تداعيات غياب العدالة والتنمية على الأمن القومي العربي

جامعة الأزهر – غــــزة – كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية – الدراسات العليا – علوم سياسية

مقدم من الطالب/ سامي عطية خطاب

إشراف الدكتور/ كمال محمد الأسطل 2007-2008

مقدمة:

بداية أود أن أستشهد بآية من القرن الكريم تؤكد على أهمية العدالة لكي يسود الأمن والاستقرار (( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم وألئك لهم الأمن وهم مهتدون )).

 لقد حسم المولى عز وجل عملية الحصول على الأمن في هذه  الآية بأن ربط بوجود  العدالة في أي زمان وفي أي مكان على وجه الأرض لا يمكن تحقيق الأمن لأي مجتمع بدون توفير العدل  فالعدل أساس الملك ، وبحثنا هذا يتطرق لموضوع الأمن الذي هو حاجة إنسانية منذ وجود الخليقة ى، باستمرار يبحث الإنسان والحيوان وغيرهم من مخلوقات الله عن الأمن بكل ما أؤتي من قوة .

ونحن اليوم في المجتمع الإنساني نعمل على تحصيل الأمن بشتى الطرق ، والحصول على الأمن يتطلب منا أمران مهمان الأول هو العدالة في كل شيء وأهمها في توزيع الثروات والثاني هو عملية التنمية المستمرة لمقدرات أي مجتمع ومن ثم الرقي بهذا الإنسان إلى الحالة التي يرغب أن يكون فيها كباقي الشعوب التي تحترم نفسها ، والناظر للعالم اليوم بكل مآسيه ومشاكله وحروبه يصل إلى نتيجة أن سبب هذه الحروب هو الظلم والفقر والجهل والتخلف وتأتي كلها تحت عنوان غياب التنمية عن خريطة بناء الأوطان ، علماً بأن غياب التنمية والعدالة عن أي مجتمع ما مرده إلى مستوى التقدم والتخلف عند هذه المجتمعات أو تلك ، فالآن لو شاهدنا المجتمعات المتقدمة أو ما تطلق على نفسها العالم الأول لوجدنا أن مستوى التنمية عندهم مرتفع جداً وكذلك مستوى التعليم وكذلك مستوى الرقي بالإنسان، والعدالة هي سمة من سمات تلك المجتمعات بل هي ركيزة أساسية تعتمد عليها في نهضتها وأقصد بالعدالة هنا العدالة في كل شيء ، عدالة في توزيع الثروات ، وعادلة في عملية الوصول إلى الحكم بمعنى أن كل إنسان من حقه أن يجد نفسه في مجتمعه إذا كان يمتلك الإمكانيات العلمية والثقافية التي تؤهله لذلك .

البعض يرجع أسباب غياب العدالة إلى طبيعة الأنظمة الحاكمة في بلدان ما تسمى بالعالم الثالث التي تشكل السواد الأعظم من شعوب العالم اليوم وللأسف الشديد أن عالمنا العربي والإسلامي لهم النصيب الأكبر في هذا من ناحية الظلم والقهر والجهل والتخلف والمرض والأمية وووالخ…

هذه المصائب نعيشها اليوم وأكثر من ذلك ، كل هذا ونحن نمتلك اكبر إمكانيات وخيرات فوق الأرض وتحت الأرض وخيرات لا حصر لها من شأنها لو استغلت واستثمرت جيداً لأصبحنا

أسياد هذا العالم ولشكلنا قوة لا يستهان بها في عالم اليوم ولقلبنا المعادلة 360 درجة وأصبحنا العالم الأول وتبدل حالنا من مفعول به إلى فاعل ومؤثر ويحسب له ألف حساب باستمرار .

مشكلة البحث:

ما هي تداعيات غياب العدالة والتنمية على الأمن القومي العربي …

وسنتناول هذه المواضيع …

1-   الأمن والتنمية المستدامة .

2-   العدالة في التوزيع تجعل المجتمع أكثر أمناً .

3-   العدل أساس الملك .

4-   خطيئة الأمن القومي العربي بين الأمس واليوم .

5-   الأمن والتنمية لا يتحققان إلا في ظل الوحدة .

أهداف البحث :

1- أن يصل المواطن العربي والفلسطيني لدرجة من الوعي تمكنه من معرفة ما له وما عليه من حقوق وواجبات اتجاه نفسه واتجاه وطنه .

2- معرفة أهمية العدالة والتنمية في بناء المجتمعات .

3- معرفة المشكلات والعوائق التي تحول دون تحقيق العدالة والتنمية في المجتمعات العربية

4- نشر هذا البحث على مستوى محافظات قطاع غزة وعبر الانترنت .

أهمية البحث :

جاءت أهمية البحث على أثر حالة الضياع التي تعم الوطن العربي ويأتي تحت مسمى الضياع جميع الأمراض الاجتماعية والسياسية التي تعاني منها المجتمعات العربية من فقر وظلم وأمية وغياب للعدالة وتغيب للتنمية وانهيار على كل المستويات لذلك أسميته حالة من الضياع .

فرضية البحث :

هناك علاقة طردية ما بين تحقيق العدالة والتنمية ووجود الأمن حيث أن الأمن مرتبط

 بوجود العدالة والتنمية .

منهجية البحث:

سنتبع في هذه الدراسة المنهج التحليلي الوصفي وذلك من خلال تحليل بعض الظواهر التي تقف عائق أمام وصول الأمن القومي العربي إلى الحالة الأمنية التي يصبو إليها من خلال العمل على تأكيد أهمية توفير العدالة والتنمية لشعوب هذه المنطقة .

الفصل الأول : الأمن والتنمية المستدامة :

لقد أصبحت التنمية ضرورة تفرض نفسها على كل بلدان العالم ، كما أصبحت هدفاً رئيسياً تسعى المجتمعات لتحقيقه ، ومجالاً من مجالات البحث الإجتماعى ، باعتبارها وسيلة أو أداة للتغيير الشامل في كافة مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية ، أملاً في الوصول إلى التقدم ، ومن ثم تعتبر التنمية مظلة تتجمع تحتها كل الأساليب والعمليات المخططة والموجهة ، والتي عن طريقها يتم إحداث التغيير الاجتماعي المقصود والمرغوب ، والذي يشمل كافة أبنية المجتمع ووظائفه ، ويمتد إلى مواقف واتجاهات الأفراد نحو مُجتمعهم وبالتالي أنفسهم. وفى هذا الإطار ، تعتمد التنمية المستدامة على النمو المتوازن في كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية وغيرها ، دون الإنتقاص من فرص الأجيال القادمة في التنمية ، أو الحصول على الموارد اللازمة لتحقيق ذلك ، بغية تحقيق منظومة خدمية متكاملة تتعامل مع كافة المشكلات التي يعانى منها أفراد المجتمع ، كالبطالة والفقر وانخفاض متوسط دخل الفرد وغيرها من أسباب وعوامل ترتبط إلى حد كبير بازدياد معدلات الجرائم في المجتمع.ومن هذا المنطلق ، أصبحت التنمية المستدامة بمثابة إطار عام يحكم الأهداف الإستراتيجية والمرحلية للحكومات والشعوب بفاعليتها الديمقراطية والتطوعية ، وفى هذا الإطار كما أنها تعد ذات أثر مباشر في تحقيق التنمية القومية الشاملة والأمن القومي .

مستقبل التنمية في الوطن العربي في ظل التغييرات العالمية المعاصرة :

يشهد العالم مع مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مجموعة من التغييرات في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والتكنولوجية والثقافية والبيئية والمعلوماتية وغيرها من الميادين التي باتت تتداخل فيما بينها تداخلا يجعل العالم شبيها بمجتمع واحد تنتقل فيه المعلومة من أقصاه إلى أقصاه بسرعة فائقة ، وتتأثر أجزاؤه وأقاليمه ودوله وشعوبه بكل ما يجري في أي بقعة من بقاع المعمورة. ، وغني عن البيان ، فإن لهذه التحولات والتغييرات التي ظهرت على الصعيد العالمي انعكاسات ايجابية وسلبية على مستقبل التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في الدول النامية ومنها الدول العربية ، الأمر الذي يستدعي تعزيز فرص الاستفادة من الايجابيات التي أفرزتها هذه التغييرات والتقليل على حد كبير من المخاطر .

   لذا فإن النظرة المستقبلية عن التنمية في الوطن العربي تستدعي فهم هذه التحولات والتغييرات الدولية التي تعيد رسم مشهد التنمية في أرجاء العالم كافة .

    وقد قسم البحث إلى ثلاث أقسام هي :

أولا- المستجدات العالمية .

ثانيا- التحديات التي تواجه التنمية العربية .

ثالثا- سبل مواجهة التحديات.

أولا- المستجدات العالمية :-

   يمر العالم بمجموعة من المستجدات الاقتصادية والسياسية التي سوف يكون لها تأثيرا كبيرا على مستقبل عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في كافة الدول وخصوصا الدول النامية ومنها الدول العربية . ويمكن إيجاز أهم هذه المستجدات بما يلي :-

1-تسارع وتيرة العولمة الاقتصادية :

    تعد العولمة واحدة من أهم التحولات والتغييرات التي يشهدها العالم ، حيث اتسعت المجالات التي تؤثر فيها ، في الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة والسلوك دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة أو انتماء لوطن محدد أو لدول معينة ودون الحاجة لإجراء حكومي .

    أما عولمة  الاقتصاد، فيقصد بها تلك العملية التي تهدف على توحيد أجزاء الاقتصاد العالمي وإلغاء الحواجز التي تحو ل دون الحرية الكاملة لتدفق عناصره ومبادلاته وحركة عوامل الإنتاج سواء أكان رأسمال أو عمل أو تكنولوجيا أو غير ذلك ، فالعولمة إذن تساوي التغير التكنولوجي زائدا فتح الأسواق للتجارة الدولية والاستثمار مضافا إليه التغير السياسي.(1)

   وتجلت عملية تسارع العولمة الاقتصادية في السنوات الأخيرة باطراد نمو التجارة العالمية وتدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة ، والازدياد الحاد في نشاطات الشركات متعدية الجنسيات التي تعد اليوم بمثابة الحكومة الكونية Global Government .كما زاد تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر زيادة ملفتة للنظر إذ قفزت مبالغ هذا الاستثمار من متوسط سنوي يبلغ (27.5) مليار دولار في السبعينات من القرن الماضي إلى (559.6) مليار دولار في عام 2003 . (2)

   أما بالنسبة لتأثير العمليات الاقتصادية المعولمة في الدولة ، فالكثير يرى أن هذه التأثيرات متضاربة ومتناقضة ، فهي تقلص دور الدولة كجهاز مستقل قيم على الاقتصاد القومي ، بيد إنها تستدعي تعزيز الدولة كوسيط بين المجالات ما فوق القومية ( الكتل الاقتصادية والمؤسسات الدولية ) والمجالات ما دون القومية .(3)

   وتجد العولمة ترحيبا في بعض الأوساط على أساس أنها تهيأ فرصا جديدة للأسواق المتوسعة ، ولانتشار التكنولوجيا والخبرة الإدارية ، وهي بدورها تبشر بقدر أكبر من الإنتاجية وبمستوى معيشة أعلى ، وعلى النقيض من ذلك ، فإن هناك خشية من العولمة وإدانة لها في أوساط أخرى بسبب ما قد تجيء به من عدم استقرار وتغييرات غير مرغوب فيها بالنسبة للعمال الذي يخشون أن يفقدوا أعمالهم بسبب المزاحمة من جانب الواردات ، وبالنسبة للمؤسسات المالية والمصرفية بأسرها ، والتي قد تطغى عليها تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية وتدفعها إلى الكساد ، ويؤكد هذا المسار الاندماجات المتزايدة  بين الشركات متعدية الجنسيات والاتجاه المتنامي إلى تكوين تكتلات اقتصادية إقليمية قوية.

    ويمكن إيجاز أهم المخاطر التي تتعرض لها الدول النامية ومنها الدول العربية بالأتي:

أ‌-     انهيار الأنفاق الاستهلاكي .

ب‌- تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي .

ت‌- تزايد الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة .

ث‌- زيادة الفقر .

ج‌- الأزمات المالية .

    وصفوة القول فإنه بالرغم من مبررات من يرفضون العولمة ومنطق من يقبلوها ، فإنها تبقى ذات تأثير محسوس يتزايد مع تسارع عملياتها ليشمل الدول كافة ، ومن ثم لا يجدي مع ظاهرة العولمة القبول أو الرفض المطلق بل يتطلب الأمر وجود إدارة اقتصادية كفؤة قادرة على تقليل مخاطر العولمة والوصول بمكاسبها إلى الحد الأقصى ، وهذا يشكل التحدي الرئيسي الذي يواجه الدول النامية ومنها الدول العربية ،وهي عملية في غاية الصعوبة في ظل منظومة اقتصادية كونية سريعة التغيير .

  2- تصاعد دور مؤسسات المجتمع المدني :

    تزايد عدد مؤسسات المجتمع المدني خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي ، وتصاعد نشاطاها وتأثيراتها مع بواكير القرن الحالي ، وقد حظيت هذه المؤسسات بشرعية مثيرة للإعجاب ، وكان للتحول الديمقراطي الذي حصل بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ودول أوربا الشرقية أثرا بارزا في انتعاش مؤسسات المجتمع المدني ،وأخذت العديد منها تمارس دورا مؤثرا على الصعيد العالمي منه البرنامج العالمي لمكافحة المجاعة (اوكسفام ) ، وحركة السلام الأخضر ،و أطباء بدون حدود.

    وتنبع فلسفة عمل مؤسسات المجتمع المدني من فكرة المبادرات الذاتية للأفراد من منطلق تفاعلهم وأيمانهم بقدرتهم على الفعل والتأثير في الفضاء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي يعيشون فيه . وقد أخذت الدول تعترف بالقيمة الاقتصادية والاجتماعية لهذا القطاع الذي يسعى على ترسيخ الدور الذي تقوم به مع الاستقلالية والتميز عن القطاع الحكومي والقطاع الخاص ، ويطلق اليوم على نشاطات مؤسسات المجتمع المدني بالقطاع الثالث .

   وينطلق تحليل عمل مؤسسات المجتمع المدني من خلال الدور التنموي لهذه المؤسسات ، وهو يشمل إنماء اجتماعيا وثقافيا وسياسيا . وجدير بالذكر أن أول الأسس التي يقوم عليها المجتمع المدني هو الانتماء للمجتمع والالتزام بتنميته بحيث يكون الهدف العام هو رفع مستوى المجتمع في جوهر رسالته التنموية .(5)

    لذا فإن مؤسسات المجتمع المدني تمكن الإنسان من المشاركة ، ومن إعلان رأيه وتلبية حاجاته ، وتنمية طاقاته والسيطرة على حياته ، ومن المتوقع أن يتعزز دور مؤسسات المجتمع المدني عالميا مع مرور الوقت كنتيجة لتفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية من ناحية ، واعتماد سياسات الإصلاح الهيكلي من ناحية ثانية ، وما يترتب عليها من تراجع الخدمات العامة التي تقدمها الحكومة ، ومن تشجيع للخصخصة .، وتقدم مؤسسات المجتمع المدني اليوم واحدا من أكثر الأطر المؤسسية ملائمة من الناحية التنظيمية والتي تشكل وسيلة ملائمة ذات أدوات فاعلة للتعرف على أكثر القضايا الاجتماعية والتعامل معها، ولتقديم الخدمات التنموية الاقتصادية والاجتماعية بطريقة مقبولة وذات جدوى مالية وسياسية .

    إن دعم تنمية القدرات الذاتية لمؤسسات المجتمع المدني للارتقاء بمقدرتها على التعامل مع القضايا الاجتماعية الملحة لا يعد حاجة فحسب ، ولكنه أيضا متطلب للتعامل الملائم في الوقت المناسب للتعرف على القضايا والمسائل الاجتماعية مثل الفقر ، البطالة …. الخ ، والتواصل مع الفئات المستهدفة والتنفيذ الفاعل للبرامج والمشاريع ، حيث تتحمل الحكومات والجهات الدولية المانحة، والجمعيات مسئولية مشتركة لتحقيق هذا الهدف بفاعلية مستديمة .(6)

    وصفوة القول فإن التحول نحو المجتمع المدني يشكل ضرورة موضوعية تستدعيها التغييرات والتحولات العالمية والإقليمية .

3- انكماش المساعدات الإنمائية الرسمية :

    لقد رافق ظهور مشكلة التنمية ، كإحدى المشكلات الاقتصادية الرئيسة لعالم ما بعد الحرب الكونية الثانية ، بروز أهمية المساعدات الإنمائية الدولية ، مما شكل ركيزة أساسية في العلاقة بين الدول المتقدمة صناعيا والدول النامية .

    ويرجع الاهتمام الدولي بالتمويل الخارجي وبصورة خاصة معونات التنمية إلى منتصف القرن الماضي ، ولم يكن هذا الاهتمام الملحوظ بهذا الموضوع منفصلا عن التطورات العالمية السائدة آنذاك ، وما آلت إليه من تغييرات جذرية في ميزان القوى السياسية للعالم ، فمع تصفية الاستعمار وإعلان استقلال معظم المستعمرات في عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي واشتعال حدة الصراع الآيدولوجي بين العالم الرأسمالي والاشتراكي ومحاولتهما كسب ود الدول الحديثة الاستقلال ، ومع غلبة روح التفاؤل حول مستقبل هذه الدول احتلت قضية المساعدات الإنمائية الدولية مكانا هاما في الدبلوماسية الدولية وفي المؤسسات الاقتصادية الدولية طيلة عقدي السبعينات والثمانينات من القرن العشرين الذي شهد ارتفاعا ملحوظا في قيمة المساعدات الإنمائية والتي بلغت أقصى قيمة لها وهي (66) مليار دولار في عام 1991 .(7)

    ولكن الصورة تغيرت بعد ذلك خصوصا بعد أفول شمس النظام الاشتراكي وتراجع دول المنظومة الاشتراكية وتخليها عن دورها في المواجهة الدولية . كذلك تأثرت الدعوة إلى دعم المعونات الدولية للتنمية بما حل بقضية التنمية نفسها من أزمة ثقة ظهرت فيما تكشف من أهدار للثروات في العديد من الدول النامية ، وتفشي صور الفساد في عدد غير قليل منها ، فضلا عن فشل السياسات التنموية المرتكزة على فكرة الانكفاء على الداخل ، وفرض الحماية الجمركية على الصناعة الوطنية .(8) وصاحب هذه التطورات تزايد العجز في موازنات الدول الصناعية ، حيث سعت هذه الدول إلى تخفيض الإنفاق العام ، وبالتالي تقليص مساعداتها الإنمائية ، على الرغم من أنها لا تمثل سوى نسبة بسيطة من موازناتها .

    ويمكن القول بأن تراجع معونات التنمية الدولية سيشكل خطرا على استقرار الأوضاع الاقتصادية ، خصوصا إذا علمنا بأن الانخفاض التراكمي لمساعدات الدول الأعضاء في لجنة المساعدات الإنمائية DAC من عام 1992 إلى عام 2003 قد بلغ حوالي 124 مليار دولار ، بالنسبة لما يمكن للدول النامية الحصول ، إذا ما حافظت هذه الدول على متوسط  نسبة المساعدات إلى الناتج المحلي الإجمالي للفترة الماضية والبالغ 0.33% ، حيث تبلغ النسبة الآن 0.23% .(9) ، وهي منخفضة جدا مقارنة بالنسبة الموصى بها من قبل الأمم المتحدة للدول الصناعية والبالغة 0.7% من الناتج المحلي الإجمالي فيها .

4- نمو قطاع المعلومات :

    أدى التطور المطرد في تكنولوجيا المعلومات في عقد التسعينات من القرن العشرين إلى تغييرات عميقة في أنماط الحياة وفي أساليب العمل في قطاعات الاقتصاد الوطني المختلفة . ولقد فتح هذا التطور الآفاق الرحيبة للتواصل المباشر والحصول بسهولة على كم هائل من المعلومات من مصادر شتى منتشرة في أرجاء العالم كافة ، ومن ثم أنجاز أنواع مختلفة من المهام بأساليب فائقة السرعة ، زهيدة التكلفة إلى درجة كبيرة .

   وبالرغم من أن قطاع المعلومات أصبح يمثل أحد الدعائم الرئيسة للاقتصاد المبني على المعرفة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة ، إذ سجلت معدلات استخدام تكنولوجيا المعلومات نموا هائلا في أنحاء العالم ، غير أننا إذ دققنا الرؤية في المؤشرات الأساسية لتبين لنا عمق الفجوة الرقمية بين الدول والمناطق الجغرافية المختلفة ، فعمليا يمثل 34% من سكان العالم 75% من مجموع مستخدمي الإنترنت ، علما بأن دخول هذه الفئة مجتمعة تجاوزت 81% من الدخل القومي العالمي .(10) وتعكس هذه الفروق الرقمية عمق الهوة بين دول العالم ومناطقه مما يستدعي من الحكومات الآن وضع الاستراتجيات الخاصة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات لردم الفجوة الرقمية التي لا تنفك أن تتسع بين الشعوب المتصلة والشعوب غير المتصلة .

5- تصاعد الاتجاه صوب الخصخصة :-

    حازت مشاريع خصخصة المؤسسات العامة على أهمية متزايدة خلال عقد التسعينات من القرن الماضي ومطلع القرن الجديد في إطار الجهود الحثيثة التي أخذت تبذلها أغلب الدول النامية لإصلاح اقتصادياتها ، وبات لمسيرة الخصخصة زخم كبير مع ظهور النظام المالي والتجاري العالمي الجديد الذي يهدف إلى فتح الاقتصاديات على بعضها البعض بحيث يستند التعامل فيما بينها المنافسة طبقا لآليات السوق . وتقدر حصيلة الخصخصة الإجمالية في الدول النامية خلال الفترة 1990-2000 بنحو 342 مليار دولار .(11)

    ويرجع بروز الخصخصة واكتسابها أهمية متصاعدة إلى التحول الكبير الذي حدث في استراتيجية التنمية التي أتبعتها معظم الدول النامية ، وذلك من إستراتيجية شمولية ارتكزت على التوجيه المركزي للموارد وللإدارة الاقتصادية قادت على هيمنة القطاع العام على الاقتصاد وتفشي القيود الإدارية في جوانبه كافة ، إلى استراتيجية ترتكز على آلية السوق في تخصيص الموارد ، وتستهدف تحرير الاقتصاد من القيود وانفتاحه على الخارج وإفساح مجال أكبر أمام القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي . وقد ساهم في هذا التحول ضعف الأداء الاقتصادي وبروز الاختلالات البنيوية والمالية وتفاقمها .

    وبجانب الحاجة إلى تبني إصلاحات مالية وهيكلية تطول جوانب الاقتصاد كافة ، فإن من المسائل التي استدعاها التحول في  استراتيجية التنمية إعادة النظر في دور كل من القطاعين العام والخاص في النشاط الاقتصادي . وفي هذا الصدد، أصبح القطاع الخاص مطالب بالقيام بالدور الرئيسي في الإنتاج والتصدير ، ولذلك أخذت الدول بالعمل في إطار الاستراتيجية الجديدة على تطبيق السياسات التي من شأنها أن تفسح المجال أمامه للقيام بهذا الدور ، ومن أهمها تلك المرتبطة بخصخصة المؤسسات العامة ، ومن ناحية أخرى تساهم الخصخصة في تمكين الدولة من القيام بالدور الجديد المطلوب منها وذلك بأبعادها عن المجالات التي تقل فيها كفاءتها ودفعها للتركيز بدلا عن ذلك على المجالات الهادفة المتصلة بها والتي لا يمكن فيها الاعتماد على الأسواق وحدها ، ومن أهمها إنشاء البيئة الكلية المستقرة المحفزة للنمو والإشراف عليها وتشجيعها .

5- أحداث 11 سبتمبر 2001 :-

     بالرغم من أن التقييمات لأحداث الحادي عشر من سبتمبر وتداعياتها على مستقبل الاقتصاد الدولي وعلى مسارات التنمية الاقتصادية في دول العالم المختلفة ومنا الدول العربية ، لم تتبلور بالصورة الكافية ، بيد أنه يمكن تثبيت بعض الانعكاسات الاقتصادية لهذه الأحداث تمثلت بالاتي :

أ- ازدياد حدة الر كود الاقتصادي على الصعيد العالمي ، حيث تشير التقديرات المتاحة على أن معدل النمو في الدول الصناعية قد تدنى من 4.7% في عام 2000 إلى 2.2% في عام 2002 .(12) ، وهذا بالتأكيد سوف يؤثر في مسار النمو الاقتصادي في الدول النامية ومنها الدول العربية المنكشفة اقتصاديا على الدول الصناعية .

ب- انخفاض قدرات العديد من الدول في الحصول على الموارد المالية المطلوبة لتنفيذ الخطط التنموية من أسواق المال العالمية ، نتيجة انخفاض معدلات القروض وازدياد الاحتمالات المجهولة في أوساط المستثمرين ، فضلا عن عدم الرغبة في تحمل المزيد من المخاطر .(13)

ج- هبوط صافي تدفقات الموارد المالية الخاصة الطويلة الأجل على البلدان النامية حيث وصلت إلى 234 مليار دولار . (14)

    أما بالنسبة لانعكاسات أحداث 11 سبتمبر في الوطن العربي ، فقد تمثلت بتقلص موضوع السفر إلى الدول العربية بنحو 35% منذ 11 سبتمبر ، والخسائر المقدرة تصل إلى حوالي 10 مليار دولار ، وتنسحب الحالة كذلك على القطاع السياحي بفعل عزوف السياح الذين كانوا يأتون إلى الوطن العربي والذي يقدر عددهم بنحو 30 مليون سائح ينفقون سنويا ما يناهز 60 مليار دولار ، حيث تراجعت السياحة في الأقطار العربية بنسب وصلت إلى 38% في تونس ، 14% في المغرب ، 2.9% في مصر .(15)

    وعلاوة على خسائر قطاع السياحة العربية ، فقد تأثرت الاستثمارات العربية في الخارج وخصوصا في القطاع المصرفي ، حيث تعرضت حسابات الكثير من المؤسسات الإسلامية والأفراد إلى التجميد بحجة تمويل المجموعات المتطرفة ، فضلا عن هروب رؤوس الأموال المستثمرة وعودتها إلى الوطن العربي ، حيث قدرت الأموال العائدة بنحو200 مليار دولار مازلت تبحث عن فرص ومنافذ استثمارية في الوطن العربي الذي يعيش حالة لا استقرار لم يشهد لها مثيلا بسبب انعكاسات الأوضاع غير الطبيعية في العراق ، وتطورات القضية الفلسطينية .

ثانيا- التحديات التي تواجه التنمية العربية:

    يواجه الوطن العربي قدرا كبيرا من التحديات في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية . وسوف نتحدث فقط عن أهم التحديات التي تواجه التنمية العربية ، وتعوق قدرات الوطن العربي على التكييف مع التحولات العالمية ومواجهة تحديات السلام ومكافحة الإرهاب وحماية نفسه من التغييرات المعاكسة في الفضاء الاقتصادي الكوني ، ويمكن إيجاز مجموعة التحديات التي تواجه التنمية في الوطن العربي في ظل التغيرات والتحولات الدولية المعاصرة بالآتي :-

1-  تصاعد معدلات البطالة:

    يشكل تصاعد معدلات البطالة في الوطن العربي من أخطر التحديات التي تواجه الوطن العربي في ظل التحولات الاقتصادية الراهنة التي باتت تستدعي تقارب النظم الاقتصادية المختلفة وتداخلها والتأثيرات المتبادلة بينها وإلغاء الحواجز والفواصل والحدود بين الأنشطة الاقتصادية على الصعيد العالمي .

    وتشير أحدث التقارير إلى أن معدل البطالة في الوطن يبلغ 20% ، أي نحو (19) مليون عاطل عن العمل من أصل (180) مليون عاطل عن العمل في العالم ، بمعنى أخر يبلغ العرب نحو 4.5% من سكان العالم ، بينما يبلغ العاطلون عن العمل حوالي 10.6% من إجمالي العاطلين عن العمل في العالم أي أكثر من ضعف نسبة مساهمتهم في سكان العالم ، فمعدلات التدفق العربي إلى سوق العمل أعلى من بقية العالم مما يخلق نوعين من الضغط ، ضغط البطالة القائمة ، وضغط البطالة القادمة.(16)

     ويمكن تصنيف الأقطار العربية من حيث معدلات البطالة على ثلاث مجموعات ، الأولى تضم دول مجلس التعاون الخليجي والتي لا تزيد فيها معدلات البطالة عن 5% ، والمجموعة الثانية تضم الأقطار التي لا تزيد فيها معدلات البطالة عن 10% وتشمل كل من تونس 7.2% ،وسوريا 8.95% ومصر 8.2% ، واليمن 8.3% ،ولبنان 8.5% ، بينما تضم المجموعة الثالثة الأقطار التي تزيد فيها معدلات البطالة عن 10% وتشمل كل من الجزائر 26.4% ، والأردن 14.4% ، والمغرب 14.5% وموريتانيا 10.9% ، وليبيا 11.6% والسودان 15.9% . (17)

    وغني عن البيان أن معدل البطالة بين الشباب دون سن 25 سنة هو نصف المعدل العام للبطالة ، وهذه النتيجة تجعل الشباب والبطالة صفتين متلازمتين لفئة من السكان ينظر إليها دائما على أنها الأمل والمستقبل ، وهو ما يهدد المستقبل العربي . بالإضافة إلى ذلك ، فإن البطالة انتشرت بدرجات متزايدة بين خريجي التعليم العالي وبنسبة أكبر بين الإناث ، ويشير ذلك بجلاء إلى عدم قدرة السوق على استيعاب الداخلين الجدد المقدر أن يبلغ عددهم حوالي (47) مليون طالب عمل بحلول عام 2010 .(18)  

     ويمكن القول بأن تنامي معدلات البطالة يرجع على عوامل عديدة من أهمها ارتفاع معدلات النمو السكاني العربي ، وعدم تمكن الوطن العربي من خلق فرص عمل كافية تتوافق مع العرض المتمثل في الأعداد المتزايدة من الداخلين إلى سوق العمل بسبب تدني القاعدة الإنتاجية وضعف الاستثمارات ، بالإضافة إلى الاتجاه العام نحو تقليص الوظائف الحكومية ، نتيجة تطبيق برامج الخصخصة والإصلاح الاقتصادي ، وعدم قدرة القطاع الخاص في المرحلة الانتقالية للخصخصة ، من استيعاب جزء كبير من الداخلين على سوق العمل ، وعدم موائمة مخرجات التعليم لاحتياجات سوق العمل في الوطن العربي .

2-  اتساع حجم الفجوة المعرفية :

     يمثل اتساع الفجوة المعرفية بين الوطن العربي والعالم المتقدم صناعيا من أكبر التحديات المستقبلية التي تواجه التنمية العربية ، خصوصا بعد أن أصبح النمو المطرد في القطاعات الاقتصادية يعتمد بالدرجة الرئيسة على العلم والتقنية واللذان يعدان الماكنة الأساسية للتقدم الاقتصادي ، وتشير أحدث الدراسات إلى أن السلع ذات المحتوى التقني الواضح تمثل اليوم حوالي 70% من المنتجات المصنعة الحديثة .(19)

     ويلاحظ بان الفجوة المعرفية التي تفصل الوطن العربي عن العالم المتقدم صناعيا هي كبيرة ، ويمكن توضيح أهم معالمها بالآتي :-

أ‌-  لا تزال معدلات الأمية بين البالغين في الوطن العربي هي الأعلى بين الأقاليم في العالم ، حيث بلغت 38.8% في عام 2000 مقارنة مع 26.3% في الدول النامية ،و1.1% في الدول المتقدمة .(20)

ب‌-تدني نسبة الإنفاق على البحث والتطوير R&D كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي ، حيث بلغت 0.15% مقارنة مع 2.8% في اليابان ،و3.6% في السويد ، 2.8% في كوريا الجنوبية ، و2.4% في إسرائيل .(21)

ت‌-تقدر نسبة مستخدمي الإنترنت في الوطن العربي بنحو  4.57 لكل مائة نسمة ، وهي نسبة منخفضة مقارنة بالمعدل العالمي والبالغ 9.72 .(22)

ث‌-يقدر عدد الهواتف الجوالة لكل 100 شخص بنحو6.5  هاتف جوال مقابل 43.7 هاتف لكل 100 شخص في الدول الأوربية .(23)

ج‌- يقدر معدل امتلاك أجهزة الحاسب في الوطن العربي 6.72 لكل 100 شخص مقارنة بالمعدل العالمي  9.22لكل  مائة شخص .(24)

3-محدودية الموارد العربية وهدر الكثير ومنها :-

 تعد المياه من أكثر الموارد الطبيعية محدودية في الوطن العربي ، ومما يزيد الأمر سوء هو أن جل أراض الوطن العربي تقع في المناطق الجافة ، حيث لا تسقط الأمطار فيها إلا في القليل النادر . ويعتبر الوطن العربي من أكثر مناطق العالم فقرا في الموارد المائية إذ لا يتخطى المعدل السنوي لنصيب الفرد من المياه (1000) متر مكعب مقارنة (7700) متر مكعب على المستوى العالمي ، ومن المتوقع أن يتناقص هذا المعدل إلى (500) متر مكعب في معظم الدول العربية بحلول عام 2025 . علاوة على ذلك ، فإن حوالي نصف الموارد المائية العربية تنبع من خارج الوطن العربي ، كما أن هذه الموارد غير مستغلة برمتها ، بل يتم استغلال نحو 68% منها فقط .وطبقا لدراسة حديثة ، فغن حوالي 75% من الدول العربية تقع تحت خط الفقر المائي، ومن المتوقع أن تبلغ النسبة 90% بحلول عام 2030 .(25)

 أما بالنسبة لمصادر الأراضي ، فإن الوطن العربي يعاني من ندرة الأراضي أيضا ، حيث أن 54.8% من مساحته تعد أراض خالية ، وتمثل المراعي 26.8% ، والأراضي القابلة للزراعة 14.5% والغابات حوالي 3.9% ، وتمثل الأراضي المزروعة حوالي 29% من مساحة الأراضي القابلة للزراعة أو حوالي 4.2% من إجمالي المساحة الكلية للوطن العربي . وتتعرض غابات الوطن العربي والتي تمثل 3.9% من مجمل مساحته إلى ضغوط متزايدة ، وتفقد بمعدل سنوي 1.59% .وتعتبر إعادة زراعة الغابات الطريق الفعال لتعويض الفاقد من هذه الغابات ، بيد أن معدل التشجير وزراعة الغابات لا يوازيان معدلات الفقد ، علاوة عن أن أعادة زراعة الغابات لا يعوض الفقدان الذي يحدث في التنوع الحيوي الذي تضمه الغابات الأصلية .(26)

 وقد شكلت هذه التطورات ضغوطا على التنمية الزراعية العربية ، وبالتالي أصبح الوطن العربي عاجزا عن سد متطلباته الغذائية ، حيث بلغت قيمة الفجوة الغذائية العربية مع نهاية عام 2001 حوالي14.7مليار دولار ، بالرغم من مرور أكثر من أربعة عقود على جهود التنمية الزراعية العربية .(27)

4-  تحديات الاندماج بالاقتصاد العالمي :

 شهد الاقتصاد العربي ارتفاعا ملحوظا في مؤشر اندماج الاقتصاد العربي بالاقتصاد العالمي خلال العقود الثلاثة الماضية حيث أرتفع مؤشر الانكشاف الاقتصادي من 26% في عام 1970إلى69.5% في عام 2003 .(28)

 لقد أثرت عمليات الاندماج بالاقتصاد العالمي على أداء الاقتصاد العربي الذي بدأ بالتراجع منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي ، حتى مطلع القرن الحادي والعشرين ، ورغم أن هذا التراجع لا يخلوا من التذبذبات نحو الارتفاع أحيانا ، غير أن الميل للتراجع كان بارزا ، ويطغى على أي تذبذبات محدودة ومؤقتة في الاتجاه المعاكس . وكان حصاد ذلك تعرض الأهمية النسبية للاقتصاد العربي في الاقتصاد العالمي لتغييرات كبيرة سواء فيما يتعلق بحصة الوطن العربي من الناتج العالمي أو التجارة العالمية ، ففي عام 1980كان الناتج المحلي الإجمالي العربي يمثل 4% من الناتج العالمي، انخفضت النسبة إلى 2.7% في عام 2003 ، وكذلك الحال بالنسبة للصادرات العربية، فقد شهدت هي الأخرى هبوطا ملحوظا من 12.4% في عام 1980 إلى 4.1% في عام 2003 . ويشير هذا الانخفاض في المؤشرات إلى هشاشة الهياكل الاقتصادية ، وضعف الإنتاجية ، وتراجعا في الأداء الاقتصادي .(29)

ويمكن القول بأنه مع تزايد الاندفاع نحو انتهاج سياسات اقتصادية ومالية وتجارية تؤهل للاندماج بالاقتصاد الرأسمالي العالمي ، تتزايد المشكلات الاقتصادية والاجتماعية ، وتتدنى مؤشرات التنمية البشرية .فبينما يتمتع 2.34% من مجموع السكان العرب(البحرين، والكويت ،الإمارات، وقطر ) بتنمية بشرية مرتفعة ، فإن22.09% من السكان (السودان،اليمن ،جيبوتي ، موريتانيا) يعيشون في ظل تنمية بشرية منخفضة ، ويتمتع 75.57% من السكان بتنمية بشرية متوسطة يعيشون في باقي الدول العربية .(30)

ووفقا لتقارير البنك الدولي ، فإن حوالي 68 مليون عربي يعانون من الحرمان والفقر البشري . ويصل معدل معرفة القراءة والكتابة بين البالغين إلى نحو 61.2% ، ولا يحصل 26% من السكان العرب على المياه الصالحة للشرب ، و19.7% لا يتوفر لهم الصرف الصحي . وفي الوقت الذي يبلغ فيه متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي حوالي 17935 دولار في الإمارات ، فإنه ينحدر على 893 دولار في اليمن ، وهذا يعكس حجم التفاوت الكبير بين أقطار الوطن العربي .(31)

ومما يزيد الأمر سوءا ، أنه مع التدهور الحاصل في البيئة الاقتصادية والاجتماعية العربية ، تتصاعد الدعوة والضغوط إلى المزيد من الانخراط في الاقتصاد العالمي ، وتطبيق وصفات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والمتمثلة ببرامج الإصلاح والتكييف الهيكلي والتي لم تستطع أن تخفف من مشكلة المديونية العربية الخارجية والتي فاقت 147 مليار دولار في عام 2003 بعد أن كانت اقل من خمسين مليار دولار مع مطلع عقد الثمانينات من القرن الماضي.(32)

وفي الوقت الذي تستمر فيه الدول الصناعية الكبرى بالسيطرة على الثروات العربية ، فإنها تلوح بالمساعدات الإنمائية التي تقدمها إلى بعض الأقطار العربية والتي شهدت هبوطا ملحوظا خلال العقد الأخير من القرن العشرين ، وهو العقد الذي لاقت فيه شعارات العولمة وسياسات التحرير الاقتصادي والانفتاح على الخارج رواجا . ففي الوقت الذي بلغت فيه المساعدات حوالي 10.3 مليار دولار في عام 1991 ، انخفضت تدريجيا حتى وصلت إلى 3.7 مليار دولار في عام 2000 . وبينما كان نصيب الفرد العربي من هذه المساعدات حوالي 49.2 دولار في عام 1991 ، انخفض إلى 15.2 دولار في عام 2000 .(33)

5-ضعف التجارة العربية البينية ، وتدني الاستثمار العربي البيني:-

اتسمت مسيرة التنمية العربية بالاعتماد على الخارج ، ويرجع ذلك إلى الاختلال الهيكلي في الاقتصاديات العربية ، من حيث تخلف القاعدة الإنتاجية ، والاعتماد على تصدير الخامات واستيراد الآلات والمعدات والسلع المصنعة .

  وتشير العديد من الدراسات والأبحاث إلى أن حجم التجارة بين الأقطار العربية هو ضعيف جدا عند مقارنته بحجم التجارة الخارجية العربية مع الدول المتقدمة صناعيا ، فالصادرات العربية البينية لا تسهم سوى ب(7.7%) من الصادرات العربية الإجمالية ، أما بالنسبة للواردات العربية البينية فلا تشكل سوى (9.5%) من الواردات العربية الإجمالية لعام 2001 .(34)

وفيما يتعلق بالاستثمارات العربية البينية والذي بلغها رصيدها التراكمي حوالي 35.9 مليار دولار خلال الفترة من 1985-2004 ، فلازال حجمها بسيط مقارنة بحجم الاستثمارات العربية في الخارج والتي يقدرها الخبراء المصرفيون بأكثر من تريليون دولار . ويشير تقرير مناخ الاستثمار في الدول العربية لعام 2004 ، إلى أن إجمالي الاستثمارات العربية البينية قد بلغ بحدود 5.9 مليار دولار ، تركزت 75% منها في قطاع الخدمات ، و23% في قطاع الصناعة ، 1.3% في قطاع الزراعة .(35)

 فضلا عن ذلك فإن الوطن العربي قد أخفق في استقطاب الاستثمارات الأجنبية خلال الفترة الماضية ، حيث لم يتجاوز نصيب الوطن العربي من التدفقات الاستثمارية المباشرة العالمية نسبة 2.5% من إجمالي هذه التدفقات الموجهة إلى أسواق الدول النامية خلال الفترة من عام 1998إلى 1999 ،ففي الوقت الذي أرتفع فيه نصيب الوطن العربي من الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 7.7 مليار دولار عام 2003 ، غير أن هذا الرقم لا   يشكل سوى 1% من إجمالي حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة .(36)

ثالثا- سبل مواجهة التحديات :

أن مواجهة التحديات التي أفرزتها التغييرات والتحولات الاقتصادية العالمية تستدعي تبني برنامج عمل ،يتضمن القيام ببعض الإجراءات الفعلية ، وفي محاور عديدة ، من شأنها أن تخلق المناخ المناسب الذي يفتح الأفاق الرحيبة أمام التنمية في الوطن العربي ، وتتمثل هذه المحاور بالآتي :-

1-  تعزيز القدرة التنافسية العربية:

يمكن للدول العربية أن تمارس دورا محسوسا ومهما في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية وذلك من خلال قيامها بمجموعة من الإجراءات التي تعزز من القدرة التنافسية العربية الأساسية في ظل التغيرات الاقتصادية العالمية المعاصرة ، وتتمثل هذه الإجراءات بالآتي :

أ- تغير طريقة الاستثمار في المستقبل : التركيز المكثف على الاستثمار في راس المال الاجتماعي – المعرفي بالمعنى الشمولي لهذا المصطلح .

ب- تغير طريقة تعامل القطاع العام مع القطاع الخاص : التشديد على تنمية القطاعات الاستراتيجية ، ومجموعة الشركات الاستراتيجية ن والمبادرات الجماعية والتعاون الإقليمي ، والمـهم من هذا كله هو إزالة العقبات التي تحول دون المشاركة الشعبية في مجالات التنمية المختلفة .

ج- تغيير إدارة الاقتصاد : التشديد على بناء أنظمة قوية ومرنة لخلق اقتصاد قابل للتكيف وقادر على تحديد الرابحين .

د- تغيير بنية البيروقراطية : التشديد على الفعالية والاستحقاق والخبرة والمسئولية والشفافية

ه- تغيير ميزان القوى بين القطاع العام والمجتمع المدني : التشديد على موازنة وتعزيز المؤسسات التي تلعب دور الوسيط بين الدولة والمواطنين ، وتقوية الممارسات الديمقراطية التي تسمح للبلدان الصناعية بتحقيق استفادتها وتقدمها .

و- بناء البنية التحتية الضرورية بكافة أشكالها . (37)

2- تنمية أسواق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات :

يعد نضج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مرادف لقدرة الدولة على تطوير أسواق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والإفادة من المنافع الاقتصادية . وبهدف مواجهة التحديات التي تواجه إنماء أسواق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الوطن العربي لا بد من تبني مجموعة من السياسات من أهمها ما يلي :

أ- وضع خطة واضحة وشاملة لتطوير تكنولوجيا المعلومات مدعومة من القيادة السياسية العليا .

ب- سن أنظمة وقوانين في ميدان الاتصالات لتشجيع المنافسة عن طريق تنظيم القطاع الاتصالات وتحريره وخصخصته .

ج- السعي من اجل توافر الأجهزة لدى الأفراد والشركات والقطاع العام ، ووضع برامج تأهيل وتدريب الكوادر البشرية لتحسين قابلية اللاعبين في السوق للاستفادة من منافع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات .

د- اقتراح الاستراتجيات الملائمة للحكومات لتوفير الخدمات الحكومية الإلكترونية .

هـ- غلق الفجوة الرقمية عن طريق اتخاذ مبادرات ايجابية وسط فئات المجتمع الأقل إقبالا على خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات .

و- تعزيز التوعية الإلكترونية في مجتمع المعلومات .

ز- حفز الخدمات عبر الإنترنت من خلال تطبيق الحكومات استراتيجيات وسياسات ترمي إلى زيادة معدلات استخدام الإنترنت لدى الأفراد والشركات والحكومات .

ح- تشجيع الإلمام بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات من خلال التدريب وبرامج التوعية والتثقيف وبناء الثقة .

ط-  تضمين مناهج التعليم المعرفة والمهارات المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.(38)

3- بناء راس المال البشري المؤهل :

تعد الحاجة على تكوين كوادر بشرية منتجة ومؤسسات عمل تمكنها من دعم دورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية واحدة من ابرز التحديات التي تواجه الوطن العربي في سعيه إلى التقليل من الفجوة التنموية التي تفصله عن العالم المتقدم . إن بناء رأس مال بشري ذو نوعية جيدة يستدعي القيام بما يلي :

أ- النشر الكامل للتعليم الأساسي ، مع إطالة مدته الإلزامية على عشر سنوات على الأقل وتوسعة نطاق التعليم بعد الأساسي باطراد.

ب- استحداث نسق مؤسسي لتعليم الكبار مستمر مدى الحياة ،فائق المرونة ودائب التطور بهدف المكافحة الفعالة للامية الأبجدية والثقافية من جانب ، وتحقيقا لمبدأ التعلم مدى الحياة لخريجي النظام التعليمي من جانب أخر .(39)

ج- إيجاد وسائل داخل مراحل التعليم كافة تكفل ترقية نوعية التعليم ، بما يؤدي إلى تبلور مسار الحداثة والتميز والإبداع كمدخل للإمساك بناصية المعرفة والتكنولوجيا الأحدث في الأقطار العربية .

د- ضرورة تعظيم التعليم العام بالمهارات العملية والنشاطات التصنيعية والإنتاجية للمساهمة في تنمية الاتجاهات الايجابية السليمة نحو العمل لدى الأفراد ، واعتبار العنصر المهني في التعليم العام احد الاحتياجات التدريبية للمواطن .

ه – رفع مستويات المهارات((التعلم من خلال التنفيذ ، التخلي عن المشاريع المنعزلة وتطبيق برامج تدريب جماهيرية وقابلة جدا للاستيعاب )) كما يجب أن يتم التشديد هنا على بناء القدرات الإنتاجية الداخلية التي يمكنها أن تستوعب المهارات العربية وتدربها في أماكن العمل والمدارس وفي كل مكان .

4- تقوية وتفعيل منظومة البحث والتطوير :

    كانت العناصر الملموسة مثل رأس المال ، العمل ، الموارد الطبيعية هي القوة الدافعة خلف التنمية الاقتصادية خلال القرن العشرين ، ولكن في القرن الحادي والعشرين تمنح العناصر غير الملموسة أو ما يطلق عليه الاقتصاديون بمعامل تقدم المعرفة والمتمثل بالمعلومات والإبداع حدا تنافسيا .

 وأثبتت التجارب التنموية الخلاقة في اليابان وكوريا الجنوبية إلى أن الدول التي تولي اهتماما متصاعدا بمنظمة البحث والتطوير هي التي تستطيع أن تخلق المعجزات الاقتصادية وبفترات زمنية قياسية ، لذا فإن السبيل الأمثل لبلوغ التنمية العربية غايتها يتجسد بتقوية منظومة البحث والتطوير العربية التي لا زالت ضعيفة وغير قادرة على تحقيق التفاعل الخلاق بين المؤسسات والمراكز البحثية وقطاع الاقتصاد المختلفة.

    وبهدف تقوية منظومة البحث والتطوير في الأقطار العربية كي تأخذ دورها الفعال في عملية التنمية الاقتصادية لابد من تبني الإجراءات التالية :   

أ- توفير البيئة الملائمة للابتكار والإبداع من خلال التفاعل المباشر بين الدولة والقطاع الإنتاجي والمراكز البحثية .

ب- إعادة هيكلة نظام التطوير التكنولوجي الوطني بحيث يأخذ بنظر الاعتبار العناصر الأساسية للتطوير كافة.

ج- رفع مستوى التمويل المخصص للبحث والتطوير إلى 1.5% على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2005 على أن ترتفع النسبة 2.5% في عام 2010 .

د- تشجيع القطاع الخاص على الإنفاق على البحث والتطوير بتقديم الحوافز كالإعفاءات الضريبة أو استخدام ضرائب المبيعات المجيرة للبحث العملي والتطوير التكنولوجي .

ه- تشجيع أسلوب التعاقد بين مؤسسات البحوث العلمية والتكنولوجية ، والجهات المستفيدة بوصفها أحدى الوسائل الناجحة في تنشط حركة البحث العلمي والتطوير العربية ودعمها.

و- أعطاء الأسبقية في مجال البحث والتطوير للمشكلات الحادة التي تواجه الوطن العربي ، وتستدعي المواجهة السريعة لها ، كمشكلات نقص المياه وتدهور الموارد الأرضية والغابات، وانخفاض الأداء الاقتصادي والفقر . (40)

5-  خلق المناخ الاستثماري الجاذب :

 بالرغم من أن عدد سكان الوطن العربي يناهز 300 مليون نسمة ، ويمتلك ثروات تجعله من أغنى بقاع المعمورة سواء من حيث الموارد البشرية أو الموارد الطبيعية ، مما يجعل منه بؤرة استقطاب للفرص الاستثمارية ،غير أن أداء الاقتصاديات العربية لم يكن متناسبا مع هذه الطاقات ، فالناتج المحلي الإجمالي العربي بلغ 711 مليار دولار فقط ، وهو يقل كثيرا عن الناتج المحلي الإجمالي لدولة مثل ايطاليا ، كما أن حصة الوطن العربي من الاستثمارات الأجنبية المباشرة على الصعيد العالمي لم يتخطى 1% . ويمكن تفسير هذا الواقع بعدم ملائمة المناخ الاستثماري العربي ،وغياب الفرصة الاستثمارية الجاذبة .

 لذا فإن جعل البيئة العربية جاذبة للاستثمارات الأجنبية والعربية يستدعي من الأقطار العربية أن تقوم بإجراءات حاسمة لتحسين المناخ الاستثماري فيها ، وهذا يتحقق من خلال اتخاذ الإجراءات التالية : )41)

أ- خلق وكالات تصنيف إقليمية .

ب- وضع المعايير القياسية الإقليمية ، وتحديد الحد الأدنى من متطلبات الملكية الفكرية .

ج – تسهيل حركة تدفقات رؤوس الأموال ، إلى جانب أحداث الإصلاح الاقتصادي في الأقطار العربية .

د- توفير البنية الأساسية ،والتشريعات القانونية والتنظيمية الملائمة لاستقبال الاستثمارات الأجنبية والعربية .

هـ- الاهتمام بتقديم الأساليب المبتكرة ونقل المعرفة التكنولوجية .

و- منح فرص متكافئة للمستثمرين المحليين والعالميين ((حيث أن صغر المساحة الممنوحة للمنافسة تقتل فرص الإبداع والابتكار )) .

6-  تكثيف التعاون الاقتصادي بين الأقطار العربية :

أن تكثيف التعاون الاقتصادي العربي بشكل يوصل إلى درجة عالية من الاندماج الاقتصادي يستدعي تبني برنامج عملي يقوم على تبني الإجراءات التالية :

أ- تعزيز الاتجاه صوب تقارب النظم الاقتصادية نحو هدف مشترك يتمثل في تحرير الأسواق الداخلية وتشجيع القطاع الخاص ، وتعزيز المسئوليات الاجتماعية والتنظيمية للدولة

ب-  تعزيز السياسات التنموية المرتكزة على الانفتاح نحو أسواق التصدير شريطة برمجة هذا الانفتاح من خال أسبقية الإلتزام باتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية بالنسبة للأقطار العربية ، وبهدف إنشاء السوق المشتركة والاتحاد الجمركي الكامل بين جميع الأقطار العربية .

ج- إنشاء صندوق مالي للتعويض والمساعدات الفنية لمساعدة المنشآت الإنتاجية المتأثرة بتحرير الأسواق تنفيذا للالتزامات الناتجة عن اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية .

د- إ نشاء إدارة متخصصة مزودة بالكفاءات الفنية وذات صلاحيات رفيعة وواسعة في شؤون منطقة التجارة الحرة في كل بلد عربي ، وجعل هذه الإدارة هي المسئولة عن السياسات الاقتصادية المرتبطة بالتجارة الخارجية أو أي اتفاقات متعلقة بها .

هـ-  قيام مؤسسات المجتمع المدني المتخصصة في الشأن الاقتصادي مثل اتحاد المستثمرين ، ومنتدى سيدات الإعمال بممارسة دورها في التوعية والتثقيف بأهمية التعاون الاقتصادي العربي .

و- النظر في جميع القوانين والأنظمة التجارية والاقتصادية والمالية ذات العلاقة بحركات المنتجات والخدمات والعلاقات المشتركة بين مواطني الأقطار العربية بقصد التقريب وتحقيق التجانس بين تلك القوانين والأنظمة .

ز- السعي لتوحيد أسواق المال العربية بما يسهل استيعابها للمدخرات المتعددة المنشأ في الأقطار العربية ، وتوظيف هذه المدخرات في الشركات العربية أو في السندات الصادرة على أساس عربي غير قطري . (42)

 وختاما نقول أن مواجهة التغييرات الاقتصادية العالمية وانعكاساتها على التنمية العربية ، هي مسالة ممكنة إذا ما أبدت الدول الغربية استعدادا للتعاون مع القيادات السياسية والاقتصادية في الأقطار العربية ، ودعم مبادرات التغيير والتطوير فيها .

الفصل الثاني: العدالة في التوزيع تجعل المجتمع أكثر أمناً …

العالم العربي، هو من أكثر المناطق في العالم التي خضعت لتغييرات عملاقة متتالية في أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، خلال النصف الثاني من القرن الماضي. وبرغم ضخامة التغييرات هذه بقيت معظم الكتابات والتحاليل حول تطور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، غير مهتمة بتحديد نوعية التغييرات وتأثيرها على أنماط التنمية وآليات توزيع الدخل في الوطن العربي، والحقيقة إن الاهتمام المتزايد بظواهر الفقر وطرق قياس الفقر وآليات تخفيف وطأة الفقر، لا يغني عن التركيز على دراسة تطور بنية توزيع الثروات والمداخيل. فقد كانت آليات توزيع الدخل من المواضيع المهمة في الاقتصاد السياسي، غير أنها هُمّشت في العقود الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بالدول النامية، حيث تركّز الاهتمام على الإصلاحات الاقتصادية الإجمالية وضرورات التحرير الاقتصادي وتقليص حجم الدولة في الاقتصاد. وبالرغم من التغييرات العملاقة المتتالية في العالم العربي، قليلا ما أدخلت قضية توزيع الدخل والثروات في التحليل خارج الأدبيات الاقتصادية الماركسية التقليدية .

ومن اللافت للنظر في هذا السياق، بالإضافة إلى هذا الفراغ في الدراسات حول الاقتصادات العربية، فقدان المعطيات الإحصائية حول توزيع الثروات والممتلكات والمداخيل في الأقطار العربية. فأنظمة المحاسبة الوطنية في الأقطار العربية تهتم بتحديد القيمة المضافة للقطاعات الاقتصادية على غرار أمثلتها في دول العالم، إنما لا تتعمق في تفصيل توزيع عناصر القيمة المضافة بين الرواتب والأجور من جهة وأرباح الرأسمال من جهة أخرى، كما لا تدخل في أي نوع من أنواع التحليل للمداخيل بين مداخيل ريعية الطابع ومدا خيل ناتجة عن مصادر إنتاجية.

ومن العناصر الإحصائية الناقصة أيضا لتحليل آليات توزيع الثروات والدخل، ما تقوم به الأجهزة الإحصائية في بعض الدول المتطورة من مسوحات حول الثروة الوطنية، أي قيمة جميع أنواع الأصول والممتلكات، من عقارية ريفية وعقارية مدينية وصناعية وخدماتية، وتوزيعها على فئات السكان المختلفة.

كما لا تقوم الأجهزة الإحصائية في الدول العربية بدراسة المداخيل المتأتية من القطاعات اللاشكلية (Informal Sector) أو من التحويلات المالية غير الرسمية النابعة من وجود جاليات اغتراب عربية في العالم العربي نفسه وخارجه. ربما يشجع هذا الفراغ الإحصائي قلة الاهتمام بموضوع توزيع الثروات والمداخيل خارج نطاق أدبيات مكافحة وتخفيف الفقر على أهميتها،،ويمكن أن يعزى أيضا فقرنا في الإحصاءات حول توزيع الدخل والثروات، إلى عدم استعمال الإحصاءات الضريبية، وخاصة إحصاءات ضريبة الدخل، وهي من أهم المصادر في جمع معطيات توزيع الثروات والمداخيل في الدول الصناعية، مع الإشارة إلى ما يشوب هذه الإحصاءات في العالم العربي من عدم الدقة نظرا لتفشي ظاهرة تهرب المكلفين عن التصريح بحقيقة مداخيلهم المختلفة وسوء تنظيم معظم الإدارات الضريبية العربية .،

إن الصورة الإحصائية لسوء توزيع الدخل في الدول العربية من خلال المؤشرات الدولية للتنمية البشرية، لا تبدو قاتمة بالوهلة الأولى، بل نرى أن بعض الدول العربية يبدو فيها نمط توزيع الدخل أقل سوءاً من ناحية العدالة عن الكثير من الدول النامية أو الصناعية. وبشكل عام، فان المؤشرات الوسطية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي أعلى من مؤشرات معظم المناطق النامية الأخرى من العالم. فالجدير بالإشارة أن مؤشر جيني (Gini Index) لجمهورية مصر العربية، على سبيل المثال، هو 28,9، قريب من مؤشر جيني لإيطاليا (27,3) وأعلى من المؤشر لكوريا (31,6) أو هولندا (32,6) أو سويسرا (33,1) وهو أعلى من المؤشر ذاته للولايات المتحدة (40,8).

ونرى كذلك أن هذا المؤشر للمغرب (39,5) هو أعلى من المؤشر العائد للولايات المتحدة أو لتونس (40,2). وكذلك الأمر بالنسبة إلى تفاصيل توزيع حصة أغنى وأفقر شرائح في المجتمع من المداخيل ، وهذه الصورة الإحصائية لا تتفق مع ما نعرفه عبر المشاهدة اليومية من سوء توزيع الدخل والثروات في البلدان العربية، بالإضافة إلى الظواهر الأخرى مثل تفشي الأمية لدى بعض الفئات الاجتماعية وعدم حصول فئات واسعة على الخدمات العامة الرئيسية مثل العناية الصحية والتربية أو حصولها على خدمات ناقصة أو متدنية في جودتها وأدائها. أضف إلى ذلك انعدام وجود فرص العمل الكافية أو صعوبة الحصول على موارد مالية للتمكن من إنشاء نشاط اقتصادي يسمح بالعيش الكريم. وليس هنا المجال في البحث عن الفجوة الظاهرة بين الصورة الإحصائية والواقع، بل سيكون اهتمامنا مركزا على تحليل أهم التطورات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي حصلت في المنطقة العربية والتي أثرت على أنماط التنمية وأنماط توزيع الدخل والممتلكات والثروات الرئيسية، وذلك للوصول إلى بعض التوجهات في السياسات الاقتصادية، التي من شأنها تحسين آليات توزيع الدخل في المنطقة العربية .(41)

الإرث الاقتصادي بعد الاستعمار :

إرث الاقتصاد العثماني والاستعمار الغربي ورثت الأقطار العربية عند نيل استقلالها إرثا مزدوجا بين تركز الملكية الزراعية في أيدي عائلات قليلة، وتركز الملكية الصناعية وملكية أهم المؤسسات الخدماتية في أيدي شركات غربية أو أبناء الجاليات الأوروبية المستوطنة في الأقطار العربية، كذلك في أيدي بعض العائلات المحلية أو المنحدرة من أصل عربي، كما كان الحال في مصر بالنسبة إلى جالية ما كان يسمى بالشوام، أي العائلات اللبنانية والسورية المهاجرة من ديارها إلى مصر. وفي بعض الأقطار مثل الجزائر أو ليبيا، فان الهيمنة الاقتصادية الاستعمارية كانت قد أدت إلى تهميش كامل، بل استبعاد (exclusion)، أهل البلاد من التمتع بثرواتها وخيراتها، بما فيها حيازة الأراضي الزراعية الخصبة، وذلك على خلاف الوضع في سوريا ولبنان والعراق ومصر حيث بقي الكثير من العائلات المحلية والعشائر تتمتع بحيازة أراض زراعية واسعة. وقد كانت هذه الحيازة أهم مصدر للثروة والمداخيل. أما في الجزيرة العربية، فقد كان الفقر والعوز يسيطران سيطرة كاملة على السكان قبل اكتشاف النفط وبداية استغلاله إن مقومات الثروات والمداخيل في الأقطار العربية كانت مقتصرة على حيازة الأملاك الزراعية من جهة، وبعض النشاطات الصناعية الخدماتية الطابع، بما فيها المصارف، والتي كانت تتميز ببنية شبه احتكارية أو لها موقع احتكار القلة (Oligopoly) في معظم الحالات، من جهة أخرى. وكانت الثروات والمداخيل تقسم بين أبناء الجاليات الأوروبية وكبريات الشركات الأوروبية العاملة في الأقطار العربية وأهل الأقطار بنسب متفاوتة بين قطر وآخر.

وكانت في كل الأحوال الثروات والمداخيل مركّزة في أيد قليلة لم تكن تمثل أكثر من اثنين في المائة إلى خمسة أو ستة في المائة، كما كان الحال بالنسبة إلى معظم الأقطار التي خضعت لأحد أنواع الهيمنة الاستعمارية. ليست الغاية هنا الدخول في الجدل حول دور الاستعمار الاقتصادي، وكما هو معروف، فان كارل ماركس وجميع الباحثين التابعين لمنهجه في التحليل الاقتصادي رأوا أن الهيمنة الاقتصادية من قبل الدول الأوروبية على معظم أقطار العالم كانت جزءا من مسار تحديثي عام أمّن انتقال الأقطار العربية في أنظمة اقتصادية إقطاعية وراثية الطابع (Patrimonial) إلى أنظمة رأسمالية، ولو كانت الرأسمالية المعمول بها في المستعمرات لها طابع وحشي ومتأخر، فالمهم في نظر الاقتصاديين الماركسيين هو الدخول في الحداثة الاقتصادية.

والحقيقة أن اقتصادات الأقطار العربية امتازت بطابعها الإقطاعي في حيازة الأراضي الزراعية وطابع الرأسمالية المتأخرة المبنية على احتكار القلة في أهم النشاطات الاقتصادية وسيطرة مصالح الدول الاستعمارية عليها وهذه السمة الرئيسية للاقتصادات العربية عند نيل استقلالها كانت السبب الرئيسي في تركز الثروات والمداخيل تركزا شديدا يعيق إمكانيات النمو الذاتية. إن التطورات الرئيسية التي ستحصل بعد نيل الاستقلال ستغيّر بشكل أساسي من هذا النمط في توزيع الثروات والمداخيل في الأقطار العربية، وهي تطورات لها علاقة مباشرة أما بأحداث سياسية واقتصادية داخلية، إما بأحداث خارجية هامة، خاصة في مجال تكثيف استعمال الطاقة. وستشهد أحيانا الساحة الاقتصادية العربية تطورات عملاقة ناتجة عن تشابك العوامل الداخلية بالعوامل الخارجية بشكل معقد ومتعدد الجوانب. وكما يقول أحد الباحثين في أمور الفقر: <<إن وجود الفقر يعبّر عن حالة اختلال هيكلي في نمط توزيع الثروات والدخول وبالتالي نوعية الحياة، وإن هذا الوجود يرد في بعدين: داخلي لبلد، وخارجي بين البلدان، فهو حالة منتشرة وليست محصورة

من أهم العوامل التي أثرت على تغيير نمط توزيع الثروات والدخل الأحداث السياسية المختلفة التي حصلت إبان الاستقلال أو بعدها. إن أشكال إزالة الاستعمار اختلفت بين قطر وآخر، إنما النتائج كانت متشابهة في نهاية المطاف في الأقطار التي عانت من استيطان جاليات أوروبية واستئثارها بأهم النشاطات الاقتصادية (مصر، ليبيا، الجزائر، المغرب، تونس)، مع الإشارة إلى اختلاف الإيقاع الزمني للتغيير. ففي الجزائر مثلا غادرت الجالية الفرنسية بسرعة بعد نيل الاستقلال مما أدى إلى تغيير سريع للغاية في نمط توزيع الثروات والدخل، بينما في مصر لم يبدأ التغيير إلا بعد تأميم قناة السويس عام 1956 وكان نمط التغيير تدريجيا امتد ما بين 1956 و1961، أما في المملكة المغربية، فان حركة انتقال الملكيات والممتلكات من الأوروبيين إلى المواطنين المغربيين والدولة المغربية لم تتم إلا في السبعينات وبأساليب مختلفة عن أسلوب التأميم كما حصل في كل من مصر والجزائر مثلا.(41)

الفصل الثالث: العدل أساس الملك…

 حكمة قديمة يثبت التاريخ والواقع مصداقيتها إلى حد بعيد فإذا ساد العدل في مجتمع من المجتمعات فإن الإنسان يعيش آمناً في نفسه آمناً على أهله وماله وبالتالي يشعر بانتمائه الحقيقي للمجتمع الذي يعيش فيه وفي ظل هذا  الانتماء القوي من الفرد للمجتمع والدولة تنمو الحاجة الملحة للدفاع عن كيان هذا المجتمع وهذه الدولة في كل عضو من أعضائه ولذلك نجد هذا المجتمع متيناً متماسكاً عصياً على الأعداء لا يستطيعون النيل منه لأن كل فرد في المجتمع يعلم أنه إن لم يهب للدفاع عن هذا المجتمع فإنه في ظل الأعداء سيسام الهوان والذل فيرفض ذلك بطبيعته وهكذا تستمد هذه المجتمعات متانتها في مواجهة العدوان الخارجي .

 أما داخلياً فمن المعلوم أن لا يوجد المجتمع الملائكي على وجه هذه الأرض فالبشر بطبيعتهم خطّاءون وحتى مجتمع الصحابة رضوان الله عليهم وهو خير مجتمع عرفته الإنسانية لم يخل من قاتل أو لص أو زان أو منحرف ولكن المجتمع بشكل عام كان مجتمعاً فاضلاً متماسكاً يقف كله في مواجهة أي انحراف أو خروج على النمط الاجتماعي الإسلامي . فلم تكن الحكومة وحدها هي المسئولة عن تطبيق القانون ولكن الشعب بأكمله كان مسئولاً عن ذلك . ولذلك كانت أي مخالفة للقانون أو خرق له تواجه أول ما تواجه من أقارب المخالف أنفسهم لأنهم لا يريدون أن يخرج من بينهم أي شخص غير ملتزم من الممكن أن يسئ إلى سمعة العائلة .

 ومن هنا نستطيع أن نفهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ” فقد استهجن الصحابة هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كان هذا القول هو شعارهم في الجاهلية فاستغربوا أن يكون ماضياً في الإسلام فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يا رسول الله أنصره مظلوماً فكيف أنصره ظالماً ؟ قال ترده  عن ظلمه فذلك نصره . وهكذا أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم قيمة جديدة لهذا المثل وبعداً إسلامياً واضحاً . فحين يكون المجتمع متواصياً بالحق متواصياً بالصبر ملتزماً بالنصيحة متكاتفاً في مقاومة المنكر يشعر الفرد أن هذا المجتمع مجتمعه وأنه يستحق أن يعيش فيه وينتمي إليه ويدافع عنه .

ولكن في المجتمعات الحديثة التي يعيش فيها المسلمون يشعر المواطن المسلم بالاغتراب في مجتمعه لأنه إذا ظلم فلن يجد له نصيراً في القضاء . بل يكثر الناصحون من حوله : ابتعد عن طريق هؤلاء وإلا تعقدت أمور حياتك أكثر ، في ظل الأنظمة العربية المعاصرة أكلت الدولة حقوق الأفراد واستباحت حرماتهم فتجسست عليهم وراقبت تحركاتهم وسامتهم العذاب ألواناً ، وأكلت أموالهم ، ومنعت حقوقهم ، فإذا صرخ مظلوم لم يجد أُذناً صاغية ، وإذا استغاث ملهوف لم يجد من يجيب فأصبحت هناك فجوة سحيقة بين النظام الحاكم وبين الشعب تتجلى في خذلان الشعوب باستمرار لهذه الأنظمة في كل معركة تخوضها هذه الأنظمة مع أعدائها في الخارج وكذلك سرعة تحول الجماهير بإعطاء ولائها السريع لأصحاب الانقلاب الجديد على النظام السابق

 ويجب ألا تغرنا هذه الجماهير التي تساق لتأييد هذا النظام أو ذاك في مظاهرات صاخبة تصل أعدادها إلى الملايين أحياناً فالله يعلم كيف تساق هذه الجماهير خوفاً وطمعاً وكذلك يجب ألا تغرنا النسبة في صناديق الاقتراع التي ينجح فيها الرئيس بنسبة 99,999% فنفس هذه الجماهير ستهتف للرئيس الجديد الذي قتل الرئيس السابق ونفس النسبة سيحصل عليها الرئيس الجديد 99،999% ونفس الجماهير ستلعن الرئيس السابق في العلن لأنه قد سمح لها أن تلعن في العلن ولكنها في نفس الوقت تلعن الرئيس الجديد  في سرها لأنها لا تستطيع أن تلعنه علناً . ومن هنا كانت قولة الدكتاتور المصري السابق إسماعيل صدقي حين شتم الجماهير التي كانت تصفق له حينما كان رئيساً للوزراء وشتمته عندما ابتعد عن هذا المنصب فقال للجماهير ” يا شعب كل حكومة ” أعرف مديراً عاماً سابقاً كان الكل يخطب وده حين كان في إدارته وأفواج المتزلفين تأتي إلى مكتبه وإلى بيته وتحييه في الشارع وتتقرب إليه بكل وسائل التقرب حتى إذا أُقيل بعد أن بلغ سن التقاعد أصبح يعاني من عزلة شديدة لا يكاد يرى من حوله أحداً وقال في مرارة ليس في الدنيا صديق وفي وما درى هذا المسكين أن الدنيا مليئة بالأصدقاء الأوفياء ولكن أفعاله السيئة أبعدت عنه كل الأصدقاء الأوفياء وجمعت من حوله كل منافق صاحب مصلحة حتى إذا لم يبق عنده مصلحة لم يبق عنده أحد . ومضى ولا أحد يترحم عليه ولكن أنات المظلومين ودعواتهم تلاحقه في قبره بعد وفاته .

 إن الجندي الذي يفتقد الكرامة ويتعامل معه ضباطه وقادته باحتقار لا يثبت في ساحة المعركة لأنه لا يملك الكرامة حتى يدافع عنها وهذا الأمر هو الذي يفسر لنا فرار الجيوش العربية في ساحة المعركة والمواجهة مع الأعداء وهذه القلة التي تثبت إنما تثبت لأسباب أخرى أهمها أنها تجاهد في سبيل الله وليست في سبيل فلان أو علان .

 وإن المخلصين من مدنيين وعسكريين حين يرون الترقيات تذهب لكل منافق ومتزلف في الوقت الذي يحرم هؤلاء المخلصون منها فإنهم يفقدون مع الزمن الدافع للجد والإخلاص والانتماء لهذا الوطن الذي يقطنونه والمثابرة إلا من رحم الله .

 ومخطئ من يتصور أن الشعوب تستنيم للظلم وترضى به ، فهي تختزن في داخلها كل مظلمة تمر بها وقد يطول بها القهر فتجد المتنفس في الإفساد والانتقام من الظالم بشكل سلبي بحيث لا تتجاوب معه حين يطلب منها الوقوف معه بل تخذله في أول منعطف أو تختزن القهر في داخلها حتى إذا تراكم أصبح كقدر الضغط ينفجر في أي لحظة ومشكلة الكثير من الظالمين أنهم حين يرون قدر الضغط تتنفس يظنونها هادئة وان الضغط والحرارة في داخلها تحت السيطرة ومشكلة هؤلاء الظالمين أنهم يعميهم جنون العظمة عن معرفة الحقيقة ، وكذلك يعميهم حب الثناء الذي يقوم به المنافقون من حولهم فينتفشون ولا يستمعون لنصيحة مخلص أمين . وهكذا يفتح هؤلاء أعينهم على أحد مصيبتين إما هزيمة ساحقة على يد الأعداء أو انفجار ثورة عارمة لا تبقي ولا تذر تعصف بهم وبعروشهم وما يحدث في العالم اليوم في مناطق عديدة يؤكد صحة  ما نقول وحقائق التاريخ تؤكد صحة هذا القول . وحقائق القرآن الكريم تؤكد هذا ” وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ” . وحين سئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ” أيوشك أن تخرب القرى وهي عامرة ” قال ” نعم إذا علا فجّارها على أبرارها ” هذه الحكمة الرائعة تفسر لنا الوعي التاريخي عند عمر رضي الله عنه وتحذرنا جميعاً من استمرار علو الفجار على الأبرار فإن النتيجة هي الدمار الشامل والعياذ بالله .

 ولذلك إذا أرادت الأمة أن تنقذ نفسها قبل فوات الأوان وقبل حصول الانفجار الكامل لا بد من العمل الحثيث من أجل أن تكون كفة الأبرار هي الراجحة في المجتمع الإسلامي وهذه مسئولية كل مسلم في أنحاء الأرض قبل أن نصحو على هزيمة أشد وأقسى من النكبات التي مرت بنا أو فوضى عارمة تلف العالم الإسلامي بأكمله في غياب العدل والحق والاستقامة ” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ” . ” وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون(42)

الفصل الرابع: إشكالية الأمن القومي العربي بين الأمس واليوم

يعاني الآمن القومي العربي بمفهومه الجمعي من ضعف متراكم يشابه ذلك الضعف الذي كان قائما بين القبائل العربية في الجاهلية قبل الإسلام حين تعددت الولاء آت تبعا للإمبراطوريات التي تخضع لها في ذلك الزمن ،واقتصر مفهوم الأمن لديها على البقاء والمشيخة والبحث عن الكلأ والماء ،وفي أحسن الأحوال فان كل بضعة قبائل تعقد تحالفا بينها يتبع هذه الإمبراطورية أو تلك وحصيلة كل هذا الوضع الموصوف تخبط وحروب وغزوات وثأر وطمع وتصفية حساب أو حسب توجيهات تلك الإمبراطوريات ومصالحها وأهدافها.. وهكذا كان عقد الأمن القومي القائم بينهم منظومة منفرطة شبه عدمية تهدف إلى البقاء والعيش والمشيخة.

وحال الأمن القومي العربي ومنظومته المبعثرة الآن رغم وجود اتفاقية الدفاع العربي المشترك المنصوصة على الورق البعيدة عن التطبيق تتمثل في الأنانية القطرية التي تسعى من خلالها كل دولة أن تحصن نفسها وتحمي كيانها وتحافظ على مواردها بعيدا عن المفهوم الجمعي للأمن القومي العربي مما يطرها إلى تحالفات ثنائية وجزئية ومؤقتة تتباين من ظرف إلى أخر وتخضع لهيمنة قوى أخرى والتي قد تشكل تهديدا لها بدل أن يواجه الأمن القومي العربي  هيمنة الآخرين وتعدياتهم القائمة أو المحتملة .

والأكثر بلاء وخطراً أن هذا الأمن القومي أصبح ورقة بيد القوى المتصارعة من اجل الهيمنة على الأمن العربي نفسه تحقيقا لأطماعها المختلفة فأمريكا تسعى جاهدة لاستغلال هذه الورقة كيفما يكون الحال أو من اجل استغلال بعضهم لضرب قوى أخرى ولو أدى ذلك ضرب العرب بعضهم ببعض..وحتى إسرائيل لا تتوانى هي أيضا كلما أتيحت لها الفرصة الاستفادة من هذه الورقة تحت مسميات مختلفة منها العدو المشترك وامن المنطقة والشرق الأوسط الجديد والسلام ومحاربة التطرف…أما إيران فهي تحبوا متسللة لاستغلال الورقة العربية من خلال بعض القوى التي تشاطرها المذهبية والتشيع أو الدول التي تحالفها تحت ذريعة درئ عدو مشترك أو تحصيل مصالح ومكاسب متقاطعة في مواجهة أمريكا وإسرائيل من اجل تمرير مشروعها النووي والعقائدي إلى المنطقة ..

لقد تفاقمت تحديات الأمة وعظمت معها أهمية إيجاد منظومة متكاملة للأمن القومي العربي قابلة للتطبيق وليس حبرا على ورق تدفع الخطر وتعز الأمة وتحميها من التفتت والضياع ولا ينفع تشخيص الواقع دون علاج ناجع فأمريكا تتخبط خدمة لمصالحها التي ضاعت وإسرائيل تتعنت وتتعالى وتضيع الوقت وتثير الفتن حفظا لبقائها واستقرارها وإيران تشكل خطرا كامنا قابلا للانقضاض في أي لحظة ..والعراق مستنقع ومحميات للدم والإرهاب الذي يصعب تقديره ،والصراع في لبنان نموذج مصغر للصراع الذي سوف يجري في المنطقة مستقبلا، إضافة إلى ما هو اخطر من ذلك كله الذي يشكل قنابل موقوتة تتمثل في الفقر والبطالة والتطرف والاستبداد والحرمان والجوع ولن يبقى تأثيره حبيس حي أو دولة بعينها بل سيمتد هذا الظلم وتفاعله إلى الجميع .  

لا يمكن تحقيق الأمن القومي العربي دون منظومة متكاملة تحقق ثلاثة قواعد رئيسة أولها الشمولية في مفهوم الأمن والتي لا تقتصر على مفهوم الأمن بمعناه الضيق الذي يقتصر على المعلومات الاستخبارية والشرطية بل تشمل مقومات الأمن الاقتصادي من التكاملية إلى الاكتفاء ومن الأمن الغذائي إلى المائي والطاقة والميزان التجاري ..إلى الأمن الاجتماعي بما يعني من تكافل وتضامن وعدالة ولو نسبية في توزيع الثروات..إلى الأمن العسكري الذي يجب أن يمتاز بالحيوية والفاعلية وليس عملية تخزين للأسلحة واستعراض للمناسبات لنصل  في المحصلة النهائية إلى تحقيق مقومات الأمن السياسي في توحيد المواقف وتكثيف الجهود لدرئ الخطر القادم أو المحتمل .

والقاعدة الثانية تحقيق الإجماع إن أمكن أو الغالبية إن تعذر ذلك لان التحالفات الصغيرة أو تعدد التحالفات في نطاق الأمن القومي يضعف الغاية والتأثير ولا يمكن أن يتحقق امن قومي عربي فاعل دون أن تلتقي وتتوافق الأنظمة العربية وتضع امن العرب القومي فوق كل اعتبار وليس امن بضعة دول هنا وتجمع هناك وحالة فردية هنا ومعسكر هناك تكون نتيجته تضارب المصالح والأهداف وورقة سهلة من قبل القوى المتصارعة .

والثالثة تحديد المخاطر والتحديات وأولوياتها التي تشكل خطرا محدقا بالأمة ورسم الخطط الإستراتيجية والتكتيكية لمواجهتها أو معالجتها على ضوء ذلك لان مواجهة الأخطار والتحديات بشكل عشوائي أو غير مدروس أو دفعة واحدة فيه تخبط وارتباك لن ينجز الهدف ولن يحقق النجاح المطلوب..

ولن يجد الحديث عن الخطر الإيراني أو التخبط الأمريكي أو التعنت الإسرائيلي أو التطرف أو الفقر أو البطالة أو أي عدو أخر في ظل تحالفات جزئية أو ترقيعات هنا وهناك تسترضي أحيانا وتهادن أحيانا أخرى وتعطي المسكنات على حساب المرض والخطر الحقيقي في أحيانا كثيرة لان الخاسر في المحصلة النهائية سيكون الأمن القومي العربي برمته بما يعني طمس للهوية القومية وتشويه للهوية الدينية ودثر للثقافة والتاريخ ولن يقف عند ذلك بل سوف يلحق الخطر مع الوقت إلى النظام ذاته والأمن القطري نفسه  لكل دولة اعتقدت إنها بعيدة عنه ،عندها ستكون الفأس قد دقت الرأس ولن ينفع الصراخ بعدها. (الدكتور محمد احمد جميعان) (43)

شروط تحقيق التكامل الاقتصادي – خطوة على طريق التنمية

يحتل موضوع دراسة وتحليل التكامل الاقتصادي بين بلدان الوطن العربي ، أهمية حيوية انطلاقا من حقيقتين اثنتين :

الأولى – تقوم على أساس أن بلدا لوحده – مهما بلغت موارده – غير قادر على تحقيق التنمية المستقلة .

الثانية – تقوم على أساس أن هذا التكامل يتيح الفرصة لبلدان الوطن العربي ، من التكامل وبشكل متكافئ مع التكتلات الاقتصادية ، والتي أصبحت اليوم سمة من سمات العصر .

وقد يتساءل البعض : لماذا الربط ، الذي قد يبدو قسرياً للوهلة الأولى ، بين التجربتين التكامليتين : الأوروبية والعربية . وهنا نبادر إلى القول ، بأنه قد جرت العادة من قبل العديد من الاقتصاديين والمفكرين العرب للربط بين ما يحدث أو حدث في البلدان المتقدمة ( دول الاتحاد الأوروبي واليابان وبعض دول شرق وجنوب آسيا ) وما يجب أن يحدث في بلدان الوطن العربي . بكلام آخر ، فان البعض يرى بان بلدان الوطن العربي قادرة على الاستفادة من تجارب تلك المجتمعات والسير على خطاها من اجل تحقيق تنميتها الاقتصادية . من هنا جاءت الحجة الرئيسية التي استند إليها دعاة ” الخيار الشرق أوسطي ” والمروجين له والتي قامت ” على المجادلة بإمكان تحقيق معدلات مرتفعة للتنمية السريعة في منطقة الشرق الأوسط ، وبخاصة في الحزام المحيط بإسرائيل من جراء التعاون الاقتصادي المفتوح بين إسرائيل وجيرانها العرب … فضلا عن تركيا … وذلك على نحو يجعل من المنطقة مثالا شبيها بمنطقة النمو الاقتصادي السريع في شرق آسيا ” (52) . لكن اعتماد تجارب بلدان تختلف ظروفها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، عما يسود بلدان الوطن العربي من ظروف وأحوال لا يمكن ان يحقق ذات النتائج الايجابية التي حققتها في مواقعها الأصلية . غير أن التنمية التكاملية بين بلدان الوطن العربي لا يتوقف تنفيذها ، على فكرة ” الخيار الشرق الأوسطي ” فقط ، وإنما على خطط الاقتصاديين والمفكرين العرب والكوادر العربية المؤمنة بفكرة ضرورة تحقيق فكرة التكامل العربي بالاعتماد على الاعتبارات الذاتية والظروف الموضوعية العربية في إطار إمكاناتها الاقتصادية والبشرية وبالآليات المرنة البعيدة عن الروتين والتجزيئية بالولاء التام بفكرة التكامل الاقتصادي العربي كانجاز حضاري مطلوب للنهضة العربية ، مع الاسترشاد بأنماط التنمية الحضارية للبلدان الصناعية المتطورة .

وإذا كانت التجربة التكاملية العربية قد بدأت اعتبارا من الثلاثين من يونيو / حزيران 1957 – أي بعد حوالي الثلاثة أشهر من بداية التجربة التكاملية الأوروبية فقط – بتوقيع اتفاقية ” الوحدة الاقتصادية العربية ” كبداية للتعاون الاقتصادي والتي دخلت حيز التنفيذ في الثلاثين من فبراير / شباط 1964 أي بعد توقيع اتفاقية السوق العربية المشتركة .

وتعد قمة عمّان ، التي عقدت في نوفمبر 1980 مرحلة تشريعية هامة في مجال التعاون الاقتصادي العربي باعتبارها أقرت ثلاث وثائق رئيسية هي : ميثاق العمل الاقتصادي العربي  وإستراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك واستثمار رؤوس الأموال العربية في الأقطار العربية . وتنطلق أهمية هذه الوثائق من كونها قد انتقلت بالتعاون بين بلدان الوطن العربي من مجال التبادل إلى التكامل الاقتصادي الإنتاجي التنموي ’ لكن افتقارها إلى عنصر الإلزام جعل نتائجها لا تختلف عن سابقاتها من الاتفاقيات والمواثيق وأدى بالتالي إلى تعثرها وجمودها ( 53) .ومن هنا يرى عدنان شومان (54) أن أسباب تعثر العمل العربي الاقتصادي المشترك  إنما تعود إلى مجموعتين من العوامل :

أحداهما – داخلية ، تتضمن معوقات فنية وأخرى بنيوية ، فالفنية تتعلق بمدى قدرة المداخل التي اعتٌمدت للوصول إلى النتائج المرجوة . من هنا جاء إخفاق الاتفاقات والمواثيق في تحقيق أهدافها ، لأنها افتقدت صفة الشمولية والإلزام . أما البنيوية ، فترتبط بالخصائص الرئيسية لكل بلد . والتي تشمل البنى الاجتماعية والسياسية والفكرية التي تميز كل بلد عربي عن الآخر . وتعد هذه المعوقات البنيوية أكثر صعوبة وتعقيدا ، لأنها تتعلق بالقوى الأساسية الفاعلة في صنع القرار .

الثانية – هي العوامل الخارجية والتي يأتي في قمتها ، الاستعمار الغربي في الماضي ثم الاستعمار الجديد الغربي – الأميركي حاليا والذي عمل ويعمل على تكريس التجزئة وتعزيز النزعة القطرية (55) . كما يمكننا أن نعد كل محاولات الغرب والدول الأوروبية وإسرائيل في السعي لخلق نظام شرق أوسطي أو متوسطي … بأنها تصب في الاتجاه نفسه ، وهو إضعاف العمل الاقتصادي العربي المشترك وتكريس التبعية للغرب وتعزيز سيطرة إسرائيل في المنطقة .

إن مجمل هذه العوامل الداخلية والخارجية التي تعرقل نجاح تجربة التكامل الاقتصادي العربي ، في وقت نجح فيه الاتحاد الأوروبي في استكمال – والى حد كبير – شروط تحقيق ذلك التكامل الاقتصادي ، رغم بدء العمل بالتجربتين معا ، يدفعنا لتناولهما في المبحثين التاليين :

المبحث الأول – المقارنة بين التجربتين العربية والأوروبية :

قد يبدو من البديهي القول بان هناك الكثير من مظاهر الاختلاف الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية بين البلدان الأوروبية وبلدان الوطن العربي . ولقد أثرت تلك العوامل ، بشكل كبير على السياقات التي طُرحت بها قضية الوحدة وعلى المناهج والوسائل التي اعتُمدت لتحقيق أهداف التكامل في كلتا المجموعتين . من هنا قد يبدو من المفيد محاولة المقارنة بين التجربتين المتكاملتين وذلك من خلال التركيز على إبراز السمات والصفات الأساسية التي اتسمت بها كل منهما ، من خلال :

1 – وجود الدولة ومقوماتها : في الوقت الذي قامت فيه التجربة التكاملية الأوروبية على دول توفرت لها ومنذ مدد طويلة ” مقومات الاستمرار والديمومة ، افتقدت التجربة التكاملية العربية لمثل هذه الدول ومقوماتها . وقد يميل البعض من المحللين إلى القول بان عددا محدودا من بلدان الوطن العربي تتوفر له بالفعل مقومات قيام الدولة والتي تعد من الشروط الموضوعية لنجاح التكامل الوظيفي الذي سارت عليه المجموعة الأوروبية في مسيرتها التكاملية (56). كما أن وجود مؤسسات حقيقية لصنع القرار داخل دول التكامل ومكنّها من تجاوز العقبات التي اعترضت طريقها ، وبنفس الوقت فان غياب مثل هذه المؤسسات في التجربة التكاملية العربية قد أدى إلى إحباط مساعي التكامل والتوحد باعتبار أن أي نزاع سياسي يقوم بين تلك الدول ، لا يخضع للبحث والتمحيص من قبل تلك المؤسسات ويقود إلى الوقف الفوري لتدفق السلع والخدمات والأشخاص ويعرقل مسيرة التكامل أو يوقفها .

2 – السلطة : تتمركز السلطة في بلدان الوطن العربي بيد شخص أو قبيلة أو عائلة أو طائفة ، مما يقود إلى حالة عدم الاستقرار في تلك البلدان ، مما يجعل احتمال عملية استمرار المساعي التكاملية أمراً مشكوكا فيه وقضية محدودة جدا . لكن هذا الاستمرار في السياسات يعتبر شرطا ضروريا وجوهريا لنجاح منهج التكامل والتوحيد على أساس وظيفي ، وعلى العكس من ذلك فان وجود السلطة بيد الدولة ومؤسساتها في بلدان المجموعة الأوروبية يؤدي إلى استمرار عملية التكامل والتوحد .

3 – العامل الخارجي : لقد توفر للتجربة التكاملية الأوروبية المناخ الدولي الملائم ( مشروع مارشال ) ولم يعترض طريق تحقيقها لأهدافها أي معوقات خارجية (57) . وعلى العكس من ذلك فان التجربة التكاملية العربية ، وبغض النظر عن الأسس التي قامت عليها ، سواء قومية سياسية أو على أسس تكاملية وظيفية قد نشأت في مناخ دولي معرقل (58) .

4 – المدخل الذي سلكته مسيرة التكامل : لقد أعطت التجربة التكاملية العربية وزنا كبيرا للمدخل القومي السياسي في مسيرتها مما أدى إلى تحميل الجامعة العربية ما هو فوق طاقتها من جهة ، وخلق العديد من النزاعات السياسية والتي لعبت دورا حاسما في تغذية النزعات القطرية الضيقة وجعلها ندا واضحا لفكرة المصالح القومية . كما أن كل ذلك قد أدى إلى انفصام واضح بين ادعاءات الحكومات حرصها على النهج القومي والمصالح القومية بشكل ظاهري ، وبين واقعها القطري الضيق الذي جعلها لا تبدي حماسا كبيرا للعمل العربي المشترك ومؤسساته ، على العكس مما جرى عليه الحال في التجربة الأوروبية . كما أن هيمنة البعد السياسي على العمل العربي المشترك ، قد أدى وبشكل قسري إلى ربطه بالأبعاد الاقتصادية والسياسية والأمنية مما أدى إلى عرقلة المسيرة التكاملية العربية . أما الجماعة الأوروبية فقد استطاعت أن تفصل بين هذه الأبعاد وتركز على البعد الاقتصادي .

5 – التصرف والسلوك : تغلب الصفة العاطفية والابتعاد عن العقلانية والتباحث والحوار مجمل تصرفات بلدان العالم الثالث ومنها بلدان الوطن العربي ، مما يعود بنتائج سلبية على مساعي ومبادرات التكامل والتوحد ، وعلى العكس من ذلك فان تصرف وسلوك البلدان الأوروبية – باعتبارها بلدانا متقدمة – تغلب عليه العقلانية وروح الحوار والابتعاد عن العاطفية .

6 – مراكز الدراسات والاستشارات والتقييم : لقد لعبت مثل هذه المراكز ، كبيوت للخبرة ، دورا كبيرا في دعم مسيرة التكامل الأوروبية وإنجاحها ، سواء من خلال ما تقدمه من الدراسات والاستشارات والمقترحات لمؤسسات التكامل حتى تدرس وتُحلل هناك وتتخذ القرارات بشأنها . أو فيما يتعلق بتقييم تطبيقات مثل تلك القرارات على المجتمعات الأوروبية ، لذا فان دور مثل هذه المراكز ، هو دور دائم ومستمر . أما في حالة التجربة التكاملية العربية ، فقد تكون مثل هذه المراكز نادرة أو غائبة أو مغيّبة ( أي أن توصياتها لا تؤخذ بنظر الاعتبار ويتم إهمالها ) .

7 – طبيعة المؤسسات التكاملية : إن أهم ما يميز المؤسسات التكاملية الأوروبية هو صفة ” فوق الوطنية ” . فالمحكمة  الأوروبية مثلا ، تعتبر قراراتها ذات أفضلية على القرارات  الوطنية ، كما أن وجود البرلمان الأوروبي الذي يضفي الشرعية على مساعي الجماعة الأوروبية وجهودها ، يعد هو الآخر نموذجا لهذه الصفة ” فوق الوطنية ” والتي تلعب دورا حاسما في إلزام الدول الأعضاء لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه من قرارات ، وعلى العكس من ذلك فان الصفة ” فوق  الوطنية ” تكاد تكون غائبة تماما في التجربة التكاملية العربية . مما يؤدي وبشكل ” فاضح إلى عدم التزام الدول الأعضاء بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه ، مما يقود إلى الاعتقاد بان السلطات القطرية ، هي السائدة على السلطات القومية ” (59) .

8 – نظام التصويت : أخذت التجربة التكاملية الأوروبية بمبدأ ( التصويت الترجيحي ) الذي يأخذ في الحسبان عند التصويت ، أهمية كل دولة ويعطيها عددا من الأصوات مواز لتلك الأهمية . وقد نجم عن اعتماد مثل هذا النهج ، درجة عالية من التناغم والتوازن مما لا يسمح بطغيان دولة على أخرى . أما في التجربة التكاملية العربية ، فلم يكن ثمة وجود لمثل هذا التصويت الترجيحي ، بل عـُمِل بمبدأ الصوت الواحد لكل دولة ، بغض النظر عن حجمها او وزنها الاقتصادي (60) .

9 – طبيعة المجتمعات وأنظمتها السياسية والقيم السائدة فيها :

يسود المجتمعات الأوروبية درجة عالية من التماثل والتشابه في القيم والأنظمة السياسية ، فالنزعة الليبرالية والديمقراطية، سيادة القانون ، تعدد السلطات والفصل الواضح بينها ، الرقابة الشعبية الفعالة على مجريات الأمور الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، الحريات العامة…. كلها سمات تسود المجتمعات الأوروبية مما يجعل إمكانية تكامل وتوحد هذه المجتمعات ، سهلة ويسيرة وتتم على أسس سليمة . وعلى العكس من ذلك فان غياب أي من تلك الصفات في المجتمعات العربية وسيادة النزعات القبلية والطائفية أو العنصرية وحكم العائلة أو العشيرة أو الطائفة وهشاشة مبدأ سيادة القانون وغياب الديمقراطية في اغلب الحالات واختراقها من قبل مؤسسات الإدارة والأمن ، إن وجدت ، وغياب مبدأ الفصل بين السلطات …. كلها عوامل جعلت عملية التكامل في هذه المجتمعات محفوفة بالكثير من الصعاب والعقبات .

10 – صفة الإلزامية : إن غياب صفة الإلزامية في تطبيق وتنفيذ قرارات وتوصيات مؤسسات العمل الاقتصادي العربي المشترك ، قد عرقل المسيرة التكاملية العربية وجعل النتائج المتحققة عنها تبدو هزيلة وضعيفة ( 61) .

في ضوء الحقائق التي أوردناها ، قد يبدو الأمر غير مستغرب في أن تفقد الجماهير الشعبية العربية ثقتها بمؤسسات العمل العربي المشترك وعدم التعويل عليها كثيرا في تحقيق أهداف وطموحات تلك الجماهير . وعلى العكس من ذلك فقد تحمست الجماهير في المجتمعات الأوروبية لهذه المؤسسات التكاملية وساهمت في دعمها وإسنادها من اجل تحقيق أهدافها في التكامل والتوحد .

وفي الختام ، نود أن نؤكد – على ضوء كل الذي مر ذكره – من خلال المقارنة بين التجربتين التكامليتين الأوروبية والعربية … بأنه يمكن الاتفاق مع عدد من المحللين الاقتصاديين الذين ينطلقون من الاعتقاد بان الفرق الأساس بين التجربتين ، إنما هو فرق في التوقيت . فقد أحسنت أوروبا استخدام الزمن وتمكنت من تحقيق انجازات كبرى متمثلة في اتحاد اقتصادي وسياسي وبرلماني مشترك ، في الذي لم تحقق التجربة التكاملية العربية إلا نتائج أكثر ما يقال عنها أنها متواضعة (62) .

المبحث الثاني – بعض الدروس والعبر المستقاة من دراسة هاتين التجربتين التكامليتين :

قبل الدخول في محاولة استقراء بعض الدروس والعبر المستفادة من هاتين التجربتين نود الإشارة إلى تصور شائع لدى العديد من الاقتصاديين العرب ، ومنهم الدكتور عبدالحسن زلزلة الذي يعتبر مهندس استراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك ، والذي يقوم على أساس أن محاكاة الدول تك الأوروبية وتقليدها في نهجها التكاملي كان خطأ فادحا باعتبار أن المشكلة الرئيسية التي تواجه كلتا المجموعتين ، العربية والأوروبية متباينة . فهي بالنسبة للبلدان العربية مشكلة تنموية إنتاجية تكاملية تتطلب توسيع القواعد الإنتاجية وتنويعها وتطويرها حتى تستطيع تلبية متطلبات السوق العربية . بينما هي في المجتمعات الأوروبية مشكلة توزيع فائض إنتاج . وعلى هذا الأساس فان اعتماد مدخل التجارة وتحريرها كأساس لتحقيق التنمية في البلدان العربية لا يمكن أن يؤدي إلى تحقيق تلك النتائج وإنما يهدف بالدرجة الأولى والأساسية ، تحقيق أهداف الأسواق الخارجية (63) . وقبل التعرف على الدروس والعبر المستقاة من هاتين التجربتين – إن كان هناك مثل هذه العبر – نود أن طرح سؤال محدد بالذات ، لأننا نعتقد بان الإجابة عنه ذات مساس مباشر بالدروس التي يمكن الحصول عليها من دراسة وتحليل هاتين التجربتين التكامليتين ، وهذا السؤال هو : هل يمكن للوطن العربي أن يستفيد من التجربة التكاملية الأوروبية ويحاول توظيفها لتحقيق تكامله ووحدته ؟

حاولت العديد من الأدبيات الاقتصادية أن تجيب عن هذا السؤال من خلال وجهتي نظر اثنتين : (64)

الأولى – تميل إلى الاعتقاد وعلى ضوء الظروف الموضوعية والذاتية التي تسود الوطن العربي وعلى ضوء النتائج التي تحققت من التجربة التكاملية الأوروبية بعد ما يقارب الخمسة عقود من الزمن ، فليس لأوروبا ما يمكن أن تقدمه للتجربة التكاملية العربية .

الثانية – تعاملت مع التجربة التكاملية الأوروبية بشكل مغال فيه من الإحساس بالانبهار مما تحقه تلك التجربة من انجازات باهرة في مجال التكامل والتوحد … وعلى ضوء النتائج الهزيلة التي أنجزتها التجربة التكاملية العربية ، فقد كان الإحساس تجاهها يتسم بالدونية والضعف (65).

وعلى أي حال من الأحوال ، فان كلتا وجهتي النظر قد طرحت بشكل مبالغ فيه وتشلان طرفي نقيض في هذه المبالغة . فلا وجهة النظر التي تحاول ، وبشكل تام أن تلغي إمكانية استقراء بعض الدروس والعبر من التجربة التكاملية الأوروبية هي وجهة نظر صائبة ، ولا وجهة النظر الأخرى التي تنبهر بهذه التجربة بشكل كبير وتدعو إلى اقتفاء خطاها من قبل الوطن العربي وتناسي الظروف الموضوعية التي تسود كلا المجتمعين وتؤثر في نجاح مساعيهما التكاملية ، هي صحيحة أيضا .كما أننا نضيف فنقول بان كل تجربة اندماجية أو تكاملية ، إنما تكتب تاريخها الخاص تبعا لظروف نموها والظروف الإقليمية والدولية التي تحيط بها ، لكن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال انه لا يمكن الاستفادة من بعض الدروس المستقاة من تلك التجارب باعتبارها هاديا ومرشدا ( 66) . وبالاتفاق مع عبد اللطيف آشنهو ، فان هذه الدروس والعبر هي في الحقيقة بسيطة ويمكن إيجازها في العبارات التالية : ” إن بناء كيان اقتصادي متكامل يتطلب سلطة سياسية مستقرة وإحساسا عميقا بالواقعية والتقدمية ، ولكنه أيضا يتطلب فهما واضحا لتحقيق توازن المصالح ” (67 ) .

إن جردنا للمراجع التي أتيحت لنا دراستها قد مكنتنا من حصر الدروس والعبر ، التي يمكن استخلاصها من التجربتين التكامليتين في الآتي :

1 – ضرورة سيادة المفاهيم الديمقراطية في المجتمعات العربية لكي تتاح الفرصة للافراد في المشاركة في اتخاذ القرارات الاقتصادية والسياسية ، حيث ليس من السهل انجاز فكرة التكامل والوحدة على صعيد الوطن العربي ، دون أن تكون هذه القضية محور اهتمام كل الجماهير العربية وشغلها الشاغل . وهذا يتحقق عن طريق الديمقراطية وهي ذاتها تخلق شكلا من أشكال الاستقرار السياسي الذي هو الشرط الأساس لتحقيق كيان اقتصادي متكامل (68)

2 – وجوب قيام أي تكتل تكاملي على أسس وثوابت من العدالة والمساواة وتوازن القوى ووضوح الأهداف التي يسعى التكتل لتحقيقها ، وكذلك وضوح الاستراتيجيات التي تسلك من اجل تحقيق تلك الأهداف ، وبالنظر لعدم توفر أي من هذه الثوابت في التجربة التكاملية العربية فان الضرورة تدعو إلى توفيرها حتى تتحقق المشاركة الفاعلة في المسيرة التكاملية ( 69 ) .

3 – إن كفاءة وفاعلية العمل التكاملي المشترك إنما تفترض تلاقي الإرادات القطرية وإيمانها وقناعتها بجدوى وضرورة هذا العمل ، واستعدادها طوعيا للتخلي الجزئي ( 70) عن السيادة القطرية لصالح الكيان القومي المشترك ، وهذا ما تم فعلا في التجربة التكاملية الأوروبية وحققت من خلال ذلك نتائج باهرة، وبكلام أخر فان على البلدان العربية أن تكون مستعدة للتخلي عن ” لا عقلانيتها القطرية ” (71) التي تشكل أهم الأسباب التي أدت لتعثر وفشل التجارب التكاملية العربية .

4 – من الواجب أن يستهدف التكتل التكاملي ، تجاوز الخلل الناجم عن تباين الثروات بين الأقطار الغنية والفقيرة والمنطوية تحت لواء التكتل ، والسعي لإيجاد طرق واستراتيجيات تكاملية تحقق المنافع لجميع الأقطار . كما أن أي عملية لتوسعة التكتل يجب أن تحرص على تحقيق المكاسب للقادمين الجدد من دون إحداث أي ضرر للأعضاء القدامى (72) .

5 – إن القيام بعملية الفصل بين ما هو اقتصادي وسياسي وامني ضمن عملية التكامل ، يسهل الاستمرار في تلك العملية ويمكنها من تحقيق أهدافها بسهولة ويسر. كذلك فان هذا الفصل يعمل على استبعاد بعض المعوقات التي قد تعيقها عن تحقيق أهدافها وهذا بالفعل ما اعتمدته التجربة التكاملية الأوروبية ، كما مر معنا في موقع سابق من هذا البحث . أما التجربة التكاملية العربية، فقد دمجت تلك العاصر الثلاثة دمجا قسريا ، مما أدى إلى تحميل الجامعة العربية اعباءاً ثقيلة هي غير قادرة على تحملها . كما أن أي خلاف حول أي عنصر من هذه العناصر سيؤثر سلبا على بقية العناصر . وهذا هو بالتأكيد ما جعل الخلافات السياسية العربية – وما أكثرها – تنعكس سلبا على العمل الاقتصادي العربي المشترك وتؤدي إلى تعطيله وشلله (73) .

6 – ضرورة أن يعمل التكتل الاقتصادي التكاملي على إتباع أساليب وطرق يحاول من خلالها طمأنة كل من الأطراف الغنية في التكامل بان إجراءاته لا تضر بمصالحها ، والإطراف الفقيرة بأنها ستستفيد من إجراءات التكامل . ويعد ( التصويت الترجيحي ) أي إعطاء عدد من الأصوات لكل دولة حسب أهميتها ، واحدا من الأساليب التي يمكن اعتمادها لتحقيق ذلك (74) . وقد أثبتت التجربة التكاملية الأوروبية بان العمل بهذه الأساليب قد مكنها من تحقيق نتائج باهرة … في الوقت نفسه فقد أدى عدم اعتماد هذه الأساليب إلى النتائج الهزيلة التي حققتها التجربة التكاملية العربية .

7 – ضرورة تنوع الجهات الفاعلة في عملية التكامل ، مما يعزز مزاياها ويسهم في خلق ثقافة تكاملية مشتركة على نطاق واسع .

8 – ضرورة استناد المؤسسات التكاملية على إرادة شعبية في الدول الأعضاء وضرورة حصولها على قدر من الاستقلال المالي ، يمكنها من الاستقلال التدريجي من الدول الأعضاء (75) .

9 – إن عملية الاندماج  والتكامل ، عملية ديناميكية تطورية يستوجب قيامها على شبكة كبيرة من المصالح بين الدول الأعضاء (76) .

الفصل الخامس: الأمن والتنمية لا يتحققان إلا في ظل الوحدة …

الأمن والتنمية يحتاجان إلى كتل سكانية كبيرة نسبيا، وثروة مادية، والقدرة على توفير ثروة بشرية متدربة ومتعلمة، وفي ظل التجزئة العربية لا يمكن تحقيق أي منهما، نظرا لضعف الدولة القطرية في الجانب العسكري، وعدم قدرتها على الدفاع أمام القوى الطامعة، من امبريالية وصهيونية وشعوبية، ولهذا فان الوحدة العربية هي الرد العملي لانجاز التنمية، في ظل توفر الأمن الوطني والقومي .

 الأمن يعني أمن الأرض وأمن الشعب، وكلاهما مهدد بالإخطار الخارجية، من امبريالية وصهيونية ودول مجاورة، فبسبب غياب الأمن ضاع كثير من الأراضي العربية، في فلسطين ولواء الاسكندرون والجولان والمحمرة وسبته ومليلة والجزر العربية الإماراتية … الخ، وبسبب فقدان الأمن، فقدنا العراق مما يعني، أن التجزئة لم تتمكن من توفير الأمن الوطني والقومي .

 الوطن العربي يزخر بالإمكانيات والثروات المادية، وبشكل خاص النفط، بالإضافة إلى الموقع الاستراتيجي، والسوق الاستهلاكية، والأيدي العاملة الرخيصة في ظل العولمة، والوطن العربي يحتوي على جميع الأماكن المقدسة لمجموع سكان الكرة الأرضية، ممن يدينون بالديانات السماوية الثلاث، في الجزيرة العربية والعراق وفلسطين .

 إذن الوطن العربي يحتوي على القوة المادية والروحية، وهي مطلوبة ومطموع فيها، وعلى الأقل منذ الحروب الصليبية وحتى الآن، ولم يتمكن النظام العربي الرسمي المتدثر بالتجزئة، أن يوفر الغطاء الأمني للوطن العربي، كما إن أي دولة عربية قد فشلت في توفير هذا الأمن، وعلى سبيل المثال، إن مصر فشلت في حماية نفسها من النفوذ الصهيوني والامبريالي الأمريكي، وكذالك العراق رغم كل الجهود في التطوير والتنمية، فقد فشل في حماية نفسه، من الطامعين من امبرياليين وصهاينة وشعوبيين، وسوريا لم تتمكن من حماية أراضيها من العدوان التركي والصهيوني، ودول الخليج العربي غير قادرة على حماية نفسها من الهيمنة المتعددة الأطراف، وفي إفريقيا العربية حدث ور حرج، كما في السودان والمغرب الأقصى …الخ . 

 إن قضية غياب الأمن متلازمة مع وجود التجزئة، كما إن قضية توفير الأمن متلازمة مع قضية الوحدة الإقليمية أو القومية، وهذا ما أكدته الإحداث التاريخية في الاعتداءات، التي استهدفت الوطن العربي أو جزء منه، إذ أن الوقوف في وجه هذه الاعتداءات وردعها وهزيمتها، لم تكن إلا من خلال الوحدة العربية، أو أي شكل من أشكالها . 

 التجزئة وبال لأنها ضعف وذل وهوان، وفي المقابل الوحدة عز وقوة وامن، ولهذا فالنظام العربي الرسمي العقبة الكأداء في طريق الوحدة، يقترف الجريمة الوطنية والقومية في حق    الأمة، التي يدعي الانتماء إليها زوراً وبهتانا، وهو الذليل إمام كل القوى الطامعة، وليس أدل على ذلك ما يجري اليوم في فلسطين والعراق، وهو يتفرج وكأن الأمر لا يعنيه، على الرغم إن نار الاحتلال تشتعل في صيوان بيته وغرف نومه  . 

لا بد من الخروج من قمقم التجزئة، حتى يتمكن المواطن العربي من أن ينعم بالأمن الوطني والقومي، بالإضافة إلى حماية الثروة الوطنية والقومية، من أطماع الطامعين، في شتى أنحاء المعمورة، وهم كثر، وبعضهم في أحضاننا، والبعض الأخر على حدودنا، بالإضافة إلى إن التطور التكنولوجي، قد ألغى دور المسافات بين الأمم والشعوب، فالأمريكان قطعوا آلاف الأميال لغزو العراق واحتلاله .

أما التنمية المنشودة والمتمثلة بالقدرة على إنتاج السلع الإنتاجية، بالإضافة إلى السلع الاستهلاكية، فان ضيق السوق الداخلي الذي تتمتع به التجزئة، يعتبر عائق كبير في انجازها، نظرا لحاجة التنمية إلى سوق واسع، من اجل انجاز التنمية المنشودة التي اشرنا إليها، فالدول الصناعية تتطلع دائما إلى إيجاد الأسواق خارج حدودها، وفي السنوات الأخيرة بدأ التفكير في قيام الكتل الاقتصادية الكبيرة، كالسوق الأوروبية على سبيل المثال .

يضاف إلى حاجة التنمية إلى الأسواق والكتل الاقتصادية الكبرى، ما يتعلق بالتقدم التقني والبحث العلمي، والتي تتلاءم مع الكتل الاقتصادية الكبرى، اكبر بكثير من الحجوم الاقتصادية الصغيرة، المحدودة السوق والإمكانيات المادية والعلمية، ولهذا نرى أهم الانجازات العلمية في مجال البحث العلمي والتطور التقني، في ظل الحجوم الاقتصادية الكبيرة .

إن التقهقر المستمر الذي يعاني منه الوطن العربي في جميع المجالات، وبشكل خاص الأمني والتنموي، يعود إلى تفتيت الوطن العربي، وممارسة العمل القطري، والذي لم يعد قادرا على توفير لا الأمن ولا التنمية، بالإضافة إن حالة الضعف للنظام العربي الرسمي، جعلت أجزاءه رهينة طيعة في تنفيذ الأهداف العدوانية، التي تستهدف الأمن الوطني والقومي، ولولا ذلك لما شاهدنا أطراف النظام العربي تصطف في حفر الباطن، ومساندة الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق،  والتعامل مع إفرازات الاحتلال بدون خجل، والتملق للكيان الصهيوني وإقامة علاقات حميمة معه، في الوقت الذي يقتل فيه أبناء فلسطين .

إن قضية الوحدة قضية مصيرية للإنسان العربي، وهي قضية تصب في مصلحة الإنسان العربي بأغلبية سكان الوطن العربي، وان المعارضين للوحدة، والمؤيدين لديمومة التجزئة، هم فئة قليلة ومحدودة، تنتمي لمصالحها الخاصة، في طليعتهم الحكام العرب ومن ينتفع بعطاياهم، من خلال ممارسة الفساد الإداري والمالي.

الذي يسبحون ببركاته على حساب جموع الشعب ودافعي الضرائب .

 إن سلاح الوحدة في يد العرب يعد اقوي وأمضى سلاح، يملكون من خلاله القوة والمنعة، وتوفير الأمن، واستعادة الأرض والكرامة المهدورة، ويحققون التنمية الشاملة، في إمكانية كبيرة لاستثمار طاقات الأمة المادية والبشرية .

لا يمكن تحقيق الأمن والتنمية من خلال الوحدة إلا بالنضال الوطني والقومي معا لكل أبناء الأمة، لان قضية الوحدة اكبر من إمكانيات حزب أو نظام أو مجموعة، لأنها قضية امة، ولا بد من إن يساهم في تحقيقها كل أبناء الأمة، نظريا وعمليا .(الدكتور غالب الفريجات) …

الأمن والتنمية هدفا العالم الإسلامي الرئيسيان :

الأمن والتنمية هدفا العالم الإسلامي الرئيسيان، كما يرى الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي يفتح هذا التشخيص على الربح الإضافي الذي يفضي إليه صعودُ المثقف إلى هرم السلطة لجهة تبويب الأهداف وتحديد الوسائل. وترتفع هذه المهمة (التشخيص) إلى مستوى الإشكالية كلما أفصحت البنيةُ الاقتصادية–الاجتماعية وفضاؤها الثقافي عن تزاحُم شديد للأهداف والوسائل في مراحل التحول على احتلال الأولوية. والقارئ الجيد لتجارب الأمم يدرك الأكلاف الباهظة التي تفضي إليها جدوَلةٌ غير موفقة للأهداف أو للوسائل: يتضخم الخطأ على امتداد الزمان، كما تتضخم مساحةُ القطاع الزاوي في امتداد المكان. هل نكشف هنا عن تبديد مروع للوقت فقط؟! ما يميز المثقفَ سعةُ خزان تجربته. و”التجربة” هنا هي جماع ما اطَّلع عليه المثقفُ من تجارب الأمم والشعوب التي أنجزت إنجازًا ناجحًا عمليةَ الانتقال إلى العصر. ما يميز عملياتِ الانتقال بعضها عن بعض هو وجود المثال من عدمه. ووجود المثال يستدعي بالضرورة مَن يتمثَّله. ولذلك تتضخم الحاجةُ إلى المثقف في التطور المسبوق وتقل في التطور غير المسبوق. ذلك أن التطور “الأعمى” يحكمه التجريب؛ وهذا الأخير حقل فسيح يستدعي الابتكارُ فيه التخفف من الحمولات الفكرية الزائدة، وهي هنا الأفكار المسبقة التي يختزنها المثقف. إلا أنه لا يوجد في التاريخ مثال كامل النقاء لجهة نموذجَي التطور. فالحضارات مستقلة وعلى تماس في آن. إلا أن المشترك هو الطلقات الأولى التي تفتتح المعركة – معركة التغيير: إذ إنها تجري في حقل العقل. فكما أن عصر “الأنوار” قد سبق الثورة البرجوازية في نموذج التطور غير المسبوق (الأوروبي)، كذلك فإن الثورة العقلية تصبح مطلوبة على نحو مضاعف في النموذج الذي ننتمي إليه كعرب (التطور المسبوق). وفي هذا السياق، يمكن لنا فهم الظاهرة اللينينية كـ”حماقة ثقافية” ارتُكِبَتْ في مجرى معاندة المثقف لإكراهات الشروط الموضوعية، مما ولَّد حالةَ الانكسار الراهنة التي يعيشها المثقف العالمثالثي، أيًّا كان انتماؤه الإيديولوجي.

غياب دور المثقفين :

الأمن والتنمية: تكثيف شديد لحاجات العالم الإسلامي، لا بل للعالم الثالث ككل. وليس في هذا التكثيف إفقار للبصيرة أو تضييق لمساحة الرؤية، بل فيه غربلة للحاجات بغربال الأولوية. والرئيس الإيراني نموذج للسياسي المسلح بعقل الفيلسوف. وهي فرصة للتغيير كي يحدث تحت القيادة الواعية للفلاسفة في الشروط التي يفرضها التحول المتأخر إلى الرأسمالية. إن ما تعانيه عمليات “التحديث” في العالمين العربي والإسلامي من مصاعب إضافية يمكن لنا إرجاع بعضها إلى ضآلة دور المثقف في هذه العملية التاريخية. فالسلطات السياسية والاجتماعية التي وحَّدتْ في ذهنها بين الثقافة والإعلام وضعت المثقف بين خيارين اثنين: الانسحاب إلى الظل أو العمل كمبخرة! حوار الحضارات بديلاً عن صِدامها – تلك هي “الرسالة” التي يودِعها الرئيس خاتمي صندوقَ بريد الحضارة الغربية. هل هي رد على مقولات صموئيل هتنغتون؟ أم هي رسالة سياسية تستعير لغة المفكر؟ لعلها هذا وذاك في آن. فالمرسل مزدوج الموقع، والرسالة تحمل بصمتَي السياسي والمفكر، وتذهب إلى صندوقَي بريد اثنين:

  1. صندوق بريد العالم الخارجي، حيث تعالج همومًا أمنية تثيرها صيغةُ هتنغتون للعلاقة “الصدامية” بين الحضارات.
  2. .  صندوق بريد العالم الإسلامي، حيث تعالج التوتر الزائف بين معسكرَي الأصالة والمعاصرة: فالتعصب الأعمى لأحد المنهلين الثقافيين يمنع البصيرة من التقاط المشترك التقدمي. إن صيغتَي “التتريث” أو “التغريب” المعروضتين على العالم العربي–الإسلامي تتقاسمان بالتساوي الفقر المعرفي والتقليد الأعمى للغرب أو للأسلاف. وبالعودة إلى سيرة الأهداف والوسائل، يثير تحديد الرئيس خاتمي للأهداف بالأمن والتنمية أسئلةً حول الوسائل المقترحة. إن الكلام على “سوق إسلامية” أو تكتل اقتصادي إسلامي يصب في خانة الوسائل التي يقترحها خاتمي للخروج من صيغة مجحفة لتبادل المنافع بين المركز الأوروأمريكي، من جهة، وبين العالم الثالث، من جهة أخرى. فالأكلاف المرهقة لعملية التنمية التي تتمخض عنها عمليةُ التبادل في السوق الدولية تستدعي بالضرورة البحثَ عن صيغ لتبادل المنافع داخل سوق أكثر عدلاً وتوازنًا. ولا شك أن الأسواق الإقليمية التي تنشأ بين دول متقاربة في مستوى التطور الصناعي تمنح من هذه الزاوية (زاوية العدالة في التبادل) فرصًا أكبر لتقليص جريان الثروة في اتجاه واحد. إن بناء سوق إسلامية أو تكتل اقتصادي إسلامي يطلق (إن حدث) ديالكتيك القوة/الثروة. ومن هنا فإن الأمن كهدف يبلور وسائلَه عِبْرَ جدل مركَّب من مستويين: مستوى الاقتصاد ومستوى القوة (بالمعنى الشامل للجانب العسكري منها). 

ولا شك أن نسج العالم الإسلامي لعلاقات اقتصادية بينية يجر في ذيله ويخلق شروطًا ملائمة لتصفية التوترات الأمنية البينية ويمهِّد الطريق لسيرورة مفضية إلى تكتل اقتصادي–عسكري يتعامل مع جواره القريب أو البعيد من موقع الند للند، الغائب منذ فقد العرب والمسلمون المبادرة التاريخية. بين جولة الرئيس خاتمي على الدول العربية قبل بضع سنوات وجولته كمحاضر في الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرًا، مرت مياه كثيرة تحت الجسر! لكن خاتمي لم يضيع اتجاه البوصلة: ما تكلَّم به في الجولتين، في الإطار الذي حدَّده لنفسه، ظل هو هو، بوصفه مثقفًا إسلاميًّا مستنيرًا ينافح عن شمعته أن تطفئها رياحُ “التتريث” التي مازالت تعصف بالعالم العربي–الإسلامي.

الخلاصة:

لكي يسود الأمن لابد أن يسبقه تنميه وعدالة تنمية لقدرت المجتمع وتنمية لقدرات الإنسان الذي يقطن هذا المجتمع لأنه بصلاح هذا الإنسان سينعكس صلاحه وخيره على مجتمعه ، ولابد من عدالة في أي مجتمع ليزداد الشعور بالانتماء عند أبناء هذا المجتمع اتجاه أوطانهم بمعنى لابد ن تنتمي لنا أوطاننا قبل أن ننتمي له ولابد أن نشعر فيها أننا بشر لنا قيمة وكرامة حتى لا نضطر أن نهاجر لنبحث عن وطن بدبل نجد فيه كرامتنا وإنسانيتنا .

الفهرس

رقم الصفحة العنوان
2- المقدمة
3- مشكلة البحث،أهداف البحث،أهمية البحث،فرضية البحث،منهجية البحث
4- الفصل الأول: الأمن والتنمية المستدامة
4- مستقبل التنمية في الوطن العربي في ظل التغييرات العالمية المعاصرة
16- ضعف التجارة العربية البينية ، وتدني الاستثمار العربي البيني
23- الفصل الثاني: العدالة في التوزيع تجعل المجتمع أكثر أمناً
24- الإرث الاقتصادي بعد الاستعمار
27- الفصل الثالث: العدل أساس الملك
30- الفصل الرابع إشكالية الأمن القومي العربي بين الأمس واليوم…
32- شروط تحقيق التكامل الاقتصادي
40- الفصل الخامس: الأمن والتنمية لا يتحققان إلا في ظل الوحدة
42- الأمن والتنمية هدفا العالم الإسلامي الرئيسيان :
43– غياب دور المثقفين
44- الخلاصة
45- الفهرس
46- المراجع
   
   

المراجع :

1-S.Pursey, Multilateral Economic Institutions and the ILO in Globalization Contex: the impact on the world and a need for Social dimension , Globalization & Decent Work Seminar , 28-29 October 2002,P.1-3 .

                                                       

2-UNCTAD, World Investment Report 2004, Geneva,2004         

3- للمزيد من التفاصيل ينظر :

بول هيرست وجاهام طومسون ، ما العولمة –الاقتصاد العالمي وأمكانات التحكم ،مطابع السياسة، الكويت ،2001 .

4- عمر صقر ، اتجاهات عولمة الاقتصاد وأثارها على الاقتصاديات النامية ، ندوة قطر والطريق إلى العولمة الاقتصادية ، الدوحة  ، 13-14 مارس ، 2002،ص 10-14 .

5- مجلس التخطيط، مؤسسات المجتمع المدني في دولة قطر ، الشركة الحديثة للطباعة، الدوحة ، 2004 ، ص 12-13 .

6- للمزيد من التفاصيل حول الموضوع يراجع المصدر التالي :

أحمد شكر الصبيحي ، مستقبل المجتمع المدني في الوطن العربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، 2000 .

7- OECD , Cooperation Development Report 1999, Jan , Paris,2000 .

8- حازم الببلاوي ، النظام الاقتصادي الدولي المعاصر ، مطابع السياسة ، الكويت ، 2000، ص 230-231 .

9- OECD, International Development Statistics , DAC Statistics , Feb, 2004                                                                                 

10- World Bank , World Development Indicators , April ,2003 .      

11-World Bank , Data Base For Privatization , , 2002 .

12-I M F , World Economic Out Look ,May .2003                        

13- للمزيد من التفاصيل حول ينظر :

مغاوري شلبي ، أحداث 11 سبتمبر وأثارها على الاقتصادات العربية ، مركز زايد للتنسيق والمتابعة ، أبو ظبي ،2002 .

14- World Bank , World Development Report , , 2002.

15- للمزيد من التفاصيل ينظر :

منظمة العمل العربية ، قراءات وتوقعات للآثار الاقتصادية والاجتماعية لحرب محتملة ضد العراق ، القاهرة ، 2003 ، ص 9 .

16- جاسم السعدون ، أفاق الاقتصاد العربي … ماذا يمكن عمله ، بحث مقدم إلى المؤتمر الدولي للديمقراطية والتجارة الحرة ، الدوحة ، أبريل ، 2003 .

17- منظمة العمل العربية ، تقرير المدير العام ، القاهرة ، 2002 .

18- منظمة العمل العربية ، العمالة العربية المهاجرة في ظل العولمة – التحديات والأفاق ، القاهرة ، 2002 .

19- المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، استراتيجية تطوير العلوم والتقانة في الوطن العربي ،دراسة مقدمة إلى ندوة ، البحث العلمي والتطوير التكنولوجي في العالم العربي ، الشارقة ، 2002 .

20-UNESCO, Statistical Year Book , Paris,2002 .                        

21- UNDP , Human Development Report , 2002 .                        

22- World Bank , World Development Indicators , April, 2002 .     

23- ITU , World Telecommunication Indicators , Geneva, 2002 .   

24- نوزاد عبد الرحمن الهيتي، الاقتصاد المعرفي – المفهوم ، الدلالات، الأهمية ، مجلة التخطيط والتنمية ، العدد (9) ، 2003 ، ص 7 .

25- المؤسسة العربية لضمان الاستثمار ، مؤشر الفقر المائي ، نشرة ضمان الاستثمار ، السنة22 ، العدد(3) ، 2004 ، ص 15 .

26- مصطفى طلبة وآخرون ، مستقبل العمل البيئي في الوطن العربي ، أبو ظبي ، 2001 ، ص 20-21 .

27- المنظمة العربية للتنمية الزراعية ، الكتاب السنوي للإحصاءات الزراعية ، الخرطوم ، 2004 .

28- استخرجت النسبة من الباحث بالاعتماد على :

صندوق النقد العربي ، التجارة الخارجية للدول العربية 2002-2003 ، العدد (22) ، أبو ظبي ، 2004.

29- صندوق النقد العربي وآخرون ، التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2004 ،أبو ظبي ، سبتمبر ،2004 .

30- UNDP , Human Development Report,2004 .                          

31- World Bank , World Development Report , 2004 .                

32- World Bank , World Debts Tables 2003-2004 , Washington ,2004 33- OECD, Cooperation Development Report2002, Jan 2003 .      

34- اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة العربية ، التقرير الاقتصادي العربي ، بيروت ، 2002 .

35- المؤسسة العربية لضمان الاستثمار ، تقرير مناخ الاستثمار في الدول العربية لعام 2004، الكويت ،2002، ص 37 .

36- UNCTAD , World Investment Report , Geneva,2004 .             

37- عاطف عبد الله قبرصي ، التنمية البشرية المستدامة في ظل العولمة ،سلسلة دراسات التنمية البشرية رقم (10) نيويورك ، 2000، ص 43 .

38- بوز ألن هاملتون ، تقييم عمق الفجوة الرقمية في الوطن العربي ودرجة نضج تقنية المعلومات والاتصالات ، 2002 .

39- برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ، تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002 ، عمان ، ص 53 .

40- نوزاد عبد الرحمن الهيتي، البحث والتطوير في الوطن العربي – الواقع الراهن والتحديات المستقبلية ، مجلة التنمية الصناعية العربية ، العدد (49) ديسمبر ، 2002 .

41- للمزيد من التفاصيل ينظر :

أوراق عمل ومدخلات والبيان الختامي للمنتدى الدولي للاستثمار ، دبي ، مايو ،2003 .

42- طاهر حمدي كنعان ، التعاون الاقتصادي العربي – رؤية عملية ، مجلة المستقبل العربي ، العدد (268) ، يونيو ، 2001 ، ص 13-15 .

 43-(الدكتور محمد احمد جميعان)

http://majcenter.maktoobblog.com44-/

http://www.palestine-info.net إبراهيم المقادمة45-

46- د. باسل البستاني، الاقتصاد السياسي للفقر: البعد الدولي،

47-الخيار الشرق اوسطي وبدائله ، المستقبل العربي – العدد 194 ، 4/1995 ، ص 4 .

48- عبد الغني عماد : التكامل الاقتصادي والسوق العربية المشتركة ، اسباب التعثر وشروط الانطلاقة ، المستقبل العربي ، العدد 250 ، 12/1999 ، ص 71 .

49- عدنان شوكت شومان : العمل الاقتصادي العربي المشترك والتحديات الإقليمية الدولية ، المستقبل العربي ، العدد 234، 8/ 1998 ، ص 71 وما بعدها .

50- يطلق بعض الاقتصاديين على سياسات الدول الكبرى تجاه الوطن العربي ” عقيدة بالمرستون ” . وبالمرستون كان رئيس وزراء بريطانيا منذ أكثر من قرن مضى ، والذي كان يدعي ” بان مصالح بريطانيا الحيوية تقضي الحيلولة – بكل الوسائل – دون نشوء متحد سياسي قوي أو دولة كبيرة في الشرق الأدنى ، أي المنطقة العربية ” . ( راجع – طاهر حمدي كنعان : مصدر سابق ، ص 11 ) .

51- حسن نافعة : تجربة التكامل والوحدة الأوروبية ، حسن نافعة : تجربة التكامل والوحدة الأوروبية ، هل هي قابلة للتطبيق في الواقع العربي ، المستقبل العربي ، العدد 136 ، 6/1990- ص 29 .

52- يميل العديد من الاقتصاديين الى القول بان الخارج لم يعرقل التجربة التكاملية الاوروبية ، بل ساعد على قيامها . فالدكتور سعدون حمادي يقول : ” ان حلف شمال الاطلسي ومشروع مارشال قد ساعدا على قيام الوحدة الاوروبية ” . راجع :

 53- سعدون حمادي : مراجعة كتاب حسن نافعة : الاتحاد الاوروبي والدروس المستفادة  عربيا ، المستقبل العربي ، العدد 313 ، 3/2005 ، ص 213 .

54- عبد المنعم سعيد : بعض دروس التجارب الوحدوية في العالم ، المستقبل العربي ، العدد 127 ، 9/1989 ، ص 93 وما بعدها .

55- حسن نافعة : تجربة التكامل والوحدة الاوروبية ، مرجع سابق – ص 30 .

56- عدنان شوكت شومان : العمل الاقتصادي العربي المشترك والتحديات الاقليمية الدولية ، المستقبل العربي ، العدد 234، 8/ 1998 ، ص 82 .

57- – المصدر السابق نفسه ، ص 84 .

58 – الغريب في الأمر ، ان بعض هذه القرارات لم تنفذ حتى من قبل تلك الدول التي وقعت عليها .

59 – محمود المراغي : فيروس الزمن الضائع ، مجلة العربي – العدد 496 ، الكويت آذار 2000 ص 76 .

60 – عبدالحسن زلزلة : الدور الاقتصادي للجامعة العربية ، ورقة قدمت الى ندوة : جامعة الدول العربية ، الواقع والطموح ، مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت 1983 ، ص 246 .

61 – عبد الغني عماد : التكامل الاقتصادي والسوق العربية المشتركة ، مرجع سابق – ص 64 .

62 – عبد المنعم سعيد : الجماعة الاوروبية ، تجربة التكامل والوحدة ، سلسلة الثقافة القومية – العدد 5 ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت 1986 ، ص 10

63 – عبد المنعم سعيد : بعض دروس التجارب الوحدوية في العالم ، مصدر سابق ، ص 113 .

64 – عبد اللطيف بن آشنهو : التعلم من التجربة الاوروبية في بناء الوحدة المغاربية ، المستقبل العربي ، العدد 139 ،  9/1990 ، ص 17   .

65 – عدنان شوكت شومان : العمل الاقتصادي العربي المشترك ، مصدر سابق ، ص 83 وما بعدها .

66 – عبد اللطيف بن آشنهو : التعلم من التجربة الاوروبية ، مصدر سابق ، ص 17 .

67 – مهما بلغت درجة الاندماج والتكامل من رقي وتطور فان بعض السلطات تبقى بيد الدول الأعضاء .

 – راجع : عبد المنعم سعيد : بعض دروس التجارب الوحدوية في العالم ، مصدر سابق ، ص 109 .

68 – ” اللاعقلانية القطرية ” تعني ” عوامل ثقافية وسياسية وهيكلية متجددة في المجتمعات القطرية العربية وفي قياداتها السياسية ومجتمعات أعمالها ، لا تتحمس للتكامل الاقتصادي العربي غيرة على اقطارها وتاكيدا لقطريتها التي ينادي الان الكثير من المثقفين العرب بعدم القفز عليها ” . راجع :

69- عبد المنعم السيد علي : التكامل الاقتصادي العربي والنظام الاقتصادي الشرق اوسطي ، التناقض والتداخل والبدائل ، المستقبل العربي ، العدد 214 ، 12/1991 ، ص 27 .

70 – عبد اللطيف بن آشنهو : التعلم من التجربة الاوروبية ، مصدر سابق ، ص 25 .

71 – عدنان شوكت شومان : العمل الاقتصادي العربي المشترك ، مصدر سابق ، ص 85 .

72 – حسن نافعة : تجربة التكامل والوحدة الاوروبية ، مرجع سابق – ص 28 وما بعدها .

73 – عبد المنعم سعيد : بعض دروس التجارب الوحدوية في العالم ، مصدر سابق ، ص 109 .

74 – المصدر السابق نفسه، والمعروف ان عدد الدول الأعضاء في الاتحاد الاوروبي عام 1995 وبعد انضمام كل من النمسا والسويد وفنلندا ، كان خمسة عشر عضوا ، ارتفع حاليا الى خمسة وعشرين عضوا ، بعد انضمام بعض دول أوروبا الشرقية والبلطيق .

ويشير العديد من الاقتصاديين الى بعض العناصر التي سهلت انضمام الأعضاء الجدد وكذلك استمرار تلك الدول في عملية التكامل ( مثل تماثل الأنظمة السياسية والاستقرار السياسي ، تماثل القيم لدى النخب السياسية ، وجود فصل تام بين السلطات ، وجود رقابة شعبية فعالة ، احترام حقوق الإنسان ، الخيار الديمقراطي) . إضافة الى ان تخلي – تلك الدول المنظمة – عن مبدأ المساواة فيما يتعلق الأمر بالتصويت واعتمادها مبدأ التصويت الترجيحي ، يعتبر هو الآخر من العناصر الايجابية التي أعطت دفعة قوية لمسيرة التكامل الاوروبية . للتفصيلات ، راجع :

75-عدنان شوكت شومان : العمل الاقتصادي العربي المشترك والتحديات الاقليمية الدولية ، المستقبل العربي ، العدد 234، 8/ 1998 ، ص 82 .

76- د. طارق عبد اللطيف – اقتصادي عراقي مقيم في النمس

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button