دراسات سياسية

سياسات تجويع المصريين: تدمير الأرز المصري

د. عبد التواب بركات





لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

أصدر وزير التموين والتجارة الداخلية المصرية في 23 أغسطس 2022 قرارا يقضي بإجبار مزارعي الأرز على توريد واحد طن من المحصول عن كل فدان لحساب هيئة السلع التموينية، وهو ما يعادل 25% من إنتاجية الفدان بسعر 6600 جنيه للطن من الأرز رفيع الحبة، و6850 جنيه للطن عريض الحبة. وقال الوزير إن الحكومة تستهدف شراء 1.5 مليون طن من الأرز خلال موسم التوريد لهذا العام لدعم الأمن الغذائي من السلع الاساسية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من سلعة الأرز وتأمين احتياجات بطاقات التموين من هذه السلعة الإستراتيجية.

وأكد الوزير على أن الأسعار التي فرضتها الحكومة مجزية جدا وتحقق هامش ربح جيد وعادل للمزارعين. وفي حالة امتناع المزارعين عن التسليم الإجباري للكمية المحددة، يعاقب المزارع بحرمانه من زراعة الأرز في العام التالي، إضافة إلى عدم صرف الأسمدة والمبيدات الزراعية المدعمة لكافة انواع الزراعات ولمدة عام، ويعد عدم التسليم مخالفة تموينية يحتسب بمقتضاها قيمة الأرز غير المسلم بمبلغ عشرة آلاف جنيه لكل طن يلتزم بسدادها كل من يمتنع عن تسليم الكميات المحددة، وفق قرار الوزير رقم 109 لسنة 2022.  

القرار يؤكد سياسة الجنرال عبد الفتاح السيسي التي استهدفت تدمير المحاصيل الإستراتيجية المكونة للأمن الغذائي المصري، القمح والأرز والقطن وقصب السكر من خلال فرض أسعار بخسة للمحاصيل لا تحقق هامش ربح مجز، بل وتحقق خسائر للفلاحين، ما يصرفهم عن التوسع في زراعتها الموسم التالي إلى زراعات أخرى هامشية مثل الكنتالوب وبطيخ لب التسالي.

والسؤال هنا، هل سعر الأرز الذي فرضته الحكومة مجز وعادل للفلاحين؟! وهل تنجح سياسة التوريد الإجباري في دعم الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الأرز كمحصول إستراتيجي؟!، وهل كانت الحكومة حريصة على تأمين احتياجات بطاقات التموين من الأرز كسلعة الإستراتيجية منذ 2013؟!

أولاً: جودة الأرز المصري

محصول الأرز من محاصيل الحبوب الغذائية الرئيسية في مصر والتي يعتمد عليها غالبية المصريين في غذائهم، وهو أنجح محصول غذائي في مصر على الإطلاق. وهو بديل رغيف الخبز ورديفه على موائد المصريين، الفقراء والأغنياء. وهو بديل للمكرونة مرتفعة السعر، ولرغيف الخبز الحر غالي الثمن أو التمويني رديء الصناعة. وتقوم عليه صناعة ضرب الأرز العملاقة والتي تعمل بها مئات من مضارب القطاع الخاص، و7‏ شركات مملوكة للدولة يعمل فيها‏ 25‏ ألف عامل.

وهو محصول الحبوب الوحيد الذي تحقق مصر منه الإكتفاء الذاتي لسنوات عديدة وتوفر فائض للتصدير بلغت 48% من جملة الإنتاج في عام 2011. حيث وصلت الصادرات في سنة 2007 إلى مليون طن بقيمة مليار دولار.

وفي أكتوبر سنة 2013 قرر نظام السيسي فتح باب التصدير لحوالي مليون طن بقيمة مليار دولار، واشترط على التجار توريد طن أرز أبيض بقيمة 2000 جنيه لوزارة التموين مقابل كل طن يتم تصديره للخارج بجانب توريد 280 دولارا عن كل طن يتم تصديره لخزانة الدولة.

زادت مساحة الأرز بعد ثورة يناير، وبمعدلات فاقت الـ 30% وبلغ اﻠﻣﺭﺗﺑﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ في الصادرات الزراعية ﺑﻧﺣﻭ 32% من قيمتها في 2012، وأعلن المجلس التصديري للحاصلات الزراعية في يونيو/ حزيران 2013 أن مصر احتلت المركز الحادي عشر بين الدول المصدرة للأرز، وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي أن حجم إنتاج مصر من الأرز عام (2012-2013) بلغ 5.7 ملايين طن.

وللأرز المصري شهرة دولية لتميزه في الجودة والطعم، وهو من الطراز قصير الحبة عالي الجودة ومرغوب في أسواق الأرز الدولية، والمتاح منه لا يتجاوز 5 ملايين طن، تتنافس عليها مصر والولايات المتحدة وأستراليا، ويتجاوز سعره الألف دولار للطن، وكان نصيب مصر منها 20%. ولا تجد نظاما يفرط في أمن شعبه الغذائي، ويهدر مزاياه النسبية والتنافسية، ويقوض دعائمه الاقتصادية، ويعبث بأمنه القومي واستقلاله السياسي، مثل ما يفعله النظام القائم في مصر منذ 2013.

ولا تزال مصر من أفضل الدول فى العالم أبحاثاً فى مجال الأرز، والعديد من دول العالم النامى والأفريقية ترسل باحثيها للتدريب والتعلم من الخبرة المصرية فى مركز البحوث والتدريب في الأرز بمحطة بحوث سخا التابعة لمركز البحوث الزراعية، وفقاً لاتفاقية تم توقيعها بين وزارة الزراعة وهيئة التعاون الدولي اليابانية «الجايكا»، لأن الأرز المصرى هو الأجود عالمياً والأصناف المصرية قادرة على تحمل الملوحة والجفاف.

واحتلت مصر المركز الأول على مستوى العالم في إنتاجية وحدة المساحة، بدايةً من الألفية الجديدة، بإنتاجية وصلت إلى 10 أطنان للهكتار، متفوقةً على دول رائدة في زراعة الأرز كالصين واليابان، وفق تصريح الدكتور حمدي الموافي، “موافي” الحاصل على الميدالية الذهبية في معرض جنيف الدولي للاختراعات 2022 لابتكاره صنف أرز يعطي إنتاجية 6 طن للفدان ويوفر 30% من المياه والسماد والتقاوي مقارنةً بالأرز التقليدي.

ثانياً: تخفيض المساحة بعد 2013

بعد شهرين فقط من انقلاب يوليو 2013، قال وزير الموارد المائية والرى، محمد عبد المطلب، إننا قد نلجأ إلى التوقف عن زراعة الأرز مستقبلا، ما يكشف عن نية مبكرة لمحاربة زرعة الأرز بحجة محدودية مياه الري.

وفي سنة 2014، أصدرا وزيرا الري والزراعة قرارا بتحديد المساحات المنزرعة بمحصول الأزر بمليون و 76 ألف فدان فقط للحد من هدر مياه الري المحدودة، وأعلن وزير الموارد المائية والري، محمد عبد المطلب، عن تطبيق غرامات على زراعة الأرز المخالفة دون تهاون أو استثناءات، وقرر تسيير لجان مشتركة مع الزراعة حملات لإزالة شتلات الأرز المزروعة في الأراضي المخالفة.

في سنة 2015 أطلق وزير الموارد المائية والري، حسام مغازى، حملة قومية لإزالة زراعات الأرز المخالفة التي قال عنها أنها تمثل خطورة على الثروة المائية المحدودة كون الأرز من المحاصيل الشرهة في استهلاك المياه. وشدد على أنه يحظر زراعة الأرز في غير المناطق المصرح بها وأن قرار زراعة الأرز لعام 2015 تضمن السماح بزراعة 1.076 مليون فدان أرز. وفي 2016، أوضح مغازي، أن الحكومة بدأت خطة الاستعداد لمواجهة آثار المشروع الإثيوبي على مصر من خلال بدء تخفيض المساحات المنزرعة بالأرز إلى 700 ألف فدان بدلا من مليون و100 ألف فدان. وفي يناير 2017 اعترف مغازى نفسه بعد ترك الوزارة بأن تقليل المساحات أو حرمان بعض المحافظات من زراعة الأرز سينتج عنه مشاكل اجتماعية واقتصادية.

في سنة 2016، أعلنت وزارة الري تخفيض مساحة الأرز، بنحو 13.5% على الأقل، ضمن مساعٍ حكومية لتوفير مياه. وقال الوزير محمد عبد العاطي، إن الدولة لن تستجيب للشكاوي المطالبة بإسقاط الغرامات الخاصة عن الفلاحين مهما كانت الأسباب، وأن السيسي يؤيد تطبيق الغرامات على المحاصيل الشرهة للمياه مثل الأرز وقصب السكر ومحصول الموز. واستقبل مواطنون قرار الحكومة بتخفيض زراعة الأرز، بغضب عارم، تلك قرارات تذكّرهم بانهيار زراعة القطن التي تقترب على الاختفاء من مصر، وقال بعضهم أن أرضهم لا تصلح سوى بزراعة الأرز.

في نفس الموسم، 2016، استهدفت الحكومة شراء مليوني طن من الأرز المحلي ووضعت سعر 3000 جنيه للطن، 160 دولار، ولكنها فشلت بسبب امتناع المزارعين عن البيع لتدني السعر الذي يقل عن نصف سعر السوق. وللرد على تمسك المزارعين بسعر عادل حيث وصل سعر السوق إلى 6000 جنيه للطن، أعلنت عن مناقصة لاستيراد الأرز الهندي بعد وصول المخزون إلى الصفر!

وقامت وزارة التموين ببيعه للمواطنين بسعر 8 جنيهات للكيلو، وهو نفس سعر الأرز المصري الذي رفضته الحكومة في وقت يباع فيه الأرز الهندي في أسواق الخليج بنصف سعر الأرز المصري!

في عام 2018، حدث التطور الأهم حيث استحدث نظام السيسي تعديلات على قانون الزراعة المصري المعمول به منذ سنة 1966 تقضي بعقاب مزارعي الأرز بالحبس حتى 6 أشهر، وبالغرامة المالية حتى 20 ألف جنيه، لمن يزرع الأرز في مناطق غير مصرح بها، بعد أن كانت تقتصر العقوبة على غرامة مالية لا تزيد على خمسين جنيهاً. وخفضت الحكومة مساحة الأرز إلى 724 ألف فدان. ما أحدث فجوة استهلاكية تقدر بحوالي 3 ملايين طن تحول الدولة للاستيراد دون شك. وهو ما حدث حيث أمر السيسي باستيراد الأرز من الخارج. وقررت وزارة التموين إحلال المكرونة محل الأرز في منظومة السلع التموينية لموجهة نقصه، رغم أن المكرونة تصنع من القمح الذي تستورده مصر بمعدل هو الأعلى في العالم.

خفض المساحة المسموح بزراعتها من الأرز من سنة إلى أخرى، وزيادة الغرامات المفروضة على المزارعين وسجن الفلاحين بحجة الزراعة دون ترخيص، أدت جميعها إلى تراجع الإنتاج وعدم كفايته للاستهلاك المحلي فضلا عن التصدير. وخلال هذا الشهر، سبتمبر 2022، قامت الحكومة باستيراد الأرز من الهند بسعر يزيد عن الأسعار التي اقترحها التجار المصريين قبل الأزمة بحوالي 3000 جنيه في الطن، ما يعد إهدارا للمال العام.

وفي مقابل تراجع مساحة الأرز، لم تعمل الحكومة على تشجيع الفلاحين على زيادة مساحة الزراعات الصيفية التي يمكن أن تعوض مساحة الأرز المنقوصة، وهي القطن والذرة، ما يؤكد سعي النظام لتقليص مساحة الأرز فقط. فقد كشفت البيانات الرسمية عن انخفاض مساحات زراعات القطن من 333 ألف فدان في موسم 2012، إلى 131 ألف فدان في موسم 2016، ووصلت في موسم 2020 إلى 171 ألف فدان، و231 ألف فدان في 2021. وكذلك مساحة الذرة التي ظلت في حدود 2.16 مليون فدان في سنة 2012، و2.33 مليون فدان في موسم 2018.

أصدر معهد بحوث الاقتصاد الزراعي التابع لوزارة الزراعة تقريرا في أبريل سنة 2020، بعنوان، أثر خفض مساحة الأرز علي دخول المزارعين في جمهورية مصرالعربية. وجاء في التقرير أن مساحة محصول الأرز انخفضت على مستوى الجمهورية من 1.47 مليون فدان في عام 2012، حتى وصلت عام 2018 إلى نحو 859 ألف فدان. وتناقصت المساحة بحوالي 613 ألف فدان بمعدل نحو 41%. وجاء في التقرير أن الإنتاجية الفدانية لمحصول الأرز بلغت أعلى إنتاجية في سنة 2013، بمعدل 4.03 طن/ فدان ثم انخفضت إلى 3.63 طن/ فدان في سنة 2018، بمعدل تناقص بلغ 9.1%.

وأثبت التقرير أن الإنتاج الكلي لمحصول الأرز بلغ أعلى ذروة في سنة 2012، بمعدل 5.9 مليون طن، ثم انخفض من سنة إلى أخرى حتى وصل إلى 3.12 مليون طن في سنة 2018، بمعدل تناقص بلغ 47%. ورغم أن أسعار الأرز ارتفعت، لكن صافي العائد انخفض بسبب تزايد تكاليف الأسمدة والتقاوي والوقود. حيث بلغ صافي العائد لمحصول الأرز عام 2012 حوالي 3620 جنية/ فدان وتناقص حتى وصل عام 2018 إلى حوالي 2758 جنية/ فدان، وبلغ معدل التناقص نحو 23.8%.

والسؤال المهم هنا، كيف يتم تخفيض مساحة الأرز رغم تزايد عدد السكان، وهو المحصول الإستراتيجي الداعم للأمن الغذائي، وقد كانت المساحة 1.6 مليون فدان في سنة 2006، فإذا هي 724 ألف فدان في سنة 2017، وقد كان من المخطط له أن تكون 1.1 مليون فدان في سنة 2030، وفق إستراتيجية الزراعية؟!

ثالثاً: فرض أسعار بخسة

في أكتوبر سنة 2016، ألغت الحكومة مناقصة توريد الأرز المحلي بسبب رفض المزارعين بيع الأرز بسعر 3000 جنيه للطن، وهو السعر الذي فرضته الحكومة في حين وصل السعر إلى 4500 جنيه للطن رغم الاعتراف بوصول رصيد الأرز إلى صفر. وفي محاولة من النظام لعلاج فشله في توفير الأرز ومواجهة ارتفاع أسعاره ونقص إمداداته في البقالات التموينية، طرح مناقصة، انتقامية، لاستيراد الأرز الهندي بدل المحلي رغم أن الإنتاج المحلي وتفيض عن الاستهلاك، إذ يقدر حجم الاستهلاك السنوي بـ 3 ملايين و400 ألف طن، فى حين يقدر الناتج المحلي بحوالي 4.5 مليون طن ويفيض أكثر من مليون طن عن الحاجة!

وزير التموين وهو عسكري برتبة لواء أركان حرب وتقلد منصب رئيس هيئة الإمداد والتموين فى القوات المسلحة، طالب المصريين بالامتناع عن عمل المحشي، الذي يطهى من الأرز، لحل الأزمة، ما أثار السخرية منه على مواقع التواصل الاجتماعي.  النقابة العامة للبقالين التموينيين رفضت القرار، باعتبار أن المكرونة سلعة غير أساسية للمواطن المصري، والطلب عليها منخفض، عكس الأرز، ما سيخلق أزمة جديدة.

المكرونة التي تصنع من القمح الصلب المستورد يزيد سعره عن قمح الخبز العادي بحوالي 50 إلى 100 دولار للطن، وبسبب شح الدولار وتخطيه حاجز 19 جنيه مصري يجعلها بديل مكلف وغير منطقي، فيتراوح سعر المعبأة منها بين 3.25 جنيه و5.5 جنيه، للعبوة زنة 400 جرام فقط، ليتجاوز سعر الكيلو المعبأ 10 جنيهات!

والعكس في حالة الأرز، إذ يفضله المصريون ويعتبرونه سلعة أساسية يكاد لا تخلو منه مائدة في وجبة الغداء، وسعره الذي يتراوح في محال التجزئة بين 7 إلى 8 جنيه للكيلو يظل أقل من سعر المكرونة المعبأة، فلماذا تصر الحكومة على شراء البديل المستورد غير المرغوب على حساب الأصيل المحلي المتوفر الذي لا غناء عنه؟! النظام غضب من المزارعين الذين أفشلوا خطته في شراء 2 مليون طن هذا العام، ورفض الشراء بسعر أعلى من 3000 جنيه للطن، 160 دولار! وأعلن عن طرح 35 ألف طن من الأرز الهندي للرد على تعنت المزارعين وتمسكهم بأسعار عادلة!

الأرز الهندي الذي استورده الوزير أقل جودة ولا يقل سعره عن 410 دولار للطن، ما يعني أن سعره لن يقل عن 8 جنيهات للكيلو، وهو نفس سعر الأرز المصري الذي يرفضه الوزير! النظام قرر الانتقام من مزارعي الأرز فاعتمد الجنرال السيسي خطة لتخفيض مساحة الأرز المصري من مليون ونصف فدان إلى 700 ألف فقط، بنسبة 50%، وشدد على تحصيل غرامة قدرها 3700 جنيه على كل فدان أرز مخالف وهي الغرامة التي كان الرئيس محمد مرسي قد أسقطها عنهم! وفي 2017، تكرر الأمر، وشكى الفلاحون من تدني أسعار الأرز الذي تفرضه الحكومة، والتي لا تغطي تكلفة إنتاجه؛ وفي حين يتم بيعه بسعر 6300 جنيه، حددت الحكومة سعره للمزارعين بـ 3800 جنيه هو سعر مناسب للطن.

رابعاً: الانتقام من مزارعي الأرز

طالب أحد نواب البرلمان إسقاط الغرامات التي وقعتها وزارة الموارد المائية والري على مزارعي الأرز لأنها أكبر من طاقتهم. وعقب السيسي على حديثه قائلاً: “الفلاحين دول أهلي وناسي لكن الأوطان مش بتتبني بالخواطر ولا بد من الالتزام والانضباط، وأنه ليس ضد زراعة الأرز في مصر، ولكن الالتزام بالتعليمات والقواعد الخاصة بالمساحات المخصصة لزراعة الأرز وفقاً لكمية المياه المتاحة، السنين اللي فاتت حصل تجاوز ترتب عليه نقص في المياه المتاحة لمصر، وقال إن المصريين إذا كانوا يتحدثون عن خطورة المساس بحق مصر في المياه بسبب بناء السد الإثيوبي، فإن زراعة الأرز بمساحات أكثر من المتاحة تعد مساساً بحق شعب مصر في المياه كذلك. مطلب العفو عن الفلاحين مش بإيدي لإن المية مش بتاعتي، ومعايا هنا رئيس الحكومة ورئيس البرلمان اللي بيتكلم عن الشعب.

وبعد ساعات قليلة من هجوم عبد الفتاح السيسي على الفلاحين فى خطابه الأخير، بزعم أنهم وراء تفاقم أزمة مياه النيل، توعد محمد عبد العاطي، وزير الري، مزارعي الأرز بعقوبات صارمة، مؤكدا عدم الاستجابة للمطالبات بالتنازل عن تلك الغرامات. وقال عبد العاطي، في تصريحات صحفية، إنه «لن يتم التنازل عن تحصيل قيمة المخالفات أو إلغائها، ولن نستجيب للطلبات الكثيرة الخاصة بالتنازل عن الغرامات»، مشيرا إلى أن هذه المخالفات تقلل من قدرة الدولة على ترشيد استهلاك مياه الري وتوفيرها لخطط التوسع الأفقي بالأراضي الجديدة.

وقال رئيس قطاع توزيع المياه بوزارة الرى، عبد اللطيف خالد، إنه «سيتم فرض عقوبات مشددة على مخالفات الأرز، حيث سيتم تطبيق غرامات الأرز بواقع 3660 جنيها للفدان في المناطق التي تروى مباشرة بالمياه، بعد مضاعفة غرامات مخلفات الأرز من 30 قرشا إلى 60 قرشا عن كل متر مكعب للمياه بعد مضاعفتها، بالإضافة إلى المصاريف الإدارية التي تصل إلى 90 قرشا حتى تكون رادعاً للمخالفين».

بعد موقف السيسي بأيام، رد رئيس قسم بحوث الأرز بمركز البحوث الزراعية، الدكتور سعد شبل، بقوله إن حظر زراعة الأرز يؤدي إلى تدهور ثلثي أراضي الدلتا، ومصر تصنف عالمياً بأنها الأعلى إنتاجاً من وحدة المساحة والمياه فى العالم، كما أن النوع المصرى هو الأجود أيضاً ولا ينافسه فى الأسواق العالمية إلا أرز كاليفورنيا. وأن مركز البحوث الزراعية يبذل جهوداً لزيادة الإنتاجية من وحدتي المساحة والمياه، واستنباط أصناف قادرة على تحمل الملوحة وتستهلك مياهاً أقل وعمراً أقصر.

الأصناف القديمة التى كانت تزرع قبل عام 2001 يبلغ استهلاكها 9 آلاف متر مكعب من المياه، إلا أنه بعد أبحاث علمية طويلة تم إنتاج أصناف يمكنها توفير ثلث كمية المياه، وتم إنتاج أصناف لا يزيد استهلاكها للمياه عن 4.5 ألف متر مكعب فقط، وإنتاجها يبلغ 4 أطنان. احتياجات مصر من محصول الأرز سنوياً تبلغ 5.3 مليون طن شعير يتم إنتاجها من 1.3 مليون فدان، (الفدان ينتج 3.5 طن)، ما يحقق الاكتفاء الذاتى.

المساحات المزروعة من الأرز يجب أن تكون فى مواقع جغرافية متاخمة للبحر المتوسط بهدف منع تسرب المياه المالحة إلى الدلتا، التى يمكن خلال ثلاث سنوات فقط من حظر زراعته أن تتسبب فى تدهور الأراضى الزراعية لثلثى المساحة وسوف يظهر الملح أعلى التربة، كما أن استمرار زراعة محاصيل أخرى بديلة كالقطن والذرة لن يحقق الغرض منه فالمياه العذبة تقوم بالضغط على الأرض لمنع وصول أملاح البحر إلى الدلتا، كما أنه يتم الاعتماد على مياه المصارف الزراعية المقبلة من محافظات الدلتا الجنوبية كمصرف كوتشنر وحادوس والرهاوي لزراعة الأرز فى الشمال بدلاً من إلقائها فى البحر المتوسط.

استهلاك محصول الأرز سنوياً من المياه لا يزيد على 6 مليارات متر مكعب من جملة حصة مصر من مياه النيل البالغة 55.5 مليار متر مكعب، 50% منها مياه صرف زراعى على مياه نيلى. لا يمكن حرمان المستهلك المصرى من محصول الأرز باعتباره الوحيد الذى تمكنت فيه مصر من الاكتفاء ذاتياً، وفى حال حظره لن نتمكن من العودة مرة أخرى لتحقيق الاكتفاء الذاتى، وسوف تكون هناك مأساة، ومن الخطورة بمكان اتخاذ قرار منفرد بحظر زراعته ولا بد من مشاركة متخصصين حتى لا تتجه سلة الغذاء المصرية إلى الخارج كما يحدث فى القمح والزيت والذرة، وإذا ما قررنا العودة مرة أخرى فلن نتمكن قبل مرور عشر سنوات حتى تعود كفاءة التربة مرة أخرى.

وأكد شبل على أن مصر من أفضل الدول فى العالم أبحاثاً فى مجال الأرز، والعديد من دول العالم النامى والأفريقية تتعلم فى محطة بحوث سخا التابعة لمركز البحوث الزراعية، وفقاً لاتفاقية تم توقيعها بين وزارة الزراعة وهيئة التعاون الدولي اليابانية «الجايكا»، فالأرز المصرى هو الأجود عالمياً والأصناف المصرية قادرة على تحمل الملوحة والجفاف.

خامساً: غياب الأرز من منظومة البطاقات التموينية

الجنرال عبد الفتاح السيسي ليس حريصا على الأمن الغذائي للمواطن المصري، ولا على تأمين احتياجات بطاقات التموين من الأرز كسلعة الإستراتيجية، ولا يعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأرز، ولا يوفر الأسمدة والمبيدات والتقاوي بأسعار مدعمة كما يدعي القرار. ذلك أن هيئة السلع التموينية توقفت عن بناء مخزون احتياطي إستراتيجي من الأرز، بوصول الجنرال السيسي إلى الحكم، وامتنعت عن شراء الأرز من الفلاحين بنظام التوريد المباشر، الذي استحدثة الرئيس محمد مرسي في 2012، إلى الشراء من التجار بنظام المناقصات.

جاء في تقرير معهد بحوث الاقتصاد الزراعي التابع لوزارة الزراعة والصادر في إبريل سنة 2020، بعنوان أثر خفض مساحة الأرز علي دخول المزارعين في جمهورية مصر العربية، أن متوسط استهلاك الفرد من محصول الأرز بلغت حوالي 44 كيلو جرام/ للفرد في السنة عام 2012، ثم تناقص حتى وصل عام 2018 إلى حوالي 32 كيلو جرام/ للفرد سنة، بمعدل انخفاض 27% عن بداية الفترة.

ثم أثبت تقرير الجهـاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن متوسط نصيب الفـرد من الأرز انخفض في سنة 2019 إلى 26.7 كيلو جرام للفرد في السنة. وفي سنة 2020 وصلت إلى 29.6 كيلو جـرام/ للفرد في السنة.

في شهر سبتمبر الماضي 2022، ارتفعت أسعار الأرز إلى 18 جنيه للكيلو، واختفى من الأسواق تقريبا. وأصدر وزير التموين قرارا بخفض مقررات الفرد الشهرية في منظومة البطاقات التموينية من 2 كيلو للفرد، إلى كيلو واحد فقط للأسرة التي يقل عدد أفرادها عن 4 أفراد، و2 كيلو لباقي الأسر مهما كان عدد أفرادها. بمعنى أن الأسرة المكونة من أربعة أفراد والتي كانت تصرف 8 كيلو جرام شهريا أصبحت تصرف كيلو جرام واحد فقط في الشهر! والأسرة المكونة من ستة أفراد والتي كانت تصرف 12 كيلو جرام شهريا أصبحت تصرف 2 كيلو جرام فقط في الشهر! وهذه السياسة أدت إلى ارتفاع أسعار الأرز في السوق إلى 18 جنيه للكيلو، وبالتالي تراجع قدرة الأسر الشرائية وزيادة أعبائها، وتنعكس زيادة الأسعار بلا شك على صحة أفراد الأسرة وخاصة الأطفال وعلى الإستقرار الأسري.

تأكيد ذلك أن عدد بطاقات التموين في 2022، هي 23 مليون بطاقة تموين يستفيد من خلالهم 64 مليون مواطن، ما يتطلب توفير 2 كيلو جرام أرز في الشهر، بمعدل 1.5 مليون طن أرز أبيض. ولكن الحكومة توفر أقل من المطلوب بكثير. يقول عضو غرفة الحبوب، مجدي الوليلي، أن وزارة التموين توفر سنوياً حوالي 360 إلى 420 ألف طن أرز فقط للبطاقات التموينية بسعر عشرة جنيهات للكيلو، من خلال طرح مناقصات محلية بأسعار مقاربة لأسعار السوق، للمضارب الحكومية التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية ومضارب القطاع الخاص.

محاربة السيسي للأرز بحجة إهداره المياه وترشيد الاستهلاك ليس إلا تطبيق لسياسة يوسف والي، وزير الزراعة في عهد المخلوع مبارك، والتي قامت على محاربة زراعة المحاصيل الإستراتيجية. فقد حارب والي محصول الأرز المصري، وأعلن عن تخفيض مساحة الأرز إلى 1.1 مليون فدان لصالح الأرز الأميركي المنافس الأكبر له والذي ورث حصة مصر في السوق الدولية كما سيأتي ذكره.  

سادساً: منع التصدير ثم الاستيراد

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 حظر نظام السيسي تصدير الأرز لحماية السوق المحلية وضمان أسعار بيع منخفضة، بحسب مبررات الحكومة المصرية. ولكن أعضاء شعبة الأرز بغرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات المصرية اتهموا وزير الصناعة والتجارة بعد الإنقلاب، منير فخري عبد النور، بالفساد من خلال السماح لتاجر غير مصري بتصدير الأرز.

وفي عام 2014، تم زراعة الأرز على مساحة 1.37 مليون فدان بنسبة انخفاض قدرها 3.9% عن العام السابق، وبلغت كمية الإنتاج 5.5 مليون طن عام بنسبة انخفاض قدرها 4.5%. في أكتوبر/ تشرين الأول من العام ذاته، وافقت الحكومة على فتح باب التصدير لحوالي مليون طن بقيمة مليار دولار، تدخل خزانة الدولة منها 280 دولارا عن كل طن يتم تصديره، وفي نهاية أغسطس/ آب 2015 قررت الحكومة المصرية وقف تصدير جميع أنواع الأرز لمدة عام اعتبارا من الأول من سبتمبر/ أيلول 2015.

أما في عام 2015، وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فقد تم زراعة 1.22 مليون فدان بالأرز مقابل 1.37 مليون فدان عام 2014 بانخفاض بلغ نسبته 11%، وبلغت كمية الإنتاج 4.82 مليون طن مقابل 5.47 مليون طن عام 2014 بانخفاض بلغ نسبته 11.9%. وفي أكتوبرمن العام ذاته، قررت وزارة التجارة والصناعة المصرية السماح مرة أخرى بتصدير الأرز المضروب لمدة ستة أشهر مع فرض رسوم قدرها 255 دولارا للطن، وبررت الوزارة قرارها والذي يعد تراجعا عن قرار سابق بالحظر بوجود فائض من المحصول. فرض رسوم على صادرات الأرز هو سياسة عقابية للمزارعين والمصدرين، ذلك أن الدولة تصرف حافز تصديري لباقي الصادرات

ولماذا تفرض الحكومة رسم تصدير على الأرز، ولماذا لا تذهب الرسوم لجيب مزارعي الأرز، في حين تدفع الحكومة حوافز تصدير لمصدري المحاصيل غير الإستراتيجية، مثل البرتقال والفراولة والبطاطس؟!، ثم تتعامل مع مزارع الأرز الذي يكد لينتج قوت الشعب ويؤمن غذاءه على هذا النحو غير المنصف، وتقارير البنك الدولي تؤكد أن 80% من الفقراء في مصر هم من صغار المزارعين، وتعترف وزارة الزراعة أن هذه الفئة من المزارعين هي التي تنتج 85% من المحاصيل الأساسية من قمح وأرز.

وزير التموين الأسبق، محمد أبو شادي، صرح في 22 أغسطس/آب 2014 بأن إقالته كانت بسبب امتناعه عن استيراد أرز هندي سيئ. وفي مارس 2016 أعلنت الهيئة العامة للسلع التموينية في مصرأنها تسعى لشراء كميات من الأرز في مناقصة دولية، وذلك للمرة الأولى منذ عشرين عاما، على الرغم من فائض في المحصول المحلي، وقال ممدوح عبد الفتاح نائب رئيس الهيئة أن هذه أول مناقصة عالمية للأرز تطرحها الهيئة الحكومية منذ عشرين عاما. ونشرت وكالة رويترز للأنباء تقريرا يشير إلى أن وفرة محصول الأرز في مصر تحولت إلى نقمة على الفقراء، بسبب تجاهل وزير التموين خالد حنفي لتوصية لجنة متخصصة بشراء كميات من الأرز المحلي وتخزينها كرصيد احتياطي.

في 2017، سمحت وزارة الموارد المائية والري بزراعة 1.1 مليون فدان بمحصول الأرز في موسم 2017، لكن جملة المساحة التي تم زراعتها على أرض الواقع بلغت 1.8 مليون فدان، أنتجت حوالي 5.1 ملايين طن، وهو ما يعني أن هناك فائضاً عن الاستهلاك المحلي بحوالي مليون طن، ورغم ذلك فقد وصل سعر كيلو الأرز 7- 9 جنيهات، وتم مد سريان حظر تصدير الأرز، ما يكشف عن فساد في التصدير من خلال الجهات السيادية.

سياسة استيراد الأرز الأجنبي دمرت صناعة ضرب الأرز المحلية العملاقة، والتي تعمل بها 7‏ شركات مملوكة للدولة ومئات المضارب الخاصة وشرد‏ 25‏ ألف عامل يعملون فيها حيث توقفت المضارب لشهور طويلة ثم لسنوات. واختفى الأرز من الأسواق، ووصل العجز في منظومة السلع التموينية إلى 100% في محافظات الصعيد، والوجه البحري إلى 80%، ثم رفع تماما من المنظومة لعدة شهور. وبذلك حول الجنرال السيسي مصر من الاكتفاء الذاتي وتصدير الفائض، إلى العجز والاستيراد من الصين والهند.

سابعاً: المستفيد من غياب الأرز المصري

المستفيد من تدمير الأرز المصري هو الولايات المتحدة، باعتبارها المنافس الأكبر للأرز المصري عريض الحبة، وكانت مصر تستحوذ على 20% من حجم التجارة العالمية للأرز، حتى أخرجها السيسي من السوق العالمي. في يوم 5 إبريل/نيسان 2017، زارت مصر بعثة من وزارة الزراعة الأميركية، وقال عضو البعثة وممثل رابطة منتجي الأرز من القطاع الخاص الأميركي، جريغ يلدنج، إن مزارعي الأرز الأميركيين استفادوا من غياب نظيره المصري في أسواق الشرق الأوسط، وإن الأرز الأميركي حل محله في دول الخليج وتركيا والأردن بسبب حظر تصديره.

يقول يلدنج “تركيا سوق هائلة وحتى الأرز الخشن يذهب إلى تركيا وهو الأرز غير المقشور، واستوردت نحو 71 ألفا و700 طن من الأرز غير المقشور من الولايات المتحدة و67 ألفا و400 طن من روسيا في موسم 2015-2016 وفقا لأحدث تقرير صادر من وزارة الزراعة الأمريكية، وقال يلدنج إن مزارعي الأرز الأمريكيين استفادوا في السنوات الأخيرة من غياب الأرز المصري في أسواق الشرق الأوسط في ظل حظر تصديره.

وفرضت مصر حظرا على صادرات الأرز عام 2008 قائلة إنها بحاجة لتوفير الأرز للاستهلاك المحلي في حين ترغب في ثني المزارعين عن زراعة المحصول لتوفير المياه. ورُفع الحظر وأعيد فرضه مرارا في السنوات الأخيرة مما تسبب في حدوث فجوة في أسواق إقليمية مثل الأردن وسوريا ودول الخليج التي تعتمد في العادة على الأرز المصري متوسط الحبة. وقال يلدنج “الأرز الأمريكي حل محله لأن مصر دخلت وخرجت من السوق عدة مرات. وبجانب الفوز بالحصة السوقية للأرز المصري على المستوى الإقليمي يرى يلدنج أيضا فرصة في دخول صادرات الأرز الأمريكية إلى مصر نفسها والتي تسبب فيها خلاف دام طويلا بشأن أسعار الأرز المحلي في حدوث نقص متقطع في السوق المحلية.

رفض المزارعون في موسم 2016 بيع الأرز إلى شركات المضارب الحكومية رغم وفرة الحصاد لأن سعر الشراء البالغ 2400 جنيه مصري (133.19 دولار) لطن الأرز الخام منخفض جدا. وقال يلدنج “عدم توافر الأرز في السوق واحتياج السوق له هو السبب وراء اهتمام شركات مصرية باستيراد الأرز المضروب وبعض الشركات مهتمة بتجربة صنف أرز الجنوب الأمريكي متوسط الحبة ومع نمو السكان في السوق المصرية نحو 2.5 مليون شخص سنويا فإنها (سوق) هائلة لذا هناك فرص كبيرة.

ثامناً: سياسات الرئيس مرسي للأمن الغذائي

كانت أحد سياسات الرئيس الدكتور محمد مرسي لتحقيق الأمن الغذائي، هي دعم مزارعي الأرز بالسعر المحفز. وفي مؤتمر احتفاله بعيد الفلاح بعد ثلاثة أشهر من انتخابه في سبتمبر سنة 2012، قرر رفع سعر توريد الأرز من 1400 جنيه للطن إلى  2050 جنيها. هذا القرار قضى على احتكار التجار أسعار الأرز التي لم تزد عن 1450 جنيها للطن. وأسقط الرئيس مرسي الغرامات المالية المفروضة على المزارعين من حكومات مبارك والمجلس العسكري والتي استهدفت منع التوسع في زراعته. ولأول مرة تبلغ مساحة الأرز قرابة 1.9 مليون فدان في موسمي 2012/2013. وكذلك كلف الرئيس مرسي وزارة التموين بشراء الأرز من المزارعين مباشرة وبناء مخزون إستراتيجي. فاشترت الوزارة 800 ألف طن، وهو احتياطي إستراتيجي لم تحققه حكومة من الحكومات من قبل ولا من بعد، وظل سعر الأرز في منظومة السلع التموينية سعر 1.5 جنيه فقط للكيلو، بمعدل 2 كيلو كل مواطن في الشهر.

قرار الدكتور مرسي حقق وفرة في الأرز الأبيض طوال السنة التي حكمها، ولم يزد السعر عن جنيه ونصف للكيلو في منظومة بطاقات التموين، وثلاثة جنيهات ونصف في السوق الحر، وعاد بالرخاء علي المزارعين الذين ربحوا 500 جنيه إضافية في كل طن كانت تذهب لمافيا الأرز، فأفاد القرار الفلاح المنتج والمواطن المستهلك، ودعم الأمن الغذائي المصري بزراعة الأرز كمحصول إستراتيجي وكبديل للقمح اللازم لصناعة الخبز وتستورده الدولة من الخارج بالدولار.

تاسعاً: توصيات ومقترحات

بعد اندلاع الحرب على أوكرانيا، كتبت مقالا في مارس/ آزار الماضي بعنوان، حلول جادة لأزمة الخبز في مصر، اقترحت أن تتوسع الحكومة في زراعة الأرز الذي تبدأ زراعته في شهر أبريل/نيسان، ليكون بديلا لرغيف العيش وللمكرونة التي تصنع من القمح أيضا، لتصل المساحة إلى 1.8 مليون فدان بدلا من 724 ألفاً التي تتمسك بها الحكومة كل سنة، بحجة توفير مياه الري. ولم تستجب الحكومة وتمسكت بنفس المساحة، ولكن المزارعون استشعروا الأزمة وتوسعوا في زراعة الأرز إلى 1.5 مليون فدان وفق تقدير وزارة الزراعة.

وقبل صدور قرار وزير التموين بشهر تقريبا كتبت مقالا بعنوان، بدائل علمية لحل أزمة الخبز في مصر، قلت فيه بالنص “نحن على أعتاب موسم الحصاد، ووصل سعر الأرز الشعير حاليّاً إلى 10 آلاف جنيه للطن، والأرز الأبيض إلى 15 ألف جنيه، ويتم تصدير كميات منه بألف دولار. لذلك أقترح أن تشتري الحكومة الأرز الشعير من الفلاحين بسعر 10 آلاف جنيه للطن، لتشجيع المزارعين على بيع المحصول لوزارة التموين وبناء مخزون إستراتيجي، يتم توزيعه على المواطنين من خلال البطاقات التموينية بسعر منخفض في حدود 5 جنيهات للكيلوغرام، وبمعدل 3 كيلوغرام للفرد في الشهر. وبذلك يتمكن المواطن من استهلاك الأرز ويخف الضغط على استهلاك الخبز. ويمكن تغطية تكلفة دعم الأرز من نقاط الخبز التي توفر 32 مليار رغيف، وفق ما ورد في الموازنة العامة للدولة”.

الذي حدث أن الحكومة فرضت سعرا مجحفا ونظاما للتوريد الإجباري عفى عليه الزمن وألغي قبل 30 سنة، وهي التي تحارب زراعة الأرز وتسجن من يزرعه بعيدا عن المساحة المحددة، وتمنع تصديره للخارج وفي نفس الوقت تغض الطرف عن جهات سيادية تصدره إلى ليبيا والسودان ودول الخليج بخمسة أضعاف السعر الذي اشتراه التجار من الفلاحين العام الماضي. ومن المفارقات غير الذكية، أن قرار وزير التموين الذي يحدد سعر شراء الأرز من الفلاحين بـ6850 جنيه للطن، يعاقب من يمتنع عن تسليم الأرز للحكومة بغرامة 10 آلاف جنيه عن كل طن، وهو السعر الحالي للأرز في السوق المحلي، وهو نفس السعر الذي اقترحته.

ومن المفارقات المضحكة، وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكاء، أن الصحف نقلت خبرا بعد إسبوع من قرار وزير التموين يفيد بأن مجلس الوزراء قرر تحديد سعر الأرز الأبيض بـ15 جنيه للكيلو المعبأ، وبـ12 جنيه للكيلو غير المعبأ. ما يعني أن سعر الأرز الشعير يمكن أن يصل إلى ضعف السعر الذي حدده وزير التموين للشراء من الفلاحين، وهو تربح فاضح من الحكومة على حساب الفلاحين المساكين، ولولا أن القرار نشر في الجريدة الرسمية برقم 66 لسنة 2022 في يوم 6 سبتمبر الحالي ما صدقت الخبر!.

ومن المناسب هنا التأكيد على أن الحل الأنسب لأزمة الأرز المصري وللزراعة المصرية جميعها، هو تطبيق تطبيق نظام الدورة الزراعية التي تنص عليها المادة 4 من قانون الزراعة وهي كافية لتوفير 25% من مياه الري، ما يعادل حوالي 13 مليار متر مكعب، تسمح بزيادة مساحة الأرز إلى 1.8 مليون فدان، وليس تخفيضها أو محاربة زراعته، وبالتالي تحقيق نسبة كبيرة من الأمن الغذائي المصري.

الدورة الزراعية تنظم تناوب المحاصيل الزراعية المختلفة على رقعة محددة من الأرض الزراعية، بحيث يُزرع المحصول المجهد للتربة مرة واحدة على الأكثر في نفس المساحة كل ثلاث سنوات على الأقل، ويعقب هذا المحصول المجهد محصول آخر مريح للتربة ومخصب لها مثل البقوليات أو البرسيم، وهكذا. من فوائد الدورة الزراعية أنها تحافظ على بناء وخصوبة التربة الزراعية، وهي وسيلة طبيعية لمقاومة الأمراض النباتية والحشائش والآفات الزراعية بحرمانها من العائل، وكذلك تزيد إنتاجية المحاصيل المتعاقبة المنضوية في الدورة بنسبة 35%، بجانب أنها توفر نسبة 25% من مياه الري كما سبق.

وللتاريخ فإن يوسف والي ألغى العمل بقانون الدورة الزراعية المعمول بها من عشرات السنين في 1993، بزعم تحرير قطاع الزراعة. ولخطورة الأمر لم يجرؤ على اصدار قانون رسمي بالغاء العمل بالدورة الزراعية، كي لا يضع نفسه تحت طائلة القانون، فهو يدرك أن إلغاء الدورة الزراعية هو تدمير للزراعة المصرية وجريمة لا تقل عن الخيانة العظمى. ولذلك ألغاها دون قرار رسمي، وببطئ وإصرار.

ومن المفارقات أن أول تصريح لكل وزراء الزراعة بعد سنة 2013، بدءا من أيمن فريد أبو حديد، ثم عادل البلتاجي، وصلاح هلال وعصام فايد لكن دون جدوى، ويتم تغيير الوزير تلو الوزير ولم يتم تطبيق الدورة الزراعية حتى الآن، رغم أنها مطلب الفلاحين والباحثين الزراعيين!

إلغاء الدورة الزراعية أدى إلى زيادة استهلاك المياه، وتدهور خصوبة التربة، وانهيار الصرف الزراعي وارتفاع المياه الجوفية وتطبيل الأراضي وتراجع إنتاجية وحدة المساحة، وانتشار الآفات والأمراض والحشائش، وزيادة استهلاك المبيدات الحشرية، وتسمم الأرض بسبب الإفراط في استخدام الأسمدة الآزوتية لتعويض النقص في خصوبة التربة نتيجة تكرار زراعة المحاصيل المجهدة للتربة، وكذلك عدم صلاحية كثير من المحاصيل للتصدير ورفضها في السوق الدولية وخسارة السمعة العالمية للحصلات الزراعية المصرية.





لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى