دراسات سوسيولوجية

دراسة حول الهوية والثقافة والعلاقة بينهما

وبناء على ذلك فإن لكل أمة هويتها التي تميزها عن غيرها,قال تعالى:” {وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا} “سورة الحجرات 49,وقال سبحانه “{لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} “سورة المائدة 48.
وقد تم تلخيص المفردات التالية الثقافة والهوية/ المفاهيم الموضوعية والذاتية /المفهوم العلائقي والظرفي /الهوية شأن من شؤون لدولة/الهوية ذا الأبعاد المتعددة /الاستراتيجيات الهوياتية/حدود الهوية.
أولا :الثقافة والهوية :
بعد النجاح الذي شهده مفهوم ” الثقافة ” , ظهر مفهوم آخر وهو مفهوم ” الهوية ” , ويتميز هذا المفهوم بأنه :
1/ غالبا مايرتبط بمفهوم ” الثقافة” فنقول ” الهوية الثقافية” .
 2/ أنه شاع استخدامه تدريجيا مما أدى إلى أن يصفه بعض المحللين بأنه ” موضة ” .
إن الشكل الهوياتي الحديث هو امتداد لظاهرة تمجيد الاختلاف التي انبثق في السبعينات كنتيجة للتحركات الإيديولوجية[1] المتنوعة , أي المتناقضة , سواء كالت المديح للمجتمع المتعدد الثقافات من جهة , كالمجتمع الأمريكي , أو نتيجة لمقولة ” ليبق كل منا في بيته محافظا على هويته ” من جانب آخر .
وعلى الرغم من كون مفهوما ” الثقافة والهوية الثقافية ” مرتبطان بمصير واحد إلا أنهما ليس من السهل الخلط بينهما , بل هناك فروق يمكن إيرادها على النحو التالي :
1/ يمكن للثقافة أن تعمل بدون وعي للهوية بينما يمكن لاستراتيجيات الهوية أن تعالج الثقافة أو تغيرها وبالتالي لايبقى هناك شئ مشترك مع ما كانت عليه في السابق .
2/  تنشأ الثقافة في جزء كبير منها عن عملية لا واعية أما الهوية فتحيل إلى معيار انتماء يجب أن يكون واعيا لأنها أي الهوية تقوم على تعارضات رمزية.
ولقد تحولت فكرة ” الهوية الثقافية” في الولايات المتحدة الأمريكية  إلى مفهوم في نهاية الخمسينيات , وكان ذلك بمساعدة عوامل أهمها  : تعدد الأقليات التي نشأت بسبب الهجرة , منها أقلية ” السود ” .
مفهوم الهوية في علم النفس الاجتماعي :
1/ أداة تسمح بالتفكير في العلاقة المفصلية بين الجانب النفسي والمعرفي عند الفرد .
2/ أنها حصيلة التفاعلات المتبادلة بين الفرد ومحيطه الاجتماعي القريب والبعيد .
و يقول مارتي : (أما من الوجهة النفسية فإن الهوية توازي الجواب على السؤال التالي : من أنا وما سأكون وما سيكون عليه دوري  في الحياة وفي المجتمع)
وللهوية مستويات منها :
 أولا : الهوية الاجتماعية للفرد , وهي :
1/  تتميز بمجموع انتماءاته في المنظومة الاجتماعية كالانتماء إلى طبقة أو جنسية أو عمرية .. إلخ  .
2/ تتيح للفرد التعرف على نفسه في المنظومة الاجتماعية وتمكن المجتمع من التعرف عليه .
 فالفرد داخل الجماعة الواحدة، قبيلة كانت أو طائفة أو جماعة مدنية (حزبا أو نقابة الخ…)، هو عبارة عن هوية متميزة ومستقلة. عبارة عن “أنا”، لها “آخر” داخل الجماعة نفسها , وهذه الفردية التي يعتبرها مارتي من الناحية المدنية الاجتماعية تلخص فردية الشخص ببطاقة هويته ( الاسم ، الكنية ، ومحل الولادة ، وتاريخها ، والوضع المدني ..الخ ) ونجد أن فلسفة الحياة مطلب يتميز به الإنسان عن غيره من المخلوقات الأخرى ، ذلك أن الله عز وجل ميزه بالعقل والإرادة في اختيار ما ينفعه أو يضره ، حيث أن لكل إنسان هوية يختلف بها عن غيره من بني جنسه في درجة استوائها ومناسبتها للمعايير النموذجية للهوية السوية .
حيث يقول ربنا عز وجل  ( ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها ) فالهوية تعني تعريف الإنسان لنفسه فكراً وثقافة وأسلوب حياة .
ثانيا :المفاهيم الذاتية والموضوعية للهوية:
المفهوم الموضوعي:
التصور الوراثي:
قالوا أن الهوية الثقافية تأتينا بالوراثة ولا يمكننا الهروب منها,و الهوية معطى من شأنه أن يحدد الفرد بشكل نهائي ويطبعه بطابع منه لا يقبل الجدل,بمعنى آخر قد تكون الهوية سابقة على الفرد الذي لا يسعه إلى الانضواء فيها وإلا سيعد هامشياً.
تصور الدراسة الثقافوية :
لا تستند على إرث بيولوجي كما في التصور الوراثي,ولكن على إرث ثقافي وهي نفس ذات النتيجة , فالفرد لا يستطيع الانضواء إلى هذه النماذج الثقافية المفروضة عليه,فهو لا يستطيع إلا التماهي بجماعته الأصلية .
النظريات الأولية:
الهوية العرقية ـــــ الثقافية هي هوية أولية أساسية ,لأن الانتماء للمجموعة العرقية هي أول الانتماءات الاجتماعية وأكثرها جوهرية .
نقد المدافعين عن المفهوم الذاتي لظاهرة الهوية تعريفات الهوية نقداً شديداً:
أن الهوية ليست مكتسبة بشكل نهائي.
أن النظر إلى هذه الظاهرة على هذا النحو يعني عدها بمثابة ظاهرة سكونية جامدة محددة بشكل ثابت .
المفهوم الذاتي :
يرى الذاتيين أن الهوية العرقية ــــــ الثقافية ليست سوى شعور بالانتماء و التماهي في جماعة خيالية إلى حد ما.
وقد نقد هذا على أنه رؤية متطرفة تؤدي إلى اختزال الهوية مجرد مسألة اختيار فردي عشوائي بحيث يكون كل منا حراً في تماهياته .
وإن كان من فضيلة للتعريف الذاتي فهي توضح الطابع المتغير للهوية.
ثالثا : المفهوم العلائقي و الظرفي :
 مما يتكون بناء الهوية :
الهوية بناء يتكون ضمن علاقة تضع إحدى المجموعات في مقابل مجموعات أخرى على تماس معها ، و هي حصيلة التفاعلات المتبادلة بين الفرد و محيطه الاجتماعي القريب و البعيد ؛ لهذا كان تناولها من خلال السياق العلائقي[2] هو وحده القادر على تفسير الهوية و سبب رسوخها في فترة معينة و كبتها في أخرى ؛ إذ أن تكون الهوية يتمتع بفاعلية اجتماعية و له آثار اجتماعية حقيقية .
مفهوم الهوية عند بارث :
يعد بارث مفهوم الهوية هذا بمثابة تجل علائقي يسمح بتجاوز خيار الموضوعية / الذاتية .. فهو يرى أن البحث معني بفهم ظاهرة الهوية في نظام العلاقات القائمة بين الجماعات الاجتماعية ، و هو يعد الهوية شكلا من أشكال التقسيم إلى فئات ، و ما يهمنا هو البحث في السمات التي يستخدمها أعضاء المجموعة لتأكيد التميز الثقافي و المحافظة عليه .. كما يرى بارث أن أفراد المجموعة لا يمكن إدراكهم على أنهم محددين بشكل مطلق من خلال انتمائهم الثقافي ، لأنهم هم الممثلون الذين ينسبون الدلالة إلى هذا الانتماء تبعا للحالة العلائقية التي يجدون أنفسهم فيها ، و هذا يعني أن الهوية تتشكل و يعاد تشكيلها باستمرار من خلال التبادلات الاجتماعية .
ماهي الهوية :
الهوية عبارة عن حل وسط ، و يمكن القول أنها عملية تفاوض بين هوية ذاتية تتحدد بذاتها و هوية متعددة أو هوية خارجية يحددها الآخرون .[3]
الهوية المتعددة :
يمكن للهوية المتعددة[4] أن تقود إلى تماثلات متناقضة ، ففي أمريكا اللاتينية ، في نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين ، كان يشار إلى المهاجرين السوريين و اللبنانيين على أنهم أتراك ؛ لأنهم دخلوا بجوازات سفر تركية ، في الوقت الذي كانوا يرفضون أن يكونوا أتراكا .
الهوية السلبية :
نظرا لأن الأغلبية تعرف الأقلية على أنها مختلفة بالنسبة للمرجعية التي تشكلها هذه الأغلبية ، فإن الأقلية لا ترى في نفسها إلا اختلافا سلبيا ، إذ أنها مرتبطة بقبول صورة الذات التي كونها الآخرون عنهم ، عندها تبرز الهوية السلبية[5] كهوية تدعو للخجل ، و تكون مكبوتة إلى حد ما ..و هو أمر غالبا ما يتبدى على شكل محاولة لإلغاء العلامات الخارجية للاختلاف السلبي .
تساؤل : هل مانراه من العرب عندما يذهبون إلى الغرب من محاولة محاكاتهم و إلغاء الشكل الخارجي لهم يعتبر إخفاء للأنا .
نعم إلغاء شكل العلامات الخارجية هو إلغاء لشكل الأختلاف السلبي . فمثلا عندما يلبس العربي اللبس الأفرنجي ويحاول يظهر بشكل المجتمع الذي أنتقل إليه أما لو لبس في المقابل الثوب عرف أنه ينتمي إلى هوية آخرى ، فيخاطب الآثار السلبية لهويتة السابقة .
لماذا لانراه عندهم عندما يأتون إلى بلادنا ؟
لأنه مجتمع يحس بالأناء ، يحس بالأرتفاع ، ويحس أنه قدوة ، ولأن هويته غير سلبيه ، ويرى أنها ممدوحة ويطمح الناس أن يكونوا مثلهم فلايهمهم تغيير هذه المظاهر .إيضاً مثل العربي أيام ظهور الحضارة كانت هي النموذج الحضاري آنذاك فإذا كانت الأمة صاحبة نموذج حضاري فأنها لا تخفي هويتها وأفرادها لايلجئون لأخفاء هويتهم لأنهم يعتبرون أنهم قدوة .أما الذي ينظر لسمات هويته نظرة تخلف فأنه يحاول أن يخفي هذه السمات وأخفاء هويته الأصلية .
تساؤل آخر :- المسلمون في باكستان وشرق آسيا وغيرهم إذا قدموا إلى بلاد الحرمين فأنهم يلبسون الزي السعودي لحبهم للبلاد هل هذا يعتبر هوية سلبية ؟
لا .إذا كان رغبة في التماهي مع الثقافة وحباً لها فأنه يختلف مع ممن يخفي هويته الأساسية فهذه حالة وتلك حالة . فهو تماهي إيجابي لأنه يعتز بثقافته الأصلية ويتماهى مع الثقافة الآخرى .
جماعة الهومونغ :
مع هذا يمكن أن تساهم حالة العلاقات القائمة بين الأعراق في تبديل هذه الصورة السلبية التي تكونت عن مجموعة معينة .. كما حدث مع الهومونغ الذين لجؤوا من لاوس إلى فرنسا في السبعينات ، حيث كانوا يشكلون في لاوس أقلية عرقية مهمشة جدا ، و كانت الأغلبية المسامة بـ ( اللاو ) تطلق عليهم اسم ( ميو ) و ترادف كلمة ( ميو ) كلمة ” متوحش ” أو ” متخلف ” .. و ما أن وصلت تلك الأقلية إلى فرنسا حتى فرضت نفسها على المستوى الوطني تحت اسم ( الهومونغ ) الذي يعني بلغة تلك الأقلية ” إنسان ” ، كما فرضت صورة إيجابية لأبنائها كمشاركين مثل غيرهم من لاجئي جنوب شرق آسيا ؛ فأصبحوا مساوين اجتماعيا للويين و الصينيين اللاووسيين الذين لم يكونوا يكنون لهم في لاوس سوى الاحتقار .
تعليق الدكتور : معنى هذا إن الهوية خاضعة للإدرادة بحيث يمكن أن تكيف بطريقة معينة . مثلا: نلاحظ العالم الإسلامي حصل فيه هزة للهوية الإسلامية وحصل هناك نوع من الإرتداد واعتناق أفكار مخالفة ثم جاءت النهضة الإسلامية وأحيت الهوية الإسلامية ، فنحن الآن في مرحلة أهتزاز مرة آخرى ، مرحلة تساؤلات . لماذا نحن متخلفون ؟ لماذا نحن بهذا الشكل ؟ من نحن ؟
جماعة الواسب :
إن الهوية تشكل رهان صراعات طبقية ؛ إذ لا تملك المجموعات كلها قوة التماثل نفسها ، لأن قوة التماثل هذه ترتبط بالوضعية التي تحتلها في منظومة العلاقات التي تربط المجموعات فيما بينها ، و لا تملك المجموعات السلطة كلها لتسمي نفسها و تسمي غيرها .. بل إن من يملك السلطة الشرعية ، أي السلطة التي تمنحها القوة هو القادر على فرض تعريفه لنفسه و لغيره .. كما نرى في الولايات المتحدة الأمريكية ؛ فإن الجماعة المهيمنة هناك المسامة بالـ ( واسب ) و هم البيض الأنجلوساكسون البرتستانتيون ، يقومون بتصنيف الأمريكين الآخرين في فئة المجموعات العرقية أو فئة المجموعات السلالية إلى الفئة الأولى ينتمي المنحدرون من مهاجرين أوربيين من غير الواسب ، و إلى الثانية ينتمي الأمريكان الملونون ( سود و صينيون و يابانيون إلخ ) . و هكذا فإن القدرة على التصنيف تؤدي إلى عرقنة المجموعات التابعة ، و هذا ما يشكل ذريعة لتهميشهم و جعلهم أقلية ، و في هذا تأكيد لهوية شرعية هي هوية المجموعة المهيمنة .
النتيجة :
إذا ما أدركنا أن الهوية رهان صراع ؛ فإنها تبدو قضية إشكالية ، و بالتالي علينا ألا ننتظر تعريفا صحيحا غير قابل للنقض لهذه الهوية الثقافية أو تلك .. بل إن دور رجل العلم يقع في تفسير عمليات التصنيف دون الحكم عليها ؛ فيوضح المنطق الاجتماعي الذي يقود الأفراد و الجماعات إلى تحديد أو وضع جماعة في فئة معينة و تصنيفها بهذه الطريقة و ليس بطريقة أخرى .
رابعا : الهوية شأن من شؤون الدولة :
مع نشوء “الدول-الأمم”[6] الحديثة أصبحت الهوية شأناً من شؤون الدولة: حيث أصبحت الدولة  تتصرف بالهوية وتديرها بأن تضع لها قواعد وضوابط وترتيبات.
تتجه الدولة الحديثة إلى توحيد الهوية وذلك بأحد طريقين:
– أن لا تعترف إلا بهوية واحدة كما هو الحال مع فرنسا.
تعليق الدكتور :- فرنسا سياستها الأدماج فلاتريد أن تظهر إلا الهوية الفرنسية ، لذالك تحاول إدماج ثقافات المهاجرين مع الثقافة الفرنسية ، مثل : معركة الحجاب ، فهم يعتبرون الحجاب منتهك لوحدة الثقافة الفرنسية ، وأنه يعمل على عدم إندماج الثقافة الفرنسية ، فحاولوا بذلك منعه .
– أن تقبل بتعددية ثقافية معينة ثم تحدد هوية مرجعية تكون هي الهوية الشرعية الوحيدة كما هو الحال مع الولايات المتحدة.
الهوية الوطنية المتعصبة (الأيدلوجيا القومية): هي دولة إيديولوجية تقوم على استبعاد الاختلافات الثقافية وإقصائها، ويقوم منطقها المتطرف على منطق “التطهير العرقي”[7].
تضاءلت حرية الأفراد تدريجياً في القيام بتحديد هويتهم إذ إن بعض الدول التي تضم أعراقاً متعددة تفرض على رعاياها ذكر “الهوية العرقية-الثقافية أو الدينية” على بطاقة الهوية وإن كان البعض لا يجد نفسه ضمن هذا التصنيف.. مما يؤدي إلى نتائج مأساوية كما حدث في النزاع اللبناني والنزاع الراوندي[8].
مثال : النزاع اللبناني كان الصراع والقتل على حسب الهوية .
إن الأقليات التي أُنكرت هويتها أو تم التقليل من شأنها تنامت مطالباتها في كثير من الدول المعاصرة، وأصبحت تسعى في الغالب وسائل تسمح بتحديد هويتها[9].
إن الإحساس بالظلم الاجتماعي يشعر ضحايا التمييز بضرورة الانتماء إلى الجماعة  التي يكتسب التماهي معها قوة مطالبة أكبر من أجل الحصول على الاعتراف.
إن حصر الأفراد داخل هوية عرقية-ثقافية تتجاهل الهويات الاجتماعية الأخرى للفرد يؤدي إلى نشوء “هوية مناضلة”[10].
خامسا: الهوية ذات الأبعاد المتعددة :
يؤكد المؤلف أن كل فرد يحمل هوية واحدة.
 يرفض المؤلف وصف “هوية” الأفراد المهاجرين بأنها “هوية مزدوجة” وإنما يصفها بأنها “هوية تلفيقية” أو “هوية مختلطة”، وذلك لأن هؤلاء الأفراد ـ حسب وصف المؤلف ـ لا يحملون هويتين متضادتين/ متواجهتين[11] وإنما يصنعون هوية واحدة انطلاقاً من انتماءاتهم الاجتماعية(الجنس والعمر والطبقة الاجتماعية والجماعة الثقافية).
 أن الفرد يدمج في ذاته هوية متعددة الأبعاد نتيجة للاختلاط الثقافي، لكنها لا تفقد وحدتها.
سادسا : الإستراتيجيات المتعلقة بالهوية :
مفهوم استراتيجيه الهوية:
هي أن الهوية بمثابة وسيله لبلوغ هدف معين فبلوغ الهدف المعين يحتاج إلى تخطيط ،وبالتالي فهي ليست مطلقه بل نسبيه.
السبب في صعوبة حصر الهوية وتحديدها : لأنه يعود إلى طابعها الديناميكي[12] المتعدد الأبعاد
 لماذا يلجأ بعض المؤلفين إلى استخدام مفهوم استراتيجيه الهوية؟ لكي يشيروا إلى البعد المتغير للهويه.
الأمور التي تجب على الاستراتيجيات مراعاتها : وهي أن تأخذ الحالة الاجتماعية بعين الاعتبار، وعلاقة القوة القائمة بين الجماعات ومناورات الآخرين  وغير ذلك.
لماذا يقول (ديفيروا)في الهوية بأنها أداه وأنه لا يمكن للجماعات والأفراد أن يفعلوا ما يحلولهم بالهوية؟
لأن الهوية ناتج عن تحديد شخصيه معينه يفرضها الآخرون على المرء وعلى التحديد الذي يؤكده الإنسان لنفسه.
كيف يمكن أن تستخدم الهوية كأداة للمناورة[13]؟
سبق أن عرفنا استراتيجيه الهوية ويفهم من معناها بأن البعض يطمس الهوية التي يزعمها الفرد للهروب من التمييز ومن المنفى أو حتى من المذبحة.
مثال :- حيث يوجد حالة تاريخيه فريدة تمثل هذه الحالة الإستراتيجية هي حاله الماران وهم يهود شبه الجزيرة الإيبيرية الذين تحولوا ظاهريا إلى الكاثوليكية في القرن الخامس عشر للتخلص من الاضطهاد والإبعاد لكنهم ظلوا أوفياء لعقيدة أجدادهم وحافظوا [14]على عدد من الطقوس التقليدية بشكل سري ،وبذالك استطاعت الهوية اليهودية الانتقال بشكل سري إلى كل عائله عبر القرون من جيل إلى جيل حتى تمكنت من الترسيخ من جديد بشكل علني.
إن استراتيجيه الهوية لا يقتضي الوعي[15] بالغاية التي يسعى إليها الفرد بل تميزه بعده أمور وهي:
1- توضيح ظواهر اختفاء الهويات وظهورها،وهي ظواهر غالبا ما تثير تعليقات قابله للجدل ويغلب عليها النزعة الذاتيه.
2-تفسير تنوعات الهوية وهو ما يمكن تسميته بانتقالات الهوية.
3-نسبيه ظواهر التحقق حيث تبنى الهوية وتتفكك ويعاد بناؤها تبعا للحالات.
تعليق الدكتور : لما دخلوا النصارى إلى اسبانيا أجبروا السكان من المسلمين واليهود على التنصر أو القتل فالمسلمين الذين تنصروا ظاهرا فأنهم كانوا يمارسون الإسلام في الباطن فسموا بـ(المورسكيين) فهو يشير هنا لليهود ولم يشير للمسلمين .
مثال / دراسة قام بها موران (1990)بتحليل إعادات تشكل هوية الهاييتيين المهاجرين في نيويورك:
1-الجيل الأول: وهو الذي ينتمي إلى موجه الهجرة الكبرى الأولى حيث اختار الاندماج في الأمة الأمريكية مع محافظتها على اختلافها عن السود الأمريكيين
 للتخلص من الأبعاد الاجتماعي مستفيدة من كل ما من شأنه الإيحاء بشيء من البياض والتميز. الجيل الثاني: المكونة من عائلات الطبقة الوسطى ،
اختاروا بعد أن صعب عليهم الاندماج  استراتيجيه أخرى وهي استراتيجيه تأكيد الهوية الهاييتيه من اجل تجنب الاختلاط بالأمريكيين السود،
لذا لجأ إلى التكلم المنتظم بالغه الفرنسية أمام الملأ وبذل جهده لاكتساب الاعتراف به كمجموعه عرقيه نوعيه.،الجيل الثالث:أحسوا بموجه التقليل الاجتماعي
من قيمه هويتهم الهاييتيه التي اشتدت حدتها في الولايات المتحدة خلال التسعينات بسبب مأساة القوارب الهاييتية التي جنحت عند شواطئ فلوريدا ،
وبسبب تصنيف طائفتهم على أنها مجموعه خطيرة تسبب انتشار الايدز فقد كبتوا هذه الهوية وطالبو بهويه عبر وطنيه كاريبية منتهزين فرصه كون نيويورك
قد أصبحت أول مدينه كاريبية في العالم بسبب هجره الكاربين إليها.                                             
سابعا : حدود الهوية :
تعريف الحد :
هو فاصل اجتماعي رمزي بين هم ونحن
ويرى بارث أن إرادة  وضع هذا الحد هوالأهم في عملية اكتساب الهويه
السبب في وجود الحدود للهويه :
السبب في وجود الحدود للهويه هو إرادة الجماعة الواحدة التميز عن الجماعة الأخرى وذلك عن طريق استخدامها لبعض السمات [16]الثقافيه كمحددات لهويتها
مثال: المنهج السلفي يتميز بسمات تحدد ه وتميزه عن المناهج الأخرى
ملاحظة :
إن وضع الحد لا يمنع من الإختلاف الثقافي والتعدديه كما يرى بعض الثقافويون … والدليل على ذلك : أنه يمكن للجماعة أن تعمل وفي كنفها شئ من التعددية الثقافية ..
مثال على ذلك :الهويه المناطقية أي باختلاف المناطق أي أن كل منطقة من مناطق المملكة  لها هويتها وثقافتها ومايميزها عن المنطقة الأخرى  ولكن الهوية العامه هي السعودية
وهذه الهويه العامة لم تمنع من وجود الإختلاف الثقافي والتعددية في هذه المناطق .
نتيجة :[إن تحليل بارث في وضع حد للهويه  يتيح التخلص من الخلط الشائع بين (الثقافة ,والهويه) فإن التطبع بطابع ثقافة معينه لا يقتضي امتلاك هوية خاصة
مثال: التطبع بطابع الثقافة الأمريكية مثلا من حيث (العلوم والدراسات واكتساب اللغة )لايقتضي إكتساب الهوية الأمريكية ..
سؤال ؟
ماهو تأثير قيام علاقات طويلة بين مجموعات عرقية[17] على (حدود الهويه) ؟
الجواب : إن العلاقات التي تدوم فترة طويلة بين المجموعات العرقية لاتؤدي بالضرورة إلى الإلغاء المتدرج للإختلافات الثقافية بل غالبا ما تنتظم هذه الإختلافات عن طريق لعبة الدفاع الرمزي عن حدود الهوية
مثال على ذلك : علاقة الشعب الفلسطيني بإسرائيل فهم ليسوا على الإطلاق جزءاً من بناء إسرائيل لا الاجتماعي ولا الثقافي  وبالتالي علاقتهم بالثقافة الإسرائيلية مع أنه قد فرضت عليهم العبرية بدلا من العربية لكنهم كانوا محصنين، ولديهم المناعة الكافية، بحيث لم يتماهوا في الثقافة الإسرائيلية، ولم يصبحوا جزءاً منها بقدر ما كانوا نقيضاً للثقافة الإسرائيلية على مدار ما يربو على ستين عاما.
ويعتبر بارث أن الحد يشكل فرزا إجتماعيا يمكن تجديده باستمرار من خلال التبادلات وهذا لايعني أن الحد ثابت لا يتغير فقد يتغير بتغير الحالة الإقتصادية أو السياسية ونحوها
مثال على ذلك :استعمار بعض البلدان العربية أدى إلى إزاحة وتغيير حدود الهوية مثل تركيا ولبنان ونحوها  .
النتائج والتوصيات
أولاً:أن الهوية الشخصية:من هو.  و”الهوية “هي مجمل السمات التي تميـّز شيئاً عن غيره أو شخصاً عن غيره أو مجموعة عن غيرها
ثانياً: أن الهوية للأمة :تدلّ على ميزات مشتركة أساسية لمجموعة من البشر، تميّزهم عن مجموعات أخرى. أفراد المجموعة يتشابهون بالميزات الأساسية التي كوّنتهم كمجموعة، وربما يختلفون في عناصر أخرى لكنها لا تؤثر على كونهم مجموعة. فما يجمع الشعب الهندي مثلاً هو وجودهم في وطن واحد ولهم تاريخ طويل مشترك.
ثالثاً: الهوية الثقافية فهي القدر الثابت والجوهري والمشترك من السمات التي تميز حضارة أمة من الأمم عن غيرها من الحضارات والتي تجعل للشخصية الوطنية أو القومية طابعاً تتميز به عن الشخصيات الوطنية والقومية الأخرى .
رابعاً:  أن تستمد أبعاد الهوية الثقافية من القرآن الكريم والسنة النبوية باعتبارهما مصدر هويتنا.
خامساً: أن يحظى البعد العالمي بأهمية خاصة من قبل مؤلفي كتب الدراسات الاجتماعية نظرا لكثرة التغييرات العالمية السريعة والتي تتطلب أن يسايرها الجيل الجديد.
سادسا :  ضرورة التنسيق بين الجهات والمؤسسات المسؤولة عن تنشئة الأطفال – البيت والمدرسة والمجتمع ووسائل الإعلام – للعمل على غرس الهوية الثقافية لمجتمعاتنا في نفوس أطفالنا.
سابعا : العناية الخاصة بالبرامج والمسلسلات والأفلام المعدة للأطفال من قبل القائمين على القنوات التلفزيونية، لما لها من أهمية كبيرة في تشكيل الهوية الثقافية لأطفالنا، والعمل على الحد من بث البرامج وأفلام الكرتون المستوردة من ثقافات أخرى وتهذيبها لتناسب ثقافتنا العربية الإسلامية.
المراجع
[1] : مجموعة متجانسة من الأفكار والمعتقدات التي تسيطر على جماعة معينة فقد يكون محتواها دينياً أو اقتصادياً أو سياسياً أو فلسفياً
[2] المفهوم العلائقي : يشير هذا المصطلح على أن الهوية عبارة عن بناء يتكون ضمن علاقة إحدى المجموعات مقابل الأخرى .
[3] و هو ذاته مفهوم التماثل ، إذ يعني : عملية تفاوض بين هوية ذاتية و هوية متعددة أو هوية خارجية يحددها الآخرون .
[4] الهوية المتعددة : هي الهوية المزدوجة و هي جمع هويتين في شخص واحد .. و مثلها الهوية المختلطة ، يشعر حاملها بالتمزق بينهما ، مثل هوية المهاجرين .
[5] الهوية السلبية : هي هوية الأقليات ، و تعرف بأنها الهوية التي تتمثل في أقلية تنظر إليها الثقافات الأخرى بنظرة سلبية ، و ذلك بسبب علاقتها بالثقافة المهيمنة حيث تخضع لتصورات السلبية التي تطلقها عليها ، مثل احتقار الذات و الكبت و الخجل 
[6] الدولة- الأمة أو الدولة القومية: هي دولة و أمة في آن واحد. وتتميز بمميزات الدولة، بمعنى مساحة ترابية محدودة، و سيادة، وهوية وطنية تمثل شعور الانتماء والثقافة المشتركة.
*توجد حالتين لتكوين دولة قومية:
    * أن الدولة تشكل أمة يتم إدماج الشعور القوم
ي فيها فيما بعد. مثال: فرنسا
    * أن مجموعة أفراد يعترفون بانتمائهم إلى نفس أمة ويعبرون عن رغبتهم في العيش ضمن دولة موحدة. مثال: الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن توجد أمم ليست لها دولة مثال الأمة الكردية. كما أن هناك دولا لا تحمل خاصيات الأمة أو الدولة القومية، كما هو الحال بالنسبة لبلجيكا، و كذلك بالنسبة لبعض دول إفريقيا حيث لا توافق الحدود توزيع التجمعات العرقية.
[7] كما هو الحال مع دولة الكيان الصهيوني مثلاً والتعصب للعرق الفارسي في إيران وما يجري من تطهير عرقي للأهواز، وكذلك ما قام به النازيون الألمان ضد اليهود.
[8] استعمرت بلجيكا رواندا أغلب القرن العشرين ، وكانت تميز بين أفراد أبرز قبيلتين هناك : التوستي ، والهوتو ، وقد أصدرت بطاقات هوية لكل الروانديين توضح هذه البطاقات المجموعة العرقية التي يرجع لها كل فرد، وإﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ تلك البطاقات اﺳﺘﻤﺮ اﻟﺒﻠﺠﻴﻜﻴﻮن ﻓﻲ ﺗﻨﻔﻴﺬ اﻟﺴﻴﺎﺳﺎت اﻟﺘﻲ ﻧﻔﺮت القبيلتين ﻣﻦ ﺑﻌﻀﻬﻢ اﻟﺒﻌض مما أدى إلى نشوب حروب دامية ونزاعات مستمرة.
[9] مثل الأمريكيين السود.
[10] كما حصل مع الشعب الجزائري في مقاومته للهيمنة الفرنسية.
[11] مصطلح الهوية المزدوجة يوحي بأنها مكونة من هويتين متضادتين أو متواجهتين.
 [12]الديناميكي/هي القوه والحيوية والطاقة، ويشيع استخدام هذا المصطلح بطرق متعددة فهو يشير غالبا إلى العلاقات المتغيرة التي توجد في نسق اجتماعي.
[13]  أداه المناورة/هي ظواهر اختفاء الهويات وتوضيحها.
* الاستراتيجيات:هي خطط أو طرق توضع لتحقيق هدف معين على المدى البعيد اعتماداً على التكتيكات والإجراءات الأمنية في استخدام المصادر المتوفرة في المدى القصير.
[15]  الوعي كلمة تعبر عن الحالة العقلية التي يكون فيها العقل بحالة إدراك وعلى تواصل مباشر مع محيطه الخارجي عن طريق منافذ الوعي التي تتمثل عادة بحواس الإنسان الخمس .
[16] هي نهج من السلوك يتميز به الفرد أو الجماعة وينتج عن عوامل وراثية أو بيئيه وهي مفهوم أساسي لتحليل بنية الشخصية .
[17] مجموعة من الناس يميزهم عن غيرهم في نفس المجتمع ارتباطهم بالنسب والثقافة واللغة والجنس والدين أو مجموعه من هذه الأشياء

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى