القاموس الاجتماعيدراسات سوسيولوجية

ثقافة شعبية Folk Culture

يُشير مصطلح ثقافة بشكل عام، كما يذهب كابلان، إلى أن الثقافة تتكون من: تقاليد وعناصر تراثية منظمة ومتداخلة مع بعضها؛ وأنها انتقلت عبر الزمان والمكان، خلال آليات غير بيولوجية تعتمد على القدرة على استخدام الرموز والإشارات اللغوية وغير اللغوية المتطورة، التي ينفرد بها الإنسان.

ويعني ذلك أن الثقافة هي طريقة الحياة، التي يشترك فيها أعضاء المجتمع أو الجماعة، وتُكتسب من خلال اكتساب الأعضاء لعضوية المجتمع، ومن خلال مشاركتهم في طريقة الحياة؛ أي يكون تعلم الثقافة من خلال التفاعل مع الآخرين. وتتكون الثقافة من جانبين؛ الجانب المادي، مثل الاختراعات والإنتاج… إلخ، والجانب المعنوي، كالاعتقادات والاتجاهات والقيم وقواعد السلوك. ومن ثم فالثقافة أوسع وأشمل من مفهوم الإنتاج أو الإبداع، الذي يتمثل في العلوم والمعارف والفنون؛ لأن الثقافة هي حصيلة النشاط الإنساني في مجتمع من المجتمعات. ومن ثم أضحى لكل مجتمع ثقافته الخاصة، ولذلك فهي تتميز وتستقل عن الأشخاص الذين يحملونها ويمارسونها في حياتهم اليومية؛ لأن عناصرها كلها مكتسبة.

والثقافة، مفهوماً، ليست مقصورة على مجالات بعينها من المعرفة؛ لأنها تتضمن كل أساليب السلوك المشتقة من مجالات النشاط البشري، بأنواعها كافة. فالثقافة لا تتضمن فقط تقنيات ومناهج الفن والموسيقى والآداب، وإنما تشمل كذلك التقنيات والطرق المستخدمة في صناعة الفخار، أو حياكة الملابس، أو بناء البيوت.

ومن بين المنتجات الثقافية، كذلك، المطبوعات الفكاهية والأغاني التي يرددها رجل الشارع، جنباً إلى جنب مع فن ليوناردو دافينشي وموسيقى يوهان باخ. ومن ثم فالأنثروبولوجي لا يعرف تلك المقابلة بين المثقف وغير المثقف؛ لأن هذا التمييز الشائع في الاستخدام العادي لا يمثل عنده سوى اختلاف في حظ الفرد من الثقافة؛ ولكنه لا يدل على وجودها أو عدم وجودها.

يولد الأفراد –عادة- في طبقات اجتماعية أكثر تعقيداً، لها طرق متمايزة، وأساليب مختلفة للحياة. ويؤثر الأفراد ويتأثرون، في الوقت نفسه، بالقيم والسلوكيات والنظم، التي تؤثر بدورها في العلاقات الاجتماعية لهذه الجماعات؛فضلاً عن أنهم يشكلون ويتشكلون بمجموعة العلاقات الاجتماعية اللازمة لتنامي وجودهم الاجتماعي وتكاثره. ومن ثم يبدءون في بناء وتطوير هويتهم وثقافتهم المحددة، والتي تشتمل على شبكة من العلاقات، وبناء من المعاني والرموز والقيم الاجتماعية.

ومن هنا فإن الثقافة الشعبية Popular Culture تعمل على نقل ذلك البناء اجتماعياً وثقافياً، حتى يتمكن أفرادها من فهم أنفسهم وفهم العالم المحيط من حولهم. ومن ثم يعتمد أعضاء تلك الثقافة على معاييرهم الخاصة، والتي تمكنهم من تحديد إطار علاقاتهم بالثقافة القومية، أو السائدة.

وعلى هذا الأساس يُتيح مفهوم “الثقافة الجماهيرية أو الشعبية”، قدراً من التفاعل الاجتماعي بين أفرادها، وفقاً للخلفية القيمية والرمزية لهم. أي أن الثقافة الشعبية تعني، ببساطة، أنها الثقافة التي تروق لعموم الشعب، أو التي يستوعبها الشعب أكثر من غيرها. وُضاف إلى ذلك أن الثقافة الجماهيرية أو الشعبية قد تشير إما إلى الإبداعات الفردية، والتي منها مثلاً الأغاني الشعبية والفلكلور الشعبي، وإما إلى أسلوب المعيشة الخاص بالجماعة؛بمعنى أنها نمط الابداعات والممارسات وأشكال التفاهم، التي تساعد على تثبيت دعائم الهوية المميزة لهذه الجماعة.

وبتطوير علم الاجتماع لوسائل الاتصال الجماهيري، وعلم اجتماع الدراسات الثقافية، بفضل أعمال هوجارت Hoggart، أصبح يُنظر إلى جمهور الثقافة الشعبية على أنه “جمهور إيجابي”، تتزايد درجة فعاليته باستمرار. ومن ثم أصبح يُنظر إلى العملية، التي يتم بواسطتها توصيل رسالة الثقافة الجماهيرية أو الشعبية، بوصفها عملية تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم. ويمكن تمييز فعالية الشعب على مستويين، هما:

  1. المستوى الأول:يُعرف جماهير الشعب بأنهم منتجو الثقافة الجماهيرية، أي ثقافة العامة، أو الثقافة الشعبية.
  2. المستوى الثاني:وهو أن تكون الجماهير الشعبية هي المفسرة لهذه الثقافة الجماهيرية.

وقد فرق دارسون بين الثقافة الجماهيرية أو الشعبية، وبين ما يُطلق عليها “الثقافة الراقية”، التي تضم عناصر من قُبيل الموسيقى الكلاسيكية، والروايات الأدبية الجادة، والشعر، والرقص، وغيرها من المنتجات الثقافية، التي لا يتذوقها إلا شريحة قليلة العدد نسبياً من المتعلمين.

أما الثقافة الشعبية، فهي أوسع انتشاراً من ذلك بكثير، وأقرب لوجدان كل فرد ومشاعره. ويتركز الاهتمام الرئيسي للثقافة الجماهيرية على التسلية والترفيه، وتسيطر عليها في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال لا الحصر، الألعاب الرياضية، والتليفزيون، والأفلام السينمائية، والموسيقى الشعبية.

وتُحدَّد الثقافة الشعبية كنموذج مثالي، بوصفها تنطوي على أنماط السلوك، التي تتميز بالتقليدية والشخصية. وهي تعتمد على القرابة وتخضع لضوابط غير رسمية، وترتكز على النظام الأخلاقي والتراث الشفاهي؛ ولهذا تكون مستقرة نسبياً، وبالغة التماسك والتكامل. وقد وُجد هذا النموذج للثقافة في المجتمعات البدائية. كما يشيع أيضاً في المجتمعات القروية غير المتحضرة.

ويرجع استخدام مصطلح folk أو الشعبي، إلى روبرت ردفيلر، الذي كان يعني به استخدام الأغاني الشعبية، والفولكلور كمؤشرات للدلالة على الثقافة الشعبية. وقد أكد باستمرار على أن الثقافة الشعبية هي نموذج مثالي، أو بناء عقلي، لا يمكن أن نجده في صورته الخالصة، وإنما تقترب منه المجتمعات، التي يهتم بدراستها علماء الأنثروبولوجيا. وأوضح أن أهم خصائص الثقافة الشعبية أنها تنتمي إلى الجماعات الصغيرة المنعزلة، التي تسود فيها العلاقات الشخصية، وتتفوق فيها القيم المقدسة على القيم العلمانية، ويكون النظام الأخلاقي السائد بالغ القوة، والضبط الاجتماعي غير الرسمي، وهو تقليدي، ومقدس. ويرجع ذلك إلى أن انتقال الثقافة يجري بصورة شفاهية. وتتميز الثقافة الشعبية عن الثقافة الحضرية والمجتمع الحضري، بأنها وحدة كلية متماسكة تُشبع الحاجات الدائمة للأفراد، من المهد إلى اللحد. كما أنها تكون نتيجة للتواصل المستمر بين الجماعات، أثناء مواجهتها للمشكلات المختلفة.

أي أن الثقافة الشعبية هي التي تميز الشعب والمجتمع الشعبي، وتتصف بامتثالها للتقاليد والأشكال التنظيمية الأساسية، وعلى الرغم من طابعها المحافظ، إلا أنها تكون عرضة للتغيير باستمرار، بسبب المؤثرات الخارجية.

المصادر والمراجع

  1. أحمد زكي بدوي، “معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية”، مكتبة لبنان، بيروت، 1986.
  2. أندرو إدجار، وبيتر سيد جوبك، “موسوعة النظرية الثقافية (المفاهيم والمصطلحات الأساسية)”، ترجمة هناء الجوهري، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2009.
  3. جون سكوت، وجوردن مارشال، “موسوعة علم الاجتماع”، ترجمة أحمد زايد وآخرون، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2011.
  4. عاطف غيث، “قاموس علم الاجتماع”، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1995.
  5. فاروق أحمد مصطفى، ومحمد عباس، “الأنثروبولوجيا الثقافية”، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 2005.
  6. محمد الجوهري وآخرون، “الأنثروبولوجيا الاجتماعية (قضايا الموضوع والمنهج)، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 2006.
  7. محمد عباس إبراهيم، “التنمية والعشوائيات الحضرية”، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 2000.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى