تداعيات ما بعد خاشقجي

وليد عبد الحي

يميل أغلب المراقبين للاقتناع بان الصحفي السعودي (المعارض الرسمي للنظام السياسي) جمال خاشقجي “قُتل” ، وان الموقف السعودي اصبح حرجا للغاية نظرا للملابسات التي رافقت الحادث، لكن الموقف الامريكي لا يقل حرجا لا سيما من زاوية قلق ترامب على المصالح الامريكية الهائلة في السعودية، وهو ما يطرح السؤال الأكثر اهمية: ما هو المخرج الذي يحقق اقل قدر من الخسائر الامريكية والغربية والتركية والسعودية؟ إجابتي هي ان التضحية بولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان هو المخرج الاقل تكلفة لتركيا وللولايات المتحدة والسعودية للاسباب التالية:
1- لقد وضعت الدول الغربية وبخاصة الولايات المتحدة نفسها في وضع حرج ، فتعهد ترامب ” بعقوبات شديدة” غير اقتصادية ضد السعودية،وهو ما يعني انه سيتخذ مواقف لا تضر بالمصالح الامريكية المادية، وفي تقديري أن ” عزل ” محمد بن سلمان سيتم تفسيره على انه الرد السياسي القوي الذي وعد به ترامب من ناحية ، كما ان هذا العزل لن يمس المصالح الامريكية في السعودية من ناحية ثانية، وبهذا تحقق الولايات المتحدة وعدها بالرد والظهور بمظهر الدبلوماسية الاخلاقية ، وتتجنب أي مساس بمصالحها الاستراتيجية لا سيما إذا تم العزل عبر التقاليد المعهودة من خلال هيئة البيعة.
ومعلوم ان البراغماتية الامريكية ومنطق المؤسسات الحاكمة في دول مثل الولايات المتحدة يقوم على ” عدم الوقوع في غرام الشخصيات “، فإذا كانت التضحية بشخص معين يحمي المصالح الاستراتيجية الحيوية او العليا فإن ذلك يمثل قرارا عقلانيا مطلقا من وجهة نظرهم.
2- ان البيئة الداخلية في السعودية محتقنة الى حد بعيد بسبب التداعيات الناتجة عن سلسلة من الخطوات التي اقدم عليها ولي العهد والتي أصابت أركان الدولة السعودية( العائلة الحاكمة بخاصة ما كان من مشهد فندق ريتز كارلتون، وضرب الحركة الوهابية ونفي حتى وجودها وتصنيف حركة الاخوان المسلمين كحركة ارهابية ، ناهيك عن تعثر المشاريع الاصلاحية الموعودة وحرب اليمن بكل الصورة القاتمة التي رسمتها للدبلوماسية السعودية)..ويبدو لي أن العزل يمثل مخرجا “يُرضي الدول الغربية والمجتمع الدولي بشكل عام من ناحية ، ويهيئ المناخ الداخلي السعودي للاسترخاء.
3- إن عملية عزل ولي العهد السعودي ستطوي ملف خاشقجي على اعتبار ان السهام في هذه القضية كانت مصوبة له بغض النظر عن صدقها او تفاصيلها التي يصعب متابعتها، ومن الواضح ان الدبلوماسية السعودية حريصة على سرعة الوصول للحلقة الاخيرة في هذا المسلسل.
4- ان عملية العزل ستعني ان الكتلة الغربية ومنظمات حقوق الانسان بأشكالها المختلفة ستتعزز مواقفها ” الاخلاقية” بالمنظور الضيق أو الواسع ، وتشعر بأنها انجزت ما تريد ، لكن بقاء ولي العهد في السلطة سيجعل حلقات المسلسل تبدأ أجزاءها الجديدة.
5- ثمة قلق غربي ان سياسات ولي العهد ” قد تكون” أكثر قسوة في حالة إذا ما تولى العرش بعد أبيه، وهو امر سيجعل معالجة تداعيات سياساته أكثر خطورة ، بينما الأن يمكن لجم ما هو اسوأ قبل وقوعه.
6- أن عملية العزل لولي العهد تكررت خلال السنوات القليلة الماضية، فبدأت بعزل مقرن، ثم عزل محمد بن نايف ، ثم التخلي عن فكرة تعيين ولي ولي عهد، وهو ما يعني ان هذه الآلية يمكن العودة لها عند الضرورة.
لا يمكن استبعاد المفاجآت او الاحداث العشوائية، لكني اعتقد ان الحساب البراغماتي الهادئ أمريكيا وأوروبيا وبعض نخب ودول في الخليج سيمنح السيناريو السابق الفرصة لأنه السيناريو الاقل تكلفة والأكثر أمنا، غير ان السيناريو الأكثر خطورة هو ان يتشبث ولي العهد بموقعه متحصنا بقوى تسانده في الداخل والخارج وبتحميل المسؤولية لموضوع خاشقجي لقوى خارجية او :أكباش فداء داخليين” ، وهو ما قد يفضي لنسخة سعودية من ” الربيع العربي”، رغم ان الامريكيين لا يحبذون مثل هذا السيناريو المفجع لان خسارتهم فيها ستكون باهظة….ربما…وربما.

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button