تحليل السياسة الخارجيةدراسات أوروبية-أورومتوسطية

خيارات متعددة .. الاتحاد الأوروبي وفرص تعزيز دوره في مواجهة تركيا

مصطفى صلاح
مصطفى صلاح – المركز العربي للبحوث والدراسات
خلال الفترة الأخيرة أقامت دول الاتحاد الأوروبي اجتماعين لمناقشة الأوضاع الداخلية لها والتطورات الإقليمية والدولية ذات الصلة،  ففي 13 يوليو 2020، تم التوافق حول الخيارات الأوروبية في مواجهة التدخلات التركية في ليبيا وما لهذه السياسات من تأثير على الأمن الإقليمي الأوروبي، بالإضافة إلى اجتماعهم في 18 يوليو 2020؛ حيث عقدت الدول الأوروبية اجتماعًا آخر لبحث سبل التعاون الاقتصادي والاتفاق حول الميزانية الاقتصادية المخخصصة لمواجهة تداعيات انتشار فيروس كورونا المستجد(كوفيد- 19).

                ومن ناحية أخرى تقاتل تركيا في سوريا القوات الكردية، الحليفة الأساسية للتحالف الدولي الذي تشارك فيه العديد من دول الاتحاد الأوروبي في قتاله ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش). كما تقوم أنقرة بعمليات تنقيب عن الغاز في المنطقة الاقتصادية البحرية التابعة لقبرص، يعتبرها الاتحاد الأوروبي غير شرعية وحملته على فرض عقوبات على مواطنين تركيين، بالإضافة إلى تدخلها في الأزمة الليبية وعلى الصعيد الداخلي، فإن الرئيس رجب طيب أردوغان متهم بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في بلاده. كما أثار قراره تحويل كاتدرائية آيا صوفيا السابقة في إسطنبول مسجدًا موجة انتقادات في العالم، ولا سيما في اليونان.

مخرجات عديدة

                تعددت مخرجات الاجتماعين بين التركيز على الإصلاحات الاقتصادية الداخلية لدول الاتحاد والاتفاق على ميزانية الاتحاد من ناحية، ومن ناحية أخرى مواجهة التهديدات الخارجية التي تتعرض لها دول الاتحاد، وفي المجمل هدف الاجتماعين إلى معالجة الكثير من القضايا ذات الصلة المباشرة بالأمن الأوروبي وذلك على النحو الآتي:

1) أعلن مفوض العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل إثر الاجتماع الأول لوزراء خارجية دول التكتل بأن الوضع في ليبيا سيئ وانتهاكات حظر توريد الأسلحة متواصلة، خاصة وأن التحدي الأكبر الماثل أمام أوروبا حاليًا هو كيفية نزع فتيل التوتر الناتج عن التدخل التركي في الملف الليبي وتصرفات أنقرة في البحر المتوسط، وضمن السياق ذاته ينظر الأوروبيون بقلق شديد إلى تدخل تركيا في الصراع الدائر في ليبيا وكذلك استمرارها في إجراء عمليات تنقيب يعتبرونها غير قانونية في المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لجزيرة قبرص، وأن دول الاتحاد ستمضي قدمًا في تنفيذ كافة الإجراءات الخاصة بتنفيذ مخرجات مؤتمر برلين السياسي حول الوضع في ليبيا.

2) مواجهة التنظيمات المتطرفة خاصة بعدما تم رصد طائرتين جاءا إلى مدينة مصراتة لنقل المرتزقة إلى ليبيا، وضمن السياق ذاته كشف رئيس المنتدى الكردي الألماني، يونس بهرام، مؤخرًا، بأن تركيا تستغل معونات مالية من الاتحاد الأوروبي، في تجنيد المرتزقة السوريين وإرسالهم إلى ليبيا، بدلًا من إنفاق تلك الاعتمادات لأجل تخفيف معاناة اللاجئين، وقد شددت دول الاتحاد الأوروبي على أنه يتوجب على تركيا احترام حظر السلاح المفروض على ليبيا. وأنهم على استعداد لاتخاذ إجراءات توقف التصرفات التركية في البحر المتوسط، وهناك عدة خيارات للرد على التحركات التركية في شرق المتوسط بعضها يتعلق بمقترحات بفرض عقوبات على تركيا لوقف سياستها في ليبيا وفي منطقة شرق المتوسط.

3) إن سلوك تركيا في شرق البحر المتوسط وانتهاكات حقوق الإنسان يثير قلق الاتحاد الأوروبي الذي يلوح باللجوء لخيارات ترغم أنقرة على التقيد بالتزاماته. بيد أن تلويح تركيا بورقة المهاجرين يمنعه من اتخاذ أي تدابير، خاصة وأن دول الاتحاد قد أقرت من قبل بعد عملية تركيا العسكرية نبع السلام مجموعة من الأطر القانونية والسياسية لمواجهة السياسة التركية والتي شملت إيقاف كافة صفقات الأسلحة بين الجانبين، وهو ما ساهم في الدفع بدول الاتحاد إلى صياغة دور جديد وآليات مستحدثة لمواجهة استثمار تركيا لملف اللاجئين الذي يمثل ورقة الضغط الكبرى التي تستخدمها أنقرة في تهديد الأمن الإقليمي الأوروبي، ويجب الإشارة هنا إلى وجود خلاف كبير بين أنقرة ودول الاتحاد الأوروبي، فتركيا تقدم دعمًا عسكريًا لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا، ومتهمة بانتهاك حظر الأمم المتحدة على تسليم أسلحة لهذا البلد يمثل امتدادًا لمجموعة من الخلافات الداخلية والإقليمية والدولية.

4) تحاول دول الاتحاد إجراء التوافقات الداخلية الخاصة بمواجهة تداعيات أزمة انتشار فيروس كورونا من خلال وضع خطة إنعاش اقتصادية تبلغ قيمتها 750 مليار يورو بين القروض والمساعدات وتأتي هذه المباحثات في ظل رفض بعض الدول الأوروبية توجيه مساعدات اقتصادية لبعض الدول التي تضررت واتجاهها إلى بعض الدول دون الأخرى مثل إيطاليا وأسبانيا اللتان شهدتا أزمة كبيرة بسبب انتشار الفيروس، وتأتي هذه الخطوة من جانب دول الاتحاد كنوع من أنواع تحقيق التوافق الداخلي لهذه الدول وتجاوز آثار الأزمة والاهتمام بصورة كبيرة بالتهديدات الخارجية في منطقة البحر المتوسط، والمنطقة العربية خاصة من جانب تركيا.

توترات متعددة

                تتشابك التوترات وتتعدد بين كل من تركيا ودول الاتحاد الأوروبي خاصة فرنسا وألمانيا باعتبارهما أكبر دول الاتحاد، وشهدت الفترة الماضية تصعيدًا كبيرًا بين كل من فرنسا وتركيا بسبب اتجاه تركيا نحو استمرارها في إرسال الأسلحة والمرتزقة إلى ليبيا عبر البحر المتوسط، وهو الأمر الذي أكدته عملية إيريني التي يقوم بتنفيذها الاتحاد الأوروبي كآلية أوروبية لتنفيذ مؤتمر برلين السياسي للحد من تدفق الأسلحة إلى ليبيا، وهو الأمر الذي أشارت إليه كل من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا خلال القمة الأوروبية، من ناحية أخرى ومن جهته قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن “امتناع بعض الدول الأوروبية عن التعامل بإيجابية ومرونة، مع القضايا ذات المستوى الإستراتيجي”، يضيّق نطاق التعاون بين أنقرة والاتحاد الأوروبي، وقد أعلن جوزيف بوريل أنه أجرى مع الوزراء الأوروبيين مشاورات مطولة بشأن تركيا، مشددًا أن على تركيا احترام القيم والمصالح الأوروبية من أجل علاقات أفضل بين الطرفين، وأن الإجراءات الأحادية الجانب لتركيا في المتوسط مناقضة لسيادة الدول.

                وضمن السياق ذاته فقد تصاعدت حدة التوترات بين أرمينيا وتركيا على خلفية الصراع بين أذربيجان ذات الأغلبية التركية وأرمينيا التي شهدت بين عامي 1915 و 1917 إبادات جماعية، والتي أعلنت الدول الأوروبية الاعتراف بالإبادة الجماعية لهم؛ حيث تعترف أكثر من 12 دولة أوروبية بالمذابح بالإضافة إلى برلمانات هذه الدول، والكونجرس الأمريكي، وقد تصاعدت حدة التوترات بين أذربيجان وأرمينيا في 17 يوليو 2020 وأعلنت تركيا تقديم مختلف سبل الدعم لأذربيجان في إقليم قره باغ وهو ما يمثل توترًا آخر بين تركيا والدول الأوروبية التي تساند أرمينيا في حقوقها السياسية والاقتصادية والعسكرية في مواجهة تركيا.

سيناريوهات محتملة

                في ظل التوترات المتصاعدة بين الجانبين التركي والأوروبي واستمرار تركيا في انتهاج سياسات من شأنها إلحاق الضرر وتعظيم المخاطر التي تهدد الأمن الإقليمي الأوروبي، فثمة مؤشرات عديدة على اتجاه دول الاتحاد نحو تقويض هذه المخاطر والقيام بدور فاعل لمجابهتها، وضمن هذا السياق يجب الإشارة إلى إن الخيارات الأوروبية تظل محدودة في ظل عدم قدرتها على تسوية الأزمات الإقليمية التي ترتبط بصورة مباشرة بالتأثير على أمنها الإقليمي وخاصة مشكلة اللاجئين وفيما يلي أبرز تلك السيناريوهات:

1) تعظيم الدور الأوروبي، ووفق هذا المسار الذي ظهرت بوادره في العديد من أزمات المنطقة ذات الصلة بالدول الأوروبية؛ فقد اتجهت هذه الدول إلى محاولة الانخراط بصورة مباشرة في تسوية الأزمات مثل الأزمتين الليبية والسورية اللتان يمثلان مصادر للتهديد ففي الحال السورية فإن الأزمة أفرزت مجموعة من التحديات أبرزهم مشكلة اللاجئين والتي تم الاعتماد فيها على تركيا واتجهت نحو تقديم المساعدات لها للحيلولة دون انتقالهم إلى الجانب الأوروبي ولكن اتجهت أنقرة نحو استثمار هذه الملف للضغط على دول الاتحاد في إطار تحقيق مصالحها، وبالنسبة للأزمة الليبية فهناك تخوفات أوروبية متصاعدة من إمكانية انتقال المرتزقة والجماعات المتطرفة التي ترسلها تركيا إلى الساحة الليبية مما يهدد الأمن الأوروبي من جهة الجنوب، ولعل انخراط الدول الأوروبية في القيام بدور أكثر نشاطًا من ذي قبل ساهم في التأثير على تعاظم هذه المخاطر وإن كانت الدول الأوروبية مستمرة بصورة مرحلية في محاولة التقارب مع تركيا في هذه الملفات.

2) فرض عقوبات، ووفق هذا السيناريو تمتلك الدور الأوروبية وتركيا مجموعة من الاتفاقيات السياسية والاقتصادية والعسكرية والتي يمكن من خلالها اتجاه الدول الأوروبية إلى إلغاءها أو فرض عقوبات عسكرية واقتصادية على المنتجات والبضائع التركية، ومن المحتمل أن تتجه الدول الأوروبية إلى هذا السيناريو كمسار استكمالي للسيناريو الأول، خاصة وأن تركيا تشهد مجموعة من الأزمات الاقتصادية الداخلية التي ساهمت في زيادة مستوى الرفض الشعبي للسياسة التركية في ظل رئاسة رجب طيب أردوغان.

ختامًا: هناك توجه عام في السياسة الخارجية الأوروبية تجاه مواجهة المخاطر التي تتعرض لها دول الاتحاد خاصة من جانب تركيا التي كانت تمثل في السابق حليف قوي في الاستراتيجية الغربية وهو الأمر الذي تبدل بصورة كبيرة مع اتجاه تركيا نحو انتهاج سياسة من شأنها تهديد مصالح الدول الأوروبية في العديد من  الأزمات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، ويجب الإشارة إلى أن الدول الأوروبية أدركت بصورة كبيرة مدى التناقض في السياسة التركية تجاه التعامل مع الملفات ذات الصلة بالمصالح الأوروبية وتحاول هذه الدول خلال الفترة الماضية والقادمة تبني استراتيجية أوروبية جديدة لمواجهة هذه التهديدات بما يحافظ على مصالحها.

المراجع

1) بدء قمة الاتحاد الأوروبي.. ميركل تتوقع مفاوضات «صعبة جداً» وماكرون يصفها بـ«لحظة حقيقة»، على الرابط:

 http://www.alkhaleej.ae/economics/page/9747cdd0-838f-40de-8c52-1d37f45f430f

2) بدء قمة الاتحاد الأوروبي حول خطة الإنعاش الاقتصادي، على الرابط:

https://aljoumhouria.com/ar/amp/news/545287/%7B%7B%20url%20%7D%7D

3) الاتحاد الأوروبي: خيارات عدة للرد على تحركات تركيا بالمتوسط، على الرابط:

https://cutt.us/RAmcR

4) الاتحاد الأوروبي يدرس خياراته لفرض عقوبات على أنقرة، على الرابط:

https://cutt.us/J47at

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى