دراسات سياسيةدراسات مغاربية

زيارة رئيس الجزائر إلى تونس.. الدلالات والأولويات

تهدف الزيارة الحالية (15 و16 ديسمبر الجاري) التي يقوم بها رئيس الجزائر “عبدالمجيد تبون” لتونس إلى تمتين العلاقات بين البلدين، وفقًا لما ورد في البيان الجزائري عن الزيارة، وتعد هذه الزيارة الخارجية الثانية له منذ تولي منصبه، وتأتي الزيارة في إطار تبادل الزيارات المكثفة بين كبار المسئولين في البلدين، ومن بينها تبادل الزيارات بين رئيس الوزراء الجزائري ورئيسة الوزراء التونسية، وكذا تبادل الزيارات على مستوى وزيري الخارجية.

كان من اللافت أن تشكيلَ الوفد الجزائري المصاحب للرئيس في هذه الزيارة يتضمن تقريبًا نصف أعضاء الحكومة الجزائرية، خاصة أولئك العاملين في المجالات الاقتصادية والأمنية. وقد أشارت مصادر جزائرية وتونسية إلى أن كافة الملفات مطروحة للتباحث خلال هذه الزيارة، وأن هناك مشروع اتفاقيات ثنائية تُغطي كلفة القطاعات الاقتصادية خاصة الطاقة والصناعة والتجارة بما يوفر فرصًا للشركات وللعمالة من البلدين.

وتكتسب هذه الزيارة أهميتها بالنظر إلى عدة اعتبارات، من أهمها:

1. التوجه الجزائري لزيادة الحضور الإقليمي بصفة عامة والحضور في شمال إفريقيا بصفة خاصة، ونسج التحالفات والتفاهمات الثنائية التي تزيد من هذا الحضور.

2.موازنة التحركات الإقليمية للمغرب، خاصة بعد التطور الذي شهدته علاقاتها بإسرائيل، وهو ما اعتبرته الجزائر مهددًا لأمنها، ويتطلب نوعًا من التحالفات المضادة.

3.حرص الجزائر على تكوين ائتلاف مع تونس للتعامل مع التطورات الليبية كأهم دولتي جوار، والانطلاق من موقف مشترك يتعامل مع الأطراف الأخرى المنخرطة في الأزمة، وهو ما يأتي على حساب التعامل مع مصر والمغرب. ومن جانبه، قال الرئيس الجزائري إنه “تبادل الرؤى مع نظيره التونسي حول مجموعة من القضايا الإقليمية، خاصة بشأن ليبيا”، مضيفًا: “نأمل أن تتخلص ليبيا من المرتزقة، وأن يعود الوئام بين الليبيين”.

ويمكن فهم هذا الاعتبار في ضوء التطورات المنتظرة في الأزمة الليبية والخاصة بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر لها الشهر الجاري، والتي تزيد من حدة الاستقطاب والتفاعلات المتناقضة لأطراف إقليمية ودولية.

4.تصاعد أنشطة “داعش” و”القاعدة” في مناطق الحدود بين الدولتين يفرض التعاون الأمني بين الجزائر وتونس تحسبًا لتزايد هذه الأنشطة.

5. تأتي الزيارة في أعقاب قرارات الرئيس التونسي “قيس سعيد” الأخيرة، وخاصة قرار مد تعطيل البرلمان لمدة عام، وإعداد دستور جديد، بما يعني إعادة هيكلة النظام التونسي بصورة كاملة، ومن ثم فإن الزيارة تحمل دعمًا جزائريًا للرئيس التونسي على هذا المستوى، وهو ما عبّر عنه الرئيس “سعيّد” بقوله، إن “التعاون مع الجزائر مهم لمواجهة التحديات، وإن العلاقات مع الجزائر ستتطور بشكل أكبر في المستقبل، بما يحقق مصلحة البلدين”.

أولويّات الزيارة الرئاسية الجزائرية لتونس
من الطبيعي أن تكون العلاقات الاقتصادية والدعم الاقتصادي الجزائري لتونس أولوية في مباحثات الرئيسين الجزائري والتونسي، حيث تتفهم الجزائر طبيعة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تونس، وما تمثله من ضغوط على الرئيس التونسي في هذه المرحلة، وهو ما دفعها العام الماضي لتقديم وديعة بقيمة 150 مليون دولار إلى البنك المركزي التونسي، بالإضافة إلى تقديم تسهيلات كبيرة للغاز والمحروقات المصدرة من الجزائر إليها.

وجاء توسيع الاتفاقيات الاقتصادية والأمنية بين البلدين في إطار التوقعات المسبقة للزيارة، وبالفعل وقّعت الجزائر وتونس على 27 اتفاقية تعاون بين البلدين، منها اتفاقيات تتضمن عدة قطاعات تشمل: العدل، والداخلية، والطاقة، والصناعات المتوسطة والصغيرة والناشئة، والصناعات الدوائية، والبيئة، والشئون الدينية، والتربية، والتأهيل المهني، والصيد البحري، والإعلام، والثقافة. وكان البلدان عبَّرا عن رغبتهما في تحقيق “الاندماج والتكامل بين البلدين والتنسيق الاستراتيجي بينهما”، وتنمية “المناطق الحدودية واستكمال المشروعات الاندماجية في البلدين من أجل تعزيز دعائم التنمية المندمجة التي يطمح البلدان إلى تحقيقها، وفقًا للرؤية المشتركة لقائدي البلدين”.

وفي التقدير، سوف تنجح الجزائر من خلال هذه الزيارة الرئاسية في تحقيق الكثير من أهدافها، وطرح نتائج إيجابية للتعاون الثنائي بين الدولتين، وتقديم تفاهمات واضحة بينهما على كافة المستويات، في ضوء الإعداد الجيد لجدول أعمال الزيارة، كما يُحقق التفاهم الجزائري-التونسي والدعم المتوقع من الجزائر للاقتصاد التونسي نوعًا من التحالف يحاصر الدور المغربي في شمال إفريقيا، ويحد من تأثيرها في الأزمة الليبية.

وبالنظر إلى العلاقات الجيدة بين الجزائر وإيطاليا؛ فإن الجزائر تتمتع بعلاقات جيدة مع روسيا ربما تخدم دورها في التطورات الليبية. كما ظهر مؤخرًا حرص فرنسا على تحسين العلاقات مع الجزائر بما يمكن أن ينعكس إيجابيًا على صياغة تحالف بين الجزائر وتونس.

ويمكن فهم التحرك الجزائري على هذا المستوى في إطار تهيئة رأي عام عربي يدعم وجهة نظر الجزائر في عدة ملفات من المتوقع أن يتم طرحها في القمة العربية القادمة في الجزائر في مارس المقبل، خاصة الملفات الخاصة بالقضية الفلسطينية، وعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى