حركة “الشباب المجاهدين الصُّومالية”

فى ظل ما يحدث من تطورات بخريطة التنظيمات الاصولية المسلحة بالفترة الاخيرة، وتغير .وضعها السياسي والعسكري على الارض هبوطا أو صعودا، وفى ظل انحسار تركيز الاعلام الدولي على تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” بالعراق وسوريا، أو “أنصار الشريعة” و”القاعدة” و”الجماعة المقاتلة” بليبيا، أو حركة “أنصار الدين” بشمال مالي، أو “بوكو حرام” بنيجيريا، أو تنظيم “أنصار بيت المقدس” بشمال سيناء المصرية، كان من المفيد تسليط الضوء على التطورات الاخيرة لحركة شباب المجاهدين بالصومال، لما تمتاز به الصومال كأحد دول القرن الافريقي من أهمية استراتيجية غازلت كل القوى الدولية وهدهدت احلامها لارساء قواعد عسكرية وتركيز كتائب مسلحة الى تلك النقطة الهامة فى مفاصل الخريطة الدولية.

تهديد الدّار والجوار

بيد ان ما تمثله حركة شباب المجاهدين من تهديد ليس فقط على الدولة الصومالية، بل وعلى استقرار منطقة القرن الافريقي، التي باتت تشهد صراعا غير معلن، فدول القرن الافريقي (جيبوتي، اريتريا، الصومال، اثيوبيا، كينيا) صارت تحمل قوات وقواعد عسكرية من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا واسرائيل وايران والامارات وتركيا وغيرهم من الدول، وبالتأكيد فإن كل ذلك ليس من اجل حماية استقرار شعوب دول القرن الافريقي وخوفا على وحدة أراضيها، بقدر ما هو للحفاظ على المصالح التجارية والاقتصادية لتلك الدول المتداخلة فى تلك الجغرافية . إذ تشرف منطقة القرن الإفريقي على خليج عدن ومضيق باب المندب وتطل على مدخل البحر الاحمر، و تحمل أهمية سياسية وعسكرية وأمنية بعد أن شهدت حروبا بالوكالة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، ثم أكتسبت اهمية خاصة بعد حرب أكتوبر 1973م، حتى أعتبرتها دولة الاحتلال الاسرائيلي جزءا هاما فى نطاق الأمن الحيوي لجنوب اسرائيل. ومع اكتشافات النفط والغاز بالجزيرة العربية، أصبحت دول القرن الافريقي ضمن خرائط المنظومة الامنية لدول الخليج العربي، ثم ازدادت أهميتها لدول الخليج بعد أن اطلقت المملكة العربية السعودية عاصفة الحزم (25مارس2015) ضد التمرد باليمن، كي يتحول بعدها اليمن الى بؤرة صراع ايراني سعودي، حتى تحولت العديد من أراضي دول القرن الافريقي تحديدا جيبوتي واريتريا ثم الصومال الى نقطة انطلاق للحرس الثوري الايراني تجاه اليمن لتدعيم الجانب الحوثي. فإذا كان القرن الافريقي لا يهدأ من الصراعات الداخلية والحروب الاهلية فالان اصبحت جغرافيته جزءا من الجغرافية الكبيرة للحرب بين الرياض وحلفائها من جانب وطهران وحلفائها من جانب أخر، كي تكون تلك الحرب دائرة من ضمن دوائر عديدة تحمل صراعات دولية ومنافسات أقليمية وحروبا عرقية وأهلية بتلك الجغرافية الملتهبة.

وما غاب عن الكثير، أن حركة شباب المجاهدين ليست السبب الوحيد للصداع المزمن برأس الحكومة الصومالية، فأن كان الصراع الدموي المتجدد معها أزمة مستعصية، فالمعارك بين الصوماليين والاوروميين (أكبر القوميات بأثيوبيا بتعداد يصل لـ 25مليون نسمة تقريبا، وأكثر من نصفهم مسلمون) بشرق أثيوبيا تعد معضلة كبيرة لهم، خاصة بعد ان تفجر ذلك الصراع بين الصوماليين والاوروميين للمرة الثالثة بمنتصف سبتمبر الماضي بعد أن سقط أكثر من 30 قتيلا أغلبهم من الصوماليين، وهو الصراع الذى يأتي بسبب رغبة كلا من الصوماليين والاوروميين فى السيطرة على اراضي تقع بين حدود البلدين يصل مساحتها الى 1400 كم2. واذا كان ذلك الصراع يمثل صداعا لحكومة الصومال فهو يمثل أنفراجة وفرصة للحكومة الفدرالية الاثيوبية التى تغذي ذلك الصراع من الكواليس، فهي تفضل أن تشغل الاوروميين فى نزاع مع الصوماليين، أفضل من أن يواجه الاوروميون الحكومة الاثيوبية نفسها، وتجديد الاوروميين رغبتهم فى الانفصال عن اثيوبيا. ولا يخفى على أحد أن هناك دولا خارجية تسعى من حين الى أخر لأشعال تلك المنطقة بين حدود الصومال واثيوبيا رغبة منها فى قطع الطريق على دول أخرى تحاول أن تضع قدميها بتلك المنطقة لما تملتكه تلك المناطق من مصادر للطاقة كالنفط والغاز، وكي تتحول تلك النقطة فيما بعد لبؤرة تهديد للشركات الاجنبية العاملة بمجال استكشاف واستخراج للنفط والغاز بشرق اثيوبيا.

الحركة وصراع الدّاخل

وهنا دعونا نصب تركيزنا على حركة الشباب المجاهدين أو حركة الشباب الاسلامية (كما تعرف ايضا) والتى تتبع فكر ومنهج تنظيم القاعدة بزعامة أيمن الظواهري، وكان الغرض فى البداية من تاسيسها عام 2004م أن تكون الذراع العسكري لاتحاد المحاكم الاسلامية الذى أنهزم من القوات الحكومية وقتها، قبل أن تنشق عن المحاكم الاسلامية وتنضم لتحالف المعارضة الصومالية بعد ذلك، كي تكون الحكومة الصومالية ونظيرتها الاثيوبية هى الهدف من نشاطها المسلح بعد ذلك.

ويتزعم حركة الشباب المجاهدين حاليا أحمد ديري ابو عبيدة الذى تولى قيادة الحركة بعد أغتيال أحمد عبدي غودني منذ ثلاثة أعوام وتحديدا فى سبتمبر 2014م بغارة امريكية جنوب البلاد، وهو من تولى قيادة الحركة بعد مقتل قائدها الاسبق أدم حاشي فرح عيرو الذى قتل بغارة امريكية أيضا فى الاول من مايو عام 2008م بمدينة غوريعيل بوسط البلاد.

ويظل أحمد عبدي غودني هو القائد الاقوي فى تاريخ الحركة منذ تأسيسها، ولا ننسى وقت أن تقدم بقواته داخل العاصمة مقديشيو حتى سيطر على الغالبية العظمى من العاصمة، وكاد أن يقضى على حكومة شيخ شريف أحمد نهائيا، ولكن تغيرت الامور فى ظرف ساعة بعد أن سحب الشيخ مختار على روبو (المتحدث السابق بأسم حركة الشباب المجاهدين) قواته من العاصمة، كي يتبدل حال المعركة تماما على عكس ما كان يتمنى غودني، وبعدها يشق زلزال الاختلاف صفوف الحركة، كي ينفصل علي روبو عن فريق غودني وعن حركة الشباب المجاهدين ككل. وما تمّ ذكره قد يكون معروفا للكثير، ولكن ذكر تلك الواقعة (الانفصال بين غودني وعلي روبو) تحديدا، لتسليط الضوء على طبيعة تحرك الحركة بالفترة الاخيرة وقراءة مستقبل توجهاتها الفكرية وتحركاتها على ارض الميدان، وبرؤية تختلف عما يذهب اليه السياسيون في تفكيك وضع ومستقبل حركة الشباب المجاهدين. وجب القرار بانه لا يمكن ان نختلف أن منهج الحركة واحد والفكر واحد وهو الفكر القاعدي، وتجديد مبايعة ايمن الظواهري من حين لأخر خير دليل على ذلك، بل يمكن استخلاص أنه ليس لهذا التنظيم عقل واحد كما يقول البعض، وأن الحركة أسست من أجل مواجهة الحكومة الصومالية التى تحارب الشريعة الاسلامية وتتبع للغرب الكافر (كما تردد وتدعي الحكرة الارهابية)، بل بالسنوات القليلة الاخيرة تبين بوضوح أن حركة الشباب المجاهدين التى تنشط من حين لاخر ثم تهدأ فجأة، ثم تعود بقوة لمسرح الاحداث الدموي دون اي مقدمات ثم تهدأ مرة اخرى، باتت تواجه الحكومة الصومالية بالنيابة عن دول أخرى لاضعاف الصومال تماما، ونشر الفوضى وحالة اللا دولة فى كافة ارجاء الصومال، كي تكون ارضا خصبة لاي دولة تبحث عن موطئ قدم بمنطقة القرن الافريقي، سواء كانت تلك الدول بالاقليم أو خارجه ، بعد أن باتت جغرافية القرن الافريقي كلها ملعبا لصراع دولي غير مرئي بالعين المجردة.

فجغرافية الميدان حاليا تؤكد الراي القائل ، وخير دليل على ذلك عودة استكمال مسلسل هجوم حركة الشباب المجاهدين على مطار بيدوا، بعد أن هاجمت الحركة بأخر ساعات من شهر سبتمبر الماضي مطار مدينة بيدوا العاصمة المؤقتة لولاية جنوب غرب الصومال بالعديد من قذائف الهاون، وهي الواقعة التى لم تسفر عن سقوط اي ضحايا. وفى ظل حالة التجاذب بين الدول الداعية لمكافحة الارهاب (مصر، السعودية، الامارات، البحرين) ضدّ من تعتبرهم ممولي الارهاب (قطر، تركيا)، وهو التجاذب الذى ينشب على اكثر من رقعة بالاقليم سواء بليبيا أو البحرين أو السودان أو اليمن او سوريا، ستدخل الصومال ومعها حركة شباب المجاهدين فى دائرة جديدة من الصراعات، خاصة بعد أن دشنت تركيا أكبر قاعدة عسكرية لها خارج حدودها.

فقد اتهم زعيم حركة الشباب المتشددة في الصومال أحمد ديري ابو عبيدة في تسجيل صوتي بث على إذاعة الأندلس التابعة للحركة، والتى حملت عنوان “الشريعة أو الشهادة” واصفا فيها الدولة التركية بعدوة الامة، متهما أنقرة بـنهب ثروات بلاده وغزوه اقتصاديا، قائلا “أن تركيا غزت بلادنا اقتصاديا، ولا تغرنكم التنمية المزعومة التي يسوقون لها، فتذكروا أن الأتراك ينهبون موارد الصومال أكثر مما يساعدونه”، مختتما رسالته الصوتية التى أستمرت لمدة 44 دقيقة منددا بـأحتلال الغزاة الصليبيين (كما وصف) في إشارة لجنود أوغندا وكينيا وبورندي العاملين فى إطار قوة الاتحاد الإفريقي لبلاده.

خاتمة

جاءت تلك الرسالة الصوتية كإعلان حرب بكل ما تحمل الكلمة من معنى على الاطراف التى ذكرها فى رسالته، كي تؤكد الرؤية فى أن الحركة مقبلة على مواجهات جديدة مع أعداء جدد، خاصة عندما تعلمو أن تلك الرسالة هي أول رسالة صوتية يبثها أحمد ديري منذ توليه زعامة الحركة الإرهابية في سبتمبر 2014م، وهنا يمكن ادراك حجم تلك الرسالة واهميتها ، والى أين ستتجه بوصلتها الجديدة، وتصريحات رئيس ولاية بونتلاند عبد الولي غاس تجاه قطر بنهاية سبتمبر الماضي لم تكن بعيدة عن ذلك المشهد، فأذا كانت رسالة أحمد ديري موجهة لتركيا، فالنصف الاخر لها موجه الى دولة (قطر) و لا تقل قوة عن رسالة تركيا ، بعد أن صرح عبد الولي غاس لاذاعة أس.بي.سي الصومالية، “بأننا لا نعرف أين تقع قطر، ولا تربطنا بها اي علاقة، وكل ما نعرفه عن تلك الدولة بأنها تستضيف وتدعم الارهابيين ومنهم محمد سعيد أتم (القيادي المنشق عن حركة الشباب المجاهدين التى منحته الدوحة حق اللجوء اليها). وجاء ذللك التصريح قبل أن يثمن دور الامارات التنموي فى بلاده.

الباحث فادى عيد

عن مركز الدّراسات الاستراتيجية والديبلوماسية

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button