ظاهرة تهريب المهاجرين في شرق أفريقيا: دراسة فى الأبعاد وسبل المکافحة

مجلة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، القاهرة، المقالة 7، المجلد 20، العدد 4 – الرقم المسلسل للعدد 81، الخريف 2019، الصفحة 172-204. 

المؤلف د. شيماء محى الدين محى الدين* کلية الدراسات الافريقية العليا، جامعة القاهرة ، مصر.

لقد حظیت المسائل ذات الصلة بالهجرة باهتمام کبیر من جانب العدید من المتخصصین على اختلاف تخصصاتهم، سواء على مستوى أجهزة الإعلام، أو على مستوى أجهزة الأمن، أو على مستوى المنظمات الدولیة والإقلیمیة الفرعیة، أو على مستوى الباحثین والدارسین فى مختلف الدوائر الأکادیمیة. ولعل هذا الاهتمام یجد ما یبرره فى أمرین رئیسیین، یرتبط أولهما بالانتشار الواسع للهجرة –خاصة غیر الشرعیة منها- خلال العقد الماضى. أما المبرر الآخر فیتمثل فى التداعیات بالغة الخطورة، التى باتت تترتب على هذا النوع من الهجرة، سواء على المهاجرین أنفسهم، أو على دول المقصد بالنسبة للمهاجرین، أو على العلاقات بین الدول وبعضها البعض.

وإزاء صعوبة إجراءات الهجرة بالطرق المشروعة بین الدول وبعضها البعض، فقد لجأ الکثیر من الشباب الأفریقى إلى الهجرة بالطرق غیر المشروعة، سواء إلى دولة أفریقیة أخرى، أو إلى السواحل الأوروبیة، خاصة فى ظل تصاعد وتیرة الصراعات الداخلیة والبینیة وتراجع الأوضاع الاقتصادیة فى الکثیر من الدول الأفریقیة التى تعانى اقتصاداتها من حالة من الرکود، فى ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتراجع التنمیة البشریة فى جل دول القارة.

ولقد شکلت طموحات الکثیر من الشباب الأفریقى فى الحصول على فرص أفضل لرفع مستویات معیشتهم خارج حدود دولهم التى تواجه العدید من الأزمات على النحو السالف بیانه دافعاً لهم للجوء إلى مهربین محترفین لتأمین رحلة تهریبهم، سواء إلى دولة أفریقیة أخرى، أو إلى وجهة أخرى خارج حدود القارة الأفریقیة برمتها. ولعل هذا ما ساعد على انتشار عصابات متخصصة تعمل فى مجال تهریب المهاجرین، وازداد الاعتماد على هذه العصابات وتلک الشبکات لدرجة أن تهریب المهاجرین باتت ظاهرة تسترعى الانتباه.

وفى هذا الإطار، أصبحت عملیات “تهریب المهاجرین” من أبرز صور الجریمة المنظمة وأکثرها انتشاراً، فقد حذّرت منظمة التعاون الأمنی فی أوروبا من أن تهریب المهاجرین عبر الحدود بین بلد وآخر قد أصبحت أولى الأنشطة التجاریة غیر القانونیة فی العالم بدلاً من الاتجار بالمخدرات. وأضافت منظمة التعاون الأمنی فی اوروبا أن تهریب البشر ینشط مع کل عام لأن المهرّبین یرون فیه عملیة تقلّ مخاطرها عن مخاطر تهریب المخدّرات. ولذلک فإن أغلب من یمارسون هذه الجریمة هم عصابات الجریمة المنظمة. وکثیر من تلک العصابات سبق لها التورط فى تهریب المخدرات، لکنها إما تحولت إلى تهریب المهاجرین بسبب أرباحها الضخمة والعقوبات الخفیفة نسبیا التی تواجه أفراد هذه العصابات فی حال القبض علیهم، أو جمعت بین الجریمتین حیث أصبحت تهرب الأسلحة جنباً إلى جنب مع المهاجرین عبر حدود الدول الأفریقیة.

وإزاء المخاطر الناجمة عن انتشار ظاهرة تهریب المهاجرین على النحو السالف بیانه، فقد عنیت الأمم المتحدة بوضع إطار تشریعى خاص بهذه الظاهرة، وذلک من خلال إصدار بروتوکول مکافحة تهریب المهاجرین عن طریق البر والبحر والجو، المکمل لاتفاقیة الأمم المتحدة لمکافحة الجریمة المنظمة عبر الوطنیة الصادرة فى نوفمبر عام 2000. وبالرغم من مرور سنوات طویلة على تبنى هذه الوثیقة، إلا أن معدلات تهریب المهاجرین ما زالت فى تصاعد، لدرجة أن البعض یرى من إمکانیة التصدى لهذه الظاهرة فى ضوء الآلیات المتاحة أمراً من الصعوبة بمکان.

واستناداً إلى ما تقدم، تسعى هذه الورقة لدراسة وتحلیل ظاهرة تهریب المهاجرین فى أفریقیا، وذلک بالتطبیق على منطقة شرق أفریقیا، تلک المنطقة التى تعتبر من أبرز بؤر الصراع فى العالم، الأمر الذى وفر مناخاً ملائماً لانتشار الجریمة المنظمة بمختلف صورها، بل وساعد على انتشار شبکات الجریمة المنظمة التى باتت تحقق أرباحاً هائلة من تهریب المهاجرین والأسلحة فى الإقلیم. ولعل فى اختیار منطقة شرق أفریقیا ما یبرره، فوفقاً لتقاریر المنظمات الدولیة على رأسها الأمم المتحدة، یشهد الإقلیم نمواً سریعاً لمثل هذه الجریمة، الأمر الذى یستوجب دراسة مقومات تهریب المهاجرین فى المنطقة، وذلک بهدف التوصل إلى أبعاد تلک الظاهرة وکذا بهدف دراسة سبل التصدى لها –سواء على المستوى النظرى أو على المستوى التطبیقى- والوقوف على الآلیات المتبعة فى مواجهتها ومعرفة نقاط القصور فیها. هذا فضلاً عن تقدیم بعض المقترحات التى تساعد على إحاطة هذه الظاهرة والحد من انتشارها.

وتحقیقاً لهذا الهدف، تنقسم الدراسة إلى ستة أقسام رئیسیة تبدأ بالقسم الأول الذى یقدم عرضاً لإشکالیة الدراسة والأدبیات السابقة التى تناولت الموضوع محل الدراسة أو أحد أبعاده، أما القسم الثانى فیعرض الإطار النظرى والمفاهیمى للدراسة، أما القسم الثالث فیناقش الأسباب التى أدت إلى انتشار عملیات تهریب المهاجرین فى المنطقة محل الدراسة. ثم یأتى القسم الرابع لیبین نطاق الظاهرة أى مسارات تهریب المهاجرین فى شرق أفریقیا. ویتناول القسم الخامس من الدراسة المبادرات التى تم تبنیها من أجل مواجهة هذه الظاهرة والحد من آثارها، سواء على المستوى الدولى أو على المستوى الإقلیمى. وفى القسم السادس والأخیر من الدراسة، یتم تقییم المبادرات سالفة الذکر، وذلک من خلال عرض أبرز الإنجازات والتحدیات ذات الصلة بمکافحة الظاهرة محل الدراسة، وتنتهى الدراسة بخاتمة تبلور أهم ما تم التوصل إلیه من نتائج فى هذه الدراسة.

أولاً: الإشکالیة البحثیة وعرض الأدبیات

إشکالیة الدراسة

     بالرغم من وجود الکثیر من المبادرات الإقلیمیة والدولیة الرامیة إلى مکافحة تهریب المهاجرین والحد من آثارها السلبیة فى منطقة شرق أفریقیا، إلا أن الواقع یشیر إلى أن ثمة تزاید فى معدلات المهاجرین المهربین فى المنطقة سواء إلى داخل أفریقیا أو إلى خارجها. ولعل هذا ما یطرح التساؤل التالى: إلى أى مدى رکزت المبادرات الإقلیمیة والدولیة لمکافحة تهریب المهاجرین على معالجة العوامل المسببة لهذه الظاهرة؟

الإطار الزمنى والمکانى للدراسة

      ترکز الدراسة على الفترة منذ عام 2011 وحتى عام 2019. ولعل فى اختیار تاریخ بدایة الدراسة ما یبرره، ذلک أن عام 2011 هو ذلک العام الذى قامت فیه المفوضیة العلیا لشئون اللاجئین التابعة للأمم المتحدة بتشکیل مجموعة عمل لدراسة ظاهرة تهریب المهاجرین فى شرق أفریقیا والقرن الأفریقى، الأمر الذى تبعه سلسلة من الإجراءات والتدابیر التى تم تبنیها على المستویین الإقلیمى والدولى بغرض مکافحة هذه الظاهرة والتعامل معها، فیما یعد بمثابة نقطة انطلاق لوضع مسألة تهریب المهاجرین فى شرق أفریقیا على قائمة أولویات الأمم المتحدة والأجهزة والهیئات التابعة لها، وکذا لمتابعة إنجازات دول المنطقة فى هذا الشأن.

أما من حیث الإطار المکانى، ترکز الدراسة على منطقة شرق أفریقیا، وتحدیداً الدول الأعضاء فى منظمة الإیجاد، والتى تتضمن کل من: جیبوتى والصومال وکینیا والسودان وجنوب السودان وأوغنده وأریتریا (التى تم تعلیق عضویتها لاحقاً).

 عرض الأدبیات

بصفة عامة یمکن عرض أبرز الدراسات السابقة التى تناولت مسألة تهریب المهاجرین من خلال التمییز بین عدة اتجاهات من الدراسات، فهناک دراسات رکزت بالأساس على الآلیات والاستراتیجیات التى ینتهجها الغرب من أجل التصدى لظاهرة تهریب المهاجرین وبخاصة فى أفریقیا، ومدى نجاح هذه الآلیات وتلک الاستراتیجیات. ولقد عنیت الدراسات فى إطار هذا الاتجاه بتفسیر قصور التعامل الغربى مع ظاهرة تهریب المهاجرین، وذلک من خلال ربطه بسیاسات ضبط الهجرة الشرعیة التى یتبناها الغرب وخاصة فى الاتحاد الأوروبى، والتى استهدفت الحد من الهجرة فى الکثیر من الأحیان، وهو ما کان من شأنه غلق قنوات الهجرة الشرعیة فى الکثیر من الدول، الأمر الذى استغلته بعض الجماعات والتنظیمات الإجرامیة المحترفة لتحقیق المزید من الأرباح من خلال تسهیل قنوات تهریب المهاجرین بشکل غیر مشروع. وکان من أبرز هذه الدراسات دراسة آننا تراندافیللیدو[i] التى استنتجت أن سیاسات ضبط الهجرة التى تتبناها الدول عادة ما تؤدى لنتائج عکسیة من خلال فتح قنوات موازیة للهجرة بالطرق غیر المشروعة التى تنظمها شبکات تهریب المهاجرین فى مختلف أنحاء العالم، الأمر الذى یستوجب من الدول مراجعة سیاساتها حتى تصبح أکثر مرونة أمام تطلعات الراغبین فى الهجرة، وذلک إذا ما أرادت وضع حداً لجریمة تهریب المهاجرین والحد من آثارها. وعلى ذات الصعید، فقد اقترحت دراسة ماتى توالد[ii] ضرورة مراجعة سیاسات الاتحاد الأوروبى تجاه الهجرة بشکل عام، الأمر الذى یؤدى إلى فتح المزید من القنوات الشرعیة التى تکفل الهجرة للاتحاد الأوروبى دون حاجة للاستعانة بمهربى المهاجرین، وکذا إعادة النظر فى السیاسات ذات الصلة بإعادة نسبة کبیرة من المهاجرین إلى دولهم وکذا إعادة النظر فى المبالغ التى یدفعها الاتحاد الأوروبى للسلطات المحلیة فى هذه الدول، والتى کثیراً ما تدفعهم لزیادة أعداد المهاجرین بالطرق غیر الشرعیة بغرض زیادة المبالغ التى یتلقوها من الاتحاد الأوروبى فى هذا الإطار.

وهناک اتجاه آخر من الدراسات أرجعت القصور فى مکافحة تهریب المهاجرین إلى ضعف التنسیق والتعاون الدولى فى هذا المقام. وربما کان من أبرز الدراسات فى هذا الشأن دراسة صوفیا بولجاریا[iii] التى عنیت ببحث فاعلیة التعاون الدولى لمکافحة الجرائم العابرة للحدود، مع الترکیز على جریمة تهریب المهاجرین فى فرنسا، سواء على مستوى التشریعات أو على مستوى الممارسات التى شهدها الواقع العملى، واختتمت الدراسة بتقدیم بعض المقترحات والتوصیات التى یتعین أخذها فى الاعتبار من أجل تفعیل جهود مکافحة تهریب المهاجرین فى الدولة محل الدراسة، والتى دارت جمیعها فى فلک تعزیز التعاون بین الدول وبعضها البعض وکذا التعاون مع الأطراف الشریکة داخل الاتحاد الأوروبى وخارجه، وذلک بغیة مکافحة جریمة تهریب المهاجرین.

وهناک اتجاه ثالث من الدراسات رکز على سبل التصدى الأفریقیة لظاهرة تهریب المهاجرین وما تنطوى علیه من قصور وکذا ما تواجهه من تحدیات. وکان من أبرز الدراسات فى هذا المقام دراسة کیفا کونز ودراسة لورى مان.[iv] وبدراسة حالات أفریقیة بعینها، تبین من خلال الدراسات سالفة الذکر أن شبکات الجریمة المنظمة قد نجحت فى اختراق الأجهزة الأمنیة فى الکثیر من دول أفریقیا واستغلال مابها من فساد فى الجهاز الإدارى والشرطى والقضائى والمخابراتى من أجل تسهیل جرائمها ومضاعفة أرباحها بالطرق غیر المشروعة، لدرجة أنها باتت تهدد العلاقات بین دول الجوار وبعضها البعض.

ومن ناحیة أخرى فقد تبین أن الدول الأفریقیة محل الدراسة تعانى من ضعف الأجهزة التنفیذیة القائمة على تنفیذ القانون، وضعف أنظمة الإدارة الفعالة للحدود على النحو الذى یمکن مهربى المهاجرین من نقلهم عبر حدود الدول، کما تعانى من ضعف التنسیق والتعاون بین الدول وبعضها البعض بغرض التصدى للظاهرة، فضلاً عن عدم وجود آلیات لمساعدة الضحایا وحمایتهم، إلى جانب ضعف الوعى بجریمة تهریب المهاجرین والمخاطر التى قد تنتج عنها. ولعل هذا ما یؤکد على أهمیة التعاون بین دول الجنوب وبعضها البعض، على أن یشمل هذا التعاون کافة الأطراف الشریکة وأصحاب المصلحة فى وضع حد لهذه الجریمة، على ألا یقتصر التعاون على المستوى الرسمى، مع إقامة منتدى لتبادل الرؤى والخبرات والمعلومات فى مجال مکافحة تهریب المهاجرین. وهنا أکدت الدراسات سالفة الذکر أن الأمر یحتاج إلى دعم وتمویل أجنبى حتى تتمکن دول القارة من تدریب وبناء قدرات القائمین على مؤسساتها الأمنیة لمواجهة التحدیات السالف بیانها.

ومن هذا العرض السابق للدراسات العلمیة ذات الصلة بالموضوع، یلاحظ أن کل من الدراسات سالفة الذکر قد رکزت على أحد أبعاد الظاهرة، محاولة تفسیر أوجه القصور فى مکافحتها وکذا دراسة واحد أو أکثر من العوامل المحفزة لتهریب المهاجرین وبخاصة فى أفریقیا، مع تقدیم بعض المقترحات والدروس المستفادة من بعض التجارب السابقة على صعید تهریب المهاجرین. غیر أن أى من هذه الدراسات لم تفند أسباب الظاهرة بدقة مع بیان خصوصیة القارة الأفریقیة وأقالیمها المختلفة فى إفراز أنماط عدة من التهریب وشبکات متخصصة فى هذا الأمر، کما أن الدراسات السابقة لم تطرح المبادرات الإقلیمیة الأفریقیة فى التعامل مع الظاهرة محل الدراسة. ولذا تأتى هذه الدراسة لتسد فراغاً علمیاً من خلال محاولة معالجة ظاهرة تهریب المهاجرین فى شرق أفریقیا من کافة أبعادها، بدءاً بالأسباب مروراً بالأبعاد والآلیات ثم التقییم.

ثانیاً:الإطار النظرى والمفاهیمى للدراسة

لقد انتشرت عملیات تهریب المهاجرین مؤخراً بشکل یسترعى الانتباه، وبخاصة فى مناطق المنازعات، الأمر الذى استوجب التعرف على أبعاد هذه الظاهرة، وکذا تمییزها عن غیرها من الجرائم أو الممارسات التى قد تتداخل معها فى هذه المرحلة أو تلک من مراحل تهریب المهاجرین. وفیما یلى بیان بالمقصود من هذه الظاهرة وفقاً لما جاء فى الصکوک الدولیة ذات الصلة بتهریب المهاجرین.

مفهوم تهریب المهاجرین والمفاهیم ذات الصلة

یعتبر “بروتوکول مکافحة تهریب المهاجرین عن طریق البر والبحر والجو”، المکمل لاتفاقیة الأمم المتحدة لمکافحة الجریمة المنظمة عبر الوطنیة، بمثابة الوثیقة الرئیسیة المعنیة بتفسیر ظاهرة تهریب المهاجرین. وتقدم الفقرة أ من المادة 3 من البروتوکول تعریفاً دقیقاً لمفهوم تهریب المهاجرین، وذلک باعتباره “تدبیر الدخول غیر المشروع لشخص ما إلى دولة طرف لیس ذلک الشخص من رعایاها أو من المقیمین الدائمین فیها، وذلک من أجل الحصول على منفعة مالیة أو منفعة مادیة أخرى، سواء بصورة مباشرة أو بصورة غیر مباشرة”. واستکمالاً لهذا المفهوم، فقد قضت المادة 6 من ذات البروتوکول فى فقرتها الأولى بأن تقوم الدول الأعضاء بتجریم أى سلوک یشکل تهریباً للمهاجرین، وکذا تجریم کل ما ینطوى علیه ذلک من إعداد وثائق سفر أو وثائق هویة مزورة أو تدبیر الحصول علیها أو توفیرها أو حیازتها بغرض تیسیر تهریب المهاجرین، أو تمکین أى شخص لیس مواطناً أو مقیما فى بلد معین من البقاء فیه دون تقید بالشروط اللازمة للبقاء المشروع فیه باستخدام وسائل یر مشروعة. وبالمثل فقد قضت الفقرة الثانیة من ذات المادة أنه یتعین على أیة دولة طرف فى البروتوکول أن تجرم کافة الممارسات ذات الصلة بتنظیم أو توجیه أى من الجرائم سالفة الذکر أو الشروع فى ارتکابها أو المساهمة بالشراکة فى أى منها.[v]

ولقد میزت الأدبیات المعنیة بدراسة مسائل الهجرة غیر الشرعیة بین مفهوم تهریب المهاجرین على النحو السابق الإشارة إلیه وغیره من المفاهیم التى قد تتداخل معه، والتى من أبرزها الإتجار بالبشر واللجوء. فقد حدد بروتوکول منع وقمع ومعاقبة الإتجار بالأشخاص مفهوم الإتجار بالأشخاص باعتباره تجنید أشخاص أو نقلهم أو تنقیلهم أو إیواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهدید بالقوة أو استعمالها أو غیر ذلک من أشکال القسر أو الاختطاف أو الاحتیال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف، أو بإعطاء أو تلقى مبالغ مالیة أو مزایا لنیل موافقة شخص له سیطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال.[vi] وبهذا المعنى، یلاحظ أن هناک أربعة اختلافات رئیسیة بین تهریب المهاجرین والإتجار بالبشر، وتشمل: الاستغلال، والطابع عبر الوطنى، والموافقة.[vii]

أما بالنسبة للجوء، فقد عرفت الاتفاقیة الخاصة بوضع اللاجئین عام 1951، والمعدلة طبقاً لبروتوکول عام 1967، عرفت اللاجئ باعتباره “شخص یوجد خارج بلد جنسیته بسبب خوف له ما یبرره من التعرض للاضطهاد بسبب العرق أو الدین أو الجنسیة أو الانتماء إلى فئة اجتماعیة معینة أو إلى رأى سیاسى معین، ولا یستطیع بسبب ذلک الخوف أن یستظل بحمایة ذلک البلد”. وبالرغم من الاختلاف الواضح بین مفهوم اللاجئ والمهاجر إلا أن الواقع یشیر إلى استعانة الکثیر من اللاجئین وطالبى اللجوء بخدمات مهربى المهاجرین حتى یتمکنوا من الوصول إلى بلد المقصد وتقدیم طلب لجوء إلى ذلک البلد. وجدیر بالذکر أن بروتوکول تهریب المهاجرین قد أکد على الالتزام باتفاقیة وضع اللاجئین والمواد الواردة فیها خاصة مبدأ عدم الإعادة قسراً. ولذا یلاحظ أن طالب اللجوء ینظر فى طلبه من قبل الدولة التى یقدم فیها الطلب، وإذا قبل طلبه یسمح له بالدخول للبلد والبقاء فیها حتى وإن کان قد استعان بمهربى المهاجرین حتى یتسنى له الوصول إلى ذلک البلد.[viii]

مدخل نظرى لتفسیر الظاهرة

تعتبر ظاهرة تهریب المهاجرین شکلاً من أشکال الجریمة المنظمة عبر الوطنیة. ولقد تناولت أدبیات العلوم السیاسیة جملة من النظریات المفسرة للجریمة المنظمة، کل منها ترکز على أحد العوامل التى یمکن الاستناد إلیها فى تبریر الممارسات والجرائم التى ترتکبها الجماعات الإجرامیة فى مختلف أنحاء العالم. وفى هذا الإطار، یعنى هذا الجزء من الورقة بإلقاء الضوء على أهم هذه النظریات، مع محاولة التعرف على مدى صلاحیتها لتفسیر الجریمة المنظمة – وبصفة خاصة جریمة تهریب المهاجرین- فى أفریقیا. وبصفة عامة هناک مجموعة من النظریات المفسرة للجریمة المنظمة لعل من أهمها وأشهرها نظریة المؤامرة Alien conspiracy Theory ، وذلک باعتبار أن الجریمة المنظمة بشکل عام وجریمة تهریب المهاجرین بصفة خاصة عادة ما یتم تنفیذها وتنظیمها عبر مجموعة من الشبکات أو العصابات أو المجموعات الإجرامیة المحترفة التى تجعل من تنفیذ هذه الجرائم أمراً أکثر سهولة. ولذا فقد اعتبر أنصار هذه النظریة أن جریمة تهریب المهاجرین بمثابة مؤامرة من قبل بعض الشبکات المحترفة، وذلک بهدف تهدید المجتمعات الدیمقراطیة التى عادة ما یتم تهریب المهاجرین إلیها. علاوة على ذلک، غالبًا ما تعتبر الإثنیة سمة ممیزة رئیسیة لجماعات الجریمة المنظمة. وبالتالی، فقد تم تعریف الجریمة المنظمة –ومنها تهریب المهاجرین- على أنها مؤامرة من “الغرباء” لتهدید المجتمعات المتقدمة، مع إهمال أیة معززات داخلیة قد تضطلع بدور فى انتشار الجریمة المنظمة بکافة أشکالها.[ix]

وبالإضافة إلى ما تقدم، تعتبر نظریة الحمایة Protection Theory إحدى النظریات المفسرة للجریمة المنظمة، ذلک أن شبکات الجریمة المنظمة تقدم شکلاً من أشکال الحمایة الخاصة التى لا تقدمها الدولة، وذلک فى غیاب حمایة الدولة فى الکثیر من الأحیان وبخاصة فى دول القارة الأفریقیة، وکأنها تتدخل لبیع الحمایة الخاصة. ووفقاً لهذه النظریة، تستجیب مجموعات الجریمة المنظمة فعلیًا للمطالبة بـ الحمایة الخاصة وتوفر خدمة لا تستطیع الدولة تقدیمها. ویبرز هذا الأمر بشکل خاص فى تفسیر الجرائم مثل تهریب المهاجرین والإتجار بالبشر. ولذا فإن أحد أقوى جوانب نظریة الحمایة هو أنه یسلط الضوء على المواقف التی تفضی إلى ظهور سیطرة شبکات الجریمة المنظمة لتقدیم غطاء من الحمایة للکثیر من أشکال الجرائم.[x]

ومن ناحیة أخرى رکزت بعض نظریات تفسیر الجریمة المنظمة على أثر التماسک الاجتماعى کمفسر للجریمة، ذلک أن الجریمة المنظمة لا تعمل داخل فراغ اجتماعی، ولکنها تتفاعل مع بیئتها الاجتماعیة ؛ وبالتالی ینبغی أن یکون لدینا فهم کامل للروابط والتفاعلات الاجتماعیة. ففى منتصف الثمانینیات، طرح جرانوفتر فکرة أنه فی عالم الجریمة، لیس من السهل تحقیق التعاون وکبح عوامل عدم الثقة، ولذا یتم تخفیف مشاکل عدم الثقة من خلال حقیقة أن هذه المعاملات “مضمنة” فی شبکات العلاقات الشخصیة والاجتماعیة. بعبارة أخرى، کثیراً ما یتم تجمیع الأشخاص داخل الشبکات الإجرامیة استنادًا إلى عوامل مثل المسافة الجغرافیة والعرق والتعلیم والعمر وما إلى ذلک. وقد یصبح الأشخاص الذین نشأوا معًا أو الذین یعیشون فی نفس الحی فی وقت لاحق رفقاء فی الجریمة، فی حین أن الأشخاص الذین یتشارکون فی خلفیة عرقیة مماثلة قد یصبحون أیضًا أعضاء فی نفس المجموعة الإجرامیة. بسبب أهمیة الثقة فی مثل هذه الأنشطة، غالبًا ما تنبنى هذه المجموعات الإجرامیة على الروابط العائلیة أو روابط اجتماعیة قویة أخرى.[xi] ولعل خیر مثال على ذلک المجموعات الإجرامیة التى تهیمن على سوق تهریب المهاجرین فى القرن الأفریقى، وهم مجموعة من المنتمین إلى جماعة الرشایدة، إحدى الجماعات الإثنیة الموجودة فى السودان.[xii]

وبالإضافة إلى ما تقدم، هناک نظریات ترکز على الأبعاد اللوجستیة للجریمة Logistic or situational Approach towards organized crime، فیما یطلق علیه “لوجستیات الجریمة المنظمة”. ولعل هذا ما یتم من خلاله تحلیل الجریمة المنظمة من خلال الفرص والمخاطر التى تنطوى علیها الجریمة بأشکالها. ویبدأ التحلیل فى إطار هذه النظریة بتفکیک مجموعات الجریمة محل الدراسة والتعرف على الفرص والحوافز التى تعود على القائمین على هذه الجریمة أو تلک، ویصبح الهدف محاولة تقلیص هذه الفرص أو العوائد، وتعظیم المخاطر بشکل یحول دون انتشار هذه الجریمة وتلک. وتعتبر الجرائم ذات الصلة بتهریب المخدرات وتهریب المهاجرین والإتجار بالأشخاص من أبرز أشکال الجریمة المنظمة التى یجوز دراستها وتحلیلها استناداً إلى هذا المدخل النظرى، وع محاولة التوصل إلى آلیات فعالة لکبح الفرص أو الأرباح الناجمة عن هذه الجرائم وزیادة المخاطر التى یتعرض لها القائمین علیها لا سیما الشبکات الإجرامیة المتورطة فى ممارسة هذه الجرائم.[xiii]

وفى هذا الإطار، تعنى هذه الورقة بدراسة وتحلیل تهریب المهاجرین فى شرق أفریقیا فى ضوء لوجستیات الجریمة المنظمة، وذلک من خلال بحث الفرص التى تنطوى علیها هذه الجریمة، والمتمثلة فى الأسباب التى أدت لانتشارها وجعلت من منطقة شرق أفریقیا بمثابة بیئة خصبة لانتشار عملیات تهریب المهاجرین والقائمین علیها، مروراً بمبادرات التصدى للظاهرة، وصولاً لتقییم هذه المبادرات لمعرفة مدى تمکنها من تعظیم مخاطر تهریب المهاجرین وتقلیص الفرص بغرض مکافحة هذه الظاهرة والحد من آثارها.

ثالثاً: أسباب انتشار ظاهرة تهریب المهاجرین فى شرق أفریقیا

لقد ساهمت مجموعة من العوامل فى تنامى و انتشار هذا الشکل من أشکال الجریمة المنظمة لا سیما فى منطقة شرق أفریقیا. ولعل من أبرز هذه العوامل الفقر والجهل وعدم الاستقرار السیاسى والحروب والنزاعات المسلحة والفساد والبطالة وضعف إجراءات تأمین الحدود وغیرها من ظروف تسهل إقبال المواطنین على الهجرة بطرق غیر قانونیة سعیاً وراء وعود زائفة بحیاة أفضل، وهو ما یفتح المجال أمام المهربین للتربح من عملیة تهریب المهاجرین. ولما کانت أغلب دول القارة الافریقیة تعانى من هذه المشکلات، أصبحت افریقیا هى إحدى البؤر التى تنتشر فیها تلک الجریمة التى تصل خطورتها إلى حد تهدید استقرار وسلامة دول المقصد التى ینقل إلیها المهاجرون سواء داخل أفریقیا أو خارجها. وبصفة عامة یمکن بلورة أبرز العوامل المسببة لتهریب المهاجرین فى شرق أفریقیا فیما یلى:

1- انتشار الصراعات الداخلیة والبینیة فى المنطقة:

تعتبر منطقة شرق أفریقیا من أکثر المناطق تعقیداً من حیث طبیعة التفاعلات بین الجماعات فى هذه المنطقة سواء داخل حدود الدولة الواحدة، أو بین الدول وبعضها البعض. وبصفة عامة فقد ساهمت جملة من العوامل فى اندلاع الصراعات فى المنطقة، الأمر الذى أدى إلى إشاعة حالة من عدم الاستقرار فى ربوع الإقلیم، وهو ما استغلته شبکات الجریمة المنظمة فى ممارسة نشاطاتها غیر المشروعة.[xiv] ولقد تعددت العوامل المسببة للصراع فى شرق أفریقیا، بدءاً بالمیراث الاستعمارى الذى خلق حالة من العداء بین مختلف الجماعات المشکلة لشعوب الدول فى هذه المنطقة، والذى قسم حدود الدول على أسس مغایرة للواقع الاجتماعى الذى تشهده الدول، الأمر الذى أدى لقیام العدید من نزاعات الحدود بین الدول وبعضها البعض. وبالرغم من تعدد مسببات الصراع ، إلا أنها ساهمت فى مجملها فى خلق بیئة طاردة للمهاجرین الراغبین فى تحسین أوضاعهم فى مجتمع ینعم بالاستقرار السیاسى والرفاهیة الاقتصادیة، وهو ما وافق مصالح مهربى المهاجرین فى زیادة أرباحهم من جراء هذه الجریمة التى تقل خطورة –من وجهة نظر مهربى المهاجرین- مقارنة بغیرها من الجرائم الدولیة التى باتت منتشرة فى عموم أرجاء القارة الافریقیة.[xv]

2- انتشار الفساد وغیاب المساءلة

یعتبر الفساد من أبرز العوامل التى تساعد على تسهیل تهریب المهاجرین فى شرق أفریقیا، فطبقاً لمؤشر منظمة الشفافیة الدولیة لمدرکات الفساد Transparency international، تعتبر القارة الإفریقیة هى أکثر القارات فساداً على مستوى العالم، وهى بذلک تؤکد صحة التصور بأن الفساد هو أحد نتائج الفقر. وبتأمل وضع دول شرق أفریقیا على مؤشر مدرکات الفساد الصادر عام 2017، یلاحظ أن دول شرق أفریقیا احتلت مراتب متدنیة على المؤشر، حیث جاءت الصومال فى المرتبة الأخیرة بوصفها الدولة الأکثر فساداً من بین 180 دولة شملهم المؤشر، وهو ما یدل على انتشار الفساد على نطاق واسع، سبقتها جنوب السودان التى جاءت فى المرتبة الـ 179، ثم السودان التى جاءت فى المرکز الـ 175، بینما احتلت اریتریا المرکز الـ 165، وجاءت جیبوتى فى المرکز الـ 122، فى حین جاءت اثیوبیا فى المرکز الـ 107.[xvi]

ویعتبر الفساد الحکومى بصفة خاصة سبباً رئیسیاً لزیادة تهریب المهاجرین فى شرق أفریقیا، وبخاصة عبر کینیا، إذ أنه یؤمن تغطیة قویة لأولئک الذین یهربون المهاجرین. فقد کان استشراء الفساد فى کینیا سبباً رئیسیاً جعل من کینیا مرکزاً لتهریب المهاجرین عبر شرق أفریقیا. ففى عام 2017، تراجع ترتیب کینیا على مؤشر مدرکات الفساد لتحتل المرکز الـ 143 من حیث مکافحة الفساد فى العالم، وذلک فى تقریر ضم 180 دولة[xvii]، بعد أن کانت فى المرکز الـ 139 فى عام 2012. ولعل هذا ما دفع غالبیة التقاریر الدولیة لتصنیفها ضمن الدول الأکثر فساداً على مستوى العالم. ولقد شکل هذا الفساد عاملاً مشجعاً لتمکین شبکات الجریمة من تهریب المهاجرین عبر کینیا، حیث تهیمن خمس مجموعات کینیة کبرى على سوق تهریب المهاجرین فى شرق أفریقیا، وذلک وفقاً للتقاریر الصادرة من المعهد الدولى للسلام. ویسهل الفساد عملیة استخراج بطاقات هویة وتأشیرات دخول مزورة تساعد المهاجرین على عبور الأراضى الکینیة بطرق غیر مشروعة براً وبحراً وجواً سعیاً وراء الوصول إلى محطة أخرى على طریق الهجرة إلى الجنوب الأفریقى.[xviii]

لیس هذا فحسب، فقد أثبت أحد التقاریر الصادرة عن مجموعة المراقبة التابعة لمجلس الأمن الدولى أن عناصر من الجیش الأریترى وکذا من الحکومة الأریتریة یلعبون دوراً بارزاً فى عملیة تهریب المهاجرین، حیث یشکل هؤلاء حلقة الوصل بین  شبکات تهریب المهاجرین فى شرق السودان وبین الاریتریین الراغبین فى الهجرة بالطرق غیر الشرعیة.[xix] وفى جنوب أفریقیا، أکدت المنظمة الدولیة للهجرة فى تقریرها الصادر عام 2009 أن الفساد یسهل وصول المهاجرین الاثیوبیین إلى جنوب أفریقیا، وذلک من خلال تقاضى العدید من السلطات داخل جنوب أفریقیا لرشاوى للقیام بتسهیل دخول المهاجرین المهربین إلى داخل جنوب أفریقیا، وذلک عبر مستندات وتذاکر وتأشیرات دخول مزورة، تساعد وصول المهاجرین بالطیران المباشر من أدیس أبابا إلى جوهانسبرج، حیث بلغت الرشاوى التى یتقاضاها الموظفین فى جنوب أفریقیا إلى ما یتراوح بین 400 إلى 600 دولار مقابل استخراج تأشیرة دخول إلى جنوب أفریقیا.[xx]

3-انتشار الفقر والبطالة

یعتبر انتشار الفقر والبطالة فى الإقلیم من أبرز العوامل الدافعة للمهاجرین للاستعانة بالمهربین لتأمین الهجرة غیر الشرعیة إلى مکان آخر بحثاً عن فرص أفضل.[xxi] ولقد احتلت دول شرق أفریقیا مراتب متدنیة فى تقریر التنمیة البشریة الصادر عن الأمم المتحدة عام 2018، فمن بین 189 دولة شملهم التقریر، احتلت جنوب السودان المرتبة الـ 187، حیث بلغ معدل البطالة فیها نحو 11.5%، فى حین بلغ عدد السکان الذین یقعون تحت خط الفقر نحو 42.7% من إجمالى عدد السکان. وجاءت اریتریا فى المرتبة الـ 179، ووقعت کل من اثیوبیا وجیبوتى والسودان فى المراکز الـ 173، 172، و167 على الترتیب. وبذلک فقد صنف تقریر التنمیة البشریة دول شرق أفریقیا ضمن الدول منخفضة التنمیة البشریة، باستثناء کینیا التى احتلت المرکز الـ 142 عالمیا لتقع بذلک ضمن الدول متوسطة التنمیة البشریة فى التقریر الصادر عام 2018.[xxii]

وفى هذا الإطار، تعتبر غالبیة دول شرق أفریقیا دولاً فقیرة، حیث یقدر متوسط دخل الفرد فیها بنحو 150 دولار فى دولة مثل الصومال لتحتل بذلک المرتبة رقم 189 ضمن 189 دولة شملهم تقریر البنک الدولى عام 2013، لتسجل بذلک أدنى المعدلات فى العالم. أما عن بقیة دول الإقلیم، فقد جاءت اریتریا فى المرکز الـ 160، حیث بلغ متوسط دخل الفرد فیها نحو 498 دولار، مقابل 544 دولار للفرد فى المتوسط فى اثیوبیا، و1668 للفرد فى جیبوتى، وذلک طبقاً لذات التقریر. [xxiii] ولعل ما ساعد على ذلک ما یواجهه الإقلیم من أزمة غذاء کبرى نتیجة الجفاف وفشل المحاصیل، فضلاً عن سوء إدارة الموارد من قبل النخبة الحاکمة فى جل دول الإقلیم بغیة استغلال موارد الدولة لأغراض الإثراء الذاتى غیر المشروع.[xxiv] ومن ناحیة أخرى، یلاحظ أن ثمة حالة من التدنى فى مستوى التعلیم والصحة لدى غالبیة دول المنطقة، ولعل هذا ما یمکن الاستدلال علیه من خلال تقاریر التنمیة البشریة لدول شرق أفریقیا خلال الفترة منذ التسعینیات وحتى الآن. کل هذه المؤشرات تدل على تراجع الأوضاع الاقتصادیة وانتشار الفقر فى جل دول شرق أفریقیا.[xxv]

واستناداً إلى ما تقدم، یمکن القول أن الفقر یعتبر أحد الأسباب الرئیسیة لانتشار جریمة تهریب المهاجرین فى الإقلیم. ولعل هذا ما یتضح فى حالة بعض الإثیوبیین والأریتریین من معدومى الموارد الذین یسلمون أنفسهم لمهربى المهاجرین هروباً من ظروف المعیشة القاسیة، الأمر الذى یجعلهم عرضة للعدید من الانتهاکات من قبل المهربین طوال الرحلة، وقد یصل الأمر إلى حد الوفاة نظراً لعدم توافر الحد الأدنى من مقومات العیش فى هذه المرحلة الشاقة. وجدیر بالذکر أن الفقر لیس قاسماً مشترکاً للمهاجرین بطرق غیر شرعیة، إذ کثیراً ما یلجأ بعض المیسورین مادیاً إلى هذا النوع من الهجرة رغبة فى تقدیم طلب لجوء فى أیة دولة یرغبون فى أن یستظلو بحمایتها. ورغم ذلک فإن الفقر یظل أحد أبرز دوافع تهریب المهاجرین فى شرق أفریقیا.

رابعاً: مسارات تهریب المهاجرین فى شرق أفریقیا

یعتبر إقلیم شرق أفریقیا من المناطق الطاردة للمهاجرین فى أفریقیا. وتنشط فى هذه المنطقة مجموعة من الشبکات التى تعیش على تهریب المهاجرین کنشاط رئیسى لها، بالإضافة إلى بعض الجرائم الأخرى التى ترتکبها خلال عملیة تهریب المهاجرین. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ثمة اختلافات بین دول شرق أفریقیا وبعضها البعض من حیث مدى تعرض کل منها لظاهرة تهریب المهاجرین، فهناک دول تعتبر مصدراً للمهاجرین المهربین سواء داخل أفریقیا أو خارجها، وهناک دول أخرى تعتبر محطات معبر للمهاجرین المهربین من شرق أفریقیا إلى الجنوب الأفریقى، وهناک دول أخرى تعد دول مضیفة للمهاجرین المهربین وطالبى اللجوء من دول الجوار الإقلیمى. ولعل هذا ما یستوجب تصنیف دول شرق أفریقیا إلى ثلاث مجموعات، الأولى تتضمن الدول المصدرة للمهاجرین، بینما تتضمن الثانیة دول المعبر أثناء رحلة تهریب المهاجرین، وتأتى المجموعة الثالثة لتتضمن دول مضیفة للمهاجرین وطالبى اللجوء.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذا التصنیف لیس جامعاً مانعاً، وإنما یستند إلى بعض الإحصاءات الواردة فى بعض التقاریر المتخصصة فى رصد وتتبع أنماط تهریب المهاجرین فى أفریقیا بشکل عام، وفى شرق أفریقیا بصفة خاصة. غیر أن هذا لا یمنع من أن تستضیف هذه الدولة أو تلك بعض المهاجرین المهربین فى الوقت الذى تصنف فیه ضمن دول المصدر بالنسبة لتهریب المهاجرین، هذا فضلاً عن أن هذه التصنیفات إنما ترتبط بالفترة محل الدراسة، الأمر الذى قد یتغیر مع تغیر الفترة الزمنیة أو مع ظهور مستجدات أو تطورات فى الأوضاع السیاسیة والأمنیة لأیة دولة من دول المنطقة.

1-الدول المصدرة للمهاجرین

     تعتبر أثیوبیا وأریتریا والصومال من الدول الطاردة للمهاجرین الذین یتم تهریبهم من إقلیم شرق أفریقیا. ولقد رصدت التقاریر الدولیة ذات الصلة بمتابعة الظاهرة فى الإقلیم أن دولة مثل أریتریا قائمة الدول المصدرة للمهاجرین المهربین من شرق أفریقیا. ولعل هذا ما أرجعه البعض إلى ظروف المعیشة فى اریتریا، حیث ینتشر الفقر وتتراجع الفرص أمام الشباب لتحسین مستوى معیشتهم. ونظراً لصعوبة ترک الأراضى الأریتریة بالطرق المشروعة فى ظل تعذر الحصول على تأشیرة خروج من أریتریا، فقد لجأ الأریتریون إلى مهربین لتأمین خروجهم من الأراضى الاریتریة. وعادة ما یتجه الأریتریون للهجرة إلى أوروبا، وذلک بغیة الوصول إلى دول مثل إیطالیا وسویسرا، التى تعتبر الوجهة المفضلة بالنسبة للأریتریین. وبالإضافة إلى سویسرا، فقد استقبلت کثیر من الدول الأوروبیة عدداً من الأریتریین المهربین من شرق القارة الأفریقیة، ولعل من أبرز هذه الدول کل من السوید والنرویج وفرنسا وألمانیا. ولقد أکدت الإحصاءات الصادرة عن المفوضیة العلیا للاجئین التابعة للأمم المتحدة أن هناک ما بین 1000 إلى 3000 اریترى هربوا شهریا ًإلى خارج الأراضى الاریتریة کمهاجرین مهربین خلال عام 2011.

 وقد وصل غالبیة هؤلاء إلى السواحل الأوروبیة عبر قوارب فى رحلات نظمتها شبکات تهریب المهاجرین فى شرق السودان، التى تسیطر علیها نحو ست عائلات من جماعة الرشایدة السودانیة التى باتت تحتکر سوق تهریب المهاجرین فى شرق أفریقیا.[xxvi] وإزاء توافد أعداد کبیرة من المهاجرین الأریتریین المهربین بطرق غیر مشروعة إلى السواحل الأوروبیة، وقعت إیطالیا اتفاقیات ثنائیة مع الحکومة اللیبیة لتشدید إجراءات ملاحقة المهاجرین المهربین بالطرق غیر الشرعیة إلى أوروبا. والمتأمل للإحصاءات ذات الصلة بالأریتریین المهاجرین لأوروبا خلال السنوات الأخیرة یلاحظ أن ثمة تراجع فى أعدادهم بشکل یسترعى الانتباه، ففى عام 2017، تراجع عدد المهاجرین المهربین إلى أوروبا بنسبة 64% من 39.162 عام 2015 إلى 20.718 عام 2016، ثم واصل عددهم انخفاضه لیصل إلى 7.052 عام 2017 ثم سجل أدنى معدلاته عام 2018 حیث أصبح 2.600 مهاجر فقط. ولعل ذلک مرده إلى جملة من الاعتبارات، من بینها ملاحقة هؤلاء الأریتریون من قبل السلطات السودانیة، وکذا استقرار الکثیر من الأریتریین فى إحدى دول الجوار فى القرن الأفریقى بدلاً من استکمال طریقهم إلى أوروبا فى رحلة محفوفة بالمخاطر، خاصة مع تحسن العلاقات بین أثیوبیا واریتریا فى عام 2018.[xxvii]

وکذلک فقد تمت ملاحقة المئات من الاریتریین المهاجرین بالطرق سالفة الذکر إلى أوروبا وتم ترحیلهم إلى دولتهم. ولعل هذه الإجراءات ما دفعت مهربى المهاجرین إلى الاتجاه شمالاً لتهریب المهاجرین إلى إسرائیل عبر سیناء، وهو ما زاد من أرباح مهربى المهاجرین فى أفریقیا، بل وساعد على تنامى سوق تهریب المهاجرین الذى انضم إلیه الکثیر من الوسطاء والمترجمین ورجال الأمن لتأمین رحلة المهاجرین المهربین إلى دول المقصد. ولقد أشارت بعض التقدیرات إلى أن تکلفة حصول المهاجر الاریترى على مکان فى شاحنة تهریب المهاجرین قد وصلت إلى 3000 دولار، وذلک للانتقال إلى مسافة قلیلة داخل الأراضى السودانیة، أما إذا رغب المهاجر فى الاعتماد على المهربین طوال الرحلة من اریتریا وحتى إسرائیل، فقد أثبتت التقاریر أن تکلفة الرحلة مرتفعة جداً بحیث قد تصل إلى 15000 دولار. [xxviii] ومن ناحیة أخرى، یفضل الکثیر من الأریتریین الهجرة إلى لیبیا عبر السلوم فى مصر حیث یصلوا من السودان إلى العوینات قبل انطلاقهم إلى منطقة الکفرة، التى تبعد نحو 950 کم عن بنى غازى فى لیبیا. وتعتبر رحلة الهجرة الشمالیة عبر سیناء من الخطورة بمکان، حیث یتعرض الکثیر من الأریتریین للوفاة خلال الرحلة، إما نتیجة نقص الماء والغذاء فى ظل طول مدة الرحلة، أو نتیجة السقوط من سیارات تهریب المهاجرین التى عادة ما تقل أعداداً غفیرة من المهاجرین وتسیر بسرعة فائقة على أرض غیر ممهدة، أو نتیجة التعرض للعنف والتعذیب من قبل مهربى المهاجرین خلال رحلة الهجرة.[xxix]

وبالإضافة إلى الحالة الأریتریة، تعتبر اثیوبیا من الدول المصدرة للمهاجرین المهربین من شرق أفریقیا، وإن اختلفت وجهتهم، ففى حین یفضل المهاجرون من الأمهرة والأورومو الاتجاه شرقاً إلى الیمن، یتجه آخرون جنوباً إلى جنوب أفریقیا، ومعظم هؤلاء المهاجرون من المزارعین الذین یعیشون فى المناطق الریفیة.[xxx] وجدیر بالذکر أن الغالبیة العظمى من المهاجرین الاثیوبیین ینتمون للمجموعة الأولى، أى أنهم یفضلون الاتجاه إلى الیمن بحثاً عن عمل، وذلک إما عبر سواحل أوبوک فى جیبوتى، أو عبر بوساسو فى بلاد بونت. وبالرغم من أن الرحلة عبر بلاد بونت تبدو أکثر مشقة –حیث تستغرق نحو 30 ساعة – مقارنة بالرحلة عبر جیبوتى التى تستغرق نحو 4 إلى 8 ساعات على أقصى تقدیر، إلا أن الاثیوبیین عادة ما یفضلو الهجرة عبر الصومال، وذلک نظراً لعدم ثقتهم فى السلطات الجیبوتیة التى تربطها علاقات قویة بالحکومة الاثیوبیة، وهو ما یثیر مخاوف المهاجرین من أن یتم احتجازهم أو إعادتهم قسراً وتسلیمهم للسلطات الاثیوبیة.

وخلال العقد الماضى، تصدر الاثیوبیون قائمة المهاجرین غیر الشرعیین إلى السواحل الیمنیة، حیث ارتفعت نسبة الاثیوبیین المهاجرین إلى الیمن من 34422 عام 2010، إلى 75000 عام 2011، ثم واصلت النسبة ارتفاعها لتسجل نحو 84000 مهاجر اثیوبى عام 2012، أو ما یعادل نحو 78% من إجمالى المهاجرین الذین وصلو إلى سواحل الیمن خلال تلک الفترة. ولقد أشارت بعض التقدیرات إلى أن هناک نحو 230000 اثیوبى قد وصلوا إلى الیمن خلال الست سنوات الماضیة، ومع ذلک فقد شککت السلطات الیمنیة فى دقة هذه الأعداد، حیث أکدت أن الأرقام الحقیقیة تفوق ذلک بکثیر نظراً لأن هناک الکثیر من المهاجرین الاثیوبیین یتجهون مباشرة إلى السعودیة ولا یستقرون على الأراضى الیمنیة. ولقد صرحت وزارة الخارجیة الاثیوبیة عام 2010 أن هناک نحو 130000 اثیوبى یعیشون فى السعودیة غالبیتهم من المهاجرین غیر الشرعیین.

ولعل هذا ما دفع السلطات السعودیة إلى تبنى إجراءات مشددة منذ مطلع عام 2011، وذلک لمنع المهاجرین من عبور حدود المملکة بالطرق غیر الشرعیة. فخلال الفترة منذ نوفمبر عام 2013 حتى فبرایر عام 2014، قامت السلطات السعودیة بطرد نحو 160000 اثیوبى من الأراضى السعودیة تم ترحیلهم بالطائرات إلى العاصمة الاثیوبیة أدیس ابابا حیث تبین دخولهم للأراضى السعودیة دون وثائق أو تأشیرة رسمیة.[xxxi] وفى مارس عام 2017، اتخذت السلطات السعودیة قراراً بمنح فترة عفو قدرها ستة أشهر قبل ملاحقة العمال المهاجرین المهربین من أثیوبیا إلى السعودیة وإلقاء القبض علیهم وترحیلهم. وبنهایة فترة العفو، أى فى نوفمبر من ذات العام، قامت السلطات السعودیة بترحیل نحو 2800 مهاجر اثیوبى أسبوعیا إلى دولتهم لدخولهم الأراضى السعودیة بالطرق غیر الشرعیة، وذلک طبقا لتقدیرات المنظمة الدولیة للهجرة.[xxxii]

وبالإضافة إلى المهاجرین إلى الیمن، فقد رصد أحد التقاریر الصادرة عام 2018، والمعنیة بتتبع ظاهرة تهریب المهاجرین، أن عدد المهاجرین المهربین الذین وصلوا إلى جنوب أفریقیا یقدر بما یتراوح بین 13.400 و14.050 مهاجر سنویا، غالبیتهم من اثیوبیا (80%) والصومال (20%).[xxxiii] وبالمثل فقد أکدت السفارة الاثیوبیة فى جنوب أفریقیا فى تقریرها المقدم إلى منظمة العمل الدولیة عام 2011 أن عدد الاثیوبیین المقیمین فى جنوب افریقیا یتتراوح بین 45000 و50000 اثیوبى، وأن 95% من هؤلاء قد وصلوا إلى جنوب افریقیا بالطرق غیر الشرعیة. وبالرغم من ذلک، فلم تعد الهجرة جنوباً جاذبة للاثیوبیین مقارنة بالهجرة الساحلیة إلى الیمن أو المملکة العربیة السعودیة. ولعل ذلک مرده إلى طول رحلة الهجرة إلى الجنوب، والتى تستغرق بضعة أشهر، کما تتطلب المرور بأراضى دول کثیرة من بینها کینیا وتنزانیا وملاوى وزیمبابوى وزامبیا وموزمبیق، وصولاً إلى جنوب أفریقیا. لیس هذا فحسب، بل إن السلطات فى جنوب أفریقیا قد ضاقت ذرعاً بالمهاجرین المهربین إلیها، الأمر الذى دفعها إلى التشدد فى قبولهم على أراضیها.[xxxiv]

ومن ناحیة أخرى، فقد لجأ بعض الاثیوبیین إلى الهجرة عبر الطریق الغربى إلى لیبیا، وذلک باعتبارها بوابة الوصول إلى السواحل الإیطالیة ومن ثم إلى أوروبا. ویعتبر هذا الطریق من أخطر الطرق للمهاجرین، لا سیما فى ظل اضطرارهم للمرور عبر الصحراء اللیبیة فى شاحنات مکدسة بالمهاجرین، وفى ظل محدودیة المیاه وعدم کفایة الغذاء، الأمر الذى عادة ما یعرض الکثیر من هؤلاء المهاجرین للوفاة.[xxxv]

ولم تکن الصومال بمنأى عن ظاهرة تهریب المهاجرین فى الإقلیم، إذ تعتبر الصومال مصدراً لتهریب المهاجرین للخارج. ولعل ذلک مرده للظروف السیاسیة والأمنیة التى تشهدها الدولة، حیث تأتى الصومال فى المرتبة الأخیرة على مستوى دول العالم أجمع فى مؤشر الفقر، وذلک وفقاً لتقدیرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائى. وبالإضافة إلى الفقر، یهاجر الکثیر من الصومالیین هرباً من العنف المنتشر فى عموم أقالیم الدولة الصومالیة، وبخاصة فى وسط وجنوب الصومال. وفى هذا الإطار، فقد رصدت التقاریر الدولیة أن هناک أکثر من ملیون صومالى یعیشون فى مخیمات اللاجئین فى شرق أفریقیا وبخاصة فى کینیا واثیوبیا وجیبوتى والیمن، وهو ما یعنى الکثیر فى الوقت الذى یبلغ فیه تعداد الصومال نحو 9 ملیون نسمة.

ووفقاً لتقریر المفوضیة العلیا لشئون اللاجئین الصادر عام 2011، ارتفع عدد المهاجرین المهربین من الصومال خلال ذلک العام بشکل یسترعى الانتباه. وذلک بفعل موجة الجفاف التى منیت بها منطقة شرق أفریقیا خلال هذه الفترة، فضلاً عن قیام القوة العسکریة الأفریقیة المختلطة AMISOM بتوجیه ضربات عنیفة لطرد شباب المجاهدین من الصومال. وبصفة عامة هناک ثلاثة مسارات رئیسیة للمهاجرین المهربین من الصومال، إما الهجرة جنوباً عبر کینیا وصولاً إلى جنوب أفریقیا، أو شرقاً إلى الیمن. ولقد جذب المسار الأول نحو 150000 صومالى عام 2011. وجدیر بالذکر أن الحدود الصومالیة الکینیة قد تم إغلاقها رسمیاً فى الأول من ینایر عام 2007، ورغم ذلک فقد استمر توافد المهاجرین المهربین من الصومال إلى کینیا، وذلک بمساعدة مهربى المهاجرین الذین تمکنوا من تحقیق أرباح خیالیة من تهریب المهاجرین فى هذه الظروف، حیث وصل إلى کینیا نحو 140000 صومالى خلال الفترة من ینایر 2007 حتى ابریل 2010. ومنذ ذلک الحین، سجلت البیانات الرسمیة وصول نحو 168000 لاجئ صومالى إلى کینیا بمساعدة مهربى المهاجرین خلال الفترة منذ 2010 وحتى عام 2012. [xxxvi]

وإلى جانب الطریق الجنوبى، یهاجر بعض الصومالیون شرقاً عبر خلیج عدن إلى الیمن، حیث زاد عدد الصومالیین المهربین إلى الیمن لیصل إلى 27000 صومالى عام 2011، مقارنة بنحو 18000 عام 2010، معظمهم جاء من جنوب ووسط الصومال عن طریق مهربى المهاجرین. وفى عام 2016، وصل إلى الیمن نحو 19.908 مهاجر صومالى مهرب بالطرق غیر الشرعیة.[xxxvii] ومن ناحیة أخرى فقد لجأت نسبة ضئیلة من الصومالیین إلى المسار الشمالى عن طریق لیبیا أملاً فى الوصول إلى السواحل الأوروبیة. ولقد ارتفع عدد الصومالیین المهربین إلى إیطالیا من 4113 مهاجر عام 2014 إلى 10050 مهاجر عام 2015، هذا بالرغم من تشدید إجراءات ملاحقة المهاجرین غیر الشرعیین من قبل السلطات الإیطالیة.[xxxviii]

2- دول المعبر للمهاجرین المهربین

تعتبر جیبوتى وکینیا من الدول المصنفة باعتبارها دول معبر بالنسبة للمهاجرین المهربین عبر شرق أفریقیا. فخلال النصف الأول من عام 2018، تم رصد نحو 129.009 مهاجر مهرب عبر جیبوتى، اتجه غالبیتهم شرقاً إلى المملکة العربیة السعودیة.[xxxix] وجدیر بالذکر أن غالبیة المهربین عبر جیبوتى من القادمین من اثیوبیا أو الصومال. ففى أواخر عام 2011، قدر عدد المهاجرین الصومالیین المهربین عبر جیبوتى بنحو ألف مهاجر شهریاً. وفى عام 2012، بلغ إجمالى عدد المهاجرین المهربین إلى الیمن عبر جیبوتى نحو 80000 مهاجر، أو ما یعادل 75% من إجمالى المهاجرین غیر الشرعیین من شرق أفریقیا للیمن عبر سواحل أوبوک والذین قدر عددهم بنحو 107500.[xl] والمتتبع للإحصاءات المنشورة فى التقاریر الدولیة المعنیة برصد تهریب المهاجرین فى المنطقة یلاحظ أن معدلات الهجرة فى تزاید، ففى شهر أکتوبر من عام 2012 على سبیل المثال، وصل إلى السواحل الیمنیة نحو 102 قارب یحمل کل منهم نحو 68 مهاجر مهرب عبر سواحل جیبوتى، لیبلغ بذلک إجمالى عدد القوارب التى شحنها المهربون من جیبوتى إلى الیمن نحو 1213 قارب خلال عام واحد فقط.[xli] وحتى عام 2013، کانت جیبوتى بمثابة دولة المعبر الرئیسیةفى شرق أفریقیا، غیر أن هذا الأمر قد تغیرمنذ عام 2014، وذلک نظراً للاستخدام المکثف لبحر العربلتهریب المهاجرین من بوساسو إلى الیمن، والذى سرعان ما أصبح أحد المعابر الرئیسیة لتهریب المهاجرین من شرق أفریقیا.[xlii]

أما بالنسبة لکینیا، فتعتبر نموذجاً للدول التى یمر بها المهاجرین المهربین من اثیوبیا والصومال إلى جنوب أفریقیا، وذلک عبر میناء ممبسا الذى یشکل مرکزاً لتهریب المهاجرین من شرق أفریقیا، حیث یتم نقلهم فى قوارب، یقل کل منها مجموعة من 100 فرد یتم نقلهم بشکل ممنهج من قبل مهربى المهاجرین إلى مدینة متوارا على الساحل التنزانى، ثم یقطعون مسافة کبرى فى الصحراء لحین الوصول إلى موزمبیق. وفى عام 2009، رصدت إحدى الدراسات التى أجرتها المنظمة الدولیة للهجرة أن متوسط تکلفة الحصول على ختم کینى لدخول الأراضى الکینیة أو السفر من خلالها قدرت بنحو 300 دولار أمریکى لجواز السفر الواحد، ولذا فقد قدرت الدراسة حجم المکاسب التى یحصل علیها مهربو المهاجرین من تهریب الاثیوبیین والصومالیین إلى جنوب أفریقیا عبر الأراضى الکینیة بنحو 40 ملیون دولار أمریکى سنویاً. وبالرغم من توقیع الحکومة الکینیة على بروتوکول مکافحة تهریب المهاجرین براً وبحراً وجواً، إلا أن الواقع یشیر إلى ضعف جهود ملاحقة مهربى المهاجرین فى کینیا، خاصة فى ظل ضعف إجراءات تأمین الحدود مع دول الجوار، الأمر الذى جعل من حدود کینیا مع کل من اثیوبیا والصومال وجنوب السودان بمثابة مداخل ومخارج رئیسیة لتهریب المهاجرین فى شرق أفریقیا.[xliii]

وبالإضافة إلى ما تقدم، تعتبر العاصمة الصومالیة مقدیشیو معبراً للمهاجرین المتجهین إلى الشمال حیث بلاد بونت وجمهوریة أرض الصومال وجیبوتى، وصولاً إلى سواحل الیمن، حیث یتم شحنهم فى قوارب عبر البحر إلى السواحل الیمنیة. وعادة ما یقوم مهربو المهاجرین بتنظیم رحلة الهجرة عبر مقدیشیو، غیر إن الکثیر من الغیر قادرین على دفع أتعاب مهربى المهاجرون، أو دفع رشاوى لموظفى نقاط التفتیش الحدودیة، عادة ما یقطعوا الأمیال سیراً على الأقدام متجهین إلى الشمال فى بوساسو.[xliv]

3- الدول المضیفة للمهاجرین المهربین من شرق أفریقیا

إن المتأمل للمسارات سالفة الذکر للمهاجرین المهربین من شرق أفریقیا یدرک أن غالبیة المهربین من شرق أفریقیا یهاجرون إلى خارج الإقلیم، سواء إلى الیمن والمملکة العربیة السعودیة عبر خلیج عدن، أو إلى دولة أو أخرى من دول الجنوب وبخاصة جنوب أفریقیا. فقد قدر عدد المهاجرین المهربین من شرق أفریقیا إلى الیمن بنحو 82,000 مهاجر عام 2014، مقارنة بنحو 65,000 مهاجر عام 2013.[xlv] وفى عام 2016، وصل إلى سواحل الیمن نحو 117.107 مهاجر تم تهریبهم من شرق أفریقیا، منهم 83% من اثیوبیا و17% من الصومال، وهو أکبر عدد تم رصده خلال عام واحد منذ عام 2006، وهو ما یؤکد أن ثمة تزاید ملحوظ فى أعداد المهاجرین المهربین من دول شرق أفریقیا إلى الیمن.[xlvi]

وبالمثل فقد أکدت التقاریر الدولیة أنه تم رصد نحو 55.000 مهاجر تم تهریبهم من القرن الأفریقى خلال الفترة منذ ینایر حتى مطلع أغسطس 2017.[xlvii] وبالرغم من أن بعض التقاریر قد رصدت ثمة تراجع فى إجمالى أعداد المهاجرین المهربین من شرق أفریقیا إلى الیمن خلال عام 2017، حیث قدرت السلطات الیمنیة عددهم بنحو 99.016 مهاجر مقارنة بما یزید عن 117 ألف عام 2016، إلا أن هذا تم إرجاعه إلى ضعف أنظمة مراقبة الهجرة فى الیمن فى ظل الاضطرابات الداخلیة التى تشهدها الدولة. وجدیر بالذکر أنه تم رصد بعض حالات الهجرة العکسیة من الیمن إلى القرن الأفریقى، وذلک نظراً للأوضاع السیاسیة والأمنیة غیر المستقرة التى تواجهها الیمن، غیر أن هذا لم یسفر عن توقف تدفق عملیات تهریب المهاجرین من شرق أفریقیا إلى الیمن خلال السنوات الماضیة.[xlviii] ومن جهتها فقد أکدت المنظمة الدولیة للهجرة أن نحو 50.339 قد تم تهریبهم من شرق أفریقیا إلى الأراضى الیمنیة خلال النصف الأول من عام 2018.[xlix]

وبالإضافة إلى ما تقدم، تعتبر السودان من الدول المضیفة للمهاجرین المهربین من غرب أفریقیا وکذا من دول شرق أفریقیا، ففى نهایة عام 2015، قدر عدد المهاجرین المهربین إلى السودان بنحو 460000 فرد، غالبیتهم من الاریتریین. وفى یونیو عام 2017، بلغ إجمالى المهاجرین المهربین إلى السودان نحو 736.000 مهاجر.[l] وبالإضافة إلى ذلک، تعتبر السودان دولة معبر بالنسبة للمهاجرین المتجهین إلى لیبیا، بمساعدة شبکات تهریب المهاجرین النشطة فى هذه المنطقة على نحو ما سبقت الإشارة.[li]

خامساً: مبادرات مکافحة تهریب المهاجرین فى شرق أفریقیا

لقد أدى انتشار ظاهرة تهریب المهاجرین فى شرق أفریقیا، وما ترتب علیه ذلک من تداعیات سلبیة باتت تهدد أمن المنطقة واستقرارها إلى تصاعد الأصوات الإقلیمیة والدولیة المنادیة بضرورة مواجهة هذه الظاهرة والحد من آثارها. ولقد تعددت مستویات التصدى لمثل هذه الظاهرة بدءاً بالمستوى الدولى عبر الأمم المتحدة والأجهزة التابعة لها، وکذا من خلال الاتحاد الأوروبى والمبادرات التى تبناها للحد من الآثار السلبیة الناجمة عن تهریب المهاجرین على دوله، مروراً بالمستوى الإقلیمى والإقلیمى الفرعى المتمثل فى دور کل من الاتحاد الأفریقى ومنظمة الإیجاد فى مکافحة هذه الظاهرة، وصولاً للمستوى المحلى، والذى اتخذت فى إطاره بعض دول المنطقة بعض الخطوات الجادة الرامیة إلى مکافحة ظاهرة تهریب المهاجرین فى هذه الدولة أو تلک. وفیما یلى بیان ببعض المبادرات والإجراءات المتخذة فى إطار کل من المستویات سالفة الذکر، بغیة الحد من انتشار ظاهرة تهریب المهاجرین فى شرق أفریقیا.

1-الاستراتیجیة الإقلیمیة لمکافحة تهریب المهاجرین فى المنطقة

لقد عملت المفوضیة العلیا لشئون اللاجئین التابعة للأمم المتحدة على تشکیل مجموعة عمل لدراسة هذه الظاهرة، وذلک فى عام 2011، ولقد ضمت هذه المجموعة أعضاء المفوضیة وبعض الموظفین التابعین لمکاتب المفوضیة فى مختلف دول شرق أفریقیا، وعهد إلیها بمهمة دراسة وتحلیل الظاهرة ورصد کافة النشاطات ذات الصلة بتهریب المهاجرین أو الإتجار بهم فى شرق أفریقیا. وبعد إجراء دراسة مفصلة وجمع المعلومات اللازمة بخصوص الظاهرة سالفة الذکر، توصلت مجموعة العمل إلى ما عرف بـ “الاستراتیجیة الإقلیمیة لمکافحة تهریب المهاجرین والإتجار بهم فى شرق أفریقیا والقرن الأفریقى”، والتى تم تبنیها عام 2012، وذلک بهدف تحدید أولویات التدخل الأممى لمواجهة هذه الظاهرة، على نحو ما یضمن حمایة کافة الضحایا وکذا المعرضین لظاهرة تهریب المهاجرین فى المنطقة. ونظراً لخطورة هذه الظاهرة واتساع نطاقها، فقد أکدت الاستراتیجیة أن مکافحة ظاهرة مثل تهریب المهاجرین لن یتأتى إلا من خلال دعم التعاون والتنسیق بین کافة الشرکاء المعنیین بمکافحة الظاهرة، سواء کانو دولاً أو منظمات غیر حکومیة، سواء على مستوى کل دولة على حدة أو على مستوى الإقلیم ککل. ولقد حددت الاستراتیجیة جملة من الأهداف الرامیة إلى توفیر الحمایة لضحایا تهریب المهاجرین، وتتمثل هذه الأهداف فیما یلى:[lii]

  • إیجاد حلول للاجئین ووضع بدائل لاستخدام مهربى المهاجرین خلال رحلة التهریب
  • دعم التعاون بین الدول وبعضها البعض والمساعدة فى تعزیز قدرات الحکومات على توفیر الحمایة
  • دعم الشراکة التى تستهدف مواجهة مشکلة تهریب المهاجرین، وتقدیم حلول فعالة للمشکلات التى تواجه المتأثرین بها
  • نشر الوعى بالظاهرة ودعم التواصل بشأن الآثار المترتبة علیها

 وتحقیقاً للأهداف سالفة الذکر، فقد قامت مجموعة العمل التى اقترحت هذه الاستراتیجیة بوضع “خطة العمل الإقلیمیة لمواجهة تهریب المهاجرین والإتجار بهم فى شرق أفریقیا والقرن الأفریقى”، والتى تم تبنیها عام 2012 لمساعدة کافة الشرکاء المعنیین بتحقیق الأهداف الرئیسیة لاستراتیجیة الأمم المتحدة لمکافحة تهریب المهاجرین فى المنطقة ووضعها موضع التنفیذ الفعلى. ولقد تضمنت الخطة مجموعة من المحاور التى تعد بمثابة آلیات فرعیة فى إطار کل من الأهداف الخاصة بالاستراتیجیة سالفة الذکر، ومن المتصور أن تساعد کل مجموعة من هذه الآلیات المقترحة فى تحقیق الأهداف المنشودة. ففى إطار الهدف الأول، والمتعلق بإیجاد حلول ووضع بدائل للتصدى للظاهرة، تم اقتراح عدة آلیات من بینها إعادة توطین المهاجرین المهربین فى دولة ثالثة، وتسهیل العودة الطوعیة لدولة المنشأ وإیجاد حلول للمهاجرین تضمن حمایتهم ضد أیة اعتداءات. وفى إطار الهدف الثانى، والمتمثل فى دعم التعاون بین دول الإقلیم وبعضها البعض للتصدى للظاهرة، تم اقتراح مجموعة آلیات لعل من أبرزها دعم الأطر التشریعیة والمؤسسیة من خلال تطویر أنظمة إدارة الحدود، وکذا من خلال تطویر استراتیجیة وطنیة تعمل على مکافحة تهریب المهاجرین وإدارة ملفات الهجرة فى کل دولة من دول الإقلیم. وفى إطار الهدف الثالث الخاص بدعم الشراکة بین کل الشرکاء المعنیین بمکافحة تهریب المهاجرین، اقترحت خطة العمل إجراء مشاورات تستهدف بناء شراکة بین هؤلاء المهاجرون المهربون من شرق أفریقیا والأمم المتحدة وغیرها من الهیئات الإقلیمیة والدولیة المعنیة بمتابعة ملف تهریب المهاجرین، الحکومات والهیئات المانحة للدعم، المجتمع المدنى وکافة المنظمات التى باستطاعتها تنفیذ خطة العمل على النحو الذى یضمن تحقیق الأهداف المنشودة. وأخیراً فى إطار الهدف الرابع للاستراتیجیة الأممیة سالفة الذکر، والمتمثل فى نشر الوعى حول مخاطر الظاهرة وسبل الوقایة منها، أکدت خطة العمل أن ثمة حاجة ماسة إلى تکثیف جهود الشرکاء للقیام بحملات توعیة بمخاطر الهجرة غیر الشرعیة فى المنطقة، وذلک من خلال بعض الآلیات التى من أبرزها تشجیع الحکومات على اتخاذ إجراءات رادعة ضد المجرمین المتهمین بتهریب المهاجرین فى الإقلیم، فضلاً عن تبنى حملات إعلامیة واسعة النطاق للتوعیة بمخاطر الظاهرة على کافة المستویات.[liii]

2- عملیة الخرطوم

یعتبر إعلان الخرطوم الصادر فى 16 أکتوبر عام 2014 بمثابة تدشین لمبادرة الاتحاد الأفریقى حول تهریب المهاجرین والإتجار بالبشر فى شرق أفریقیا. ولقد أعربت الدول الأعضاء فى الاتحاد الأفریقى عبر هذا الإعلان عن التزامها الکامل بکافة المواثیق الدولیة ذات الصلة بتهریب المهاجرین والإتجار بالأشخاص، کما حث الإعلان کافة الدول الأفریقیة على التصدیق على هذه المواثیق الدولیة سالفة الذکر. ومن ناحیة أخرى، فقد أکد الإعلان على ضرورة التصدى لمسببات تهریب المهاجرین لا سیما العوامل الاقتصادیة الاجتماعیة. وفى نهایة الإعلان، فقد نص على تعهد الدول الأفریقیة بتقویة الأطر التشریعیة الداخلیة ذات الصلة بمکافحة تهریب المهاجرین، على نحو ما یضمن حمایة الضحایا وتأمینهم، کما تضمن تعهدات من الدول الأفریقیة بالتعاون مع کافة الأطراف الدولیة التى بإمکانها المساعدة فى بناء قدرات الدول الأفریقیة على صعید مکافحة تهریب المهاجرین.[liv]

وتأکیداً على حرص الاتحاد الأفریقى على التعاون لبناء قدرات الدول الأفریقیة على صعید مکافحة تهریب المهاجرین، فقد اجتمع وزراء الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى مع نظرائهم فى کل من اریتریا واثیوبیا والصومال والسودان وجنوب السودان وجیبوتى وکینیا ومصر وتونس، وفى حضور مفوضى کل من الاتحاد الأوروبى والاتحاد الأفریقى، وذلک فى العاصمة الإیطالیة روما فى 28 نوفمبر عام 2014. ولقد أعلن ممثلى الدول والمنظمات سالفة الذکر عن تبنیهم لـ “مبادرة طریق الهجرة بین الاتحاد الأوروبى وشرق أفریقیا”، والمعروفة باسم “عملیة الخرطوم” Khartoum Process، والتى تستهدف وضع حد لانتشار جرائم تهریب المهاجرین والإتجار بالأشخاص بین دول شرق أفریقیا وأوروبا”. وفى هذا الإطار، تعد عملیة الخرطوم بمثابة منتدى سیاسى یسهل اتخاذ العدید من الخطوات العملیة التى تستهدف محاصرة ظاهرة تهریب المهاجرین ووضع حد لانتشارها. [lv]

وبموجب عملیة الخرطوم، فقد تم تحدید عدة مجالات للتعاون بین الاتحاد الأوروبى والدول الأفریقیة التسع المشارکة فى العملیة. ولقد جاءت هذه المجالات على النحو التالى: تطویر التعاون الثنائی والإقلیمی لمعالجة الهجرة غیر الشرعیة وملاحقة شبکات الجریمة- بناء القدرات لإدارة الهجرة- مساعدة السلطات الوطنیة فی منع الهجرة غیر الشرعیة، بما فی ذلک من خلال التوعیة- وضع استراتیجیات وطنیة لتعزیز التنسیق الداخلی لمعالجة الاتجار بالبشر وتهریب المهاجرین، بما فی ذلک ضمان الحمایة- المساعدة فی تعقب ومحاکمة الشبکات الإجرامیة عن طریق تعزیز النظم الوطنیة لإنفاذ القانون والعدالة الجنائیة – تعزیز (أو إنشاء) أطر قانونیة وتعزیز التصدیق على بروتوکولات مکافحة تهریب المهاجرین والاتجار بالبشر المکملین لاتفاقیة الأمم المتحدة لمکافحة الجریمة المنظمة عبر الوطنیة وتنفیذها- تبنى نهج یرکز على الضحایا، من خلال دعم ضحایا الاتجار وحمایة حقوق الإنسان للمهاجرین المهربین- تعزیز التنمیة المستدامة لمعالجة الأسباب الجذریة للهجرة غیر النظامیة- وضع إطار إقلیمی للعودة، بما فی ذلک العودة الطوعیة وإعادة الدمج.[lvi]

وبتأمل المحاور سالفة الذکر والترتیب الذى جاءت علیه فى عملیة الخرطوم، یمکن القول أن هذا الترتیب إنما یعکس أولویات القائمین على المبادرة، وبخاصة من الجانب الأوروبى باعتباره الجهة المانحة للدعم والتمویل اللازم لتنفیذ المحاور سالفة الذکر. وبالرغم من أن المبادرة عرضت لأمور لم تتناولها الاستراتیجیة الإقلیمیة للأمم المتحدة السابق عرضها، إذ أنها لم تتجاهل العوامل المسببة للهجرة غیر النظامیة –سواء الإتجار بالبشر أو تهریب المهاجرین- وهو ما تجلى من خلال الترکیز على أهمیة التنمیة المستدامة باعتبارها إحدى محاور المبادرة، إلا أنها تراجعت فى الترتیب لصالح تدابیر أخرى ذات صلة بالتدریب والتنسیق وبناء القدرات، الأمر الذى یعنى أنها رکزت على تدابیر منع الهجرة غیر الشرعیة بما یحقق مصالح الاتحاد الأوروبى والدول الأعضاء فیه فى المقام الأول. ولعل هذا ما یشیر بوضوح إلى إعادة توجیه استجابات الهجرة فی الاتحاد الأوروبی لصالح الأمن وبعیداً عن التنمیة.

ولقد خصص الاتحاد الأوروبى لعملیة الخرطوم میزانیة قدرها40 ملیون یورو، لتعد بذلک أکبر عملیة یقوم بها الاتحاد من خلال الصندوق الائتمانى للطوارئ التابع للاتحاد الأوروبی لأفریقیا. وعلى الرغم من وصف المبادرة بأنها إقلیمیة فی نطاقها، إلا أنها ترکز على أربعة بلدان فقط هى: إریتریا والصومال والسودان وجنوب السودان. وکذلک فقد تم اختیار أربعة مجالات فقط من أولویات العملیة السابق الإشارة إلیها لکى تحظى بالتمویل المخصص للعملیة برمتها. وکما هو مبین من محتویات الجدول التالى، یذهب معظم التمویل المتاح نحو بناء القدرات، وتشیر مفوضیة الاتحاد الأوروبی إلى أن هذا کله یجب إنفاقه على مؤسسات الدولة التی تتعامل مع إنفاذ القانون وقطاع العدالة والأمن الحدودی.

بالإضافة إلى ذلک، فإن مبلغ 5 ملایین یورو الموجه نحو تنسیق السیاسات یمول بالفعل الجهود المبذولة لتعزیز التصدیق على بروتوکولات اتفاقیة الأمم المتحدة لمکافحة الجریمة المنظمة عبر الوطنیة وتنفیذها، مما یسهم فی نفس الهدف الأساسی المتمثل فی اتباع نهج مضمون فی “تحدی” الهجرة غیر النظامیة فی المنطقة. ولعل هذا ما اعتبره البعض بمثابة تحولاً عن النهج الذى تبناه کل من الاتحاد الأفریقى والاتحاد الأوروبى من قبل بموجب مبادرة الاتحاد الأفریقى فى القرن الأفریقى، والذی کانت رسالته الرئیسیة الأولى هی “وضع حمایة حقوق الإنسان لجمیع المهاجرین، بغض النظر عن وضعهم القانونی وطریقة سفرهم وبلدهم الأصلی على قائمة الأولویات.” واکتفى الاتحاد الأوروبى بتخصیص 7 ملیون یورو لأغراض الحمایة، وإن ظلت الأولویة لبناء القدرات على ملاحقة المهاجرین وتنفیذ القوانین.[lvii]

جدول رقم (1): التمویل المخصص لعملیة الخرطوم من جانب الاتحاد الأوروبى ومجالاته

مجالات التمویل

حجم التمویل بالملیون یورو

تنسیق السیاسات

5

بناء القدرات

25

الحمایة

7

نشر الوعى

3

الإجمالى

40

Source: The European Commission: The European Union Emergency Trust Fund For Stability And Addressing The Root Causes Of Irregular Migration And Displaced Persons In Africa, p. 11

https://ec.europa.eu/europeaid/sites/devco/files/t05-eutf-hoa-reg-09-better-migration-management_en.pdf

3- التعاون الثنائى لمکافحة تهریب المهاجرین

لم تتوقف الجهود ذات الصلة بمکافحة الظاهرة عند هذا الحد، وإنما تجاوزت ذلک لتصل إلى شکل من أشکال التعاون الاثیوبى- السودانى المشترک لمکافحة تهریب المهاجرین. ولعل من أبرز مظاهر ذلک العملیات المشترکة بین قوات الشرطة فى کل من اثیوبیا والسودان لملاحقة عدد من الاثیوبیین المشتبه فى قیامهم بتهریب المهاجرین عبر القرى والمزارع وإلقاء القبض علیهم، وذلک خلال عام 2015. کل هذا وغیره یعکس قدراً من التعاون والتنسیق من أجل مکافحة ظاهرة تهریب المهاجرین والحد من آثارها السلبیة على دول المنطقة. [lviii]

وبالرغم من الجهود سالفة الذکر لکل من اثیوبیا والسودان على صعید مکافحة تهریب المهاجرین، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن بقیة دول الإقلیم ما زالت بمنأى عن تبنى أیة استراتیجیة تذکر لمکافحة مثل هذه الظاهرة التى باتت تهدد أمن واستقرار دول المنطقة شعوباً وحکومات. ولعل هذا ما یستوجب تبنى الإیجاد لاستراتیجیة واضحة تکون ملزمة لکل دول المنطقة على نحو ما یضمن الحد من انتشارها وملاحقة القائمین علیها.

سادساً: تقییم جهود مکافحة تهریب المهاجرین فى شرق أفریقیا

لقد أشارت المبادرات ذات الصلة بمکافحة تهریب المهاجرین فى شرق أفریقیا إلى أن ثمة اهتمام واسع النطاق بهذه الظاهرة التى امتدت تداعیاتها وآثارها السلبیة لیس فقط إلى الأقالیم المجاورة وإنما أیضاً إلى الدول الأوروبیة وکذا إلى السعودیة والیمن التى تستقبل سواحلها آلاف المهاجرین س بالطرق غیر الشرعیة المهربین من دول شرق أفریقیا سنویاً. ولعل هذا ما أدى إلى تحقیق بعض الإنجاز فى سبل مکافحة الظاهرة، سواء على صعید الدراسات المعنیة بهذه المسألة، أو على صعید الإجراءات العملیة التى تم تبنیها بغیة مکافحة تهریب المهاجرین فى المنطقة على نحو ما سبقت الإشارة. ورغم ذلک، إلا أن ثمة تحدیات ما زالت تعرقل جهود مکافحة الظاهرة وتجعل من إمکانیة محاصرتها بموجب الآلیات المتاحة أمراً من الصعوبة بمکان. وفیما یلى عرض لأبرز الإنجازات والتحدیات ذات الصلة بوضع حد لانتشار عملیات تهریب المهاجرین فى شرق أفریقیا.

1- إنجازات جهود مکافحة تهریب المهاجرین فى شرق أفریقیا

لقد أسفرت المبادرات الإقلیمیة والدولیة سالفة الذکر عن تحقیق بعض الإنجازات على صعید مکافحة تهریب المهاجرین فى شرق أفریقیا. وفیما یلى بیان بأهم الإنجازات التى یمکن رصدها فى هذا المقام:

  1. تبنى عملیات عسکریة لمکافحة تهریب المهاجرین

تعتبر الشراکة بین الأمم المتحدة ودول شرق أفریقیا والدول المانحة للدعم وفى مقدمتها الاتحاد الأوروبى إحدى الأهداف الرئیسیة التى تضمنتها استراتیجیة الأمم المتحدة لمکافحة تهریب المهاجرین وخطة العمل الإقلیمیة الخاصة بها، کما تشکل محوراً رئیسیاً لعملیة الخرطوم التى عبرت بالفعل عن شراکة بین 28 دولة من دول الاتحاد الأوروبى ودول شمال وشرق أفریقیا على النحو السابق الإشارة إلیه. ولعل هذا ما دفع الاتحاد الأوروبى إلى اتخاذ خطوة جادة من خلال تشکیل قوة عسکریة لمکافحة تهریب المهاجرین عبر شرق أفریقیا، ففى 18 مایو عام 2015، صدق المجلس الأوروبى على إرسال عملیة عسکریة لملاحقة شبکات تهریب المهاجرین فى البحر المتوسط، کما أرسل عملیة عسکریة أخرى لنفس الهدف فى 22 یونیو 2015. وبالرغم من أن زیادة عدد القوات البحریة الأوروبیة المکلفة بملاحقة مهربى المهاجرین عبر المتوسط تعتبر خطوة جادة من قبل الاتحاد على صعید مکافحة الظاهرة، إلا أن فاعلیة هذه القوات مسألة محل شک، خاصة وأن مهربى المهاجرین عادة ما یغادرون قوارب تهریب المهاجرین حتى قبل مغادرتها للسواحل اللیبیة، الأمر الذى یجعل من ملاحقتهم بموجب هذه الإجراءات أمراً من الصعوبة بمکان.[lix] ولعل خیر دلیل على ذلک أن عام 2015 قد شهد طفرة فى أعداد المهاجرین المهربین من شرق أفریقیا إلى أوروبا مقارنة بالأعوام السابقة، حیث بلغ عددهم نحو 60.000 مهاجر، وذلک طبقاً لتقدیرات الأمم المتحدة.[lx]

  1. تعزیز الأطر التشریعیة والمؤسسیة الوطنیة ذات الصلة بمکافحة تهریب المهاجرین فى المنطقة

لقد استهدفت الاستراتیجیة الإقلیمیة لمکافحة تهریب المهاجرین فى شرق أفریقیا فى محورها الثانى تعزیز قدرات الحکومات فى المنطقة للتصدى للظاهرة، وبخاصة من خلال دعم الأطر التشریعیة والمؤسسیة لهذه الدول فیما یتعلق بالظاهرة محل الدراسة. وبالفعل فقد حققت بعض دول شرق أفریقیا بعض الإنجازات على صعید تعزیز الأطر التشریعیة والمؤسسیة المعنیة بمکافحة تهریب المهاجرین فى المنطقة. وتعتبر إثیوبیا من أبرز الحالات التى تجدر الإشارة إلیها فى هذا المقام، حیث أنشأت اثیوبیا “المجلس القومى لمکافحة تهریب والإتجار بالأشخاص”، وذلک فى عام 2012، حتى یکون بمثابة جهاز یعهد إلیه بالعدید من المهام ذات الصلة بمکافحة تهریب المهاجرین عبر الأراضى الأثیوبیة.

ویمارس المجلس مهامه عبر أربع مجموعات عمل هى مجموعة الحمایة، ومجموعة مساعدة الضحایا، ومجموعة التشریع، ومجموعة البحث والمراقبة والتقییم. ویتولى رئاسة المجلس نائب رئیس الوزراء الاثیوبى.

وبالإضافة إلى ما تقدم، فقد أصدرت اثیوبیا القانون رقم 909 لسنة 2015 والذى یحمل عنوان “منع وقمع الإتجار بالأشخاص وتهریب المهاجرین”، والذى یتضمن عقوبات بالسجن تتراوح ما بیم 15 إلى 20 سنة وغرامة قد تصل إلى 300,000 بر –أو ما یعادل 14,150 دولاراً- للمتهمین بتهریب المهاجرین. وبالإضافة إلى ذلک، یعالج القانون کافة المسائل ذات الصلة بتوفیر الحمایة والتأهیل والتعویض لضحایا تهریب المهاجرین. لیس هذا فحسب، بل إن السلطات الاثیوبیة قد قؤؤت إنشاء قوة عمل محلیة لنشر الوعى بتهریب المهاجرین فى 400 موقع داخل اثیوبیا، وتحدیداً فى المناطق التى تسکنها جماعات الأمهرة والتیجراى والأورومو وغیرها من الولایات الجنوبیة. ولقد تمکنت السلطات الاثیوبیة بفضل جهود قوة العمل سالفة الذکر من إلقاء القبض على 200 شخص مشتبه فى قیامهم بتهریب المهاجرین من اثیوبیا لکینیا ومنها إلى جنوب أفریقیا.[lxi]

وبالإضافة إلى اثیوبیا، فقد عنیت السودان بمکافحة تهریب المهاجرین فى شرق أفریقیا، حیث أصدرت قانون مکافحة الإتجار عام 2014، والذى أنشأت بموجبه اللجنة القومیة لمکافحة تهریب المهاجرین، بحیث تکون مکلفة بتقدیم تقریر مفصل لمجلس الوزراء السودانى کل شهرین، على أن یتضمن التقریر أبرز المخاطر والتحدیات المتعلقة بتهریب المهاجرین عبر الأراضى السودانیة. وبموجب قانون مکافحة الإتجار، وصلت عقوبة تهریب المهاجرین إلى السجن عشر سنوات بحد أقصى، کما تضمنت عقوبات لکل من یثبت أن له ید فى تسهیل عملیة التهریب.

2- تحدیات تعرقل مکافحة تهریب المهاجرین فى شرق أفریقیا

بالرغم من الإنجازات سالفة الذکر، إلا أن المتأمل لأبعاد الظاهرة وکذا لمضمون المبادرات التى أطلقت بغرض التصدى لها یدرک دونما عناء أن ثمة تحدیات قد جعلت من الحد من هذه الظاهرة بموجب المبادرات سالفة الذکر أمراً من الصعوبة بمکان. ولعل من أبرز هذه التداعیات ما یلى:

  1. ضعف التزام دول الإقلیم بمکافحة تهریب المهاجرین

یعتبر ضعف الالتزام بمبادرات مکافحة تهریب الهاجرین من قبل دول شرق أفریقیا واحداً من أبرز التحدیات التى تحول دون التصدى لهذه الظاهرة ووضع حد لانتشارها. ولعل هذا ما یتطلب وقفة للتعرف على أسباب ضعف التزام الحکومات على هذا النحو. وهنا تجدر الإشارة إلى عدم وجود اتفاق حول تفسیر ضعف التزام الحکومات بتدابیر مکافحة تهریب المهاجرین، فالبعض یعزو ذلک إلى ضعف الإرادة السیاسیة لهذه الحکومات ابتداءً، حیث افتقرت الکثیر من دول شرق أفریقیا إلى الإرادة السیاسیة اللازمة لتنفیذ المضامین الطموحة التى نصت علیها الاتفاقیات والمبادرات التى عنیت بتنظیم العمل المشترک من أجل مکافحة تهریب المهاجرین.

ویعتبر تباطؤ وتلکؤ هذه الدول فى التصدیق على الاتفاقیات ذات الصلة بمکافحة تهریب المهاجرین –وعلى رأسها بروتوکول مکافحة تهریب المهاجرین عن طریق البر والبحر والجو الصادر عن الأمم المتحدة فى بالیرمو عام 2000- أحد المؤشرات البارزة التى تدل على عدم توافر عنصر الإرادة السیاسیة للوفاء بالتزامات الدول وتعهداتها على صعید مکافحة تهریب المهاجرین، على النحو الذى ورد فى الاتفاقیات المعنیة بهذا الأمر. فمن بین دول شرق أفریقیا ککل، لم تلتزم بالبروتوکول سوى کینیا وجیبوتى، اللتین قبلتا البروتوکول عام 2005، ثم أعلنت اثیوبیا  التى تعد إحدى القوى الإقلیمیة الفاعلة فى المنطقة قبولها للبروتوکول عام 2012، أى بعد سنوات طویلة من دخول البروتوکول حیز النفاذ، مع التحفظ على اختصاص محکمة العدل الدولیة الوارد فى المادة 20 من البروتوکول.[lxii]

کل هذا یدل على أن دول شرق أفریقیا لم تول مسألة مکافحة تهریب المهاجرین الأولویة اللازمة، وهو من أبرز التحدیات التى تضیف قدراً من التعقید على الجهود والمساعى الدولیة المعنیة بمکافحة تهریب المهاجرین فى المنطقة. ومن جانبه فقد أکد الاتحاد الأفریقى على أن الافتقار إلى الإرادة السیاسیة یعد من بین التحدیات الرئیسیة التى تعترض تنفیذ السیاسات وتعزیز مکافحة تهریب المهاجرین، کما تعترض جهود تقدیم الخدمات لهم.[lxiii]

          ومن ناحیة أخرى، یرجع البعض ضعف التزام دول المنطقة بمبادرات مکافحة تهریب المهاجرین إلى طبیعة العلاقات بین هذه الدول وبعضها البعض، فالمتأمل لتاریخ العلاقات بین هذه الدول یدرک أن هناک رصید من عدم الثقة بین دول الإقلیم، فمعظم بلدان المنطقة تقدم دعماً لحرکات التمرد فى دول الجوار، أو على الأقل تواجه اتهامات بذلک من جانب دول الجوار، الأمر الذى یجعل من إمکانیة التعاون بین هذه الدول وبعضها البعض أمراً من الصعوبة بمکان. وبالنظر إلى أن غالبیة مبادرات مکافحة تهریب المهاجرین تتطلب تشجیع تبادل المعلومات الاستخباراتیة وإجراء التحقیقات المشترکة بین الدول لمکافحة تهریب المهاجرین، یمکن القول أن طبیعة العلاقات بین هذه الدول تجعل من إمکانیة تبادل المعلومات أو العملیات الحدودیة المشترکة حلماً بعید المنال.[lxiv]

ومن ناحیة ثالثة، یرى البعض أن دول شرق أفریقیا تحقق بعض المکاسب من تحویلات المهاجرین المهربین إلى الخارج، حتى وإن لم تصب فى الاقتصاد الرسمى للبلاد. فمن الناحیة الاقتصادیة، یستفید کل بلد من بلدان شرق أفریقیا بشکل کبیر من التحویلات المالیة المرسلة من المهاجرین العاملین فی الخارج. ففی إثیوبیا، قدرت قیمة هذه التحویلات بمبلغ 1.5 ملیار دولار أمریکی فی عام 2015 ، حیث ارتفعت بنسبة 88 ٪ فی غضون 12 شهرًا فقط. وفی الصومال، قدرت قیمة التحویلات فی عام 2015 بنحو 1.4 ملیار دولار أمریکی أى ما یعادل 23 ٪ من الناتج المحلی الإجمالی.

وبالرغم من أن هذه التحویلات تأخذ شکل تحویلات غیر رسمیة تثری الاقتصاد غیر الرسمى بشکل أساسی، فغالباً ما یتم نقل مستوى التحویلات بشکل دوری إلى الاقتصاد الرسمی، وبالتالی یعتبر تدفق التحویلات هذا مفیدًا أیضًا لدول المنطقة، حیث یوفر وسیلة بدیلة لزیادة احتیاطیات النقد الأجنبی لدیها. ولعل هذا ما یجعل استفادة الدول من تهریب المهاجرین للخارج کبیرة، ربما تفوق التمویل الذى تحظى به من جانب الدول المانحة لمکافحة الظاهرة.[lxv]

  1. سوء استغلال التمویل الأجنبى من جانب الأنظمة الحاکمة

 یعتبر عنصر التمویل واحداً من المحددات الرئیسیة لدور الدول الأفریقیة فى مجال مکافحة تهریب المهاجرین وکذا فى غیره من مجالات التعاون بین دول شرق أفریقیا وبعضها البعض. وبالرغم من قیام الاتحاد الأوروبى وغیره من الدول المانحة بتوفیر التمویل اللازم لتنفیذ بعض المبادرات الرامیة إلى مکافحة تهریب المهاجرین مثل عملیة الخرطوم على سبیل المثال، إلا أن هذا التمویل کثیراً ما یساء استغلاله من جانب حکومات دول شرق أفریقیا على غیر النحو المخصص له، خاصة فى ظل عدم وجود أیة سیطرة تذکر من قبل الاتحاد الأوروبى على الأماکن التى یتم توجیه لأموال الحکومیة إلیها. وهنا تجدر الإشارة إلى الحالة السودانیة التى تعطى مثالاً بارزاً فى هذا المقام، خاصة باعتبارها إحدى الدول المستهدفة فى إطار عملیة الخرطوم. فقد حصلت السودان بالفعل على أموال بموجب العملیة سالفة الذکر لتدریب شرطة الحدود السودانیة وکذا لتوفیر المعدات والکامیرات اللازمة لتمکین الحکومة السودانیة من تسجیل التحرکات عبر الحدود. وفى الوقت نفسه فقد ظهرت وثائق تفید بأن الحکومة السودانیة قد عهدت بمسئولیة تأمین الحدود إلى قوات الدعم السریع، وهى قوات شبه عسکریة تتألف معظمها من مقاتلى الجنجوید السابقین، والذین تم اتهامهم فى السابق بارتکاب الکثیر من أعمال العنف والجرائم فى إقلیم دارفور.

ولعل هذا ما اعتبره بعض المحللین السیاسیین بمثابة محاولة لإضفاء الشرعیة علیهم، مع توفیر دخل لهذه المیلیشیات فى ظل تعذر قیام الحکومة السودانیة بتمویلها. کل هذا وغیره یطرح الکثیر من علامات الاستفهام حول استغلال التمویل الأجنبى من قبل حکومات دول شرق أفریقیا، خاصة فى ظل غیاب الآلیات الرقابیة على أنشطة الحکومات بما یضمن توجیه التمویل الأجنبى لتحقیق الأهداف المرجوة منه.[lxvi]

  1. عدم توافر بیانات دقیقة عن ضحایا تهریب المهاجرین

 تتطلب مکافحة ظاهرة مثل تهریب المهاجرین توافر قدر کبیر من البیانات والمعلومات التى تساعد فى الکشف عن شبکات وعصابات تهریب المهاجرین من جهة، کما تساعد على إنقاذ ضحایا هذه العملیات من جهة أخرى، وهو أمر بالغ التعقید لا سیما فى منطقة شرق أفریقیا، خاصة فى ظل ضعف قدرات دول الإقلیم –وربما جل دول القارة الأفریقیة – على تأمین حدودها بشکل کامل یضمن عدم استغلال العصابات سالفة الذکر لنقاط الضعف التى تسهل عملیة تسللهم وتنقلهم بین حدود دول المنطقة التى تعانى من انتشار الصراعات وانتشار الأعمال الإرهابیة وضعف قدرات الحکومات فیها على فرض سیطرتها على کامل إقلیم الدولة سواء بالطرق السلمیة أو بالطرق غیر السلمیة. کل هذا وغیره یسهل مهمة مهربى المهاجرین ویجعل من ملاحقتهم أمراً من الصعوبة بمکان. [lxvii]

ولقد أکدت مفوضیة الاتحاد الأفریقى فى تقریر تقییم إطار سیاسة الهجرة فى أفریقیا أن البیانات الحالیة عن تهریب المهاجرین تعد قلیلة. وبالرغم من قیام المنظمات الدولیة ومراکز البحوث، مثل المنظمة الدولیة للهجرة، والمرکز الدولی لتطویر سیاسات الهجرة، وأمانة الهجرة المختلطة الإقلیمیة، ومکتب الأمم المتحدة المعنی بالمخدرات والجریمة،بجمع بیانات عن أو فیما یتعلق بتهریب المهاجرین، إلا ان عیّنات البیانات صغیرة جدا بحیث لا یمکن تعمیمها. هذا بالإضافة إلى أن عملیة جمع البیانات عادة لا تتم بانتظام، مما یجعل من الصعب تحدید التغیرات فی أنشطة التهریب، وکذا من الصعب تحدید الاتجاهات والطرق والمسارات الجدیدة فى التهریب أو الحکم على مدى فاعلیة الآلیات القانونیة المعمول بها فی کل بلد للتصدى لهذه الظاهرة. وکذلک فقد أکدت مفوضیة الاتحاد الأفریقى أنه بالرغم من إمکانیة التمییز بین الإتجار بالبشر وتهریب المهاجرین على المستوى النظرى والمفاهیمى، إلا أن هذا الأمر یبدو فى غایة الصعوبة والتعقید على صعید الممارسة، الأمر الذى یزید من صعوبة وضع قانون وطنی بشأن مکافحة تهریب المهاجرین، کما هو الحال فی کینیا.[lxviii]

  1. تعاظم أرباح شبکات الجریمة المنظمة ومهارتهم فى التکیف مع إجراءات المکافحة

          یحقق مهربو المهاجرین أرباحاً ضخمة من تسهیل عملیات تهریب المهاجرین من دول شرق أفریقیا سواء إلى داخل القارة أو إلى خارجها. فکما جاء فى أحد التقاریر المعنیة برصد أرباح شبکات الجریمة من تهریب المهاجرین فى شرق أفریقیا والقرن الأفریقى، تبلغ تکلفة تهریب المهاجر الواحد من الصومال إلى الیمن مثلاً ما بین 300 إلى 450 دولار، وإذا أراد هؤلاء المهاجرون تهریبهم بعدها إلى المملکة العربیة السعودیة، یقوم کل مهاجر بدفع ما بین 800 إلى 1300 دولار. وبالنظر إلى الأعداد الهائلة من المهاجرین الذین یتم تهریبهم سنویاً من شرق أفریقیا بالطرق غیر المشروعة، یمکن القول أن أرباح هذه الجریمة هائلة لدرجة تدفع القائمین علیها لتعزیز شبکة أعوانهم فى دول شرق أفریقیا، والتى باتت تتسع لتشمل بعض عناصر من الجیش والشرطة ومترجمین محترفین وأجهزة مراقبة وغیرها، وذلک لضمان استمرار أنشطتهم التى تحقق کل هذه المکاسب بدون تکلفة تذکر.[lxix]

ومن ناحیة أخرى، فقد شهد الواقع العملى تغیرات فى الأنماط والطرق التى یتم بموجبها تهریب المهاجرین من منطقة شرق أفریقیا ونقلهم بالطرق غیر المشروعة سواء إلى داخل القارة الأفریقیة أو إلى غیرها من السواحل الأوروبیة. ولعل هذا ما یبرهن على قدرة شبکات الجریمة المنظمة على تکییف أوضاعها والقیام بالعملیات ذات الصلة بتهریب المهاجرین حتى فى ظل الجهود الداخلیة الإقلیمیة والدولیة لمکافحة هذه الظاهرة، على نحو ما یمکنهم من استغلال طموحات الشباب فى الهروب من الصراعات والأوضاع الاقتصادیة السیئة وأحیاناً الاضطهاد، وذلک لتراکم الثروات لدى الشبکات القائمة على تخطیط وتنفیذ تلک الجرائم. ولعل خیر دلیل على ذلک لجوء مهربى المهاجرین إلى تهریب ضحایاهم إلى إسرائیل عبر سیناء، على أثر الاتفاقیة اللیبیة الإیطالیة المشترکة التى على أثرها تمت ملاحقة أعدادد کبیرة من المهاجرین بالطرق غیر المشروعة عبر السواحل اللیبیة.[lxx]

  1. غیاب الشفافیة فى الکثیر من مبادرات مکافحة تهریب المهاجرین

تقوم غالبیة مبادرات مکافحة تهریب المهاجرین على التعاون والتنسیق بین الدول وبعضها البعض بغیة مکافحة الظاهرة وحمایة ضحایاها، وهو ما یتطلب درجة عالیة من الشفافیة یمکن من خلالها متابعة تنفیذ هذه المبادرات وتقییم آثارها، غیر أن هذا لیس هو الحال فى الکثیر من الأحیان، إذ أن بعض المبادرات تحاط بدرجة من السریة تحول دون متابعة النتائج التى ترتبت علیها، وکذا تحول دون التعرف على حجم الإنجاز المتحقق وکیفیة تقویم الأخطاء إن وجدت. وتعتبر عملیة الخرطوم خیر مثال على ذلک، فمنذ الضجة المصاحبة لإطلاق المبادرة فى عام 2014، لم یتم الإعلان عن الاجتماعات اللاحقة فى لندن فى نوفمبر 2015 ثم فى الخرطوم فى یونیو 2016، کما لم یتم إصدار أیة تقاریر عن هذه الاجتماعات للجماهیر. ولعل هذا ما یضع العدید من علامات الاستفهام حول التطورات التى تحققت فى إطار هذه المبادرة ویجعل من إمکانیة رصدها أو الحکم على مدى جدیتها أمراً من الصعوبة بمکان.[lxxi]

خاتمة

بالرغم من أهمیة الأهداف والمحاور الواردة فى إطار الاستراتیجیات والبرامج المعنیة بمکافحة تهریب المهاجرین فى شرق أفریقیا على النحو السالف بیانه، إلا أن الواقع یشیر إلى تعذر تحقیق الأهداف المنشودة بموجب هذه الإجراءات وتلک البرامج. ولعل هذا ما أکده تقریر متابعة الإنجازات ذات الصلة بمکافحة تهریب المهاجرین والإتجار بهم فى شرق أفریقیا الصادر من الأمم المتحدة، حیث أکدت مفوضیة الأمم المتحدة لشئون اللاجئین أن ثمة ارتفاع فى معدلات تهریب المهاجرین من دول شرق أفریقیا خلال السنوات الخمس الأخیرة، الأمر الذى یدل على أن ثمة قصور فى تنفیذ الاستراتیجیات والبرامج الرامیة إلى مکافحة تهریب المهاجرین فى المنطقة، خاصة فى ظل الظروف التى یعیشها سکان شرق أفریقیا من انتشار الصراعات وتنامى شبکات الجریمة المنظمة وعصابات تهریب المهاجرین وضعف التنسیق بین دول الإقلیم وبعضها البعض حول استراتیجیة موحدة لمحاصرة هذه الظاهرة، وذلک نظراً لوجود تراث من العلاقات العدائیة بین دول شرق أفریقیا وبعضها البعض. کل هذا وغیره حال دون تقلیص فرص انتشار جریمة تهریب المهاجرین وتعظیم مخاطرها فى منطقة شرق أفریقیا، الأمر الذى جعل من إمکانیة مکافحة جریمة تهریب المهاجرین بموجب الاستراتیجیات الحالیة أمراً من الصعوبة بمکان. وجدیر بالذکر أن کافة الجهود ذات الصلة بمکافحة تهریب المهاجرین قد رکزت على حمایة الضحایة والتوعیة بالظاهرة، دونما اهتمام کافى بالأسباب التى أدت إلى انتشار الظاهرة ابتداء، وهو ما یجعل من إمکانیة القضاء على هذه الظاهرة بموجب تلک الآلیات مسألة محل شك.

المراجع

[1]  Anna Triandafyllidou: “Migrant Smuggling: Novel Insights and Implications for Migration Control Policies”, ANNALS, (the American academy of political and social science, Vol. 676, No. 1, 2018) pp. 212-221

[1]  Mattia Toald: Libya’s Migrant smuggling Highway: Lessons for Europe, (London: The European Council on foreign relations, No. 147, November 2015)

[1]Sofia Bulgaria: The fight against migrant smuggling: European criminal cooperation from a French perspective

http://www.ejtn.eu/Documents/Team%20France%20semi%20final%20A.pdf

[1] لمزید حول الموضوع أنظر:

Lori J. Mann: Trafficking in Human Beings and Smuggling of Migrants in ACP Countries: Key Challenges and Ways Forward, (Brussels: International Organization for Migration, 2018)

Kefa Kibet Kones: Transnational threats and National Security in Kenya, MA Thesis, (Naironi: Universty of Nairobi, Institute of Diplomacy and International Studies, 2017)

[1]الأمم المتحدة: بروتوکول مکافحة تهریب المهاجرین عن طریق البر والبحر والجو، (نیویورک: الأمم المتحدة، مجموعة المعاهدات، مجلد 2241، رقم 39574، 2000)، مادة 3، مادة 6

[1] الأمم المتحدة: بروتوکول منع وقمع ومعاقبة الإتجار بالأشخاص، (نیویورک: الأمم المتحدة، مجلد 2237، رقم 39574، نوفمبر 2000)، مادة 3 فقرة أ

[1] لمزید من التفاصیل حول أوجه الاختلاف بین تهریب المهاجرین والإتجار بالأشخاص أنظر:

الأمم المتحدة: مجموعة أدوات لمکافحة تهریب المهاجرین، (نیویورک: مکتب الأمم المتحدة المعنى بالمخدرات والجریمة، 2013)، الأداة الخامسة، ص ص (16- 17)

[1]المرجع السابق، الأداة الأولى،  ص 31

[1]Michael D. Lyman and Gray W. Potter: Organized Crime, (London: Prentice Hall, 4th Edition, 2007), pp. 60- 61

[1]Edward R. Kleemans: “Theoretical Perspectives on Organized Crime”., in Letizia Paoli (ed): The Oxford Handbook of Organized crime, (Oxford: Oxford University Press, 2014), pp. 36- 37

[1]Klaus Von Lampe: “The interdisciplinary dimensions of the Study of Organized Crime”., Trends in Organized Crime, (New York: Springer publishing, vol. 9, no. 3, spring 2006), p. 85

[1]Regional Mixed Migration Secretariat: Migrant Smuggling in the Horn of Africa & Yemen: The Social Economy and Protection Risks, (Nairobi: RMMS, Study 1, June 2013), p. 27

[1]Edward R. Kleemans: op.cit., pp. 41- 42

[1] سامسون س واسارا: ترجمة د. محمد عاشور: “الصراعات وأمن الدول فى منطقة القرن الأفریقى: ظاهرة تسلیح المدنیین”.، القرن الأفریقى قضایا الدیمقراطیة والمجتمع، مختارات المجلة الأفریقیة للعلوم السیاسیة، (القاهرة: برنامج الدراسات المصریة الافریقیة، العدد الخامس، دیسمبر 2003)، ص ص (70- 73)

[1] عاصم فتح الرحمن: تغییر موازین القوى فى القرن الأفریقى، آفاق أفریقیة (القاهرة: الهیئة العامة للاستعلامات، مجلد 11، عدد 38، 2013)، ص ص  (167- 168)

[1] Transparency International: Corruption Perception Index 2017, p. 5, p. 10

http://www.libertadciudadana.org/archivos/IPC2017/CPI%202017%20Global%20Report%20English.pdf

[1] Idem.

[1] Transparency International: press release: 2015 Corruption Perception Index Kenya Launch, at:

http://www.tikenya.org/index.php/press-releases/407-press-release-2015-corruption-perception-index-kenya-launch

[1]Regional Mixed Migration Secretariat: op.cit., p. 27

[1]Ibid, p. 38

[1] بالرغم من ارتفاع معدلات النمو الاقتصادى لدى بعض دول الإقلیم خلال العقد الماضى، إلا أن هذه المعدلات لم یقابلها تنمیة اقتصادیة تصب فى تحسین مستوى معیشة المواطنین فى الدولة.

[1]  United Nations: Human Development Indices and Indicators: 2018 statistical update, pp. 42- 43, pp. 64- 65,

http://hdr.undp.org/sites/default/files/2018_human_development_statistical_update.pdf

[1] International organization for Migration: Ethiopian Migrant Labourers on Qat Farms in Rada’, Yemen, pilot Study, (Sanaa: International organization for Migration, 2014), p. 4

[1] International federation of red cross and red crescent societies: Drought in the Horn of Africa: Preventing the next Disaster, p. 6, at:

http://www.ifrc.org/PageFiles/90410/1203800-Drought%20in%20the%20Horn%20of%20Africa-Preventing%20the%20next%20disaster-EN-LR.pdf

[1] The UNDP Human Development Report: Trends in The Human Development Index, 1990- 2014, http://hdr.undp.org/en/composite/trends

[1]Regional Mixed Migration Secretariat: op.cit., pp. (25- 27)

[1]Chris Horwood, Roberto Forin & Bram Frouws(eds): Mixed Migration Review 2018, (Geneva: Mixed Migration Center, 2018), p. 19

http://www.mixedmigration.org/wp-content/uploads/2018/11/Mixed-Migration-Review-2018.pdf

[1]RMMS: op.cit: pp. (28- 30)

[1]The Global Initiative against Transnational Organized Crime: Smuggled Futures: The dangerous path of the migrant from Africa to Europe, a Research Report, (Geneva: The Global Initiative against Transnational Organized Crime, May 2014), pp. (11- 12)

[1]Regional Mixed Migration Secretariat: op.cit., p. 34

[1] Christopher Horwood: Irregular Migration Flows in the Horn of Africa: Challenges and implications for source, transit and destination countries, Occasional Paper series, (Nairobi: RMMS, No. 8, September 2015), p. 12

[1]  Chris Horwood, Roberto Forin & Bram Frouws(eds): op.cit., p. 20

[1] The UNODC: Global Study on Smuggling of Migrants 2018: Africa, (Vienna: United Nations Office on Drugs and Crime, June 2018), p. 78

[1]Regional Mixed Migration Secretariat: op.cit., p. 34

[1]The UNODC: Smuggling of Migrant into, through and From north Africa, P. 13, at:

https://www.unodc.org/documents/human-trafficking/Migrant_smuggling_in_North_Africa_June_2010_ebook_E_09-87293.pdf

[1]Regional Mixed Migration Secretariat: op.cit., pp. (62- 63)

[1] Peter Tinti: “Migrant Smuggling paths from the Horn of Africa to Yemen and Saudi Arabia”, (Pretoria: Institute for Security Studies, Africa in the World Report no. 7, November 2017), p. 2

[1]Sahan Foundation and ISSP, Human Trafcking and Smuggling on the Horn of Africa-Central Mediterranean Route, (Addis Ababa: Sahan Foundation and IGAD security Sector Program, February 2016), p. 12

[1] International organization for Migration: “Mixed Migration in the Horn of Africa and the Arab peninsula”., (Nairobi: International organization for Migration regional office for the East and Horn of Africa, November 2018), p. 2

https://www.iom.int/sites/default/files/dtm/east_horn_of_africa_dtm_201801-06.pdf

[1] A. Fazzina: Smuggling and Trafficking From the East and Horn of Africa, Progress Report, (Geneva: UN High Commissioner for Refugees, 2012), p. 4

[1]Regional Mixed Migration Secretariat: op.cit., P. 19

[1]  The UNODC: Global Study…, op.cit., p. 75

[1]Ibid, p. 51

[1]Ibid, p. 64

[1] Iván Martín and Sara Bonfanti: Migration and Asylum Challenges in Eastern Africa: Mixed Migration Flows Require Dual Policy Approaches, Policy Brief (Florence: European University Institute, March 2015), p. 5

[1] Peter Tinti: op.cit., p. 2

[1] The UNODC: Global Study…, op.cit., p. 75

[1] Chris Horwood, Roberto Forin & Bram Frouws(eds): op.cit., p. 20

[1] International organization for Migration: “Mixed Migration in the…, op.cit, p. 2

[1] International organization for Migration:  “Mixed Migration Hub Country Brief: Sudan”., (March 2018), p. 1

http://www.mixedmigrationhub.org/wp-content/uploads/2018/05/Country-Profile-Sudan.pdf

[1]Sahan Foundation and ISSP, op.cit., p. 22

[1]UNHCR: smuggling and trafficking from the east and horn of Africa, Executive Summary, (Geneva: UN High Commissioner for Refugees, 2012), p. 5

[1]Ibid, pp. (6- 11)

[1]IGAD: Report on “human smuggling and trafficking in the horn of Africa- central Mediterranean route”, p. 36

http://igad.int/attachments/1284_ISSP%20Sahan%20HST%20Report%20%2018ii2016%20FINAL%20FINAL.pdf

[1]Declaration of the ministerial meeting on the EU- horn of Africa migration route initiative

http://italia2014.eu/media/3785/declaration-of-the-ministerial-conference-of-the-khartoum-process.pdf

[1]Tuesday Reitano: “The Khartoum Process: A Sustainable response to Human Smuggling and Trafficking”., (Pretoria: Institute for Security Studies, Policy Brief 93, November 2016), p. 5

[1]The European Commission: The European Union Emergency Trust Fund For Stability And Addressing The Root Causes of Irregular Migration And Displaced Persons in Africa, pp. 1- 4

https://ec.europa.eu/europeaid/sites/devco/files/t05-eutf-hoa-reg-09-better-migration-management_en.pdf

[1]IGAD: op.cit., pp. 34- 35

[1]IGAD: Report on “human smuggling…, op.cit., p. 37

[1]Tuesday Reitano: op.cit., p. 2

[1]Ibid, p. 33

[1]The UN: Protocol Against The Smuggling Of Migrants By Land, Sea And Air, supplementing the United Nations Convention against Transnational Organized Crime, Ratification list, pp. (1- 4)

https://treaties.un.org/doc/Publication/MTDSG/Volume%20II/Chapter%20XVIII/XVIII-12-b.en.pdf

[1]الاتحاد الأفریقى: تقییم اطار سیاسة الهجرة فی افریقیا، ص 29

https://au.int/sites/default/files/newsevents/workingdocuments/32718-wd-arabic_report_evaluation_of_the_migration_policy_framework_for_africa.pdf

[1]Tuesday Reitano: op.cit., p.7

[1]  Ibid, p. 9

[1]Tuesday Reitano: op.cit., p. 8

[1] A. Fazzina: op.cit., p. 3

[1] الاتحاد الأفریقى: م س ذ، ص 12

[1]  Peter Tinti: op.cit., p. 6, p. 16

[1] Regional Mixed Migration Secretariat: op.cit., pp. (25- 27)

[1]Tuesday Reitano: op.cit., pp. 4- 5

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button