جائحة كورونا المستجد “كوفيد 19”: الحقائق المخفية

بقلم : الباحث عادل بيطام – المركز الديمقراطي العربي

ظهر وباء كورونا في مدينة ووهان بالصين، و بدأت تتعالى الأصوات وتتقاذف الاتهامات يمينا و شمالا، من المسؤول عن هذا الوباء؟ و كيف حلّ و انتشر إلى أن أصبح وباءً عالمياً؟ بدون أدنى شك أن للوباء تداعيات على جميع مناحي الحياة البشرية، اجتماعيا و اقتصاديا و سياسيا. وعلى اعتبار أن الزعامة العالمية التي تتنافس عليها قوى ذات نفوذ دولي كبير خصوصا في الجانب الاقتصادي.  فإننا نطرح التساؤل التالي: هل الوباء مؤامرة دولية نتيجة لتضارب مصالح و أهداف الدول، و ما هي تداعياته على الاقتصاد و السياسية و الصحة العامة و كذا العلاقات الدولية؟ و من المستفيد من ذلك؟

أعلنت منظمة الصحة العالمية أن فيروس كورونا الجديد و الذي يعرف بإسم” كوفيد 19 ” كجائحة عالمية، مما يعني أن الوباء قد انتشر في كل أنحاء العالم، جاء هذا الإعلان بعد تخطي عدد الدول التي انتشر فيها حاجز  202 دولة، وأضافت المنظمة أن الوباء في انتشار مستمر، معربة عن قلها للتزايد السريع لوتيرة تفشي الوباء، و بالتالي أعلنت عن حالة الطوارئ الصحية العامة في مواجهة جائحة كورونا التي تعد أسوأ أزمة للصحة العامة في أوروبا و العالم منذ عام 1918.  كما جاء على لسان رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز.

تفشى وباء كورونا في مدينة ووهان ذات 11 مليون نسمة، وهي العاصمة الثقافية، و تقع بإقليم خوبي في وسط الصين، حيث بدأ الانتشار في ديسمبر 2019، وتعتبر هذه الحادثة نقطة التحول التي جعلت العالم في مواجهة حرب بيولوجية، تختلف عن الحرب العسكرية المدججة بالأسلحة الخفيفة والثقيلة، فهي حرب ضد عدو خفي تواجهه كل البشرية.

البشرية في مواجهة الأوبئة…. رحلة تاريخية

شهد العالم عدة أزمات جراء انتشار الأوبئة الفتاكة على غرار الطاعون الأسود الذي اجتاح أوروبا عامي 1347 – 1352 و تسبب في موت ما لا يقل عن ثلث سكان القارة الأوروبية. و كذلك الأنفلونزا الإسبانية إبان الحرب العالمية الأولى سنة 1918 التي تناقلها الجنود الأمريكان و لقي حتفه ما لا يقل عن 50 مليون إنسان. وقد تسبب وباء متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد “سارس” في عام 2003 في إصابة 8000 شخص، ومات على إثرها نحو 800 شخص في جميع أنحاء العالم، وقد تم احتواؤه وأغلقت الصين أسواق الحيوانات التي يعتقد أنه انتقل منها إلى البشر. وكذلك فيروس إنفلونزا الخنازير الذي ظهر في مدينة “غلوريا” بالمكسيك عام 2009 و انتشر عبر العديد من الدول و تسبب في وفاة ما يقارب 400 ألف شخص، بالإضافة إلى فيروس ميرس الذي تم اكتشافه عام 2012 في العديد من دول الشرق الأوسط، وقد أصاب أكثر من 2500 شخص، حيث تنتقل العدوى من الإبل إلى الإنسان، و فيروس إيبولا عام 2014  في دول غرب إفريقيا الذي أودى بحياة  6388 شخص.

الحرب البيولوجية… تنبؤات

كتب “مارتن ريس” Martin Rees وهو عالم الفيزياء الفلكية من أصل بريطاني، في كتابه “ساعتنا الأخيرة” الذي صدر سنة 2003، أن سنة 2020 هو العام الذي سيكون فيه الخطأ البيولوجي الذي سيقتل مليون إنسان. وحذر من الفيروسات المميتة المعدلة وراثيا. و أضاف أنه يمكن استخدامها في غير أوجهها الصحيحة، حيث أن شخصا واحداً يمكن أن يسبب الكارثة. مشيراً إلى أن هذا الخطر تزايد بعد حوادث 11 سبتمبر سنة 2001، و إلى الهلع الذي هز العالم بظهور الجمرة الخبيثة “الأنتراكس” و مرض السارس و عدوى الطيور و غيرها من الأمراض القاتلة التي تتسبب فيها الكيمياء البيولوجية. الكاتب توقع ظهور ما يسمى الإرهاب البيولوجي، أين يتسبب بعض الأفراد في دمار واسع النطاق يمكن تنفيذه بسهولة في ظل التكنولوجية الحديثة، كما يوجد عدد من المغتصبين للبيئة يعتقدون أنه من الأفضل لكوكبنا أن يكون عدد قليل من السكان. و أضاف أنه بتحكم مثل هؤلاء الأشخاص في تقنيات التكنولوجية الحديثة، سيكون مصدراً للخطر الأكبر على حياة البشر.

أما “جورج بوش” فقد صرح بتاريخ 1 نوفمبر 2005، بأن هناك وباء سيضرب العالم مستقبلا يشبه إلى حد كبير حريق الغابة، إذا تم اكتشافه مبكراً فقد يتم إخماده بأضرار محدودة!!! وصرح الرئيس الليبي السابق “معمر القذافي” ذات يوم مخاطباً الشعوب العربية، بأن الدول الغربية ستصنع الفيروسات و تبيع الدواء و اللقاح للدول العربية. أما بيل غيتس فقد صرح سنة  2015 أن هناك فيروس فتاك سينتشر و سيودي بحياة مالا يقل عن 10 مليون إنسان في السنوات المقبلة، و أننا انتقلنا من حرب الصواريخ إلى حرب الفيروسات والعالم ليس مهيأ لمواجهة الوباء !!!

من الخيال العلمي…. إلى الحقيقة

للسينما كلمتها في هذا الشأن، فهناك مجموعة من الأفلام التي تتمحور حول الفيروسات و التي تُسبب الأوبئة و الكوارث، ويمكن أن تصيب الملايين وتودي بحياتهم من ضمنها فيلم “التفشّي (Outbreak) ” للألماني “ولفغانغ بيترسن”، و”الإنفلونزا” (Flu) للمخرج الكوري الجنوبي “كيم سونغ سو”، و”المجانين” (The  Crazies)  للأمريكي “بريك آيزنر” و فيلم “بعد 28 يوما” (28Days Later ) للمخرج البريطاني “داني بويل”.

فبتسليط الضوء على فيلم “كونتاجيون” Contagion ومعناه العدوى، للمخرج “ستيفن سودربرغ”، Steven Soderbergh، بطولة “مات دامون” Matt Damon،و “كيت وينسلت” Kate Winslet و آخرون، الذي صدر سنة 2011، و تدور أحداثه حول فيروس قاتل، إنتشر من سوق في الصين حيث تباع الحيوانات البرية مثل القردة و الخنازير و الخفافيش. المشهد الأخير من الفيلم يكشف أن الفيروس التنفسي نشأ من خنزير أكل قطعة من الموز سقطت من خفاش مصاب هارب من تدمير غابات  شجر النخيل في الصين، ثم يتم ذبح هذا الخنزير وإعداده من قبل الطاهي الذي و دون غسل يديه فيما بعد، يصافح الممرضة بيث إيمهوف (لعبت دورها الممثلة “غوينيث بالترو” Gwyneth Paltrow)، وبالتالي ينقل إليها الفيروس الذي يصيب فيما بعد  شخص واحد ثم إثنين ثم أربعة ثم ثمانية ثم ستة عشر إلى أن يصل إلى مئات الملايين. أعراض المرض في الفيلم تشبه إلى حد كبير الأعراض المعروفة لفيروس كورونا المستجد، أن المرضى يعانون من الحمى والتعرق الغزير، والصداع و إلتهاب الحلق والسعال وضغط في الصدر وألم وتعب. قصة الفيلم فيها تشابه رهيب مع ما يجري الآن.

منظمة الصحة العالمية في قفص الاتهام

عندما بلغت أخبار الفيروس علم منظمة الصحة العالمية، توقعت أن ينحسر الفيروس و المرض في قارة أسيا. ربما لذلك تسترت المنظمة وحجبت معلومات مبكرة عن الوضع في الصين و السفر إليه، ولم تقدر حجم الكارثة التي ستصيب العالم، لذلك لاقت المنظمة اتهامات شديدة اللهجة من طرف العديد من الدول المتضررة خاصة الكبرى. فالرئيس الأمريكي دونالد ترمب حمل منظمة الصحة العالمية وزر الجائحة، وذلك لعدم إعلانها مبكرا عن ظهور الفيروس القاتل، و تسترها عنه، إضافة إلى فشلها في التدقيق في التقارير الواردة  من ووهان، مما أربك العالم في مواجهته. و جعل ترمب يعلق المساهمات المالية التي تقدمها أمريكا للمنظمة. كما شكك في الإحصائيات التي تقدمها الصين بخصوص الإصابات و الوفيات، فهي تخفي حقيقة الأرقام حسب قوله. الأمر الذي جعل مدير منظمة الصحة العالمية الإثيوبي “:تيدروس أدهانوم غيبريسوس” في حرج  خاصة و أنه كان في زيارة إلى الصين في أواخر شهر يناير، و إلتقى الرئيس الصيني شي جينبينغ بشأن وقف انتشار الفيروس، حيث بدا منحازاً إلى الصين. كما انتقدت المنظمة من قبل أمريكا في طريقة إدارتها لأزمة كورونا. و رد رئيس المنظمة بضرورة عدم تسييس الأزمة، و أنه على أمريكا و الصين التعاون فيما بينهما لمواجهة الجائحة. وقد أكدت الصين من جهتها على دعمها للمنظمة، و أن اتهامات ترمب لهذه الأخيرة  بانحيازها للصين لا أساس لها من الصحة، و ليس الغرض من ذلك إلا  تشويه سمعة المنظمة لا غير.

الصين و الوباء… بين الاتهام و حق الرد

بعد ظهور الوباء في الصين، عمدت إلى تطبيق استراتيجيات مغايرة تماما في مواجهته، حيث اعتمدت على المعطيات الفيروسية الجديدة و الوبائية و علامات المرض السريرية من أجل تطبيق السياسة الملائمة مع انعدام اللَقاح، لقد استوعبت الصين الدرس جيداً من وباء سارس سنة 2003 ما مكنها من  اكتساب تجربة و خبرة في التعامل مع هذه الجائحة، ولم تنتظر طويلا لوضع المدن التي تمثل بؤر المرض تحت الحجر الصحي الكامل و الصارم  مع فرض سياسة التباعد الاجتماعي، و تطبيق كل أساليب الوقاية. فخبرة الصين الطويلة مع الأوبئة مكنتها من الخروج من الأزمة في غضون أسابيع قليلة من انتشار الوباء. وبعد أن عادت الحياة إلى ووهان، أعلنت بكين أن الفيروس قد عاد من جديد بقدوم رعاياها الذين كانوا في الخارج. وتعالى في الأفق سجال من الاتهامات بين واشنطن و بكين، فالأولى تحمل الثانية مسؤولية انتشار الوباء، و أطلقت عليه إسم الفيروس الصيني، الأمر الذي لم يرق لبكين و بادلتها الإتهام في كونها مصدر الفيروس، في إشارة إلى قدوم الجنود الأمريكان وقيامهم بالاستعراض في مدينة ووهان.

أمريكا… في عهد الترمبوية 

الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الذي يرأس خلية الأزمة في مواجهة الوباء في بلاده، ومن خلال المؤتمرات الصحفية اليومية للبيت الأبيض حول جهود مواجهة تفشي الوباء، أبان عن نوايا خبيثة و أنانية، منها في قوله: “أننا نحتاج للأقنعة و لا نريد للأخريين أن يحصلوا عليها لذلك فعّلنا الإنتاج الدفاعي، و بإمكانكم أن تسمّوا هذا انتقاما، لكن إن لم نحصل على ما نحتاجه سنكون قساة جداً”.  الخطاب المتعالي و الإستعراضي و النرجسي الذي أصبح يسمى في أمريكا من قبل أعداءه Trumpism، في إشارتنا إلى مصطلح “الترمبوية” أي الخطاب الشعبوي و العنجهي الذي يمتاز به الرئيس ترمب. و أمام وسائل الإعلام الأمريكية صرح أنه في غضون أسبوعين سيتفشى الوباء بشكل رهيب في الولايات المتحدة الأمريكية و كرر ذلك مراراً، إلى أن أصبحت نيويورك و نيوجرزي و كونيتيكت بؤر للوباء، و تعّدت بذلك الدول التي اجتاحها الوباء في البداية مثل  الصين و إيطاليا و فرنسا و اسبانيا و إيران. كيف توقع الرئيس وصول العدد إلى 200 ألف بعد بلوغ ذروته؟ فجامعة جونز هوبكنز صرحت بأن عدد المصابين يتجاوز 243 ألف مصاب، ثم أرتفع العدد بصفة غير مسبوقة ليصل إلى 400 ألف مصاب و 15 ألف قتيل وذلك في غضون أيام من انتشار الوباء. فأصبحت أمريكا “العملاق” كالورق تتهاوى أمام رياح كورونا.  لذلك يصف وزير الصحة الأمريكي “جيروم أدامز” آثار كورونا على أمريكا بهجمات بيرل هاربر عام 1941، و أحداث 11 سبتمبر 2001. ترمب أفصح عن نواياه الخفية، إذ كان يصرح في كل خطاباته الأولى، أنه يواجه حربا؟ و السؤال المطروح حرب ضد من؟  ترمب في إحدى تصريحاته لوسائل الإعلام صرح أن بلده لم تبن لكي تسقط. وقال أن بلده سينتصر على الحرب و نخرج أقوى.

America was not built to shut down.

ترمب… ومعركة الانتخابات بين الجمهوريين و الديمقراطيين 

يقوم ترمب ببعض المناورات أمام وسائل الإعلام، أين يصفه البعض على أنه ذكي جداً في التعاطي مع موضوع كورونا، في حين أن هناك انتقادات شديدة  موجهة له، من بينها أنه تأخر في الاستجابة للوباء، و نعته الدكتور “غابريال سوما” أنه يمارس سياسة التاجر. الرئيس الأمريكي يواجه انتقادات كبرى من الحزب الديمقراطي مثل “جو بايدن” نائب الرئيس السابق “باراك أوباما” و المرشح عن الديمقراطيين للانتخابات القادمة، بالإضافة إلى السيناتور “بيرني ساندرز”، و “أندري كومو” حاكم نيويورك الذي رد على ترمب بأن حظر التجول في نيويورك منافِ للعقل، أما “نانسي بيلوسي” رئيسة مجلس النواب، فهي شديدة الانتقاد للسياسة ترمب، وتعتبر قائدة الفريق المعارض له. ترمب الذي انتقد مستشفيات أمريكا بتخزين أجهزة التنفس الإصطناعي لمعالجة المصابين بفيروس كورونا، مشيرا إلى مؤامرة تحاك ضده من قبل الجمهوريين لتشويه سمعته. كل ذلك يفسر أن الصراع بين الجمهوريين و الديمقراطيين على سدة الحكم في أشده، فانتخابات أمريكا التي ستجرى في شهر نوفمبر القادم على الأبواب. وهناك فرضية منطقية مفادها أن نجاح ترمب في إدارة أزمة الكورونا وإيجاد الحلول التي تؤدي إلى انخفاض إحصائيات الوفيات و الإصابات. ستلمع صورته لدى الأمركيين و ستخدم مصالحه وهذا تسويقا للانتخابات القادمة. تلك هي خطة ترمب في استقطاب المزيد من الناخبين لصالحه، فبنجاح ترمب ضد الوباء يخطو خطوة كبيرة لبقائه على كرسي المكتب البيضاوي لعهدة ثانية. أما الفرضية الثانية، أنه في حالة فشل ترمب في إدارة الأزمة و إيجاد الحلول اللازمة من قبل مؤسساته التي أبانت على حالة من الضعف و قلة الإمكانيات، فيكون بذلك قد أطلق النار على رجليه.

الذهب الأسود… صفر دولار

في بدايات أزمة وباء كورونا، تداعى سعر النفط إلى مستويات دنيا، حيث وصل سعر البرميل الواحد إلى 18 دولار للبرميل، فسارعت أمريكا إلى شراء ما يقارب 630 مليون برميل من السعودية، لملأ مخزونها الإستراتيجي الذي يقدر بـ 800 مليون برميل. بعد ذلك اضطرت السعودية و روسيا إلى خفض الإنتاج، مما أدى إلى تهاوٍ أكثر في أسعار النفط بسبب توقف الصين عن الاستيراد من الأسواق البترولية بسبب الجائحة. خاصة و أنها تعتبر أكبر مستهلك للبترول الخام هذا من جهة، ومن جهة أخرى، وجود مخزون كبير سواء في البر أو في الناقلات البحرية الموجودة في عرض البحار، بالإضافة إلى ضعف الطلب من الدول المستوردة للنفط. والمعادلة المبسطة التي حدثت في سوق النفط هي أنه قل الطلب على النفط مع تخفيض الإنتاج و تعبئة  المخزون، أدى إلى فائض كبير في النفط، يقابله انحدار قيمة البترول إلى ما دون صفر دولار في العقود الآجلة. هذه الحادثة تعد الأولى من نوعها في تاريخ البترول، مما سينتج عنها عواقب وخيمة على الشركات و على دخل الفرد، كما سيحال عدد كبير من العمال على البطالة.

الوباء في قلب الرياضة…  

وبمدينة ميلانو لم تكن المواجهة الكروية التي جمعت نادي أتالانتا الإيطالي بضيفه فالنسيا الإسباني بتاريخ 19 فبراير بردا و سلاما على الدولتين، فالمباراة التي حضرها أكثر من 45 ألف مشجع تنقلوا من مدينة بيرغامو بإقليم لومبارديا، و 2500 مشجع قدموا من إسبانيا لمؤازرة نادي فالنسيا، وقضوا ساعات طويلة من الاحتفال في شوارع ميلانو قبل التوجه عبر قطار الأنفاق ووسائل النقل العام الأخرى نحو الملعب، أدت إلى جعل إيطاليا و إسبانيا بؤرتين للوباء في أوروبا. و أصبح لغز انتشار الوباء في البلدين سببا لتبادل الاتهامات بينهما بأن كل واحد نقل الفيروس للآخر.  إلا أن الثابت هو ما لتلك المباراة من دور في تفشي الوباء في البلدين.

الوباء و كبار الشخصيات…

الوباء لا يختار ضحاياه و إنما هو في هذه عادل لا يفرق بين علية القوم و بسطائها، فقد أصاب الجيش الأبيض من أطباء و ممرضين. و كذلك فعل بكبار الشخصيات في العالم على غرار  المستشارة الألمانية أنجلا مريكل، و رئيس الوزاء البريطاني بوريس جونسون و الأمير تشارلز، و وزير الصحة البريطاني مات هانوكوك، ووزير الصحة الإسرائيلي، ورئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني، الذين حجرهم الفيروس في بيوتهم لأيام عدّة، كما أودى بحياة السفيرة الفليبنية في لبنان، و بحياة رئيس الوزراء الليبي  السابق محمد جبريل المتوفى في مصر.

إفريقيا…  في مختبر التجارب

أزمة الكورونا فضحت الكثيرين ممن كانوا يدعون الإنسانية، وعرت أنانيتهم أمام العالم بأسره، فمثلا تصريح الطبيبين الفرنسيين “جون بول ميرا” الذي يشغل منصب رئيس قسم الطوارئ، و كاميل لوكت، المدير العام للمعهد الوطني للصحة والأبحاث الطبية، بخصوص تجريب اللقاح على الإفريقيين كفئران تجارب، أثار غضب و امتعاض شعوب إفريقيا من طيش هذا التصريح و لا مسؤوليته، و الذي ينم عن الكثير من  العنصرية الأوروبية، ففرنسا الإستعمارية استنزفت خيرات مستعمراتها الإفريقية ولا تزال إلى اليوم. وعلى الرغم من استنكار الشعوب الإفريقية لهذا التصريح و النظرة الدونية، نجد أن القادة الأفارقة إلتزموا الصمت عن هذه الإهانة الشنعاء !

الشيخوخة … المؤامرة الحقيقية   

إن المؤامرة الحقيقية هي استهداف فئة الشيخوخة عند الغرب، ففي ايطاليا يلقى الشباب فرصة في  العلاج أكثر من الشيوخ الذين تركوا لمصائرهم المأساوية. وفي فرنسا مات الكثير من الشيوخ في دار المسنين دون مبالاة من السلطات و تم كشف عن وفاتهم بعد أيام من موتهم. أما في أمريكا فترمب و مناصريه يريدون إقناع الرأي العام الأمريكي أنه حتى لا تسبب نفقات العلاج أزمة أسوأ من أزمة الوباء نفسها، فإنهم يريدون التضحية بالمسنين لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي. وقد قامت ولايات أمريكية بوضع خطط لعدم إعطاء الأولوية في العلاج و التنفس الصناعي لمرضى الخرف و التخلف الذهني.

الإتحاد الأوروبي في عين الإعصار

أما تداعيات الأزمة على الإتحاد الأوروبي، فإن الكثيرين  يجزمون أن الإتحاد الأوروبي سينفصل عن بعضه البعض، فبعد بريطانيا التي خرجت من الإتحاد طواعية في فبراير الفارط، توجد مؤشرات عن هذا التضعضع في أوصال الاتحاد الأوروبي ومن ذلك ما قامت به ايطاليا من نزع لعلم الاتحاد الذي لم يقدم لها يد العون في محنتها و استبداله بعلم الصين. إن الشيء المهم الذي يجب ذكره أن الاتحاد الأوروبي أبان عن ضعفه وقلة حيلته و إمكانياته في مواجهة الوباء. فالإتحاد الأوروبي لم يبد متحداً في ظل هذه الأزمة الوبائية. وقد إعتذرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن تأخرها في دعم ايطاليا و إسبانيا و دول الإتحاد في الوقت المناسب .  وقد تعاملت معظم الدول الاأوروبية بمنطق براغماتي بحت، فمثلا ألمانيا حضرت تصدير معدات طبية إلى جيرانها مع بداية تفشي الوباء، كما قامت جمهورية التشيك بمصادرة شحنة مساعدات طبية قادمة من الصين في طريقها إلى إيطاليا. وكشفت دول أوروبية أخرى عن عجز نظامها الصحي في هذه الأزمة.

أمريكا و الإتحاد الأوروبي… الصديق و العدو في نفس الوقت

ما يميز إدارة ترمب طيلة عهدته هو التعديل المستمر لتحالفاته مع  المعسكرات الصديقة و المنافسة و حتى المتصادمة مع الولايات المتحدة.  وطالما  ظلت الرغبة في تقليم أظافر الإتحاد الأوروبي مكبوتة لديه، كونه أحد أكبر المنافسين الإقتصاديين لواشنطن وبالتالي الحد من قدرته سواء على تشكيل قوة عسكرية أوروبية مستقلة أو إتباع سياسات خارجية غير متجانسة مع تلك التي يريدها البيت الأبيض، وخاصة في مناطق الشرق الأوسط وإفريقيا. مصادر رصد في غرب أوروبا أكدت أن الهدف الأساسي لإدارة ترامب حاليا هو كسر الحلف القوي بين برلين وباريس، خصوصا بعد خروج بريطانيا من الإتحاد كما أسلفنا، لأن ذلك سيحكم تلقائيا بإنهيار الإتحاد الأوروبي ككيان يستهدف إقامة وحدة أوروبية كاملة. التحركات الأمريكية ووجهت برد قوي خاصة من فرنسا حيث صرح وزير الدولة الفرنسي المكلف بالتجارة الخارجية “ماتياس فيكل” سنة 2017، أن على الاتحاد الأوروبي أن يخرج من حالة “الخضوع” للولايات المتحدة في مجال العولمة ويطبق بشكل كامل مبدأ المعاملة بالمثل في العلاقات الاقتصادية. وفي حالة إزاحة أمريكا لأحد أكبر اقتصاديين عالميين وهما الصين و الإتحاد الأوروبي تكون قد ضربت عصفورين بحجر واحد، ووضعت تاج كورونا على رأسها.

هيمنة اقتصاد الصين… الخطر الداهم

إن الركود الاقتصادي العالمي لسنة 2008 أدى إلى توسع الأسواق الصينية على مستوى عالمي، و تغولت الصين اقتصاديا و تجاريا و أصبحت لديها استثمارات كبيرة، و أصبح المنتوج الصيني علامة مسجلة في كل مكان. إن هيمنة الاقتصاد الصيني أدت إلى تراجع الولايات المتحدة الأمريكية اقتصاديا ولو نسبيا بسبب نفقاتها العسكرية الكبيرة جراء الغزوين الأفغاني و العراقي سنة 2001 و 2003 توالياً.  و بالتالي فإن  من أولويات إدارة ترمب هي إعادة التوزان في آسيا “الباسفيك” لمواجهة الصعود الصيني عبر تعزيز الحضور الأمريكي وتوسيع التحالفات في تلك المنطقة، أمريكا تريد الهيمنة الكاملة على بحر الصين الجنوبي، والصين ترى فيه المكسب و الكنز الذي سيجعلها قوة اقتصادية و دولة ريادية في المستقبل بما أنها بدأت تستغله من خلال  بناء الجزر الاصطناعية و تمسكها بإرثها التاريخي فيه.

إن تبادل الاتهامات بين الصين و الولايات المتحدة و حرب التصريحات بينهما بدأت منذ سنة 2013 فيما يشبه حرباً باردة جديدة، خاصة بعد إطلاق الصين لمشروع طريق الحرير أو ما أسمته بيجين طريق واحد حزام واحد.

لم تعد الصين تنافس أمريكا اقتصاديا فقط، بل تجاوز ذلك إلى منافستها عسكريا، حيث بلغ الإنفاق العسكري الصيني سنة 2019 حدود 261 مليار دولار محتلة بذلك المرتبة الثانية بعد أمريكا بـ 732 مليار دولار و متجاوزة روسيا و الهند. كما أنشأت لأول مرة في تاريخها قاعدة عسكرية خارج أراضيها في جيبوتي سنة 2017 وهذا لتأمين الملاحة البحرية و حماية مصالحها الاقتصادية.

أزمة هوواي … القطرة التي أفاضت الكأس

إن تفوق الصين اقتصاديا أو ما يسمى بالقوة الزاحفة عند البعض أو القوة الناعمة من خلال ما أسسته لنفسها من قاعدة تجارية قوية استطاعت بها أن تربك الولايات المتحدة الأمريكية اقتصاديا، وهذا الذي ظهر في أزمة “هواوي” Huawei في مايو من عام 2019، حيث سببت الشركة الصينية السالفة الذكر ضرراً للعديد من الشركات الأمريكية في الأسواق العالمية. ما جعل الولايات المتحدة تتهم شركة الاتصالات الصينية بتهديد أمنها القومي من خلال ممارسة أعمال تجسسية. وفي ظل تعنت أمريكا و تصديها لشركة الهاتف الذكي، مُنعت شركة “هواوي” الصينية، من استخدام منتجات أمريكية، والتي تشمل نظام تشغيل “أندرويد” Androidمن شركة “غوغل”. حيث أصدر الرئيس الأمريكي أمراً تنفيذيا بحظر “هواوي” رسميا من شبكات الاتصالات الأمريكية. لذلك لجأت الصين إلى الدبلوماسية الهادئة بتوقيع اتفاق يبن شركة هواوي و شركة MTS  الروسية لعمل شراكة لتطوير و إطلاق شبكات الجيل الخامس من الانترنت كخطة بديلة عن الشراكة مع أمريكا.

التنين و النسر… قمة الصراع

إن الفترة القادمة هي فترة مفصلية و حساسة في العلاقات الدولية، فأمريكا تعتبر الخطر القادم بالنسبة لها سيأتي من الصين و هي تحاول مواجهته بكل الأساليب الممكنة من التعاون إلى الاحتواء إلى التنافس كل ذلك من أجل تجنب المواجهة المباشرة. فالتنافس الاقتصادي بلغ ذروته، وفي حوار مع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما مع مجلة ” أتلانتيك” قال بالحرف الواحد أن أكبر تحدي لأمريكا في العقود القادمة هي الصين، و أظن أن العلاقة بين الولايات المتحدة و الصين ستكون الأكثر خطراً.  وقد أثبت الواقع أنه في ظل بيئة دولية لا يحكمها إلا منطق التنافس والصراع والذي يتحول بدوره إلى سياسات وسياسات مضادة، فإن حماية حدودها ومكتسباتها المعطاة فضلا عن تحقيق مصالحها واستراتيجياتها المبتغاة، إنما هو رهن بامتلاك القوة والسعي الدائم إلى زيادة هذه القوة وتعظيمها إلى أبعد مدى ممكن.

حقيقة الفيروس… شتات الذهن 

هل أمريكا من صنعت الفيروس؟ ربما صنعت، و الصين طورته و أصبح الخطر الذي لم تحسب له أمريكا ألف حساب. إن الفيروس أصبح حقيقة و ليس خيالاً كما جاء في الأفلام، يواجهه العالم اجمع. من وراء هذا الوباء؟ هل الفيروس طبيعي أم مصطنع؟ هل انفلت من معملٍ ما أو هو مشروعٍ سلاح بيولوجي؟ يرى الأطباء و المختصين في الأمراض و الأوبئة و الفيروسات، أن الفيروس غير طبيعي تماماً، بل هو فيروس مصنوع في مخبر و طور من فيروس عادي حتى يكون أكثر ضراوة و فتكاً بالبشرية. و السؤال الذي يطرح نفسه من الغرض من تطوير هكذا فيروسات؟ هل تحول البحث العلمي من البحث لصالح البشرية إلى البحث عن تدميرها؟. و الأهم من هذا كله من المستفيد من هذا كله؟

ختاماً، إن الخفاش بريء من الوباء مثل براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام، بل هي مؤامرة الأقوياء بدون أدنى شك، فالموت قادم من الشرق و الغرب لا محالة. وفي ظل أزمة كورونا و أمام تحديها التاريخي للعالم، نجد أن العالم في الوقت الراهن أبان عن ضعفه في إدارة الأزمة بشكل واضح، كما اكتشفنا أن هناك تهويل إعلامي في التعامل مع وباء كورونا لم يسبق له مثيل، فإحصائيات و أرقام تلوى الأخرى أربكت الرأي العام العالمي. إن من مؤشرات الأزمة أنه دائما يظهر فريق يستغل الفرص استغلالا جيداً، فهناك فريق منتصر و فريق منهزم، تلكم هي الحرب، فالحرب خداع. وتغيير موازين القوى سيؤدي إلى تغيير تركيبة العلاقات الدولية بسبب الوباء وبسبب المصالح الدولية المتضاربة. إن الحروب القادمة ستأخذ شكلا آخر، فالبقاء للأقوى ومن أَعَدَ العُدّة. لذلك تُقاس القوة الأعظم للدول التي تتحكم في القوة الاقتصادية و التكنولوجية. وعليه، فالخارطة الجيوسياسية ستتغير بناء على ما ستسفر عنه نتائج فيروس كورونا على الدول، فالمرحلة القادمة ثرية بالمعطيات على المستوى الاقتصادي و السياسي و الاجتماعي، وما نحن إلا في بداية القرن الواحد و العشرين. وننتظر ما سيخبرنا به رئيس دولة بيلاروسيا “ألكسندر لوكاشينكو” الذي قال سأخبركم بأمور ممتعة عن الذي حدث في العالم خلال أزمة كورونا، مع العلم أن دولته هي الوحيدة في العالم التي تعيش حياة جد طبيعية في ظل انتشار الكورونا مما حير كل العالم !

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button