دراسات سياسية

صناعة الصورة الذهنية للرؤساء في الحملات السياسية والانتخابية

مجلة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، القاهرة، المقالة 6، المجلد 20، العدد 4 – الرقم المسلسل للعدد 81، الخريف 2019، الصفحة 151-170 

المؤلف د.علاء بسيونى الرميلى* کليه الاقتصاد والعلوم السياسية ، جامعة القاهرة، مصر.

  أصبحت فکرة تکوين صورة ذهنية إيجابية عن المرشحين السياسيين من أهم ما يشغل القائمين على الحملات الانتخابية في الوقت الحالي، وقد بدأ الاهتمام بصناعة تلك الصورة في الانتخابات الرئاسية الأمريکية بشکل متزايد بدءًا من ثمانينيات القرن العشرين([i])، حيث اُعتبر الاهتمام بالصورة بداية حقبة جديدة في سياسة التصويتوالتي تتمحور حول “السمات الشخصية للمرشح”، وتتماشى مع ازدياد الطابع الشخصي أو دور الأفراد (القادة) في الحياة السياسية في النظم السياسية الديمقراطية، فصناعة صورة المرشحين والسياسيين بصفة عامة والتي تترسخ في أذهان وعقول الناخبين وتدفعهم للتصويت في اتجاه معين؛ باتت أکثر أهمية في عصر يتسم بالتطور الهائل في التحولات التکنولوجية، فضلًا عن الحرفية المتزايدة للخبراء في هذا المجال، وذلک مقابل تراجع أهمية التمسک بالأيديولوجيات والانتماءات الحزبية في تأثيرها في السلوک التصويتي، حيث تدخل السياسة إلى عصر صناعة صورة المرشح السياسي، فالصورة التي يصنعها المرشحون لأنفسهم – طبقًا لمنهج التسويق السياسي- غالبًا ما تُصمم بغرض مخاطبة الشرائح الانتخابية المحتملة التي يرغب المرشح في مخاطبتها، ولإظهار ما يتميز به عن منافسيه[ii].

وبناءً على ما سبق، يأتي هذا البحث الذي يهدف إلى عرض بعض الجوانب النظرية لمسألة صناعة الصورة الذهنية الإيجابية للمرشحين في حملات التسويق السياسي الانتخابية بصفة خاصة؛ وللقيادات السياسية والزعماء بصفة عامة، إذ يعرض لتعريف وأهمية صناعة الصورة في الحملات الانتخابية، وماهية الصورة السياسية المثالية للقادة أو المرشحين في أذهان الناخبين، ثم يسلط الضوء على کيفية صناعة الصورة الذهنية الإيجابية للمرشح من خلال إلقاء الضوء على ما يميزه، وترجمة ذلک إلى سلوک خلال الحملة الانتخابية، وأخيرًا أدوات تشکيل الصورة الذهنية في الحملات الانتخابية المعاصرة، مثل: استخدام الإعلانات السياسية التليفزيونية، وفنون الخطابة، واستخدام الرمزيات السياسية، والتأثيرات العاطفية في صناعة صورة ذهنية إيجابية.

مع الطفرة الکبیرة فی تکنولوجیا الاتصال الحدیثة والتی تحتم التخطیط المسبق للقادة والرؤساء فی کل ظهور لهم، زاد بشکل ملحوظ النمو المطرد لمنحنى التعلم الصاعد لمحترفی صناعة الصورة فی الحملات الانتخابیة حول العالم؛ حیث یخطط ویحدد صناع الصورة کل تحرک أو کلمة للرؤساء والسیاسیین، وکل لفتة أو إیماءة یقومونبها أمام الجمهور أو الکامیرات، وذلک بالتزامن مع زیادة تأثیر السمات الشخصیة والفردیة على السلوک التصویتی للناخبین، ود خلصت عدة دراسات إلى أن انجذاب الناخبین لشخصیة المرشح أو الرئیس یفوق فی الأهمیة اقتناع ناخبیه ببرنامجه الإصلاحی، أو اتجاهه الفکری أو السیاسی؛ إذ یأتی کل ذلک – على ما یبدو – فی مرحلة لاحقة([1]).

من هذا المنطلق، تشکل صناعة الرؤساء فی الغرب مهنة متقدمة لها أصولها وقواعدها، وبرامجها، ومخططوها، ولها محترفوها الذین یقومون بصناعة صور المرشحین للرئاسة، ثم یستمرون فی رسم صور الرؤساء أنفسهم طوال فترة حکمهم([2]). وفی الحالة الأوربیة، أعاد “تونی بلیر” تکوین صورته وصورة حزبه بالکامل لدى الناخبین من خلال تغییر اسمه إلى “حزب العمال الجدید”، کذلک کانت رئیسة الوزراء السابقة “مارجریت تاتشر” تستشیر الخبراء فی ملبسها وطریقة کلامها ومرادفاتها وکیفیة إلقائها الخطابات أمام الجمهور، کما أخضعت نواب حزب المحافظین لدورات حول کیفیة عرض أفکارهم، وامت بإجراء تدریبات لهم فی استدیوهات التلفزیون لترفع من قدراتهم على الحدیث أمام الکامیرات.

وفی الانتخابات الرئاسیة الأمریکیة 1992، ساعد شعار “إنه الاقتصاد .. یا غبی” فی وضع الرئیس السابق “بیل کلینتون” کمرشح یساعد الطبقة الوسطى على تحسین أوضاعها الاقتصادیة بعد الکساد الذی أصاب الاقتصاد الأمریکی عقب حرب العراق 1991. وعلى نحو مماثل، استخدم الرئیس “کلینتون” أیضًا فی حملته الانتخابیة عام 1996 موضوع “الجسر إلى القرن الواحد والعشرین” لصنع صورة عن نفسه کمرشح قادر على قیادة الشعب إلى الألفیة القادمة )[3](.

وعلى النهج ذاته، تبنت حملة “دونالد ترامب” للانتخابات الرئاسیة لعام 2016، استراتیجیة قائمة فی الأساس على منهج التسویق السیاسی، وتعتمد على فکرة “التغییر”، حیث استخدم “ترامب” تحلیل البیانات الکبیرة DataBig، واستطلاعات الرأیفی وقت مبکر قبل بدء الحملة الانتخابیة، بغرض معرفة أهم القضایا التی تشغل الرأی العام، وبدأ فی مخاطبة الشرائح الانتخابیة المستهدفة مسبقًا بما یرغبون سماعه من المرشح، مما جعل حملته قادرة على بناء صورة ذهنیة إیجابیةCandidate Image، ومکانة خاصة positioning للمرشح فی عقول ناخبیه لدى هذه الشرائح، حیث اعتبرته الحملة زعیمًا شعبیًّا محافظًا یقول ما یعتقده صوابًا وفی صالح البلاد([4]).

مشکلة الدراسة:

تسعى الدراسة إلى الإجابة عن سؤال رئیسی مفاده: کیف یبنی المرشح الصورة الذهنیة الإیجابیة فی عقول ناخبیه خلال الحملات الانتخابیة؟ وإلى أی مدى تطورت صناعة الصورة الذهنیة فی التسویق السیاسی بالولایات المتحدة الأمریکیة والدروس المستفادة منها؟

ویتفرع من هذا التساؤل الأسئلة الفرعیة التالیة:

– ما تعریف وأهمیة صناعة الصورة فی الحملات الانتخابیة؟ وکیف تؤثر صناعة الصورة على فرص نحاج المرشحین السیاسیین؟

– ما الصورة السیاسیة المثالیة للقادة أو المرشحین فی أذهان الناخبین، وکیفیة قیاس ذلک قبل الانتخابات؟

– ما أهم أدوات تشکیل صورة ذهنیة إیجابیة للسیاسیین فی الحملات الانتخابیة؟

– کیف یتم استخدامالرموز الضمنیة والتأثیرات العاطفة فی تکوین الصورة الذهنیة للمرشحین والقادة السیاسیین؟

أهمیة البحث:

ترجع أهمیة موضوع البحث إلى ما یلی:

1ـ ندرة الدراسات التی تناولت الموضوع باللغة العربیة؛ على الرغم من انتشار مفهوم صناعة الصورة وآلیات تطبیقه فی الحملات الانتخابیة فی البحوث والدراسات المنشورة باللغة الإنجلیزیة، فقد لوحظ عدم وجود اهتمام مماثل من جانب الباحثین العرب والمصریین بصفة خاصة بهذا المفهوم.

2ـ التعمق فی دراسة صناعة الصورة قد یکون أداة مساعدة للأحزاب السیاسیة والمرشحین فی الانتخابات المختلفة، فیما یخص صناعة الصورة بأسس علمیة قائمة على ترجمة الأفکار الأساسیة للصورة المثالیة عن الرؤساء والقادة فی أذهان الناخبین بطرق علمیة فی مرحلة ما قبل الحملة الانتخابیة.

3ـ یفتح المجال لدراسات نظریة وعملیة قد تسهم فی إثراء الفکر السیاسی العربی فی مجال صناعة الحملات الانتخابیة.

4ـ تسلیط الضوء على الکیفیة العملیة التی یمکن اتباعها فی الحملات الانتخابیة بخطوات محددة لرسم صورة ذهنیة إیجابیة عن المرشحین فی الحملات الانتخابیة.

منهج الدراسة:

یستخدم الباحث منهج تحلیل النظم وتطبیقه على میکانزیم وآلیات بناء صورة ذهنیة إیجابیة للمرشحین فی السباق الرئاسی واستمرار هذه الصورة لدى الناخبین والرأی العام، وتتمثل المدخلات فی استعراض خصائص الصورة الذهنیة السیاسـیة الإیجابیة وآلیات عمل القائمیـن علیهـا، ویقوم النظام (System) بتحلیـل دورها الوظیفی فی حملات التسویق السیاسی والتطور فی بنائها وقیاس مدى التأثیر والتأثر بآلیاتها، ومدى الاستجابة، ودراسة طبیعـة العلاقة والتأثیـر بین الصـورة السیاســـیة والمتلقین لها وهذا ینعکس على المخرجات والمتمثلة فی التصویت والتأثیر على الناخبین والرأی العام من ناحیة، أو فی عملیة التقویم للنتائج وتغییر الأدوات من ناحیة أخرى، وتتمثل التغذیة العکسیة فی العمل على تطویر وتغییر الصورة الذهنیة وأدوات تشکیلها فی الحملات الانتخابیة.

أولًا: تعریف وأهمیة صناعة الصورة فی الحملات الانتخابیة:

تعددت تعریفات الصورة الذهنیة لکن تم الترکیز على تعریفین لها، الأول ([5]): اعتبرها الخریطة التی یستطیع من خلالها الإنسان أن یفهم ویدرک ویفسر الأشیاء، أی أن الصورة الذهنیة هی الفکرة التی یکونها الفرد عن موضوع معین، وما یترتب على ذلک من أفعال، سواء سلبیة أو إیجابیة، وهی فکرة تکون عادة مبنیة على المباشرة، أو بالإیحاء المرکز والمنظم، بحیث تتشکل من خلالها سلوکیات الأفراد المختلفة”.

أما التعریف الثانی ([6]) فهو التصورات التی یحملها أفراد المجتمع عن العالم من حولهم بمکوناته المختلفة، وتعد نتاجًا طبیعیًّا لجمیع خبرات الأفراد المباشرة وغیر المباشرة التی یتلقونها عبر تفاعلاتهم الاتصالیة المختلفة، لذلک فإن سهولة قابلیة الجمهور للتغییر أو صعوبته تعتمد على رسوخ الصورة الذهنیة لدیهم، أو عدم رسوخها.

ویتضح من التعریفین السابقین الآتی:

– أن الصورة الذهنیة نتاج لکل ما یتعرض إلیه الفرد بشکل مباشر أو غیر مباشر، ففی حالة تکوین صورة ذهنیة عن السیاسیین فإن ما یتعرض إلیه الناخبون ویؤثر فیهم یکون إما بشکل مباشر کاللقاءات المباشرة أو الخطب أو اللقاءات التی تذاع عبر وسیلة اتصال، مثل: التلیفزیون أو الإعلانات السیاسیة… إلخ، وإما بشکل غیر مباشر عبر استخدام الرمزیات السیاسیة.

– أن الصورة الذهنیة تؤثر على سلوک الأفراد بالسلب أو الإیجاب، وهی أیضًا الخبرة التی تکوِّن تصورات الأفراد عن کل ما یحیط بهم، وذلک الأمر مهم بالنسبة للسیاسیین، لأن الصورة-  وفقًا لهذا المعنى – تتحکم فی سلوک الناخبین التصویتی.

ـ أن الصورة الذهنیة لها درجات متفاوتة، وقد تصل من الرسوخ لدرجة یصعب على الحملات الانتخابیة تغییرها بسهولة، فلا تعد نمطًا جامدًا فی ذهن الفرد، بل مرنة وقابلة للتحول عبر مراحل طویلة، وفقًا لما یحدث فی مستوى العناصر المکونة لها من تبدل طبیعی أو مقصود.

عمومًا، یرکز الناخبون بشکل ملحوظ على خصائص المرشح الفردیة التی تشکل صورته، الأمر الذی یجعل کل مرشح یحیط نفسه بخبراء فی صناعة الصورة، واستراتیجیین یخططون لحملتها، وخبراء فی استطلاعات الرأی العام لقیاس هذه التأثیرات على الناخبین)[7](. غیر أن هناک تحدیًا یواجهه مدیرو الحملات الانتخابیة یتمثل فی القدرة على ربط کلمات وأفعال ورؤیة السیاسی بالواقع الیومی للناخبین لیوافق رغباتهم وتطلعاتهم، ومن هذه النقطة یرى الناخبون أن السیاسی ینظر إلى واقعهم وهو على درایة بمشاکلهم، وهذا اتجاه یتم تطویره بعنایة على مدى فترة زمنیة طویلة([8])، یصل فی نهایة الأمر لبناء المصداقیة والثقة المتبادلة.

ومن الرواد فی استخدام الصورة خلال العصر الحدیث الرئیس الأمریکی “فرانکلین روزفلت”([9]) الذی کان یعانی من مرض شلل الأطفال، إلا أن حملته الانتخابیة الرئاسیة عام 1932 عملت على صناعة صورة قائد سیاسی قوى جسدیًّا؛ فقد أظهرته للناخبین على أنه یستطیع المشی؛ وذلک باستخدام الأرجل المصنوعة من الصلب، حیث تمکن من الوقوف والمشی ببطء،وفیما یقرب من 50 ألف صورة التقطت له بمنزله فی نیویورک، ظهر وهو جالس على کرسی متحرک فی اثنتین منها فقط. ولإقناع الشعب الأمریکی أن المرض لم یتمکن منه کان یطلی تلک الأرجل الصناعیة باللون الأسود، وکان دائمًا ما یحاول إخفاءها تحت ملابسه، کما تم وضع خطط تفصیلیة لکل تحرک علنی له من قبل حملته الانتخابیة، کصعود السلم للمنصة، والنزول منها بعد الانتهاء من إلقاء خطاباته([10]).

ویرى الباحث أن هذا الأسلوب قد یصعب العمل به فی الوقت الحالی فی ظل انتشار کامیرات الهواتف المحمولة ذات التکنولوجیا المرتفعة، وتوافر وسائل التواصل الاجتماعی، الأمر الذی یزید من صعوبة صنع صور ذهنیة مزیفة للسیاسیین، ففی عالمنا المعاصر أصبحت الصورة صناعة سیاسیة وثقافیة تتأثر بالبیئة السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة المحیطة بالسیاسیین، وفی حال اکتشاف الخداع یصعب على السیاسی إصلاح صورته.

وبنفس المعنى تقریبًا، خلصت دراسة استقصائیة تناولت آراء عدد من مستشاری صناعة الصورة والحملات الانتخابیة الأوروبیین عام 1998، إلى أن صناعة صورة المرشح بشکل جید تعد عاملًا مهمًّا فی تحدید فرص نجاحه، کونها خلاصة مجهودات الحملة الانتخابیة، وذهبوا إلى أبعد من ذلک، حیث ذکروا أن تکوین صورة إیجابیة عن المرشح لدى القطاعات الانتخابیة المستهدفة یعد أکثر أهمیة من قدرة المرشح على استخدام وسائل الإعلام، أو التعامل مع قضایا سیاسیة([11]).

 وقد برعت بعض الحملات الانتخابیة فی استخدام التسویق السیاسی وصناعة صورة ذهنیة ممیزة لمرشحها، فعلى سبیل المثال رکزت حملة “باراک أوباما” على تقدیم صورته باعتباره الشخص المخلص الملهم الذی یُنظر إلیه على أنه “طوق النجاة من الوضع المتردی الذی أوجدته إدارة الرئیس جورج بوش”، واستخدمت فی سبیل تحقیق ذلک عددًا من البوسترات المعبرة عن هذه المعانی على موقع الحملة، کان أحدها یظهر “أوباما” وهو ینظر إلى السماء مرتدیًا قمیصًا أبیض، وکانت نظرته تعطی انطباعًا بالشخص الواثق فی نفسه، المؤمن بالتغییر وبقدرته على تحقیقه([12])، وحرصت الحملة على استخدام أدوات الإعلام الجدید التی عززت رأس المال الاجتماعی الافتراضی له، ودعمت ثقة المواطنین فیه([13]).

ومن جانب آخر، رأت العدید من الدراسات حول أهمیة وازدیاد دور السمات الفردیة للقادة والزعماء فی النظم السیاسیة، أن هناک عوامل أساسیة أسهمت فی إیجاد هذه البیئة المواتیة لهذا الدور، وهی: دور التلفزیون فی صناعة صورة احترافیة للمرشح والتی تصوره على أنه “النجم”، فضلاً عن دور أدوات التواصل الاجتماعی، حیث مارس قطاع واسع من مستخدمی المیدیا الجدیدة، خاصة الشباب، حریته واستقلاله ورغبته فی التعبیر، الأمر الذی ولد لدیهم شعورًا متزایدًا بعدم الیقین، وهو ما جعلهم لا یبحثون عن الأفکار التی تستجیب لاحتیاجاتهم والأسئلة التی تراودهم فقط، ولکن الأهم عن یبحثون “الشخص” الذی یثقون فیه ولدیه القدرة على توفیر تلک الاحتیاجات. علاوة على تراجع تأثیر العوامل الاجتماعیة والأیدیولوجیة والحزبیة على السلوک التصویتی للناخبین، وبصفة خاصة بین فئة الشباب، فی مقابل اهتمام الناخبین بالبرامج الحزبیة لصالح السمات الشخصیة للمرشحین الذین یرشحهم الحزب، وکذلک الاهتمام بقدرتهم على التواصل الشخصی والسیاسی مع الناخبین)[14](.

لقد تطورت صناعة الصورة فی الوقت الحالی بشکل ملحوظ، لدرجة أن صناع الصورة یخططون ویحددون کل خطوة للرؤساء، وکل لفتة أو إیماءة یقوم بها الرئیس، أو المقربون منه، خاصة أفراد أسرته، لأن صناعة الزعماء وتسویق صورتهم یقوم بها متخصصون وخبراء. وتشکل صناعة الرؤساء فی الغرب مهنة متقدمة لها أصولها وقواعدها، وبرامجها، ومخططوها، ولها محترفوها الذین یقومون بصناعة صور المرشحین للرئاسة، ثم یستمرون فی رسم صور الرؤساء أنفسهم طوال فترة حکمهم([15]).

وتتجلى أهمیة صناعة الصورة الذهنیة الإیجابیة للسیاسیین فی الحالة الفرنسیة، فقد فشل الرئیس السابق “فرنسوا میتران” فی الانتخابات مرتین، لکن فی المرة الثالثة استعان بخبراء التسویق السیاسی، وأخبره مستشاره الإعلامی “جاک سیجیلا” قائلًا له: “لن یتم انتخابک أبدًا کرئیس لفرنسا بأسنان من هذا القبیل”. ونصحه بتعدیل أنیابه من قبل جراح أسنان وإعادة تشکیلها قبل الانتخابات الرئاسیة عام 1981 لیبدو للمشاهدین فی صورة أکثر وداعة، خاصة أن مشکلة وجود الأنیاب کانت تعطی انطباعًا للناخبین بأنه “عدوانی”)[16](.

 ثانیًا: الصورة السیاسیة المثالیة للقادة أو المرشحین فی أذهان الناخبین:

یرسم الناخبون فی أذهانهم صورة أولیة عن القادة والزعماء الجدیرین بأن یتولوا المناصب العامة، وبالأخص موقع رئیس الدولة)[17](، واهتم عدد من الباحثین بالعمل على تحدید الصورة المثالیة التی تتشکل فی العقل الجمعی عن الصفات الواجب توافرها فی المرشح لموقع رئیس الدولة بصفة خاصة، والممیزات والصفات الشخصیة التی یتسم بها([18]).

فقد قام بعض الباحثین بإجراء بحث استقصائی على عینة من المواطنین فی ثلاث دول هی: الولایات المتحدة الأمریکیة، کندا، والمملکة المتحدة، بهدف تحدید الأبعاد والسمات الشخصیة الأساسیة الحاکمة التی یجب توافرها فی الشخصیات والرموز السیاسیة، وخلصت النتائج إلى أن السمات الرئیسیة المشترکة ذات الأولویة هی: (1) ذو أخلاق ونزاهة (الصدق، رعایة مصالح المواطنین، أمین، مسئول)؛(2) ذو قدرات وکفاءة (ذکی، مجتهد، ملتزم، لدیه القدرة على تحدید الأهداف والأولویات)؛ (3) شخصیة کاریزمیة (ساحر وجذاب، حسن المظهر، ملهم).

وبتحلیل العناصر المشترکة بین الدراسات السابقة نجد أن الکفاءة عنصر رئیس فی اختیار الناخبین للمرشح السیاسی، وأیضًا التمتع بقدر من الأخلاق، غیر أن هذه التعبیرات من الصعب تحدیدها حتى یتم ترجمتها بشکل عملی قبل وأثناء الحملات الانتخابیة. والقدرة على إثارة التعاطف المقصود بها أن یتسم المرشح بقدر من التواضع واحترام الآخرین، أو بعبارة أخرى أن یکون “محبوبًا بین الناس”، فالتوصل لهذه النقطة قد یضمن النجاحات الاجتماعیة والمهنیة والسیاسیة، لذا یجب أن یکون القائد الکاریزمی ذا أخلاق.

 وکانت المشاکل المتعلقة بالأخلاق والنزاهة هی السبب وراء العدید من الأحداث السیاسیة الکبیرة فی الولایات المتحدة مثل: استقالة “ریتشارد نیکسون” من الرئاسة بعد فضیحة “ووترجیت”([19]). ومع ذلک، فی بعض الحالات، نجح السیاسیون فی الإفلات من هذه الفضائح الأخلاقیة، مثل: “بیل کلینتون” فی قضیته مع “مونیکا لوینسکی”، إلا أنها أثرت قطعًا على صورته فی عقول وأذهان المواطنین، وأضعفت ثقة الناس به کرئیس للولایات المتحدة الأمریکیة([20]).

ویرى الباحث أنه یجب على السیاسی وفریق عمله، سواء أکان ذلک خلال الحملة الانتخابیة، أو بعد تولیه للموقع، العمل على إظهار صورته مغلفة بشکل حقیقی بهذه العوامل، فیظهر على أنه ذو أخلاق، ولدیه کاریزما، ویملک من الخبرة والکفاءة ما یؤهله لشکل الموقع، إلى جانب القوة لیستطیع السیطرة على الآخرین وإدارتهم، وذو رؤیة ثاقبة للأمور، ولدیه برنامج عمل نابع من آراء الناخبین بعد استطلاع رأیهم، مع التأکید على عدم المبالغة.

وفی هذا الإطار، انتهت دراسة أخرى أجریت على خصائص القادة بعد تحلیل السمات الشخصیة لجمیع المرشحین الذین کانوا یتنافسون فی الانتخابات الرئاسیة الأمریکیة بین عامی 1952 و1988، وإلى أن الصفات الشخصیة للمرشح یمکن تقسیمها على النحو التالی: (1) النزاهة: مرتبطة بوثوق المرشح وتضمین التعلیقات المتعلقة الصدق والإخلاص وأی إشارة إلى الفساد فی الحکومة. (2) الموثوقیة: أی یمکن الاعتماد على المرشح، قوی، حاسم، ثابت. (3) الکفاءة: القدرة على التعامل کرجل دولة، وفهم القضایا السیاسیة، والواقعیة. (4) الکاریزما: الروابط القیادیة للمرشح، والکرامة، والتواضع، والوطنیة، والقدرة على التواصل مع الناس. (5) الجوانب الشخصیة للمرشح: المظهر، والعمر، والدین، والثروة، والمهنة السابقة، والأسرة. ووفقًا لنتائج هذه الدراسة والمعاییر التی توصلت إلیها فإنه فی سبع حالات من أصل عشر حصل المرشح على ترتیب متقدم فی استطلاعات الرأی؛ أی حین یرى الناخبون أن المرشح حین یتمتع بنسبة عالیة من هذه السمات الشخصیة فمن الممکن أن یفوز بالانتخابات([21]).

ویرى أحد الباحثین أنه إن لم یتمتع أحد المرشحین بممیزات نسبیة کبیرة تمیزه عن الآخرین؛ فإن الناخبین سیدعمون المرشح الذی لدیه أفضل سمات من وجهة نظرهم، على أن ینمی مهاراته المتعلقة بمهامه عندما یتولى الموقع([22]).

واختلف العدید من الباحثین فی نتائج دراساتهم حول أی من السمات أهم لدى المرشح، حیث أکد أحدهم([23]) أن البعد الأخلاقی هو الأهم، من منطلق أنه حاکم لتصرفات وسلوکیات الزعماء، مع الاعتراف بأهمیة وضرورة القدرة والکفاءة. وفی المقابل، أکدت دراسة أخرى([24]) أن الشخص الذی لدیه نزعة أخلاقیة یکون مقیدًا سلوکیًّا، فی حین أن الفرد غیر الأخلاقی تکون قراراته أکثر براجماتیة، وطبقًا لهذه الدراسة فإن الصورة التقییمیة للسیاسی تکون أکثر إیجابیة عندما تعتمد على إبراز قیمة القدرة والکفاءة ولیس الأخلاق.

وعلى النهج نفسه، أکدت دراسة أخرى([25])أن الکفاءة، والنزاهة، والأداء العام تمثل أبعادًا مترابطة ومتمیزة لتقییم المرشح. غیر أنها رجحت کفة الکفاءة، وأرجعت ذلک إلى تعامل الرؤساء مع مشکلات مثل: البطالة، وارتفاع معدلات التضخم، لیس له علاقة بالأخلاق؛ بل بالقدرة على طرح حلول مبتکرة لمثل تلک الأزمات على أرض الواقع.

 والخلاصة.. یجب على حملة المرشح الانتخابیة أو حملة إعادة الانتخاب للرؤساء والنواب شاغلی المواقع، أن تدرک أهمیة هذین العنصرین (الکفاءة والنزاهة)، والعمل على إظهار صورة المرشح على أنه کفء وصادق ونزیه من أجل کسب تأیید أکبر قدر ممکن من الناخبین.

 ثالثًا: کیفیة صناعة الصورة الذهنیة الإیجابیة للمرشح فی حملات التسویق السیاسی:

  تتکون الصورة الذهنیة من خلال الکیفیة التی یدرک بها الناخبون لصفات وسمات السیاسی الممیزة، وقدراته القیادیة والرسائل التی تتناقلها عنه وسائل الإعلام المختلفة، وقدرته على التعاطی الإیجابی بشکل سریع ومؤثر مع الأحداث الجاریة)[26]). فترتبط عملیة صناعة الصورة الذهنیة بالإعلام والاتصال فی المجال السیاسی، ویبقى الهدف الأساسی ترسیخ صورة ذهنیة فی المجتمع حول المرشح السیاسی أو المؤسسة السیاسیة ورموزها، من خلال صناعة مدروسة تستوجب حضور علامات ممیزة للمرشح، وأهداف رسالته تدفع المتلقین لتقبلها فی إطار المزاج السیاسی السائد، فالناخبون مثلاً لهم آراؤهم ومواقفهم المسبقة من المرشح أو المرشحین للانتخابات الرئاسیة، تتمثل فی وجود صورة ذهنیة راسخة تشکلت على امتداد مراحل مختلفة عبر وسائل الإعلام المتنوعة، وهذه الصورة هی عبارة عن مجموعة الانطباعات الذاتیة التی تتکون عن المرشح فی أذهان الناخبین، ومن الممکن أن تکوِّن أفکارًا عن القیم السیاسیة للمرشح، أو عن شخصیته، أو مقدرته القیادیة، وتتشکل هذه الانطباعات عبر ما تبثه وسائل الاتصال الجماهیریة([27]).

ولتکوین ورسم صورة ذهنیة إیجابیة للمرشحین والقادة والسیاسیین بشکل عام، یجب إلقاء الضوء على ما یمیزهم عن الآخرین Differentiation، فضلًا عن ترجمة السمات الشخصیة التی یطلبها الناخبون فی قادتهم إلى سلوکیات، على أن یتم تغلیف ذلک فی محتوى مصور سلس ومبسط، وذلک على النحو التالی:

(1) تحدید وإلقاء الضوء على السمات الممیزة للمرشح:

ترکز عملیة صناعة الصورة على الخاصیة التی یتمیز بها المرشح السیاسی، ففضلًا عن السمات الأساسیة لبناء الثقة مثل الأخلاق والکفاءة، قد تکون السمة الأبرز أنه شاب وذو خبرة معینة، أو لدیه استیعاب واعٍ للقضایا الاقتصادیة أفضل من المنافسین، ویجب أن یکون إبراز ما یمیز المرشح معدًا جیدًا من قبل المستشارین السیاسیین، وذلک بالعمل فی اتجاهین، الأول: إظهار ما یمیز المرشح، والثانی: التأکد من أن المتلقی استوعب هذه النقطة، عن طریق بحوث الرأی العام الدوریة التی تقیس آثار وردود فعل ظهور المرشح فی وسائل الإعلام المختلفة.

فمدیرو الحملات الانتخابیة وصانعو الصورة یدرکون أن الصورة الذهنیة هی نتاج نهائی للانطباعات النفسیة التی تتکون عند الأفراد أو الجماعات تجاه شخص معین أو حزب سیاسی ما فی فترة زمنیة معینة؛ لذلک یسعون إلى التدخل فی تشکیل هذه الصورة ومدلولاتها والمعلومات المرتبطة بها، وحین تقترب الانتخابات من نهایتها یکون الناخبون قد تلقوا مجموعة واسعة من المعلومات والظهور المخطط حول صور المرشح السیاسی. وأهم قضیة فی صناعة صورة ذهنیة إیجابیة تتمثل فی تحدید ما یمیز المرشح عن الآخرین، لیس فقط فی المظهر والشکل والجاذبیة المظهریة والصورة البصریة، ولکن أیضًا من خلال تسلیط الضوء على أبرز المحطات فی تاریخه السیاسی وأفکاره ومعتقداته ومکانته الاجتماعیة، ولا یمکن هنا إغفال السمات الشخصیة التی یمکن أن یلاحظها الناخبون بشأن نزاهة المرشح وکفاءته. والهدف هنا لیس إظهاره بأنه إنسان بلا عیوب، فأفضل السیاسیین لدیهم بعض الخطایا (الصغیرة) على ضمائرهم، لکن الهدف هو رسم صورة طبیعیة تمثل “الوجه الإنسانی” للمرشح([28]).

وفی الواقع العملی، وکوسیلة تقلیدیة لظهور المرشح، یعطی مدیرو الحملات الانتخابیة أهمیة خاصة لصور البوسترات أو اللوحات الخاصة بالمرشحین، حیث یجب أن تظهر أفضل شکل ممکن للمرشح یتماشى وتفضیلات ومیول الشرائح الانتخابیة المستهدفة، بحیث تبدو صورته فی متوسط العمر وعلیه علامات الحیویة والصحة، بلا مبالغة أو إفراط، وعلامات الوقار والاحترام، لأن من شأن هذه الصورة المصنوعة بعنایة أن تزید من فرصة التأثیر الإیجابی على الناخبین، وطبقًا لخبراء التصویر وصانعی الأفلام Film makersفالصورة الجانبیة أو شبه الجانبیة تترک تأثیرًا أفضل من الصورة بالمواجهة، کما أنها تساعد على إخفاء بعض عیوب الوجه؛ لذا یتم توظیف تکنیکات معینة لتعظیم دلالات الصورة، ویعد التنویع فی زوایا التصویر وحرکات الکامیرا، واستخدام آلیات المونتاج والإضاءة والدمج والمؤثرات الخاصة والتکرار، وطریقة تصفیف الشعر، وزوایا التقاط الصورة بتقنیة یتم فیها تضخیم عنصر على حساب عنصر آخر- أسالیب فنیة مهمة فی هذا الشأن([29]).

 (2) ترجمة السمات الممیزة للمرشح إلى سلوکیات:

تلی مرحلة تحدید ما یمیز المرشح من سمات مختلفة عن المرشحین الآخرین، مرحلة “ترجمة” السمات الممیزة له إلى سلوکیات تظهر أثناء الاجتماعات أو الأحادیث الصحفیة والخطب، أو أی ظهور مخطط للمرشح، حیث یتم مراجعة کل ما یحیط به بدءًا من الأفکار الرئیسیة التی سیتحدث فیها، وصولًا لتعبیرات الوجه المصاحبة لکل فکرة، ونبرة الصوت، ولغة الجسد وغیرها([30]).

ویتوج هذا المجهود فی إظهار المرشح بأفضل صورة بأن یعبر عن آرائه وطریقة تناوله وحلوله للمشاکل السیاسیة باللغة والطریقة التی تناسب الشریحة المستهدفة، وقد ذهب بعض الباحثین إلى اعتبار أن القضایا التی یثیرها المرشح لیست الجوهر رغم أهمیتها؛بل یکمن جوهر الموضوع فی قدرت هذه الآراء والقضایا على التأثیر على الصورة العامة لمصداقیة المرشح وکفاءته([31])، کما تؤثر أیضًا القضایا التی یتناولها المرشح فی التأثیر على إدراک الناخبین بمدى قدرات المرشح على تولی الموقع، وکلما کان الناخب أکثر ثقة فی آراء المرشح؛ تبنى وجهة نظره فی القضایا المختلفة، وبدأ فی التسویق الشخصی المباشر لها، ویصل الأمر والتأثیر فی استخدام الناخبین لبعض تعبیرات المرشح اللفظیة والحرکیة، وقد یکون ذلک نابعًا من معرفته المسبقة بما یشغل الناخبین عن طریق استطلاعات الرأی([32]).

(3) تبسیط طرح المحتوى والصورة:

کلما کانت الصورة والرسائل السیاسیة بسیطة وصلت بسرعة وبسهولة للنسبة الأکبر من المتلقین؛ لذا دائمًا ما یردد استشاریو الصورة أنه یجب على المرشح إظهار رسالة أساسیة خلال کل لقاء تلیفزیونی أو صحفی حتى تصل للمتلقی بشکل جید؛ لأن الرسائل السیاسیة الکثیفة خلال ظهور إعلامی واحد قد یربک المتلقی، وکانت حملة “باراک أوباما” 2008 مثلاً فی هذا الشأن، حیث صورته على أنه الشاب الذی لدیه القدرة على التغییر، وکانت نموذجًا فی التبسیط، إذ لخصت معظم رسائل المرشح فی شعاره “نعم نستطیع” Yes we Can.ویرى الباحث أنه من الحکمة أن یبنی المرشح صورة ذهنیة متسقة مع قدراته وأفکاره، فإذا تم تضخیم صورته بما لیس فیه من صفات، حینها تُدمر هذه الصورة فی أول مؤتمر صحفی به أسئلة أو مناظرة.

الخلاصة.. إن الاهتمام بصناعة الصورة مهم للسیاسیین، إلا أن المقصود هنا هو الصورة العامة للمرشح فی عقول الناخبین والمبنیة على قدرته على تناول القضایا المختلفة وعرضها بأفضل طریقة ممکنة، وإدراک أن ذلک یتم فی ظروف اجتماعیة وسیاسیة واقتصادیة وثقافیة خاصة تشکل الواقع، کما أن تتبع صورة المرشح بشکل متواصل ودائم فی عقول الناخبین من القضایا المهمة للسیاسیین، وذلک بغض النظر عن فترة الانتخابات، حیث یعتبر کل یوم للسیاسی هو یوم انتخابی.

رابعًا: أدوات تشکیل صورة ذهنیة إیجابیة للسیاسیین:

التواصل جزء رئیسی فی حملة التسویق السیاسی، فبدون القدرة على نشر رسائل الحملة واستخدام الوسائل الأنسب لکل شریحة انتخابیة، لن تصل الرسالة الانتخابیة للناخبین، فبمجرد تحدید الفئات المستهدفة للحملة، تکون صورة المرشح الذهنیة جاهزة بشکل موازٍ من خلال تنظیم وتوقیتات ظهوره وأفکاره الأساسیة والموضوعات التی سیتبناها وکیفیة نشرها. مع الاعتراف بصعوبة عملیة تکوین صورة ذهنیة إیجابیة للمرشحین باعتبارها عملیة معقدة وبطیئة، فلیس من السهل زرع أفکار وصورة إیجابیة بشکل مباشر، وهنا من الضروری تکوین صورة للسیاسی متسقة ومتناغمة مع أفکار المرشح الأساسیة، واستخدام عدد من الطرق غیر المباشرة، وتتبنى خططًا طویلة الأمد، فللتسویق السیاسی عدد کبیر من الأدوات الاتصالیة المختلفة المباشرة وغیر المباشرة، ما بین التقلیدیة المعتمدة على اللافتات واللوحات والیافطات إلى الدعایة الحدیثة المعتمدة على مواقع الإنترنت والتلفزیون وغیرها من وسائل الاتصال الجماهیری.

 إلا أن ثمة عددًا من هذه الأدوات یعمل بشکل أسرع فی عملیة تشکُّل الصورة الذهنیة للسیاسیین، سنعرض منها: الإعلانات السیاسیة التلیفزیونیة، والخطب السیاسیة، واستخدام الرمزیات أو الصور الرمزیة الصامتة التی لها دلائل فی عقل المتلقی، والتأثیرات العاطفیة:

(1) استخدام الإعلانات السیاسیة التلیفزیونیة:

تستخدم الإعلانات التلیفزیونیة بکثافة فی الحملات الانتخابیة منذ خمسینیات القرن العشرین، وهی أداة من أدوات الاتصال فی حملة التسویق السیاسی، غیر أنها من الأدوات المهمة فی تشکیل سریع للصورة الذهنیة للمرشحین، ومن ثم یخصص لها جزء مهم من التمویل الخاص بالحملة الانتخابیة([33])، وقد استخدمتها حملة “باراک أوباما” 2008، بکثافة حیث أنفقت أکثر من 260 ملیون دولار، فی مقابل 100 ملیون دولار لـ”جون ماکین”، ومعظم هذه الإعلانات کانت موجزة وتحمل رسالة سیاسیة واحدة لکل إعلان حتى یتم تکراره فی أوقات الذروة لیترسخ فی أذهان المشاهد([34]).

وفی هذا الصدد، أجرت إحدى الدراسات تجربة للتحقیق فی کیفیة تأثیر وسائل الإعلام على رسم صورة ذهنیة ذات سمات معینة للمرشحین السیاسیین([35])، وذلک بغرض معرفة إلى أی مدى یتلقى الجمهور هذه الرسائل، وأشارت النتائج التی انتهت إلیها إلى أن انطباعات الناس عن السمات الشخصیة لبعض السیاسیین محل الدراسة تعکس تصویر وسائل الإعلام لتلک السمات.

وعلى الرغم من أن الإعلانات تذاع عبر شاشات التلیفزیون فی الأغلب وعلى شبکات التواصل الاجتماعی على الإنترنت، وبالتالی تعتبر وسیلة إعلامیة جماهیریة؛ إلا أنها تسعى لاستهداف فئات انتخابیة محددة لیس فقط فی المحتوى السیاسی من الإعلانات؛ بل أیضًا فی توقیت إذاعتها ونشرها، حیث یمکن جدولة إذاعتها فی توقیتات تکون النسبة الأکبر من المشاهدین من الفئات المستهدفة.

 ومن المخاطر الأساسیة للإعلانات السیاسیة فی رسم صورة المرشح: (1) أن الصورة الذهنیة التی تصدرها قد تتحول إلى صورة مثالیة للمرشح؛ غیر أن صاحب هذه الصورة المصطنعة قد یکون أقل من هذه الصورة فی السمات الشخصیة فی الواقع. (2) قد یصعب على مطوری الرسائل السیاسیة صیاغة حلول لقضایا فکریة نقاشیة للمرشح فی مدة الإعلان التی تدور حول الدقیقة الواحدة([36]).

کما أن للإعلانات الهجومیة أو السلبیة أثرًا کبیرًا فی الحملات الانتخابیة؛ حیث یعمل السیاسیون بشکل مضاد على إبراز نقاط الضعف فی المرشحین المنافسین، وذلک بالطبع نتیجة بحوث المنافسین التی تجریها الحملات الانتخابیة قبل وأثناء الحملة الانتخابیة([37])، علمًا بأن نسبة الحملات الإعلانیة السلبیة فی زیادة؛ فقد سجلت فی الانتخابات الرئاسیة لعام 1960)[38](10% من إعلانات الحملات الانتخابیة، بینما سجلت فی الحملة الانتخابیة الرئاسیة لعام 2016 ([39])حوالی 17% من الإعلانات. غیر أن هناک دراسات رأت أن الإعلانات السیاسیة السلبیة تقلص نسب المشارکة السیاسیة، فمن الممکن أن یقرر العدید من الناخبین الابتعاد عن المعترک الانتخابی، أو عن العملیة السیاسیة برمتها نتیجة هذه الإعلانات([40]).

وبالتطبیق على الانتخابات الرئاسیة الأمریکیة لعام 2016، اشترت حملة “دونالد ترامب” إعلانات بقیمة 4 ملایین دولار فی أربع ولایات متأرجحة فقط (أوهایو، فلوریدا، کارولینا الشمالیة وبنسلفانیا)، بینما أنفقت حملة “هیلاری کلینتون” 60 ملیون دولار على الإعلانات التلیفزیونیة فی نفس عدد الولایات([41]). ومن خلال تحلیل الإعلانات التلیفزیونیة لحملتی “ترامب” و”هیلاری”، قام أحد الباحثین بتقسیمها إلى ثلاث فئات: إعلانات شخصیة، وإعلانات سیاسیة، وإعلانات تمزج العنصرین معًا. وخلص إلى أن 63% من الإعلانات التلیفزیونیة لحملة “هیلای کلینتون” کانت سلبیة، بینما کانت استراتیجیة الإعلان لـ”ترامب” ترکز على المحتوى السیاسی بنسبة 70%، وحوالی 13% فقط من  الإعلانات المدارة من حملة “ترامب” کانت تدور حول الهجوم السلبی الشخصی على هیلاری)[42](.

 (2) استخدام التأثیرات العاطفة فی تکوین صورة ذهنیة إیجابیة:

حظیت التأثیرات العاطفیة باهتمام خاص فی النماذج المفسرة للسلوک التصویتی، حیث اعتبرت عنصرًا منفصلًا، لیس فقط فی التأثیر على سلوک الناخبین، ولکن أیضًا فی تشکیل طریقة إدراک الناخبین لصورة وأفکار المرشح([43])، لذا فإن تشکیل صورة المرشح تعد عملیة موجهة أساسًا لإثارة المشاعر الأکثر إیجابیة فی الناخبین تجاه المرشحین)[44]).

وقد أکدت نتائج عدد من البحوث السیاسیة على الدور الذی تلعبه العواطف وردود الفعل الغریزی فی السیاسة، وعلى التفاعل بین سلوک الناخبین وعواطفهم، وأن العواطف یتم استخدامها من قبل الناخبین کأداة لمعالجة المعلومات بکفاءة([45]). فقد توصلت إحدى الدراسات الأمریکیة )[46]( إلى أن حوالی ثلث الناخبین الأمریکیین لیس لدیهم معلومات تفصیلیة عن بعض السیاسیین المفضلین لهم، وعن أفکارهم والسیاسات العامة التی یتبنوها؛ على الرغم من وجود مشاعر قویة تجاههم تدفعهم لتأیید هؤلاء السیاسیین.

وفی السیاق ذاته، أکدت دراسة أخرى أن الموقف العاطفی تجاه المرشحین أو الأحزاب السیاسیة یعتبر من الأساسیات المُشکلة لقرارات الناخبین)[47](.فعلى سبیل المثال، خلصت دراسة أجریت على الانتخابات الرئاسیة الأمریکیة عام 1988، إلى أن تفضیل المرشح یرتبط بعدد من العوامل کانت العاطفة أهمها، وأن السلوک التصویتی تجاه مرشح معین ارتبط ارتباطًا وثیقًا بالعواطف تجاهه، وتوصلت تلک الدراسة إلى نتیجة مفادها: أن نسبة مؤثرة من “الأمریکیین یصوتون إلى من یحبون”.

وقد استخدام “باراک أوباما” هذا الأسلوب خلال حملته الانتخابیة للترویج لقضیة الرعایة الصحیة عام 2008، فقال فی خطاب إعلان الحزب الدیمقراطی للانتخابات الرئاسیة العامة لترشحه: “وکشخص عاین أمه وهی تجادل شرکات التأمین وهی على فراش الموت من السرطان، فإننی سوف أسهر على ألا تفاضل هذه الشرکات ضد المرضى والمستحقین لرعایة أکبر”([48]).

ویرى الباحث أن عملیة التقییم المبنی على العاطفة قد تکون لها بعض الأسس المنطقیة مثل: التأثر بموقف سیاسی معین للمرشح، أو التأثر بطریقة الإلقاء، وفیما یخص السیاسیین القدامى قد یکون للمرشح رصید سلبی أو إیجابی یظهر فی لحظة التصویت أو أثناء الانتخابات.

ومع ذلک، أکدت دراسة بعنوان “علم النفس الاجتماعی بین تأثیر العقل والقلب أثناء الانتخابات”، أن الناخبین یصوتون بقلوبهم أکثر من أذهانهم، وأن هناک طرقًا وخططًا لرسم الصورة الذهنیة الإیجابیة للمرشحین قبل وأثناء الانتخابات([49]).

وفی هذا السیاق، یستخدم السیاسیون الدین کمدخل عاطفی لتسویق بعض الأفکار، نظرًا للمکانة الکبیرة له فی نفوس المواطنین، حیث تستغله الحملات السیاسیة بأنواعها المختلفة لإظهار السیاسی فی صورة المؤمن المتبع لتعالیم الدین. وبشکل عام یزداد التمسح بالدین والقیم الدینیة من قبل النظم السیاسیة، خاصة فی أوقات الأزمات، ومن ثم یکون الترکیز على وتر الدین بغیة التأثیر على السواد الأعظم من الجماهیر ومحدودی الثقافة الدینیة([50]).

  (3) استخدام الرموز الضمنیة فی تکوین الصورة الذهنیة:

یقصد بالرموز الضمنیة أن یظهر المرشح فی لقطات تلیفزیونیة صامتة یقوم بفعل معین أو صورة تشکل معنى أو رمزًا، فالصورة فی هذا السیاق بألف کلمة، وقد ظهر “جورج بوش” أثناء تسویقه لقرار الحرب على العراق وکأنه الزعیم القوی الذی یحمی الأمة من المخاطر الخارجیة التی تهددها، حیث ظهر فی العدید من الصور وخلفه عدد من القادة العسکریین، کما تم تصویره وهو یتجول على متن حاملة الطائرات فی وسط المحیط. والمقصود من هذه الصور أو اللقطات أو ما یسمى بـ “الومضة” أن یدرک المتلقی أجواء الحرب، ویقدر جهود الرئیس ویسانده، وأن تصل رسالة إلى المعارضین للقرار بأهمیة الحدث)[51](، فالصور التی تنشر فی الصحف یتم اختیارها بعنایة لأنها ذات رمزیة اتصالیة هامة تعتمد علیها الصحف فی صیاغة رسائلها التی تتفق وخصائص جمهور المتلقین، لأنها لا تعتمد فقط على الرموز اللفظیة، بل على رموز أخرى غیر لفظیة لتأکید المعانی والأفکار التی تعکسها الرموز اللفظیة، أو تنفرد بنقل معانٍ وأفکار مستقلة فی رسائل خاصة بها، ولا ینحصر دورها عند وظیفة جذب انتباه القارئ أو إثارة اهتمامه، ولکن یتم قراءة الرموز التی تتکون منها الصورة وما تحمله من أفکار أو معانٍ، أو ما یجسد أبعادًا مضافة، أو یرکز على شخصیات ووقائع.. وغیرها من الوظائف الاتصالیة التی تؤثر فی اتجاهات الرأی العام وعلى القائمین فی اتخاذ القرار السیاسی.

ولتدلیل على ما سبق، نجد أن “باراک أوباما” کان یحرص على إظهار نفسه أنه رجل أمریکی یشبه جمیع الأمریکان فی حبه والحفاظ على أسرته، ففی لمحة إنسانیة تم تداولها بشکل جید فی الصحف الأمریکیة، أوقف “أوباما” موکبه هو وأفراد حملته من أجل شراء باقة ورود لزوجته بغرض “إحیاء احتفاله بعید زواجه”، وهذا بغرض أن یظهر بأنه مخلص ومحب لزوجته ویستحق الثقة کونه یشبه تصرفات الطبقة الوسطى الأمریکیة([52]). والهدف هنا هو استخدام الرمزیات دون أی حدیث لتوجیه رسالة دعائیة تتوافق مع لغة ومستوى ثقافة المتلقی؛ حتى یضمن السیاسی إدراکه وإمکانیة اقتناعه بمحتواها، فهذا التکنیک یقدم السیاسی بشکل أکثر شعبیة وقربًا من الجماهیر، فیزداد تأثیره فیهم.

ویؤکد بعض الباحثین أن استخدام الرمزیات السیاسیة لیست ظاهرة حدیثة، حیث لفت “مکیافیلى” الانتباه فی وقت مبکر من القرن السادس عشر لأهمیة الانطباعات والتصورات لصورة الحاکم وصفاته، وأهمیة التواصل غیر اللفظی الذى یتضمن الإشارات السیاسیة اللافتة، وهذه الجوانب غیر اللفظیة تؤثر فی الانطباعات بشکل سریع، کما استخدمها أیضًا “مهاتما غاندی” بشکل جید، فکانت رمزیة ملابسه وعجلة الغزل الخاصة به تتسم بالبساطة والاعتماد على النفس، وکانت عبارة عن رسائل سیاسیة لأتباعه وللحکومة البریطانیة التی کانت تستعمر الهند فی هذا الوقت([53]).

وتفترض إحدى الدراسات أن استخدام القادة السیاسیین والمرشحین للرمزیات یشکل عملیة مستمرة یومیة للمرشح فی کل ظهور له، کما أنه – وفقًا لهذه الدراسة- أهم مکونات مفهوم الإقناع وجوهر علاقة المرشح بناخبیه([54]).

وفی السیاق ذاته، أثبتت بعض الأبحاث قدرة العقل الباطن على تمییز الصور التی قد تصل سرعة عرضها إلى جزء من 300 جزء من الثانیة، من خلال الومضات الإعلانیة الخاطفة للصورة التی لا یلاحظها العقل الواعی، بینما تستقر فی اللاوعی وتترک أثرًا خفیًّا یعجز المتلقی عن تفسیره. وبالتالی یمکن إقناع الناس باختیار مرشح ما فی الانتخابات دون أن یشعروا بما تعرضوا له من دعایة وتوجیه([55]).

(4) استخدام الخطابة فی تشکیل الصورة الذهنیة:

یمثل الخطاب عنصرًا رئیسیًّا فی الحملات الانتخابیة، حیث یمثل المساحة التی یمکن للمرشح أن یرسل رسائل سیاسیة مباشرة مصممة بشکل جید لکل شریحة مستهدفه([56])، وتعتبر عملیة کتابة الخطاب السیاسی فی الحملات الانتخابیة مهمة للغایة، حیث یتولى صیاغة هذه الرسائل التی یتکون منها الخطاب السیاسی للمرشح کاتب أو أکثر، ویطلق على هؤلاء فی حملات التسویق السیاسی “مطورو الرسائل السیاسیة” (Developers of political messages)، ولهم أهمیة خاصة بالحملة وعلاقة مباشرة وخاصة بالمرشح، حیث یصیغوا الرسائل السیاسیة المتنوعة التی یشملها الخطاب وتعد المنتج النهائی لجهود الحملة البحثیة.

وتعتبر الخطابة من الأدوات القدیمة التی مازالت ذات فاعلیة، فهی تأتی فی جوهر نظریة وأدوات الإقناع السیاسی، وتؤکد الخطابة على المعنى المحدد للکلمات المستخدمة فی وصف کل من المشکلة والحلول البدیلة الموجودة)[57](.

وللخطابات السیاسیة ترکیبات لغویة مختلفة، حیث تعتبر انعکاسًا لاحتیاجات ورغبات الناس، وتحتوی على أفکار ومعلومات محددة([58]). فعلى سبیل المثال شکلت الترکیبات اللغویة واستخدام فنون الخطابة أهم السمات الممیزة لحملة “باراک اوباما” لعام 2008، وعلى وجه الخصوص قدرة “أوباما” على تحویل أسلوب تعبیره بشکل مناسب من اللهجة الإنجلیزیة الأمریکیة إلى اللهجة الإنجلیزیة الأمریکیة الإفریقیة اعتمادًا على السیاق وعلى الشریحة الانتخابیة المُستقبلة لهذا الخطاب، واستخدام مفردات وتعبیرات تستخدم فی هذه اللهجات فقط خلال الخطاب([59]). فکانت اللغة والخطابة محوریة فی فوز “أوباما” بالانتخابات، حیث أثبتت خطاباته الانتخابیة قدرته البلاغیة على صیاغة رسائل یمکنها إقناع شرائح محددة من الناخبین وإلهامهم. کما بدا أنها تظهر قدرته ووعیه بالمشاکل الحقیقیة التی تؤثر على المواطنین، علاوة على تقدیم حلول براجماتیة لمواجهة المشکلات.

      ویتمیز “أوباما” بتفضیل الاستراتیجیة البلاغیة المعتمدة على “روایة القصص”، حیث أثبتت عدة دراسات حول تحلیل الخطاب السیاسی أن استخدام القصص والروایة أصبح مناسبًا تمامًا فی کسب تأیید الناخب، وأن القصص تقصر المسافة بین المرشح ومستمعیه. وکون القصص قد تعتمد على إظهار الجانب الشخصی والأخلاقی للمرشح، فإنها تدعو بطبیعة الحال إلى المشارکة ورد الفعل، وقد توصلت دراسة قامت بتحلیل خطابات “أوباما” التی اعتمد خلالها على سرد القصص لبناء صورته العامة، إلى أنها تتمیز بالآتی)[60](: (1) تعمد سرد القصص التی تظهره على أنه قائد ذو قیم أخلاقیة، (2) کان دائمًا ما یظهر روح الفکاهة فی توصیل فکرة التشابه بین عائلته ومعظم عائلات الطبقة الوسطى الأمریکیة، وأنهم یعانون من الصعوبات التی یواجهها الأمریکیون العادیون فی حیاتهم الیومیة، وهو الأمر الذی کان یجعل المتلقی یرحب بحلوله المقترحة لمساعدة ودعم الشعب الذی تعرض لأزمة اقتصادیة عمیقة عام 2008، ویشعر أن المقترحات نابعة من تجارب عملیة وقابلة للتنفیذ.

الخاتمة:

یتضح من خلال العرض السابق مدى أهمیة صناعة الصورة الذهنیة الإیجابیة فی الحملات الانتخابیة التی تعمل بمنهج التسویق السیاسی، حیث تُبنى الصورة فی الأساس متوافقة مع رؤى واحتیاجات الناخبین التی قامت الحملة بدراستها فی مرحلة ما قبل الانتخابات عن طریق إدارة البحوث واستطلاعات الرأی العام، لیتم تکوینها من خلال إلقاء الضوء على ما یمیز المرشح، وترجمة ذلک فی صورة سلوک مبسط خلال الحملة الانتخابیة، على أن یتم نشر رسائل المرشح الانتخابیة باستخدام أدوات تشکیل الصورة الذهنیة، مثل: استخدام الإعلانات السیاسیة التلیفزیونیة، وفنون الخطابة، واستخدام الرمزیات السیاسیة، وأخیرًا استخدام التأثیرات العاطفیة فی صناعة صورة ذهنیة إیجابیة.

ویرى الباحث أنه رغم أهمیة المحتوى الذی یقدمه المرشح حول القضایا المختلفة؛ إلا أنه سیزداد أهمیة إذا غلف بقدر کبیر من السمات الشخصیة المطلوبة لتولی المنصب، وأن یظهر المرشح ویدلل نفسه على أنه الأفضل لتولی مثل هذا المکان، فالناخبون یرسمون صورًا ذهنیة أولیة عن المرشح لموقع رئیس الدولة، ویصوتون للمرشح الأقرب لهذه الصورة، لذا یتمیز منهج التسویق السیاسی فی إدارة الحملات الانتخابیة بالبدء فی البحث عن رغبات وتوقعات الناخبین تجاه المرشحین قبل الانتخابات، ومن ثم خلق صورة للسیاسی فی أذهان الناخبین کما هو مرغوب من قبل المجتمع.

المراجع

[1] – Pancer, S.M., Brown, S.D., and Barr, C.W. 1999. Forming impression of political leaders: A cross-national comparison. Political Psychology, 20(2), Pp 345–368.

[2] – عبد الله باهمام، 2013 “سوق فکرک: مفهوم تسویق الأفکار وأبعاده وارتباطاته”، کتاب منشور على الإنترنت على موقع الکاتب: http://www.bahammam.com

[3] – Newman, B.I. 1999c. The Mass Marketing of Politics: Democracy in an Age of Manufactured Images. Thousand Oaks, CA: Sage.  Pp 15-25.

[4] – Brian Conley, (2018) ” Thinking What He Says: Market Research and the Making of Donald Trump’s 2016 Presidential Campaign”, In Political Marketing in the 2016 U.S. Presidential Election, Edited by Jamie Gillies, University of Auckland, New Zealand, Palgrave Studies in Political Marketing and Management.pp:26-48.

[5] – على إبراهیم حجازی، (2018)، “الحملات الإعلانیة وفن مخاطبة الجهور”، عمان، دار المعتز للنشر والتوزیع، ص 293.

[6] – هشام محمد علی حسین، العلاقات العامة بین القناعة والتهمیش فی الوطن العربی، الأکادیمیة العربیة البریطانیة للتعلیم العالی. ص34. www.abahe.co.uk

[7] – Harrison, M. 1992. Politics on the air. In D. Butler and D. Kavanagh (eds.), The British General Election of 1992, London: Macmillan. 155–179.

[8] – Kinsey, D.E. 1999. Political consulting: Bridging the academic and practical perspectives. In B.I. Newman (ed.), Handbook of Political Marketing.Thousand Oaks, CA: Sage. 113–127

[9]- الرئیس الأمریکی “فرانکلین روزفلت” الوحید الذى حکم أمریکا 12 عامًا، کما أنه الوحید الذی أعید انتخابه أربع فترات رئاسیة من عام 1933 إلى 1945، ویعتبر أحد أشهر رؤساء الولایات المتحدة الأمریکیة عبر تاریخها، حیث قاد أمریکا فی واحد من أخطر مراحلها خلال فترة الحرب العالمیة الثانیة.

[10] – Newman, B.I. 1999b. Politics in an age of manufactured images. Journal of Mental Changes,5 (2), 7–26.

[11] – Plasser, F., Scheucher, C., and Senft, C. 1999. Is there a European style of political marketing? A survey of political managers and consultants. In B.I. Newman (ed.), Handbook of Political Marketing, Thousand Oaks, CA: Sage. Pp 89–112

[12]- لمزید من التفاصیل حول صناعة الصورة فی حملة باراک أوباما 2008، انظر:

ـ أحمد الشورى أبو زید (2013)، “الإعلام الجدید وإدارة الحملات الانتخابیة: دراسة حالة الحملة الانتخابیة الرئاسیة للرئیس الأمریکی باراک أوباما 2008″، رسالة ماجستیر، کلیة الاقتصاد والعلوم السیاسیة جامعة القاهرة.

[13] – على الدین هلال، )2018(، مرجع سابق، ص ص: 24ـ28.

[14] ـ على الدین هلال،)2018(، “کیف نفهم ازدیاد دور الأفراد فی النظم الدیمقراطیة”، القاهرة، مجلة الدیمقراطیة، (70) 2، ص ص: 24ـ28.

[15] – عبد الله باهمام، 2013 “سوق فکرک: مفهوم تسویق الأفکار وأبعاده وارتباطاته”، کتاب منشور على الإنترنت على موقع الکاتب: http://www.bahammam.com

[16]-  Short. P 2014 “A Taste for Intrigue The Multiple Lives of François Mitterrand” John Macrae, Henry Holt, Pp 600 -620.

[17] –  Abelson, R.P., Kinder, D.R., Peters, M.D., and Fiske, S.T. 1982. Affective and semantic components in political person perception. Journal of Personality and Social Psychology, 42(4), Pp: 619–630.

[18] – Cantor, N., and Michel, W. 1979. Prototypes in person perception. In L. Berkowitz (ed.), Advances in Experimental Social Psychology, vol. 12, 3–28. New York: Academic Press.

[19] – Winter, D.G., and Carlson, L.A. 1988. Using motive scores in the psychobiographical study of an individual: The case of Richard Nixon. Journal of Personality, 56(1), 75–103.

[20] – Ahluwalia, R. 2000. Examination of psychological processes underlying resistance to persuasion. Journal of Consumer Research, 27(2), 217–232.

[21] Wattenberg, M.P. 1991. The Rise of Candidate-Centered Politics: Presidential Elections of the 1980s. Cambridge, op . cit   Pp 150:160.

[22] – Sullivan, J.L., Aldrich, J.H., Borgida, E., and Rahn, W. 1990. Candidate appraisal and human nature: Man and superman in the 1984 election. Political Psychology, 11(3), 459–484.

[23] – IBID, PP 211–231.

[24] – Reeder, G.D., and Brewer, M.D. 1979. A schematic model of dispositional attributions in interpersonal perception. Psychological Review, 86(1), 61–79.

[25] – Iyengar, S., Kinder, D.R., Peters, M.D., and Krosnick, J.A. 1984. The evening news and presidential evaluations. Journal of Personality and Social Psychology, 46(4), 778–787.

[26]- Newman, B.I. 1999c. The Mass Marketing of Politics: Democracy in an Age of Manufactured Images. , op. cit., p. 30.

[27] – عبد الله الحیدری، (2011) “الطبقات الوسائطیة لصناعة المعنى فی التلیفزیون”، المجلة التونسیة لعلوم الاتصال معهد الصحافة وعلوم الإخبار، العدد 56، ص ص 9ـ53.

[28]- Sullivan, D.G., and Masters, R.D. 1988. “Happy warriors”: Leaders’ facial displays, viewers’ emotions, and political support. American Journal of Political Science, 32(2), 345–368.

[29] –  Nvard Melkonyan, 2007 “image of leader in political advertising ”, “21- st century”, magazine, no 1, PP 50-64

[30]- Bucy, E.P., and Newhagen, J.E. 1999. The emotional appropriateness heuristic: Processing televised presidential reactions to the news. Journal of Communication, 49(4), 59–79.

[31]- Scammell, M. 1996. The odd couple: Marketing and Maggie. European Journal of Marketing, 30(10/11), 114–126.

[32]- Peterson, D.A.M. 2005. Heterogeneity and certainty in candidate evaluations. Political Behavior, 27(1), 1–24.

[33] – Diamond, E., and Bates, S. 1992. The Spot: The Rise of Political Advertising on Television. Cambridge, MA: MIT Press. PP 5-7.

[34] – Seelye. k  2008. “About $2.6 Billion Spent on Political Ads in 2008” . New York Times ,2 DECEMBER. https://thecaucus.blogs.nytimes.com/2008/12/02/about-26-billion-spent-on-political-ads-in-2008/

[35] – Kiousis, S., Bantimaroudis, P., and Ban, H. 1999. Candidate image attributes : Experiments on the substantive dimension of second level agenda setting. Communication Research, 26(4), 414–429.

[36] – Kaid, L.L., and Chanslor, M. 1995. Changing candidate images: The effects of political advertising. In K.L. Hacker (ed.), Candidate Images in Presidential Elections, Westport, CT: Praeger Pp: 83–97.

[37] – Geer, J.G., and Geer, J.H. 2003. Remembering attack ads: An experimental investigation of radio. Political Behavior, 25(1), 69–95.

[38] – Conor M. Dowling and Yanna Krupnikov. 2016 . The Effects of Negative Advertising, Oxford Research Encyclopedia of Politics. P1.

http://politics.oxfordre.com/view/10.1093/acrefore/9780190228637.001.0001/acrefore-9780190228637-e-51.

[39] – Astead W. Herndon  2018 The Most Inflammatory Ads of the Midterms. New York Times, Oct. 22. https://www.nytimes.com/2018/10/22/us/politics/election-ads-immigration-racism.html

[40]ـ لمزید من التفاصیل، انظر:

– Fiske, S.T., and Taylor, S.E. 2008. Social Cognition: From Brains to Culture. New York: McGraw-Hill.

[41] – Niall Stanage, “Clinton buries Trump in negative ads,” The Hill, http://thehill.com/homenews/campaign/292563-clinton-buries-trump-in-negative-ads.

[42] – Fowler, Erika Franklin, Travis N. Ridout, and Michael M. Franz. “Political Advertising in 2016: The Presidential Election as Outlier?” The Forum 14, no. 4.

[43]  -Abelson, R.P., Kinder, D.R., Peters, M.D., and Fiske, S.T.  op . cit . 42(4), 619–630.

[44] – Cwalina, W., Falkowski, A., and Newman, B.I. 2008. A Cross Cultural Theory of Voter Behavior. New York: Haworth Press/Taylor & Francis Group.  Pp-5-15.

[45]ـ لمزید من التفاصیل، انظر:

– Philippe De Vries, Christ’I De landtsheer, perception political : A Belgian case study, paper presented at the 20th IPSA world congress, Fukuoka, Japan, 9- 13 July 2006.

[46] – Wattenberg, M.P. 1987. The hollow realignment: Partisan change in a candidate- centered era. Public Opinion Quarterly, 51(1), 58–74.

[47] – Lott, B., Lott, A., and Saris, R. 1993. Voter preference and behavior in the presidential election of 1988. Journal of Psychology, 127(1), 87–97.

[48] -Barrack Obama Democratic Convention Speech, huffington post, m28 August2008. available at:

www.Huffingtonpost.com/008/10/20/Barrack-obama- Democratic-c_n_122224.html”.

[49] –  Aronson, E., Wilson, T.D., and Akert, R.M. 1994. Social Psychology: The Heart and the Mind. New York: HarperCollins. Pp 1-15.

[50] – محمود یوسف (1991)، “الاستغلال السیاسی للإسلام: دراسة للدعایة العراقیة خلال حرب الخلیج الأخیرة”، مکة، مکتبة الطرفین، ص 24.

[51] – O’Shaughnessy,  N.J.  (2004)  Politics and Propaganda:  Weapons of Mass Seduction. Manchester: Manchester University Press. Pp194-220.

[52] -Steven Lee Myers، The Obama Celebrate their Wedding Anniversary، New York Times, 3 October 2008, available at.

www.thecaucus.blogs.nytimes.com/2008/10/03/The-Obama-Celebrate-their-Wedding-Anniversary/

[53] – O’Shaughnessy,  N.J. (2003) ‘The symbolic state: a  British experience’, Journal of  Public

Affairs, 3 (4): Pp 297–312.

[54] – Simmons, A. (2000) The Story Factor: Inspiration, Influence, and Persuasion through the Art of Storytelling. New York: Perseus Publishing. Pp 27-49.

[55] – دعدوش أحمد (2014) “قوة الصورة: کیف نقاومها؟ وکیف نستثمرها؟”، الکویت: دار ناشری للنشر الإلکترونی، ص ص 165ـ 168.

[56] – Perloff, R.  M.  (1998) Political  Communication. Politics,  Press,  and  Public  in  America (Mahwah, NJ: Lawrence Erlbaum Associates). P15.

[57] – Zuckerman, A.S. (1982) ‘New approaches to political cleavage: a theoretical introduction’, Comparative Political Studies, 15 (2): 131–44.

[58] – Trent, J. S. and R. V. Friedenberg (2000) Political  Campaign Communication.  Principles and Practices (Westport, CT: Praeger) . P17.

[59] – Alim,  S. H. and G. Smitherman (2012) Articulate  While Black. Barack Obama, Language, and Race in the U.S. (New  York : Oxford University Press).  P28.

[60] – Degani . M. (2018) “Framing the Rhetoric of a Leader: An Analysis of Obama’s Election Campaign Speeches”, UK, Palgrave Macmillan, PP 215-221.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى