دراسات افريقيةدراسات سياسية

دور التجمعات البرلمانية الإفريقية في التکامل الإقليمي

مجلة السياسة والاقتصاد، المقالة 1، المجلد 8، العدد (7) یولیو 2020، الصيف 2020، الصفحة 1-30

من اعداد کريم سيد عبد الرازق – قسم العلوم السياسية، کلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية، جامعة الإسکندرية، جمهورية مصر العربية.

المستخلص

تتزايد أهمية الاتحادات البرلمانية والبرلمانات الإقليمية في الواقع الدولي والإقليمي، قياساً إلى عددها وتأثيرها وحضورها السياسي، وزاد اهتمامَ الباحثين بالبرلمانات الإقليمية وقيمتها ودورها في بناء الدول وترسيخ الديمقراطية وتحقيق التنمية، بالإضافة إلى تحقيق التکامل الإقليمي، وخاصةً في أفريقيا، وعليه، تتمثل المشکلة البحثية في التعرف على: إلى أي مدى تعد التجمعات البرلمانية الإفريقية حاضرة وفاعلة في تحقيق التکامل الإقليمي الإفريقي؟، وما اتجاهات تعزيز دورها في ضوء الاستفادة من الخبرات والتجارب المعاصرة للبرلمانات الإقليمية؟

تقوم الدراسة على افتراض رئيس هو إن التجمعات البرلمانية الإفريقية والبرلمانين لا يتم دمجهم بشکل کافٍ في عملية التکامل الإقليمي والتنمية، خاصة في ضوء “أن السلطة التنفيذية تقوم بتأکيد هيمنتها القومية من خلال وضع وإقرار أجندة التکامل الإقليمي وتنفذها بمشارکة ضئيلة من أصحاب المصالح الآخرين بما فيهم البرلمانات والتجمعات البرلمانية الإقليمية”.

وتناولت الدراسة ثلاثة نقاط أساسية وهي: نظرة عامة على التجمعات البرلمانية الإفريقية، والحلقة المفقودة: إقصاء التجمعات البرلمانية الإقليمية من التکامل الإقليمي، وأخيراً اتجاهات دور البرلمانات الإقليمية في التکامل الإقليمين من واقع التجارب المعاصرة.

وخلصت الدراسة إلى أنه: إذ لم تستطع التجمعات البرلمانية الإقليمية حاليًا أن تقود مسار التکامل الإقليمي، فبإمکانها الدعم باعتبارها عوامل محفزة ومعجّلة، بشرط أن تکون عازمةً على مواجهة التحدي والقيام بهذا الدور، والاستفادة من عملية التکامل في التجارب المعاصرة.

مقدمة:

أثمرت موجة التکامل الإقلیمی التی انطلقت منذ تسعینیات القرن الماضی فی تأسیسَ مجموعة من مؤسسات التکامل الإقلیمی بما فیها التجمعات البرلمانیة الإقلیمیة وترسیخها، بأشکالها وصلاحیاتها المختلفة، لتکون هیئات داعمة لتحقیق الاستقرار فی المجتمعات والأقالیم المختلفة، و”العمل کمنبر أخلاقی من ناحیة؛ والضغط على الحکومات والبرلمانات الوطنیة لاعتماد سیاسات محددة أو التصدیق على الصکوک الدولیة والإقلیمیة من ناحیة ثانیة؛ وللمساهمة من ناحیة ثالثة فی تحقیق الحکم الرشید والمساءلة والشفافیة، وإبراز الحوار والحد من النزاعات والصراعات خاصة الداخلیة من ناحیة رابعة، وأخیراً تزوید المؤسسات الدیمقراطیة ببناء القدرات والتقنیة وبرامج المساعدة” .

 وعلى الرغم مما ساد لدى الباحثین فی مجال الدراسات البرلمانیة أطروحة “التراجع البرلمانی”، والتی تقدم البرلمان کخاسر فی ظل سیاسات وإجراءات العولمة على مستوى العالم. وکانت الحجة التی تسوقها أغلب الدراسات هو أنه فی ظل تصاعد الحوکمة العالمیة ودور المؤسسات الدولیة، مثل منظمة التجارة العالمیة وغیرها، فالدول فی حاجة إلى مساعدتها فی الاستجابة السریعة والجماعیة لمواجهة صعوبات التحول فی مجالات الاقتصاد والتجارة والبیئة وتحدیاتها، ویحد هذا بشکل کبیر من استقلالیة الدول فی صنع السیاسات الوطنیة لصالح السیاسات والإجراءات العالمیة، وبالتالی یؤدی ذلک إلى إضعاف آلیات المساءلة الدیمقراطیة التقلیدیة ودور البرلمانات الوطنیة والتجمعات البرلمانیة الإقلیمیة . وعلى الرغم من أن هذا الزعم لیس خاطئاً فی مجمله، ولکن هذه الأطروحة غیر مکتملة، لأنها لم تراع التطور فی أداء المؤسسات الدیمقراطیة فی التکیف والاستجابة للسیاسات الدولیة وحفاظها على عدم تراجعها سلطاتها .

وعلى العکس تماماً من هذا الاتجاه، فقد ظهرت دراسات تؤکد على دور البرلمانات الإقلیمیة والدولیة فی السیاسات والعلاقات الدولیة ، وذلک من خلال ثلاث آلیات وهی:

أ. تعزیز الدور الرقابی فی مجال السیاسات الخارجیة فی مواجهة النفوذ الحکومی والتنفیذی فی هذا المجال .

ب. تفعیل آلیات الدبلوماسیة البرلمانیة، من خلال بناء العلاقات الثنائیة ومتعددة الأطراف.

ج. إنشاء وتمکین البرلمانات الإقلیمیة والقاریة والدولیة، وتنامی سعی المنظمات الدولیة الرسمیة فی تکوین جناح برلمانی لها؛ لإضفاء الطابع التکاملی، وتعزیز المشارکة الشعبیة، وتؤکد ذلک التجارب التاریخیة، ومنها:

• تصل تجارب التکامل الاقتصادی الناجحة إلى ذروتها بإنشاء کیان برلمانی، مثل انتقال جماعة الفحم والصلب إلى الاتحاد الأوروبى.

• تصل تجارب التکامل الاستراتیجی ذروتها بإنشاء جناح برلمانى، مثل المنظمة البرلمانیة لحلف شمال الأطلنطى، والاتحاد البرلمانى لدول أمریکا الشمالیة.

• تعد المظلة البرلمانیة هدفاً أساسیاً ومحوریاً للتعاون الإقلیمی، مثل مجلس التعاون الخلیجی، التجمعات الإفریقیة الثمانیة المعترف بها من قبل الاتحاد الأفریقی، والتجمعات فی أمریکا اللاتینیة والبحر الکاریبی.

المشکلة البحثیة:

فی إطار الدور المتنامی للبرلمانات الوطنیة أو الإقلیمیة فی الواقع السیاسی الدولی، قیاساً إلى عددها وتأثیرها أو حضورها السیاسی ، والاهتمام المتنامی بنشر الحوکمة وآلیاتها من الشفافیة والمحاسبة والمساءلة، ما أدى إلى زیادة إلاهتمامَ من قبل الباحثین بالبرلمانات الوطنیة والإقلیمیة وقیمتها ودورها فی الدیمقراطیة والتنمیة، ویمکن إضافة مساعیها إلى تحقیق التکامل الإقلیمی، وخاصةً فی أفریقیا، ویقتضی ذلک دراسة البرلمانات الإقلیمیة الأفریقیة کقوة فاعلة فی عملیات التکامل الإقلیمی الإفریقی على غرار ما باتت علیه برلمانات إقلیمیة مثل البرلمان الأوروبی وبرلمان أمریکا اللاتینیة.

ولهذا فقد نشأت العدید من التجمعات البرلمانیة فی القارة الإفریقیة -بغض النظر عن مدى نشاطها،- سیتم استعراضها بالتفصیل، ومنها: الجمعیة التشریعیة لشرق أفریقیا (EALA)، وبرلمان الجماعة الاقتصادیة لدول غرب أفریقیا (ECOWAS-P)، والاتحاد البرلمانی لأعضاء الهیئة الحکومیة للتنمیة (IPU-IGAD)، وبرلمان الجماعة الاقتصادیة لدول وسط أفریقیا (REPAC)، وبرلمان عموم أفریقیا، والمنتدى البرلمانی للجماعة التنمویة الجنوب أفریقیة (SADC-PF)، ومجلس الشورى لاتحاد المغرب العربی، وبرلمان الاتحاد الاقتصادی والنقدی لغرب أفریقیا.

وعلیه، تتمثل المشکلة البحثیة فى سؤال جوهری قوامه: إلى أی مدى تعد التجمعات البرلمانیة الإفریقیة حاضرة وفاعلة فی تحقیق التکامل الإقلیمی الإفریقی، من خلال تقریب وجهات النظر وإعطاء قوة دفع للاتفاقیات الإفریقیة ودخولها حیز النفاذ؟، وما اتجاهات تعزیز دورها فی ضوء التجارب والخبرات المعاصرة للبرلمانات الإقلیمیة؟

ویتفرع عن هذا التساؤل عدة تساؤلات فرعیة:

1) ما هی التحدیات التی تواجه التجمعات البرلمانیة الإفریقیة للمساهمة فی إنجاز آلیات ومتطلبات التکامل الإقلیمی؟

2) ما الدروس المستفادة من تجارب البرلمانات الإقلیمیة الفاعلة فی تحقیق التکامل الإقلیمی الافریقی؟

3) ما هی متطلبات فاعلیة التجمعات البرلمانیة الإقلیمیة الافریقیة لتحقیق التکامل الإقلیمی؟

فرضیة الدراسة:

   تقوم الدراسة على افتراض رئیس وهو إن التجمعات البرلمانیة الإفریقیة لا یتم دمجهم بشکل کافٍ فی عملیة التکامل الإقلیمی والتنمیة، خاصة فی ضوء “أن السلطة التنفیذیة تقوم بتأکید هیمنتها القومیة من خلال وضع وإقرار أجندة التکامل الإقلیمی وتنفذها بمشارکة ضئیلة من أصحاب المصالح الآخرین بما فیهم البرلمانات والتجمعات البرلمانیة الإقلیمیة . على الرغم من الدور الهام للبرلمانیین فی طرح وجهات نظر شعوبهم من خلال التجمعات البرلمانیة الإقلیمیة والدولیة، ومحاولة الضغط لإعطاء الأولویة إلى قضایا التعاون والتعایش المشترک. علاوةً على ما تتیحه التجمعات البرلمانیة من فرصة للحوار لحل قضایا ونزاعات لا یتاح تناولها من خلال القنوات الرسمیة، کما تسهم فی بلورة رأی عام إقلیمی ودولی حول مختلف القضایا التی تهم المجتمع .

أهمیة الدراسة:

• هناک اتجاه متنامی لأهمیة البرلمانات الإقلیمیة ودورها فی التکامل الإقلیمی، وتغیر مواقعها على نحو سریع، الأمر الذی یتطلب ضرورة دراستها بمنهج علمى، والتعرف على الدروس المستفادة للتجمعات البرلمانیة الإفریقیة.

• التعرف على بعض التجمعات البرلمانیة الإفریقیة الرئیسة، والمساهمة فى تقدیم مقترحات عملیة من أفضل التجارب المعاصرة لتطویرها وتفعیل أدائها ومساهماتها فی التکامل الإقلیمی الإفریقی.

• الإسهام النظرى فى التعریف بالتجمعات الإقلیمیة الإفریقیة وأهم التحدیات التی تواجهها، وسبل تطورها.

منهج الدراسة:

اعتمدت الدراسة على کل من:

• المنهج المقارن ودراسة الحالة لرصد مجالات وأدوار البرلمانات الإقلیمیة فی عملیات التکامل الإقلیمی والقارى، والتعرف على المتطلبات الرئیسة لفاعلیتها فی ذلک.

• أثر المدرسة المؤسسیة على أدوار البرلمانات الإقلیمیة وتصاعد أدوارها، وإعادة إحیاء الاهتمام بالدراسات البرلمانیة بصفة عامة، والدبلوماسیة البرلمانیة ومجالات عملها والبرلمانات الإقلیمیة بصفة خاصة.

تقسیم الدراسة:

وبناء على ما سبق، تنقسم الدراسة إلى ثلاثة أقسام أساسیة وهی:

1- التجمعات البرلمانیة الإفریقیة: استعراض مقارن.

2- التجمعات البرلمانیة الإقلیمیة والتکامل الإقلیمی الافریقی: الحلقة المفقودة.

3- اتجاهات ودور البرلمانات الإقلیمیة فی التکامل الإقلیمی: التحدیات والخبرات المقارنة من التجارب المعاصرة.

   ثم الخاتمة، وتتضمن النتائج والتوصیات.

القسم الأول:

التجمعات البرلمانیة الإفریقیة: نظرة عامة، واستعراض مقارن:

تعد البرلمانات والتجمعات البرلمانیة الإقلیمیة أحد أوجه تطور الدبلوماسیة البرلمانیة، ویمکن الإشارة إلى شکلین متمایزین لهما، وهما:

الأول: برلمانات تکونت على هیئة اتحاد برلمانی فیدرالی، بما یعنی التنازل عن جزء من السیادة لإنشاء کیان موحد، مثل دول الاتحاد الأوروبی، ویمثلها برلمانیاً البرلمان الأوروبی، باعتباره برلمان (Supra-National). وهو الحالة الفریدة فى العالم المعاصر. وتسعی أغلب التجارب البرلمانیة الإقلیمیة الوصول إلى هذا الشکل وخاصة برلمان عموم أفریقیا، ویتمیز هذا الشکل بتمثیل المواطنین من خلال انتخابات مباشرة، ویتشکل على أساس جغرافی وسکانی، حیث یختلف عدد مقاعد کل دولة وفقاً لعدد السکان.

الثانى: تجمعات برلمانیة کونفدرالیة، بمعنی تمثیل الأعضاء للبرلمانات الوطنیة، من خلال اتحاد برلمانی عبر وطنی، (Inter-Parliamentary Union)، ومن أمثلتها:

• الاتحاد البرلمانی الدولى. (Inter-Parliamentary Union)

• الاتحاد البرلمانی العربی (Arab Inter-Parliamentary Union)

• البرلمان العربی (Arab Parliament)

• برلمان عموم إفریقیا (Pan Africa)

وهناک بعض التجمعات البرلمانیة تضم برلمانات لدول متحالفة على أساس سیاسی، مثل اتحاد برلمانات الدول الأمریکیة، أو أساس استراتیجی، مثل الجمعیة البرلمانیة لدول حلف شمال الأطلنطى التابعة لحلف الأطلنطی، أو على أساس اقتصادی مثل المنتدى البرلمانی المتوسطی.

وتعد التجمعات البرلمانیة الإقلیمیة الإفریقیة ثمرة المؤسسات الاقتصادیة والإقلیمیة التی تم تأسیسها لتمهید التکامل الإفریقی، وتمثل الهدف الرئیس لإنشاء هذه التجمعات سواء الاقتصادیة أو البرلمانیة للمساهمة فی تهیئة الأجواء وإزالة التحدیات والعقبات التی تواجه تحقیق الوحدة والتکامل الإفریقی، وقد تضمن القانون التأسیسی للاتحاد الأفریقی فی مادته الثالثة ضرورة تنسیق السیاسات بین التجمعات الاقتصادیة، بما تتضمنه من تجمعات برلمانیة، القائمة أو المزمع إقامتها لتحقیق أهداف التکامل الإفریقی.

ویوضح الجدول التالی التجمعات البرلمانیة الإقلیمیة فی القارة الإفریقیة:

جدول (1): التجمعات البرلمانیة الإقلیمیة فی القارة الإفریقیة:

• تجمیع الباحث بالاعتماد على المواقع الالکترونیة للمنظمات وبعض المصادر .

وبملاحظة التجمعات البرلمانیة المنشئة فی إطار التجمعات الإقلیمیة الإفریقیة، یمکن الإشارة بصدد ذلک إلى ما یلی:

• هناک تجمعین من التجمعات المعترف بها من قبل الاتحاد الأفریقی، لیس لهما جناح برلمانی وهما: السوق المشترکة للشرق والجنوب الإفریقی (COMESA) ویبلغ عدد الدول المنضمة إلیها 23 دولة، وتجمع دول الساحل والصحراء (CEN-SAD) ویبلغ عدد الدول المنضمة إلیها 28 دولة.

• یضم الجدول السابق، تجمعین من التجمعات الفرعیة، غیر المعترف بها من قبل الاتحاد الأفریقی کآلیات للتکامل الإقلیمی، وهما الجماعة الاقتصادیة والنقدیة لوسط أفریقیا، الاتحاد الاقتصادی والنقدی لغرب أفریقیا.

• یعد “برلمان عموم أفریقیا” أحد الأجهزة الرئیسة للاتحاد الأفریقی، والهدف منه الانتقال من جهة استشاریة إلى هیئة تشریعیة، وأن یصبح منبراً جامعاً لشعوب القارة الإفریقیة یعبر عن إرادتها ویروج لقضایاها، وهو التجمع الوحید الذی یضم کافة الدول الأعضاء فی الاتحاد الأفریقی .

• تکتسب التجمعات البرلمانیة الإقلیمیة شرعیتها الشعبیة من خلال طریقة التمثیل بها، أی آلیة الانتخاب أو التعیین. وکافة التجمعات الإقلیمیة الإفریقیة یتم اختیار أو تعیین أعضائها عبر البرلمانات الوطنیة وفقا لنظام کل دولة، أما الجمعیة التشریعیة لشرق أفریقیا فیتم تسمیة أعضائها عبر الأحزاب السیاسیة الممثلة فی البرلمانات الوطنیة، وعلى الرغم من أن هذه الطریقة قد توسّع من الفضاء السیاسی والفاعلین، إلا أنها قد تؤدی إلى انقسام بین الجمعیة التشریعیة والبرلمان الوطنی فی تحقیق الأجندة الإقلیمیة . وعند التمثیل تشترط الأنظمة الداخلیة للتجمعات البرلمانیة الإقلیمیة من البرلمانات أن تضمن تمثیلاً سیاسیًا وحزبیاً، ومراعاة النوع الاجتماعی عند تسمیة ممثلیها.

• من التحدیات التی ستواجه التجمعات البرلمانیة فی سبیلها الانتقال إلى الانتخاب المباشر معضلة التمثیل النسبی فی مقابل تمثیل الدول الأعضاء وتساوى المقاعد. فعلی سبیل المثال برلمان الجماعة الاقتصادیة لدول غرب أفریقیا (ECOWAS) هو التجمع الوحید الذی یطبّق قاعدة التمثیل النسبی، إذ تشغل نیجیریا (35) مقعدًا من بین (126) مقعدًا، نظرًا لحجم سکانها، وبقیة المقاعد مقسمةٌ بین الدول الأخرى بالتساوی تقریبًا. وتساهم نیجیریا بشکل أکبر بکثیر فی میزانیة البرلمان.

• باستثناء الجمعیة التشریعیة لشرق أفریقیا، لا تمتلک بقیة التجمعات البرلمانیة الإقلیمیة إلا أدوات استشاریة فقط، وتنص أنظمتها إلى أن صلاحیاتها استشاریة، وبالتالی لا تقوم بدور الرقابة على الأجهزة التنفیذیة الإقلیمیة، ولیس لها أیة صلاحیات تشریعیة. بل عندما یُمارَس هذا الدور الاستشاری، لا تکون الأجهزة التنفیذیة الإقلیمیة مُلزَمةً بالأخذ به. وفی مقابل ذلک هناک أدوار أکثر فاعلیة حیث تستطیع الجمعیة التشریعیة لشرق أفریقیا أن تطلب من المجلس التنفیذی تقدیم مشروعات حول أمور تهم الجمعیة. ویستطیع کل من الجمعیة التشریعیة لشرق أفریقیا وبرلمان عموم أفریقیا طلب شخصیاتٍ معینة للمثول أمامها، إلا أنه فی حالة الرفض لا تملک حق الاستدعاء کما فی حالة البرلمانات الوطنیة.

• تملک الجمعیة التشریعیة لشرق أفریقیا سلطة سن أو تشریع القوانین، إلا أنها مقیدةً بشدة لأنها “یمکنها فقط تقدیم مشروعات قوانین والتصویت علیها إن کانت هذه القوانین لا تحمل أی تکالیف على صندوق الجماعة الشرق أفریقیة” . ولا تصبح مشروعات القوانین التی أقرتها الجمعیة قوانینَ إلا إذا صدّق علیها رؤساء الدول الثلاثة؛ کینیا وأوغندا وتنزانیا، وإن لم یتم التصدیق على مشروع القانون مرتین متتالیتین، یصبح المشروع لاغیاً؛ مما قد یعنی أن السلطة التنفیذیة فی جماعة دول شرق أفریقیا لها حق الفیتو على قرارات الجمعیة التشریعیة.

• لا تمتلک التجمعات البرلمانیة الإقلیمیة سلطات واسعة فی إقرار الموازنات والرقابة علیها، فحتى الجمعیة التشریعیة لشرق أفریقیا وبرلمان عموم أفریقیا لا یملکان إلا سلطةً رقابیة محدودة جدا، ولا یملکان سلطة تعدیلها بل فقط مراجعتها، مما یجعل من التجمعات البرلمانیة الإقلیمیة مجرد “مؤسسات إقرار” للموازنات. ویلاحظ أن غالبیة التجمعات البرلمانیة مثل الجمعیة التشریعیة لشرق أفریقیا، برلمان عموم أفریقیا، برلمان الجماعة الاقتصادیة لدول غرب أفریقیا، تتحدد موازناتها وتستلمها من سلطاتهم الإقلیمیة التنفیذیة، مما یعنی ضمنًا درجةً عالیةً من الاعتماد على التنفیذیین الإقلیمیین والحکومات، مما یقدح فی استقلالیتهم بشکل کبیر أو مؤثر، والتجربة المختلفة هو المنتدى البرلمانی لجماعة التنمیة للجنوب الإفریقی، حیث یحصل على موازنته من البرلمانات الوطنیة مباشرةً فی شکل مساهمات من الأعضاء ومساهمات فی مبادرات بناء القدرات، وتسمح هذه الترتیبات والمساهمات بدرجةٍ ما من الاعتماد على الذات والاستقلالیة عن السلطات التنفیذیة الإقلیمیة والمانحین.

   ویتناول الباحث فی القسم التالی واقع التجمعات البرلمانیة الإقلیمیة من عملیات التکامل الإقلیمی، وإلى أی مدى هناک دمج او إقصاء لدورها.

القسم الثانی: التجمعات البرلمانیة الإقلیمیة وعملیات التکامل الإقلیمی: الحلقة المفقودة

منذ استقلال العدید من الدول الإفریقیة، لم تلعب البرلمانات دورًا نشطًا وفاعلاً فی التنمیة والتکامل الإقلیمی، إذ کان ذلک مقصورًا على السلطة التنفیذیة، وکانت البرلمانات تهتم بالشؤون التشریعیة الداخلیة، ولذلک أصبحت مؤسسة البرلمان مجرد مؤسسة إقرار أو “لختم القرارات” “Rubber-stamping” بما فی ذلک المعاهدات الإقلیمیة والدولیة والبروتوکولات، دون أی مناقشة برلمانیة، ولا زالت هذه الممارسة مستمرة فی بعض البرلمانات الإفریقیة، إذ إن بعض البرلمانات لیس لها الحق الدستوری فی التصدیق على الآلیات المؤسسیة الدولیة والإقلیمیة أو لأن المناورات التنفیذیة تجعل هذه الآلیات لا تخضع للرقابة البرلمانیة، وبالتالی یظل تمریر الآلیات الإقلیمیة والدولیة عبر البرلمانات بدلاً من إقرارها، وأصبحت القدرة على الرقابة والإدماج الداخلی لهذه الآلیات تحدیًا تشریعیًا لأن البرلمانات لا تعد جزءًا من هذه العملیة، مما یؤدی إلى عملیات تکامل بطیئة فی القارة الإفریقیة، وبالتالی لا یشارک المواطنون فی التنمیة والتکامل الإقلیمی ولا ینتفعون به.

یعود التنبیه إلى دور البرلمانات المهم إلى حد ما إلى شرکاء التعاون الخارجیین والمانحین الذین یدعون إلى الحکم الرشید والمساءلة والشفافیة والتعبیر عن الحاجة إلى تأسیس جمعیات برلمانیة إقلیمیة، فقد اشترطت اتفاقیة کوتونو إنشاء الجمعیة البرلمانیة المشترکة لدول أفریقیا والکاریبی والمحیط الهادئ والاتحاد الأوروبی (ACP-EU-JPA)، وتقویة قدرات البرلمانات الوطنیة فیما یخص شئون التکامل الإقلیمی ، وکذلک شددت خطة عمل مجموعة الثمانیة على المشارکة البرلمانیة الفاعلة فی عملیات صنع القرار السیاسی، ورغم التشدید القوی على الحکم الرشید الموجود فی خطة الشراکة الجدیدة لتنمیة أفریقیا (NEPAD)، لم یتم تحدید آلیة المشارکة البرلمانیة.

و”تتمثل الأهداف العامة والإجمالیة من إنشاء کافة التجمعات البرلمانیة الإقلیمیة الإفریقیة فی مجالین أساسین، هما:

1) المجالات السیاسیة والاجتماعیة: من خلال السعی إلى تعزیز مبادئ حقوق الإنسان والدیمقراطیة؛ وتشجیع الحکم الرشید، وتعزیز الشفافیة والمساءلة، والتعبیر عن أولویات الشعوب الإفریقیة وإدماجهم فی صیاغة ووضع أهداف وسیاسات التکامل الإقلیمی داخل إطار الاتحاد الأفریقی؛ وتعزیز السلام والأمن والاستقرار بین الدول الإفریقیة؛ وتعزیز التضامن فی القارة الإفریقیة وتسهیل التعاون بین الاقتصادی الإقلیمی بین التجمعات الاقتصادیة والبرلمانیة.

2) المجالات الاقتصادیة: من خلال المساهمة فی بناء مستقبل أکثر ازدهاراً للشعوب الأفریقیة؛ من خلال تعزیز الاعتماد على الإمکانیات والقدرات والموارد الذاتیة الإفریقیة، وتسهیل التعاون والتنمیة فی کافة أرجاء القارة” .

   وبسبب الطبیعة السیاسیة لمهام واختصاصات التجمعات البرلمانیة الإقلیمیة وأهدافها السیاسیة، فمن الواضح أنها تفوق أهدافها الاقتصادیة من حیث المبدأ والممارسة، فبینما نجد التجمعات البرلمانیة نشطة فی مجالات تعزیز حقوق الإنسان والدیمقراطیة والحکم الرشید والحفاظ على السلام والأمن، إلا أن مساهمتها أقل وأضعف فی مجالات تعزیز الاعتماد الجماعی على الذات والانتعاش الاقتصادی، وتسهیل التعاون والتنمیة، حیث أن الواقع الاقتصادی یقوض قدرتهم لتحقیق أهدافهم فی المجالات کافة، ودورها کهیئات استشاریة، وافتقارها إلى الاختصاصات التشریعیة والرقابیة، هو قید آخر یرهق ویقوض دورها فی التکامل الإقلیمی.

وعلى الرغم من أن البرلمانات والتجمعات البرلمانیة الإقلیمیة من المقرر لها أن تقوم بالمهام التقلیدیة للبرلمانات المتمثلة فی التشریع والرقابة والدور المالی، على منظمات وعملیات التکامل الإقلیمی على المدى الطویل، إلا أنها لا زالت حتى الآن فی مراحلها البدائیة للتطور التنظیمی وأبعد ما تکون عن القیام بالأدوار التی تلعبها البرلمانات الوطنیة فی التجارب الدیمقراطیة . ویمکن إرجاع ذلک إلى أسباب عدة، منها:

1) إن دور البرلمان یُضعفه الإطار الدستوری والتشریعی الذی یعطی الأولویة للسلطة التنفیذیة: ففی العدید من الدول الافریقیة، تمتلک السلطة التنفیذیة هیمنة تسمح لها بسلطة تقدیریة أکبر، وتکون البرلمانات خاضعة لها ، مما یؤدی إلى أن تکون ممارسة البرلمان لصلاحیاته التشریعیة والرقابیة فی حدها الأدنى.

2) فی حالات عدة، یتم تجاوز البرلمانات فی عملیة وضع السیاسات، وتتحول إلى مؤسسات إقرارٍ فقط، أو یتم استشارتها فی موضوعات محدودة فقط.

3) إن احد أهم العقبات التی تواجه فاعلیة البرلمانات الوطنیة والمنظمات الإقلیمیة الإفریقیة والتجمعات البرلمانیة الإقلیمیة هو عدم وضع أسس الدیمقراطیة والحکم الرشید وسیادة القانون باعتبارها اللبنات التی ینبغی أن یکون علیها التکامل الإقلیمی الأفریقی، وخاصة وضع أسس الانتخابات الدوریة والنزیهة ووقف العنف الانتخابی وتقیید طموح بعض القادة الأفارقة الذین تنافسوا على الحکم مدى الحیاة، مما زاد من الأعباء على التکامل الاقتصادی الإقلیمی الأفریقی ودور البرلمانات والتجمعات البرلمانیة الإقلیمیة، ولم یکن هذا بعیداً عن تفکیر مهندسی التکامل الإقلیمی الأفریقی، فقد تم تطویر بعض الآلیات الإقلیمیة لإدارة المنازعات الانتخابیة، ومنها اعتماد رؤساء دول وحکومات القارة فی قمة دیربان بجنوب إفریقیا عام 2002م، مبادئ إرشادیة لبعثات مراقبة ورصد الانتخابات، والتی أکدت على أن الانتخابات الدیمقراطیة هی أساس سلطة أیّ حکومة، تساهم الحکومات المنتخبة فی إرساء الدیمقراطیة، وبالتالی فهی عناصر رئیسة للحکم الرشید، وسیادة القانون، وتعزیز السلام والأمن والاستقرار، وتساعد الانتخابات فی منع الصراعات وإدارتها وحلّها، لذا یجب إجرائها وفقاً لمعاییر الحریة والنزاهة والشفافیة (Guidelines for African Union Electoral Observations and Monitoring Missions). کما اعتمد الاتحاد الإفریقی عام 2007م، فی أدیس أبابا بإثیوبیا، “المیثاق الإفریقی حول الدیمقراطیة والانتخابات والحکم الرشید” ، والذی یتکوّن من 53 مادة، توضح آلیات تنظم التداول السلمی للسلطة، ودعم وإرساء الدیمقراطیة فی القارة الإفریقیة، وحمایة حقوق الإنسان، ومعاییر استقلال السلطة القضائیة .

4) لم تتضمن الاتفاقیات الإقلیمیة والدولیة الرامیة إلى التعاون والتکامل الإقلیمی دورًا واضحًا للبرلمانیین، وهذا الإقصاء یشکک فی قدرة الوصول إلى أهداف التکامل ومتطلباته وعوائده على المواطنین، کما یکون أحد عناصر تأخر التصدیق على العدید من الاتفاقیات الدولیة والإقلیمیة.

5) لقد أدى تدفق العولمة إلى خلل دیمقراطی دولی إذ بدأت المؤسسات الدولیة والإقلیمیة غیر المنتخبة فی توجیه السیاسات الوطنیة نحو إقصاء البرلمانات وممثلی الشعب المنتخبین. فأصبح السیاق الوطنی یزداد تأثره تدریجیًا وخاصةً فی الدول الحساسة بالفاعلین الخارجیین بمن فیهم الشرکات متعددة الجنسیات ، ومن ناحیة أخرى، تتمثل المعضلة فی أنه بینما یتعولم موضوع السیاسة بسرعة کبیرة (التجارة والبیئة والإرهاب … إلخ) تظل إجراءاتها محلیة ومتجذرة فی المستوى الوطنى إلى حد کبیر (البرلمانات والانتخابات والأحزاب السیاسیة … إلخ) . وبما أن البرلمان هو تجسید الدیمقراطیة التشارکیة، والمؤسسة الوحیدة المخولة لتمثیل المواطنین ووضع القوانین والرقابة على العمل التنفیذی، یستتبع ذلک إذن ضرورة تحقیق هذا الدور الثلاثی على المستویات القومیة والإقلیمیة والقاریة والدولیة على حد سواء، لأجل تحقیق عملیة عولمة شاملة، وسیؤدی إدماج البرلمانیین فی عملیة التکامل الإقلیمی إلى نتائج أفضل فی تنفیذ الآلیات الإقلیمیة والدولیة ومراقبتها بالإضافة إلى تقویم دائم من المجتمعات على آثار هذه الآلیات.

    وتکشف تجربة التجمعات البرلمانیة الإقلیمیة الأفریقیة أسوة ببعض التجارب المعاصرة، إلى نشأتها ضمن منظمات إقلیمیة أغلبها ذی أغراض اقتصادیة وآلیة مصغرة تستهدف تحقیق التکامل على المستوى الإقلیمی الأکبر أو المستوى القاری، وهناک سبعة تحدیات عامة تواجهها، وهی:

1- غیاب الإرادة السیاسیة لتکوین برلمانات أو تجمعات برلمانیة إقلیمیة فوق قومیة، خاصة فی ضوء تمسک الدول بمبدأ السیادة الوطنیة من ناحیة، وعدم قابلیة أو قبول المنظمات الإقلیمیة المنشئة للبرلمانات والتجمعات البرلمانیة الإقلیمیة إلى الخضوع للرقابة أو التقیید المالی من خلال الموازنة ومتابعة الإنفاق، أو دعم السلطات والاختصاصات التشریعیة لها من ناحیة أخرى.

2- تقیید الصلاحیات والاختصاصات البرلمانیة فی البرلمانات والتجمعات البرلمانیة الإقلیمیة، فمن خلال تحلیل أنظمتها الأساسیة أو المعاهدات الخاصة بإنشائها، نلاحظ أنها إما أن تکون دون صلاحیات برلمانیة کالمتعارف علیها خاصة التشریع والرقابة والدور المالی، أو أن تشیر إلى اختصاصات استشاریة بحتة أو الإشارة إلى أنها تساعد فی بناء القدرات وتبادل الخبرات، والغالبیة تشیر إلى النهج التقلیدی فی الانتقال بالسلطات والصلاحیات البرلمانیة ولکنها تتأخر فی التنفیذ.

3- یرتبط بالتحدی السابق، سبل تجنید أعضاء البرلمانات والتجمعات البرلمانیة الإقلیمیة، حیث تعانی غالبیتها من عدم تفرغ أعضائها من ناحیة، حیث أنهم یکونوا أعضاء فی البرلمانات الوطنیة التی ترشحهم، أو تخضع إلى توازنات سیاسیة وحزبیة وطنیة من ناحیة ثانیة، وبالتالی فالولاء الحزبی الوطنی أهم للأعضاء من صلاحیات التجمعات الإقلیمیة واختصاصاتها، ومن ناحیة ثالثة طبیعة إزدواج الولاء حیث أن العضو لا ینتمی إلى البرلمانات والتجمعات الإقلیمیة فقط وإنما إلى برلمانه الوطنی الذى یستطیع تعیینه وتغییره، ومن ناحیة رابعة اختیار الکفاءات القادرة على الاستفادة من الصلاحیات والاختصاصات وتفعیلها، وتفعیل الممارسات البرلمانیة على المستوی الإقلیمی.

4- إن غیاب الانتخاب المباشر لاختیار أعضاء البرلمانات والتجمعات البرلمانیة الإقلیمیة أحد العوامل التی تضعف منها، والدلیل أن إنطلاقة البرلمان الأوروبی بما یملک من صلاحیات تشریعیة ورقابیة کانت مرتبطة بانتقاله إلى الانتخاب المباشر، وتهدف غالبیة التجمعات البرلمانیة الإقلیمیة إلى تبنی آلیة الانتخاب المباشر فی اختیار أعضائها، لکن تواجهها تحدیات مثل تحدید وترسیم الدوائر الانتخابیة، ونظام الانتخاب، وإدارة العملیة الانتخابیة، وعدد المقاعد المخصصة للدولة وهل یکون وفقاً للتمثیل النسبی لعدد السکان أم المساحة، وهنا یرتبط بالتمثیل النسبی وفقاً لعدد السکان، تخوفات من بعض الدول من هیمنة الدول ذات الکثافة السکانیة على الإجراءات وتحدید الأولویات للمنظمة، وبالتالی فإن الدول الأکبر ستکون لها الید الطولی فی السیطرة على التجمع البرلمانی الإقلیمی.

5- مشکلة التمویل، حیث أن غالبیة البرلمانات والتجمعات البرلمانیة الإقلیمیة تعتمد على الأجهزة التنفیذیة الإقلیمیة فی توفیر التمویل والموازنة، کما أن بعضها تعتمد على المانحین فی توفیر تمویل مناسب للتجمعات البرلمانیة مما قد یؤثر على استقلالیتها، ونظرة الرأی العام لها، ومن ناحیة أخرى، فهناک تحدی فی تحدید الحصص التی تتحملها الدول أو البرلمانات الوطنیة فی التجمعات البرلمانیة الإقلیمیة فهل تکون بالتساوی أم وفقاً للمستوى الاقتصادی أم وفقاً للتمثیل أم عدد السکان.

6- انشغلت المنظمات الإقلیمیة والتجمعات البرلمانیة الإفریقیة فی أوقات عدة بإدارة صراعات طویلة الأمد مثل الصراعات فی: (أنغولا، بوروندی، تشاد، جمهوریة الکونغو الدیمقراطیة، لیبیریا، موزمبیق، سیرالیون، الصومال) وکانت إما جزءًا من عملیة السلام والتوافق بین الأطراف المتصارعة أو أحد القنوات التی اشتعلت بها تلک الصراعات، وأدت هذه النزاعات والصراعات إلى إضعاف وتقیید دور المنظمات الإقلیمیة الأفریقیة. وعلى جانب آخر، فلقد “أدت هذه الصراعات وطول أمدها إلى ترسیخ ضرورة التعاون الأمنی والعسکری بین الدول الأفریقیة، وأدى ذلک الاحتیاج إلى النجاح فی تکوین هیاکل عسکریة إقلیمیة أفریقیة، ومنها قوة أفریقیة احتیاطیة لحفظ السلام، ونظام الإنذار المبکر لکشف ومنع الصراعات المحتملة ولضمان الإغاثة الإنسانیة السریعة أثناء الکوارث، حیث تم التوصل إلى کل من “الإعلان الرسمی حول السیاسة الأفریقیة المشترکة للدفاع والأمن” فی القمة الاستثنائیة للاتحاد الأفریقی فی مدینة سرت اللیبیة فبرایر 2004 م، کما اعتمد الاتحاد الأفریقی “میثاق عدم الاعتداء والدفاع المشترک” فی مؤتمر القمة الأفریقیة فی العاصمة النیجیریة أبوجا ینایر 2005 م، ودخل حیز النفاذ فی نوفمبر 2009م .

7- بصفة عامة، ومع وجود بعض الاستئناءات، تعانی البرلمانات والتجمعات البرلمانیة الإقلیمیة من التسویق لأنشطتها، ویمکن القول أنها تعانی من ضعف الشفافیة والإفصاح عن نشاطها والقدرة على إیصاله إلى الرأی العام وکسب التأیید والدعم، فالعدید من البرلمانات والتجمعات الإقلیمیة لا توفر القدرة على الوصول إلى المعلومات والوثائق الخاصة بنشأتها ووظائفها وخصائصها، واجتماعاتها وجلساتها ومضابط الجلسات وتقاریر اللجان ونتائج التصویت، سواء من خلال المواقع الإلکترونیة أو مواقع التواصل الاجتماعی أو من خلال المراسلات لطلبها أو أیة وسائل أخرى. ویمثل هذه التحدی أحد أهم الصعوبات التی تواجه الباحثین لإخضاع هذه البرلمانات والتجمعات البرلمانیة للدراسة العلمیة المتأنیة وتقدیم الاقتراحات العملیة لتفعیل دورها وحشد الرأی العام لمساندتها ودعمها، حیث أن المعلومات التی تتوافر حولها إما من الإعلام أو بعض التقاریر الدولیة حولها أو من بعض المنتمین إلیها.

  ویتناول الباحث فی القسم الثالث استعراض مقارن لاتجاهات ودور البرلمانات الإقلیمیة فی تحقیق التکامل الإقلیمی، بالإضافة إلى الدروس التی یمکن استخلاصها من التجارب المعاصرة، خاصة تجربة البرلمان الأوروبی باعتباره من أفضل الممارسات.

القسم الثالث: اتجاهات ودور البرلمانات الإقلیمیة فی التکامل الإقلیمی: الدروس المستفادة من بعض التجارب المعاصرة:

لقد أصبح الدور البرلمانی فی الشئون الإقلیمیة دورًا حتمیًا نتیجة أن التمییز بین الدولی والوطنی یصبح أکثر ضبابیةً یومًا بعد یوم، ولذلک، یجب على البرلمانات أن تتجاوز الاستئثار التنفیذی التقلیدی بالشئون الخارجیة والعلاقات الدولیة، وتُخضِع الحکومات لنفس درجة الرقابة التی تفرضها فی مساحات السیاسات الداخلیة ، وارتباطاً بذلک قرر القائمون على البرلمانات فی المؤتمر الأول لرؤساء البرلمانات الوطنیة مع الأمم المتحدة عام 2000 م تفعیل ذلک عبر:

1) التأثیر على السیاسات الوطنیة فی الأمور التی یُنظر فیها فی الأمم المتحدة والمجالس التحاوریة الدولیة الأخرى.

2) التواصل بشأن تطور ومُخرجات هذه المفاوضات، والتی تجریها الأمم المتحدة فی کافة المجالات.

3) اتخاذ قرارات التصدیق على النصوص والمعاهدات التی توقّعها الحکومات.

4) المساهمة بفاعلیة فی عملیة التنفیذ اللاحقة، من خلال المتابعة والرقابة على التنفیذ وأولویاته واتساقه مع السیاق الوطنی.

إلا أن هناک متطلبات سابقة لتقویة دور البرلمانات والتجمعات البرلمانیة على المستوى الإقلیمی والدولی مثل:

1) تقنین آلیات ومجالات التدخل البرلمانی، ومجالاته، وأسسه وأدواته.

2) الحصول على معلومات کافیة عن سیاسات الحکومات والمواقع التفاوضیة حول السیاسات.

3) العمل على إیجاد التنظیم والموارد الضروریة لتناول القضایا، بما فی ذلک الخبرة الکافیة لدى البرلمانیین العاملین فی اللجان المتخصصة.

4) الحصول على فرصة مساءلة الوزراء والمفاوضین، وبالتالی القدرة على التعبیر عن رؤاه السیاسیة، وغیر الملزمة قانونیاً.

تجربة البرلمان الأوروبی: نظرة عامة والدروس المستفادة:

لقد تطور البرلمان الأوروبی -الذی یُنظر إلیه عالمیًا باعتباره مثالاً للدیمقراطیة العابرة للحدود-عبر السنین من مجرد ورقة توت إلى مجلس تشریعی تعاونی، فقد کان حتى عام 1979م منتدى تتم استشارته فی مشروعات قوانین قلیلة قبل إقرارها من المجلس الأوروبی، لکن على الرغم من ذلک کان للبرلمان سلطة عزل المفوضیة بأغلبیة الثلثین، لکن کان نظام البرلمان الأوروبی الذی یعطی الحق للوزراء وحدهم الحق فی إقرار التشریعات نظامًا معیبًا من الناحیة الدیمقراطیة، ووجب على البرلمان أن یکافح للحصول على سلطاته، وهو ما استطاع تحقیقه بنجاح کبیر .

   لقد تطور البرلمان الأوروبی عبر العقود الماضیة فی عمله وسلطاته، لیصبح مجلسًا تشریعیًا ذا غرفتین إلى جانب المجلس الأوروبی، وکان من المفترض أن یقوّی دستور الاتحاد الأوروبی من هذا الدور، إلا أنه یواجه صعوبات فی إقراره بعد رفضه فی استفتاءات الدول الأوروبیة المهمة.

   علاوة على ما سبق، فقد نتج عن تطور سلطات البرلمان الأوروبی إلى أن أصبح مجلسًا تشریعیًا ذا غرفتین، إذ یمثل المجلسُ الأوروبی الدول ویمثل البرلمانُ الأوروبی المواطنین، ولقد لعب البرلمان الأوروبی تدریجیًا دورًا مرکزیًا فی تشکیل التکامل الأوروبی والتأکید على دوره ووظیفته على المستوى القاری. ففی عام 1999، أثبت البرلمان الأوروبی أیضًا سلطته الرقابیة بما فیها عزل المفوضیة، والذی کان حتى ذلک الوقت أمرًا نظریًا فقط، فقد شکّل البرلمان الأوروبی لجنة مستقلة من الخبراء للتحقیق مع مفوضیة سانتر (Santer Commission)، وثبت أن التصویت بسحب الثقة کان أمرًا ضروریًا، وبالفعل تقدمت المفوضیة باستقالتها. وفی خریف 2004، لاحظ الرئیس المنتخب باروسو (Barroso)، لیس بمقدوره الحصول على الموافقة الضروریة من البرلمان الأوروبی، ما لم یغیر طاقمه، الأمر الذی کانت نتیجته أن عاد بعد ثلاثة أشهر بطاقم جدید.

ویوضح الجدول التالی التسلسل الزمنی لتطور أدوار واختصاصات وصلاحیات البرلمان الأوروبی، والتی جاءت فی ضوء التوازنات السیاسیة مع المجلس الأوروبی، وجاءت على نحو تدریجی، ومن المسائل الضیقة إلى المسائل والقضایا الأعم والأشمل.

   وعلیه، فقد أصبح البرلمان الأوروبی یمثل المصالح السیاسیة المتنوعة بما فی ذلک أحزاب المعارضة والمجتمع المدنی، ومن الممیز فیه أن أعضائه لا یصطفون فقط بالشکل التقلیدی کأحزاب حاکمة فی مقابل أحزاب معارضة، بل أیضًا یصطفون بناءً على الجماعات السیاسیة کالدیمقراطیین المسیحیین والخضر وتحالف اللیبرالیین والدیمقراطیین لأجل أوروبا والمستقلین أو الدیمقراطیین والجماعات غیر المنتسبة لتیار بعینه، ویکفل الدوام الکامل لأعضاء البرلمان الأوروبی القدرة على تمضیة الوقت فی بروکسل موضع صنع القرار، وأیضًا طرح الأسئلة وطرق الأبواب والحوار مع بعضهم البعض والرد على دوائرهم الانتخابیة، مما یجعل نظام الاتحاد الأوروبی أکثر انفتاحًا وشفافیةً ودیمقراطیة عن أی نظام آخر، وباختصار أصبح البرلمان الأوروبی یحقق التعددیة ویجلب قیمة مضافة لرقابة الاتحاد الأوروبی” .

   ومما سبق، فلقد استطاع البرلمان الأوروبی تطویر شخصیة فوق وطنیة، ورسخ تواجده کمؤسسة تمثیلیة قویة وفاعلة فی المجتمعات الأوروبیة، عکس التجمعات والبرلمانات الإقلیمیة الأخرى عبر العالم بسبب تمیزه فی عدة نواحی، من أهمها الإرادة القویة والداعمة خاصة فی النشأة، والثقافة السیاسیة الأوروبیة القائمة على الآلیات الدیمقراطیة والمساءلة والمحاسبة، بالإضافة إلى الهیکل التنظیمی، والاختصاصات، والوظائف، والتدرجیة فی اکتساب الصلاحیات والاختصاصات، وتوافر التمویل والاستقلالیة فی العمل.

وبصدد تجربة البرلمان الأوروبی یلاحظ أن هناک عدداً من الدروس المستفادة، تتمثل فی الآتی:

1) الوقت المبکر لتجربة التکامل الإقلیمی، والإرادة السیاسیة التی ساهمت فی سرعة نضج مؤسسات التکامل وتطورها.

2) تم إنشاء الهیکل الحالی للاتحاد الأوروبی وفقًا لـ”Monnet-method”، القائمة على تعدد احتمالات المخاطر للأنشطة والأشکال المؤسسیة ومحاکاتها بدرجة عالیة من الدقة، على خلاف التجارب الإقلیمیة الأخرى التی لا زالت تحاول تخطی مراحل الإعجاب بنتائج العملیة الأوروبیة.

3) هناک تفاوت واسع فیما یتعلق بمستوى التکامل، والتدرجیة فی الأهداف ووسائل تحقیقها، وإنشاء المؤسسات القادرة على إنجاز هذه الأهداف، ثم تطویر المؤسسة وهیکلتها وفقاً للأهداف الجدیدة، مثل مراحل التکامل الاقتصادی (المنطقة الحرة-الاتحاد الجمرکی-السوق المشترکة-الاتحاد الاقتصادی-الاتحاد النقدی).

4) القدرة والإرادة لإنشاء المؤسسات الإقلیمیة على درجة کبیرة من الفاعلیة أسوة بالمؤسسات والسلطات الوطنیة.

5) وجود أنظمة برلمانیة أو شبه برلمانیة، فی حین أن التجارب الأخرى سواء الإفریقیة أو أمریکا اللاتینیة أو العربیة أو الآسیویة فغالبیتها رئاسیة، أو لا تطبق التقالید البرلمانیة الراسخة خاصة فی جانب محوریة دور البرلمان واهتمام الرأی العام والمشارکة فی العملیة الانتخابیة .

6) بصرف النظر عن الوظائف الکلاسیکیة للتجمعات البرلمانیة الإقلیمیة، یمکنها المساعدة فی تحقیق أهداف تکمیلیة ومُهیئة لبیئة التکامل الإقلیمی، ومنها ترسیخ الهویة الإقلیمیة للقارة أو الإقلیم، تقویة رمزیة حضور المنظمة الإقلیمیة فی أذهان الرأی العام، تسهیل التواصل بین دول الأقالیم، وتعزیز علاقات التعاون خاصة فی المجالات الاقتصادیة.

الخاتمة:

انتهت الدراسة إلى أن السلطات المحدودة للتجمعات البرلمانیة الإقلیمیة تعد مؤشرًا على التوجه الأعم الذی تتخذه الحکومات تجاه التکامل الإقلیمی، والذی یقضی بأن عملیة التکامل هی بالأساس تکامل بین حکومات ولیست عابرةً للحدود والتشدید المستمر على حفظ السیادة الوطنیة فی نطاق التنفیذ والتشریع یعکس ما یشار إلیه الیوم باعتباره “تکاملاً”، أی أنه مجرد صورة منظمة من التعاون بین الحکومات.

کما خلصت الدراسة إلى أن البرلمانات لا یمکنها وحدها تخطیط عملیة التکامل الإقلیمی، لکن بالطبع لها دور تلعبه، ومع ذلک، هناک علاقة ارتباطیة بین مستوى التکامل الأعمق والدور الذی یمکن للبرلمان لعبه، وإن تم إدماج البرلمانیین، لضمنوا أن یتم دمج هذه الاتفاقیات محلیًا وتصبح مطلوبةً شعبیًا ویتم إدخالها إلى المیزانیة وعملیات التخطیط، ولضمنوا أن تتم مراقبة عملیة التنفیذ عبر المناقشة البرلمانیة. ولذلک، لا یمکن الاستغناء عن دور البرلمان فی التنمیة والتکامل الإقلیمیین، وعندما یتم استبعاده -کما فی هذه الحالة-یصبح هو الحلقة المفقودة فی الوصول إلى التکامل الإقلیمی.

وکذا یجب فهم النزاع القائم حول تأسیس وتقویة التجمعات البرلمانیة الإقلیمیة باعتباره امتدادًا للنزاعات الداخلیة بین السلطات التنفیذیة والبرلمانات حول الفضاء والتأثیر السیاسیین، فإلى حد ما، أدى تأسیس وتقویة التجمعات البرلمانیة الإقلیمیة إلى تنافس داخل البرلمانات الوطنیة بین التشریع الوطنی والتشریع الإقلیمی، وخاصةً بین أعضاء کلا المستویین ممن لدیهم سلطات متنافسة، یجب أن یتم تجاوز هذا التنافس، ویجب التشدید على تکاملیة هذین الکیانین حیث یمکن بذلک للبرلمانات الوطنیة أن تقوّی التوافق البرلمانی الإقلیمی، ویمکن للتجمعات البرلمانیة الإقلیمیة أن تکون منصة لبناء هذا التوافق، وللتشاور حول الشئون الإقلیمیة المهمة، ویمکن لبرلمان عموم أفریقیا -على الرغم من عدم امتلاکه أی سلطات تشریعیة- أن یکون مفیدًا فی تقویة التناغم بین العمل البرلمانی فی المستویات الوطنیة والإقلیمیة.

وعلیه، تؤکد الدراسة على إن قدرة التجمعات البرلمانیة الإقلیمیة الإفریقیة المحدودة على الترویج للتکامل الإقلیمی لا ینبغی أن یُساء فهمها بسبب الافتقار إلى مؤسسات حدیثة قادرة على المساهمة فی التکامل، أو غیاب الآلیات أو الرؤیة أو القیادة، خاصة فی ظل هیمنة المصالح الوطنیة على المصالح والقضایا الجماعیة الإقلیمیة، والهیمنة التنفیذیة على التشریعیة؛ وکافة هذه العناصر تتلاقى للحد من قدرات التجمعات البرلمانیة الإقلیمیة لتکون قوة لتعزیز التکامل الإقلیمی، ومع ذلک، فقد استطاعت التجمعات البرلمانیة الإقلیمیة الأفریقیة أن تزرع بذور التکامل الإقلیمی أو حافظت على آماله قائمة، وهی مساهمة هامة على الأقل فی الوقت الراهن.

وإذ لم تستطع التجمعات البرلمانیة الإقلیمیة حالیًا أن تقود مسار التکامل الإقلیمی، فبإمکانها الدعم باعتبارها عوامل محفزة ومعجّلة، بشرط أن تکون عازمةً على مواجهة التحدی والقیام بهذا الدور، والاستفادة من عملیة التکامل الأوروبی وخاصةً التطور التدریجی للبرلمانی الأوروبی حتى وصلت صلاحیاته للتشریع والرقابة کبرلمان وهذا یعطینا درسًا مفاده أن التکامل عبارة عن صیرورة وعملیة متدرجة ولیست حدثًاً یحدث دفعةً واحدة، فدور البرلمان فی عملیة التکامل لن یحدث تلقائیًا، بل سیتطلب من البرلمانات والتجمعات البرلمانیة الإقلیمیة تأکید سلطتها للوصول إلى تکامل أعمق، ویجب أن یتحول التمسک التشریعی والتنفیذی بالسیادة تدریجیًا إلى تجاوز القومیات والحدود، ومواجهة التحدیات الخارجیة التی تهدد التکامل الأفریقی کاتفاقیات الشراکة الاقتصادیة بین دول أفریقیا والکاریبی والمحیط الهادئ والاتحاد الأوروبی، ویجب أن یسترشد المجتمع الأفریقی بمثال الوحدة والتکامل من أجل مصلحة الشعب الأفریقی.

تحميل الدراسة كاملة

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى