...
دراسات سياسية

طبيعة السلطة السياسية بين نيكولاي ماكيافيلي، أبن خلدون وألان توران

السلطة هي القدرة التي يتوفر عليها فرد أو جماعة من خلال امتلاك مجموعة من الأجهزة والأدوات، فتمارس تأثيرها على الآخرين وتوجه تصرفاتهم وتتحكم في واقعهم ومصيرهم. وقد تكون السلطة مبنية على القوة والعنف، أو على العرف والعادة. والسلطة السياسية هي الهيئة التي تباشر السيادة والحكم، أي أنها سلطة الدولة التي تمارس من خلال مختلف المؤسسات الاجتماعية (كالوزارات والولايات والبلديات والمحاكم ومراكز الشرطة والحرس…).

وقد دعا المفكر الفرنسي مونتسكيو (1689- 1755) إلى إقامة نوع من التوازن بين ممارسة السلطة السياسية وحرية المواطن؛ وهذا يقتضي، في نظره، ضرورة الفصل بين ثلاث أنواع من السلط، هي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية. ويمكن أن نقيس مدى اقتراب كل مجتمع من النظام الديموقراطي الحق بمدى الفصل الذي يقيمه بين هذه السلط، غير أن الواقع يكشف أن ممارسة السلطة السياسية قد لا ينفصل عن ممارسة العنف والإكراه والمكر والخداع تحت غطاء حماية وتدبير الشأن العام.

من هنا يتعين التساؤل حول طبيعة السلطة السياسية والأسس والمرتكزات التي تقوم عليها: فما طبيعة السلطة السياسية؟ وهل تقوم على القوة والمكر والخداع أم على الرفق والتوسط والاعتدال؟ أم على مفهوم الديموقراطية؟

1  لـ: نيكولاي ماكيافيلي 

إن مجال السياسة هو مجال صراع مصالح متعارضة بين الأفراد والجماعات، ولذلك يؤكد ماكيافيلي أن رجل السياسة (الأمير) يلزمه أن يكون قويا وذكيا، بل وماكرا، يستخدم كافة الوسائل المتاحة لديه، المشروعة وغير المشروعة، للتغلب على كل خصومه وأعدائه وبلوغ غاياته. إن عظمة الأمير وحكمته، حسب ماكيافيلي، لا تتأسس على الاستقامة والأمانة والوفاء بالعهود التي فيها ضياع مصلحته؛ ذلك أن الأمراء العظماء لم يصبحوا كذلك إلا لأنهم لم يصونوا العهد إلا قليلا، وأثروا على عقول الناس بالمكر والخداع. ولذلك يدعو، هذا المفكر، الأمير إلى المزاوجة بين طريقتين في القتال: الأولى تتأسس على القوانين، والثانية ترتكز على القوة؛ وعليه أن يكون في تصرفاته كالحيوان، وأن يقلد الثعلب في مكره والأسد في قوته، وأن يعرف كيف يبطش ويخادع، وفي نفس الوقت يعرف كيف يخفي هذه الصفات.

إن السلطة السياسية ترتكز على القوانين من جهة وعلى القوة من جهة أخرى، ورجل السياسة يلزمه أن يكون ماكرا وقويا في الوقت نفسه، وأن يستخدم كل الوسائل المشروعة منها وغير المشروعة.

2   لـ: أبن خلدون

إن مجال السياسة ليس دائما مجال صراع وتناقض بين الحاكم والمحكوم، بل بالإمكان أن يكون مجال نبل وأخلاق وتوازن، لذلك يدعو ابن خلدون إلى أن علاقة السلطان برعيته يجب أن تقوم على الرفق والاعتدال والحكمة؛ ذلك أن العلاقة الصالحة والعادلة فيها مصلحة الطرفين. ومن أجل هذا يؤكد هذا المفكر أنه يجب أن تتوفر في السلطان، باعتباره رجل سياسة، خصال إنسانية توصف بالاعتدال وتكون غير مذمومة. إن صلاح السلطان ومصلحة الرعية فيه لا تكمن في خصائصه الذاتية (الجسمية والفكرية)، بل في جودة ملكته وصلاحيتها وعدم تعسفها. وحسن الملكة يعود إلى الرفق، ذلك أن الملك لا ينبغي أن يكون قاهرا وباطشا، لأن ذلك يترتب عنه خوف الرعية وذلهم وفساد أخلاقهم، وربما خذلانهم له في مواطن الحرب؛ بل يجب أن يكون رفيقا بهم لينا معهم ليكسب محبتهم. ولهذا فإن رجل السياسة عليه أن يحرص على التوسط والاعتدال، فلا يكون كيسا وذكيا مفرطا في الفكر، ولا بليدا مفرطا في الجمود.

إن السلطة السياسية ترتكز على توسط رجل السياسة واعتداله، وعلى جودة ملكته لرعيته ورفقه بهم.

 لـ: ألان توران  

ينتقد السوسيولوجي الفرنسي المعاصر ألان توران(1925- … ) طبيعة السلطة السياسية، معتمدا على مفاهيم عدة كالديموقراطية والحقوق المدنية والاجتماعية والثقافية، ليؤكد أن السلطة السياسية يجب أن تتخذ صبغة الديموقراطية، وذلك بالحرص على احترام الحقوق المدنية من جهة والحقوق الاجتماعية والثقافية من جهة أخر، وبمواجهة السلطة المطلقة، أي سلطة الاستبداد العسكري وسلطة الحزب الكلياني، وبوضع حدود أمام الفردانية القصوى. ولذلك فإن الديموقراطية هي التي تسمح للسلطة السياسية بالانفتاح على الشروط المعيشية وتحسينها، وذلك من خلال تركيزها على مبادئ ثلاثة هي: الاعتراف بالحقوق الأساسية التي ينبغي احترامها، وصفة التمثيل الاجتماعي للقادة وسياساتهم، والوعي بالمواطنة.

إن السلطة السياسية ترتكز على الديموقراطية وتجنب السقوط في الفردانية والإطلاقية، وضمان الحقوق 

الأساسية للإنسان.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

و تمثل السلطة الحاكمة العاصر التنظيمي في الدولة العصرية و يقصد هنا بالسلطة الحاكمة بالإدارة الحكومية الممارسة لوظائف الدولة و تكون تتمتع بسلطتها على الإقليم و هي تعرف اليوم بالحكومة أو السلطة و هي أنواع – سلطة قاهرة حائزة للقوة المادية والكافية لتنفيذ قراراتها (الجيش الدرك الشرطة.

– سلطة قائمة على نظام قانوني يضفي على القوة المادية شرعيتها و يصوغ نتائجها كالنظام الشرطي و القضائي و ذلك على مستوى أعلى مما لدى الجماعات السياسة الأخرى كالأحزاب .

– سلطة قادرة على إصدار قرارات نهائية ونافذة في نطاقها الإقليمي دون خضوع أو توقف أو تصديق من قوة خارجية فهي اختصاص إنفرادي إقليميا ومما سبق ذكره يمكن القول بأن الدولة لا تستطيع أن تقوم بدون حكومة تتولى وظيفتها السياسية و تأخذ هذه الحكومة في الحياة العملية بشكل مجلس تنفيذي أو مجلس حكومة أو مجلس المفوضين و تقوم بتنظيم العلاقات بين السكان وتدير الإقليم وتشغيل موارده و تستخدم ما تحت يدها من مصادر للثورة و القوة و تدعم وحدة الدولة و مكانتها الدولية و تتخذ كلمة الحكومة في التداول معنيين.

 الأول : عضوي و يعني الهيئة التي تتولى حكم الشعب و تمثيله وفق ما يقضي به القانون , كما تدل على أعضاء السلطة التنفيذية في الدولة ممثلة في رئيس الدولة و رئيس الحكومة و الوزراء و كتاب الدولة .

الثاني : وظيفي و من خلاله تدل كلمة الحكومة على ممارسة صاحب السيادة للسلطة العامة أو هي أعمال السيادة أو السيادة في حالة العمل و الحركة قياما بواجب الدولة .

 * نماذج الحكومات : إذا كانت الحكومة في منظور القانون الدولي هي الهيئة التي تتولى حكم الشعب و تمثيله في الداخل و التاريخ فإنها تتخذ في الحياة العملية عدة نماذج و هي على النحو التالي :

الحكومة البرلمانية : تنتمي هذه الحكومة إلى الديمقراطيات التقليدية و تستمد تقسيمها من خصائصها التالية :

– يعين رئيس الحكومة من طرف رئيس الدولة لأنه من طبيعة النظام البرلماني أن يكون مشتملا على مركزين متميزين هما رئيس الدولة و له صلاحيات و سلطة واسعة فعليه في تعيين رئيس  الحزب على الأغلبية في البرلمان كرئيس للحكومة و المركز الثاني هو رئيس الحكومة لوزرائه و عادة يكونون أعضاء في البرلمان الحكومة هيئة جماعية يتحمل رئيس الحكومة تبعية تصرفات وزرائه و الحكومة مسؤولة جماعيا عن السياسة العامة أمام البرلمان الذي يمكنه إسقاطها إذا لم تحز على ثقته و هنا نستشف ثقل البرلمان في إبقاء الحكومة من عدمه .

الحكومة الرئاسية : و هذه الحكومة لها خصائص هي :
– يتولى رئاسة الحكومة شغل ينتخبه الشعب لمدة محدودة و يجري انتخابه وفق انتخابات البرلمان .رئيس الحكومة هو في نفس الوقت رئيس الدولة حيث يعين رؤساء المصالح الأخرى مع حرية التعيين لمن يشاء شريطة موافقة البرلمان في النهاية .رئيس الحكومة مسئول أمام الدستور و ليس أمام البرلمان و يمكن للبرلمان حق اتهام رئيس الحكومة بالخيانة العظمى إذا خالف الدستور
– رئيس الحكومة يمثل بمفرده السلطة و عند الاجتماع بالوزراء فهو غير مقيد بآرائهم و يتضح لنا من ذلك أن الحكومة الرئاسية تتميز بطابع الانفصال التام بين الحكومة و البرلمان .

 حكومة الجمعية الوطنية : الميزة الواضحة في هذه الحكومة هي أنها تكون من لجنة يعينها البرلمان من بين أعضائه , و ليس لهذه الحكومة رئيس بزاته تتعقد له الزعامة على ما هو الشأن بالنسبة للنموذج حين السابقين (الحكومة البرلمانية و الحكومة الرئاسية) . كما أنها لا توجد حكومة قائمة بذاتها .

و ليس عدم وجود حكومة على الإطلاق فهي محصورة بين السلطة التشريعية و التنفيذية كما هو الشأن في الإتحاد السوفياتي حيث نجد أن البرلمان المسؤول أصلا عن تكوين الحكومة .

• حكومة الفرد أو الأقلية : إذا كانت الحكومة الشعبية هي التي تختار أعضاؤها من الشعب و تعمل على تحقيق مصالح الشعب فإن السلطة في حكومة الفرد أو الأقلية محصورة في يد شخص واحد و هو الملك أو فرد مستبد كما هو الحال في الدولة الآسيوية و الإفريقية و أمريكا اللاتينية أو بيد أقلية من الأفراد من ينتمون للحكومة بحكم المولد أو السن أو القوة أو امتلاك الأراضي أو  المستوى الثقافي أو الدين أو اللغة أو المؤسسة العسكرية أو في هذا النموذج للحكومات لا يصبح للشعب أي حق في الاشتراك في الحكم أو إدارة شؤون البلاد , و إذا و إن أقرت انتخابات رئاسية أو تشريعية فسيكون لإخفاء الوجه الاستبدادي القائم على إدارة الفرد أو الأقلية و عنه يمكن استخلاص مما سبق أن الحكومات تتصنف إلى ثلاثة أنواع هي :

أ- حكم الفرد : و هو حكم مطلق يكون تركيز السلطة فيه بيد شخص واحد و من الأمثلة عليه الملكية في العصور القديمة و الدكتاتورية (هتلر , ستالين).

ب – حكم النخبة : و توضع السلطة بيد مجموعة من الأفراد و هم أقلية متميزة لهم القوة المالية أو الصناعية أو العسكرية مثل الاقطاحيين و النبلاء .

ج – حكم الأكثرية : و يعني حكم الشعب أو نواب الشعب الذين فوض لهم السلطة لكي يصنعوا القرارات المهمة و السياسات العامة نيابة عن المواطنين مثل (فرنسا , إنجلترا,الو .م . أ ).

يستلزم لاستكمال كل العناصر المشكلة للدولة، إنشاء هيئة حاكمة منظمة تتولى باسم الدولة مهمة الإشراف على الإقليم وعلى الشعب المقيم عليه، ورعاية مصالحه وحمايته. لهذا تعتبر السلطة السياسية الركن الجوهري الذي يميز الدولة عن باقي الجماعات الأخرى هذا مع الإشارة إلى أن بعض الفقه أصبح يميز بين السلطة الشرعية والسلطة المشروعة، كما يفرد لسلطة الدولة مميزات خاصة بها.
الفرع الأول: السلطة الشرعية والسلطة المشروعة.
إذا كان الفقه لا يشترط أن تمارس هذه الهيئة الحاكمة السلطة برضا الشعب ويكتفي أن تفرض احترام إرادتها والخضوع لها بالقوة، فإنه مما لا شك فيه أن عامل الرضا والاقتناع بالسلطة الحاكمة مسألة هامة لضمان بقائها وديمومتها وحتى لا تبقى غير قانونية، لهذا يميز الفقهاء بين السلطة الشرعية والسلطة المشروعة.
ـ فالسلطة الشرعية هي السلطة التي تصل إلى سدة الحكم وفقا للقانون الساري المفعول في الدولة. وعندما يقال هذا عمل شرعي أي يتطابق مع القانون بصفة عامة كما يقال شرعية دستورية عندما تتطابق أعمال السلطة مع الدستور.
ـ أما السلطة المشروعة فهي صفة تطلق عادة على سلطة يعتقد الأفراد أنها جاءت وفق ما يؤمنون به من قيم ومعتقدات، وتأتي على العموم عند غياب الشرعية الدستورية ولهذا تستعمل عبارات المشروعية الثورية والمشروعية التاريخية.
وعليه فمصطلح الشرعية يعد أكثر دقة ووضوحا من مصطلح المشروعية الذي يعتمد على عوامل سياسية مختلفة.
الفرع الثاني: مميزات السلطة.
يمكن إجمالها باختصار في:
ـ أنها سلطة عامة وشاملة أي أنها ذات اختصاص يشمل جميع نواحي الحياة في الدولة ويخضع لها جميع الأفراد دون استثناء.
ـ أنها سلطة أصلية ومستقلة بحيث لا تستمد وجودها من غيرها، ومنها تنبع جميع السلطات الأخرى وتكون تابعة لها.
ـ أنها سلطة دائمة أي لا تقبل التأقيت ولا تزول بزوال الحكام.
ـ أنها سلطة تحتكر استخدام القوة العسكرية والمادية والتي تجعلها تسيطر على جميع أرجاء الدولة وهي تنفرد بوضع القوانين وتتولى توقيع الجزاء.
هذه هي الأركان الثلاثة تحضى بشبه إجماع بين الفقهاء، أما الأمر المختلف فيه هو: ما مدى اعتبار الاعتراف الدولي ركنا من أركان الدولة؟
ذهب الفقه في اتجاهين :
الاتجاه الأول يؤيد ضرورة وجود الاعتراف الدولي وهم أنصار الاعتراف المنشئ وهم يعتقدون أن الكيان الذي توافرت فيه الأركان الثلاثة ولم تعترف به الدول والمنظمات الدولية لا يعد دولة.
الاتجاه الثاني وهم أنصار فكرة الاعتراف المقرر وهم يرون أن الدولة تنشأ بمجرد توفر أركانها الثلاثة دون حاجة إلى الاعتراف الدولي لأنه مقرر لأمر سبق نشؤه وبالتالي فهو ليس ركنا من أركان الدولة.
وعليه وبالرجوع إلى واقع العلاقات الدولية لا يؤيد أي من الرأيين على إطلاقه. فالحقيقة أن الدولة تنشأ بمجرد توافر أركانها الثلاثة والاعتراف يعد عنصرا مهما من أجل مساعدتها على تبادل المنافع مع غيرها من الدول والمنظمات الدولية فغياب الاعتراف من شأنه أن يعرقل الدولة على مباشرة حقوقها مع الدول القائمة ومنه فعدم الاعتراف لا يعيق الدولة على التمتع بشخصيتها القانونية.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى