داعش والعودة إلى الجنوب الليبي

بقلم منى قشطة – المركز العربي للبحوث و الدراسات

تُوفر الأراضى الليبية مناخاً مُلائماً لإنتشار تنظيم الدولة الإسلامية نتيجة لوجود مجموعة من العوامل التى جعلت من ليبيا هدفاً أساسياً للتنظيم، منها الأهمية الإقتصادية والجيوبيليتيكية لليبيا فضلاً عن التوترات الداخلية وانتشار الحرب الأهلية مما يجعل ليبيا أرضاً خصبة لإنتشار وتمركز نشاط داعش خاصة فى الجنوب الليبى.

يعُود النفوذ الداعشى فى ليبيا إلى عام2014 واستمر هذا النفوذ حتى عام 2016 بعد هزيمة وطرد داعش من سرت من قبل قوات الجيش الوطنى الليبى، وبدءا من عام 2018 شهدت ليبيا اعادة انتشار تنظيم داعش مرة أخرى فى الجنوب الذى يُعد من أفضل الأماكن المُهيأه لإنتشار الجماعات المتشددة نتيجة لإهتزاز الوضع الأمني فضلاً عن قُربه من حدود الدول الاخرى مما يسهل عملية التحرك ووصول التمويل والإمدادات المُختلفة، وسوف في هذا السياق سيتناول المقال عودة داعش للتدخل فى الجنوب الليبى ومظاهر ومسببات العودة والدور التركى فى تسهيل عملية العودة للجنوب .

1-  الوجود الداعشى فى ليبيا :

تُوفر الأراضى الليبية مناخاً مُلائماً لإنتشار تنظيم الدولة الإسلامية نتيجة لوجود مجموعة من العوامل التى جعلت من ليبيا هدفاً أساسياً لتنظيم الدولة الإسلامية من بين هذة العوامل مايلى :

1- وجود حرب أهلية على الأراضى الليبية يتزامن معها غياب وجود الدولة الوطنية فى البلاد وغياب النظام والقانون وإنتشار الفوضى والصراعات ف انحاء البلاد.

2- ليبيا دولة لها أهمية إقتصادية كبيرة يُمكن لداعش إستغلالها ، حيث تُعد ليبيا بلد نفطى وبالتالى يُمكن لتنظيم الدولة تحقيق مكاسب إقتصادية هائلة جراء السيطرة على هذة الموارد النفطية لتعويض خسائرها فى منطاق مُتعددة تحديداً فى ( العراق وسورية ) .

3- وجود داعش فى ليبيا يُمكنه من الإتصال مع الُمقاتلين الدواعش أو بعض الجماعات القريبة منها الموجودة داخل ليبيا أو فى الدول المجاورة ( تونس ، مصر ، الجزائر ، السودان )، فضلا عن التنظيمات الإرهابية في الساحل والصحراء وكذلك منطقة القرن الأفريقي.

4- تتميز ليبيا بموقعها الجغرافى حيثُ تُعد حلقة الوصل بين المشرق العربى والمغرب العربى وتمثل نقطة اتصال بين افريقيا الساحل ومنطقة القرن الأفريقى فضلاً عن كونها بوابه بحرية للقارة الأوروبية نتيجة لموقعها فى حوض البحر المتوسط  . وبالتالى نجد أن السيطرة على هذة الأهمية الجيوبوليتيكية يساعد تنظيم الدولة على تنفيذ مُخططه بإقامة خلافته المزعومة.

5- انتشار التجارة الغير مشروعة ، وتهريب البشر ، والسلاح ، والمخدرات فى جنوب وجنوب غرب ليبيا.

6- الصحارى الليبية يُمكن استخدامها من قبل تنظيم الدولة فى اعداد المُعسكرات للتدريب والإيواء ، واستغلالها كمخاذن للأسلحة والعتاد لتجهيز المقاتلين.

ويعُود الحضور الداعشى فى ليبيا إلى عام 2014 ، حيثُ قامت مجموعة من الجماعات الإسلامية المُسلحة  داخل ليبيا مثل ( تنظيم مُجاهدى ليبيا – مجلس شورى شباب الإسلام فى درنه – وبعض  العناصر من الجماعة الليبية المقاتلة ) بتأييد ومبايعة أبو بكر البغدادى زعيم تنظيم “داعش” الإرهابي الذى تم تنصيبه خليفة لما يسمى الدولة الإسلامية.

أرسلت قيادة الدولة الإسلامية مجموعة من المُقاتلين إلى ليبيا بعد ظهور مظاهرات مؤيدة للوجود الداعشى داخل ليبيا للمساعدة فى اقامة فرع التنظيم هُناك ، وكان لوصول المُقاتلين الى ليبيا أثر كبير فى رفع معنويات الجماعات الداخلية المُؤيدة لداعش .

فى 13 نوفمبر 2014 أعلن أبو بكر البغدادى تأسيس فرع الدولة الإسلامية فى ليبيا تحت اشرافه ، وذلك بعد حُصوله على تأييد ومبايعة الولايات الليبية الثلاث :

  • برقة فى درنه.
  • طرابلس فى سرت .
  • فزان فى الجنوب الغربى .

ثُم تأسست قيادة لداعش فى سرت أوائل عام 2015 ، وأُعتبرت سرت عاصمة التنظيم فى ليبيا .

 وقد استغل مقاتلوا تنظيم الدولة حالة الصراعات والإنقسامات بالداخل الليبى للتوسع والتقدم شرقاً وغرباً وجنوباً ، وسيطر مقاتلوا تنظيم الدولة الإسلامية فى ليبيا على مدينة سرت فى 12 مايو 2015، وقد تمثلت هذة السيطرة فى ممارسة الحُكم وإدارة كافة شؤون الحياة للمواطنين، وقد استمرت هذة السيطرة لمدة عامين. واستمرت عمليات توسع داعش الى خارج سرت شرقاً وغرباً حتى نهاية مايو 2016 حيثُ سيطرت على بعض القُرى فى شرق سرت حتى اخرجهم منها حرس المنشئات النفطية الفيدرالى .

وجد تنظيم داعش مساحة للتحرك بقدر كبير من الحرية فى منطقة الجنوب والغرب الليبى فى الفترة مابين عام 2014 حتى 2016 حيث شهدت هذة الفترة عمليات قتالية بين القوات الليبية اللمتصارعة فى منطقة الساحل للسيطرة على الموانئ المُصدرة للنفط . وقد حاول داعش السيطرة على عدد من المنشئات النفطية للتحقيق مكاسب اقتصادية ولكن تم التصدى لهدة المحاولات من قبل حرس المنشئات النفطية.

واستمرت داعش فى سرت حتى ديسمبر 2016 عندما بدأت عمليات البنيان المرصوص لإستعادة مدينة سرت ، وطرد داعش منها ، واندلعت عدد من المعارك بين داعش وقوات البنيان المرصوص وبعدها تم الانسحاب من سرت . وتراجعت ايضا قوات داعش من مواقع اخرى غرب ليبيا نتيجة تحر القوات المحلية فى صبراته ضد داعش والسعى لطردهم من المنطقة وأيضاً تزايد الضغوط على داعش فى درنة من قبل الجيش الوطنى الليبى والميليشيات المنافسة خاصة الشيعة وترتب على ذلك انسحابها من درنه فى فبراير2016 ، وقد شهد عام 2017 تراجعاً فى نشاط التنظيم بعد الضربات الأمريكية المتتالية على معسكراتة .(1)

العودة إلى الجنوب :

بدءا من عام 2018 شهدت ليبيا اعادة انتشار تنظيم داعش مرة أخرى فى الجنوب حيثُ تمكن من السيطرة على الطريق الرئيسى الذى يربط بين سرت فى الشمال وسبها فى الجنوب  ، ويُمكن القول بأن جنوب ليبيا من أفضل الأماكن المُهيأه لإنتشار الجماعات المتشددة نتيجة لإهتزاز الوضع الأمن فضلاً عن قُربه من حدود الدول الاخرى مما يسهل عملية التحرك ووصول التمويل والإمدادات المُختلفة .

2-  دوافع العودة إلى الجنوب :

تُوجد مجموعة من الدوافع وراء إعادة الحضور الداعشي فى الجنوب الليبى مرة أُخرى ، ومن أهم هذة الدوافع مايلى:

1-   رغبة داعش فى تعويض انحسارة وهزائمه في أراضى ليبيا وسوريا والعراق، والرغبة فى إيجاد معقل جديد يسمح بإعادة انتشار التنظيم ، ويتميز بانعدام السيطرة الأمنية حتى يسهل السيطرة علية وهو مايتوفر فى الجنوب الليبى.

2-   بالإضافة إلى رغبة داعش فى إعادة تنظيم صفوفة ، والإستفادة من الأخطاء التنظيمية السابقة فعملية اعادة الإنتشارة تمكنه من استعادة قوتة العسكرية والتنظيمية.

3-   وجود داعش فى جنوب ليبيا يُمكنه من التمدد لدول الجوار ( تشاد – النيجر – السودان ) مما يوفر ملاذاً أمناً يُمكن اللجوء إلية وقت الأزمات.

4-   منطقة الجنوب الليبى أرض خصبة لنشر الأفكار الداعشية حيثُ تنتشر الموروثات الفكرية المُتطرفه المنبثقة عن التيارات المتطرفة مثل تنظيم القاعدة وهذا بدورة يسهل من عملية استقطاب مُقاتلين جُدد للتنظيم .

5-   البحث عن طرق لتعويض خسائرة الإقتصادية بعد انسحابة من سرت من خلال المشاركة فى عمليات التهريب عبر الحدود المنتشرة فى جنوب ليبيا ( تهريب البضائع ، السلع ، مشتقات النفط ، المخدرات ) حتى يتمكن من توفير موارد مالية تُمكنه من الانفاق على الأنشطة والعمليات التي يقوم بها .

6-   إعادة إنتشار داعش فى جنوب ليبيا مره أخرى يُعد مُحاولة من التنظيم لإستعادة معقلة فى سرت ، وذلك لضمان وجودة فى ليبيا ومنطقة الساحل والصحراء .(2)

3-  مظاهر العودة إلى الجنوب الليبى :

جنوب ليبيا يُمثل ملاذا أمناً للتنظيم حيثُ مكنه من إعادة تنظيم نفسه مرة أخرى ، فبالرغم من خسائرة فى سرت تمكن من اعادة حشد نفسه فى جنوب ليبيا ومن مظاهر هذه العودة شن عدد من الهجمات الإرهابية منها استهداف مقر المفوضية العليا للإنتخابات فى ليبيا فى مايو 2018 ، واستهداف بوابة للجيش الوطنى ” بوابة الفقهاء ” فى اغسطس 2017 ، وكشفت بعض التقارير الليبيبة عن تعرض مناطق الفقهاء وزله جنوب ليبيا لهجمات متكررة من تنظيم داعش ، عن جرائم القتل ضد المدنيين فى ليبيا وجرائم أُخرى مثل حجز الرهائن وقتلهم والإتجار بالبشر.فضلاًعن العمليات المتكررة ضد حقول النفط فى الجنوب والتى تستهدفها داعش لتحقيق مكاسب اقتصادية مُستغله الحاله الأمنيه الهشه فى هذة المنطقة .

4-  الدور التركى فى تسهيل االعودة إلى الجنوب :

تقوم تركيا بتمويل ودعم الجماعات الإرهابية المُختلفة كأداة لتحقيق مطامعها وأهدافها التوسعية والتي تدور في فلك ما يعرف ب “العثمانية الجديدة”، حيثُ تتعامل تركيا مع داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية على أنا تنظيمات وظيفىة تحقق لها مصالحها المختلفه فى المنطقة، فدعم تركيا لداعش يُحقق لها مصالحها فى تهديد أوروبا سياسياً ومالياً من خلال استخدام الإرهاب كورقة ضاغطة ضد أوروبا، ويعود هذا إلى العداء التاريخى بين تُركيا وأوروبا نتيجة رفض طلب انضمامه للإتحاد الأوروبى ، فقد صرح أردوغان من قبل أن تركيا قادرة على فتح أبواب الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين وإحراقها بنيران الدواعش، مُستغلا موقع ليبيا المُطل على السواحل الأوروبية . كما أن دعم تركيا للتنظيمات الإرهابية فى ليبيا يُمكن استخدامه كأداه لتهديد حدود الدولة المصرية من الغرب بهدف إستهداف أمن الدولة المصرية . من جانب أخر تسعى تركيا لتحقيق مكاسب اقتصادية من خلال السيطرة على الثروات النفطية فى ليبيا فضلاً عن استخدامها كسوق لتجريب السلاح التركى واستخدامة ضد قوات الجيش الوطنى الليبى بقيادة حفتر . (3)

لذلك قامت تركيا بتقديم الدعم المالى واللوجستى لداعش وقامت بتسهيل انتقال العناصر الارهابية الى ليبيا ومن ذلك توقيع مُذكرة تفاهم بين رئيس حكومة طرابلس ” السراج ” والرئيس التركى ” أردوغان ” تمهد لوجود تركى عسكرى فى الاراضى الليبيبة ومن هنا بدأت تركيا فى ارسال العناصر الارهابية الى الاراضى الليبية .  (4)

المراجع

1)    ابراهيم نوار ، تحالف داعش-القاعدة في ليبيا: تهجير الأقباط واستراتيجية داعش في مصر(3-4)، المركز العربى للبحوث والدراسات ، متاح على الرابط التالى : http://www.acrseg.org/40510، تاريخ الدخول للموقع :24/9/2020 .

2)    أبعاد ودوافع الانتشار الداعشي في جنوب ليبيا  ، المرجع ،2018 ،  متاح على الرابط : https://www.almarjie-paris.com/3200، تاريخ الدخول : 24/9/2020 .

3)    تقى النجار ، علاقة عضوية.. كيف وظفت تركيا التنظيمات الإرهابية لتحقيق مصالحها في المنطقة ، المرصد المصرى ، 2020 ، متاح على الرابط : https://marsad.ecsstudies.com/20788/، تاريخ الدخول 24/9/2020.

4)      إيميل أمين ، تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا ، الشرق الأوسط ، متاح على الرابط :

 https://aawsat.com/home/article/2068346/%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A5%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A1-%C2%AB%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4%C2%BB-%D9%81%D9%8A-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button