طرق التنبؤ بالأزمات المستقبلية وجدواها في معالجة الأزمات السياسية الدولية

بقلم الدكتوراه سحر سيد صبري

مقدمةٌ: التنبؤُ بالأزماتِ “التعريفِ والأهدافِ والإشكالياتِ”.

  1. الاتجاهاتُ الرئيسيةُ للتنبؤِ بالأزماتِ السياسيةِ الدوليةِ:

1.1 اتجاهُ التنبؤِ العلميِّ.

1.1.1 طرقُ التنبؤِ العلميِّ.

2.1.1 إشكالياتُ التنبؤِ العلميِّ .

2.1 اتجاهُ التنبؤِ العمليِّ.

1.2.1 طرقُ التنبؤِ العمليِّ.

2.2.1 إشكالياتُ التنبؤِ العمليِّ.

3.1 اتجاهُ التنبؤِ الجمعيِّ-الاصطناعيِّ

1.3.1 مؤشراتُ الأحداثِ المبكرةِ مفتوحةُ المصدرِ

2.3.1 جمعُ أحكامِ الخبراءِ- التنبؤاتُ الجماعيةُ

3.3.1 جمعُ النماذجِ- نظمُ التنبؤِ المتكاملةِ

  1. جدوى التنبؤِ بالأزماتِ السياسيةِ الدوليةِ:

1.2 الجدوى العلميةُ للتنبؤِ بالأزماتِ المستقبليةِ

1.1.2 تطويرُ وتقييمِ النظرياتِ والنماذجِ.

2.1.2 توفيرُ بياناتِ المستقبلِ.

2.2 الجدوى التطبيقيةُ للتنبؤِ بالأزماتِ المستقبليةِ.

1.2.2 التنبؤُ بالأزمات ِوالإنذارُ المبكرُ.

2.2.2 التنبؤ بالأزمات وصناعة القرار.

  1. تطويرُ طرقِ التنبؤِ بالأزماتِ السياسيةِ الدوليةِ:

1.3 التنبؤُ النَّقديِّ.

2.3 التنبؤُ بالكثافةِ.

3.3 التنبؤُ بردودِ الأفعالِ.

4.3 التنبؤُ بالسيناريوهاتِ.

قائمةُ المصادرِ.

المستخلصُ:

في ضوءِ التغييرِ المتسارعِ لمختلفِ الظروفِ العالميةِ السياسيةِ والاقتصاديةِ والتكنولوجيةِ وغيرها، والتَّعقيدِ المتزايدِ في فهمِ هذا التَّغييرِ وما يحملُهُ من مفاجآتٍ في مختلفِ الآفاقِ الزمنيةِ القريبةِ والبعيدةِ، تتناولُ الدراسةُ التنبؤَ بالأزماتِ السياسيةِ الدوليةِ منْ حيثُ التعريفِ والأهدافِ والإشكالياتِ، ثمَّ طرحُ الاتجاهاتِ الرئيسيةِ لإجراءِ التنبؤِ بالأزماتِ الدوليةِ في بحوثِ السلامِ والصراعِ والإشكالياتِ ذاتِ الصلةِ بقدرةِ كلٍّ منها على توليدِ تنبؤاتٍ دقيقةٍ بالأزماتِ المستقبليةِ، والتي رصدْناها في ثلاثةِ اتجاهاتٍ وهيَ (التنبؤِ العلميِّ/ النظريِّ، والتنبؤِ العمليِّ/ الواقعيِّ، والتنبؤِ الجمعيِّ- الاصطناعيِّ). وتمَّ عرضُ أبرزِ الطرقِ لإجراءِ التنبؤِ في كلٍّ منْ تلكَ الاتجاهاتِ بالإشارةِ إلى أفضلِ الممارساتِ والمشاريعِ البحثيةِ التَّطبيقيةِ وكيفيةِ معالجتِها لإشكالياتِ القدرةِ التنبؤيةِ في مختلفِ الاتجاهاتِ، ثمَّ سلطْنا الضوءَ على جدوى التنبؤِ بالأزماتِ السياسيةِ الدوليةِ من خلالِ الدورِ الذي يقومُ بهِ التنبؤُ بالأزماتِ على المستوى العلميِّ في التقييمِ والتطويرِ للنظرياتِ والنماذجِ وتوفيرِ بياناتِ المستقبلِ، وعلى المستوى التَّطبيقيِّ في تعزيزِ قدرةِ نظمِ الإنذارِ المبكرِ ودعمِ صناعةِ السياساتِ والقراراتِ. وأخيراً قمْنا بحصرِ أبرزِ التوجهاتِ لتطويرِ طرقِ التنبؤِ بالأزماتِ السياسيةِ الدوليةِ وذلكَ بهدفِ تحسينِ دقةِ التنبؤاتِ وتعزيزِ جدواها العمليةِ.

مقدمةٌ: التنبؤُ بالأزماتِ “التعريفُ والأهدافُ والإشكالياتُ”:

ركَّزتْ البحوثُ حولَ السلامِ والصراعِ الدوليينِ في الغالبِ على شرحِ أحداثٍ مثلَ بدايةِ الحروبِ أوْ إنهائِها، بدلاً من محاولةِ التنبؤِ بها. ولكنْ في الآونةِ الأخيرةِ، حظي التنبؤُ بالأزماتِ باهتمامٍ متزايدٍ نظراً للتطورِ في المنهجياتِ والأدواتِ التي جعلتْ تلكَ التنبؤاتِ دقيقةً بشكلٍ متزايدٍ وأصبحَ لها آثارٌ حاسمةٌ على كلٍّ منْ البحثِ وصنعِ السياساتِ في المستقبلِ. وأصبحَ التنبؤُ بالأزماتِ السياسيةِ الدوليةِ، يُقابلُ باهتمامٍ متزايدٍ في المجتمعِ الأكاديميِّ وفي الأوساطِ السياسيةِ والعسكريةِ والاستخباراتيةِ، التي تعملُ عن كثبٍ لتجنبِ بعضِ الإخفاقاتِ في معالجةِ الأزماتِ وتجنبِ تكاليفِ تطورِها إلى الصراعِ ومخاطرِهِ. وفي هذا السياقِ تجادلُ الباحثةُ بأنَّ التنبؤَ بالأزماتِ ممكنٌ وبدرجةِ يقينٍ عاليةٍ في حالِ اعتمادِ طرقٍ وأدواتٍ تمكِّنُنَا من معالجةِ الإشكالياتِ الرئيسيةِ لضعفِ القدرةِ التنبؤيةِ بالأزماتِ باعتبارِ “التنبؤِ” المهمةُ الأولى والدافعُ الأساسيُ لبحوثِ السلامِ والصراعِ (Chadefaux, 2017, p 7; Hegre, 2017, p 113).

ويعرِّفُ قاموسُ كامبريدج “التنبؤ Prediction” بشكلٍ عامٍ باعتبارِهِ “تعبيرٌ عنْ التَفكيرِ فيما يمكنُ ويُحتملُ أنْ يحدثَ في المستقبلِ”، ويُعتبرُ “التنبؤُ” أعمَّ وأوسعَ من “التَّوقعِ Forecasting” القائمِ على التفكيرِ في الحاضرِ لتوقعِ أحداثِ المستقبلِ، بحيثُ يشملُ إلى جانبِ التوقعِ التفكيرُ فيما يحتملُ أنْ يظهرَ في المستقبلِ والاستعدادِ لهُ في الحاضرِ “Backcasting”،  وحيثُ نستهدفُ دراسةُ طرقِ وجدوى التنبؤِ بالأزماتِ فإنَّنا نركِّزُ هنا على مفهومِ التنبؤِ الوقائيِّ “Maintenance Prediction” والذي يُعَرِّفُ التنبؤَ باعتبارِه وثيقَ الصلةِ بالإنذارِ المبكرِ بالأزماتِ وصناعةِ السياساتِ. وهو ما يتطلبُ أنْ ننظرَ إلى التنبؤِ باعتبارِه عملةً واحدةً ذاتِ وجهين:

 الواجهةُ الأولى :هوَ أنَّهُ “نبوءةٌ علميةٌScientific Prediction “، ويُعتبرُ التَّحكمُ في المستقبلِ نتيجةً طبيعيةً ضروريةً لهذا التنبؤِ. ويسعى التَّحكمُ في النتائجِ المستقبليةِ إلى صياغةِ السياساتِ وتطويرِها وتنفيذِها، ويتَّطلبُ في سبيلِ ذلكَ فهمَ الديناميكياتِ الشاملةِ للظاهرةِ قيدَ الدراسةِ من أجلِ تقديرِ الظروفِ الحاليةِ بشكلٍ أفضلَ؛  وتُعرَّفُ “أنظمةُ الإنذارِ المبكرِ” في هذا السياقِ بأنَّها إجراءاتٌ منهجيةٌ تمَّ إعدادُها لتوفيرِ “تنبؤاتٍ” بشكلٍ منتظمٍ للأحداثِ المتعلقةِ بالصراعِ.

أمَّا الواجهةُ الثانيةُ : فهو أنَّهُ “نبوءةٌ حدسيةٌ” أوْ ما يسمي “التنبؤُ التحرريُّ liberative prediction ” والذي يشيرُ الى التَّحررِ من القيودِ المفاهيميةِ للحاضرِ عندَ التَّفكيرِ فيما يُمكنُ أنْ يحدثَ في المستقبلِ ولكنَّهُ يؤكدُ على تحديدِ الأحداثِ الحاسمةِ في وقوعِ الحدثِ وفي الخياراتِ الحرجةِ التي يُمكنُ أنْ تؤدي إلى نتائجَ غيرِ متوقعةٍ (Asian Development Bank, 2020, p2; Hegre, 2017, p 114; Choucri, 1974, p 64).

الشكل (1)

التنبؤُ الوقائيُّ: الجمعُ بينَ التوقعِ والبثِّ العكسيِّ

Reference: Bers, Bakkes and Hordijk, December 2016, p 4.

وحيثُ يؤثرُ تعريفُ وتحديدُ طبيعةِ الأزمةِ بشكلٍ كبيرٍ على “إمكانيةِ التنبؤِ الوقائيِّ”، فإنَّنا نركزُ هنا على تعريفِ الأزمةِ السياسيةِ الدوليةِ في إطارِ المفاهيمِ الخاصةِ بمنهجِ النَّسقِ في تحليلاتِ العلاقاتِ الدوليةِ والتي تُركِّزُ على التفاعلاتِ السلوكيةِ بينَ وحداتِ النظامِ، ونشيرُ هنا إلى تعريفِ Oran Yong للأزمةِ الدوليةِ على أنَّها: “مجموعةُ أحداثٍ تكشفُ عن نفسِها بسرعةٍ محدثةٍ بذلكَ خلالاً في توازنِ القوى القائمةِ في ظلِ النظامِ الدوليِّ أو أياً منْ نظمُهِ الفرعيةِ، بصورةٍ أساسيةٍ وبدرجةٍ تفوقُ الدرجاتِ الاعتياديةِ مع زيادةِ احتمالِ تصعيدِ الموقفِ إلى درجةِ العنفِ”.

 ونظراً لارتباطِ مصطلحِ الأزمةِ الدوليةِ بالتفاعلاتِ الصراعيةِ في العلاقاتِ الدوليةِ يمكنُ تميزُها على متصلٍ يبدأُ من التوترِ مروراً بالأزمةِ ثمَّ النزاعِ وينتهي بالصراعِ، وعليهِ فالأزمةُ هيَ المرحلةُ الأعلى حساسةً من الصراعِ، وهي وفقاً لتعريفِ كال هولستي Kal Holsti  “تغيرٌ مهمٌ في كميةِ ونوعيةِ أو شدةِ تفاعليةِ الأممِ”، فالأزمةُ عندَ هولستي هيَ أحدُ مراحلِ الصراعِ، تنشأُ عن طريقِ مفاجئةِ أحدِ الأطرافِ للطرفِ الآخرِ بفعلٍ ما، ممَّا يؤدي إلى زيادةِ حدَّةِ التَّوترِ والتَّهديدِ بينَ الطرفينِ وإذا لم تدارْ هذهِ الأزمةُ منِ قِبلِ صنّاعِ القرارِ بشكلٍ صحيحٍ ستتفاقمُ بحيثُ يصبحُ الحلُ التوافقيُّ أكثرَ صعوبةً وتتحولُ إلى صراعٍ بكلِّ ما يحملُهُ منْ مخاطرَ (الموسوعة السياسية، 2020).

ويمكنُ تحديدُ مدى قدرتِنا على التنبؤِ بالأزماتِ السياسيةِ الدوليةِ وفقاً لتصنيفِ الأزماتِ ذاتِها، حيثُ يمكنُ التمييزُ بينَ ثلاثِ أنواعٍ منْ الأزماتِ وهي :الأزماتِ المنتظمةِ، والأزماتِ السحابيةِ، والبجعاتِ السوداءِ.

 “الأزماتُ المنتظمةُ Clocks Crisis” تشيرُ إلى أنَّ التفاعلاتِ الدوليةِ والمحليةِ تُشبهُ الساعةَ في معظمِ الأحيانِ، فالعمليةُ العشوائيةُ للأحداثِ والتوتراتِ اليوميةِ التي قدْ تظهرُ على المستوى المحليِّ أوْ العالميِّ هيَ عمليةٌ اتجاهيةٌ Trend Stationary. والأزماتُ السحابيةُ Clouds Crisis تشيرُ إلى صدماتٍ نادرةِ الحدوثِ ولا تقعُ بانتظامٍ، وقدْ تبدأُ بسلسةٍ منْ الأحداثِ التي تغيرُ طبيعةَ الانتظامِ في الظاهرةِ وتحدِّثُ تحولاتٍ جذريةٍ. أمَّا البجعاتُ السوداءُ Black Swans Crisis فهي تختلفُ عنْ الأزماتِ السحابيةِ والتي تحدثُ بشكلٍّ غيرِ متكررٍ ويكونُ احتمالُ وقوعِها منخفضاً لكنَّهُ مشروطٌ بمجموعةٍ من المتغيراتِ ذاتِ الصلةِ، فإنَّ احتماليةَ البجعةِ السوداءِ منخفضةٌ حتى بشرطِ المتغيراتِ الأخرى. فالبجعاتُ السوداءُ هيَ أحداثٌ تغيرُ قواعدَ اللعبةِ مع احتماليةٍ منخفضةٍ للغايةِ لوقوعِها بحيثُ لا يمكنُ التنبؤُ بِها.

وترجعُ العواملُ الرئيسيةُ لضعفِ القدرةِ على التنبؤِ بأزماتِ البجعاتِ السوداءِ إلى ضعفِ القدرةِ على التنبؤِ بهيكلِ وبنيةِ العلاقاتِ الدوليةِ نظراً لأنَّ التغيراتِ داخلَ هذا الهيكلِ غالباً ما تكونُ مفاجئةً وغيرَ متوقعةٍ في المدى القصيرِ والتي تؤدي إلى صدماتٍ مركبةٍ في المدى البعيدِ، وعلى الرَّغمِ منْ أنَّ البعضَ يجادلُ بإمكانيةِ التنبؤِ بالتغيراتِ ذاتِ الصلةِ بالبجعاتِ السوداءِ في حالةِ توافرِ البياناتِ والمعلوماتِ الضخمةِ، إلَّا أنَّ هناكَ إشكاليةً أخرى تتعلقُ بالطبيعةِ الاستراتيجيةِ للعلاقاتِ الدوليةِ والسياسيةِ بشكلٍ عامٍ نظراً لارتباطِها بسلوكِ الفاعلينَ الدوليينَ وتوقعاتِهم الخاصةِ حولَ المستقبلِ ومواقفِهم الذاتيةِ تجاهَ الأزماتِ والتي قدْ تتَّجهُ لمنعِها أو تأجيلِها أو تسريعِ وقوعِها وكذلكَ تصرفاتِهم وفقَ “استراتيجياتٍ مختلطةٍMixed strategies ” حيثُ لا يمكنُ للدولِ أوْ الجهاتِ الفاعلةِ المحليةِ أنْ تستجيبَ دائمًا في نفسِ الموقفِ بنفسِ الطريقةِ، وإلَّا فإنَّ استجابتَها تصبحُ متوقعةً ويمكنُ أنْ يستغلَها الخصمُ، والمنطقُ ذاتُهُ ينطبقُ على إدارةِ الأزماتِ وتصعيدِها أو إنهائِها  (Chadefaux, 2017, p 12-13)

وفي هذا السياقِ يتمُّ التمييزُ بينَ ثلاثةِ اتجاهاتٍ رئيسيةٍ للتنبؤِ بالأزماتِ السياسيةِ الدوليةِ (التنبؤُ العلميُّ والتنبؤُ العمليُّ الواقعيُّ والتنبؤُ الجمعيُّ الآليُّ) ولكلٍ منهما خصائصُهُ التي تميزُهُ والطرقُ التي يستندُ إليها في إجراءِ التنبؤِ وكذلكَ الإشكالياتُ التي تواجهُهُ في الوصولِ إلى تنبؤاتٍ ذاتِ دقةٍ عاليةٍ بكافةِ أنواعِ الأزماتِ وذاتِ قدرةٍ على تحقيقِ الأهدافِ الوقائيةِ للتنبؤِ، وذلكَ على النَّحوِ التالي بيانُهُ.

  1. الاتجاهاتُ الرئيسيةُ للتنبؤِ بالأزماتِ السياسيةِ الدوليةِ:
    • “التنبؤُ العلميُّScientific Prediction “:

غالباً يُقصدُ بـالتنبؤِ العلميِّ “بعضُ التطوراتِ المنطقيةِ المستمدةِ منْ نظريةٍ بدونِ إشارةٍ ضروريةٍ إلى المستقبلِ”. قدْ يكونُ التطورُ يتعلقُ بشيءٍ يُعتقدُ بالفعلِ أنَّهُ تطوّرٌ متوقعٌ أو شيءٌ لمْ يكنْ متوقعاً منْ قبلُ، وحيثُ يتعلقُ التنبؤُ بالأحداثِ المستقبليةِ، إلَّا أنَّهُ يجبُ أنْ يكونَ اشتقاقًا منطقيًا منْ نظريةٍ وشروطٍ أوليةٍ، وهنا يُميزُ كارل بوبر بينَ “التنبؤِ العلميِّ” و”النبوءاتِ غيرِ المشروطةِ”، فالتنبؤُ العلميُّ يحتاجُ في المقامِ الأولِ إلى معرفةِ الإجابةِ على أسئلةِ “لماذا” (أيْ فهمُ الآلياتِ السببيةِ) وذلكَ للسماحِ لنا بالإجابةِ عن أسئلةِ “كيفَ” أيْ تحديدُ التدخلاتِ التي يمكنُ أنْ تنجحَ وتحتَ أيِّ نوعٍ من الظروفِ وأيضًا لفهمِ حدودِ تدخلاتِنا. وهذا يتطلبُ مزيدًا من التفكيرِ النَّظريِّ (Dowding and Miller, 2019, p 1002). وتؤدي النظريةُ عمومًا العديدَ منْ الوظائفِ في سياقِ التَّحققِ التجريبيِّ وأهمها:

 (1) توفرُ إرشاداتِ، ومقترحاتِ، ونتائجَ “فرضياتٍ” تمَّ التحققُ من صحتِها فيما يتعلقُ بالعلاقاتِ بينَ المتغيراتِ الحرجةِ أوْ بينَ مكوناتِ النِّظامِ الذي يتمُّ التحقيقُ فيهِ.

 (2) توفرُ معاييرَ لتقييمِ التوقعاتِ وتقييمَ نتائجِها. تؤثرُ هذه المهامُ على فهمِ المتنبئِ لـ “الحقائقِ” المطروحةِ، وهو فهمٌ يتجلى بوضوحٍ منْ خلالِ سلسلةٍ من العباراتِ النَّظريةِ التي يتمُّ توضيحُها لترتبطَ بفهمِ الآخرينَ لهذهِ الحقائقِ وبالنتائجِ التجريبيةِ الناشئةِ أوْ بالحكمِ التقليديةِ حولَ القضيةِ المطروحةِ.

باختصار، توجهُ النظريةُ التفكيرَ والتفكيرَ الذي يوجهُ التوقعاتِ (Choucri, 1974, p 63-64). ومن ثمَّ تشتملُ الخصائصُ الرئيسيةُ للتنبؤِ العلمي على (القدرةِ التفسيريةِ والآليةِ السببيةِ وعلى المشروطيةِ وامكانيةِ التعميمِ والتحققِ التجريبيِ/ اختبارِ الفرضياتِ).

والآليةُ السببيةُCausal Mechanism  يُقصدُ بها :إنتاجُ التنبؤاتِ العلميةِ من خلالِ النماذجِ العلميةِ – بحيثُ تكونُ دقةُ التنبؤاتِ هي مقتضياتُ النموذجِ. وتوافقاً مع طبيعةِ المتغيراتِ في العلاقاتِ الدوليةِ فإنَّ النماذجَ تأتي في نوعينِ رئيسيين هما:

النماذجُ الاستنتاجيةُ، وغالبًا ما يتمُّ إنتاجُها كامتدادٍ لبياناتٍ غيرِ إحصائيةٍ (وصفية) أيْ منْ خلالِ ما يُسمى بـ”الاستقراءِ” وتكونُ مصحوبةً بسردٍ يهدفُ إلى شرحِ الآليةِ التي يتمُّ منْ خلالِها اشتقاقُ التعميمِ ومنْ ثمَّ التنبؤاتُ المنطقيةُ ويتضمنُ اختبارُ دقتِها رؤيةَ إلى أيْ مدىً تتوافقُ النتائجُ مع التنبؤاتِ.

والنماذجُ الإحصائيةُ والتي يتمُّ إنشاؤها عندما يتمُّ جمعُ البياناتِ حيثُ يتمُّ إعطاءُ المتغيراتِ المستقلةِ بعضَ الأشكالِ الوظيفيةِ التي تتنبأُ بالمتغيرِ التابعِ وتُستخدمُ المتغيراتُ المستقلةُ لشرحِ المتغيرِ التابعِ عنْ طريقِ سردٍ توضيحيٍّ يمثِّلُ أيضاً “الآليةَ السببيةَ”. (Dowding and Miller, 2019, p1002).

وحيثُ يبدأُ الباحثونَ بنظريةٍ حولَ العلاقةِ بينَ متغيرينِ ثمَّ يبحثونَ عن الارتباطاتِ التجريبيةِ بينهمْ كدليلٍ على آليةٍ سببيةٍ – عادةً باستخدامِ تقنياتِ الانحدارِ المختلفةِ Regression techniques (Chadefaux, 2017, p 8).

وحتى وقتٍ قريبٍ كانَ يُنظرُ للتنبؤاتِ العلميةِ إلى أنَّها “سيئةٌ” في إنتاجِ تنبؤاتٍ دقيقةٍ حيثُ كانَ التركيزُ على النظريةِ والتفسيرِ السببيِّ مفرطًا في مقابلِ التنبؤِ بالأحداثِ السياسيةِ وذلكَ باعتبارِ أنَّهُ إذا كانَ للنَّماذجِ الإحصائيةِ ذاتِ القوةِ التفسيريةِ العاليةِ فالاعتمادُ على القيمِ الاحتماليةِ لأغراضِ صياغةِ السياسةِ أمرٌ محفوفٌ بالمخاطرِ، ويرجعُ ذلكَ إلى بعضِ الإشكالياتِ ذاتِ الصلةِ بالتنبؤاتِ العلميةِ – والتي سوفَ نتناولُ طرقَ معالجتِها إجمالاً في نهايةِ الدراسةِ – وتتمثلُ تلكَ الإشكالياتُ في (Dowding and Miller, 2019, p1005-1006):

  • التنبؤاتُ العلميةُ غيرُ مرتبطةٍ بالأحداثِ المستقبليةِ حيثُ تشيرُ مقتضياتُ النَّظريةِ العلميةِ إلى الإدعاءاتِ التي قدْ تكونُ معروفةً للمنظِّرِ في وقتِ تطويرِ النظريةِ ومنْ ثمَّ ضعفُ القدرةِ على التنبؤِ بالأحداثِ الفريدةِ أوْ غيرِ المعروفةِ.
  • يؤدي تحديدُ الآلياتِ السببيةِ نظريًا إلى تنبؤاتٍ علميةٍ وتفسيراتٍ مزعومةٍ، نظراً لعدمِ قدرتِها على تجاوزِ إشكالياتِ القصورِ في البياناتِ المتاحةِ، ومنْ ثمَّ تضعفُ القدرةُ التفسيريةُ للنظريةِ وهوَ ما يؤدي إلى عدمِ دقةِ التنبؤاتِ بطبيعةِ الحالِ.
  • إذا كانتْ البياناتُ معروفةً جيدًا، فإنَّ الدليلَ على أنَّ النظريةَ صحيحةٌ لا يضيفُ شيئًا إلى اعتقادِنا بأنَّها صحيحةٌ ولكنْ يضيفُ التنبؤُ ببياناتٍ غيرِ معروفةِ الأهميةِ للنظريةِ، وبعبارةٍ أخرى، حقيقةُ أنَّ النظريةَ تتنبأُ بالبياناتِ بدلاً من استيعابِها تزيدُ من ثقتِنا في وجودِ “عاملٍ وسيطٍ يؤكدُ النظريةَ”. هذا العاملُ الوسيطُ هوَ الوسيلةُ التي تمَّ منْ أجلِها نشأتْ النظريةُ.
  • في التنبؤِ العلميِّ يجبُ إكتشافُ التعميماتِ التجريبيةِ ومنْ ثمَّ استنتاجُ الآليةِ السببيةِ، ولكنْ عادةً ما تكونُ مثلُ هذه التعميماتِ في العلومِ الاجتماعيةِ بعيدةً كلَّ البعدِ عن الثباتِ. غالبًا ما نولِّدُ تعميماتٍ تجريبيةٍ منْ خلالِ الاستقراءِ، دونَ الحاجةِ بالضرورةِ إلى نمذجةٍ آليةٍ سببيةٍ تؤدي إلى ذلكَ التعميمِ التجريبيِّ.
  • نقصُ البياناتِ والمعلوماتِ: قدْ لا نفتقرُ إلى الفهمِ النظريِّ، ولكنَّ المعلوماتِ التجريبيةَ المحددةَ. لا تكمنُ مشكلةُ التعقيدِ في الأنظمةِ في عدمِ فهمِ الشكلِ العامِ الذي قدْ تظهرُ فيهِ الأنماطُ المعقدةُ، ولكنْ في التفاصيلِ التجريبيةِ المحددةِ لسببِ ظهورِ نمطٍ واحدٍ بدلاً من نمطٍ آخرَ.
    • “التنبؤُ العمليُّ/الواقعيُّ pragmatic prediction “:

يجادلُ أنصارُ التنبؤِ العمليِّ بأنَّ العالمَ الاجتماعيَّ قدْ يكونُ معقدًا بطبيعتهِ لدرجةِ أنَّهُ منْ غيرِ المجدي السعيَ لفهمِ أسئلةِ “لماذا” ويُفترضُ أنَّ التنبؤَ العمليَّ هو اختبارٌ أصعبُ للنظريةِ باعتبارِهِ تنبؤٌ احتماليٌّ للأحداثِ المستقبليةِ ولا يلزمُ أنْ تكونَ التنبؤاتُ العمليةُ توضيحيةً-تفسيريةً لأنَّ ما في الاستنتاجِ يتجاوزُ ما هو موجودٌ في المقدماتِ، ويعتمدُ تقييمُ مدى جودةِ هذهِ التنبؤاتِ على مدى تطابقِ الاحتمالاتِ معَ ما يحدثُ بالفعلِ (Dowding and Miller, 2019, p1002). وقدْ شهدتْ طرقُ التنبؤِ الواقعيِّ للأزماتِ السياسيةِ الدوليةِ تطوراً في ثلاثةِ اتجاهاتٍ :أولهُا اعتمدَ على طرقِ الاقتصادِ القياسيِّ .والثاني يستخدمُ النمذجةَ الحاسوبيةَ. والثالثُ يرجعُ إلى أحكامِ الخبراءِ وآراءِ الجمهورِ.

  • الاقتصادُ القياسيُّ Econometric approaches :

وفيها يعتمدُ التنبؤُ على الخوارزمياتِ التي تحللُ كمياتٍ كبيرةٍ من البياناتِ باستخدامِ تقنياتٍ مختلفةٍ، بدءًا منْ تقنياتِ الانحدارِ الأكثرِ تقليديةً وصولاً إلى الشبكاتِ العصبيةِ الأكثرِ تعقيدًا، واعتمدتْ غالبيةِ التنبؤاتِ المبكرةِ في مجالاتِ الصراعِ الدوليِّ، على المتغيراتِ الهيكليةِ مثلَ نوعِ النظامِ أوْ الناتجِ المحليِّ الإجمالِّي أوْ العرقِ أوْ التضاريسِ وعادةً ما يتمُّ قياسُها سنويًا، في حينِ أنَّها تستطيعُ تحديدَ المواقفِ المعرضةِ للصراعِ، إلَّا أنَّها تفشلُ في تحديدِ أيٍ منْها سيشتعلُ بالفعلِ ويصلُ إلى مرحلةِ الحربِ، ومتى؟. وبدأَ هذا الاتجاهُ في مشروعِ ارتباطاتِ الحربِ ICOW Project “Issue Correlates of War”  في عامِ 1963 في جامعةِ ميتشيجان على يدِ عالمِ السياسةِ ديفيد سينجر بهدفِ تجميعِ المعرفةِ العلميةِ حولَ الحربِ بشكلٍ منهجيٍّ، وكانَ “الانذارُ المبكرُ Early Warning” منْ بينِ الأهدافِ الرئيسيةِ للمشروعِ.

وانعكسَ هذا التركيزُ على الإنذارِ المبكرِ في تعزيزِ إمكانياتِ الإستفادةِ من بحوثِ السلامِ والصراعِ في صنعِ السياساتِ في مشاريعَ “بياناتِ الأحداثِ المبكرةِ Early Events Data” والتي يتمُّ فيها تجميعُ الأحداثِ المبكرةِ المنذرةِ بالأزماتِ في تقريرٍ أخباريٍ فرديٍ ويشيرُ إلى قدرةِ البياناتِ الدقيقةِ على الإنذارِ المبكرِ للأزماتِ في وقتٍ حقيقيٍ”. لذلكَ اعتمدَ العلماءُ بشكلٍ متزايدٍ على بياناتِ الأحداثِ المصنفةِ على المستويينِ الزمانيِّ والمكانيِّ وقدْ اشتملَ هذا في البدايةِ على الترميزِ البشريِّ لمجموعاتٍ كبيرةٍ من الوثائقِ الصحفيةِ والتاريخيةِ في فئاتٍ مختلفةٍ منْ الأحداثِ الدوليةِ، وأدَّى التقدمُ في الأساليبِ الحسابيةِ وخاصةً في تحليلِ النَّصِ قد جعلَ من المُمكنِ أتمتة هذه العملياتِ، وبالتالي تحليلُ مصادرِ المعلوماتِ “الحيةِ” الأكبرِ والأوسعِ، وبالتالي الانتقالُ من المقاييسِ الهيكليةِ إلى المقاييسِ قصيرةِ المدى للتوتراتِ وعلاماتٍ أخرى للصراع (Chadefaux, 2017, p 10).

وبدأَ هذا التطورُ في عملينِ ابتكارينِ رئيسيينِ :الأولِ لبينو Bueno de Mesquita (1980, 1983, 1984) وهوَ يتنبـأُ بالأزماتِ بالتركيزِ على إبرازِ الصلةِ بينَ النظريةِ والتنبؤِ بالصراعِ باستخدامِ نظريةِ المبارياتِ Game Theory وتُعرفُ بأنَّها وسيلةٌ من وسائلِ التَّحليلِ الرياضيِّ لحالاتِ تضاربِ المصالحِ للوصولِ إلى أفضلِ الخياراتِ الممكنةِ لاتخاذِ القرارِ في ظلِ الظروفِ المعطاةِ لأجلِ الحصولِ على النتائجِ المرغوبةِ. والعملُ الثاني في أواخرِ الثمانيناتِ كانَ لفيليب شورطي Philip Schrodt حيثُ قامَ ببناءِ نماذجَ إحصائيةٍ تستندُ إلى بياناتِ مصادرٍ إخباريةٍ واسعةِ النِّطاقِ للتنبؤِ بالنزاعِ المسلحِ والتي استخدم فيها أدواتُ الذكاءِ الاصطناعيِّ والتعلمِ الآليِّ Artificial Intelligence and Machine Learning بما في ذلكَ الشبكاتُ العصبيةُ الاصطناعيةُ(ANN)  Artificial Neural Networks وهي تهتمُ بإنشاءِ خوارزمياتٍ لعملياتِ الإدراكِ مثلَ التعلمِ وإيجادِ الحلِ الأمثلِ لمسائلَ معينةٍ، وتتصفُ بخاصيةِ التعلمِ والتعميمِ إذا دربتْ باستعمالِ أمثلةٍ معينةٍ في مجالٍ معينٍ بحيثُ يمكنُ أنْ تتوصلَ إلى حلٍ بدونِ استعمالِ قواعدَ معينةٍ (والخوارزميةُ هي مجموعةٌ من الخطواتِ الرياضيةِ والمنطقيةِ والمتسلسلةِ اللازمةِ لحلِ مشكلةٍ ما). وكان شرطي بذلك رائداً في الإبتعادِ عن استخدامِ البياناتِ القوميةِ السنويةِ للدولةِ التي اعتمدَ عليها مشروعُ ارتباطاتِ الحربِ في التنبؤِ بالصراعِ وذلكَ بهدفِ تعزيزِ غايةِ الإنذارِ المبكرِ. وفي عامِ 1994 قامَ كلٌّ منSchrodt, Davis & Weddle  ببناءِ خوارزمياتٍ للتصنيفِ الآليِّ للأحداثِ السياسيةِ وترميزِها تلقائيًا استنادًا إلى أعدادٍ كبيرةٍ من المقالاتِ الإخباريةِ. تمَّ تنقيحُ هذه التقنياتِ منذُ ذلكَ الحينِ وتسمحُ الآنَ للنظامِ باستخدامِ بياناتٍ أكثرَ دقةً بشكلٍ متزايدٍ ؛لتشفيرِ كلًّ منْ المتغيراتِ التابعةِ والمستقلةِ، وإجراءِ التحليلِ التجريبيِّ للبياناتِ وتوليدِ التنبؤاتِ يومياً وأسبوعياً وشهرياً، وانعكسَ ذلكَ في الطلبِ المتزايدِ على بياناتِ الأحداثِ المصنفةِ من حيثُ المكانِ والزمانِ. وأصبحتْ هذهِ الطرقُ أكثرَ تطوراً منذُ عامِ 2005 بتكوينِ “فرقِ عملِ مشروعِ انهيارِ الدولِ” ((SFTF الذي تمولُهُ الحكومةُ الأمريكيةُ، وأعيدَ تسميتُه لاحقًا عام 2016 باسمِ فرقِ العملِ المعنيةِ بعدمِ الاستقرارِ السياسيِّ PITF)) وذلك بهدفِ التنبؤِ طويلِ المدى بالصراعاتِ المسلحةِ قبلَ عامين منْ وقوعِها بدايةً من أحداثِ عدمِ الاستقرارِ السياسيِّ مروراً بالانقلاباتِ والثوراتِ وحتى الصراعِ المسلحِ. وحققتْ دراساتُ PITF أهدافَها بشكلٍ كبيرٍ، وأصبحَ التنبؤُ بالنزاعِ مجالًا فرعيًا نشطًا للغايةِ لأبحاثِ الصراعِ (Hegre, 2017, p 114-115).

  • النمذجةُ الحاسوبيةُ Computer Modeling

يتمُّ التنبؤُ بالأزماتِ المستقبليةِ منْ خلالِ بناءِ نماذجِ المحاكاةِ Simulation Modeling وهي تعتمدُ على تشغيلِ نموذجٍ لنظامٍ معينٍ على الحاسوبِ وتقديمِ فهمٍ أفضلَ لديناميكياتِ التفاعلِ داخلِ النظامِ. وأثبتتْ نظريةُ الألعابِGame theory  على وجهِ الخصوصِ، أنَّها أداةٌ أساسيةٌ للتنبؤِ بالأزماتِ وذلكَ لكونِها تجبرُ المتنبئَ على نمذجةِ التفاعلِ بتفصيلٍ كبيرٍ، وتجنبِ حذفِ أيِّ تفاصيلٍ ذاتِ صلةٍ. عادةً ما يتضمنُ هذا عمليتين متميزتين. الأولى يتمُّ الحصولُ على معرفةِ الخبراءِ حولَ منطقةٍ أو دولةٍ لتحديدِ مجموعةِ الجهاتِ الفاعلةِ ذاتِ الصلةِ. يتمُ بعدَ ذلك ِدمجُ هذهِ العناصرِ في نموذجٍ يُحاكي التفاعلاتِ بينَ هذهِ الجهاتِ الفاعلةِ – على سبيلِ المثالِ نموذجُ المساومةِ أوْ التحالفِ. يعرضُ النموذجُ بعدَ ذلك تنبؤًا حولَ النتيجةِ المحتملةِ – سواءٌ كانتْ تصعيداً للأزماتِ أو اختبارَ سياسةٍ. لقدْ حقَّقَ هذا النَّهجُ عددًا كبيرًا من النجاحاتِ. ومعَ ذلكَ قدْ يكونُ جزءٌ من السببِ أنَّ الافتراضاتِ الكامنةِ وراءَ نظريةِ الألعابِ تتعارضُ مع الملاحظاتِ التجريبيةِ للسلوكِ البشريِّ، فقدْ لا تكونُ نظريةُ اللعبةِ “قادرةً على حصرِ التفاصيلِ الدقيقةِ وغالبًا ما تكونُ النماذجُ النظريةُ للألعابِ محدودةً بسببِ تعقيدِها. ويمكنُ بدلاً منْ ذلكَ استخدامُ النمذجةِ التفاعليةِ “النماذجُ القائمةُ على الوكيلِ Agent-based models “، والتي تعتمدُ على قواعدَ بسيطةٍ ولكنَّ قوةً حاسوبيةً عاليةً، لنمذجةِ التفاعلاتِ المعقدةِ والناشئةِ. وعادةً ما تكونُ هذه النماذجُ معقدةً للغايةِ لدرجةِ أنَّ قدرتَنا على استخلاصِ الاستنتاجاتِ منها محدودةٌ. ومعَ ذلكَ، فإذا كانَ الهدفُ هو التنبؤَ، فقدْ تكونُ النماذجُ المعتمدةُ على الوكيلِ مثاليةً بمعنى أنَّها تسمحُ لنا بتشغيلِ سيناريوهاتٍ مختلفةٍ وتقييمِ الحقائقِ المتضادةِ (Chadefaux, 2017, p 11).

  • طريقةُ أحكامُ الخبراءِ وآراءُ الجمهورِ:
  • طريقةُ أحكامِ الخبراءِ/تقنيةُ دلفي Experts Judgments/ Delphi Technique:

يقدمُ الخبراءُ في كثيرٍ من الأحيانِ رؤىً قيمةً حولَ الأزماتِ المستقبليةِ، وذلكَ بحكمِ أنَّهمْ أكثرُ النَّاسِ قدرةً على التنبؤِ في مجالِ التخصصِ، وإلمامُهم الجيدُ بالتطوراتِ والتغيراتِ في مجالِ تخصصِهمْ وبالقوانينِ التي تحكُمُها، ويعدُّ الوصولُ إلى التنبؤاتِ بتجميعِ آراءِ الخبراءِ عن الأحداثِ السياسيةِ المستقبليةِ ​​أفضلَ من التخميناتِ الفرديةِ للخبراءِ وهوَ ما أثبتَهُ فيليبُ تتلوك Philip E. Tetlock في دراستِهِ عام 2005، حولَ كيفيةِ الحكمِ على جودةِ التنبؤاتِ السياسيةِ للخبراءِ Tetlock, 2017)). وتُعتبرُ منهجيةُ دلفي أحدّ أهمِ طرقِ التنبؤِ العمليِّ التي تستخدمُ أساليبَ طرحِ الحوارِ والذكاءِ الجمعيِّ في التَّوصلِ إلى أحكامٍ أكثرَ صحةً حولَ صورِ المستقبلِ المختلفةِ في مجالاتِ البحثِ التي تخلو منْ “قوانينِ السببيةِ”، و/أوْ تفتقرُ إلى أساليبِ التحليلِ الدقيقِ (Helmer, 1967, p 1-3). وقدْ عرَّفَها كوفمانُ بأنَّها: “طريقةٌ للتنبؤِ يمكنُ من خلالِها الحصولُ على بياناتٍ وأحكامٍ تتعلقُ بأحداثِ المستقبلِ عنٍ طريقِ الحصولِ على آراءِ مجموعةٍ من الخبراءِ”، وهي كما يعرِّفها هيلمر “أسلوبٌ نستبدلُ فيهِ أنشطةَ التفاعلاتِ المباشرةِ بينَ الخبراءِ ببرنامجٍ منظمٍ بعنايةٍ يشتملُ على عددٍ من الاستبياناتِ المتتاليةِ لاستخراجِ المعرفةِ واستنباطِها من مجموعِ آراءِ الخبراءِ وتصلُ المجموعةُ إلى صقلِ آراءِ أفرادِها منْ خلالِ التَّغذيةِ العكسيةِ للآراءِ فقط حيثُ يتمُّ إجراءُ الاستبيانِ في عددٍ من الحلقاتِ ومنْ ثمَّ الوصولُ إلى أحكامٍ بشأنِ الأحداثِ محلَ التنبؤِ” (عامر، 2008). وتتميزُ طريقةُ دلفي بأنَّها تمكِّنُ منْ طرحِ أنواعٍ مختلفةٍ منْ الأسئلةِ سواءٌ تلكَ التي تتطلبُ صدورَ أحكامٍ مثلَ السؤالِ عنْ اتجاهاتِ الأحداثِ، أوْ تلك َالتيْ تتطلبُ إجاباتٍ كيفيةٍ مثلَ التساؤلِ حولَ السياساتِ.

وكانَ “تقريرُ التنبؤِ بعيدِ المدى” الصادرِ عن مؤسسةِ راند في عامِ 1964 (Gordon and Helmer, September, 1964).، أولَ دراسةٍ استخدمتْ منهجيةُ دلفي خارجَ نطاقِ المجالِ العسكريِّ بغرضِ الحصولِ على إجماعِ آراءِ الخبراءِ بشأنِ التنبؤاتِ بمستقبلِ بعضِ القضايا منها اعتباراتِ الحربِ ومنعِ وقوعِها ومستقبلِ أنظمةِ التسلحِ والاختراقاتِ العلميةِ واتجاهاتِ السكانِ وعرضِ بعضِ القضايا المنهجيةِ مثلَ الثقةِ في البياناتِ كضرورةٍ لدقةِ التنبؤِ. وفي عام 1967 قامَ هيلمر بتطويرِ منهجيةِ دلفي، حيثُ استخدمَ طريقةَ دلفي في الوصولِ إلى احتماليةِ وقوعِ “أحداثِ شوارد Wild Cards” في وقتٍ ما في المستقبلِ (Helmer, 1967, p 4-5)، ويقصدُ بها الأحداثُ ذاتُ الاحتماليةِ الحدوثِ المنخفضةِ ولكنَّها تُحدِثُ تأثيراتٍ كبيرةٍ حالَ حدوثِها تمثلُ صدمةً للوضعِ الحاليِّ وتؤدي إلى تداعياتٍ كبيرةٍ ومهمةٍ على المستقبلِ تؤثرُ على قدرةِ النظامِ ككلٍ للتكيفِ معها (Barber, 2006, p 3).

ويعدُّ تقريرُ “مؤشرِ حالةِ المستقبلِ State of Future Index-SOFI” أحدَ أهمِ التطبيقاتِ المعاصرةِ للتنبؤِ باستخدامِ منهجيةِ دلفي وهوَ يصدرُ عنْ “مشروعِ الألفيةِ Millennium Project” وهوَ يستكشفُ حالةَ المستقبلِ العالميِّ منْ خلالِ التنبؤِ بالتَّحسنِ أوْ التَّدهورِ في خمسةِ عشرَ تحدياً رئيسياً لمستقبلِ العالمِ من بينِها التنبؤِ بمستقبلِ السلامِ والصراعِ في ظلِ تزايدِ النِّزاعاتِ المسلحةِ والتداخلِ بينَ أدوارِ القوى الخارجيةِ والحروبِ الأهليةِ والتغيراتِ في طبيعةِ الحربِ في ظلِ التهديداتِ الإرهابيةِ الدوليةِ والحربِ المعلوماتيةِ والإلكترونيةِ والسيبرانيةِ والصراعِ على المواردِ. تمَّ استخدامُ منهجيةِ دلفي منْ خلالِ طرحِ مجموعةٍ منْ التساؤلاتِ على مجموعةٍ منْ الخبراءِ الدوليينَ لاستقراءِ التطوراتِ المتوقعةِ في مجموعةٍ من المتغيراتِ ذاتِ التأثيراتِ الهامةِ في مستقبلِ العالمِ (تتعلقُ بالسكانِ واحتياجاتِهم الأساسيةِ منْ صحةٍ وغذاءٍ وطاقةٍ ومياهٍ وتعليمٍ والصراعاتِ المسلحةِ والتغيراتِ المناخيةِ) وذلكَ لعشرِ سنواتٍ قادمةٍ. ويتضمنُ تحليلَ سلاسلَ زمنيةٍ Time Series Analysis للمتغيراتِ والتي تعطي مجمعةً قيمةً عن الصورةِ المتوقعةِ مستقبلاً ومدىْ تحسنِها أو تدهورِها عنْ الفترةِ الحاليةِ وفتراتِ المقارنةِ. ويوضحُ اتجاهاتِ ودرجةَ تأثيرِ التغيراتِ وتحديدَ العواملِ الكامنةِ وراءَ ذلك. كما يوفرُ المؤشرُ آليةً لتوضيحِ العلاقاتِ والارتباطاتِ بينَ متغيراتِه المتضمنةِ، وكيفيةِ التغييرِ في أحدِ هذهِ المتغيراتِ وانعكاسِ ذلكَ على المتغيراتِ الأخرى التي قدْ تكونُ غيرَ مرغوبةٍ.  حيثُ يستندُ المؤشرُ بالأساسِ إلى نظامِ الذكاءِ الجمعيِّ Collective Intelligence  بدمجِ المخزونِ النَّاتجِ عنْ تدفقِ المعلوماتِ والبياناتِ والمعرفةِ وآراءِ الخبراءِ المختلفةِ، والبرامجِ الحاسوبيةِ، والذي يخضعُ لنظامِ التغذيةِ العكسيةِ بصورةٍ مستمرةٍ، مما ينتجُ عنهُ تراكمٌ معرفيٌّ يساعدُ على اتخاذِ قراراتٍ في الوقتِ المناسبِ بشكلٍ أكثرَ دقةً (Glenn and others, 2017).

  • طريقةُ آراءِ الجمهورِ/ أسواقُ التنبؤِPrediction Markets :

أسواقُ التنبؤِ هيَ: طريقةٌ أخرى لتجميعِ التقديراتِ، وهي تُشبهُ التوقعاتِ بينَ المضاربينَ في الأسواقِ الماليةِ البسيطةِ، وتعملُ أسواقُ التنبؤِ السياسيِّ بنفسِ طريقةِ عملِ نظيراتِها الماليةِ، ولكنْ يمكنُها إنشاءَ أوراقٍ ماليةٍ تركِّزُ على الأسئلةِ التي تهمُ الباحثينَ السياسيينَ، تعدُّ أسواقُ التنبؤِ أدواتٍ قيمةً لأنَّها تحولُ حكمةَ الجماهيرِ إلى احتمالاتٍ تنبؤيةٍ. يوضحُ Tetlock وGardner أنَّ الاختيارَ المتكررَ للمتنبئينَ من الجمهورِ- بشكلٍ متكررٍ – ينتجُ عنهُ تنبؤاتٌ لا تتفوقُ في الأداءِ على الخبراءِ فحسبْ، بلْ تتنبأُ أيضًا بالإعتمادِ على الخوارزمياتِ وقواعدِ البياناتِ الكبيرةِ. على سبيلِ المثالِ، قامتْ وكالةُ مشاريعِ الأبحاثِ الدفاعيةِ المتقدمةِ (DARPA) وهي مؤسسةٌ بحثيةٌ داخلَ وزارةِ الدفاعِ الأمريكيةِ، بإنشاءِ سوقٍ لتحليلِ السياساتِ حيثُ يراهنُ المشاركونَ على الاتجاهاتِ الجيوسياسيةٍ أو أحداثٍ معينةٍ (Chadefaux, 2017, p 11) استندتْ العقودُ المقترحةُ إلى مؤشراتِ الصراعِ والاستقرارِ المدنيِّ، والتوجهِ العسكريِّ، وبعضِ المؤشراتِ الاقتصاديةِ، وربَّما أحداثٌ محددةٌ، وأسئلةٌ مثلَ: “ما مدى سرعةِ نموِ الإنتاجِ غيرِ النِّفطيِّ لمصرَ العامُ المقبلُ؟” أوْ “هلْ سينسحبُ الجيشُ الأمريكيُّ منْ البلدِ” أ “خلالَ عامين أوْ أقلَ؟ كما تعرضُ الأسواقُ مجموعاتٍ من العقودِ تجمعُ بينَ حدثٍ اقتصاديٍّ وحدثٍ سياسيٍّ (Wolfers, and Zitzewitz, 2004, p 1-4) ولعلَ أحدثَ الحالاتِ التطبيقيةِ دلالةً علىْ القدرةِ التنبؤيةِ العاليةِ لأسواقِ التنبؤِ تمثَّلتْ في التوقعاتِ بشأنِ الانتخاباتِ الرئاسيةِ الأمريكيةِ حيثُ قامتْ شركةُ Cision PR Newswire أحدُ أكبرِ أسواقِ التنبؤِ ومقرُها نيويورك بتوقعِ فرصةِ فوزِ بايدن بالانتخاباتِ الأمريكيةِ مقدرةً باحتمالٍ قيمتُه 63% وتوقعِ فوزِ ترامب باحتمالٍ قيمتُهُ 37% وذلكَ في 21 أكتوبر 2020 (PR Newswire Association, Oct 21, 2020).

  • إشكالياتُ التنبؤِ العمليِّ:
  • إنَّ أهمَ الآمالَ في التنبؤِ هوَ أنَّهُ يمكنُ أنْ يؤدي إلى مشورةٍ أفضلَ بشأنِ السياسةِ العامةِ، ومعَ ذلكَ، إذا لم نفهمْ الآلياتِ السببيةَ الكامنةَ وراءَ التنبؤاتِ الواقعيةِ، فعندئذٍ لا يمكنُنا معرفةَ أفضلِ طريقةٍ للتدخلِ التي قدْ تقللُ من مخاطرِ وقوعِ حدثٍ معينٍ. فالعديدُ من المتغيراتِ التي تعطي قوةً للنماذجِ التنبؤيةِ الواقعيةِ لا تصلحُ لتحديدِ السياساتِ اللازمةِ (Chadefaux, 2017, p 10).
  • غالبًا ما تُظهرُ الشبكاتُ العصبيةُ وغيرُها من الأساليبِ غيرُ المعمليةِ قيودًا شديدةً عندما يتعلقُ الأمرُ بقدرتِها علىْ تقديمِ مشورةٍ سياسيةٍ ذاتِ مغزى، وذلكَ ببساطةٍ لأنَّها تميلُ إلى حجبِ ماذا وكيفَ تتلاعبُ بالعالمِ الحقيقيِّ لتجنبِ النتائجِ غيرِ المرغوبِ فيها، بما في ذلكَ الصراعُ، (Hegre, 2017, p 117)
  • حقَّقتْ الأساليبُ القائمةُ على مجموعاتِ البياناتِ، وخاصةً المستندةُ إلى المصادرِ الإخباريةِ، بعضَ النجاحاتِ التنبؤيةِ ومعَ ذلكَ، فإنَّ النَّهجَ التلقائيَّ في ترميزِ المصادرِ يواجهُ صعوباتٍ حيثُ يتمُّ الاعتمادُ على مصادرَ ثانويةٍ مثلَ التقاريرِ الإخباريةِ، وهيَ ليستْ شاملةً ولا محايدةً، ولا يزالُ الترميزُ الآليُّ أيضًا غيرَ قادرٍ على تحليلِ الجملِ ذات ِالبنيةِ المعقدةِ، وعادةً ما يتجاهلُ العلاقةَ بينَها.
  • في حينِ أنَّ تحديدَ الأفقِ الزمنيِّ كانَ ناجحًا نسبيًا في التقديراتِ الواقعيةِ لبعضِ الأحداثِ، فقدْ ثبتَ أنَّ تحديدَ مكانِ الحدثِ أكثرَ صعوبةً وعرضةً للخطأِ (Chadefaux, 2017, p 10)

3.1 اتجاهُ التنبؤِ الجمعيِّ-الاصطناعيِّ:

فضلاً عن الاتجاهينِ الرئيسينِ المألوفينِ للتمييزِ بينَ طرقِ التنبؤِ (العلميِّ والعمليِّ) فقدْ رصدْنا توجهاً ثالثاً ظهرَ بقوةٍ خلالَ العقدِ الماضي وهوَ ما يمكنُ تسميتُهُ التنبؤَ الجمعيَّ الاصطناعيَّ ونقصدُ به “التنبؤَ الذي يجمعُ بينَ الاتجاهينِ الرئيسيينِ للتنبؤِ (العلميِّ والعمليِّ) بالإضافةِ إلى الاعتمادِ على القدراتِ الفائقةِ للحاسبِ الآليِّ في النمذجةِ”. فعلى الرغمِ منْ أنَّ دراساتِ التنبؤِ المنهجيةِ في بحوثِ السلامِ والصراعِ بدأتْ منذُ السبعيناتِ إلَّا أنَّهُ فقطْ في العقدِ الماضي توسعَ مجالُ التنبؤِ بالأزماتِ بشكلٍ كبيرٍ. ويمكنُ أنْ يُعزىْ ذلكَ بشكلٍ أساسيٍ إلى التَّوسعِ في تبني اقتراباتٍ علميةٍ أكثرَ تطوراً وخاصةً اقترابي النظمِ والتعقيدِ وكذلكَ توافرُ البياناتِ المصنفةِ المكانيةِ والزمانيةِ بدرجةٍ كبيرةٍ وتطبيقِ طرقِ تقديرٍ جديدةٍ للبياناتِ المفقودةِ، وكلا التطورينِ هما نتيجةٌ لزيادةِ القوةِ الحاسوبيةِ التي تسمحُ بنمذجةِ النظمِ الأكثرِ تعقيداً وكذلكَ تسمحُ بالوصولِ إلى مصادرِ البياناتِ الكبيرةِ وتنفيذِ الأدواتِ الإحصائيةِ المعقدةِ (Ward and others, 2012, p 2).

وفي ضوءِ حصرِ الاتجاهاتِ الحاليةِ لتطويرِ طرقِ التنبؤِ الجمعيِ – الاصطناعيِ للأزماتِ – كما عرفناهُ – وجدنا أنَّهُ يتمثلُ في ثلاثةِ طرقٍ حديثةٍ: الطريقةُ الأولى هي :جمعُ مؤشراتِ الأحداثِ المبكرةِ مفتوحةِ المصدرِ. والطريقةُ الثانيةُ هيَ: جمعُ أحكامِ مجموعاتِ الخبراءِ من خلالِ المصادرِ المفتوحةِ بينَ مجموعاتِ الخبراءِ. والطريقةُ الثالثةُ هي: جمعُ النماذجِ التفسيريةِ والإستفادةِ منها في تحسينِ الأطرِ النظريةِ وتقييمِ قدرةِ النظريةِ والنموذجِ على التنبؤِ وكذلكَ الاستفادةُ منها في توليدِ البياناتِ وذلكَ بالاستنادِ إلى قواعدِ التعلمِ الآليِّ. واستندتْ أحدثُ التطبيقاتِ العالميةِ للتنبؤِ الجمعيِّ على “جمعِ الطرقِ الثلاثةِ معاً” أيْ جمعُ النماذجِ وجمعُ مؤشراتِ الأحداثِ مفتوحةِ المصدرِ وجمعُ أحكامِ مجموعاتِ الخبراءِ” باستخدامِ مزيجٍ مبتكرٍ من نماذجِ العلومِ الإجتماعيةِ الحاسوبيةِ وذلكَ لتعزيزِ القدرةِ على توليدِ تنبؤاتٍ دقيقةٍ للغايةِ وفي الوقتِ المناسبِ لأحداثِ عدمِ الاستقرارِ العالميةِ ذاتِ الأهميةِ، ويُعرفُ هذا التطبيقُ باسمِ النِّظامِ العالميِّ المتكاملِ للإنذارِ المبكرِ للأزماتِ W-ICEWS.

1.3.1 تجميعُ مؤشراتِ الأحداثِ المبكرةِ مفتوحةِ المصدرِ- مشروعُ Open Source Indicators (OSI):

ويُقصدُ بطريقةِ المؤشراتِ مفتوحةِ المصدرِ “التنبؤُ بالأحداثِ المجتمعيةِ الهامةِ باستخدامِ نظامِ التحليلاتِ التنبؤيةِ المتدفقةِ من مصادرِ البياناتِ المفتوحةِ للجمهورِ (وسائلُ التَّواصلِ الاجتماعيِّ)”، فمنذُ عامِ 2011 حظيتْ المعلوماتُ المستمدةُ منْ وسائلِ التَّواصلِ الاجتماعيِّ باهتمامٍ متزايدٍ نظراً لأنَّ كميةَ البياناتِ المتاحةِ بها كبيرةٌ ويتحولُ كلُّ مستخدمٍ لها إلى مراسلٍ محتملٍ – ممَّا يؤدي إلى توسيعِ نطاقِ الأحداثِ التي يتمُّ تغطيتُها، وتقليلِ الوقتِ المنقضي بينَ الحدثِ والتَّقريرِ بشكلٍ كبيرٍ، ممَّا يجعلُ التنبؤاتِ في الوقتِ الفعليِّ ممكنةً منْ حيثُ المبدأِ – وهيَ طريقةٌ أصبحتْ جاذبةً لصانعي السياساتِ. ومعَ ذلكَ، فإنَّ معظمَ ما يُكتبُ على وسائلِ التَّواصلِ الاجتماعيِّ إمَّا أنَّهُ غيرُ ذي صلةٍ لأغراضِ التنبؤِ بالصراعِ، والتغريداتِ، على سبيلِ المثالِ، غيرُ موثوقةٍ بشكلٍ كبيرٍ أوْ معلوماتٍ خاطئةٍ عنْ عمدٍ تزرعُها الحكومةُ لأغراضِ التَّلاعبِ (Chadefaux, 2017, p 10).

وفي هذا السياقِ تمَّ إطلاقُ مشروعٍ يُعرفُ باسمِ المؤشراتِ المفتوحةِ المصدرِ OSI (Open Source Indicators) في عامِ 2012 في إطارِ دعمِ نشاطِ مشاريعِ البحوثِ الذكيةِ التَّابعِ لمديرِ مكتبِ الاستخباراتِ الوطنيةِ بالولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ (Intelligence Advanced Research Projects Activity-IARPA) ، والفكرةُ الأساسيةُ للمشروعِ هيَ أنَّ المعلوماتِ المصنفةَ ربَّما تكونُ أقلَّ قدرةً منْ الموادِ مفتوحةِ المصدرِ لإجراءِ تنبؤاتٍ دقيقةٍ وهامةٍ. وبالتَّالي، فقدْ جرتْ محاولةٌ لإجراءِ تنبؤاتٍ مفصلةٍ ودقيقةٍ من النوعِ الذي غالبًا ما يشاركُ فيه مجتمعُ الاستخباراتِ، معَ استخدامِ الموادِ الموجودةِ في العالمِ غيرِ المصنفِ. وذلكَ بهدفِ تطويرِ واختبارِ طرقٍ للتحليلِ الآليِّ للبياناتِ المتاحةِ للجمهورِ لتوقعِ أو اكتشافِ الأحداثِ الاجتماعيةِ الهامةِ. وهوَ نوعٌ من إصدارِ Google FluTrends حيثُ يعتمدُ الخبراءُ في توقعاتِهم علىْ الأخبارِ التي يتمُّ تداولها على نطاقٍ واسعٍ وبشكلٍ أسرعَ منْ خلالِ دمجِ مؤشراتِ الأحداثِ المبكرةِ من البياناتِ المتنوعةِ وذلكَ على نحوٍ أقلَ اهتمامًا بالنظريةِ (Ward, February 2016, p 6).

وتستندُ التنبؤاتُ مفتوحةُ المصدرِ إلى أنَّ العديدَ منْ الأحداثِ المجتمعيةِ المهمةِ مسبوقةٌ و/ أوْ متبوعةٌ بتغيراتٍ على مستوىْ السكانِ في التَّواصلِ والاستهلاكِ والحركةِ، يُمكنُ ملاحظةُ بعضِ هذه التَّغييراتِ بشكلٍ غيرِ مباشرٍ منْ البياناتِ المتاحةِ للجمهورِ، مثلَ استعلاماتِ بحثِ الويبِ والمدوناتِ وحركةِ المرورِ على الإنترنتِ والأسواقِ الماليةِ وكاميراتِ الويب المروريةِ وتعديلاتِ Wikipedia وغيرِها الكثيرُ. ووجدتْ الأبحاثُ المنشورةُ أنَّ بعضَ مصادرِ البياناتِ هذهِ مفيدةٌ بشكلٍ فرديٍ في الكشفِ المبكرِ عن أحداثٍ مثلَ تفشي الأمراضِ. ولكنْ فيما يتعلقُ بأزماتِ البجعاتِ السوداءِ فقدْ تمَّ تطويرُ طرقٍ قليلةٍ لتوقعِ أو اكتشافِ الأحداثِ غيرِ المتوقعةِ منْ خلالِ دمجِ البياناتِ المتاحةِ للجمهورِ من أنواعٍ متعددةٍ من مصادرَ متعددةٍ. ولذلكَ استهدفَ برنامجُ مؤشراتِ المصدرِ المفتوحِ (OSI) سدَّ هذهِ الفجوةِ والتغلبِ على مشكلاتِ الاعتمادِ على المصادرِ المفتوحةِ من خلالِ تطويرِ طرقٍ للتحليلِ المستمرِ والآليِّ “لدمجِ المؤشراتِ المبكرةِ للأحداثِ من مصادرِ وأنواعِ بياناتٍ متعددةٍ متاحةٍ للجمهورِ”، منْ أجلِ توقعِ و/ أوْ اكتشافِ الأحداثِ المجتمعيةِ الهامةِ، مثلَ الأزماتِ السياسيةِ والأزماتِ الإنسانيةِ والعنفِ الجماعيِّ وأعمالِ الشغبِ، والهجراتِ الجماعيةِ وتفشيِّ الأمراضِ وعدمِ الاستقرارِ الاقتصاديِّ ونقصِ المواردِ، والاستجابةِ للكوارثِ الطبيعيةِ. ويتكونُ OSI من ثلاثةِ أجزاءٍ: (1) توليدُ الإنذاراتِ آلياً. (2) إعدادُ تقريرٍ عنْ الحقائقِ الأساسيةِ يُسمى تقريرُ المعيارِ الذهبيِّ (GSR). (3) الاختبارُ والتقييمُ، الذي يقارنُ التحذيراتِ المستلمةَ بالحقائقِ الأساسيةِ منْ أجلِ تقييمِ وإدارةِ البياناتِ (Reed, 2017, P1-2).

شكل (2)

طريقة المؤشرات مفتوحة المصدر عالية المستوي

Reference: Reed, and others, 2017, P1.

وفضلاً عنْ ذلكَ تشملُ الابتكاراتُ التقنيةُ في المشروعِ: تطويرَ الأساليبِ التي تعززُ تغييرَ سلوكِ السكانِ تحسباً للأحداثِ ذاتِ الأهميةِ والاستجابةِ لها,معالجةَ البياناتِ المتاحةِ للجمهورِ التي تعكسُ تلكَ التغييراتِ في سلوكِ السكانِ, وتطويرَ تقنياتِ استخراجِ البياناتِ التي تركِّزُ على الحجمِ، بدلاً من العمقِ، منْ خلالِ تحديدِ السماتِ الضحلةِ للبياناتِ التي ترتبطُ بالأحداثِ, وتطويرَ نماذجِ السلاسلِ الزمنيةِ متعددةِ المتغيراتِ للبياناتِ غيرِ الثابتةِ والصاخبةِ للكشفِ عن الأنماطِ التي تسبقُ الأحداثَ, والاستخدامَ المبتكرَ للطرقِ الإحصائيةِ لدمجِ مجموعاتِ السلاسلِ الزمنيةِ لتوليدِ الإنذاراتِ الاحتماليةِ للأحداثِ. وتمَّ تحقيقُ ذلكَ من خلالِ بناءِ نموذجِ التَّعرفِ المبكرِ على الأحداثِ باستخدامِ البدائلِ Early Model Based Event Recognition using Surrogates (EMBERS) وينصبُ تركيزُ النموذجِ على بلدانِ أمريكا اللاتينيةِ ومنطقةِ الشرقِ الأوسطِ وشمالِ أفريقيا (Doyle, and others, December, 2014, p 186).

شكل (3)

توليدُ التنبؤاتِ والإنذاراتِ المبكرةِ منْ المصادرِ المفتوحةِ باستخدامِ نموذجِ EMBERS

Reference: Doyle, and others, December, 2014, p 186.

2.3.1 تجميعُ أحكامِ الخبراءِ- مشروعُ الحكمِ الجيدِ Good Judgment Project:

طريقةُ تجميعِ أحكامِ الخبراءِ أوْ التوقعاتِ الجماعيةِ “Crowdsourced Forecasts”: ويقصدُ بها التنبؤاتُ التي يتمُّ الحصولُ عليها منْ توقعاتِ مجموعةٍ منْ الخبراءِ لمجموعةٍ من الأحداثِ من خلالِ المصادرِ المفتوحةِ وبالرجوعِ إلى النظرياتِ التي تحددُ المعدلاتِ الأساسيةَ لوقوعِ الأحداثِ”. وأبرزُ الأمثلةُ على هذهِ الطريقةِ مشروعُ الحكمِ الجيدِ (Good Judgment Project) الذي نُفِذَّ في وكالةِ مشاريعِ البحوثِ الذكيةِ التَّابعِ لمديرِ مكتبِ الاستخباراتِ الوطنيةِ. يتمثلُ المشروعُ في تقديمِ أسئلةٍ تنبؤٍ محددةٍ لمجموعاتٍ من الخبراءِ (أ) لها نتيجةٌ ملحوظةٌ لتقديرِ احتماليةِ وقوعِ حدثٍ في المستقبلِ (ب) ولها وقتٌ محددٌ لحلِّها. اشتركَ حوالي 2000 شخصٍ في هذه الجولاتِ يتمُّ تدريبُهم على استخدامِ منصةِ الحوسبةِ Computing Platform التي صُممتْ للحصولِ على أحكامِ الخبراءِ والتغذيةِ العكسيةِ بينَهمْ من خلالِها. وكلُّ فردٍ هوَ جزءٌ من مجموعةٍ، وهذه المجموعاتُ وكذلكَ الأفرادِ يتنافسونَ من حيثُ دقةِ التنبؤاتِ.

والهدفُ الرئيسيُّ منْ هذا العملِ هوَ فهمُ تأثيرِ الهياكلِ التَّعاونيةِ على دقةِ التنبؤِ بمقارنةِ أداءِ أربعِ عملياتٍ تعاونيةٍ مختلفةٍ بشكلٍ منهجيٍ على مجموعةٍ من مشاكلِ التنبؤِ السياسيِّ وفي حينِ تستندُ طرقُ الإستفادةِ من الخبراءِ للتنبؤِ بالأحداثِ غيرِ المؤكدةِ إلى متوسطِ التنبؤاتِ الفرديةِ فإنَّهُ في مشروعِ الحكمِ الجيدِ تمَّ استخدامُ متوسطِ تقديراتِ مجموعاتٍ من الخبراءِ والتي تفوقتْ بشكلٍ منهجيٍّ على التنبؤِ منْ متوسطاتِ الأحكامِ الفرديةِ للخبراءِ، وبإجراءِ عددٍ من الجولاتِ للتنبؤِ باستخدامِ مجموعاتِ الخبراءِ تأكدَ أنَّ “تدريبَ المتنبئينَ” يساعدُ في تحسينِ جودةِ التنبؤاتِ، وأنَّ منهاجيةَ جمعِ التنبؤاتِ لها تأثيرٌ كبيرٌ على دقةِ التنبؤاتِ (Ungar, and others, 2012)..

وتمَّ استخلاصُ درسينِ رئيسيينِ من تجاربِ تيتلوك لاستخلاصِ التنبؤاتِ من مجموعاتِ الخبراءِ: الأول هو: أنَّ فهمَ المعدلاتِ الأساسيةِ التي تحدثُ بها بعضُ الظواهرِ مهمٌ للغايةِ. بدونِ هذا الفهمِ يصبحُ من الصعبِ معرفةُ ما إذا كانَ الحدثُ “طبيعيًا” أمْ استثنائيًا ,وهو ما يعني ضرورةَ التنبؤِ العلميِّ. ويأتي الدرسُ الثاني من الأول: وهوَ كيفَ تحددُ الاستثناءَ؟ تؤدي هاتانِ المهارتانِ، اللتانِ يمكنُ دراستُهما بسهولةٍ، إلى تغييرٍ في التفكيرِ بشأنِ ما يُمكنُ أنْ يحدثَ. وتساعدُ الأفرادَ أيضًا في إجراءِ تنبؤاتٍ أكثرَ دقةً. والدرسُ الثالثُ هوَ: أنَّ تدريبَ المتنبئينَ باستمرارٍ على التنبؤِ ومعَ التجربةِ والثوابِ والخطأِ تزيدُ قدرةَ المتنبئِ على إصدارِ أحكامٍ أكثرَ دقةً بشأنِ الأحداثِ المستقبليةِ كذلكَ تساعدُ التجمعاتُ بينَ مجموعةٍ من الخبراءِ في تقليلِ التحيزِ وعدمِ اليقينِ بشأنِ التنبؤاتِ الصادرةِ عنْ الخبراءِ (Ward, February 2016, p 5).

3.3.1 طريقةُ تجميعِ النَّماذجِ- النظامُ العالميُّ المتكاملُ للإنذارِ المبكرِ للأزماتِ (W-ICEWS):

عادةً ما يبني باحثو السلامِ، “نماذجَ” لشرحِ ظواهرٍ معينةٍ، وتؤكِّدُ البحوثُ العلميةُ أنَّ التفكيرَ النَّظريَّ ضرورةٌ لتحسينِ القدرةِ التنبؤيةِ للنماذجِ وقابليتِها للتفسيرِ، فعادةً ما تكونُ المتغيراتُ بلا معنىً في حدِّ ذاتِها, إنَّها النَّظريةُ التي تنسبُ المعنى للمتغيراتِ. وفي الواقعِ، العديدُ منْ المتغيراتِ هيَ “وكلاءٌ” لا يمكنُها بمفردِها إحداثُ آثارٍ سببيةٍ. ونظرًا لأنَّ المتغيراتِ نادرًا ما تتنبأُ بدقةٍ عاليةٍ بمعزلٍ عنْ غيرِها، فمنْ المرجَّحِ أنْ تحققَ النماذجُ النَّظريةُ والتجريبيةُ التي تعبِّرُ عنْ الطبيعةِ التفاعليةِ للمتغيراتِ الفرديةِ أداءً أفضلَ في إجراءِ التنبؤاتِ. في الوقتِ ذاتِه يعدُّ التنبؤُ أداةً قويةً في تطويرِ وتحسينِ التفسيراتِ النظريةِ للصراعِ والسلامِ كمكملٍ لاختبارِ الفرضياتِ. ومنْ خلالِ تحليلِ خصائصِ التنبؤاتِ التي تعملُ بشكلٍ جيدٍ أوْ بشكلٍ سيئٍ خاصةً في عمليةِ تقييمِ النموذجِ خارجِ العينةِ، يمكنُنَا التَّعرفُ على النظرياتِ والنماذجِ التي تحسِّنُ فهمَنا للبياناتِ التَّجريبيةِ (Hegre, 2017, p 117)

وفي هذا السياقِ تُظهرُ البياناتُ الضخمةُ وقوةُ الحوسبةِ الهائلةِ أنَّ التنبؤَ الذي يجمعُ بين عدةِ نماذجٍ للعملياتِ الاجتماعيةِ يتفوقُ على التنبؤِ الواقعيِّ وعلى أيٍّ منْ تلكَ النماذجِ المستخدمةِ بشكلٍ منفردٍ، وبهذا المعنى، فإنَّ النَّماذجَ ليستْ متنافسةً، فقدْ تتفاعلُ الآلياتُ السببيةُ مع بعضِها البعضِ، أو تتعارضُ معها، ويمكنُ لعملياتِ البياناتِ الضخمةِ التي تطَّبقُ نماذجَ مختلفةً في وقتٍ واحدٍ أن تحسبَ التأثيراتِ بشكلٍ أفضلَ (Dowding and Miller, 2019, p 1008).

وفي هذا السياقِ وحيثُ يعدُّ توقعُ الأزماتِ أولويةً بحثيةً لمجتمعِ الاستخباراتِ الأمريكيِّ، ومنذُ عامِ 2008 بدأَ العملُ على إنشاءِ منصةِ تنبؤٍ لاتخاذِ القرارِ داخلَ مجتمعاتِ الدِّفاعِ والاستخباراتِ الأمريكيةِ، تُعرفُ باسمِ النِّظامِ العالميِّ المتكاملِ للإنذارِ المبكرِ للأزماتِ W-ICEWS، وهو نظامٌ يحتويْ على الكثيرِ منْ المكوناتِ التي تشتملُ على مجموعةٍ من النماذجِ التي بناها علما الاجتماعِ والحاسبِ الآليِّ، لكي تتنبأَ بأحداثِ عدمِ الاستقرارِ الرئيسيةِ في جميعِ أنحاءِ العالمِ بدقةٍ عاليةٍ (أحداث, حركات تمرد, وعنف عرقي, وأزمات داخلية ودولية)، وفكرتُهُ الأساسيةُ هيَ تطويرُ العديدِ من النماذجِ لتشملَ عدةَ موضوعاتٍ باستخدامِ أدبياتِ العلومِ السياسيةِ، كلُّ موضوعٍ يعالجُ الحججَ الموضوعيةَ المختلفةَ لاقتراحِ مجموعةٍ منْ الظروفِ التي يُحتملُ أنْ يقعَ فيها حدثٌ معينٌ. على سبيلِ المثالِ، عندَ تطويرِ نماذجٍ للأزماتِ الدوليةِ والمحليةِ، استوعبتْ الموضوعاتُ (أداءَ الاقتصادِ الكليِّ، والتركيبةَ السكانيةَ لكلِّ بلدٍ، بما في ذلكَ العواملَ الديموغرافيةَ، وهيكلَ النظامِ السياسيِّ، والبنيةَ التحتيةَ المؤسسيةَ لكلِّ بلدٍ على الصعيدينِ السياسيِّ والاقتصاديِّ، ونطاقَ ومدى نشاطِ المتمردين، والتفاعلاتِ بينَ الحكومةِ الدائمةِ ومختلفِ فصائلِ المعارضةِ، ومدى الحيويةِ الإقتصاديةِ أوْ الركودِ في الدولِ المجاورةِ)، أنتجَ كلٌّ منْ هذهِ الموضوعاتِ تنبؤاتٍ تستندُ إلى مجموعةٍ محدودةٍ منْ القوى المحركةِ للأحداثِ ولكنَّها هامةٌ، ويتمُّ بعدَ ذلكَ دمجُ هذهِ التنبؤاتِ معَ التنبؤاتِ التي تمَّ إجراؤها بطرقٍ مختلفةٍ بواسطةِ نماذجَ مختلفةٍ أخرى. ويتمُّ دفعُ هذه النماذجِ وتزويدِ المشغلين بالوعيِّ الظرفيِّ للأحداثِ الماضيةِ والحاليةِ في البلدانِ محلَ الاهتمامِ. باستخدامِ مختلفِ مصادرِ بياناتِ الأحداثِ الكبيرةِ largest event data، التي تمَّ توفيرُها وتحديثُها على المستوى دونَ اليوميِّ ودونَ الوطنيِّ وهيَ مأخوذةٌ من Factiva TM، وهوَ مستودعٌ مفتوحُ المصدرِ وممتلكٌ للقصصِ الإخباريةِ منْ أكثرِ منْ 200 مصدرٍ حولَ العالمِ ,ودمجُ هذه البياناتِ معَ مجموعةٍ متنوعةٍ منْ البياناتِ الجدوليةِ والشبكةِ الأخرى (Ward, and others, October 15, 2013, p 1-7; Ward, February 2016, p 2-3; Lautenschlager and Martin, 2016, p 3-17).

ويعتمدُ النظامُ في التنبؤِ بالأزماتِ السياسيةِ الدوليةِ على استخدامِ نماذجِ التأثيراتِ المختلطةِ وهيَ نماذجٌ هرميةٌ ذاتُ منحدراتٍ واعتراضاتٍ عشوائيةٍ، تمتلكُ القدرةَ على توفيرِ إطارٍ عام ٍلفهمِ ظاهرةٍ ما، دونَ الحاجةِ في نفسِ الوقتِ إلى أنْ تكونَ المعاملاتُ نفسُها بالنسبةِ لكلِّ حالةٍ. بحيثُ يمكنُ وضعُ نموذجٍ للأزماتِ في كلِّ بلدٍ يتمُّ التحقيقُ فيهِ، كما يستخدمُ النظامُ معلوماتٍ حولَ العلاقاتِ بينَ مختلفِ دولِ العالمِ، بما في ذلكَ الجغرافيا، وطولُ الحدودِ المشتركةِ، وحجمُ التجارةِ، وحركةُ الأشخاصِ عبرَ الحدودِ، وعددُ اللاجئينَ، بالإضافةِ إلى عددِ وأنواعِ الأحداثِ بينَ كلِّ دولتين بالمكونِ المكانيِّ للصراعِ العرقيِّ بحيثُ يتمُّ تسليطُ الضوءِ على الأبعادِ العابرةِ للحدودِ الوطنيةِ للنِّزاعِ والآثارِ غيرِ المباشرةِ المحتملةِ من البلدانِ المجاورةِ. بمعنى أنَّهُ هناكَ مستويان (أوْ أكثرَ) منْ النمذجةِ: واحدٌ على مستوى الدولةِ, والثاني على المستوى الإقليميِّ. وتتعقبُ النماذج ُالهرميةُ أيضًا التباينَ عبرَ المستوياتِ بما يُتيحُ التَّعرفَ على العملياتِ التي قدْ تختلفُ قليلاً منْ مكانٍ أوْ وقتٍ إلى آخرَ. وأكَّدت نتائجُ المشروعِ أنَّ تجميعَ النَّماذجِ المتنوعةِ المختلفةِ ينتجُ تنبؤاتٍ أفضلَ منْ النماذجِ الفرديةِ في تفسيرِها لما يحدثُ في العالمِ. علاوةً على ذلكَ يمُكن أيضًا تفسيرُ الأشكالِ الأخرى منْ الظواهرِ المعقدةِ التي تُظهرُ توجهاً عنيفًا – الصراعُ والأزماتُ – والتنبؤُ بها لعقودٍ في المستقبلِ، وفي سياقِ النظامِ تمَّ تقديمُ تنبؤاتٍ جديدةٍ للمناخٍ والصراعِ في إفريقيا  (Ward, February 2016, p 4-7).

  1. جدوى التنبؤِ بالأزماتِ السياسيةِ الدوليةِ:

1.2 الجدوى العلميةُ للتنبؤِ بالأزماتِ المستقبليةِ

1.1.2 تطويرُ وتقييمِ النَّظرياتِ والنَّماذجِ:

أدَّي التركيزُ شبهُ الحصريِّ على اختبارِ الفرضياتِ الكلاسيكيةِ وتحليلِ القيمِ الاحتماليةِ إلى تقييدِ الجهودِ المبذولةِ لتحسينِ التنبؤِ بالنتائجِ التي نهتمُ بها بالفعلِ (مثلَ السلامِ أوْ الصراعِ). في الوقتِ ذاتِهِ فإنَّ التركيزَ على الأهميةِ الإحصائيةِ يعززُ أحيانًا النتائجَ التي تلتقطُ تأثيراتٍ صغيرةٍ جدًا معَ قدرةٍ محدودةٍ على التنبؤِ بالنتائجِ التي نهتمُ بها نظراً لمشكلاتِ توافرِ البياناتِ ودقتِها. يقدِّم التنبؤُ إجابةً واضحةً على هذا الجدلِ لأنَّ الباحثين يُمكنُهم تقييمُ مدى العواملِ التفسيريةِ التي تُعتبرُ مهمةً منْ النَّاحيةِ النظريةِ في تحسينِ التنبؤِ بالنتيجةِ، في حالِ ارتبطتْ العواملُ التفسيريةُ المشتقةُ نظريًا بالاستمرارِ في تقديمِ تنبؤاتٍ دقيقةٍ على نحوٍ يزيدُ منْ الثقةِ في جدواها الموضوعيةِ. ويساعدُ التنبؤُ الباحثين على اختبارِ نظرياتِهم وتحسينِها وبنائِها، من خلالِ تحسينِ قدرةِ الباحثينِ على توليدِ تنبؤاتٍ أوْ توزيعاتٍ احتماليةٍ متوقعةٍ لنتائجَ مثلِ الأزماتِ السياسيةِ والحربِ أوْ الصراعِ الأهليِّ أوْ العنف، حيثُ يضعُ التنبؤُ النظرياتِ في نوعٍ مختلفٍ منْ الاختبارِ عن اختبارِ الفرضيةِ الكلاسيكيِّ، على نحوٍ يستدعي إعادةَ صياغةِ النظرياتِ الحاليةِ ويثيرُ أسئلةً جديدةً، والتي بدورِها تتطلبُ جهودًا جديدةً لبناءِ النظريةِ. وعلى وجهِ الخصوصِ، ينقلُ التنبؤُ التركيزَ من الأهميةِ الإحصائيةِ إلى الأهميةِ الموضوعيةِ، ويسمحُ بسهولةٍ أكبرَ بقياسِ تأثيرِ النَّظرياتِ في العالمِ الحقيقيِّ. كما يسمحُ بالعودةِ إلى التركيزِ على أداءِ نموذجٍ أو نظريةٍ بدلاً من التركيزِ على معلماتٍ فرديةٍ. (Hegre, 2017, p 116, 121)

2.1.2 توفيرُ بياناتِ المستقبلِ Future Data:

منْ أجلِ إنتاجِ تنبؤاتٍ مفيدةٍ حقًا وفي الوقتِ المناسبِ، نحتاجُ إلى بياناتٍ عاليةِ الجودةِ. لتطويرِ أنظمةٍ طموحةٍ للإنذارِ المبكرِ للأزماتِ، وتوفيرِ تنبؤاتٍ متسقةٍ تتجاوزَ المستقبلَ القريبَ، يجبُ أنْ تلتزمَ البياناتُ التي يتمُّ جمعُها بالثباتِ عبرَ المكانِ والزمانِ . يواجهُ تحسينُ القدرةِ على التنبؤِ إشكاليتين رئيستين: الأولى هي :إشكاليةُ البياناتِ المفقودةِ والتي غالباً ما تكونُ هامةً ,وتسهمُ استخدامُ تقنيات التنبؤِ في تحسينِ البياناتِ ذاتِ القيمِ المقدَّرةِ (Hegre, 2017, p 121)، والثانيةُ: هيَ عدمُ توافرِ بياناتِ المستقبلِ، فمنَ الناحيةِ العمليةِ، تقتصرُ جميعُ التحقيقاتِ الكميةِ والنوعيةِ على معلوماتٍ حولَ الماضي, ومنْ خلالِ استخدامِ جميعِ المعلوماتِ المتاحةِ في صياغةِ التنبؤاتِ يتمُّ انتاجُ البياناتِ والمعلوماتِ عنْ المستقبلِ مستفيدةً بذلكَ من القدراتِ الفائقةِ للنمذجةِ الحاسوبيةِ. وحيثُ لمْ يكنْ لدينا الوقتُ لانتظارِ ظهورِ بياناتٍ عن المستقبلِ كطريقةٍ لفحصِ الصلاحيةِ لتفسيراتِنا يتمُّ اختبارُ القدرةِ التنبؤيةِ للبياناتِ والمعلوماتِ التي تمَّ جمعُها منْ الماضي من خلالِ اختبارِ قدرتِها في حالاتٍ معينةٍ وقعتْ بالفعلِ تُعرفُ باسمِ “حالاتِ التَّدريبِ”، واختبارِ توافقِها معَ النظرياتِ وتُعرفُ باسمِ “بياناتِ الاختبارِ” وهذه العمليةُ تُعرفُ بالتحققِ المتبادلِ Cross-Validation (Ward, February 2016, p 8).

2.2 الجدوى العمليةُ للتنبؤِ بالأزماتِ المستقبليةِ

1.2.2 التنبؤُ بالأزماتِ والإنذارِ المبكرِ Crisis Prediction and Early Warning:

إنَّ أنظمةَ الإنذارِ المبكرِ الموثوقةِ التي تشيرُ إلى التنبؤِ بالأزماتِ والمخاطرِ قبلَ اندلاعِ الصراعِ أوْ تصاعدِهِ ستجعلُ من الممكنِ الاستعدادَ أوْ التدخلَ ضدَّ النزاعاتِ المميتِة. وهذا يستوجبُ أنْ تستخدمَ طرقَ التنبؤِ التي تسمحُ بتحديدِ التدخلاتِ السياسيةِ اللازمةِ، منْ خلالِ إجراءِ التنبؤاتِ بالمخاطرِ المتوقعةِ في ضوءِ سياساتِ منعِ الصراعِ المختلفةِ، يمكنُ فهم ُالمخاطرِ في سياقِ (عدمِ) التدخلِ أيضاً أيْ في حالِ عدمِ اتخاذِ الاجراءاتِ الاستباقيةِ. فإنَّ مشاريعَ التنبؤِ الجديدةِ المستندةِ إلى طرقٍ جديدةٍ في جمعِ البياناتِ، وتطويرِ النظرياتِ، والأساليبِ المبتكرةِ – كما هو موضحٌ في الجزءِ الأولِ – تقربُنا أكثرَ منْ توليدِ تنبؤاتٍ بالأزماتِ ومخاطرِها وتكونَ دقيقةً بما يكفي لصنعِ وتوجيهِ السياساتِ واتخاذِ القراراتِ (Hegre, 2017, p 114).

2.2.2 التنبؤُ بالأزماتِ وصناعةُ القرارِ Crisis Prediction and Decision Making :

التنبؤُ يمكِّنُ صانعي السياساتِ منْ صياغةِ سياساتٍ قائمةٍ على الأدلةِ فيما يتعلقُ بقضايا السلامِ والأمنِ. حيثُ لا تعملُ التنبؤاتُ فقطْ كأداةٍ للإنذارِ المبكرِ الذي يمكنُ أنْ يؤدي إلى فرطِ التَّجهيزِ والتَّكيفِ معَ المخاطرِ المتوقعةِ، ولكنَّ التنبؤاتِ هيَ شروطٌ مسبقةٌ مهمةٌ لتنفيذِ استجاباتٍ سياسيةٍ مناسبةٍ، وبناءِ المرونةِ، وتقييمِ المخاطرِ وحسابِ التكاليفِ والفوائدِ وتكييفِ الاستجاباتِ المسبقةِ وفقًا لذلك، يستكشفُ التنبؤُ أيضًا أفضلَ السُبلِ لتقييمِ عواقبِ تدخلاتِ السياسةِ العامةِ المستقبليةِ المحتملةِ (Hegre, 2017, p 116- 118)

ويسهمُ التنبؤُ الوقائيُّ بشكلٍ مباشرٍ في تحقيقِ هدفِ المجتمعِ الدوليِّ لمنعِ الصراعِ والذي عادةً ما ينتجُ الصراعُ عن تصاعدٍ فيْ الأزماتِ السياسيةِ. وفي عامِ 2015، أجرتْ الدولُ الأعضاءُ في الأممِ المتحدةِ مراجعةً واسعةَ النطاقِ للأدواتِ والأساليبِ المستخدمةِ لمنعِ العنفِ بعنوان (تحدي السلامِ المستدامِ): تقريرُ فريقِ الخبراءِ الإستشاريِّ (الأممُ المتحدةُ ، 2015)  The Challenge of Sustaining Peace. Report of the Advisory Group of Experts حيثُ حدَّدتْ خطةُ الأممِ المتَّحدةِ العالميةِ للتنميةِ المستدامةِ الهدفَ (16) منْ أهدافِها وهوَ هدفُ “السلامِ المستدامِ” على اعتبارِ أنَّهُ لا تنميةَ بدونِ سلامٍ. وكانَ الاستنتاجُ الشاملُ منْ هذا التقريرِ هوَ: أنَّ منظومةَ الأممِ المتحدةِ تشدّدتْ في هدفِ الوقايةِ، لكنَّها لمْ تستثمرْ في الواقعِ أيَّ شيءٍ قريبٍ منْ المعرفةِ أوْ المواردِ اللازمةِ لهذه الوقايةِ. وأنَّ التنبؤَ هوَ جوهرُ الوقايةِ الفعَّالةِ منْ النزاعاتِ المسلحةِ. ومنْ خلالِ التَّحسينِ المستمرِ لأدواتِ التنبؤِ، ستوفرُ أبحاثُ السلامِ منفعةً عامةً مهمةً للمجتمعِ الدوليِّ.

  1. تطويرُ طرقِ التنبؤِ بالأزماتِ السياسيةِ الدوليةِ:
    • التنبؤُ النقديِّ Critique Prediction:

ونقصدُ بالتنبؤِ النقديِّ تطويرَ طرقِ نقدِ النظريةِ والنموذجِ، ففي دراسةٍ حديثةٍ لـ مايكل كولاريسي وزهيب محمود (Colaresi & Mahmood, 2017) بعنوانِ ” دروسٌ منْ التَّعلمِ الآليِّ لتحسينِ التنبؤِ بالصراعِ” اقترحَ الباحثان إطارَ عملٍ لنمذجةِ التنبؤِ بالصراعِ مقتبساً منْ قواعدِ التَّعلمِ الآليِّ حيثُ يقومُ علىْ (البناءِ والحسابِ والنقدِ والتفكيرِ)، وتُستخدمُ عمليةُ التَّعلمِ هذهِ في النماذجِ الأكثرِ تعقيدًا لشرحِ كيفيةِ ارتباطِ العواملِ التفسيريةِ القابلةِ للقياسِ بالنتائجِ. وذلكَ كنوعٍ منْ الاستجابةِ للتَّحولِ الواقعِ لدى العلماءِ المهتمينَ بفهمِ عملياتِ الصراعِ نحوَ تقييمِ التوقعاتِ خارجَ العينةِ للحكمِ على فائدةِ نماذجِهم ومقارنتِها. الفكرةُ المركزيةُ هيَ أنَّهُ يجبُ على الباحثين دمجُ واستخدامُ النقدِ النموذجيِّ لتحسينِ نماذجِهمْ بدلاً من الإعتمادِ علىْ اختبارِ القدرةِ التنبؤيةِ للنموذجِ. ووجدا أنَّهُ فيْ حينِ أنَّ الخطواتِ الأوليةَ (البناءُ والحسابُ) تكونُ مألوفةً للباحثينَ، إلَّا أنَّ الأدواتِ العمليةَ لنقدِ النماذجِ غيرُ متطورةٍ؛ لذلكَ قدَّمَ الباحثان مقترحاً لإجراءِ العمليةِ الخاصةِ بنقدِ النموذجِ تسمحُ للباحثين بالتَّعلمِ منْ خلالِ تكرارِ عمليةِ توليدِ البياناتِ منْ التناقضاتِ بينَ النموذجِ المدربِ وبياناتِ الاختبارِ. وأحرزَ بحثُهما تقدمًا كبيرًا في طرقِ تحديدِ وتجنبِ مشكلةِ فرطِ بياناتِ العينةِ وتوفيرِ استراتيجياتٍ وأدواتٍ لتحسينِ الأداءِ العمليِّ للنماذجِ الموجودةِ خارجَ العينةِ وربطِ تحسينِ التنبؤِ بهدفِ تطويرِ النظريةِ في دراساتِ الصراعِ.

2.3 التنبؤُ بالكثافةِ Density Prediction:

يرغبُ صانعو السياسةِ على وجهِ الخصوصِ في الحصولِ على تنبؤاتٍ موثوقةٍ لأحداثٍ غيرِ متوقعةٍ وعاليةِ التأثيرِ – “البجعُ الأسودُ”. ويعدُّ تطويرُ نماذجِ المحاكاةِ الديناميكيةِ  Dynamic Simulations Models إحدىْ المقارباتِ الرئيسيةِ لتحقيقِ ذلكَ بحيثُ يمكنُ النظرُ إلى الحروبِ الكبيرةِ والأزماتِ غيرِ العاديةِ على أنَّها مجموعةٌ كبيرةٌ من الأحداثِ الأصغرِ ذاتِ الأنواعِ العاديةِ التي يمكنُ ملاحظتُها وقدْ تُنتجُ الأساليبُ الإحصائيةُ التي تحدِّدُ أنماطَ التصعيدِ الزمانيِّ والمكانيِّ النموذجيةِ تحذيراتٍ بشأنِ المواقفِ التي من المحتملِ أنْ تصبحَ مميتةً للغايةِ. عندَ دمجِ التنبؤاتِ بالأحداثِ النادرةِ معَ بياناتِ الأحداثِ منخفضةِ المستوى (الإشاراتُ الضعيفةُ) فإنَّ الاتجاهَ نحوَ “التنبؤِ بالكثافةِ Density Prediction ” ويُقصدُ التركيزُ على الإشاراتِ التي تبدأُ ضعيفةً وتتطورُ بسرعةٍ كبيرةٍ جدا بما يُساعدُ في التركيزِ على النتائجِ الأكثرِ تطرفًا.

3.3  التنبؤُ بردودِ الفعلِ Reactions Prediction:

قدْ تدفعُ التنبؤاتُ التي تشيرُ إلى زيادةِ مخاطرِ الحربِ البلدانَ إلى شنِّ هجومٍ استباقيٍّ، بحيثُ يتمُّ إبطالُ التنبؤاتِ الأوليةِ. فمنَ الواضحِ أنَّ التنبؤاتِ عاليةَ الجودةِ للصراعِ يمكنُ إساءةُ استخدامِها تمامًا؛ لذلكَ تتطلبُ كفاءةُ التنبؤِ القدرةَ على توقعِ ردودِ أفعالِ وسلوكياتِ الآخرين، بما في ذلكَ القدرةَ على توقعِ التفاعلاتِ العدائيةِ بينَ الأعضاءِ الآخرين في المجموعةِ الأخرى ويستندُ في ذلكَ بشكلٍ أساسيٍ على القياسِ المنهجيِّ واسعِ النطاقِ المستندِ إلى البياناتِ الخاصةِ بردودِ الفعلِ, والذي يعتمدُ على قدرةِ الحاسبِ الآليِّ على استكشافِ التَّفاعلاتِ الديناميكيةِ التي يصعبُ الوصولُ إليها بالمسائلِ الرياضيةِ البحتةِ وهوَ ما يُعرفُ بالنمذجةِ التفاعليةِInteractive Modeling .

4.3 التنبؤُ بالسيناريوهاتِ Predictive Scenarios:

التنبؤُ المستنِدُ إلى السيناريوهاتِ ويُقصدُ بهِ: أنْ ينصبَ الترَّكيزُ على إنشاءِ التنبؤاتِ بناءً على سيناريوهاتٍ مختلفةٍ، ويتمُّ بناءُ السيناريوهاتِ منْ خلالِ النظرِ في جميعِ العواملِ أوْ الدوافعِ المحتملةِ ,وتأثيراتِها النسبيةِ والتفاعلاتِ بينها والأهدافُ التي يجبُ توقعُها. ويسمحُ بناءُ التنبؤاتِ على أساسِ السيناريوهاتِ بإنشاءِ مجموعةٍ واسعةٍ منْ التنبؤاتِ المحتملةِ وتحديدِ بعضِ الحالاتِ المتطرفةِ، حيثُ يؤدي التفكيرُ في الظواهرِ المتطرفةِ المتناقضةِ وتوثيقِها إلى التخطيطِ المبكرِ للطوارئِ. وفي التنبؤِ بالسيناريوهاتِ، غالبًا ما يشاركُ صانعو القرارِ في توليدِ السيناريوهاتِ. في حينِ أنَّ مشاركتَهمْ تؤدي إلى بعضِ التحيزاتِ، إلَّا أنَّهُ يؤدي إلى فهمٍ أفضلَ للنتائجِ. ويتمُّ استخدامُ النماذجِ الحاسوبيةِ في بناءِ السيناريوهاتِ التنبؤيةِ فيما يُعرفُ الآنَ بالتنبؤِ الذكيِّ “Smart Predict” (Hyndman and Athanasopoulos, 2018; SAP Data Warehouse Cloud, 2020).

قائمةُ المصادرِ:

  1. Ward, Michael. (February 10, 2016). Can We Predict Politics? Toward What End?. Journal of Global Security Studies. Duke University.

https://pdfs.semanticscholar.org/2bf7/3275336a4b1c7cecf25168d534c30ece6f98.pdf?_ga=2.260644488.489318087.1604348251-243686857.1600120941

  1. Chadefaux, Thomas. (2017). Conflict forecasting and its limits. Data Science 1 (2017) 7–17. IOS Press.

https://pdfs.semanticscholar.org/80fc/9f2f658fc29f8171ade8dd8815effe2abf06.pdf?_ga=2.59339304.489318087.1604348251-243686857.1600120941

  1. Dowding, Keith and Miller, Charles. (2019). On prediction in political European Journal of Political Research. Australian National University, Australia.

https://ejpr.onlinelibrary.wiley.com/doi/epdf/10.1111/1475-6765.12319

  1. Hegre, Håvard and Other. (2017). Introduction: Forecasting in peace research. Journal of Peace Research. 2017, Vol. 54(2) 113–124.

https://journals.sagepub.com/doi/pdf/10.1177/0022343317691330

  1. PREDICTING INTRA-STATE CONFLICT ONSET: AN EVENT DATA APPROACH USING EUCLIDEAN AND LEVENSHTEIN DISTANCE MEASURES

http://eventdata.parusanalytics.com/papers.dir/MPSA11.ICEWS.sequence2.1.pdf

  1. Ward, Michael and others. (April 26, 2012). Stepping into the future: the next generation of crisis Forecasting Models. ICEWS.

http://www.guillaumenicaise.com/wp-content/uploads/2013/10/Crisis-Forecasting-Models.pdf

  1. Choucri, Nazli. (1974). Forecasting in international relations: Problems and Prospects. International Interactions. 1974, Vol. 1, pp. 63-86. Gordon and Breach Science Publishers Ltd. Printed in Great Britain
  2. Asian Development Bank, Futures Thinking in Asia and the Pacific: Why Foresight Matters for Policy Makers, (April, 2020). P 1-10.

https://www.adb.org/sites/default/files/publication/579491/futures-thinking-asia-pacific-policy-makers.pdf

  1. McCormick, James. (1978). International Crises: A Note on Definition. The Western Political Quarterly, 31, No. 3 (Sep., 1978), University of Utah. pp. 352-358

https://doi.org/10.2307/447735

  1. Tetlock, Philip. (2017). Expert Political Judgment: How Good Is It? How Can We Know?. New Edition. Princeton University.

https://press.princeton.edu/books/hardcover/9780691178288/expert-political-judgment

  1. Gordon, Ted and Helmer, Olaf. (September, 1964). Report on a Long-Range Forecasting Study. The RAND Corporation.

https://www.rand.org/content/dam/rand/pubs/papers/2005/P2982.pdf

  1. Dalkey, Norman. (1969). The Delphi method: an experimental study of group opinion, United States Air force project, The RAND Corporation. available online at:

http://www.rand.org/content/dam/rand/pubs/research_memoranda/2005/RM5888.pdf

  1. Barber, Marcus. (2006). Wildcards- Signals from a future near you. New York.
  2. Irvine, J. and B. Martin, Foresight in Science: Picking the Winners. London, Pinter Publishers. 1984.
  3. Martin, B. and J. Irvine, Research Foresight: Priority-setting in science.London, 1989.
  4. Glenn, Jerome and others. (2017). “State of the Future Index”. The Millennium Project

http://www.millennium-project.org/publications-2-3/#sof19.1

  1. Bers, Caroline; Bakkes, Jan and Hordijk, Leen (Editors). (December 2016). Building Bridges from the Present to Desired Futures, Evaluating Approaches for Visioning and Backcasting Based on a workshop held at Central European University, Budapest, Hungary, 21-22 March, 2011. TIAS Report Series. The Integrated Assessment Society.

file:///C:/Users/DreamCE/Downloads/TIASReportSeries_no1_2016_Backcasting_Evaluating_Approaches.pdf

  1. Wolfers, Justin and Zitzewitz, Eric. (2004). Prediction Markets. Journal of Economic Perspectives—Volume 18, Number 2—Spring 2004—Pages 107–126

https://www.dartmouth.edu/~ericz/predictionmarkets.pdf

  1. PR Newswire Association. (Oct 21, 2020). Smarkets: Biden’s lead in prediction markets cut by Trump during record period for political betting. A Cision

https://www.prnewswire.com/news-releases/smarkets-bidens-lead-in-prediction-markets-cut-by-trump-during-record-period-for-political-betting-301156343.html

  1. Colaresi, Michael and Mahmood, Zuhaib. (February 22, 2017). Do the robot: Lessons from machine learning to improve conflict forecasting. Journal of Peace Research.

https://journals.sagepub.com/doi/10.1177/0022343316682065

  1. Reed, Terry and others. (2017). Open Source Indicators Handbook. Open Source Indicators Project. Harvard Dataverse. V2.

https://dataverse.harvard.edu/file.xhtml?persistentId=doi:10.7910/DVN/EN8FUW/IE6KFE

  1. Doyle, Andy and other. (December, 2014). Forecasting Significant Societal Events Using The Embers Streaming Predictive Analytics System.  Europe PMC Funders’ Group.

https://europepmc.org/backend/ptpmcrender.fcgi?accid=PMC4276118&blobtype=pdf

  1. Ungar, Lyle and others. (2012). The Good Judgment Project: A large scale test of different methods of combining expert predictions. Association for the Advancement of Artificial Intelligence.

https://www.cis.upenn.edu/~ungar/papers/forecast_AAAI_MAGG.pdf

  1. Ward, Michael and others. (October 15, 2013). Comparing GDELT and ICEWS Event Data. Research Paper. Duke University.

file:///C:/Users/DreamCE/Downloads/GDELTICEWS_0.pdf

  1. Lautenschlager, Jennifer and Martin, Lockheed. (2016).ICEWS Events and Aggregations Jennifer. Advanced Technology Laboratories.

http://data.nber.org/ens/feldstein/NBER_Sources/ENS%20Conference%20Sources/2016/Predicting%20Conflict%20Via%20Machine%20Learning/ICEWS%20(Lockheed%20Martin)/Event%20Aggregations/ICEWS%20Events%20and%20Aggregations.pdf

  1. Hyndman, Rob and Athanasopoulos, George. (2018) Forecasting: principles and practice, 2nd edition, OTexts: Melbourne, Australia.

https://otexts.com/fpp2/scenarios.html

SAP Data Warehouse Cloud. (2020). Getting Started with Smart Predict: Concepts of Predictive Modeling.

https://saphanajourney.com/sap-analytics-cloud/learning-article/getting-started-with-smart-predict-concepts-of-predictive-modeling

  1. Helmer, Olaf. (1967). Analysis of the Future: The Delphi Method. The RAND Corporation. available online at:

https://www.rand.org/content/dam/rand/pubs/papers/2008/P3558.pdf

  1. الموسوعةُ السياسيةُ. (2020). مفهومُ الأزمةِ الدوليةِ The Concept Of The International Crisis

https://political-encyclopedia.org

  1. طارق عامر، أساليبُ الدراساتِ المستقبليةِ، دارُ اليازوري العلميةِ، 2008.

الاطلاع على الكتاب

SAKHRI Mohamed
SAKHRI Mohamed

أحمل شهادة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بالإضافة إلى شهادة الماستر في دراسات الأمنية الدولية من جامعة الجزائر و خلال دراستي، اكتسبت فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الرئيسية، ونظريات العلاقات الدولية، ودراسات الأمن والاستراتيجية، بالإضافة إلى الأدوات وأساليب البحث المستخدمة في هذا التخصص.

المقالات: 14671

2 تعليقات

  1. برجاء نشر الدراسة باسمي أنا كاتبة الدراسة سحر سيد صبري ولا يجوز لكم النشر الحر بدون اسم مؤلف الدراسة

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *