاع العربية خلال المرحلة المقبلة. وتجيء هذه الإصلاحات في إطار إنشاء آليات جديدة مثل “مجلس شورى عربي” وهو ما أنشئ فعلاً، وآلية لحل المنازعات بالطرق السلمية، ومحكمة العدل العربية، وآلية قانونية ملزمة للتنفيذ ومتابعة قرارات الجامعة، وآلية لتفعيل دور القطاع الخاص في مجال الاستثمار.

وبالطبع، هناك معوقات عديدة تمنع استكمال تنفيذ جوانب الإصلاح بسبب الاتجاه نحو العمل القطري بعيداً عن العمل الجماعي، ومحاولة تحقيق الأمن القطري بالوجود الأجنبي على أراضي وقواعد بعض الدول العربية، وهو ما يسلب قدرتها على التحرك بحرية، وذلك ما عطل اتخاذ خطوات ملموسة في إطار إصلاح النظام العربي بعامَّة.

ثالث عشر: حاضر ومستقبل الحملة الأمريكية ضد الإرهاب

بدأت الحملة الأمريكية ضد الإرهاب في 7 أكتوبر 2001، بحربها ضد تنظيم القاعدة وطالبان في أفغانستان، والتي أدت إلى تدمير قوتهم العسكرية، وإقامة نظام جديد يفرض سيطرته على المدن الرئيسية فقط، بحماية وتأمين من قوات التحالف الدولي، مع استمرار عمليات المقاومة الأفغانية. وتزامن ذلك مع ترتيب الأوضاع الداخلية لمكافحة الإرهاب بالتنسيق مع حكومات باكستان وطاجيكستان وأوزبكستان، وهى دول تربطها بأفغانستان حدود برية ممتدة وتكون ملاذاً آمناً لعناصر القاعدة التي تحاول الهرب، وامتدت الحملة إلى مناطق وبلاد أخرى، بها قواعد لمنظمات إرهابية أو تتوافر بها ملاجئ آمنة لها، لمنعها من إعادة تنظيم كوادرها أو استجماع قواها مرة أخرى، أو التخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية جديدة.

ثم تلا ذلك التحرك نحو الفيليبين في آسيا، حيث أرسل البنتاجون الأمريكي (وزارة الدفاع) قوات عسكرية قوامها 650 فرداً تضم قوات خاصة ومدربين وعناصر مخابراتية لمعاونة القوات الفيليبينية لمطاردة مقاتلي جماعة أبو سياف، ثم اتجهت الحملة إلى جورجيا، وأنشأت قاعدة عسكرية أمريكية لها لمشاركة القوات الجورجية في عملياتها لمطاردة عناصر القاعدة الهاربة من أفغانستان.

أما المحطة الثالثة فكانت اليمن، التي استعانت بالقوات الأمريكية في إطار تدريب القوات اليمنية وتوجيه عملياتها ضد العناصر الإسلامية المتطرفة، ثم انطلق التدخل الأمريكي إلى العديد من دول العالم الإسلامي وغير الإسلامي، في إطار نشر القوات العسكرية في الخارج.

ثم جاءت المحطة الرابعة باجتياح العراق عام 2003، وخلق وجود إستراتيجي في دول الخليج العربي، مع امتداد الحملة لزعزعة الاستقرار في سورية ولبنان والضغط على إيران. أما المحطة الخامسة، فقد جاءت في منتصف عام 2005 بإعادة تمركز2000 جندي أمريكي في جيبوتي وإقامة مركز قيادة عائم على أحدى السفن الأمريكية، وذلك في إطار التحضير لانتشار الحملة في منطقة شرقي ووسط أفريقيا، لتشمل مستقبلاً إريتريا والصومال والسودان وكينيا لتعقب عناصر تنظيم القاعدة.

يجدر الإشارة إلى أن تنفيذ خطة الانتشار العسكري والأجنبي الأمريكي لمكافحة الإرهاب، تمثل الوجود على محاور ارتكاز يمكن الانطلاق منها لمد المظلة الأمريكية على المنطقة بأسرها، فأفغانستان قاعدة انتشار لدول آسيا الوسطى، واليمن مفتاح السيطرة على خليج عدن والبحر الأحمر، والفيليبين قاعدة للانتشار في جنوب شرقي آسيا. وتضم هذه المراكز جميعاً عناصر استخباراتية وقوات خاصة ومدربين عسكريين وأمنيين.

هذا، وقد شملت الحملة الأمريكية بالتعاون مع دول مراكز الانتشار، تدمير قواعد التنظيمات الإرهابية، ومراكز تدريبها والقبض على قادتها أو اغتيالهم، وإغلاق المراكز والجمعيات والمدارس الدينية المتطرفة، أو التي تقدم الدعم المباشر وغير المباشر للجماعات المتطرفة، وتجفيف مصادر التمويل، وإصدار القوانين والتشريعات الدولية لمكافحة الإرهاب، وتنسيق تداول المعلومات الاستخباراتية.

[1] إن إلقاء القبض على صدام حسين في 13 ديسمبر2003، لم ينه عمليات العنف في العراق وكذا المقاومة ضد المحتل الأمريكي.

المصادر والمراجع

أولاً: المصادر العربية

  1. إبراهيم نافع، “إنفجار سبتمبر بين العولمة والأمركة”، مؤسسة الأهرام، القاهرة، 2003.
  2. الأبعاد الجغرافية للصراع في أفغانستان، ندوة جغرافية سياسية، الجمعية الجغرافية، بتاريخ 28/2/2002، الورقة البحثية بعنوان: الأبعاد السياسية والإستراتيجية للصراع في أفغانستان،.
  3. الإتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، مجلة معلومات دولية مركز المعلومات القومي، العدد 57، دمشق، سورية.
  4. أحمد جلال عز الدين، “الإرهاب الدولي وانعكاساته على الأمن القومي”، رسالة دكتوراه، أكاديمية ناصر العسكريةالعليا، القاهرة، 1984.
  5. أحمد عبد الحليم، “الإستراتيجية الأمريكية في الحرب ضد الإرهاب”، ورقة بحثية، ندوة هيئة البحوث العسكرية، القاهرة، مايو2003.
  6. أحمد عمر هاشم، “ظاهرة الإرهاب وموقف الإسلام منها”، الأهرام، القاهرة، عدد29/9/2001.
  7. الإرهاب والعولمة، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 1423هـ/ 2002م،
  8. أسامة الغزالي حرب، “الإرهاب كأحد مظاهر استخدام العنف عربياً ودولياً.. في العنف والسياسة في الوطن العربي”، عمان، منتدى الفكر العربي، 1987.
  9. أنور ماجد بمشقى، “ماهية العولمة وإشكالي، في مرجع الإرهاب والدولة”، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض 1423هـ/ 2002م.
  10. التقرير الإستراتيجي العربي 2001، الإسلام والمسلمون في الفكر الغربي، الأهرام، 2002.
  11. التقرير الإستراتيجي العربي، مؤسسة الأهرام، 1995.
  12. دراسة بحثية بعنوان “عام على تداعيات أحداث 11 سبتمبر، أكاديمية ناصر، القاهرة، 2002،
  13. الدور السياسي للإعلام العربي، مركز زايد للتنسيق والمتابعة، دولة الإمارات العربية المتحدة، 2000
  14. رضا هلال، “الحرب العالمية الأمريكية، قيامه المحافظين الجدد واليمين الديني”، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2003.
  15. صبري العشري، “الإرهاب في حرب العولمة الأولى”، مجلة الدفاع، العدد 217، أغسطس 2004.
  16. صبري طه العشري، “الفوضى الخلاقة، أحدث الأفكار السياسية الأمريكية”، مجلة الدفاع، العدد 238، القاهرة، مايو 2006
  17. صبري طه العشري: مستقبل الحرب الأمريكية ضد الإرهاب، مجلة الدفاع، العدد 233، القاهرة، ديسمبر 2005
  18. صحيفة الشرق الأوسط، لندن، عدد 22/9/2002.
  19. الأهرام، عدد 2/10/2002.
  20. صلاح الدين حافظ وآخرون،”حرية الصحافة”، مركز الأهرام للترجمة والنشر، ج2، القاهرة، 1997.
  21. عبد الباقي بخيت، “قراءة في أهم وأبرز الأحداث العالمية”، مجلة الدفاع المصرية، عدد يناير2004.
  22. عبد الرحمن الهواري، “النظام العالمي الجديد وانعكاساته على الإستراتيجيات العالمية والقضايا الهامة”، مركز إدارة الأزمات، وزارة الدفاع المصرية، القاهرة، 2004.
  23. عبد العاطى أحمد الصياد، “الإرهاب بين الأسباب والنتائج في عصر العولمة”، في كتاب الإرهاب والعولمة، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 1423هـ/ 2002م.
  24. عبد المنعم سعيد كاطو، “أحداث 11 سبتمبر في ذكراها الثالثة”، مجلة الدفاعالمصرية،العدد 218، سبتمبر2004
  25. عثمان كامل وآخرون، “حرب الخليج الثالثة.. يوميات الحرب”، المكتب المصري الحديث، القاهرة، 2004.
  26. عثمان كامل، “رؤية إستراتيجية للمتغيرات على المسرح الدولي”، مجلة الدفاع المصرية، عدد يناير 2004.
  27. العراق والمنطقة بعد الحرب، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، طـ2، 2005.
  28. كريستوفر جرينوود، “القانون الدولي والحرب ضد الإرهاب”، دراسات علمية، العدد47، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، 2003.
  29. محمد سفر، “الإعلام ومواجهة الإرهاب”، دار النشر والمكتبات، جدة، 1982.
  30. محمد فتحي عيد، “إسهام المؤسسات والهيئات الدولية في التصدي للإرهاب”، في كتاب الإرهاب والعولمة، أكاديمية نايف للعلوم الأمنية، الرياض، 2002.
  31. محمد فكرى السيد، “قمة إسطنبول والتوجهات ومحاور الحركة الجديدة، لحلف شمال الأطلسي”، مجلة الدفاع المصرية، عدد أغسطس 2004.
  32. محمود المراعى، “سفر الموت”، وثائق وزارة الخارجية الأمريكية، دار الشروق، القاهرة، 2004.
  33. موقع جريدة إيلاف،الإلكتروني، 3 مارس 2004.
  34. ندوة إستراتيجية، هيئة البحوث العسكرية، وزارة الدفاع المصرية، القاهرة، يوليه 2003، “الورقة البحثية الأولى.
  35. ندوة الحرب على العراق، الورقة البحثية الرابعة.. بعنوان انعكاسات الحرب على العراق وعلى النظام الدولي والإقليمي والعربي، أكاديمية ناصر العسكرية العليا، أكتوبر2003
  36. هالة مصطفى، “رؤية سياسية اجتماعية للإرهاب”، أوراق الشرق الأوسط، العدد13، مركز دراسات الشرق الأوسط، القاهرة، نوفمبر 1994-مارس 1995.
  37. وجهات نظر حول تقرير التنمية الإنسانية العربية، عام 2003، ملحق مجلة السياسة الدولية، الأهرام، القاهرة، أبريل 2004.
  38. وحيد عبد المجيد، “حروب أمريكا بين بن لادن وصدام حسين”، دار مصر المحروسة، القاهرة، 2003.

ثانياً: المصادر الأجنبية

  1. Al ferred P.Rubin, international Terrorism and international low, N.Y, Joan Press, 1927.
  2. Anthony H.cordesman, The lessons of afghanistan, war fighting, intelligence, and force Transformation, Washington center for strategic and international studies, 2002,.
  3. Antony Alium, communication Imaye, Journal of communication, Newyork, 1995.
  4. Antony Burton, Urban Terrorism, London, leo, cooper, 1983,
  5. barak salmoni, america’s iraq strategy, democratic chimeras, regional realities, current history, jon 2004,
  6. Bassioni. M.cand V.P. Nada, a treatise on international Criminal Law, Jurisduction and cooperation, Piracy and terrosim, Springfield, 111, Tomas, 1979.
  7. Bob woodward, cheney was unwavering in desire to go to war, http:/y/www.stor .news .yahoo.com/ news; A Black – and White presidency, http://www.msnbc. msn.com/id.
  8. Bruce Hoffman, the mind of the terrorist.. perspectives from social psychology, psychiatric annals, 1999, PP.337 – 340.
  9. Carpenter Siri, Behavioral science gears up to combat terrorism, Monitor on psychology, volme 32, No.10 Novmber 2001.
  10. Dinisten, Power and Agressire, menistor university Journal, 1998
  11. Ibrahim Ibrahim, ed, The Gulf crises, Back ground and consequences, Washington, D.C, Georgetown University, Center for contemporary Arab studies, 1992,
  12. james A.miller, political Terrorism, Terrism edy Alexander, U.k, Mc grawill, 1977, 13. Kissinger, Krauthommer debate on the fourth word war, march 4 – 12, 1992, at the Nixon library, 18001, yorba linda Blvd, yorda Linda, Ca g 2686.
  13. leo gross, Political violence and terror in the 19thand 20thcentury, American journal of international law, vol57,July 1983
  14. leo gross, Political violence and terror in the 19thand 20thcentury, American journal of international law, vol57,July 1983
  15. Leon Trotosky, Terrorism and communism, Ann arbor, 1961, first published in 1920
  16. louis fisher, deciding on war against iraq,institutional failures, political science quarterly, septemper22, 2003,..
  17. Nanco D.Joyner, Aireal Hijaking as international Crime, New York, Oceana, 1983
  18. Neil C. Livingstone, the war against Terrorism, Torinto, D.C, Heath and Company, 1984,
  19. Nick Mathiason, Iraq faces 310 bn, Debi crisis, Guardian march 28, 2004.
  20. Philip hitti, history of the Arabs, New york, St, Martin press, 1981.
  21. Rebort A.friodlander, the origins of international terrorism, Terrorism (ED.Y. Alexander) U.K.micgraw, hill,.

22.. Richard Dekmeian, the liberal Impulse in Saudi Arabia, the middle east journal, vol 57, no.3, summer 2003,.

  1. S . G. E. Brandon,Jews and the Zealots, London, Macmillan, 1978.
  2. sean foley, the gulf Arabs and the new Iraq, the most to gain and the most to lose” middle east review at international affairs, vol 7, no.2, jone 2003, http.//www.meria.ac.il.
  3. Ted gurr, when men rebel, Princeton, N.J.Princeton Univ Press, 1970
  4. Thomas Friedman, Because we could, New york times, 4/6/2003,.
  5. Time for making Historic decisions in the Middle East Kuwait center for strategic and future studies, at Kuwait University, 2002.
  6. Washington post, 5/9/2002.
  7. Wiliam D.vordhaus, The Economic Consequences of a war with Iraq, In carl Kaysen (et al) war with Iraq costs, consequences and alternatives, Occasional paper, Cambridge, M.A, Americn acdemy of science, committee on international security studies, 2003.

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button