خريطة فيروس كورونا الإفريقية: ما الدول الأكثر عرضة للخطر؟

د. محمد عبدالكريم أحمد

باحث بمعهد الدراسات المستقبلية – بيروت

يحاول هذا التقرير تقديم رؤية لموضوعات متنوعة حول القارة الإفريقية في الصحافة العالمية؛ بغرض رَصْد أهمّ ملامح القضايا الجارية في القارة عبر قراءة منتقاة قدر الإمكان.

خريطة فيروس كورونا الإفريقية: ما الدول الأكثر عرضة للخطر؟([1])

في خِضَمّ الهَلَع العالمي الحالي بسبب فيروس كورونا، تم وضع خريطة لتحديد أكثر دول القارة الإفريقية عرضةً لخطر انتشار الفيروس وأكثرها استعدادًا لمواجهته. ويأمل الأفارقة في احتواء فيروس كورونا، -أو COVID-19 كما أعادت منظمة الصحة العالمية تسميته رسميًّا- أو استقراره أو تراجعه.

على أيَّة حال فإنَّه بمجرد تبنّي السلطات الصينية لتعريف أوسع لحالات فيروس كورونا؛ تَمَّ رفع عدد الإصابات المقدرة من 44 ألف إصابة في 12 فبراير إلى أكثر من 60 ألف حالة في اليوم التالي 13 فبراير.

ورغم أنَّ أغلب الحالات تركَّزت في الصين ولم ترد أية حالة إفريقية في حينه؛ إلا أنَّ منظمة الصحة العالمية والفرع الإفريقي بمركز التحكم في الأمراض ومنعها بالولايات المتحدة يفضلان قَدْرًا من الحذر؛ إذ من غير المرجَّح أن تظل إفريقيا القارة الوحيدة التي لم تتأثر بكوفيد-19، وربما تكون هناك حالات في إفريقيا لم يتم كشفها فحسب.

وتم وضع الخريطة بناء على عامل محدد، وهو سعة الاستيراد والعلاقات التجارية مع الصين. وشملت قائمة الدول الأكثر خطورة للتعرّض للعدوى من الصين 18 دولة إفريقية؛ منها الدول الأكثر عددًا في السكان، وهي: (نيجيريا، مصر، إثيوبيا، الجزائر، وجنوب إفريقيا)، ومنها عدد من الدول متوسطة الاحتمالية؛ وهي: (الكاميرون، الكونغو الديمقراطية، موزمبيق، ومدغشقر).

ووفقًا لتقدير قُدُرات الدول على مواجهة تفشّي الفيروس، وضع الباحثون مجموعة عوامل تمَّ على أساسها ترتيب الدول الإفريقية، وجاءت في المقدمة أربع دول هي (جنوب إفريقيا، مصر، تونس، والمغرب)، بينما شملت قائمة الدول الأكثر هشاشة وعُرضة لتفشّي المرض (الصومال، تشاد، جمهورية إفريقيا الوسطى، وموريتانيا). 

خريطة البنتاجون للقواعد الأمريكية في إفريقيا تناقض تراجع العسكرة الأمريكية([2])

يرصد المقال المنشور في موقع The Intercept العسكري المتخصّص وجود خريطة نشرها البنتاجون للقواعد الأمريكية في إفريقيا تناقض ما شهد به ستيفن تاونسند S. Twonsend قائد القيادة الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم” في يناير 2020م أمام لجنة الأجهزة المسلَّحة بمجلس الشيوخ Senate Armed Services Committee؛ من أن “أفريكوم” تحافظ على موطئ قدم “خفيف ومنخفض التكلفة” في إفريقيا.

ويتكون هذا الوجود “الخفيف” من أكثر من عشرين قاعدة تمتدّ من طرف لآخر في إفريقيا؛ حيث يوجد –وفق الخريطة المعلنة- 29 قاعدة واقعة في 15 دولة (منها: ست قواعد دائمة وغير دائمة في النيجر وحدها)، مع ملاحظة أن التركيز الأكبر لانتشار هذه القواعد في إقليم الساحل (10 قواعد دائمة وغير دائمة)، إضافة إلى استئثار كينيا بأربع قواعد؛ والصومال بخمس قواعد؛ جميعها غير دائمة، ووجود دول عربية شمال إفريقيا في القائمة (ثلاث قواعد غير دائمة في تونس وليبيا).

بالإضافة إلى استخدام القوات الأمريكية للمجال الفضائي “في مرافق الدول المضيفة” خاصة في السنغال وأوغندا، رغم أن قاعدتين بهما (وهما Theis وسينجو) غير مدرجتين في خرائط “أفريكوم”. في الوقت الذي لا تعتبر فيه “أفريكوم” ما تعرف “بالمواقع التدريبية التعاونية” قواعد أمريكية رسميًّا، ممَّا يضيف عددًا آخر للقواعد الأمريكية.   

وبينما توجد خمس قواعد أمريكية في الصومال (الذي يحل ثانيًا بعد النيجر في عدد القواعد الأمريكية في إفريقيا)؛ فإن “أفريكوم” تسعى لتوسيع وجودها في القرن الإفريقي. بينما واجَه الحديث عن خفض الولايات المتحدة حجم قواتها في إفريقيا (تنشر الولايات المتحدة حوالي 6000 آلاف جندي منهم 1200 جندي في إقليم الساحل، و500 عنصر من وحدات القوات الخاصة في الصومال)، رفضًا قويًّا من الكونجرس الذي يرى أن وجود هذه القوات ضروري في مكافحة العدد المتزايد لجماعات العنف المسلح في القارة (لا سيما في الساحل والقرن الإفريقي).

إضافة إلى مسألة أخرى؛ وهي أنه في مواجهة الحالة الأمنية المتدهورة وتقييمات البنتاجون الملتبسة بدأ يرتفع نقدٌ متزايدٌ من داخل المؤسسة الأمنية الأمريكية وبعض مراكز البحث التابعة لها من أن المقاربة العسكرية الصريحة في محاربة الإرهاب في إفريقيا “لا تعمل”، وأنه مع تزايد الوجود العسكري الأمريكي في القارة والأنشطة العسكرية المرتبطة به، فإن العنف الإرهابي ارتفع كما زاد انتشار الجماعات الإرهابية.   

كيف تُحَوِّل الدول الأموال “سرًّا”([3])

مقال حول تقرير نشرته شبكة العدالة الضريبية Tax Justice Network (TJN) بعنوان مؤشر السرية المالية للعام 2020م (Financial Secrecy Index for 2020) الذي يُصنّف الدول وفق نشاطها المالي بترتيب أكثرها سرية، خاصةً ما يتعلق بإخفاء المخصَّصات في الخارج، أو فتح نظامها المصرفي لتدفقات نقدية خارج البلاد. ويسوق المؤشر لنفسه على أنه “محايد سياسيًّا”، وأنه يمكن استخدامه كأداة لفهم السرية المالية العالمية أو الملاجئ الضريبية أو التدفقات المالية غير المشروعة.

وفي تقرير العام 2020م تقدّر شبكة العدالة الضريبية وجود ثروة خاصة بقيمة ما بين 21-32 تريليون دولار؛ إما لم تخضع للضرائب أو فرضت عليها ضرائب أقل من التشريعات ذات الصلة حول العالم.

وضرب التقرير مثلاً بالملاجئ الضريبية واستنزافها لموارد الدول بالحالة الإفريقية حيث فقدت الدول الإفريقية -وفقًا للتقرير- منذ سبعينيات القرن الماضي أكثر من تريليون دولار واحد في شكل هروب رأس مال، بينما لم تتجاوز الديون الخارجية مجتمعة (لإفريقيا جنوب الصحراء) 200 بليون دولار.

وهكذا فإنَّ إفريقيا تُعتبر مقرضًا صافيًا net creditor للعالم –حسب التقدير-، لكن أصولها في أيدي نخبة ثرية، تحميها السرية الخارجية؛ بينما يتحمل عبء ديونها المواطنون الأفارقة على نطاقٍ واسعٍ.

ويؤكّد التقرير أنَّ نطاق السرية يتجاوز مسألة الضرائب؛ إذ إنَّ توفير السرية يقود إلى إفساد الأسواق والاستثمارات، ويعيد تشكيلها بحيث لا يترك مجالاً للقيام بأية معالجات فعَّالة.

إنَّ عالم السرية، كما يورد التقرير، يكون ملاذًا دافئًا للجرائم المالية، بما في ذلك التزييف، والغشّ الضريبي، والتحايل على التشريعات المالية، والرشوة وغسيل الأموال وغيرها الكثير”، وغطَّى التقرير 15 دولة إفريقية ضمن مجموعة أخرى من دول العالم حلَّت من بينهم الجزائر وكينيا في قائمة أبرز ثلاثين دولة في المؤشر (الجزائر في المرتبة 23، وكينيا في المرتبة التالية 24)، بينما حلت جنوب إفريقيا في المرتبة 56.

الغرب يتجاهل نُمُوّ الجماعات المسلحة في إفريقيا([4])

رأيٌ مهمٌّ لسيمون تيسدول S. Tisdall في جريدة الجارديان ينطلق من فرضية صادمة للقارئ الغربي؛ وهي تخيُّل ردود الفعل البريطانية إن قامت مجموعة من المسلحين بالاعتداء على كنيسة خلال الخدمة ونشرهم لنيران سلاح آلي وقتل الكاهن وما لا يقل عن 23 متعبدًا. بالتأكيد فإن الحادث كان سيجذب اهتمامًا فوريًّا من وسائل الإعلام العالمية.

ويعود مذكِّرًا بحادث تمَّ على هذا النحو في كنيسة بروتستانتية في قرية بانسي شمالي بوركينا فاسو في 16 فبراير 2020م، وهو حادث لم يلفت انتباه وسائل الإعلام الغربية، بل استُقْبِلَ بصمتٍ دوليّ لافتٍ.

إن تزايد تكرار هذه الأعمال الإرهابية في إفريقيا، وخاصةً في إقليم الساحل، تفسير واحد ممكن لهذا التطابق الواضح، ويوجد غيره الكثير من الأمثلة؛ ففي يناير قتل مسلحون العشرات في قرية سيلجادجي Silgadji بجنوب بوركينا فاسو، وبعدها بأيام قُتِلَ 20 فردًا في قرية شمال العاصمة البوركينية واجادوجو، وورد أن اختيار الضحايا تم على خلفية عقيدتهم، أو صلاتهم بالحكومة، أو إثنيتهم.

وتُعدّ بوركينا فاسو أحدث النقاط الملتهبة في مواجهة متسعة بين المسلحين وحكومات إقليم الساحل التي تدعمها الدول الغربية؛ وربما لم تتصدر بوركينا فاسو عناوين وسائل الإعلام الغربية، لكنَّ قتل حوالي 1800 فرد في عنف إرهابي في بوركينا فاسو على مدار العام الماضي، كما شرَّد 500 ألف مواطن داخليًّا. وتحذر الولايات المتحدة من تحوُّل بوركينا فاسو إلى “سوريا أخرى”.

وإضافة إلى مالي والنيجر؛ فإن إجمالي الوفيات في العام 2019م قُدِّر بأربعة آلاف فرد، وقد تضاعف العدد خمسة أضعاف منذ العام 2016م، ولا زال هناك الملايين بحاجة لمساعدات الغذاء.  

وإن لم تكن المعاناة في إقليم الساحل كافية لتحفيز التحرك الدولي؛ فإن حسابات المصالح الخاصة للدول، بما فيها بريطانيا، يجب أن تكون دافعًا لهذا التحرك. لكن تظل المشكلة متعلقة بالموارد؛ مثل محدودية القدرات والدعم اللوجستي والتدريب.

كما تم تأجيل خطة مِن قِبَل دول الساحل الخمسة G5 (بوركينا فاسو- موريتانيا- النيجر- مالي- تشاد) نتيجة نقص المخصَّصات والمعدات. ويُضاف إلى تعقيدات المواقف الأوروبية –التي ستتأثر مباشرةً بالتهديدات الأمنية في الساحل- الموقف الملتبس لإدارة ترامب. إذ لم تعد القوات الأمريكية منخرطة بشكل مباشر في العمليات العسكرية في الساحل بعد مواجهة خسائر كبيرة في النيجر في العام 2017م.

لكن تقدم قوة قوامها نحو 1000 جندي دعمًا مهمًّا للسياسات الأمريكية، بما في ذلك النقل، وإعادة التزود بالوقود، والتجسُّس بالطائرات المُسيَّرة. ويمكن أن يفقد هذا الدعم وفق خطط البنتاجون لتطوير وجوده في الساحل مع سحب جميع الجنود الأمريكيين من إفريقيا.

ويقدّر قادة القوات الأمريكية على الأرض في إفريقيا تمامًا التهديد الإرهابي في الساحل، لكن بالنسبة لدونالد ترامب، الذي لا يُظهر سوى اهتمام صفريّ بإفريقيا؛ فإن الأولويات بالنسبة له هي إيران، وربما مواجهة محتملة مع الصين.

ومن الصحيح أن ترامب لا يكترث ببوركينا فاسو، لكنَّ نفس النقد يمكن أن يُوجَّه إلى دول كثيرة في أوروبا. وفي الساحل، كما في أماكن أخرى؛ فإن ماكرون يحاول ملء فراغ القيادة الغربية، وإلى الآن فإنه يبدو يخوض معركة خاسرة.    

 


[1] Olivier Marbot, Coronavirus Africa map: Which countries are most at risk? The Africa Report, February 27, 2020 https://www.theafricareport.com/23948/coronavirus-africa-which-countries-are-most-at-risk/

[2] Nick Turse, PPENTAGON’S OWN MAP OF U.S. BASES IN AFRICA CONTRADICTS ITS CLAIM OF “LIGHT” FOOTPRINT, the Intercept, February 27, 2020 https://theintercept.com/2020/02/27/africa-us-military-bases-africom/

[3] How countries ‘secretly’ move money around – including South Africa, Business Tech, Febraury 29, 2020 https://businesstech.co.za/news/finance/376525/how-countries-secretly-move-money-around-including-south-africa/

[4] Simon Tisdall, The west ignores the growth of Islamist insurgents in Africa at its peril, the Guardian, February 29, 2020 https://www.theguardian.com/commentisfree/2020/feb/29/west-ignores-growth-islamic-insurgents-africa-at-its-peril

الصفحة التالية…تابع

vote/تقييم
1 2 3Next page

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button