دراسات سياسيةدراسات مغاربية

تطهير الدولة ومؤسساتها من الممارسات “الريعية” ووقف استنزاف المال العام وممتلكات الأمة

بقلم جلال بوعاتي – صحفية الخبر

بعد أن وضع أعضاء الحكومة أقدامهم على الأرض، تبدأ مرحلة العمل من أجل تجسيد وعود رئيس الجمهورية الواردة في برنامجه المتضمن 54 التزاما، أهمها تطهير الدولة ومؤسساتها من الممارسات “الريعية” ووقف استنزاف المال العام وممتلكات الأمة.

تطرح عمليات تسليم واستلام المهام بعض التساؤلات، إذ يتوجب على الحكومة الانتباه إلى عدم تكرار ممارسات شوهت أداءها وصورتها لدى الرأي العام وحتى المنتسبين إلى مؤسساتها المختلفة، خاصة إذا كان الأمر يتعلق باستمرار “ترسخ الفكر الريعي” لدى بعض الفئات.

وباستثناء الامتيازات التي يحتفظ بها الوزراء الراحلون مثلما هو الحال بالنسبة للسكن الوظيفي والممتلكات المنقولة مثل السيارات والخط الهاتفي لفترة مؤقتة، فإن باقي الامتيازات تسقط بمجرد تسليم الوزير العهدة إلى خليفته.

وينظر المراقبون إلى هذا الموضوع على أنه من المسائل التي لا يسمح بالكلام عنها أو بالأحرى يتفادى الجميع إثارتها لعدم إزعاج “المنتفعين” منها، وهم في كثير من الأحوال أشخاص أو شخصيات مسؤولة سابقا.

ومن الجوانب التي يثار حولها الحديث، مصير العقارات التابعة للقطاعات الوزارية المختلفة، وبخاصة التي تتمتع بوحدات ومؤسسات ذات طابع تجاري وصناعي، مثلما هو الحال بالنسبة لوزارات معينة منها الفلاحة والصناعة والتربية والتجارة وغيرها.. حيث يستفيد المسؤولين فيها من مزايا خفية على المواطنين، خاصة فيما يتعلق بالعقارات التي يتم استغلالها والاستفادة منها طيلة فترة الجلوس على كرسي المسؤولية، ويستمر الوضع كذلك بعد المغادرة دون أدنى وجه حق.

وبينما يشار بأصابع الاتهام إلى غرفتي البرلمان والمزايا التي ينتفع بها نواب وأعضاء سابقون فيهما دون مسوغ قانوني، مثلما هو الحال بالنسبة للسيارات التي كان تخرج من حظيرة البرلمان ولا تعود إلا مهترئة أو بعد فضح سارقيها في الصحافة، فإن المسكوت عنه وهو “أفظع” يتواجد عند القطاعات الوزارية التي تنتهي فيها المهمات الوزارية بتنازلات عن أملاك عقارية، سواء أكانت في شكل مقرات ومبان أو شقق مستأجرة من الدواوين العقارية لصالح إطارات ومسؤولين بوزارات تصنف في خانة “الغنية” بطرق مبهمة، خاصة خلال العقدين الماضيين، وهو ما يفسر تهافت بعض الشخصيات التي ذاقت “حلاوة الكرسي” من قبل على السعي وراء العودة إلى “أحضان” الدولة. ويمثل هذا الموضوع قنبلة موقوتة بالنسبة للكثير من الشخصيات والإطارات السابقين في الدولة، الذين استفادوا من أملاك عقارية بحكم الوظيفة ولم يتم استردادها من طرف الدولة لأسباب مجهولة، وكثيرا ما كان يتم التنازل عنها بعد موافقة وزارة المالية لمسؤولين أو معارفهم.

ولأن الاستوزار مثير للاهتمام شعبيا، فإن المعلومات حول رواتب كبار موظفي الدولة، ومنهم الوزراء، تصنّف في خانة السري، ويحظر إطلاع الشعب عليها بمبررات غير مؤسسة، ولا تزال السلطات تصر على التعامل مع الملف بواسطة مراسيم رئاسية غير قابلة للنشر.

ومع ذلك، يقول مطلعون على يوميات هذه الفئة إن “أقل” وزير في الحكومة يحصل على امتيازات تصنّفه في خانة الأثرياء، بداية من المسكن اللائق، وهو عبارة عن فيلا فاخرة مجهزة ومؤثثة، مرورا بالحديقة التي يسهر على رعايتها بستاني تدفع الدولة راتبه.

وما يثير الاستغراب هو تباين مراتب الوزراء في الديكور المنزلي والأثاث الذي توفّره المؤسسة الراعية لإقامات الدولة، فهناك وزراء كانوا يشترطون تغيير الأثاث والتجهيزات الإلكترونية والكهرومنزلية بين الفترة والأخرى، بداعي أنه لا يقل مقاما ومرتبة عن زميله الوزير الفلاني. وبحكم علاقته، أي الوزير، مع مدير إقامة الدولة يحصل على ما يريد أو ما تريده ربة الأسرة!

والوزير ليس إنسانا عاديا.. فلا يعود إلى هيئته البشرية الأولى إلا بعد صدور مرسوم إقالته.. لذا فإن أصعب فترة يرفض الوزراء المرور بها هي فترات الحديث عن التعديلات الحكومية أو الخلاف بين رئيس الجمهورية ووزيره الأول، حيث يصاب غالبيتهم بالقلق ونوبات الخوف التي تجعل منهم فريسة سهلة للإصابة بداء السكري وارتفاع الضغط الدموي.

فقد كان للوزير المقرب من الوزير الأول أو تربطه علاقة قوية مع المحيط الرئاسي ومؤسسة الجيش العدد الذي يحدده من السيارات، واحدة له وثانية لزوجته وثالثة لأبنائه، ومن الوزراء من يسوق، على الورق، أكثر من خمس سيارات دفعة واحدة، وذلك حسب درجة القوة التي يتمتع بها وشخصية مدير الإدارة العامة بالوزارة. وهنا ينبغي فتح قوسين للإشارة إلى أن كل سيارة تحصل على دفترها الخاص من الوقود، ومثلما كان مع السيارات يحدث مع دفاتر الوقود التي يتضاعف عددها حسب درجة النفوذ والضعف.

وحدث أن تعرّض المدير الإداري للإقالة والاستبدال من طرف الوزير بسبب عدم تعاونه الكافي معه فيما يتعلق بتوفير الامتيازات. وتروي مصادر مطلعة أن أهم اجتماع يعقده الوزير “المرحي” بعد تعيينه أو نقله إلى وزارة جديدة يتم مع مدير الإدارة العامة لجس نبضه ومعرفة درجة “الراحة” التي سيحصل عليها.

“ملك البايلك” دين جديد

ولأنها مصنفة ضمن بند “ملك للبايلك” فإن السيارات التي تكون في عهدة الوزير لا تعود بسهولة إلى الحظيرة بعد انتهاء مهامه في الحكومة.. خاصة تلك التي كان قد وضعها تحت خدمة مسؤول رفيع.

ولأنها ترفع شعارات فقط ولا تطبّق من القوانين حرفا، فإن الحكومة التي هي رمز من رموز الدولة تصنف في خانة الجهات الأكثر تبذيرا وإهدارا لأموال الشعب، والسبب الإفراط في إبرام صفقات شراء سيارات الخدمة وبأعداد هائلة.

وحدث أن عانت بعض الوزارات مع وزراء غادروها ومعهم سيارات لم تستردّ إلا بالقوة. فهناك من يعيل زوجتين، ولكل واحدة منهما سيارة، فيضطر إلى طلب وساطة خلفائه وربما الوزير الأول من أجل الاحتفاظ بهما بعد إنهاء مهامه، فإن كان من أصحاب “الكعب العالي” تحقق له ما أراد.

ومن مسببات الغضب والشفقة معا، ما تعلق بطعام الوزير، إذ تتدخل العناية الحكومية لتضعه فوق طعام باقي الجزائريين، وتكفي مقارنة بسيطة بين ملامح وهندام الوزير قبل استوزاره وبعده بفترة لا تزيد على شهر، حيث تبدأ ألوان وجهه تتبدل نحو الصفاء وتختفي التجاعيد التي كانت محفورة على خديه وجبينه ويبدأ الشيب يصطبغ بألوان الشباب مرة أخرى.

وعلى كاهل خزينة الشعب، يستفيد الوزير من التغطية الصحية في الجزائر والخارج، فمرتبته تجعل الجهات المكلفة بضمان العلاج في المستشفيات الأوروبية لا تعير لمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين أي اهتمام. وبعد مغادرته منصبه يظل تحت عهدة صندوق التقاعد الخاص والضمان الاجتماعي إلى غاية الوفاة.

وتظل مسألة الراتب من مسببات الكفاح من أجل البقاء، طوعا أو كرها. فمن ذا الذي يستطيع أن يفرّط في راتب صاف لا ينقص منه سنتيما واحدا طيلة مدة الخدمة أو التواجد في الوزارة! يقول “مهتمون” بمهنة الوزير إن غالبية الوزراء لا ينفقون من “شهريتهم” ويعتمدون في الركوب والأكل والإيواء على ما في خزينة الدولة.

ويتقاضى الوزير بين 30 و40 مليون سنتيم شهريا، أي ما يساوي أو أقل بقليل من النائب البرلماني. وقبل الزيادات التي أقرّتها السلطات لهذه الفئة غير العادية من الجزائريين، كان الوزير لا يحصل على أكثر من 12 مليونا في الشهر، مع تمتّعه بالامتيازات الأخرى، مثل السيارات والإطعام وخاصة قسيمات وقود السيارات التي سقط بسببها الكثير من كبار الموظفين في هيئات الدولة.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى