دراسات سوسيولوجية

دراسة اجتماعية – نفسية حول الدعارة وأثرها على الاسرة والمجتمع

   مقدمة
   أولاً: الدعارة كسلوك نفسي
   ثانياً: الدعارة وعلاقتها بالاضطرابات النفسية
   ثالثاً: الأثر النفسي للدعارة في ممارسها وشريكه
   رابعاً: الأثر النفسي للدعارة في الأسرة والمجتمع

  خامسا: الدعارة الخفية في المجتمع الجزائري: دراسة أنثروبولوجية للظاهرة في مدينة وهران
   المصادر والمراجع

مقدمة

 من معاني الدعارة في اللغة، كما ورد في “لسان العرب”، “الفُسق … والدُّعر الذي لا خير فيه، … والدّعارة الفساد والشر” (لسان العرب مادة: دَعَرَ). ومن ثم، استُعيرت الدلالة اللغوية، لتدل على منح متعة جنسية غير مشروعة، مقابل أجر، قد يكون مادياً أو غير مادي.

 وأقل أطراف الدعارة طرفان: طرف يبيع المتعة الجنسية غير المشروعة مقابل أجر، وطرف يشتريها مقابل ما يدفعه من أجر، وقد يدخل إلى حلبة الدعارة طرف ثالث، هو الوسيط أو القواد الذي يجمع أو يسهل لقاء الطرفين: البائع والمشتري.

والدعارة ظاهرة عالمية إنسانية، عرفتها الشعوب منذ زمن بعيد، وظلت المجتمعات الإنسانية تمارسها، في مختلف العصور والحضارات.

وللدعارة سلبيات تتجاوز الفرد، أو الأفراد المعنيين باحترافها، إلى أسرهم ومجتمعاتهم، فهي فضلاً عن مضارها الجسدية، تسبب كثيراً من المضار الاقتصادية، والاجتماعية، والنفسية. لذلك كان الإسلام قاطعاً وحازماً في منع كل سبيل يؤدي إلى احتراف الدعارة أو ممارستها.

وفي هذا البحث سنتناول أثر الدعارة من الناحية النفسية، وما تسببه من اضطرابات نفسية، ذلك، أن ممارس الدعارة، يكون غالباً معانياً أحد الأمراض النفسية، كالهوس، أو التخلف العقلي، أو الخرف، أو الفصام، وما إلى ذلك من أمراض نفسية. كما يتناول البحث من الناحية النفسية، كذلك، منظم هذه اللقاءات، والذي نجده ـ بالمثل ـ يعاني خللاً نفسياً. كما يتعرض البحث إلى المشكلات المسببة للدعارة، وهي أيضاً مشكلات لا تخلو من مؤثرات نفسية، مثل الضعف الجنسي أو مشكلات عدم التوافق بين الزوجين، أو الخوف من المرض عند الزواج. ويختتم البحث بالحديث عن الأثر النفسي للدعارة في الأسرة والمجتمع.

أولاً:  الدعارة كسلوك نفسي

خلق الله الإنسان، وزوده بالغريزة الجنسية، ليكون الالتقاء بين الرجل والمرأة، هو العمل، الذي يسفر عن الإخصاب وحفظ النوع البشري على الأرض. ولكي تتهيأ الرعاية للمولود، كانت الأسرة، التي تتكون بالزواج.

والغريزة الجنسية حاجة بيولوجية، تنمو مع البلوغ، وتتزايد، حتى تبلغ أوجها في مرحلة المراهقة والشباب، ولكنها تقلّ كلما دنا الإنسان من الشيخوخة. وتستغل بعض المجتمعات هذه الحاجة لدى الإنسان، فيبيعون إشباع الغريزة الجنسية بمقابل، وهذا ما يُطلق عليه لفظ “الدعارة”، أي أن الدعارة هي تحقيق الإشباع الجنسي بمقابل، سواء كان هذا المقابل نقوداً، أو هدية، أو قضاء مصلحة، أو أي شيء آخر. وقد تعدد المقابل في العصر الحالي، طبقاً لتعدد حاجات البشر، كما تعددت أشكال الدعارة.

وعندما تتاح الدعارة، يلجأ إليها المراهق، أولاً، بهدف اختبار رجولته، والاطمئنان بها، ثم يكررها، بعد ذلك، بهدف الإشباع الجنسي. ونظراً إلى أن الغريزة متجددة، فإن الحاجة إلى إشباعها تتكرر. وأما المتزوج، فقد يلجأ إلى الدعارة لغير سبب: إمّا لتأكيد فحولته مع امرأة أخرى، أو محاولة اكتشاف شيء جديد لدى المرأة الأخرى، أو للبحث عن التجديد لشكل الإشباع الجنسي، أو هو هروب من الزوجة الباردة، أو المثيرة للمشاكل، أو غير المتوافقة مع زوجها جنسياً، أو التي تصيب زوجها بالضعف الجنسي، إما بما تسببه له من توتر، ينشأ عنه سرعة القذف Premature Ejaculation&quot، أو الارتخاء الجنسي العُنَّة ُImpotence، أو تفقده الرغبة أصلاً، أو تفقده الإثارة، من خلال الرتابة الزوجية. وقد تصبح المرأة، بعد فترة طويلة من معايشة الزوج، صورة لاشعورية من أمه، فيصاب بالضعف الجنسي تجاهها، دون غيرها من النساء.

ومحترفة الدعارة امرأة مدربة على إشباع الرجل، تؤدي عملها كمهنة، ولديها من الحيل ما يفوق المرأة العادية. كما أن الحياء لديها منزوع، فلا تجد حرجاً في أداء دور الأنثى المثيرة لغرائز الرجل. وليست الدعارة حكراً على المرأة، فالرجل يقوم بالدعارة أيضاً في الموقف المقابل، وحين يشترك في الفعل، فإنه لا شك يشترك في الصفة، حتى لو كان منتفعاً بسلعة الدعارة فقط، وبهدف الإشباع العابر.

والدعارة قد تكون مقننة، أي لها ترخيص وقواعد لممارستها كمهنة، كما يحدث في بعض الدول الغربية. وقد تكون متخفية، وتمارس على استحياء، كما يحدث في المجتمعات التي لا تبيحها، فتكون مطاردة من القانون، وتقع تحت طائلته.

وتخرج علاقات الحب، التي يكون الالتقاء الجنسي جزءاً منها، عن مفهوم الدعارة، لكونها تعبيراً عن ارتباط عاطفي، وليست إشباعاً بمقابل. فحين يكون الجنس سلعة، تباع من طرف، وتشترى من طرف آخر، تتحقق الدعارة. أما اللقاءات الجنسية، فهي جزء من مشاعر الارتباط العاطفي، فالجنس لا يقتصر على الممارسة الفعلية، ولكنه يبدأ باللمسة، التي تحرك كوامن الشهوة، وتعطي شعوراً بالإثارة الجنسية، وكذلك القبلة والمعانقة، وما إلى ذلك من تلامس جسدي، حتى الكلمة حين تكون مثيرة للغريزة، أو ما يشبهها من أصوات تحركها، كل هذا يدخل في نطاق الجنس[1].

وهناك نوع آخر من الدعارة، تقدم عبر أسلاك الهاتف، إما كسلعة مدفوعة الأجر، أو مجانية، حين يلتقي اثنان عبر أسلاك الهاتف، ويبغيان إثارة الغريزة أو إشباعها من دون علاقة عاطفية بينهما. مثال ذلك، تلك الفتاة، التي كانت في الرابعة والعشرين من عمرها، وهي طالبة جامعية، وليست متوافقة مع أفراد أسرتها، وكثيرة المشاكل معهم، وكان لديها خوف لاشعوري من الرجال، تمثل في رفضها الزواج بمن تقدموا إليها لطلب يدها. وتأكد ذلك من خلال جلسات العلاج النفسي، ومن خلال تفسير أحلامها، ولكنها كانت معتادة أن تعبث بأرقام الهاتف ليلاً، بحثاً عن رجل، تبادله الألفاظ والخيال الجنسي، لتحقق الإشباع من خلال ذلك، من دون ارتباط عاطفي برجل ما.

ثانياً: الدعارة وعلاقتها بالاضطرابات النفسية

تقضي الفطرة السليمة، أن يكون إشباع الغريزة الجنسية، من خلال علاقة ارتباط عاطفي حلالٍ ومباح، كالزواج مثلاً. فالجنس الكامل هو الذي يبدأ في العقل، كتخيل للاقتراب من جسد المحبوب، ويكون التلامس الجسدي إكمالاً للعملية العقلية، المفعمة بمشاعر الحب ورغبة الاقتراب. أما الممارسة دون عاطفة، وفي صورة سلعة لها مقابل، فهذا لا شك، مؤشر إلى خلل نفسي، خاصة لدى من يحترفه كمهنة، وإلاّ لماذا اختار تلك المهنة دون غيرها؟! إنه الاختيار المَرضي، الذي يكمن في داخله. وفي هذا المبحث نبدأ بتقسيم أطراف الدعارة، ثم نبين الخلل النفسي، الذي قد يوجد لدى كل من تلك الأطراف.

  1. الداعرة (أو الداعر)، ويصح القول عنهما معاً (الدّاعر).
  2. منظم لقاءات الدعارة (أو مدير الشبكة ومن يعاونه).
  3. المنتفع بسلعة الدعارة.

1. الداعرة (أو الداعر)

من يقدم نفسه، امرأة أو رجلاً، جسداً أو مشاعرَ أو صوتاً، كسلعة للمنتفع بها. ومن لم يكن مرغماً على أداء هذا العمل، يكن مريضاً نفسياً. وقد يأخذ المرض النفسي أحد الأشكال الآتية:

أ. التخلف العقلي: وهو نقص قدرة الفهم، والتكيف، والتعامل، مع المواقف الجديدة، بوسائل التفكير الهادف. وهذا النقص يبدأ في الطفولة، أي قبل عمر الثامنة عشرة. ولنقص قدرة الفهم والتمييز بين النافع والضار، يقع المتخلف عقلياً فريسة لمن يديرون شبكات الدعارة، فتكون المتخلفة عقلياً، بصفة خاصة، صيداً سهلاً لهم، فيوظفونها في أغراض الدعارة، دون أن يكلفهم الأمر عناءً مادياً أو غيره، ثم يحركونها، بعد ذلك، كما يريدون.

ب. الخرف:وهو نقص الذكاء بعد عمر الثامنة عشرة. ويترتب عليه نقص الفهم أيضاً، الذي يجعل المصاب به فريسة لمن يوظفونه في الدعارة. وضحايا الخرف، غالباً، ما يكون لديهم تلف شديد في الدماغ، هو الذي أحدث نقص الذكاء.

ج. الهوس:وهو مرض عقلي، يتميز بالمرح المَرضي وزيادة الطاقة، الجسدية والعقلية، التي تتمثل في زيادة الحركة، والكلام، والرغبة الجنسية، ويصاحبها سوء الحكم على الأمور، وسوء التصرفات، وقلة الحاجة إلى النوم، والاندفاع في تصرفات طائشة، دون تقدير نتائجها. وتحت تأثير الاندفاع، وسوء الحكم على الأمور، وزيادة الطاقة الجنسية، يحترف الشخص الدعارة. ولكن حين تتحسن حالة الهوس لديه، وهو غالباً ينتابه في صورة نوبات، فإنه يعود إلى رشده، بل يندم على ممارسته الدعارة، وغالباً ما يصاب بالاكتئاب من جراء الشعور بالذنب ، وحينئذ، يثور على من يديرون شبكة الدعارة، وقد يقتلهم وينتحر، وهم (أي من يديرون هذه الشبكات)، لكي يضمنوا عدم ثورة المصاب بالهوس، وعدم إفاقته، يعطونه مواد مخدرة، ويجعلونه مدمناً، ليظل خاضعاً لإرادتهـم، دون ثورة، ولكي يقتلوا فيه الإرادة المستقلـة، التـي قـد يستعيدها يومـاً ما، بعد أن يفيق من الهوس.

د. الفصام العقلي:وهو مرض يصيب الإرادة والتفكير، ويفكك من قوى العقل، والشخصية. وتصبح السيطرة على المصاب به سهلة، بل إن بعضهم يتميز بالطاعة للآخرين، التي تصل إلى درجة الآلية، وذلك يجعل من هؤلاء المرضى أفراداً مطيعين في مهنة الدعارة.

هـ . البرود الجنسي Frigidity:وهو اضطراب نقص الإثارة الجنسية لدى الأنثى، الذي يدفعها إلى التماس الإثارة من خلال احتراف الدعارة.

و. الغلمة النسوية (السـودة Nymphomania): وهي وجود رغبة مَرضية في الجماع لدى الأنثى، ونهم جنسي لا يرتوي. وأغلب المصابات بهذا الداء لديهن فقْد الذروة الجنسية Orgasm، أي غياب هزة الجماع والشعور باللذة، كما يوجد لديهن خوف شديد من فقْد الحب، الذي يفتقدنه فعلاً من خلال الدعارة، فيعوضنه بتكرار الممارسة غير المشبعة معنوياً لهن. وهناك قصة تحكي عن فتاة في التاسعة عشرة من عمرها، كانت أمها متوفاة منذ عدة أعوام، ووالدها متزوجاً بأخرى، وكانت تعاني حرماناً عاطفياً شديداً، وتمرداً داخلياً، أخرجتهما في صورة زيادة الرغبة الجنسية، وإغواء الرجال لمواقعتها  بصورة متكررة، ودون ارتواء أو إشباع جنسي حقيقي.

2. منظم لقاءات الدعارة (مدير شبكة الدعارة أو مَن يعاونونه)

وهو صاحب المصلحة الرئيسي من تلك التجارة. فهو يدبر اللقاء بين السلعة (الداعرة) والمنتفع بها، لقاء أجر، ويطلق عليه اسم (قواد). وهو شخص خطير، يتميز بقدرة ذكائية عالية، يستغلها في السيطرة على الآخرين، وإخضاعهم لسيطرته، واستخدامهم لأغراضه المادية. وهو في الوقت نفسه، ليس سوياً من الناحية النفسية. فهو إمّا شخصية “مضادة للمجتمع”، أو أنه يعاني شذوذاً جنسيا ً Sexual Deviation Paraphilias وفي السطور التالية، نفصل وصف الحالتين:

أ. الشخصية “المضادة للمجتمع[1]: وهو الشخص الذي يستغل الآخرين لمصلحته، ويوجهه إلى ذلك أنانيته الشديدة، وعدوانه تجاه الآخرين. فلا يضيره أن يدمرهم لمصلحته، أو حتى يدمر المجتمع. ويحكمه مبدأ (أنا ومن بعدي الطوفان). فليس لديه ضمير يحكمه، أو جهاز قِيم داخلي يردعه. ومن ثم، فهو يستخدم الأَعْراضَ تجارة له، دون أدنى لوم للنفس.

ب. المصاب بشذوذ جنسي: وهذا الشخص لديه ميول جنسية مثلية (جنوسية)، ولكنه لا يمارسها. وهي كامنة في داخله، تدفعه إلى استبدال امرأة بنفسه، يقدمها إلى آخر ليضاجعها، فيشعر هو بالراحة والرضا، وكأنما أشبعه هذا الفعل، وكلما كرر هذا العمل، حقق إشباعاً أكثر. وهذا يذكرني بالسيدة، التي كان زوجها يعاني ضعفاً جنسياً، ولكنه كان يقدمها إلى أصدقائه، ويلح عليها في إرضائهم، ويتركها معهم لساعات طويلة، ويدفعها إلى ارتداء الثياب التي تعري أجزاء كبيرة من جسدها. ويُسَر جداً، عندما تلفت انتباه الرجال الآخرين، ويتركها لهم، كلما سنحت له الفرصة لذلك.

وهناك نوع آخر من الشذوذ، أن يكون شخص ما مولعاً بمشاهدة مَن يمارسون العلاقة الجنسية، إلى درجة أنه يرتب لهم هذه اللقاءات، وكل متعته، هي مشاهدة الفعل الجنسي، والتيسير له، فهذا يحقق له الإثارة الجنسية، التي يفتقدها في ما دون ذلك من أفعال جنسية.

3. المنتفع بسلعة الدعارة

وهو الشخص الذي يشبع غريزته من طريق الدعارة. وهو، عادة، يدفع المقابل إلى من يقدمون إليه سلعة الدعارة، سواء كان المقابل مادياً أو خلافه، من مصالح متنوعة. وهو، غالباً، كما أسلفنا، يسعى إلى تأكيد رجولته، أي أنه يشك في فحولته، ويسعى، من خلال ممارسة الدعارة إلى التحقق منها أو تأكيدها، أو أنه يعاني مشكلات الضعف الجنسي، أو يعاني مشكلات زوجية، أو أنه يخاف من الارتباطات العاطفية، والعلاقات الحميمة. ونذكر بعض التفصيل لكل من هذه الاضطرابات النفسية فيما يلي:

أ. الشك في الفحولة

حالة تنتاب غالباً، المراهقين، الذين قد يشْكون بعض الأمراض المتعلقة بأعضائهم التناسلية. وقد يسعون إلى أطباء الأمراض التناسلية، بحثاً عن الطمأنة أو العلاج، أو يبحثون عن الداعرة للتأكد من سلامة فحولتهم. وقد يكون ذلك وبالاً عليهم.

ب. مشكلات الضعف الجنسي

وأهمها العُنَّةُ، وهي الارتخاء الجنسي، أو عدم القدرة على الانتصاب، في وجود مثير مناسب، مع حدوث ذلك بصورة ثابتة أو متكررة. وقد تكون العُنَّةُ أولية، إذ لم ينجح الشخص في الجماع إطلاقاً، وقد تكون ثانوية، إذ يكون قد نجح قبل ذلك، ولكنه أصبح أخيراً غير قادر، وأحياناً، تكون العُنَّةُ انتقائية، إذ ينجح أحياناً، ويفشل أحياناً أخرى، مثل مَن ينجح مع داعرة، ويفشل مع زوجته.

وقد يكون سبب العُنَّةُ أمراضاً جسمانية (أو الوسائل والعقاقير المستخدمة لعلاجها). وكان الاعتقاد السائد، أن المسبب الرئيسي للعنة هو التغيرات النفسية Psychological Changes، ولكن الاعتقاد الآن، أن الأمراض العضوية سبب رئيسي في حدوث هذا المرض. وهذه الأمراض متعددة، ومتفاوتة في تأثيرها، مثل:

(1) أمراض الغدد الصمّاء:

ـ فشل الخصيتين Testicles، في إفراز هرمون الذكورة Testosterone.

ـ بعض أمراض الغدة النخامية Pituitary Gland، التي تفرز هرمونات تنظم وظائف الخصيتين وتنشطهما، إذ تساعد على النمو الطبيعي لهما، وكذلك تكون الحيوانات المنوية ونموها وإفراز هرمون الذكورة.

ـ خلل في إفرازات الغدة الدرقية Thyroid Gland، سواء بالزيادة أو النقصان Hyper or Hypothyroidism.

ـ أمراض الغدة الكظرية Suprarenal Gland، مثل مرض أديسون Addison’s Disease[2]، وهو ينتج من نقص إفرازات هرمون الكورتيزول Cortisol، ومرض (مركب) كوشنج Cushing’s Syndrome”[3].

ـ مرض البوال السكري Diabetes Mellitus، الذي ينجم عن نقص أو عدم كفاءة هرمون الإنسولين Insulin، الذي يفرزه البنكرياس.

ـ التهاب الغدة النكفية Parotitis، إذ تصاب الخصيتان بالفيروس نفسه.

(2) أمراض الجهاز العصبي المركزي والذاتي Central and Autonomic Nervous System، مثل:

ـ مرض التصلب المتناثر Disseminated Sclerosis، وهو تليف في أجزاء متناثرة من الجهاز العصبي.

ـ أمراض الحبل الشوكي Spinal Cord، حيث توجد بعض مراكز التحكم في وظائف الأعضاء التناسلية.

ـ بعض أمراض الأعصاب الطرفية مثل التهابات الأعصاب Peripheral Neuropathy.

ولكل من البوال السكري والزهري[4] دور مهم في تلك الأمراض، إذ يؤثران في أكثر من موقع من الجهاز العصبي.

(3) العمليات الجراحية، التي قد يصاحبها تهتك في الأعصاب المتحكمة في الأعضاء التناسلية، مثل:

ـ استئصال البروستاتا الجراحي Total or Radical Prostatectomy.

أمّا استئصال البروستاتا بالمنظار Transurethral Prostatectomy، فلا يؤدي إلى العُنّة.

ـ استئصال المثانة البولية Cystectomy.

ـ جراحات المستقيم Rectosigmoid Operations.

(4) العلاج بالإشعاع Radio Therapy، نتيجة للتأثير الضار على خلايا الخصيتين.

(5) الأمراض المزمنة، مثل: فشل وظائف القلب Heart Failure، والفشل الكلوي Renal Failure، وتليف الكبد Liver Cirrhosis and/or Fibrosis، وحالات الضعف العام والهزال الشديد General Weakness and Severe Emaciation، ونقص التغذية Under nutrition.

(6) العقاقير، ومنها المستخدم في علاج بعض الأمراض مثل: مضادات الاكتئاب Antidepressant ، وعقاقير الأمراض النفسية Antipsychotics ، والعقاقير المهدئة، مثل الليثيوم Lithium ، والليبريم Librium ، والمطمئنات العظمى Major Tranquilizer. وبعض مضادات ارتفاع ضغط الدم Antihypertensives. وعقاقير الادمان والتعود، مثل: الكحوليات Alcohols ، والمورفين Morphine ، والكوكايين Cocaine ،والهيروين Heroin ، والأمفيتامين Amphetamines ( أدوية منشطة، تستخدم في حالات الاكتئاب).

وقد يكون السبب نفسياً، مثل: عدم قدرة الشخص على إطلاق غرائزه، من كبت جهاز القِيم لديه، أو الشعور بالدونية مع الأنثى، أو صراع بين مشاعر الحب، والرغبة لدى الرجل، أو عدم الشعور بالأمان، أو استشعار التوتر، أو رفض الأنثى التي يمارس معها الاتصال الجنسي.

ج. المشكلات الزوجية

ويقصد بها كل المشكلات، التي تدفع بالزوج إلى البحث عن إشباع غريزته مع داعرة، أو خارج  إطار الزواج الشرعي. وهي متنوعة، فقد تكون مادية أو عاطفية، أو ناجمة عن سوء التواصل وعدم الحوار، أو عن مشاكل في العلاقة الجنسية.

د. الخوف من الزواج (الخوف من العلاقات الحميمة)

هناك كثير من الشباب، ذكوراً وإناثاً، يخافون من الارتباط في علاقة دائمة، مثل الزواج، على الرغم من ميولهم الطبيعية، تجاه الجنس الآخر، ولكنْ لديهم خوف لاشعوري، من الارتباط الدائم، يرجع إمّا إلى الخوف من العلاقة الجنسية، لاشعورياً، وإمّا إلى الخوف من سيطرة شخص آخر وتسلطه، ورغبة في استمرار الحرية. وغالباً ما تعود هذه العقد إلى الطفولة، وسوء التعامل بين الوالدين الذي عاناه الشخص عندما كان طفلاً. ومثل هذه المخاوف لا تحلها الدعارة، ولكنها تحتاج إلى علاج نفسي.

ثالثاً: الأثر النفسي للدعارة في ممارسها وشريكه

هناك أثر جسماني للدعارة لنقلها الأمراض السارية (أي الأمراض التي تنقل من طريق المعاشرة الجنسية، مثل: الزهري والسيلان[1] والإيدز[2]. وهذه لما لها من أخطار على الإنسان، يكون لها انعكاساتها وتأثيراتها النفسية، فالتفكير في انتقال تلك الأمراض بسبب الدعارة، قد يسبب للشخص خوفاً، ينتج منه ضعف الانتصاب، وقد يصاب بالارتخاء (العُنَّة)، الأمر الذي يعطيه انطباعاً سلبياً عن نفسه. وفي المرة التالية، يكون أكثر خوفاً من الفشل، فيصاب بالفشل من جراء خوفه، فيزداد انطباعه السلبي عن نفسه، ويزداد أيضاً الخوف، وكذلك الفشل، ويدخل في دائرة مفرغة من زيادة الانطباع السلبي، والخوف والفشل، وهكذا يكون الانطباع السلبي عن رجولته بدلاً من تأكيدها. كذلك الخوف أثناء ممارسة الدعارة، وعدم الشعور بالأمان، بسبب طبيعة الدعارة، كعلاقة غير مشروعة، قد يسببان الفشل نفسه، والدائرة المفرغة السابقة. ويُحْدِثُ هذا التأثير النفسي السالب ارتخاءً جنسياً (عُنّة) دائماً للشخص، ويحتاج إلى علاج نفسي، بعد ذلك.

وقد تكون الداعرة في عجلة من أمرها، وترغب في أداء مهمتها بسرعة، فتربك شريكها، فيصاب بسرعة القذف. وقد تؤدي عملها بصورة آلية باردة، لا روح فيها، خاصة أن منهن المصابات بالفصام العقلي، كما سبق أن وضحنا، فيترتب على ذلك نقص الإثارة، ويصاب الشخص بالضعف الجنسي الذي قد يصل إلى الارتخاء (العنة)، مما يعطي انطباعاً سالباً، ينتج منه الاكتئاب. وتكرار الفشل يسبب الدائرة المفرغة المشار إليها سابقاً، ويشتد الاكتئاب، ويفقد الشخص رغبته الجنسية، وقد يلجأ إلى الانتحار، كأحد مضاعفات الاكتئاب.

أمّا بالنسبة إلى الداعرة، فهي إمّا أنها في حالة نفسية سيئة أصلاً، بسبب اضطرابها النفسي، الذي دفع بها إلى دوامة الدعارة، وإمّا أنها لم تكن مريضة في البداية، ولكنها استُدرجت إلى تلك الممارسة. وتكرار ممارسة الدعارة مع أشخاص متعددين، لا تختارهم هي، يجعلها تشعر بأنها أصبحت غير مالكة لجسدها، تعطيه لمن تحب فقط، ولكنها تعطيه لكل من يُفرَضُ عليها، سواء بفعل القواد، أو بضغط الظروف، الأمر الذي يجعلها تشعر بالمهانة، والاحتقار لنفسها، فتصاب بالاكتئاب، وقد ينتهي أمرها إلى الإدمان، والموت من مضاعفاته، أو الانتحار، أو أنها تسلط عدوانها على الخارج تجاه المجتمع، فتكره الآخرين وتنتقم منهم، خاصة من يقع بين براثنها، فتصبح شخصية “مضادة للمجتمع”، وتتحول من مجرد داعرة إلى مديرة لشبكات خارجة عن الدين والقانون، تضاد بها قوانين وأخلاقيات المجتمع، فتصبح مديرة شبكة دعارة (قوّادة)، أو تاجرة مخدرات، أو تعمل في الجاسوسية أو التزوير، أو كل هذا في وقت واحد. وقد ينحصر تخطيطها في اصطياد الرجال المتزوجين، وتطليقهم من زوجاتهم، أو الإيقاع بهم في مشكلات مع زوجاتهم. وقد يكون ذلك تعبيراً عن عدوانها وكراهيتها للمجتمع.

رابعاً: الأثر النفسي للدعارة في الأسرة والمجتمع

 إن الآثار النفسية السلبية ـ إذ لا توجد لها آثار إيجابية ـ للدعارة في الفرد، تنعكس على الأسرة. فأمراض الدعارة  لا تقتصر على المكان، الذي تمارس فيه، ولكنها تمتد إلى خارجه، فكما أن ميكروب الأمراض السارية، قد ينقل إلى الزوجة، فإن الأثر النفسي، الذي أشرنا إليه، يمكن أن ينقل إليها، ويهز ـ بل يزلزل ـ العلاقات داخل الأسرة. وقد تقوم الداعرة بدور إفساد علاقة الرجل بزوجته، وينعكس كل ذلك على نفسية الأبناء، فيتهدد كيان الأسرة المتماسك، من فعل الدعارة، إذ يسود جو الأسرة عدم ثقة طرف بآخر، ونقص الحوار، أو سوء التواصل بين الأفراد.

وإذا أصبحت الداعرة شخصية مضادة للمجتمع، فإنها سوف تضر كثيراً بأفراده، من خلال ممارستها المضادة للمجتمع، مثل ترويج المخدرات، ونشر الإدمان، أو التزوير، بل نشر الدعارة نفسها، وما يرتبط بها من أمراض تنقلها إلى الآخرين، مثل مرض الإيدز. وقد يصل خطرها إلى تهديد الأمن القومي للبلاد، من خلال الجاسوسية.

وهكذا نلاحظ أن للدعارة آثاراً سيئة، في الفرد، والأسرة، والمجتمع، ومن ثمّ، كانت الأديان، وخاصة الإسلام، ضد الدعارة، وكل ما يضرّ بالفرد، أو الأسرة، أو المجتمع. فالإسلام أعلى شأن المرأة وكرمها، ويأبى أن تُتَّخَذ سلعة أو متعة.

  خامسا: الدعارة الخفية في المجتمع الجزائري: دراسة أنثروبولوجية للظاهرة في مدينة وهران

تعدّ ظاهرة الدعارة بصفة عامة، و الدعارة الخفية بصفة خاصة، من الظواهر الاجتماعية التي يتجنب الجميع الحديث عنها وطرحها كموضوع للمناقشة، فتواصل وجود هذه الظاهرة في المجتمع دون تسليط كثير من الضوء عليها، و على أسباب وجودها، و دوافع استمرارها، و ترجع قلة الدراسات الاجتماعية في الجزائر حول هذا الموضوع إلى تخوف الباحث نفسه من المجتمع الذي يحكم على هذه الظاهرة بالرفض و القمع بشتى أنواعه، هذا ما لمسناه شخصيا من خلال البحث الميداني الذي قمنا به أثناء إعداد مذكرة الليسانس، وتواصل معنا في البحث الميداني الذي قمنا به لإعداد رسالة الماجستير، حيث حكم علينا مسبقا و دون سابق معرفة بمهمتنا كباحث اجتماعي بأننا أصبحنا نمارس الدعارة، أو على الأقل لنا علاقة من قريب أو من بعيد بها.

الإشكالية

2ومن منطلق أن المجتمع الجزائري الذي يدين أغلبية أفراده بالدين الإسلامي، يقمع هذه الظاهرة و يحرمها إذ جاء في القرآن الكريم:

  • 1 الآية 33 سورة النور.

“و لا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا و من يكرههن فإن الله بعد أكراهن غفور رحيم1

  • 2 الآية 18 سورة مريم.

و قالت أنّى يكون لي غلام و لم يمسسني بشر و لم أكن بغيا”2

  • 3 الآية 27 سورة مريم.

“يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء و ما كانت أمك بغيا”3.

  • 4 قانون العقوبات الجزائري، الديوان الوطني للأشغال التربوية،1991، ص.93.

3وفي الوقت نفسه نجد القانون الجزائري في قسمه المتعلق بالآداب العامة، يؤيد الشريعة الإسلامية في حكمها على ظاهرة الدعارة، وذلك ما نفهمه من خلال الفقرة الأولى من المادة 333 من القسم السادس المتعلقة بانتهاك الآداب و جاء فيها: “يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين و بغرامة مالية من 500 إلى 2000دج كل من ارتكب فعلا مخلا بالحياء”4، و نفهمه أيضا من المادة 339 من نفس القسم (السادس) و الفقرة الأولى من المادة 348 من القسم السابع الخاصة بتحريض القصر على الفسق و الدعارة .

4ومع هذا تأخذ الدعارة ممارسة في المجتمع الجزائري شكلين مختلفين، دعارة رسمية تحاول السلطات معالجتها بتخصيص مراكز خاصة لممارستها، بغرض حصرها جغرافيا و مراقبتها صحيا، و دعارة خفية تمارس سرا و خلسة عن مصالح المراقبة، على رأسها الشرطة في المدن و الدرك في الأرياف، و تتخذ أماكن مختلفة لممارستها كما تتوفر على عنصر الابتعاد عن الأنظار.

5هذا التناقض الذي يتجسد في رفض مقومات المجتمع لهذه الظاهرة من جهة، و وجودها من جهة أخرى، بلور لدينا مجموعة من التساؤلات التي ترمي إلى فهم أسباب تواجد الدعارة الخفية في المجتمع الجزائري، و كذا الاستفسار عن أسباب استمرارها، و كيف استطاعت التعايش مع التغيرات التي مست أكثر من مستوى يخص الحياة الاجتماعية، كذلك ما هي التمثلات التي تحملها المومس، و هي المرأة التي تمارس الدعارة حول التنشئة الاجتماعية، وضعيتها كامرأة في المجتمع، المكانة الاجتماعية للرجل، و تمثلاتها حول جسدها؟ هذا ما حاولنا التوصل إليه من خلال البحث الميداني الذي اخترنا وهران كميدان له باعتبارنا نعيش في هذه المدينة.

6و إجابة عن إشكالية البحث قدمنا فرضيتين اثنتين:

  • 5 Dr Duchesne, De la prostitution dans la ville d’Alger depuis la conquête, Paris, 1853, p.36.
  • 6 Extract from Simone De Beauvoir, Le deuxième sexe II, Paris, Gallimard, 1947, Page numbers refer to (…)

المجتمع الجزائري على غرار عدد من المجتمعات العربية، يبدي تمسكا بجملة سلوكات يعتبرها تقليدا يصعب التخفيف من حدته أو التخلي عنه، و من هذه السلوكات تفرقته غالبا في التنشئة الاجتماعية بين الأولاد و البنات5، فالولد في الغالب أفضل من البنت، حتى و هما مقارنين من الناحية الفيزيولوجية الأولى لحظات فقط بعد ولادة كل منهما، بدليل الفرحة العارمة بالمولود الذكر مقارنة بالمولود الأنثى، و تتواصل هذه النظرة التفضيلية إلى سنوات متقدمة من عمرهما فالولد رغم قيامه بتصرفات غير لائقة يبقى أحسن من البنت، و ترسخ هذه التصورات و تشبّع أغلبية أفراد المجتمع بها يلازم المرأة عبر صيرورتها الحياتية و يؤثر عليها6، فيوجهها إلى عالم الدعارة عندما يكون التأثير قويا و مباشرة يحكم عليها المجتمع بالسلبية.

7ومن جهة أخرى تدفع التبعية الاقتصادية بالمرأة المتزوجة إلى زوجها بعد وقوع الطلاق و منحه حق الاحتفاظ بسكن الزوجية بناء على قانون الأسرة بعض النساء المطلقات إلى ممارسة الدعارة.

  • 7 Bianquis-Gasser, Isabelle, Dictionnaire des méthodes qualitatives en sciences humaines, sous la dir (…)
  • 8 Ibid, p. 67.

8و محاولة منا لإجراء دراسة أنثروبولوجية ميدانية لأنها الأنسب لدراسة مجموعة مغلقة مثل مجموعة النساء اللائي يمارسن الدعارة، حيث اخترنا مصطلح: المومسات، و المفرد مومس للتعبير عنهن، فقد استعملنا مجموعة من التقنيات وجدناها الأنسب للوضعية التجريبية7، التي أمامنا و قد استهليناها بالاستطلاع الأولي للميدان، ثم تحوّلنا من الاستطلاع السطحي العام إلى التحقيق الميداني المعمق، حيث عملنا توازيا مع عملية البحث عن المبحوثات، على الملاحظة و الاستماع لكل صغيرة وكبيرة حول الموضوع مما سمح لنا بالاحتكاك بالمبحوثات، و الإنصات لطريقة كلامهن و التمعن في حركة أجسادهن حتى نحاول تغيير طريقتنا في الكلام و الحركة إلى ما يشبه أو يقترب من طريقتهن بهدف الحصول على ثقتهن كاملة، و ضمان الحضور الضروري مع المبحوثات و ملاقاتهن مباشرة، و هذا ما يصطلح عليه بالتواطؤ المراقب8.

9استعملنا كذلك تقنية الملاحظة المباشرة أو تحديدا الملاحظة بالمشاركة، و مهدت لنا المعطيات الّتي جمعناها و النسبة المتقدمة الّتي توصلنا لها في البحث، استعمال تقنية المقابلة نصف الموجهة، تتكوّن من أربعين سؤالا مفتوحا مقسمة إلى ثلاثة محاور، يتعلق الأول بكيفية التحاق المرأة بعالم الدعارة ويخص الثاني الممارسات اليومية للمومسات أما الثالث فيخص تصورات المومس لذاتها و لجسدها وللمجتمع.

  • 9 Mauss, Marcel, Manuel d’ethnographie, édition Payot, 1947, p. 1.

10و للتعرف أكثر و عن قرب على المبحوثات أجرينا تقنية دراسة الحالات و فضلنا استعمال المنهج الوصفي الإثنوغرافي الذي يقول عنه مارسال موس: “إن الطريقة الإثنوغرافية الوصفية يجب أن تكون ميثاقية ( من الميثاق) و تاريخية و إحصائية و روائية، و من هنا لا يمكن للحدس و لا للنظرية أن تؤثر هنا”9، كما بدا لنا من التقصير عدم التطرق إلى فضاءات ممارسة الدعارة الخفية فحاولنا على هذا الأساس إجراء دراسة أنثروبولوجية لثلاثة نماذج منها.

11استغرق جمع عناصر العينة مرحلة مهمة من البحث، حيث اعتمدنا على وسطاء أغلبهم من محلات الأكل السريع، و قاعات الحلاقة و تطلب الاقتراب الأول من المبحوثات من ساعات معدودة إلى أسابيع مطولة، حسب كل مبحوثة فهناك من قبلت بوجودنا بسهولة، و هناك من ابتعدت عنا تماما حتى قبل أن تعرف هويتنا و مهمتنا، ليصل مجموع المبحوثات لدينا في مرحلة متقدمة من البحث إلى 53 عنصرا، لكن مع نهاية التحقيق الميداني لم نتمكن من الاحتفاظ سوى بأربعين عنصرا، و ذلك لتغيير عدد من المبحوثات مكان عملهن و اعتذار عدد آخر منهن على عدم مواصلة البحث معنا دون ذكر الأسباب.

12المبحوثات الأربعون أعمارهن تتراوح ما بين 1652 سنة أغلبهن من ذوات الـ25 إلى 35 سنة ينحدرن بنسبة عالية من الريف قدمن إلى وهران من وسط البلاد، غربها، شرقها و من الجنوب بنسبة محدودة للغاية، أغلبهن مطلقات أو أرامل، التحقن بعالم الدعارة بسبب الفقر أو وفاة الزوج أو بسبب الطلاق، و هناك أسباب أقل تأثيرا و هي الاغتصاب و فقدان العذرية أو الهروب من المنزل.

13أما عما تمثله الدعارة في حياة المومسات فأشارت الدراسة إلى أنها طريقة انتقام من المحيط و المجتمع بالدرجة الأولى، و إنها المصدر الوحيد للقوت ثانيا، كما أن هناك من ترى بأنها الاستمرار في الخطيئة ونسبة أقل منها تراها قضاء و قدرا.

  • 10 ويلسون، كولن، أصول الدافع الجنسي، ترجمة يوسف شرور و سمير كتاب، منشورات دار الأدب، ط.2، بيروت، 1972، (…)
  • 11 ياسين، بوعلي، الثالوث المحرم دراسة في الدين و الجنس و الصراع الطبقي، ص.6.

14و فيم يتعلق بمميزات العلاقة الجنسية مع المومس فقد تأكد لدينا ميدانيا، ما توصل إليه الباحثون في علم النفس الجنسي من أن بعض النساء تتوفرن على صفات طبيعية، فيزيولوجية، و نفسية تجعلهن جاهزات لممارسة الدعارة و ما العوامل الخارجية إلا منبهات و مثيرات، و هذا ما يفسره الباحث كولن ويلسون حين يتحدث عن الغريزة الجنسية فيقول: “هي أشبه بكيان يحمله الإنسان معه و لا يعيه أو يفهمه في الغالب”10، ففي دراستنا و جدنا أغلبية المومسات يتميزن بشراهة جنسية يصعب على الكثيرات منهن التحكم فيها، كذلك معظمهن يشعرن بلذة جنسية جزئية لأنهن لا تشعرن بالهدوء النفسي المفروض حدوثه عند إتباع جميع مراحل السلوك الجنسي في شكله السوي الّذي يقول عنه الباحث بوعلي ياسين: “إن الإرضاء التام للحاجة الجنسية لن يكون إلا باجتماع الشهوة و الحب في آن واحد”11.

15و عن علاقتهن بالزبائن قبل الممارسة الجنسية، فان معظمهن يعتمدن على وساطة القوادين في الاتصال بالزبون، بينما تعتمد المومسات الأكثر شبابا و جمالا على إمكاناتهن الخاصة في الاتصال بالزبون، و التواصل الذي يحدث بينهما يكون في الغالب كلاما من أجل الكلام فقط، فالزبون يريد تجاهل همومه و مشاكله و هي تحرص على أن يعود إليها من جديد و على كسبه كزبون دائم، و معظم ممارسات السلوك الجنسي تتم في بيوت خاصة، يملكها المسير أو القواد بالنسبة للمومسات اللائي يعتمدن على الوساطة، و تفضل المومسات اللائي تتصلن بالزبون بأنفسهن ممارسة الدعارة في الفنادق بحثا عن حياة الترف، و في بيوتهن الخاصة لتوفر عنصري الأمن والثقة، و فيما يتعلق بنظرة الزبون إليهن فإن معظم المومسات يجمعن على أنها عادية، بينما تلمس فيها مومسات أخريات الإحساس بالشفقة و لا تغيب نظرة الاحتقار و الازدراء من كلام و تصرفات بعض الزبائن.

  • 12 السيد، رضوان، الفقيه و المرأة الرؤية الإصلاحية و التأصيل الإحيائي، ص.89.

16كما تبين من خلال الدراسة دائما أن المومسات يحملن نظرة تفاؤلية حول مكانة المرأة في المجتمع الجزائري مستقبلا، بالقياس مع الشروع في تعديل قانون الأسرة في مواده التي سبق و إن ظلمت المرأة على حد تعبير المومسات، و عن الرجل فهو في تصورهن شريك اجتماعي دون المستوى إذ أكدن احتقارهن له و استيائهن منه، نظرا لتسلطه و ظلمه من جهة و نظرا للعرف والتقاليد السائدة في المجتمع، و التي جاءت حسب المومسات دائما لخدمة الرجل و عدم معاقبته أو حتى مواجهته بعيوبه و أخطائه، على عكس المرأة التي تقيدها هذه التقاليد و الأعراف حتى تشعرها بالضغط والاختناق، و متى حاولت التخفيف من حدة ذلك عوقبت بالنظرات و الأحكام المسبقة قبل أن يسمع لتبريراتها و دوافعها حيث يقول الأستاذ رضوان السيد: “كل من قاسم أمين و محمد الغزالي في آخره، يرى أن النص الإسلامي (القران و السنة) و التاريخ الإسلامي، يتعاملان مع المرأة باعتبارها ذاتا بشرية مصونة و كريمة، و باعتبارها كائنا اجتماعيا مساويا للرجل في الحقوق والواجبات، و كلاهما يرى أن العلة في “التقاليد الراكدة” التي سيطرت في “عصور الانحطاط” فاستعبدت الرجل و المرأة على حد سواء، من حيث أرادت أن تضع الرجل في موقع السيد و المرأة في موضع التابع و الرقيق”12.

  • 13 المرنيسي، فاطمة، السلوك الجنسي في مجتمع إسلامي رأسمالي تبعي، ص.86.

17و نظرة المومسات لأجسادهن عموما غير عادية إذ يجعلن منه عاملا للتفاخر و الغرور، أو يستخدمنه كوسيلة للانتقام من الأسرة و المجتمع ككل، خاصة و أن العذرية أو البكارة كما تصنفها فاطمة المرنيسي: “البكارة تمثل كرامة الرجل و هي أكثر شيء قد يهزه، و ما المرأة إلا وسيط يدل على رجولة و شهامة من رباها ومن سيتزوجها”13 أما عن الأمراض الجنسية و إمكانية تسببها في القضاء على حياتها اكتشفنا أن الصحة و الوقاية هاجس حقيقي لعدد مهم من المومسات، ومومسات أقل يتعمدن تجاهل ذلك و كأنهن يتهربن من حقيقة ما، في حين تستغل مومسات أخريات إصابتهن بهذه الأمراض لنقل العدوى إلى الزبائن كشكل من أشكال الانتقام من عنصر الرجال و من المجتمع ككل.

18و بخصوص مكانتهن الاجتماعية، بينت الدراسة أنهن غير مرتاحات نفسيا و يرفضن تحمل مسؤولية هذه الوضعية بمفردهن و يؤكدن أن أسرهن و المجتمع ككل مسؤول، فهما لم يقوما بدورهما حين كانت في أمس الحاجة لذلك أثناء سنوات سابقة من عمرها، و أبدت المومسات كذلك استعدادهن للعب أدوار اجتماعية مغايرة و أقربها إليهن كممارسة الغناء و الرقص.

19كما أجرينا دراسة أنثروبولوجية لثلاثة نماذج من بيوت الدعارة و كان النموذج الأول شقة في وسط المدينة بها 12 مومسا تستقبلن يوميا من 20 إلى 45، زبونا النموذج الثاني يقع ضمن البيوت المصنفة بالفوضوية عبارة عن “حوش”، كان ملهى ليليا تنشط فيه فرقة “القصاصبة” مرفوقة براقصة و شيئا فشيئا أصبح المكان يستقطب العشاق (les couples) مقابل تسديد 1000دج لكل ساعتين يقضيانها داخل إحدى الغرف أما النموذج الثالث فهو عبارة عن “فيلا”، تتولى صاحبتها مهمته الاستجابة لطلبات الزبائن التي تكون عن طريق الهاتف وكذا مهمة تعيين المومس المطلوبة لتخرج للقاء الزبائن في الخارج، و ما يميز النموذج الثالث هو أنه يؤدي دور مكتب التوظيف إذ لا يمارس فيه الجنس.

خاتمة

  • 14 Largueche, Abdelhamid et Dalida, Marginales en terre de d’Islam, p.10.

20توصلنا من خلال المراحل المختلفة لهذا البحث إلى عدة استنتاجات، قد لا تكون معبّرة باعتبار أنها شملت عينة تتألف من أربعين عنصرا، إلا أننا حاولنا بالاعتماد عليها إلقاء نظرة موضوعية على هذه الظاهرة التي لا يمكن تجاهل وجودها في المجتمع الجزائري، و لا في المجتمعات الأخرى، فالدعارة شر لا بد منه لتوازن المجتمع14 و فيما يخص الأسباب المباشرة التي كانت وراء تحولهن من نساء عاديات إلى مومسات كشفت لنا الدراسة أن الفقر هو العامل الأساسي في ممارسة الدعارة فالمرأة المطلقة، و المرأة الأرملة، غالبا ما تجد نفسها في مواجهة مشكل إعالة أبناءها و إيوائهم، و عندما لا تملك المؤهلات الكفيلة بتأمين عمل بسهولة و في أقصر وقت، تلجأ غالبا إلى أسهل حل وأسرعه فتمارس الدعارة.

  • 15 الصوفي ريشارد، جمانة، مشاركة المرأة الجزائرية، انطلاقة المواطنة، كتاب المتخصص باحثات، بيروت، العدد4 (…)

21و ما استطعنا استخلاصه من الدراسة كذلك هو الافتراض شبه الأكيد الذي أجمعت عليه المومسات وهو أن 90% من المطلقات مستقبلا لن يتجهن إلى الدعارة، و ذلك بتطبيق المواد المعدلة من قانون الأسرة لا سيما تلك المتعلقة بالطلاق و الحضانة، لأن قانون الأسرة في شكله الأول كان غير منصف لا لها و لا لأولادها الذين هم في حضانتها، و هذا ما تفسره الباحثة جومانا الصوفي ريشارد: “إن المرأة الجزائرية كافحت كمجاهدة في خندق واحد مع الرجل، لكنه استغنى عنها بعد الاستقلال، كفل لها الدستور بعد ذلك حقها في المساواة، و من ثمّ قيدها النظام السلطوي بواسطة “قانون الأسرة” فوجدت نفسها “سجينة” المفارقة الموجودة ما بين الدستور الذي يقر حقوقها و بين قانون الأسرة الذي يقيّدها”15.

المصادر والمراجع

  1. محمود عبد الرحمن حموده، “الطب النفسي، النفس أسرارها .. وأمراضها”، المؤلف، القاهرة، 1997، الطبعة الثالثة.
  2. Principles of Internal Medicine, 14th Edition, Section 8, Published by McGraw-Hill.
  3. كلثومة بولخضراتيباحثة دائمة بالمركز الوطني للبحث في الانثروبولوجية الاجتماعية و الثقافية وهران . CRASC

المصدر: موقع المقاتل

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى