تداعيات معركة الموصل على الداخل العراقي – دراسة في البعد السياسي

ليس من حافة الاسراف او من قبيل المبالغة القول، ان لمعركة الموصل  التي انطلقت في السابع عشر من اكتوبر، أبعادا وتاثيرات عدة، سياسية وامنية وعسكرية واجتماعية واقتصادية، لاشك انها سوف تؤثر بمجملها على مستقبل العراق وشكل الدولة ونمط الحكم فيه.

ويحتل البعد السياسي مركز الصدارة في المعضلة العراقية لانها اصل معظم المشاكل الاخرى لاسيما مع غياب الاتفاق السياسي بين الاطراف السياسية الفاعلة، وتمثل معركة الموصل نقطة فاصلة في مستقبل العراق ومشهده السياسي.

أولاً: نظرة عامة في الاشكاليات السياسية

لاجرم من القول، ان من بين جميع المعارك التي يتم خوضها الان في مدينة الموصل تبقى المعركة السياسية هي المعركة الاشد ضراوة، وتتفق معظم الاراء ان القضية الجوهرية هي ” اليوم التالي لما بعد داعش”.

ان الاشكالية السياسية في الموصل هي جزء من سياق اتسمت به نمط التفاعلات السياسية التي تجري بين الاطراف السياسية منذ اكثر من عقد. ومن ثم فان المعركة بدأت والعراق يعاني جملة من الاختلالات في بيئة النظام السياسية المتمثلة بانفراط عقد التحالفات السياسية ومنها التحالفات السياسية البينية داخل الكتل نفسها، حيث طغت صراعات عدةداخل التحالف الوطني (الشيعي)، بل ان تحالف دولة القانون انشق الى تيارين اساسين هما تيار رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وتيار رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، كما ان اتحاد القوى العراقية ( السني)  يعاني من التشتت وعدم الانسجام في مواقفه السياسية الذي زاده ضعفا ، لاسيما مع الازمة الحادة التي اطاحت بوزير الدفاع السابق خالد العبيدي، في حين تباعدت الرؤى بين اطراف التحالف الكردستاني وهناك عدم اتفاق واضح بين تيار السليمانية بقيادة الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير وبين اربيل بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني.

يضاف الى ذلك ان مساحة الاتفاق بين الكتل السنية والشيعية والكردية مع بدء معركة الموصل هي ضيلة نسبيا مع حجم التهديدات والتحديات التي تواجه العراق. مما اضفى شعورا عاما بان المرحلة القادمة ستكون من اصعب المراحل وهي اشبه بمرحلة عام 2005 حينما كان هناك نية لاعداد والتصويت على الدستور حيث كان الشك يغلب على العلاقة ما بين الاطراف السياسية كما ان هناك حالة من اللايقين حول مستقبل البلد. وبالفعل فان هناك الان حالة من اللايقين تهيمن على المشهد العراقي.

ثانياً: معركة الموصل والرؤى السياسية المتقاطعة

ولاشك ان ثمة اداراكا مبكرا من اطراف داخلية وخارجية لطبيعية المعضلات السياسة في الموصل الحالية أو ما بعد مرحلة داعش، ولهذه المعضلات اوجه وصور عدة منها:

1.المعضلات السياسية داخل محافظة نينوى

وهي عدة لعل من اهمها ما يتعلق بالخلاف بين القوى السياسية المحلية في محافظة نينوى ومنها الخلاف بين المحافظ السابق لنينوى أثيل النجيفي والمحافظ الحالي نوفل العاكوب، حيث أقال البرلمان العراقي المحافظ السابق اثيل النجيفي من منصبه كمحافظ نينوى وجرى انتخاب نوفل العاكوب محافظا جديدا للمحافظة في 5/10/2015، وهو ما اعتبره النجيفي استبعادا واستهدافا سياسيا، مؤكداً على الاستمرار في مشروعه السياسي، والاشراف المباشر على القوة التي شُكلت من قبله في 17/1 /2016، والتي أُطلق عليها “الحشد الوطني” ثم تم تغير اسمه الى “حرس نينوى” لتحقيق هدفين الاول المساهمة في قتال داعش من جهة وليكون احد الوسائل الاساسية في تأكيد الحضور السياسي له عبر هذا التشكيل في واقع الموصل مستقبلا.

ولم يكتف بذلك بل طرح مشروعا لمستقبل الموصل في مرحلة ما بعد داعش مفاده انشاء اقليم نينوى مع تقسيم نينوى الى (6-8) محافظات تدار بطريقة لامركزية ، وقد ذكر المبعوث الامريكي الخاص لمحاربة داعش ( بريت ماكغورك) أنّ واشنطن ستتعامل مع (8 ) مناطق ادارية في نينوى كأمر واقع”” بما يشبه تاييدا للفكرة

ويطرح عدة محللين ومنهم بيفرلي ميلتون – ادواردز الباحثة في معهد بروكنغز سؤالاً جوهرياً و هو: هل إنّ حماية الاقليات ذريعة للتقسيم؟ وتجيب بيفرلي: على الرغم من انه مثل هذه الحلول تبدو جذابة إلا أنها قد تأخذ منحنى أسوء وليس الافضل، إذ من  الممكن أن يؤدي التقسيم  الى تعميق الانقسامات بدلا من الحد منها.

المعضلة الاخرى تتمثل في الافتراق الحاد للرؤى السياسية لممثلي المكونات داخل مدينة الموصل؛ حيث تتسم هذه المدينة بالتعدد الاثني ( غالبية من العرب وأقليات من الاكراد والتركمان والايزيدين والشبك ) او الديني ( أغلبية مسلمة، و أقلية مسيحية، وأقلية من الكاكائين) و مذهبية ( أغلبية سنية  وأقلية شيعية) ولكل من هذه المكونات رؤيتها السياسية ومحاولة تسجيل نقاط على حساب الطرف الاخر.

ويزيد من هذا المشهد صعوبة أنّ معظم الممثلين داخل مجلس محافظة نينوى يتخذون قراراتهم بناءا على قواعدهم السياسية خارج محافظة نينوى، فعلى سبيل المثال يتخد الاعضاء الاكراد قراراتهم استنادا الى رؤية القيادة الكردية في اربيل او سليمانية, وهكذا لمعظم بقية الاعضاء, وهذا يعني أنّ مستقبل المحافظة لايُحدد من قبل القوى المحلية وإنما من أطراف خارج المحافظة.

ولقد عمق دخول داعش الى مدينة الموصل وما ارتكبه من أعمال تهجير و إباداة لاسيما تجاه الايزيديين او المسيحيين والاقليات الاخرى نظرة الشك والريبة لدى هذه المكونات في علاقتها مع بعضها البعض, وزادت المخاوف من ارتكاب  عمليات ثأـر قد توظف لصالح جهات سياسية بما يهدد السلم الأهلي والعيش المشترك في المحافظة مستقبلا.

الاشكالية الاخرى التي يتم طرحها هي قضية التمثيل في مجلس محافظة نينوى، لاسيما أنّ تكوين المجلس الحالي لا يعكس الحقيقية الديموغراغية في داخل المحافظة حيث إنّ الغالبية داخل المجلس هي للاكراد، وهذا يعود بدرجة أساسية الى حالة العزوف التي سجلت لدى الناخبين العرب في الانتخابات المحلية عام (2013 ) مقابل مشاركة كثيفة من الكرد، حيث بلغت نسبة المشاركة طبقا لأرقام المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بـ ( 37.5%)، وقد بينت جداول المفوضية للاحياء العربية والكردية في أقضية المحافظة هذه الحقيقة المشار إليها آنفا،  وزاد من ذلك دخول العرب بقوائم عدة مقارنة مع  الاكراد الذين دخلوا بقائمة واحدة.

2. اشكالية  العلاقة بين المحافظة  والحكومة المركزية

مرت العلاقة بين المحافظة والحكومة المركزية بحالة مد وجزر الى درجة أنها ذهبت باتجاه طرفي نقيض في مراحل زمنية معينة، لاسيما في فترة حكم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي والمحافظ السابق أثيل النجيفي، فبعد انتخاب أثيل النجيفي محافظا لنينوى عام 2009 وإعادة انتخاب نوري المالكي رئيسا للوزراء عام 2010 مرت العلاقات بنوعين إلى العلاقة، التفاهم النسبي لاسيما في السنة الاولى مع سوء العلاقة مع اقليم كردستان، من التحول في العلاقة بين الطرفين الى علاقة خصام وعداوة بلغت أوجها قبل سقوط الموصل, مع تحسن واضح للعلاقة بين المحافظ وأربيل.

لقد كشف سقوط الموصل أن هناك خطأً من قبل الطرفين فحكومة المركز برئاسة نوري المالكي حاولت فرض رؤيتها على الموصل على نحو تعسفي من خلال عدم التشاور مع المحافظ او مجلس المحافظة في قرارات رئيسية مثل تعيين القادة العسكريين والامنيين ووضع المحافظة كساحة صراع بين رئيس الوزراء نوري المالكي وخصومه من الاكراد او عقد تفاهامت بين الطرفين أحيانا وقضايا مشابهه ، دون الاخذ بنظر الاعتبار الوضع المعقد في نينوى والتعدد الإثني والقومي، واحتياجات المحافظة وخصوصيتها المحلية، وكان سلوك القوى الامنية والعسكرية منفرا للعديد من ابناء محافظة نينوى مما خلق بيئة معادية لها، من جهة اخرى وصل أثيل النجيفي المحافظ السابق الى قناعة مفادها ان التقاطع مع المركز سيحقق مصالح المحافظة وهذ خطأ كبير؛ لان المركز يعني من بين ما يعنيه: “القرار الامني والثروة والنفوذ” ولذلك كان ينبغي ان يكون دور المحافظ السابق  اثيل النجيفي اداريا اكثر منه سياسيا.

وتشهد الفترة الحالية صراعا مابين المركز  واقليم كردستان على تغليب الاطراف المتفاهمة معها، فحكومة المركز برئاسة حيدر العبادي على الرغم مما تظهره من تفاهمات مع حكومة الاقليم في حربها مع داعش ، الا انها تسعى الى انشاء حكومة محلية متماهية مع المركز او دعم اشخاص ذوي نفوذ في الموصل كالنواب او تشكيلات عشاىرية مسلحة مثل قوات النوادر للنائب عبدالرحيم الشمري، ، او حشد عشائر الجبور بقيادة أحمد الجبوري وحشد جنوب الموصل بقيادة نزهان الصخر اللهيبي، من جهة اخرى تسعى اليه حكومة الاقليم ايضا الى هذه الالية من خلال دعم الاطراف المتناغمة معها، و في ذلك مخاطر فعلية, على ان محافظة نينوى قد تذهب كبش فداء للصراع بين اقليم كردستان وحكومة المركز.

3.معركة الموصل في اطار العلاقة بين القوى الرئيسة على المستوى الوطني

تجسد هذه الاشكاليات طبيعة الصراع بين القوى السياسية على السلطة والنفوذ والقوة المهيمنة على نمط العلاقات بين هذه الاطراف منذ عام 2003 ولغاية الان، وهي صراعات ما تفتئ ان تبرهن عن وجودها في كل حدث مهم.

وفيما يتعلق بمعركة الموصل تبرز عدة تحديات اساسية بين هذه القوى لعل من اهمها المناطق المتنازع عليها، حيث تشكل الموصل محورا مهما لصراع الجغرافيا والسياسة، ويطالب الاكراد (اربيل تحديدا) بضم مناطق عدة من محافظة نينوى الى اقليم كردستان مستندين بذلك الى المادة (140) من الدستور العراقي ، منها سهل نينوى وتشمل اقضية (الشيخان والحمدانية وتلكيف)، فضلا عن قضاء سنجار وناحية زمار وناحية القحطانية، فيما يرفض المركز التسليم بذلك ويعده تفسيرا متعسفا من قبل اقليم كردستان للمادة (140) ويكشف عن رغبة في التوسع، على الرغم من اننا شهدنا مواقف متباينة للمركز من مطالب الاقليم او التواجد الكردي في “المناطق المتنازع عليها” وفقا للتفاهمات او التقاطعات السياسية (الشيعية – الكردية) على مدى اكثر من عقد مضى، اما العرب السنة فيشعرون انهم الطرف الخاسر في معادلة هذه الحرب؛ لان سيطرة داعش على الموصل قد ادت الى اضرار جسيمة على مختلف الصعد ومنها الصعيد السياسي بوصفه زاد من ضعف الموقف السني في المركز وكذلك الموقف التفاوضي تجاه اقليم كردستان ، لاسيما في القضايا المتعلقة “بالمناطق المتنازع عليها”.

بيد انه لايزال هناك عدم اتفاق بين ممثلي العرب السنة سواء داخل العملية السياسية او خارجها حول المناطق المتنازع عليها، وهذا يعود الى جملة اسباب :

ان اقليم كردستان قد احتضن العدد الاكبر من النازحين من المحافظات السنية ومنهم قيادات سياسية، وبالتالي فان ذلك يفرض على القيادات السياسية السنية الاخذ بنظر الاعتبار هذه الواقع في مواقفهم تجاه المناطق المتنازع، على الرغم من شعور الكثير منهم بعدم الرضا عن المطالب الكردية في الموصل .

ان هناك عددا آخر من القيادات السنية قد تبنى وجهة النظر الحكومية في رفض المطالب الكردية وعدها مطالب سياسية وليست دستورية.

ج.ان بعض القيادات السنية حاولت ان تتخذ موقفا توافقيا بين الموقفين بوصفه الموقف الاكثر عقلانية، من خلال الدعوة الى ان تكون المفاوضات حول المناطق المتنازع عليها مباشرة ما بين مجلس محافظة نينوى بمشاركة بغداد وبين اقليم كردستان وبضمانات دولية.

وليس من المبالغة القول، ان معظم  المطالب الكردية في الموصل لا تستند الى نص دستوري او قانوني  وانما الى توظيف سياسي، فالمادة (58 ) من قانون ادارة الدولة العراقية المعدل والذي صادق عليه مجلس الحكم الانتقالي في 8 مارس/أذار 2004 يشير في المادة (53) الفقرة (أ)  الآتي : ” يعترف بحكومة إقليم كردستان بصفتها الحكومة الرسمية للاراضي التي كانت تدار من قبل الحكومة المذكورة في (19) أذار 2003 الواقعة في محافظات دهوك واربيل والسليمانية وديالى ونينوى) وهذا يعني الاعتراف بضم عقرة فقط من محافظة نينيوى الى اقليم كردستان، فيما اشارت المادة (58) من القانون نفسه في الفقرة  (ب)  عن تغيير بالحدود الادارية  من قبل النظام السابق وهذا يعني ان المناطق المعنية هي المناطق التي تعرضت للتغير الاداري من الفترة (1968 لغاية 2003) بما يشير حكما ووفقا للدستور استبعاد سنجار والزمار ونواحي اخرى من نطاق المناطق المتنازع عليها لأن هذه المناطق متفق عليها اداريا وخاضعة لمحافظة نينوى منذ العهد الملكي وتأسيس الدولة العراقية، بل ان محافظة دهوك كانت تابعة الى محافظة  نينوى وتم فصلها عن الموصل في ايار/ مايس عام 1969 ، بما يشي ان   المطالب الكردية في محافظة نينوى تدخل في السياق السياسي وليس الدستوري

كما تطرح معركة الموصل معضلة اخرى تتمثل بمشاركة مليشيات الحشد الشعبي في معركة الموصل، ومنذ بدء المعركة اعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ان الحشد والبيشمركة لن يدخلا الموصل، وان مهمة الحشد ستكون تحرير تلعفر لكن هذا الامر لم يكن مطمئنا لان قضاء تلعفر شكل طوال عقد منطقة صراع سني شيعي بين الاقلية التركمانية الشيعية المدعومة حكوميا وبين الاكثرية التركمانية السنية،ويشير الخبير في الشأن العراقي مايكل ناتس ان مدينة تلعفر ارتبطت بصعود القاعدة ومن بعدها داعش، وان الانقسامات السياسية انعكست سلبا على المدينة منذ عام 2003 لاسيما بعد ان هيمنت الاقلية الشيعية على قوات الشرطة والحكومة المحلية ومارست سياسات اقصائية ضد الغالبية السنية مما دفع بالسكان المحلين الى احتضان الجماعات الارهابية بحيث اصبحت تلعفر احدى قلاع التجنيد للعناصر المتشدد بكافة مراحل تطورها وملاذا آمنا للتنظيمات المتشددة، وبعد سقوط المدينة بيد داعش في 20 حزيران / يوليو تم تهجير الاقلية الشيعية الى سنجار في اول الامر ثم الى بغداد والمحافظات الجنوبية، وقد انضم قسم كبير منهم الى مليشيات الحشد بعد تشكيلها, كما ان لواء (92) من الجيش العراقي المشارك في عمليات تحرير تلعفر يضم مقاتلين غالبيتهم من  التركمان الشيعة.

ويرى كثيرون من السياسين والمحللين ان مشاركة مليشيات الحشد الشعبي  في تلعفر ستعقد من مسار معركة الموصل، لاسيما مع اعلان تركيا انها لن تقف مكتوفة الايادي في حال دخلت هذه المليشيات داخل مدينة تلعفر، وهو ما دفع برئيس الوزراء الى الاعلان في 5/11/ 2016  بعد لقاءه بعدد من السياسين وفاعلين من مدينة تلعفر ان من يقوم بتحرير مدينة تلعفر هي قوات الجيش  وليست قوات الحشد وان مهمة الحشد سترتكز فقط على قطع الطريق الرابط بين الموصل والرقة  في مناطق الحضر وتحديدا في تل زلط والسحاجي والمحلبية وتل عبطة, على الرغم من ان هذه المليشيات كان لها الدور الاساس في السيطرة على مطار تلعفر الذي يبعد 8 كم عن مدينة تلعفر.

ولذلك تبقى مدينة تلعفر ومصيرها محفوف بالمخاطر وقد تؤدي التوترات الداخلية ونمط العلاقة التصارعية بين التركمان  السنة والشيعة ومشاركة مليشيات الحشد الشعبي ودخول العامل الاقليمي الى صراع مفتوح يعقد المشهد السياسي العراقي وهذا ما لا ترغب به الولايات المتحدة التي دخلت على الخط من اجل تخفيف حدة التوترات بين تركيا والحكومة العراقية والخلاف حول تواجد القوات التركية في بعشيقة ومشاركة مليشيات الحشد الشعبي في معركة تلعفر.

ثالثاً:  شكل الدولة ونمط الحكم في مرحلة ما بعد داعش

تلقي تداعيات معركة الموصل اعباءا شتى على القوى السياسية الفاعلة لمواجهة خيارتها لنمط الحكم وشكل الدولة الحالي، لكن هناك نزر يسير من التوقعات الايجابية لمرحلة ما بعد داعش نظرا لعدم وجود رؤية واضحة للقوى السياسية في علاقتها مع بعضها البعض ، فضلا عن عدم امتلاك هذه القوى لمشاريع ذات ارضية صلبة ممكن ان تحصل على رضا نسبي داخلي او اقليمي او دولي، وكل ما يطرح من مشاريع يقابل بتشكيك عالٍ من القوى الاخرى, ويمكن اجمال موقف القوى السياسية الرئيسة على النحو الآتي:

التحالف الوطني والتسوية التاريخية

قدم التحالف الوطني (الشيعي ) ورقته التي اطلق عليها في بادئ الامر بالتسوية التاريخية ثم غُيرت فيما بعد الى التسوية الوطنية، ويبدو ان سبب تغير هذه التسمية الاكتشاف المتأخر ان هذه التسمية تعود الى الحزب الشيوعي وزعيمه إنريكو برلنغوير في السبعينيات من القرن الماضي للاشارة الى التسوية التي جرت بين الحزب الشيوعي الايطالي والحزب الديمقراطي المسيحي، التي انتهت بمقتل رئيس الوزراء الايطالي الدو مورو، لذا فان التحالف ذات المرجعية الدينية ربما وجد حرجا من تبني مفهوما يعود للحزب الشيوعي خشية ان يقع تحت طائلة اتهامات هو في غنى عنها.

وقد طرحت هذه الورقة في بادئ الامر داخل أروقة المجلس الاعلى وتحديدا من قبل عمار الحكيم رئيسه الذي  يترأس الان التحالف الوطني ثم طرحت على بقية الاطراف الشيعية وتم التوقيع عليها من قبل جميع الاطراف, رغم ابداء البعض تحفظاً او بعضهم حاول ان يرسل رسالة الى الشارع الشيعي انه وقع هذه الوثيقة دون قناعة تامة منه كما فُهم من تصريحات رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.

وفي الورقة التي سلمها التحالف الى ممثل الامين العام للامم المتحدة يان كوبيتش للتسوية الوطنية كان هناك تأكيدٌ انها تمثل قادة وإرادة قوى التحالف الوطني لتسوية وطنية, وأن اهدافها الحفاظ على العراق وتقويته كدولة مستقلة ذات سيادة موحدة وفيدرالية وديمقراطية تجمع كافة ابنائها ومكوناتها معا، ووضعت الوثيقة الدستور كمرجعية لها في اية اتفاقات سياسية ثم قدمت مجموعة من الحلول مثل ترسيخ دولة المؤسسات ورفض جميع اشكال التغيير الديمغرافي والتوزيع العادل للثروات وسيادة القانون وحصر السلاح بيد الدولة والعمل على تحرير البلاد ومؤسساتها من نظام المحاصصة والعمل على توزيع الصلاحيات وتطبيق اللامركزية وغيرها من الاهداف, على ان تقوم بعثة اليونامي بدور الوسيط والمساعد بين ممثلي المكونات والاطراف .

ويحاول رئيس التحالف الوطني عمار الحكيم  تسويق هذه المبادرة على الصعيد الوطني وكذلك على الصعيد الخارجي من خلال اللقاء مع الاطراف المعنية في الداخل العراقي وكذلك القيام بزيارات للدول المجاورة بهدف الحصول على الدعم الاقليمي  والدولي.

بيد أنّ هذه التسوية تواجه عدة تحديات: أهمها التأويل السائد بين الاطراف الشيعية لهذه المبادرة بما يعكس اختلاف شديد بين الاطراف الشيعية الموقعة حول هذه الوثيقة واهدافها والاطراف المعنية بها فعلى سبيل المثال أعلن نوري المالكي رئيس الوزراء السابق ونائب رئيس الجمهورية والقيادي الشيعي أنّ: (” التسوية التاريخية” التي تقدم بها التحالف الوطني تضمنت ضوابط لتحديد المشمولين بها حددت المستهدفين من التسوية فلا تسوية  مع من تسبب بازمة الاعتصامات ولا تسوية مع من يرفضهم مكونهم). فيما اعلن مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري ( ان التسوية التاريخية التي طرحها التحالف الوطني هي تسوية بين المتورطين في دماء العراقيين وهدفها انتخابي فقط, مؤكدا انه لن يكون جزءا منها ).

ولاشك ان هذه التصريحات تعكس عدم اتفاق ما بين الاطراف الشيعية على هذه المبادرة على الرغم من ان جميع اطراف التحالف قد وقع عليها, وهو ما يعكس حالة الانقسام الحاد بين اطراف التحالف الشيعي التي وصلت احيانا الى درجة الصدام المسلح, وتعمل ايران على ضبط ايقاع التحالف الوطني لغرض المحافظة على تماسكه على الرغم من انها تفشل احيانا في السيطرة على هذه الخلافات. من جهة اخرى فان نصوص التسوية عائمة وتخلط ما بين الاهداف والوسائل ولا تقدم طريقا واضحا للاشكاليات التي يعاني منها العراق، وبعضها يقع ضمن شعارات غير قابلة للتطبيق مثل الدعوة الى انهاء المحاصصة في حين ان المبادرة بالاصل قائمة على فكرة المكونات وليس لى البنى العابرة للهويات.

ويبرز الحشد الشعبي كقوة فاعلة آخذة في النمو في الداخل العراقي، و ايضا في الوسط الشيعي، واذا كان الترحيب قد ساد في البدء على تشكيل الحشد الشعبي كقوة شيعية ضاربة في الشارع الشيعي وايضا لدى القادة الشيعة، فإنّ هذا الترحيب قد تحول الى هاجس بدأ يشكل عبئا على القوى السياسية الشيعية التقليدية التي تخشى من أن يتحول الحشد الشعبي من مجرد قوة عسكرية تنفيذية الى قوة سياسية وعسكرية تطيح بالقيادات التقليدية الشيعية و أن تحل محلها في الانتخابات القادمة، ويعزو البعض الى ان تأجيل انتخابات المحافظات يعود بالدرجة الاساس الى خشية  القيادات الشيعية واحزابها من خسارتها في هذه الانتخابات وصعود القوى التي تمثل الحشد الشعبي.

كما أنّ إقرار قانون هيئة الحشد الشعبي وإن وصفه البعض بأنه تماهي مع نموذج الحرس الثوري الايراني, فإنه جزءا منه يكمن في ارادة الفاعل السياسي الشيعي بضبط سلوك قوى الحشد والسيطرة عليه ومنعه من ممارسة العمل السياسي وأن يكون خاضعا للارادة السياسية الشيعية  للاحزاب التقليدية بدلا من ان يكون ندّا ومنافسا لها.

وعلى ما يبدو فإنّ هناك ثمة احتمال كبير بحدوث  صراع شيعي –شيعي في مرحلة ما بعد داعش من اجل القوة والسلطة والنفوذ والثروة.

اتحاد القوى ومواقف القوى السنية

يعاني اتحاد القوى مثل القوى السياسية الاخرى حالة من الانقسام الحاد في مواقفه وقد أدّت الازمات المتلاحقة الى تشتت هذه الاتحاد الى اجنحة عدة كل منها يتبنى مواقف متباينة عن الاخر، وقد انقسم اتحاد القوى بين تيار متحدون للاصلاح بزعامة نائب رئيس الجمهورية اسامة النجيفي والحزب الاسلامي بقيادة رئيس البرلمان العراقي فيما ذهب اخرون الى الائتلاف مع كتلة الاصلاح التي أُسست لاحقا بوصفها كتلة عابرة للهويات, الا ان الواقع يشير الى أنّ من عليها هو  نوري المالكي.

وفيما رفض اسامة النجيفي استلام وثيقة التسوية الوطنية من يان كوبيتش احتجاجا على اقرار قانون هيئة الحشد الشعبي واعلانه ان هذه الوثيقة قد ماتت باقرار هذا القانون, فإنّ د. سليم الجبوري قد رحب بهذه المبادرة معلنا ان “التسوية التاريخية” من شأنها تحقيق وئام سياسي في البلاد و معلنا تأييده لاي مشروع سياسي يفضي لتعزيز السلم الاهلي وان الوقت قد حان لتصفير المشاكل.

هذا التباين في المواقف يعكس حالة التنافس والخصام مابين الطرفين والذي تجلّى باعلى صوره في اقالة وزير الدفاع خالد العبيدي المدعوم من قبل اسامة النجيفي والاتهامات التي وجهت الى رئيس البرلمان فهو جزء من اقالة وزير الدفاع بالتحالف مع نوري المالكي, هذا التحالف الذي تجسّد لاحقا بإقالة وزير المالية هوشيار الزيباري.

إنّ هذه الخلافات قد طرحت اشكالية التمثيل الشرعي للمكون السني, لاسيما مع ظهور قوى خارج العملية السياسية تسعى الى الحصول على موقع فاعل في أية تسوية مستقبلية لمرحلة ما بعد داعش, واهم هذه الشخصيات رجل الاعمال العراقي خميس الخنجر الذي كان يعد بمثابة عراب القائمة العراقية التي فازت بانتخابات عام 2010، الا انه عاد هذه المرة بشكل مباشرة كي يؤسس تجمعا جديدا اطلق عليه (المشروع العربي) ليقدم نفسه كبديل للقوى السياسية السنية التي عجزت عن الاستجابة لمطالب جمهورها او توقعاتها او على الاقل ان يكون طرفا فاعلا في المستقبل في التفاهمات مع بقية الاطراف الشيعية او السنية.

فيما رفضت قوى معارضة اخرى للعملية السياسية مثل هيئة علماء الملسمين بقيادة مثنى الضاري هذه الوثيقة لأنها لا تاتي بشيء جديد حسب رأيها, وقد التقى يان كوبيتش بقيادات سنية في العاصمة الاردنية عمان لغرض إطلاعهم على وثيقة التسوية الوطنية ومعرفة رأيهم فيها، كجزء من جهود الامم المتحدة للتقريب بين مختلف الاراء.

إنّ نقطة الضعف الاساسية في الموقف السني هو في تشتته وعدم وجود رؤية موحدة للتحديات التي تواجه االمجتمع السني بعد مرحلة داعش بوصفه المجتمع الاكثر تضررا وساحة لمشاريع متعددة او حتى للقضايا على المستوى الوطني, وغياب هذه الرؤية الجامعة أضعف موقفهم التفاوضي مع بقية المكونات وسيزيدهم ضعفا.

الاكراد بين حلم الدولة والفيدرالية

لا يخرج التحالف الكردي حاله حال بقية الكتل السياسة الاخرى من مشهد ازمة تفتت القوى السياسي التقليدية، فالانقسام أصبح حادا بين تيار السليمانية المتمثل بالاتحاد الوطني الكردستاني والتغيير ، وبين تيار اربيل المتمثل بالحزب الديمقراطي الكردستاني، بل إنّ الانقسام امتد داخل الاتحاد الكردستاني حينما اعلن كل من د.برهم صالح وكوسرت رسول القياديين في الاتحاد الوطني عزمهما على إنشاء “مركز القرار” بما فسر أنه حركة احتجاجية على سياسة القيادية هيرو احمد ابراهيم (زوجة الرئيس السابق جلال الطالباني) وتفردها في قرارات الحزب .

ولقد بلغت حدة الانقسام ذروتها حينما صوت اعضاء من الاتحاد وحركة التغيير في البرلمان العراقي على إقالة  وزير المالية هوشيار الزيباري, الأمر الذي عدته اربيل بمثابة خروج عن الاجماع الكردي وخيانة للقضية الكردية

وشهدت هذه الفترة تقارب في وجهات النظر بين ائتلاف دولة القانون وتيار السليمانية, وهو ما دفع بالرئيس مسعود البارزاني الى زيارة بغداد والاتفاق مع رئيس الوزراء على عدة ملفات منها الملف النفطي ومعركة الموصل ، وهو الاتفاق الذي اعترضت عليه السليمانية, وقالت عنه النائبة عن الاتحاد الوطني الاء الطالباني انه يعمل بالضد من مصالح الاكراد في مقابل تعزيز سلطة الحزب الديمقراطي الكردستاني, موجهةً باتهام الى الحزب الديمقراطي الكردستاني على انه يهيمن على (65%) من نفط كركوك من خلال شركة تابعه له هي كارا، ، فيما اتهم النائب عن التغيير هوشيار عبدالله الحزب الديمقراطي الكردستاني بانتهاج سياسة التجويع ضد االمجتمع الكردستاني. هذه الاتهامات والاتهامات المتبادلة بين القوى الكردية عكس الى حد ما حالة الانقسام غير المسبوقة كماً ونوعاً في الموقف السياسي الكردي.

لقد ادى هذا التباين الى الاختلاف في وجهات النظر حول مستقبل العلاقة بين اقليم كردستان وبين المركز ، ويبدو حلم الدولة الكردية وفقا لهذه الانقسامات بعيدا جدا على الرغم من أنّ قرار الدولة الكردية يبقى قرارا اقليميا ودوليا اكثر مما هو قرار داخلي عراقي.

وقد اعلن نيجيرفان برزاني رئيس وزراء اقليم كردستان والقيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني أنه ( بعد عملية تحرير الموصل سنبدأ باجراء مباحثات استقلال كردستان مع بغداد)، فيما دعا رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني الى اجراء استفتاء في اقليم كردستان بشأن استقلال كردستان, فيما لايشارك تيار السليمانية هذا الاتجاه ويعده محاولة مستمرة لتعزيز نفوذ الحزب الديمقراطي في الاقليم.

ولذا فان استمرار الخلافات بين تياري اربيل والسليمانية لن يعطل فقط حلم الدولة الكردية بل يمكن ان يشطر إقليم كردستان الى اقليمين, حيث دعا محافظ كركوك نجم الدين كريم الى تأسيس اقليم مستقل يضم السليمانية وكركوك وخانقين وحلبجة، وهو ما رفضته اربيل وتيار مركز القراربوصفه تهديداً للوحدة الكردية و انقلاباً على الثوابت التاريخية.

رابعا: سيناريوهات الوضع العراقي.

ان قيمة اية دراسة سياسية هو في قدرتها على بناء نماذج مستقبلية؛ لان مهمة الباحث السياسي ليس التاريخ بل المستقبل، ومن هنا نستطيع القول ان المشاهد المستقبلية للوضع العراقي تتجسد فيما يأتي:

السيناريو الاول: الحرب الاهلية والتفكك:

ويفترض هذا المشهد عجز القوى السياسية عن الاتفاق والاستجابة للتحديات القائمة ، وهو خيار مرجح لاسيما وأن هناك عدم وجود اتفاق سياسي يرافق العمليات العسكرية في الموصل, مع وجود خشية أن تتحول الموصل الى كابل اخرى , مع امتلاك معظم القوى السياسية أجنحة عسكرية ودخول مليشيا الحشد الى المشهد العراقي مع ترسانة كبيرة من السلاح غير المنضبط.

السيناريو الثاني: أقلمة العراق:

ويقوم هذا السناريو على تقسيم العراق الى عدة فيدراليات قائمة, إما على اسس طائفية او عرقية ( اقاليم سنية، وشيعية ، وكردية، مع إقليم للمسيحين في سهل نينوى) وهو سيناريو الـ (8) أقاليم المطروح حاليا، او تقسيم العراق الى ثلاثة أقاليم ( سني ، شيعي ، كردي), او أن تكون كل محافظة إقليم بحد ذاته.

السيناريو الثالث: الكونفدرالية:

على الرغم من أن النظام الكونفدرالي قد انتهى منذ قرون, إلا أنّ هناك رؤية الى جعل العراق نظاما كونفدراليا (عربيا، كرديا) او ( سنيا ، شيعيا، كرديا).

السيناريو الرابع: استقلال كردستان:

وفيه يتم الاتفاق على انفصال كردستان عن العراق وتكوين دولة مستقلة, وهذا يتطلب اتفاقاً مع بغداد وموافقة اقليمية, لاسيما (تركيا، وايران) وقبول دولي لاسيما من قبل الولايات المتحدة.

السيناريو الخامس: انقسام اقليم كردستان:

ويفترض هذا السيناريو تفاقم الخلافات بين تيار السليمانية وتيار أربيل الى نقطة القطيعة, وبالتالي انقسام الاقليم الى إدراتين او إقليمين, الأول يشمل: حلبجة وخانقين والسليمانية وربما اجزاء من كركوك, واقليم اربيل ويضم: أربيل ودهوك وجزء من محافظة نينوى.

السيناريو السادس: العودة الى المركزية:

وهذا يتطلب: إما هيمنة طرف قوي على المركز قادر على فرض ارادته واحتكار القوة على بقية الاطراف، سواء عن طريق الانقلاب العسكري او بفعل متغيرات تعزز هذه السيطرة وان كان هذا الاحتمال بعيدا لكنه يبقى واردا ولو بنسبة محدودة جدا.

السيناريو السابع: استمرار الوضع الراهن:

وفيه يبقى الوضع السياسي بنمط تفاعلاته وشخوصه على ما هو عليه مع تغيير محدود .

السيناريو الثامن : الدولة الحيادية (التوافق الوطني):

وتحقق هذا السيناريو من خلال انتاج انموذج عراقي للاتفاق السياسي يتجاوز المعضلات السياسية بما يحقق الاجماع الوطني النسبي ويقود الى السلم الاهلي وبناء المؤسسات الوطنية والدولة الحيادية.

السيناريو التاسع : المتغير المجهول:

وهذا السيناريو يفترض حدوث متغيرات غير منظورة ومجهولة يمكن ان تغير الوضع العراقي على نحو غير معلوم او ما يمكن ان نطلق عليه سيناريو المتغير اكس.

الخاتمة

مع اقتراب معركة الموصل على نهايتها تزداد حالة اللايقين السياسي في العراق الى درجة كبيرة, ومرد ذلك أنّ النظام السياسي الذي ولد بعد عام 2003 قد عجزت ادواته عن حل المعضلات التي تواجهه, ومع تراكم هذه المشاكل يبدو هذا النظام وشخوصه عاجزين عن ايجاد مخرجات ناجزة وقابلة للحياة، وزاد الامر تعقيدا تداخل الوضع الداخلي مع الوضع الاقليمي والدولي بحيث بات من الصعوبة بمكان الفصل بينهم. وهو ما يصّعب القراءات الموضوعية للمشهد العراقي؛ نظرا لتعدد العوامل والفواعل والابعاد والصور .

ونظرا للسيولة الفائقة للاحداث والمتغيرات تبدو الاتفاقات والتحالفات السياسية العراقية تسير على رمال متحركة ، وهو ما يجعل من المشهد السياسي العراقي في دائرة من الضبابية غير المنتجة يمكن وصفه بانه  نظام أزمة لا نظام حل.

لكن ايضا يبقى المشهد السياسي العراقي جزءا من صورة عدم الاستقرار السياسي الذي يعم في المنطقة ويفتك بها، ولذا فان البحث عن حلول عملية في العراق هو حكمٌ في جزء منه افق خارجي, سواء شاء الفاعل العراقي ام لم يشأ.

إنّ مشاريع مثل التسوية التاريخية هي بمثابة رمي حجر في بركة راكدة يمكن ان تحرك مشاريع اخرى اكثر نضجا, لكن هذا يتطلب عملا وعقلا جمعيا وارادة واعية لاطراف متنافرة ونزقة لا تتقبل بعضها البعض الا عنوة, وهو ما يجعل التوقعات متدنية بالنسبة للانجاز .

لكن الحلول لا يمكن أن تأتي من السماء؛ فزمن المعجزات قد ولى ، لهذا لابد من أن تصل الاطراف الفاعلة في المشهد العراقي -الداخلة في العملية السياسية او المعارضة لها-  الى قناعة مفادها: أنّ الحل يأتي من الارض، وكلما كانت الحلول واقعية وقابلة للتطبيق وتحظى برضا نسبي لمعظم الاطراف كلما كان ذلك مدعاة للتفاؤل والعكس صحيح.

صفوة القول: ان العراق يقترب من نقطة فارقة في تاريخه, وحسن التعامل مع هذه اللحظة او خسارتها هي التي ستحدد ملامح هذا البلد وشكله ونمط الحكم فيه وطبيعة العلاقات البينية سواء باتجاه التعاون او الصراع ، الوحدة او الانقسام والتفكك، وهذه بلا شك مهمة الفاعلين بالدرجة الاولى والاخيرة

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button