أخبار ومعلومات

تلمسان… صنعة الخالق وملتقى الحضارات

بقلم ع. بن شادلي – جريدة الخبر

سحر الجمال وأصالة المكان وعبق التاريخ وهيبة الحضارة، مركز التقاء الحضارات وروعة الخالق فوق الأرض، تغنى بها الشعراء ولجأ إليها آلاف الاندلسيين حين سقطت الأندلس، مما خلق تمازجا فريدا بين الحضارات، ينتابك شعور بروحانية المكان وأنت تزور عاصمة الزيانيين وعشق المرابطين والموحدين، متحف مفتوح على الحضارة والطبيعة والثقافة، تلك هي تلمسان عاصمة الغرب الجزائري.

 تعتبر ولاية تلمسان قطعة من الجمال أبدع في تصويرها الخالق، فشواطئها الخلابة ومناظر طبيعية لا مثيل لها في باقي جهات الوطن، من أشهر هذه الشواطئ شاطئ مرسى بن مهيدي الذي تعدت شهرته حدود الوطن، وأضحى مقصدا لكل السياح والمصطافين والعائلات، خاصة مع شساعة شواطئه التي تكسوها أشجار باسقة وتحيط بها جبال تجعل منها صورة طبيعية بديعية تجمع بين جمال البحر وعطاء الطبيعة.

الكل يعرف في هذا البحر موسكاردا الأولى، الثانية، الثالثة وعين عجرود وبيدر الأول والثاني، هذه الأماكن تكاد لا تجد فيها مكانا خاليا، سيما في زمن الصيف والحرارة، حيث تغزو أعداد هائلة من السياح هذه المناطق مع حلول كل صيف وأيام نهاية الأسبوع.

عائلات من العاصمة، قسنطينة،عنابة، سطيف أم البواقي المدية، تيبازة وبومرداس، دون الحديث عن القادمين من كل ولايات الغرب الجزائري، مع أعداد كبيرة من السياح الأجانب والمغتربين.

ولعل الحب الذي يربط هؤلاء السياح والمصطافين مع شاطئ مرسى بن مهيدي يكمن في توفر الأمن بشكل كبير، حيث يشعر زوار بورساي بالأمن والراحة ما حوّل ليالي المنطقة إلى نهار، أين تقضي العائلات سهرات سمر على وقع نسيم البحر ورماله الجميلة إلى غاية الفجر من كل يوم، زيادة على توفر العديد من هياكل الاستقبال مثل السكنات المعدة للإيجار من طرف الخواص، وكذا بعض الفنادق الجميلة رغم التهاب الأسعار، إلا أن الأماكن تحجز منذ بداية الصيف،

وعادة ما تشهد المنطقة حفلات ليلية ونشاطات فنية طيلة الفترة الصيفية، وتساءل الكثير هل تعود هذه السنة بعد أن غابت العام الماضي بسبب جائحة كورونا، ومن حي المقام يتمتع الجميع بجمال مرسى بن مهيدي الذي يقابله أيضا شاطئ السعيدية في المغرب.

شاطئ البحيرة … قطعة من الجنة عبث بها المسؤولون

ويبقى شاطئ أولاد بن عايد، الذي يعرف عند العامة من الناس بشاطئ البحيرة، يمثل إحدى التحف الطبيعية التي تتميز بها المنطقة الساحلية لولاية تلمسان، ويعرف إقبالا منقطع النظير لجماله، لأنه يقع بين صخور كبيرة وجبال شامخة وشاهقة، تلجأ إليه العائلات لهدوئه وقلة الحركة به.

غير أنه يبقى مهملا من طرف السلطات المحلية لبلدية سوق التي لم تعرف كيف توظفه في تدعيم مداخيلها المادية، وحتى مديرية السياحة لولاية تلمسان لا تعطيه أهمية رغم قيمته السياحية، إذ يبقى خاليا من كل الهياكل التي من شأنها أن تجلب السياح والمصطافين بكثرة، بل تغزوه الأوساخ وتنعدم به وسائل استقبال والترفيه على غرار الفنادق والمقاهي والمطاعم وحتى المراحيض.

فيما تنعدم كل مظاهر التهيئة العمرانية على الشاطئ، باستثناء بعض أصحاب طاولات بيع الحلويات والمياه المعدينة الذين يوفرون للزبائن بعض الخدمات في ظروف مختلفة.

ويأمل الكثير من زواره لو أن يمنح لبلدية السواحلية التي تعتبر المنطقة الأقرب إليه من البلدية الأم التي يتبعها حاليا وهي سوق الثلاثاء، خاصة وأن بلدية السواحلية أبدت عزمها في الكثير من المرات على استعدادها لتحويله إلى منتزه سياحي كبير بالنظر للموقع الجغرافي الممتاز والاقبال الجماهيري عليه.

وغير بعيد عن هذا الشاطئ، تنفرد بلدية السواحلية بشاطئ البخاتة وبوخنايس اللذين يعرفان أيضا توافدا كبيرا للمصطافين، رغم أنهما مصنفان ضمن الشواطئ غير المحروسة.

وتسعى السلطات المحلية لبلدية السواحلية، بعد أن تلقت مساعدات مالية من والي الولاية، إلى تهيئة شاطئ البخاتة الذي سيكون مستقبلا أحد أحسن الشواطئ في الجهة الغربية من الجزائر، حيث انطلقت به الأشغال.

كما أبدى العديد من المستثمرين نيتهم في إنجاز مرافق سياحية به، على غرار مغترب من المنطقة يعيش في بريطانيا الذي أبدى عزمه على إنجاز مركب سياحي كبير بمعايير عالمية.

هضبة لالة ستي … نموذج لتمازج العمارة بالطبيعة

لم تعد المناطق السياحية في ولاية تلمسان تقتصر على الشواطئ الساحرة والجميلة فقط، بل تعدتها إلى مناطق أخرى لا تقل جمالا وجذبا للمواطنين، ولعل هضبة لالة ستي الموجودة في أعالي مدينة تلمسان خير مثال على تعدد التنوع السياحي في تلمسان، ما جعلها في السنوات الماضية قبلة لكل العائلات والزوار من مختلف الولايات الجزائرية وحتى من الخارج.

فقد تحولت هضبة لالة ستي، في السنوات الأخيرة، منذ أن عرفت إصلاحات شملت التهيئة العمرانية مع الحفاظ على الطابع الغابي لها، إلى قبلة حقيقية للوافدين إلى الولاية.

فهي لا تكاد تخلو من زائريها طوال السنة، سيما في العطل المدرسية والصيف، خاصة مع وقوعها وسط غابة كثيفة تتخذها العائلات مكانا للراحة لتناول الوجبات الغذائية أو تحضير وجبات المشوي في عين المكان، إلى جانب ركوب الخيل والألعاب المخصصة للأطفال.

ورغم كل هذا، يفضل الكثير الجلوس تحت الأشجار الكثيفة في الغابة المجاورة للمركب، أين يستظل تحتها ضيوف الهضبة، وتوجد بها كل المرافق التي يحتاجها الزوار كالمطاعم، المقاهي، محلات المرطبات، حظائر توقف السيارات ومركز للأمن الوطني.

المشور….. صمود تاريخي للقلعة العجيبة

تقع قلعة المشور التي تحكي تاريخ تلمسان الطويل والحافل بالإنجازات الحضارية وسط مدينة تلمسان، وتحتوي على كنوز تاريخية وحضارية تبرز تنوع الشعوب التي تعاقبت على المنطقة.

ويبقى قصر السلطان أو القصر الملكي، الذي شيده السلطان الزياني يغمراسن بن زيان، أحد الأماكن الأكثر توافدا للسياح في المدينة إلى جانب المساجد العتيقة، خاصة المسجد الأعظم وسط المدينة، مسجد أغادير وسيدي الحلوي،  ومسجد سيدي بومدين الذي بني على الطراز الأندلسي الرائع الذي يعد أيضا من المقاصد السياحية في تلمسان.

بين المغارة العجيبة ومنارة المنصورة الصامدة

تعتبر مغارة بني عاد العجيبة، التي تمثل تحفة ربانية طبيعية خلابة، ثاني أكبر مغارة في العالم، حيث تقع فوق جبال بلدية عين فزة، وكل من زار تلمسان لا يفرط في زيارتها للتمتع بمناظرها، فهي تعرف طوال السنة توافد الآلاف من أبناء الولاية وباقي سكان الوطن وحتى من الخارج للاستمتاع بجمال الطبيعة الذي ترسمه ظاهرة الصواعد والنوازل.

ويقدر عدد زوارها يوميا بأكثر من 8 آلاف زائر خاصة في الصيف، ولكن بالرغم من الجمال الذي حباه الله بها، إلا أن تبقى تعاني الإهمال من طرف السلطات المحلية لبلدية عين ومديرية السياحة للولاية.

في حين أن قلعة المنصورة التي بناها الملوك المرينيون تجلب هي الأخرى أنظار زوار تلمسان والسياح والعائلات، التي تفضل قضاء عطلة نهاية الأسبوع بين أحضان أشجار الكرز وبقايا المدينة القديمة أثناء الصراع الزياني المريني.

شلالات الوريط وقصة الشواء

تستقطب شلالات “الوريط”هواة السياحة الجبلية، فمياهها العذبة المتدفقة من أعالي مصب سد المفروش شكلت بحيرة على الطريق الذي يربط عاصمة الولاية تلمسان ببلدية عين فزة، حيث تستهوي الشباب الذين يقصدونها أثناء هطول الأمطار التي تجعل من الشلالات فضاء فنيا لهواة التصوير الفوتوغرافي.

في الوقت الذي يفضل فيه آخرون السباحة في بحيرتها التي تسر الناظرين، وهي التي تغنى بجمال موقعها المطرب الوهراني الراحل أحمد وهبي في رائعته المعروفة “توحشت الوريط”.

وتشتهر المنطقة أيضا على مدار السنة بأطباق الشواء على الجمر، إذ تفضل العائلات والأحباب وحتى الذين ينزلون ضيوفا عند أصدقائهم وأهاليهم في تلمسان على تناول وجبة الغذاء في هذا المكان الجميل والرائع.

هياكل استقبال وفنادق.. في انتظار المزيد

تتزايد الهياكل الفندقية في ولاية تلمسان بشكل ملفت للانتباه، مما يسمح لها باستقبال الأعداد الكبيرة للزوار في كل سنة، حيث نجد الفنادق الفخمة والراقية  ذات أربع نجوم على غرار فندق النهضة “رونيسانس” بهضبة لالة ستي، فندق الزيانيين، فندق أغادير،  إلى جانب فنادق أخرى كسطمبولي، وبوماريا والقائمة طويلة.

فيما تتواجد بيوت الشباب التي بإمكانها استقبال السياح من الشباب محدودي الدخل، كما هو حال دار الشباب بهضبة لالة ستي، ودار الشباب بقباسة، ودار الشباب بمغنية، ومرسى بن مهيدي.

في حين تشير الإحصائيات الرسمية إلى تسجيل 60 مشروعا استثماريا بقدرة استقبال تعادل 5814 سريرا جديدا، إضافة إلى تشجيع العديد من الاستثمارات الخاصة من أجل إنجاز هياكل إيواء جديدة، حظائر للتسلية، مطاعم وغيرها في انتظار فتح مركز للتسلية بمغنية الذي مازال يعرف بعض العراقيل لدخول النشاط، وهو الذي ينتظره سكان هذه الجهة من تلمسان بشغف كبير.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى