المؤلف سماح عبدالفتاح ابوالليل email – معهد أکتوبر العالي للاقتصاد – مجلة السياسة والاقتصاد – المقالة 4، المجلد 11، العدد (10) أبریل 2021، الربيع 2021، الصفحة 1-31
المستخلص
تعد قضايا اللجوء والهجرة إحدى أهم اهتمامات الفضاء الدولي حاليًا، في ظل تصاعد الأزمات في منطقة الشرق الأوسط في سوريا، اليمن ومن قبلهما العراق وأفغانستان وإريتريا، وما لها من تداعيات مختلفة على دول الإرسال والاستقبال. وعلى الرغم مما يقدمه علم السياسة والقانون الدولي من تفسيرات وحلول ووضع أُطر سياسية وقانونية في محاولة لفَهْم وتقنين آليات التعامل مع أزمة اللاجئين من خلال القرارات السياسية والاتفاقات والمعاهدات الدولية، إلا أن هناک جوانب يصعب تفسيرها. الأمر الذي جعل لعلم النفس السياسي دورًا بارزًا في تفسير الأزمات والصراعات في العلاقات الدولية، خاصةً إذا کانت الأزمة ترتکن إلى الکثير مما يُسمى “سوء الإدراک”، وما يندرج تحته من خلال ظاهرة “التنميط”؛ ولذا تسعى هذه الدراسة إلى بحث وتحليل سوء الإدراک من خلال الترکيز على ظاهرة “التنميط” على الموقف الأوروبي، خاصةً في ظل تنامي دور أحزاب اليمين المُتطرِّف داخل دول الاتحاد الأوروبي. من خلال ثلاثة محاور بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة، وهي:
– المحور الأول: يناقش الإطار المفاهيمي والنظري المُفسِّر لظاهرة “التنميط” من خلال اقتراب “سوء الإدراک” على السياسة الخارجية للفاعلين (الدول- الاتحاد الأوروبي).
– المحور الثاني: يدرس الموقف الأوروبي تجاه مشکلات اللجوء والهجرة.
– المحور الثالث: يتناول الصعود اليميني المُتطرِّف في أوروبا، وانعکاسات ظاهرة التنميط على السياسات الأوروبية.
المحور الأول: الإطار المفاهيمي والنظري المُفسِّر لتأثير سوء الإدراک وظاهرة التَّنْمِيط على السياسة الخارجية للفاعلين:
يُجمع دارسو العلوم السياسية على أن هناک تفاوت بين الواقع کما هو کائن، وبين الواقع کما يتصوره الإنسان. ومن ثم، فإن السلوک الإنساني ما هو إلا رد فعل أو نتيجة للواقع کما يدرکه الفرد. وعليه، فإنه يمکن القول إن ما يُسمى “بالبيئة النفسية” ممثلة في (العقائد والإدراکات والتصوُّرات) تمثل المتغير الوسيط، وتؤثر من خلاله “البيئة الموضوعية” (النسق الدولي- النظُم السياسي، والخصائص القومية.. إلخ)[i].
ويعد الإدراک من العمليات المهمة التي يقوم بها الإنسان في محاولة لتفسير وفَهْم الأحداث المحيطة به، ومن ثم تحليلها وتقيمها في إطار البيئة الاجتماعية والسياسية التي يحيا فيها وصولًا لوضع حلول أو القيام برُدود أفعال حيال هذه الأحداث، وذلک استنادًا إلى کَوْن السلوک البشري لا يتشکل من مثير واستجابة فحَسْب، فالإدراک کما يتم تعريفه هو عملية عقلية معرفية يتم فيها إدراک المثيرات الاجتماعية بمساعدة الحواس، وتفسيرها في ضَوْء الإطار المرجعي، والخبرة السابقة، والظروف المحيطة[ii]، والمعلومات المتوفرة ومصدرها. ويتشکل الإدراک بفعل تضافر وتداخل مجموعة من المصادر کالدِّين واللُّغة والثقافة والعرق والتنشئة الاجتماعية والذاکرة الجماعية والتاريخية والخبرات الشخصية. ومن ثم، فإن تلک المصادر تحدد مَن نحن ومَن هم. بمعنى آخر، فهي تحدد الهُوِيَّة المجتمعية للجماعات المختلفة.
أما “سوء الإدراک”، فهو مصطلح مرن يصعب تعريفه وقياسه. وثمة مقاربتان عامَّتان لتعريفه، تتعامل معه الأولى کنتيجة والثانية کعملية، فمن حيث إنه نتيجة، يُعد سوء الإدراک بمنزلة الفارق بين الإدراک والواقع، بمعنى الفرق بين العالم کما يدرکه صانع القرار، والعالم کما هو بالفعل. أما من حيث کَوْنه عملية يجنح فيها صانع القرار عن النموذج العقلاني القياسي لمعالجة المعلومات[iii].
وقد أشار “هانز روزلينج” في کتابه الوقائعيةFact fullness ، إلى عدد من الإنحيازات النفسية والإدراکية التي تکمن وراء سوء إدراکنا للعالم؛ حيث إننا نميل إلى فَهْم العالم من خلال التفکير البسيط والحدسي عن طريق القصص المثيرة والمبسطة، کغريزة الفجوة أو الميل لإدراک العالم کصراع بين الخير والشر والنظر إلى القضايا الخلافية من خلال الانقسام إلى معسکرين، دون النظر إلى مساحات الاتفاق بين کلا الطرفين[iv].
ومثلما يؤثر الإدراک وسوء الإدراک في العلاقات التفاعلية (التعاونية والصدامية) بين الأفراد، فهو يؤثر کذلک في العلاقات الدولية على ثلاث مستويات: المستوى الأول: الدول، فعلاقات الدول الرسمية وسياساتها الخارجية تتأثر بکيفية إدراک کل دولة لأفعال الدول الأخرى، ومن ثم خَلْق تفاعلات تتسم بالصدام أو التعاون أو الحياد. المستوى الثاني، مستوى الشعوب؛ حيث إن الصور الذهنية التي تشکلها الشعوب عن بعضها البعض، تخلق صورةً ذهنية لکل شعب من الشعوب تجاه الشعوب الأخرى. الأمر الذي يؤثر سلبًا أو إيجابًا على العلاقات الاجتماعية والثقافية والتجارية بين الشعوب. کما أنها تؤثر إلى حد کبير على صانع القرار في تغليب خيار من الخيارات المتاحة أمامه، طبقًا لتوجهات الرأي العام. أما المستوى الثالث، فهو مستوى الفاعلين من غير الدولة؛ حيث يلعب سوء الإدراک أو جودته على رُؤْيتهم للعالم، ومن ثم على أفکارهم ومعتقداتهم، انتهاءً بنمط السلوک لتحقيق الأهداف[v].
ويتحدد مفهوم الصراع باعتباره الحالة التي يرى فيها طرفان أو أکثر أن أهدافها أو مصالحها تتناقض بشکل مباشر مع بعضها البعض، ومن ثم يقرر التصرُّف على أساس هذا التصوُّر. ويتضح من هذا التعريف وجود شرطين لابد من وجودهما لنشوب النزاع، تحديد التناقض وقرار العمل على هذا الأساس. ومن ثم، فإنه لا يکفي لنشوب الصراع أن يقر طرف ما بالتعارض في الأهداف أو المصالح مع الطرف الآخر، ولکن من الضروري أن يقرر طرف واحد على الأقل التصرُّف بِنَاءً على هذا التناقض. ويکمن خلف هذا التناقض أنماط التفکير ومدرکات متصادمة، وکلما ازدادت الهُوَّة بين مدرکات الأطراف، وفقًا لمجموعة من التصوُّرات المغلوطة، کلما ازدادت احتمالات التفاعلات الصراعية ما بين الأطراف المختلفة[vi].
وتتعدد العوامل المؤثرة والتي تؤدي بصانع القرار إلى “سوء الإدراک”[vii]، ويعد التفکير النمطيStereotyping ، من هذه المؤثرات المهمة؛ حيث هو نمط من التفکير يعتمد على التصنيف الجامد للأمور، ويتم فيه الاحتفاظ بأفکار ومعتقدات وصور عن الجماعات الأخرى تکاد تکون ثابتةً لا تتغير. والجدير بالذکر أن علم النفس الاجتماعي قد اهتم بهذا النوع من التفکير منذ خمسينيَّات القرن الماضي[viii]، ويتسم هذا النمط من التفکير بالتبسيط الزائد. کما أنه يؤثر في إدراک الجماعات عن بعضها البعض، لاعتمادها على أفکار ومعتقدات غير صحيحة، وتؤدي إلى ظهور الأحکام المسبقة والمتحيزة، الأمر الذي يفرز في النهاية علاقات صراعية غير مستندة على أسباب وحقائق موضوعية[ix].
ولفَهْم أکثر للتفکير النمطي أو ظاهرة التنميط، فإنه يجب الأخذ في الحُسْبان مساهمات کلا من علم النفس والاجتماع في هذا الصدد، على النحو التالي:
قام عالم النفس “ديفيد شنايدر”David Scneider ، بتعريف الصور النمطية على أنها معتقدات يتم بناؤُها عن أشخاص أو فئة أو جماعة، فمثلًا هناک صور نمطية للسيارات أو الأشجار[x]. وبالتالي، فإن الصورة النمطية التي تنشأ لدى الأفراد قد تکون نتاج تجارب مع الطرف الآخر، مما يدفع الفرد إلى انتهاج فکرة التعميم التي بدورها هي إحدى صور ظاهرة “سوء الإدراک”، ولکن الصورة النمطية حيال طرف آخر قد يکون لها مُسبِّبات أخرى کالتنشئة الاجتماعية والتعليم ودور المؤسسات الدِّينية، والتي تلجأ إلى تقديم صورة نمطية خاطئة عن الجماعات المختلفة عنها[xi].
طرح عالم الاجتماع “نوربيرت إلياس” Norbert Elias، دراسة عن آليَّات الاستبعاد الاجتماعي، وکيفية استخدام المجتمعات للصور النمطية، وترويج الشائعات، إضافةً إلى تعزيز الهُوِيَّة للإعلاء بشأنها عن طريق مثلًا ما يُسمى بالإرث التاريخي، مقابل الحط من شأن المجتمعات الأخرى وتهميشها[xii]. بينما قام “إرفينج جوفمان”Erving Goffman ، بدراسة کيف تقوم جماعة ما بِوَصْمِ مجموعة أخرى لتباينهم الجسدي، على سبيل المثال لون البشرة، الجنسية ما لها صفات وملامح مميزة، الإعاقة الجسدية أو الانتماء إلى دين ما له علامات انتماء (کالحجاب في الدِّين الإسلامي)، وهو ما يطلق عليه الوَصْم القبلي Tribal stigma[xiii].
عرَّف قاموس إکسفورد الإنجليزي الصورة النمطية بأنها “صورة ثابتة أو فکرة عن نوع معين من الأشخاص أو الأشياء”. فهي على سبيل المثال، من الممکن أن توجه الجماعات العرقية (الآسيويون جيدون في الرياضيات)، المجموعات السياسية (الجمهوريون أغنياء)، أو على أساس نوعي (المرأة سيئة في الرياضيات)، المجموعات الديموغرافية (سکان ولاية فلوريدا هم من کبار السن)، والأنشطة (الطيران خطير)، وتوضح الأمثلة الخاصة بالصور النمطية أنه في بعض الأحيان تکون الصور النمطية دقيقة إلى حد کبير (الهولنديون طويلون)، في حين أن البعض الآخر يکون غير دقيق على الإطلاق (الأيرلنديون عدوانيون). علاوة على ذلک، فإن الصور النمطية خاضعة للتغير، فعلى سبيل المثال جمهورية بوتسوانا تغيَّرت النظرة لها في التقارير الدولية خلال العقدين الأخيرين، من دولة مستضعفة ومتلقية للمساعدات إلى أخرى قادرة على تحقيق معدلات متقدمة من الدخل والنمو الاقتصادي[xiv].
وقد أنتجت العلوم الاجتماعية ثلاثة مداخل أو مناهج مختلفة لدراسة الصور النمطية وهي:
النَّهْج الأول: هو المدخل الإحصائي[xv]؛ حيث يعتبر أن الصور النمطية هي مظهر من مظاهر التمييز بين المجموعات وفق تکوين عقلاني لهذه الصور، بمعنى أن هذا الاقتراب يوضح أن الصور النمطية هي توقعات عقلانية، ومن ثم فالصور النمطية يمکن أن تتغير وفقًا للأساليب الإحصائية. فولاية فلوريدا – على سبيل المثال- وفقًا للصورة النمطية أغلب سکانها من کبار السن، ولکن وفقًا للأسلوب الإحصائي، فالغالبية العظمى من سکان ولاية فلوريدا ليسوا من کبار السن.
النَّهْج الثاني: هو النَّهْج الاجتماعي في التنميط، وينظر إلى القوالب النمطية على أنها تعميمات خاطئة وغير صحيحة في جوهرها لصفات المجموعة، تعکس الأفکار المسبقة الکامنة للصورة النمطية أو غيرها من الدوافع الداخلية. فعلى سبيل المثال، لا تزال الجماعات الاجتماعية التي تعرَّضَتْ لِسوء المعاملة تاريخيًّا، مثل الأقلِّيات العرقية والإثنية، تعاني من القوالب النمطية السيئة، وذلک يمکن أن يکون على المستوى الشعبي (الرأي العام)، أو ربما لأن صانع القرار يرغب في إدامة المعتقدات الخاطئة عنها[xvi].
النَّهْج الثالث: هو “نهج الإدراک الاجتماعي”، المتأصل في علم النفس الاجتماعي، ولقد اکتسب هذا النَّهْج أرضيةً في الثمانينيات من القرن العشرين، وينظر إلى القوالب النمطية الاجتماعية کحالات خاصة من المخططات أو النظريات المعرفية، فالإنسان يواجه بيئة شديدة التعقيد تضطره إلى خَلْق بيئة ذاتية تمکنه من فَهْم العالم من حوله. وعليه، فإن هذه النظريات هي تعميمات بديهية يستخدمها الأفرادُ بشکل روتيني في حياتهم اليومية يؤکدون على أن الصور النمطية هي “تمثيلات ذهنية للاختلافات الحقيقية بين المجموعات، مما يتيح معالجة أسهل وأکثر فعالية للمعلومات. وعلى الرغم من أن الصور النمطية تکون انتقائية؛ حيث إنها ترکز على سمات المجموعة الأکثر تميُّزًا، والتي تجعلها مميزة بين المجموعات المختلفة، تستند هذه الصور النمطية على بعض الحقائق التجريبية، وهي على هذا النحو مفيدة، ولکن قد تنطوي على کثير من المبالغات[xvii].
والجدير بالملاحظة، أن المبالغات أو الحقائق البديلة في أغلب الأحيان لا تختلق واقعًا من العدم، وإنما تقوم بتضخيم وقائع تحمل ظلًا من الحقيقة.
المحور الثاني: الموقف الأوروبي تجاه ملفات الهجرة واللجوء:
من ناحية سجَّل عام 2015، أعلى نسبة وصول للاجئين؛ حيث وصل العدد وفقًا لإحصائيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئينUNHCR إلى حوالي 1.015.307 لاجئ، تُوفي منهم حوالي 3771 لاجئ[xviii]. ومن ناحية أخرى ما شهدت العاصمة الفرنسية باريس هجمات، يوم 13 نوفمبر 2015، والتي فرضت تحديًا کبيرًا على دول الاتحاد الأوروبي، في إطار تعاطيها مع هذا الملف، ووضعت علامات استفهام کثيرة حول ماهية الدور الذي يجب أن تلعبه دول الاتحاد حيال هذه الأزمة، وأيهما تعلي الطابع الأمني أم الطابع الإنساني والقيم الإنسانية المشترکة التي تميزها.
وما يزيد من عمق الأزمة، اتجاهات الرأي العام في أوروبا، وما تتناقله وسائل الإعلام الأوروبية عن مخاطر تدفق اللاجئين وانخراطهم في المجتمع الأوروبي، وانعکاس ذلک على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية المتمثلة في انتشار الإرهاب وتفاقم مفهوم الإسلاموفوبيا، وتغيُّر التجانس الديموغرافي داخل الدول الأوروبية، وتهديد نمط الحياة الأوروبي وارتفاع أعداد الجرائم .. وغيرها.
فقد وُجِدت ظاهرة الهجرة القسرية على امتداد التاريخ الإنساني، ومنذ أن وُجِد الصراع على الأرض؛ حيث إن اللجوء مرتبط ارتباطًا وثيقًا بحاجة الإنسان إلى الأمن، فنجد أن مصطلح اللاجئين وإن کان حديثاً في الفقه الدولي لقد استعمل کلمة اللاجئين للمرة الأولى في فرنسا للدلالة على البُروتستانت الذين أجبروا على الفرار من فرنسا خلال القرن السابع عشر بعد إلغاء مرسوم نانيت Nantes سنة 1861. کما حدث أيضًا مع العديد من أفراد الجماعات الأخرى، مثل اليهود ومغاربة أسبانيا الذين طردوا بسبب ديانتهم، ولم تظهر هذه الصيغة الرسمية في المواثيق الدولية إلا مع بداية القرن التاسع عشر، خاصةً مع نهاية الحرب العالمية الثانية. کما أن أمريکا اللاتينية واجهت ظاهرة اللاجئين عام 1889؛ حيث کانت اتفاقية “مونتفيديو” الخاصة بالقانون الجنائي الدولي أولوية إقليمية تناولت اللجوء[xix].
تدفقات اللاجئين ظاهرة عالمية لا تکاد تخلو منها قارة، ولقد شهدت هذه الظاهرة تحوُّلًا مُلاحَظًا مع بداية القرن العشرين، وأصبح ينظر لها على أنها ظاهرة کونية ضحاياها بالملايين، ولقد زادت حدة هذه الظاهرة مع بداية القرن الحادي والعشرين؛ بسبب کثرة الحروب والصراعات الأهلية[xx]، ورغم أن إفريقيا شهدت القدر الأکبر من تدفقات اللاجئين، إلا أن التوجهات الحديثة لمصادر الهجرة القسرية أخذت تنمو وتتکاثر في مناطق ودول لم تشهد هجرة قسرية من قبل مثلما حدث في العراق ومن بعدها سوريا واليمن. وقد أخذت ظاهرة اللجوء حيزًا واسعًا في الکثير من الاجتماعات والنقاشات الإقليمية والدولية في الآونة الأخيرة؛ حيث أصبحت تلک الظاهرة تشکل عبئًا کبيرًا على المجتمع الدولي؛ وذلک بسبب تزايد حجمها وتفاقمها وانتشارها في الکثير من الدول، وما تخلفه من آثار سلبية، خاصةً على البلدان المستضيفة من الناحية السياسية والاقتصادية والأمنية والديموغرافية.
وتشير الإحصائيات إلى تنامي شکل الظاهرة بشکل غير مسبوق، من حوالي 2.4 مليون لاجئ في العام 1974، إلى 10.5 ملايين لاجئ في العام 1985، إلى نحو 14.9 مليون لاجئ في عام 1990، وتقدر وفقًا لإحصائيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئينUNHCR لعام 2018 بنحو 68.5 مليون نازح قسري حول العالم، منهم حوالي 25.4 مليون لاجئ، أکثر من نصفهم دون سن الـ 18 عشر.
ولقد تسارعت وتيرة الهجرة إلى دول أوروبا على نحو غير مسبوق، خاصةً بعد تزايد التوترات في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا في أعقاب ثورات الربيع العربي، والتي بدأت إرهاصاتها في نهاية عام 2010، وتحديدًا الثورة التونسية، في 17 ديسمبر 2010. ولقد رصدت (فرونتکس) (وهي الوکالة الأوروبية لإدارة حدود الاتحاد الأوروبي)، في منتصف مايو 2014 التدفق الأکبر وغير المسبوق في تاريخ القارة الأوروبية للمهاجرين غير الشرعيين صوب أوروبا؛ حيث تم رصد دخول 25 ألف مُهاجِر غير شرعي إلى إيطاليا ومالطا في الشهور الأربعة فقط من العام 2014، مقارنةً بنحو 40 ألف مُهاجِر لأوروبا عام 2013[xxi]. الأمر الذي جعل ملف اللاجئين على أولويات أجندة الاتحاد الأوروبي، خاصةً بعد تفاقم الأوضاع عام 2015؛ حيث شکَّل هذا العام نقطة تحوُّل جوهرية في التعامل الأوروبي حيال ملف اللاجئين. ومن ثم، فإنه يمکن رصد ثلاث إشکاليات مهمة فيما يختصُّ بملف الهجرة واللجوء في الاتحاد الأوروبي على النحو الآتي:
الإشکالية الأولى: تحوُّل النظر لقضايا الهجرة واللجوء في القارة الأوروبية، والتعامل معها من منطلق أنها إحدى القضايا الاقتصادية، إلى التعامل معها على أنها قضية أمنية وسياسية في المقام الأول. الأمر الذي وضع الاتحاد الأوروبي ودوله في مأزق بين الرغبة في منع وتقييد لطلبات اللجوء، وبين احترام القيم الأساسية، والتي قام عليها الاتحاد، وهي قيم حقوق الإنسان.
ولقد مرَّت القارة الأوروبية بمراحل مختلفة بدأت بفَتْح أبوابها أمام الهجرة واللجوء، خاصةً بعد الحرب العالمية الثانية والحاجة إلى إعادة إعمار القارة، وفتح الباب على مصراعيه، لکن المرحلة الثانية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي والسياسات المغلقة المتبعة والأکثر تشدُّدًا تجاه الهجرة غير الشرعية، ووَضْع ضوابط أکثر حدة أمام الهجرة واللجوء المُقنَّن، خاصةً مع وَضْع بروتوکول الاتحاد الأوروبي الذي يمثل تنظيمًا جماعيًّا. إلا أن القارة باتت في اختبار شديد الصعوبة مع انهيار الأوضاع في العراق وأفغانستان، ثم حاليًا في سوريا، وبدايات تدفق غير مسبوقة من اللاجئين من إريتريا والعراق وسوريا. الأمر الذي جعلها في موقف تظهر فيه الاعتبارات الإنسانية أکثر إلحاحًا، لکنها تصطدم بالاعتبارات السياسية والاقتصادية الخاصة بدول القارة؛ ولذا، باتت الدول الأوروبية، کدول ديمقراطية حاضنة لحقوق الإنسان، مطالبة بفَتْح أبوابها أمام تلک الموجات والتدفقات.
وخلال السنوات الماضية، غلب على سياسات الهجرة الأوروبية الطابع الأمني، بمعنى الترکيز على البُعد الأمني في إدارة هذا الملف، من خلال مجموعات من السياسات، رکَّزت من خلالها الدول الأوروبية على التعاون مع دول جنوب المتوسط التي تعد مصدرًا وممرًّا للمهاجرين لتشديد الرقابة على حدودها، ومنع تدفق موجات الهجرة غير الشرعية إلى الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن تعقُّب شبکات التهريب، واستقبال المهاجرين الذين تتم إعادتهم مرة أخرى في مراکز الاحتجاز؛ حيث يتعرضون لألوان متعددة من التعذيب وإساءة المعاملة والمعيشة في ظروف غير إنسانية[xxii].
بالإضافة لذلک، رکَّزت سياسات الدول الأوروبية في إدارة ملف الهجرة غير الشرعية على تشديد الرقابة على حدود الاتحاد الأوروبي الخارجية، وتشغيل دوريات أمنية في البحر المتوسط لِمَنْع تقدم سفن المهاجرين إلى القارة الأوروبية. وخلال أزمة اللاجئين الراهنة لم يختلف المسلک کثيرًا على المستوى الأمني؛ حيث کان تشديد الرقابة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي أحد العناصر الرئيسة في کافة خطط الاتحاد الأوروبي المعلن عنها. وفي هذا الإطار؛ تصاعدت دعوات اللجوء إلى الخيار العسکري، من خلال استخدام قطع بحرية وجوية لضرب المراکب التي تستخدمها شبکات التهريب.
الإشکالية الثانية: التعامل مع ملف الهجرة واللجوء يتم على أساس سياسة کل دولة من دول أوروبا منفردةً، بمعنى عدم وجود سياسة مُوحَّدة من قبل الاتحاد الأوروبي بشأن عملية اتخاذ القرار للتعامل مع هذا الملف. الأمر الذي يفسر الصراع القانوني المؤسسي بين دول الاستقبال الأول بحکم الموقع الجغرافي (إسبانيا- إيطاليا– اليونان- قبرص– ومالطا) مع دول الشمال، مثل: (فرنسا- بريطانيا- ألمانيا– النمسا .. وغيرها)؛ حيث تنطلق خطة الاتحاد الأوروبي من مبدأ المشارکة بين کافة الدول الأعضاء في تحمُّل أعباء إدارة الأزمة، وعدم تکفل دولة واحدة بها، وترفع لواء هذا المبدأ بشکل دائم الدول التي تتحمل العبء الأکبر لاستقبال اللاجئين، خاصةً ألمانيا والسويد إلى جانب الدول الحدودية التي تمثل المحطة الأولى لوصول اللاجئين للقارة، وعلى رأسهم إيطاليا واليونان ومالطا؛ حيث تنادي هذه الدول بتحمُّل کافة دول الاتحاد الأوروبي الأعباء المالية والعسکرية والاستيعابية. والجدير بالذکر أن بعض الدول قد احتجت بأن أوضاعها المالية والاقتصادية لا تسمح بتحمُّل حصتها من الأعباء، منها: المجر، سلوفاکيا، التشيک، بولندا إضافة إلى النمسا.
وعلى جانب آخر، حاول الاتحاد الأوروبي استحداث أدوات ومؤسسات أوروبية (فوق قومية) يمکن أن تساهم في التقليل من تأثير السلبي للهجرة غير الشرعية؛ حيث تم إنشاء وکالة فرونتکس في العام 2004، ودخولها حيز التنفيذ عام 2005، وتأسيس اليوروسور (وهو نظام مراقبة الحدود الأوروبية) في عام 2008، ودخول الاتفاقية حيز التنفيذ عام 2013، ورغم ذلک فقد ظلت تلک المؤسسات غير قادرة على مَنْع تدفق الهجرة غير الشرعية وطلبات اللجوء السياسي إلى أوروبا، وتظل الکلمة العليا في التعامل مع ملف الهجرة واللجوء في يد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
ورغم جهود التنسيق بين کافة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروربي، بدت السياسات الأوروبية متباينة إلى حد کبير، فبينما هناک دول تستقبل اللاجئين بشکل مُکثَّف مثل ألمانيا وفرنسا، کانت هناک دول أخرى ترفض استقبال اللاجئين واتخاذ إجراءات متشددة، مثل: المجر والنمسا[xxiii].
الإشکالية الثالثة: حالة الصعود المتنامي لوزن قُوى اليمين المُتطرِّف، لاسيما منذ العام 2014، والواقع أن هذه الأحزاب في الوقت الحاضر لم تعد ظاهرة هامشية في المشهد السياسي الأوروبي، بل إنها أصبحت ذات ثِقَل شعبي لا يُستهان به، وطرفًا ثابتًا في المعادلات الانتخابية، وفاعلًا سياسيًّا يتزايد تأثيره في صياغة الرأي العام الأوروبي، خاصةً بعد تفشي ظاهرة الهجرة غير الشرعية وموجات الإرهاب التي تضرب المدن الأوروبية[xxiv].
ولقد تم الترکيز على هذه الإشکالية، وتم تناولها بشيءٍ من التفصيل في هذه الورقة، من خلال تحديد ماهية أحزاب اليمين في الدول الأوروبية، وأسباب الصعود اليميني، وکيف أثر ذلک على سياسات اللجوء والهجرة. والجدير بالذکر أن مفهوم أحزاب اليمين، وخاصةً أقصى اليمين من المفاهيم غير الواضحة؛ حيث لا يوجد اتفاق بين الباحثين حول ماهية المقصود بالمفهوم، شأنه في ذلک شأن أغلب مفاهيم العلوم الاجتماعية والسياسية[xxv]، ولقد عرف الباحث الفرنسي “بيار أندريه تاجياف”، مفهوم أقصى اليمين بأنه “القومية المعادية للأجانب، أو القومية العنصرية ذات الأسس الإثنية، القائمة على العرق، الثقافة أو التاريخ”، ويمثل کره الأجانب أحد مظاهرها الأکثر تجليًا، ومن ثم فإنه يمکن القول إن أحزاب أقصى اليمين هي عائلات سياسية تقع في محيط الخريطة الحزبية، وتوصف أيضًا بالتطرُّف[xxvi].
v أهم الرکائز التي تقوم عليها سياسات الأحزاب اليمينة المُتطرِّفة:
أولًا: معاداة الأجانب؛ حيث تتبنى أحزاب اليمين المُتطرِّف سياسات مُتشدِّدة أو مُتطرِّفة ضد الآخر، انطلاقًا من بُعد الهُوِيَّة باعتبارها إحدى الرکائز المهمة في الخطاب السياسي للأحزاب اليمينة المُتطرِّفة، فشعار (أوروبا للأوروبيين) هو جوهر فلسفة هذه الأحزاب[xxvii]. فالدول الأوروبية يجب أن يقطنها سکانها الأصليون، والذي يمثل في إدراک أقصى اليمين “نحن”، ولا مکان فيها للأجانب الذين يمثلون “الآخر”، وهم بمنولة الخطر الذي يهدد المجتمعات الأوروبية، ويروج هذا التيار لفکرة أن استمرار تدفق المهاجرين سيؤدي إلى انقراض الهُوِيَّة الأوروبية الأصلية[xxviii].
ولذا فإن هذه الأحزاب تتخذ موقعًا مُتشدِّدًا صارِمًا ضد الهجرة؛ لأنها ستأتي بمهاجرين من خارج السياق، خاصةً بعدما عرف بثورات الربيع العربي، والتي نتج عنها موجات من الهجرة غير الشرعية، وهو ما مثَّل تحديًا غير مسبوق للعلاقات العربية/ الأوروبية، ويزيد الوضع خطورة مع حدوث مواجهات أو ضربات إرهابية داخل دول أوروبية على غرار ما حدث في فرنسا، مما عزَّز من الرؤى السائدة أصلًا داخل أوروبا عن فکرة الإرهاب العربي أو الإسلامي وخطورته على مصالح الأمن القومي الأوروبي، ودفاعها المستميت عن الهُوِيَّة الأوروبية، ورفضها للسياسات الأوروبية في مجال الهجرة واللجوء. ومن ثم لأن هذه الأوضاع تعطي قوة للخطاب اليميني المُتشدِّد، خاصةً تنامي شعبية هذه الأحزاب لدى الرأي العام في الدول الأوروبية، مما يزيد من فرصها في الحصول على مزيد من القوة والنفوذ السياسيين[xxix].
ثانيًا: الشعبوية؛ حيث کان لصعود التيارات المُتطرِّفة في الدول الأوروبية والولايات المتحدة تنامي مفهوم “الشعبوية”[xxx]populism ، والذي يقوم على التبسيط الشديد للقضايا، وطرح وعود بتحقيق أقصى تطلعات الشعوب، عبر سياسات تتسم بالبساطة والجاذبية والغموض، وطغيان الأبعاد العاطفية والترکيز على حالة الاستقطاب والانقسام داخل الدولة وتأجيج مشاعر الغضب تجاه الآخر. هذا إلى جانب أن الخطاب الشعبوي يروج لمعلومات مغلوطة، وذلک في إطار خداع الجمهور المتعمد؛ من أجل الحفاظ على تأيدهم[xxxi].
وتقسم الشعبوية المجتمع إلى فريقين متصارعين من الناحية الأخلاقية، وتتبنى خطابًا سياسيًّا احتجاجيًّا في مواجهة “النخب الحاکمة الفاسدة”، وللأوضاع القائمة. کما تنظر للمشهد السياسي بين هم ونحن أو الشعب والعدو. ومن ثم، نجد سياسات التعبئة والتأثير على الرأي العام، خاصةً في القضايا محل اهتمامهم، ويزعمون أن السياسيين قد تجاهلوها منذ فترة طويلة. وهي تنحاز إلى الاهتمامات العامة کوسيلة لتوسيع نطاق انتشارها، مثل: المبادرات الشعبية، والدفاع عن الإسکان الاجتماعي أو التصدي لجرائم العنف، أو بَدء مبادراتها الخاصة. على سبيل المثال، ضد بناء المساجد أو مراکز اللجوء المحلية. ويمکن القول أن تلک الأحزاب تلعب دورًا ممثلًا للأغلبية الصامتة والمدافع عن القضايا التي تمس الشعوب الأوروبية الأصيلة[xxxii].
وقد شهد العالم الغربي في الفترة الأخيرة حالة من الصعود المتنامي لقوة اليمين المُتطرِّف. فحسم “دونالد ترامب”، السباق الانتخابي في الولايات المتحدة الأمريکية في الفترة ما بين (20 يناير 2017 – 20 يناير 2020)، وفي السياق ذاته الصعود اليميني المُتطرِّف، والذي ظهر جليًّا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الدول الأوروبية، أضف إلى ذلک تصويت غالبية البريطانيين لمصلحة انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي؛ حيث تشير هذه الأحداث إلى تصاعد اتجاهات “الارتداد للداخل”، ووجود حالة من الرفض الشعبي لتداعيات العولمة والانفتاح على العالم الخارجي على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، وتزايد الدعوات بعودة السياسات الأحادية، وإعلاء المصالح الوطنية، وتراجع السياسات متعددة الأطراف.
ويوضح الجدول الآتي حصاد أحزاب أقصى اليمين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الدول الأوروبية:
المصدر: فتحي بولعراس، تأثير صعود اليمين المتطرف في الاتحاد الأوروبي، السياسة الدولية، العدد 214، أکتوبر 2018، المجلد 53 ص 65.
وبالنظر إلى نتائج الانتخابات الأخيرة في الدول الأوروبية، کما هو موضح بالجدول أعلاه، نجد أن هذا التيار مُتجذِّر في المشهد السياسي الأوروبي، وهو تعبير عن القبول الشعبي لخطابه السياسي الرافض للعولمة والدعوة إلى عودة الدولة المرکزية. والتشکيک في تجربة الاتحاد الأوروبي والتجربة التکاملية، ورفض العملة الموحدة (اليورو). وهنا يجب الإيضاح أن هناک شبه إجماع بين أحزاب اليمين المُتطرِّف في الدول الأوروبية على رفض فکرة الفيدرالية السياسية للاتحاد الأوروبي، إلا أنه يمکن رصد تيارين: الأول، يرفض تجربة الاتحاد بشکل تام، وهو ما يطلق عليه (المعارضة الصُّلبة). وهناک تيار آخر أکثر مرونةً لا يرفض فکرة الاتحاد، ولکنه يرى أن دوره تنسيقيٌّ وليس سياديًّا ما بين دوله (المعارضة الناعمة)[xxxiii].
ويمکن القول، إن نجاح قوة اليمين المُتطرِّف قد نجحت في استمالة الرأي العام الأوروبي؛ نظرًا لأنها أولت الاهتمام بقضايا مهمة، على رأسها فکرة الخصوصية الثقافية والهُوِياتية للقارة الأوروبية عامةً، ولکل بلد أوروبي، وهو ما يختلف عن فلسفة الاتحاد التي تقوم القائمة على التعدد والاندماج. وما تثيره تلک القضية من قضايا أهمها مشکلة الحدود وإلغاؤها ما بين دول الاتحاد. الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من تدفقات المهاجرين وطالبي اللجوء من بؤر الصراع (خاصة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا). ومن ثم تحوُّل المجتمعات الأوروبية إلى مجتمعات متعددة الإثنيات، والذي بدوره يهدد الهُوِيَّة الأوروبية. ويشکل العدد المتزايد من المهاجرين ضغطًا کبيرًا على المجتمعات الأوروبية على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتستغل قوة اليمين المُتطرِّف ملفات الهجرة واللجوء؛ للترويج لأفکارها، خاصةً في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تعانيها القارة الأوروبية. والجدير بالذکر أن نسبة البطالة وفقًا لتقرير لوکالة الإحصاء الأوروبية (يوروستات) تقدر بنحو 17.5 مليون شخص[xxxiv]، فضلًا عن أن تزايد أعداد المهاجرين واللاجئين يکرس من تلک الأزمة.
ولکن الجدير بالملاحظة، وعلى الرغم من أن أحزاب اليمين المُتطرِّف تهاجم فکرة الاتحاد الأوروبي، إلا أنها لم يسبق لها مقاطعة الانتخابات الأوروبية؛ حيث يقدر عدد نواب هذا التيار في البرلمان الأوروبي بحوالي 174 نائبًا من أصل 751، أي بنسبة 23.16%. کما أن لهم مجموعة برلمانية تأسست في العام 2015[xxxv].
ولا شک أن تجربة التکامل الأوروبي في مأزق کبير، وهي مُهدَّدة بالتصدع والانهيار، خاصةً في ظل تنامي قُوى اليمين المُتطرِّف في دول الاتحاد، والذي يدعو إلى التفکک والانعزال ومناهضة أفکار التکامل والتضامن الاجتماعي بين الشعوب، ومواجهة التحديات المشترکة، ورفضه للعولمة في کافة صورها، والدعوة إلى فرض إجراءات حمائية لتقييد حرية التجارة، ومحاربة سياسات الهجرة؛ حيث إنها من ناحية تشکل عبئًا اقتصاديًّا على الدول، ومن ناحية أخرى فهذه السياسات تهدد الهُوِيَّة الوطنية؛ حيث إن الأدوات الرئيسة التي تؤدي إلى ازدهار اليمين المُتطرِّف، هي استغلال المخاوف الاقتصادية والاجتماعية، وانعدام الثقة في الطبقة السياسية، وتزايد “شرعية” الإسلاموفوبيا في الخطاب العام.
المحور الثالث: الصعود اليميني المُتطرِّف وظاهرة التَّنْمِيط تجاه المُسلِمين:
عرَّف الدکتور “إدوارد سعيد”، الاستشراق بأنه “محاولة بِنَاء جديدة للشرق والهيمنة والسيطرة عليه”[xxxvi]، أي محاولة فَهْم “الآخر” الإسلام، وقد بنى هذا الفَهْم على الصورة النمطية السلبية للإسلام؛ حيث نجد أن مفردات مثل: (إرهابيون- متطرفون- غير متقبلين للآخر- قمع المرأة- غير حضاري)، هي المفردات اللصيقة بالصورة الذهنية النمطية تجاه المسلمين، في مقابل الحضارة الغربية التي تتسم بالديمقراطية وحقوق الإنسان والحضارة الإنسانية.
والإسلاموفوبيا هو المصطلح الأکثر استخدامًا لوصف التحيُّز والمشاعر السلبية والعداء تجاه الإسلام والمسلمين. ويمکن أن تستند ظاهرة الإسلاموفوبيا إلى أفکار حول الإسلام کدِينٍ وعلى أفکار حول المسلمين کمجموعةٍ ثقافية وعرقية. وتصور الأفکارُ المعاديةُ للإسلامِ الإسلامَ وَالمُسلِمين کتهديدٍ وجودي لغير المُسلمين. ويجادل البعضُ بأن مصطلح الإسلاموفوبيا هو المعادلة المباشرة لمعاداة السامية، وأن المسلمين أصبحوا “اليهود الجدد”- الأقلِّية الأکثر کرهًا وتعرُّضًا للخطر. وتعد نظرية “أورابيا” رکيزة أساسية لدوائر الإسلاموفوبيا الغربية؛ حيث يعتقدون أن النخب الأوروبية والقادة المسلمين قد دخلوا في خُطة سرية لـ “أسلمة” أوروبا[xxxvii].
في حين أن ما يُفهم على أنه الإسلاموفوبيا اليوم له تاريخ طويل، فإن المصطلح نفسه صاغه عام 1918 باحثان فرنسيان. استخدموا المصطلح لتصنيف ما اعتبروه جهدًا سياسيًّا من قبل القُوى الاستعمارية لتقويض الإسلام[xxxviii]. ومع ذلک، لم يتم نَشْر هذا المصطلح إلا في أواخر التسعينيات، مع تقرير مؤسسة الأبحاث البريطانية للمساواة بين الأعراق Runnymede Trust، الإسلاموفوبيا: تحدٍ لنا جميعًا[xxxix]. ووفقًا للتقرير، فإن مصطلح الإسلاموفوبيا يشير إلى “عداء لا أساس له من الصحة تجاه الإسلام”. وتقر المؤسسة بأنه على الرغم من أن المصطلح “ليس مثاليًّا”، إلا أنه طريقة مختصرة مفيدة للإشارة إلى الرهبة أو الکراهية للإسلام. وبالتالي، الخوف أو الکراهية لجميع المسلمين أو معظمهم[xl]. ومنذ ذلک الحين، تم استخدام المصطلح في کل من السياسة والأوساط الأکاديمية.
ومن بين المفاهيم الصريحة، فإن تعريف “إريک بليش” للإسلاموفوبيا بأنه “مواقف أو عواطف سلبية عشوائية مُوجَّهة إلى الإسلام أو المسلمين”[xli]، ربما يعد أکثر التعريفات التي لاقت شيوعًا داخل الأوساط الأکاديمية.
ويمکن القول، إن الأعمال المبکرة حول الإسلاموفوبيا تعمَّقَتْ في المقام الأول في التمثيل الإعلامي والقوالب النمطية دون مزيد من التنظير أو الاستجواب للجوانب الهيکلية التي أبلغت أو شکلت الصورة العامة للإسلام والمسلمين.
وأدى استخدام مصطلح الإسلاموفوبيا سياسيًّا، إلى رفض البعض لهذا المصطلح باعتباره معياريًّا للغاية، فالنقد الرئيس يتعلق بمصطلح “فوبيا”، والذي يعني الخوف المرضي؛ حيث يتم استخدامه بشکل شائع لتصنيف الأمراض العقلية عندما يکون الخوف من شيء ما غير منطقي، ويستحيل السيطرة عليه. وهناک قضية أخرى، وهي أن المصطلح يخلط بين معارضة الإسلام والتحيز تجاه المسلمين. في حين أن معارضة الإسلام قد تترجم إلى تحيز تجاه المسلمين، إلا أن الدراسات التجريبية[xlii] – ولزيادة مستوى الدقة وتنحية الترکيز على اللاعقلانية- استبدل بعض الباحثين بها مصطلح الإسلاموفوبيا بفئتين مختلفتين من الناحية التحليلية، وهما معاداة الإسلام ومعاداة المسلمين[xliii]، ويمکن تعريف معاداة الإسلام على أنها “تأطير الإسلام على أنه أيديولوجية شمولية متجانسة تهدد الحضارة الغربية[xliv]، في حين يمکن تعريف معاداة المسلمين على أنها معتقدات مفرطة في التبسيط، ومشاعر سلبية وتقييمات للمسلمين کمجموعة[xlv].
وعلى الرغم من أن مصطلح الإسلاموفوبيا لايزال مصطلحًا محل خلاف، وأن البدائل المذکورة أعلاه موجودة بالفعل، فإن بعض العلماء يقترحون الاحتفاظ بها لمجرد أنها أصبحت المصطلح الأکثر استخدامًا لوصف المشاعر المعادية للمسلمين و/ أو الإسلام في النقاش العام والأوساط الأکاديمية. بدلًا من إدخال مصطلحات جديدة، ويجب على العلماء المساعدة في التحديد الدقيق للمصطلحات الموجودة بالفعل[xlvi].
وقد تصاعدت التعبئة المنظمة ضد الإسلام والمسلمين في الديمقراطيات الليبرالية بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة من قبل القاعدة. وأدى هذا إلى ظهور ما أصبح حرکة عبر وطنية معادية للإسلام. وتشمل المجموعات الناشطة البارزة رابطة الدفاع الإنجليزية EDL، والأوروبيون الوطنيون ضد أسلمة الغرب PEGIDA، تحت اسم حملة (أوقفوا الأسلمة) .. وغيرها من الحرکات المعادية للإسلام[xlvii].
وربما کان من الممکن القول إن تلک الظاهرة تضرب بجذورها عميقًا في تاريخ قديم حافل من العلاقات المضطربة بين الغرب والإسلام، استقر فيها هذا الأخير في ذهنية الغرب بوصفه تعبيرًا عن خطر داهم محدق يتهدد کل ما هو غربي، ربما انطلاقًا من الصيرورة التاريخية للعلاقة بين الحضارة الإسلامية ونظيرتها الغربية[xlviii]؛ حيث يرى النشطاء المناهضون للإسلام أنفسهم کجزء من صدام حضاري مستمر يمتد إلى الصراع التاريخي بين الدول الإسلامية والمسيحية، مثل الغزو الأموي لإسبانيا وفرنسا في القرن الثامن، والفتوحات العثمانية للقسطنطينية عام 1453، وحصار فيينا عام 1683. وبما أنهم ينظرون إلى الإسلام على أنه أيديولوجية شمولية تهدد الحضارة الغربية، فإنهم يسعون للسيطرة على ممارسة الإسلام، والحد منه ووقف هجرة المسلمين، وکذلک يدعو البعض إلى طرد جميع المسلمين من الأراضي الغربية.
وعلى مدى العقدين الماضيين، خضعت العديد من الأحزاب اليمينية المتطرفة أيضًا إلى إعادة توجيه أيديولوجي معادٍ للإسلام[xlix]، وتم وصف ظاهرة الإسلاموفوبيا بأنها “واحدة من کُبرى التحديات في أوروبا” على المستوى السياسي[l].
ويرى “کاس مود”، الباحث في أحزاب اليمين المُتطرِّف، بأن أزمة اللاجئين في العام 2015 – على وجه الخصوص- “أطلقت العنان لعربدة الإسلاموفوبيا”[li]. کما يجادل بعض العلماء أيضًا بأن سياسات “مکافحة الإرهاب” للدول الغربية هي في جوهرها معادية للإسلام؛ لاستهداف المسلمين کإرهابيين محتملين[lii].
ولقد انتشر المصطلح في المجال الأکاديمي بعد أن تم نَشْر تقرير بريطاني عن الإسلاموفوبيا بعنوان:Islamophobia: a challenge for us all (الإسلاموفوبيا تحدٍ لنا جميعًا)، وقد تناول هذا التقرير الأحکام المسبقة التي يتم إطلاقها على مسلمي بريطانيا، وحالات الاستبعاد الاجتماعي، والعنف الجسدي وتاريخ وجود الإسلام في بريطانيا، إلى جانب الدور الذي يلعبه الإعلام في تعزيز هذه الظاهرة[liii]. ومن ثم، دخل هذا المصطلح قاموس السياسة الأوروبية، وتحوَّلت إلى مفردة لها معنًى مُحدَّدٌ في عصرنا کما حصل في القرن التاسع عشر مع مفردة السامية[liv].
ولقد نال المصطلح درجة من القبول اللُّغوي والسياسي إلى حد قيام السکرتير العام للأمم المتحدة “کوفي عنان”، برئاسة مؤتمر بعنوان: “مواجهة الفوبيا من الإسلام”، ديسمبر 2004، فضلًا عن إدانة قمة المجلس الأوروبي للفوبيا من الإسلام في مايو 2004[lv].
v ويمکن الوقوف على بعض الأسباب وراء انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا على النحو الآتي:
أولًا: البُعد التاريخي:
يمکن القول إن الفتوحات الإسلامية التي بدأت منذ بداية الإسلام، والتي توسعت حدودها وآفاقها على امتداد قرون طويلة لاحقة، قد شکلت أُولى الخبرات المؤلمة التي تعرَّض لها الغربُ في علاقته بالعالم الإسلامي، تلک الخبرات التي غرست بذور الخوف من الإسلام في الصورة الذهنية لدى الغرب.
ثانيًا: الجهل بالإسلام:
الواقع أن الغرب جاهل لحقيقة الإسلام، فهو يستقي معلوماته عن الإسلام من مصادر تفتقر – في کثير من الحالات- إلى الموضوعية والنزاهة والتجرُّد، أو الإحاطة الکافية بحقيقة الإسلام وجوهره. فالمناهج المدرسية، وحتى الجامعية في العالم الغربي، ما تزال مثقلة بکم هائل من المعلومات المغلوطة والمضللة عن الإسلام، التي تعود في جذورها إلى مرجعيات تحوي الکثير من التعصُّب. وفي هذا الإطار[lvi]، يشير أحد الباحثين إلى “أن القليل من إنتاج المستشرقين الجدد، وهو کثير في حد ذاته، يذهب إلى صانعي السياسة والقرار في الغرب. بينما يذهب الکثير من إنتاجهم إلى الرأي العام عن طريق أجهزة متطورة للإعلام والدعاية ليؤکد صورًا نمطية أو يشوهها[lvii].
ثالثًا: اختلاف المنطلقات القيمية:
تتداخل التعارضات القيمية والحضارية لترسيم شکل العلاقة بين الإسلام والغرب إلى حد بعيد. فبينما يمکن الإقرار إلى هذا القدر من الصراع الذي يحکم علاقة العالم الغربي بالإسلام يستند في جزء منه إلى اختلافات حضارية عميقة ضاربة بجذورها في التاريخ. وفي هذا الإطار، تقدم نظرية صراع الحضارات Clash of civilization لصاحبها المنظر الأمريکي “صامويل هنتغتون” Samuel P. Huntington في کتابه؛ حيث رکَّز “هنتغتون” على الإسلام، وقال بأن “حدوده دموية، وکذا مناطقه الداخلية”، مشيرًا لصراعات المسلمين مع الأديان الأخرى، مثل: الصراع في السودان وجنوبه، وبين الهند وباکستان، والصراعات داخل الهند نفسها بين المسلمين والهندوس، وتساءل “هنتغتون” عمَّا إذا کانت الهند ستبقى دولة ديمقراطية علمانية أم ستتحول إلى دولة هندوسية على صعيد ومشکلات الهجرة في أوروبا، وتنامي العنصرية في ألمانيا وإيطاليا ضد المهاجرين من شمال إفريقيا وترکيا، کذا مشکلات المسلمين الترکمان في الصين، وصراعات المسلمين الآزيريين مع الأرمن، وصراعات المسلمين في آسيا الوسطى مع الروس، والمسلمين الأتراک في بلغاريا، ولکنه حدَّد الصراع بأنه بين العالم المسيحي بقيمه العلمانية من جهة، والعالم الإسلامي من جهة أخرى.[lviii]
بالإضافة إلى ذلک، فإنه من الممکن أيضًا القول إن جزءًا مهمًا من ذلک الصراع يرتکز إلى تضارب المصالح بين الإسلام والغرب؛ بحيث يبدو الغرب على درجة من الاستعداد للقبول بإسلام “معتدل” يضمن مصالحها السياسية والاقتصادية ولا يشکل تهديدًا لها[lix].
رابعًا: انتشار الفکر المُتطرِّف:
تتمتع المبادئ والنظريات، وبخاصة العقائدية، بطابع مثالي يتيح هامشًا معقولًا من الانفصال بينها من جهة، وبين أتباعها وتطبيقه على أرض الواقع من جهة أخرى؛ حيث إن انتشار الفکر المُتطرِّف والعمليات الإرهابية التي يقوم بها معتنقو هذه الأفکار لمِن العوامل المهمة التي ساهمت بشکل کبير في انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا. فعلى سبيل المثال، يمثل انتشار تنظيم الدولة الإسلامية المعروف إعلاميًّا بـ “داعش” مخاوف حول قدرة المجتمعات الغربية في حماية مواطنيها.
وليس من الخفي على أحد أن الأمة الإسلامية تعاني منذ قرون عديدة واقعًا مأزومًا على مختلف الأصعدة والمستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو ما ينعکس في صعيد الإسهام الحضاري والمشارکة في ارتقاء الإنسانية وتقدُّمها. الأمر الذي أدى إلى الخلط بين الأفکار ومعتنقيها، فيتم عزو ما يقترفه هؤلاء من أخطاء وتجاوزات إلى الأفکار التي يزعمون تبنيها. وهذا يظهر واضحًا تمامًا في حالة الإسلام والمسلمين، إذ يتم تحميل الإسلام مسؤولية السلوک غير السوي الذي يصدر عن بعض المسلمين.
بالإضافة إلى الجهل بحقيقة الإسلام، وإثبات صحة الصور النمطية المرتسمة في أذهان الکثيرين من أبناء الغرب عنهم، والتي تطورت عبر قرون طويلة ظللتها أجواء التصارع والتفاعل المتوتر غير المتوازن بين الجانبين[lx].
وتترکز الإشکالية الأساسية، وهي محل اهتمام هذه الورقة على استغلال “ظاهرة التنميط” المتمثلة في حالة الإسلاموفوبيا في نَشْر معاداتها للمسلمين في أوروبا، سواء أکانوا المهاجرين المقيمين منذ زمن أم الوافدين الجدد، واستغلال ذلک في خطاباتها التي تعتمد على إثارة مشاعر الخوف والغضب وکراهية الآخر، من خلال الترويج لمجموعة من الادعاءات، فهي ترى الإسلام الخطر الأکبر على القيم المسيحية وعلى الهُوِيَّة الغربية. والنظر إلى زيادة نسبة المواليد لدى المسلمين في مقابل انخفاضها لدى الأوروبيين على أنها مصدر تهديد. أضف إلى ذلک نسبة معتنقي الإسلام من الأوروبيين. کما تربط أحزاب اليمين بين المسلمين وبين تصاعد وتيرة الإرهاب في أوروبا ويستندون إلى کل الحوادث الإرهابية التي شهدتها الدول الأوروبية مثل حوادث باريس ونيس وبروکسيل، وميونيخ وملهى فلوريدا.
وعليه، فإن النظر إلى ظاهرة الإسلاموفوبيا على أنها تعکس حالات فردية أو حوادث عارضة غير صحيح، فتلک الظاهرة أصبحت ظاهرة لها منظريها ومفکريها، فنظرية ما يُسمى بـ “الاستبدال الکبير” le grand replacement نظرية جديدة، تأخذ مساحات متزايدة من الجدل، وأصبحت أيضًا مصدر الإلهام للعديد من الأفراد والحرکات العنصرية، والتي تستهدف المسلمين بشکل أساسي. وتعود أصول نظرية الاستبدال الکبير إلى الفيلسوف، والکاتب الفرنسي “رينو کامو”، والذي صک هذا المصطلح في کتاب له صدر عام٢٠١١[lxi].
وهي نظرية يمينية، والتي تتمحور حول فکرتين أساسيتين: أولًا: أن السکان الفرنسيين الکاثوليک البيض، والسکان الأوروبيين المسيحيين البيض عمومًا، يجري استبدالهم بشکل منظم بغير الأوروبيين، خاصةً السکان العرب /البربر الشرق الأوسطين والشمال إفريقيين والإفريقيين من جنوب الصحراء، من خلال الهجرة الجماعية والنمو السکاني. وثانيًا: توجه نظرية المؤامرة اللوم إلى النخب الليبرالية التي تدعوا إلى التعايش، وأنصار العولمة يشترکون معًا في مؤامرة تستهدف تدمير الأوروبيين الأصليين وثقافتهم، مثل: بروکسل والاتحاد الأوروبي، والتي يتم تصويرها على أنها تدير مؤامرة أو مخططًا مسبقًا ومتعمدًا لتنفيذ استبدال الشعوب الأوروبية[lxii].
ومن ثم، نجد أن الخوف من “الآخر” الإسلام قد ظهر جليًّا في الخطاب الحزبي الأوروبي وأجندته السياسية، خاصةً مع الصعود اليميني المُتطرِّف في أوروبا، ونذکر على سبيل المثال، الجبهة الوطنية الفرنسية، وهي أول حزب سياسي استخدم مصطلح الإسلاموفوبيا في دعايته السياسية وحملته الانتخابية للتخويف من الإسلام والمسلمين، الحزب النمساوي اليميني الشعبي، والذي وصف الإسلام بأنه “العدو الأول لأوروبا والعالم”، الحزب اليميني الشعبي الدانمارکي حذر الجماهير في أثناء حملته الانتخابية من الإسلام کمصدر تهديد لأوروبا. وکذلک ما وصف به زعيم حزب “ليقا نورد الإيطالي” الإسلام، بأنه أکبر مصدر تهديد للثقافة الغربية الأوروبية[lxiii].
وفي رسالة النائب الجمهوري في الکونجرس الأمريکي لدعم “خيرت فيلدرز”، زعيم الحزب من أجل الحرية اليميني الهولندي PVV، في الانتخابات العامة الهولندية مارس 2017، عبر فيها عن مقدار القلق من عدم التوازن الديموغرافي بقوله “لا يمکنا ترميم حضاراتنا بالأطفال الذين يلدهم الآخرون”. کما صرح “فيلدرز” أن الإسلام لا ينتمي لأوروبا، ولا يجلب إلا العنف والخطر، والجدير بالذکر أنه نجح في جعل الخطاب حول الإسلام في هولندا وجزء من الرأي العام الأوروبي تصادميًّا ورافضًا لما أسماه “أسلمة أوروبا”.على الجانب الآخر ذکر أحد قادة حزب البديل الألماني AFD، أن الإسلام غريب علينا؛ ومن أجل ذلک لا يمکن أن ينطبق عليه مبدأ حرية الديانة.
وبالاستناد إلى ما سبق، فإن مظاهر ظاهرة الإسلاموفوبيا کثيرة ومتعددة سواء على مستوى الأحداث فردية، ففي عام 2015 امتنع أستاذ جامعي بجامعة فرنسية عن إلقاء محاضراته لوجود طالبة محجبة بالمحاضرة، الأمر الذي أثار حفيظة العديد من الطلاب والأساتذه، وقاموا بالاحتشاد تضامنًا مع الفتاه[lxiv]. کما انتشر في العام نفسه على مواقع التواصل الاجتماعي الطفل الأمريکي الذي قام باختراع ساعة، وعند عرضها على معلمه، تم الاشتباه أنه قد اخترع قنبلة، وقد تم احتجاز الطفل من قبل المعلم لحين التحقق من هُوِيته؛ وذلک فقط لأن الطفل يحمل اسم أحمد، وهو ما يدل على انتمائه الديني[lxv].
وعلى الرغم من تلک الممارسات الفردية إلا أنه تم رصد مجموعة مثل هذه السلوکيات بطريقة أکثر تنظيمًا وغير معلنة کحملات التفتيش التي تقوم بها السلطات في فرنسا في وسائل المواصلات، وتتسم هذه الحملات بالعشوائية، واستهداف أصحاب الملامح العربية أو الإفريقية فقط.
وعلى صعيد آخر، فبالرغم من أن في عام 2000 عندما نجح حزب الحرية اليميني المُتطرِّف “يورغ هايدر”FPO في أن يکون جزء من حکومة ائتلافية في النمسا، دعا الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات على النمسا. کما أعلن کل من “جيرهارد شرودر”، و”بيل کلينتون”، و”جاک شيراک” زعرهم واستياءهم من وصول الحزب اليميني المُتطرِّف للمشارکة في سدة الحکم، إلا أن السنوات القليلة الماضية کشفت أن هناک ممارسات تتمُّ على مستوى الحکومات؛ استنادًا على حالة الإسلاموفوبيا. ويذکر منها عام 2004 قام البرلمان الفرنسي بالتصويت على القانون الخاص بمنع ارتداء الحجاب بالمدارس الحکومية، وفي عام 2009 قام الحزب اليميني السويسري بحملة ضد بناء المآذن، ولقد جاءت نتيجة الاستفتاء إيجابية مع أهداف الحملة، خاصةً عندما لعب الإعلام دورًا جوهريًّا في هذا الصدد، وروج أن بناء المآذن سوف يهدد القيم السويسرية. إلى جانب ما نشرته الصحف الدنمارکية والسويسرية والفرنسية؛ حيث في 30 سبتمبر 2005 – وقبيل الاستفتاء- نشرت صحيفة” يولاندس-بوستن” الدنمارکية ١٢ رسمًا کاريکاتوريًّا للنبي ظهر في أحدهم معتمرًا عمامة في شکل قنبلة، وفي أخرى حاملًا سيفًا، وقد غطي عينيه بمستطيل أسود.
ولما بدأت الاحتجاجات من جهات إسلامية، على هذا العمل الکاريکاتوري” الذي يشوه الإسلام، واقترنت الرسوم بمقالة لرئيس التحرير يعرب عن دهشته واستنکاره لهالة القداسة التي يتوج بها المسلمون نبيهم داعيًا إلى فضح التاريخ المظلم لصاحب الرسالة الإسلامية وإبراز حقيقته إلى الرأي العام العالمي[lxvi].
کما ألهمت نظرية الاستبدال الکبير النيوزيلاندي الذى قام بهجوم على المرکز الإسلامي بمدينة کرايس تشرش، في ١٥ مارس ٢٠١٩، وراح ضحيته أکثر من ٥١ قتيلًا وأصيب ٥٠ آخرون. وأشار في البيان الذي أصدره لتبرير عمله الإرهابي إلى نظرية الاستبدال الکبير للمفکر الفرنسي “رينو کامو”، کما ذکر سالفًا[lxvii].
ومن ثم، فإنه يمکن القول أن ظاهرة التنميط ضد المسلمين أو ما يعرف بالإسلاموفوبيا لم تعد وسيلة للأحزاب اليمينية فقط، بل أصبحت مؤشرات في خطابات القادة والرؤساء، إما بناءً على قناعات أو تماشيًا مع توجهات الرأي العام الداخلي. فرئيس الوزراء المجري “فيکتور أوربان”، حذَّر من اللاجئين بوصفهم حاملي ثقافة جديدة مختلفة عن شعوب القارة، الأمر الذي سيؤدي بتلک الشعوب أن تغدو غريبة في أوطانها. کما زعمت “أنجيلا ميرکل” أن “التعددية الثقافية فشلت تمامًا” في ألمانيا. وصرح وزير الداخلية الألماني أن “الإسلام ليس له مکان هنا”. ثم قال وزير المالية أن الجيل الثالث من المهاجرين أسوأ من الجيل الأول، بالإضافة إلى ما قاله ” نيکولاس سارکوزي”، أن فرنسا لا تريد أن “تُلحق” بها الهجرة. کما أعلن “سيلفيو برلسکوني” أن إيطاليا ليست، ولا ينبغي أن تکون أبدًا، “دولة متعددة الأعراق”.[lxviii]
ومع تطور وسائل الإعلام الحديث وثورة تکنولوجيا المعلومات، لم يعد الإعلام المعاصر مجرد أداة لتوصيل المعرفة وتزويد الناس بالخبر أو الحدث، أو حتى مجرد وسيلة للترفيه والتسلية، بل أصبح الإعلام أيضًا أداة فاعلة في صناعة الرأي العام الذي لم يعد مُستقبِلًا للمعلومة أو الخبر فقط، بل أصبح يتفاعل ويتأثر عقليًّا وفکريًّا وسلوکيًّا مع ما يتابعه من خلال وسائل الإعلام المختلفة. ويرجع جزء کبير من النجاح الذي حققته أحزاب أقصى اليمين الأوروبية في السنوات الأخيرة، من خلال حملة نشطة للوصول إلى الفئة المستهدفة من طبقات الشعب والتأثير عليه، باستخدام وسائل الاتصال المباشر والشبکي ذات الطابع المستقل وغير المنظم، بدلًا من الاعتماد على وسائل الإعلام الرئيسة؛ وذلک للترويج لأفکارهم السياسية، فأحزابهم فقط هي التي يمکنها إعادة الدول الأوروبية إلى أيام المجد، وأن القيادات السياسية الحالية غير قادرة على مواجهة الخطر الخارجي الذي يهدد دولهم.
في وقت يزداد فيه الوعي بتهديد جديد وعالمي، وهو الخوف من الإسلام؛ حيث يعتمد نجاح العديد من الأحزاب اليمينية المُتطرِّفة على عدم ثقة الجمهور الکبيرة بالمسلمين والترويج للإسلاموفوبيا؛ حيث نجحت هذه التيارات في التأثير على الرأي العام في کثير من البلدان الأوروبية؛ حيث يعتقد أکثر من نصف الدنمارکيين أن الإسلام يعوق الوئام الاجتماعي. ويريد ثلاثة أرباع المواطنين من ألمانيا الشرقية السابقة “تقييد ممارسة الإسلام” بشکل خطير؛ ونصف البريطانيين يربطون بين الإسلام والإرهاب، ويرى أربعة من کل عشرة فرنسيين المسلمين الذين يعيشون في بلدهم “تهديدًا” لهُوِيتهم الوطنية، ويعتقد أکثر من 50 في المائة من النمساويين أن “الإسلام يشکل تهديدًا للغرب وأسلوب حياتنا المألوف”.
هذا إلى جانب ردود الأفعال العدوانية، مثل: مَنْع الأذان والطعن في نبي الإسلام، الاعتداء على المساجد، فضلًا عن تدنيس مقابر المسلمين، وصولًا إلى شن هجمات ضد الجاليات المسلمة، وإلقاء القنابل الحارقة عليهم وتوجيه الإساءات اللفظية للنساء المرتديات للحجاب، هذا إلا جانب تعقيد إجراءات الحصول على رخص إنشاء المساجد والمراکز الإسلامية [lxix]. وعلى الرغم من أن المسلمين في أوروبا ينحدرون من أجزاء مختلفة من العالم – الأتراک في ألمانيا، شمال إفريقيا في فرنسا، والباکستانيين في بريطانيا– إلا أنه يتم النظر إليهم على أنهم کتلة واحدة متجانسة، غير قادرة على الاندماج في المجتمع الأوروبي.[lxx]
ولقد خلصت الأبحاث التي تبحث في المواقف المعادية للمسلمين والمناهضة للإسلام على مستوى الجماهير إلى نتائج مختلطة. بينما تشير الدراسات الاستقصائية إلى انتشار معارضة هجرة المسلمين وبعض المواقف المعادية للإسلام[lxxi]، فإن الناس في المجتمعات العلمانية والليبرالية هم في المتوسط أکثر تسامحًا تجاه المواطنين المسلمين والإسلام من الناس في الدول الأکثر تدينًا [lxxii]. ومع ذلک، في هذه البلدان العلمانية، يوجد الأشخاص الذين لديهم أقوى المواقف المعادية للمسلمين بين غير المتدينين[lxxiii]، ويرتکز هذا التعصب جزئيًا على فَهْم ثقافي للقيم الديمقراطية الليبرالية[lxxiv]؛ حيث لا علاقة للرفض الصريح للممارسات الإسلامية بالمسلمين بصفتهم هذه، بل بالکيفية التي يُنظر بها إلى ممارساتهم على أنها تحيد عن الأعراف من المجتمع[lxxv]. وعلى نحو متصل، وجدت الدراسات التي قارنت المواقف تجاه المسلمين والمحافظين المسيحيين في أوروبا الغربية مستويات مماثلة من التحيز تجاه کلا المجتمعين[lxxvi]. ومع ذلک، فإن العمل المکثف على التفکير التآمري المعادي للإسلام بشکل صريح قد وجد أن أقلِّية کبيرة لديها مثل هذه الآراء. علاوة على ذلک، وُجد أن المواقف المعادية للإسلام مرتبطة بسمات شخصية معينة مثل توجه الهيمنة الاجتماعية[lxxvii].
الخاتمة:
إن ظاهرتي اللجوء والهجرة شأنهما في ذلک شأن الظواهر السياسية مُعقَّدتان ومتداخلتا الأسباب والنتائج. کما تعدان من أهم القضايا ذات البُعد الدولي، خاصةً في ظل تنامي بؤر الصراعات في مناطق کثيرة من العالم، وعلى رأسها منطقة الشرق الأوسط الأقرب جغرافيًّا لدول الاتحاد الأوروبي. ورغم تعدد المداخل لدراسة وتفسير هذه الظاهرة على المستويين السياسي والقانوني، إلا أنه لا يمکن إغفال دور علم النفس السياسي في تناول هذه القضية من خلال ما يعرف بسوء الإدراک من قبل دول الاتحاد الأوروبي سواء على مستوى الحکومات أم على مستوى الشعوب. والتي کرست من عمق هذه الأزمة من خلال ما يعرف بظاهرة التنميط.
ولا شک في أن صعود قُوى اليمين المُتطرِّف في دول الاتحاد الأوروبي قد ساهم في تعميق خطورة هذه الظاهرة، ومحاولة الربط بين ما تعانيه دول الاتحاد الأوروبي من أزمات على المستوى الاقتصادي والأمني والاجتماعي، وبين تصاعد وتيرة اللجوء والهجرة إلى دول الاتحاد. ومن ثم، فإن إشکالية الإسلاموفوبيا لا تخرج عن إطار الزيونوفوبيا أو ما يُعرف بالخوف من الآخر، فإن هناک جهد کبير يقع على کاهل هذا الآخر في إعادة تعريف نفسه في محاولة لتغير الصورة النمطية له. وهو أمر في غاية الصعوبة، خاصةً مع انتشار العمليات الإرهابية، والتي يتم توجيه أصابع الاتهام للإسلام. والحقيقة أن قضية الإسلاموفوبيا لا ترتبط بالخوف من الإسلام کديانة على قدر ما ترتبط بمجموعة من الظواهر کالهجرة، وارتفاع معدلات الجريمة، العنف، البطالة، الأزمات الاقتصادية، الأمر الذي أدى إلى تعقيد هذه القضية وتعدد مستوياتها.
ومن ثم، فإنه يمکن القول إننا لسنا بصدد توجهات فردية أو أقلِّيات، بل أمام إطار فکري ونظري، أصبح مصدرًا للإلهام والتعبئة ليس فقط لمعتنقي العنف، ولکن للأحزاب والقيادات السياسية في الغرب.
النتائج:
يمکن استخلاص أهم أسباب ظاهرة الإسلاموفوبيا إلى الأتي:
النظر إلى الإسلام على أنه کتلة متجانسة أحادية جامدة لا تستجيب للتغيير.
النظر إلى الإسلام على أنه کائن مستقل ليس له قيم مشترکة مع الثقافات الأخرى وهو لا يتأثر بها أو يؤثر فيها.
النظر إلى الإسلام على أنه دوني بالنسبة للغرب.. بربري وغير عقلاني، بدائي وجنسي النزعة.
اعتبار الإسلام عنيفاً وعدوانياً ومصدر خطر مفطوراً على الإرهاب والصدام بين الحضارات.
اعتبار الإسلام إيديولوجية سياسية لتحقيق مصالح سياسية وعسکرية.
الرفض التام لأيّ نقد يقدّم من طرف إسلامي للغرب.
استعمال العداء تجاه الإسلام لتبرير ممارسات تمييزية تجاه المسلمين وإبعادهم عن المجتمع المهيمن.
اعتبار العداء تجاه المسلمين أمراً عادياً وطبيعياً ومبرراً.
التوصيات:
مواجهة الإسلاموفوبيا عملية مرکبة ومعقدة تتشابک فيها الأدوار ولا تنفصل عن بعضها البعض، تلعب فيها المؤسسات الدينية المحلية في العواصم الغربية دورا لا يکتمل إلا بأدوار الأفراد والمنظمات الإسلامية الدولية.
العمل على تغيير الصورة النمطية للمسلمين، وذلک بالتنسق ما بين الدول الإسلامية.
نبذ الإقصاء الديني والتمييز على أساس العرق والدين.
نشر ثقافة الاختلاف واحترام الرأي الأخر
العمل على تغيير السلوکيات بما لا يخل مع الثوابت الإسلامية
التعريف بالإسلام الصحيح من خلال قنوات رسمية وبالتنسيق مع المسؤولين في الدول الإسلامية.
1) محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، الطبعة الثانية، مطبعة النهضة المصرية، 1998.
2) حامد عبد السلام زهران، علم نفس الاجتماعي، القاهرة: عالم الکتب، الطبعة السادسة 2003، ص 261.
3) داليا رشدي، تأثير سوء الإدراک في الصراعات والأزمات … إطار تحليلي، ملحق مجلة السياسة الدولية، اتجاهات نظرية في تحليل السياسة الدولية، عدد يناير 2016 ص 5.
4) Hans Rosling, Ola Rosling, Anna Rosling Roland, Factfulness: Ten Reasons we are Wrong About the world and why things are better than you think, Flatiron Books, 2018
5) المرجع السابق ، ص 6.
6) Daniel Bar-Tal (editor), Intergroup conflicts and their Resolution: A social psychological Perspective, New York: Psychology Press, 2011, pp 3-4
7) للمزيد حول العوامل المؤثرة في سوء الإدراک راجع، داليا رشدي، تأثير سوء الإدراک في الصراعات والأزمات .. إطار تحليلي، ملحق مجلة السياسة الدولية، اتجاهات نظرية في تحليل السياسة الدولية، عدد يناير 2016.
8) ميادة مجدي، الصور النمطية والعلاقة بين المجتمعات.. معضلة الإسلاموفوبيا، ملحق مجلة السياسة الدولية، اتجاهات نظرية في تحليل السياسة الدولية، عدد يناير 2016 ص 31.
9) لويس کامل مليکة، سيکولوجية الجماعات والقيادة، القاهرة الهيئة المصرية العامة للکتاب، الجزء الأول، 1989، ص 52.
10) David Shnieder, The psychology of stereotyping, New York, The Guil, ford Press, 2004, p 14
11) ibed. p.337-338
12) Norbert Elias, John L. Scotson, The established and the outsiders. A sociological enquiry into community problems, London, SAGE Publications, 1994.
13) Evering Goffman, Stigma: Notes on the management of spoiled identity, New York, Simon & Schuster, Inc., 1963.
14) خالد حنفي علي، إصلاح المدرکات الخاطئة والحد من الصراعات، السياسة الدولية، العدد 203 يناير 2016، المجلد 51 ص 3.
15) Arrow, Kenneth. 1973. The Theory of Discrimination. In O. Ashenfelter and A. Rees, eds.Discrimination in Labor Markets. Princeton, N.J.: Princeton University Press: 3 – 33.
16) Steele, Claude and Joshua Aronson. 1995. “Stereotype Threat and the Intellectual TestPerformance of African Americans.” Journal of Personality and Social Psychology 69 (5): 797 – 811.
17) Pedro Bordalo, Khatherine Coffman, Nicola Gennaioli, Andrei Shleifer, Stereotypes, 2016. Published by Oxford University Press, The Quarterly Journal of Economics (2016), 1753–1794.
18) موقع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR، والمتاح على الموقع الإلکتروني:
https://data2.unhcr.org/en/situations/mediterranean
19) محمد المديوني، وضع اللاجئين في القانون الدولي الإنساني، مجلة الأکاديمية للدراسات الاجتماعية والإنسانية، الجزائر، 2017، ص 161.
20) أحمد الرشيدي (محرر)، الحماية الدولية للاجئين، أعمال ندوة نظمها مرکز البحوث والدراسات السياسية بالقاهرة في 17-18 نوفمبر 1996، مرکز البحوث والدراسات السياسية، کلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 1997، ط1، ص 36.
21) محمد مطاوع، الاتحاد الأوروبي وقضايا الهجرة الإشکاليات الکبرى والإستراتيجيات والمستجدات، المستقبل العربي، لُبنان، مج 37-ع 431، 2015، ص 22.
22) رشيد خشانة، أوروبا والخيار العسکري في مجابهة الهجرة غير النظامية، مرکز الجزيرة للدراسات، 16/8/2015.
23) محمد مطاوع، الاتحاد الأوروبي وقضايا الهجرة الإشکاليات الکبرى والإستراتيجيات والمستجدات، مرجع سابق ص 24.
24) ريناس بنافي، صعود اليمين المتطرف الأسباب والتداعيات: دراسة تحليلية، المرکز العربي الديمقراطي، 12 مايو 2017. https://democraticac.de/?p=46400
25) Paul Hainsworth, The Extreme Right in western Europe, (Abingdon Oxon: Routledge, 2008), pp. 5-15
26) فتحي بولعراس، تأثير صعود اليمين المتطرف في الاتحاد الأوروبي، السياسة الدولية، العدد 214، أکتوبر 2018، المجلد 53 ص 60.
27) Ball Terence “from core to sore concepts: ideological innovation an conceptual changes” Journal of Political Ideologies , 4 (3)P.391, 1999
28) Cas MUUDE, Populist Radical Rights Parties in Europe, Cambridge university Press, Cambridge UK, 2007).,18-67
29) مصطفى علوي، عوامل صعود اليمين المتطرف في أوروبا، السياسة الدولية، العدد 208 إبريل 2017، المجلد 52، ص 86-87.
30) للمزيد عن مفهوم الشعبوية انظر:
Jan-Werner Muller, What is Populism? University of Pennsylvania Press, 2016, 123 p
31) ريهام باهي، تداعيات صعود اليمين في أوروبا والولايات المتحدة، السياسة الدولية، العدد 208 إبريل 2017، المجلد 52، ص 112.
32) K.Biswas, “Eye to the Right” Le monde diplomatiqe, 27 May 2011, accessed October, 10, 2018
33) فتحي بولعراس، تأثير صعود اليمين المتطرف في الاتحاد الأوروبي، ص 65-66.
34) Eurostate, newsrealease, euroindicator, July 2018:
https://ec.europa.eu/eurostat/documents/2995521/9034240/3-02072018-AP-EN.pdf/bfcf5c1a-fca8-4541-aa0a-2d5dc2e090da
35) المرجع السابق ص 68.
36) Edward w. Said, orientalism. Vitage, new york, 1979, p.3
37) Bangstad, S. (2013). Eurabia comes to Norway. Islam and Christian–Muslim Relations, 24(3), 369–391; Zúquete, J. P. (2008). The European extreme-right and Islam: New directions?. Journal of political ideologies, 13(3), 321-344.
38) Dinet, E., & Ibrahim, E.H.S.B. (1918). La Vie de Mohammed Prophéte d’Allah. Paris, France: Piazza.
39) Conway, G. (1997). Islamophobia : a challenge for us all. London, UK: Runnymede Trust. https://www.runnymedetrust.org/companies/17/74/Islamophobia-A-Challenge-for-Us-All.html
40) Ibid.,p. 4.
41) Bleich, E. (2011). What is Islamophobia and how much is there? Theorizing and measuring an emerging comparative concept. American Behavioral Scientist, 55(12), 1581–1600
42) Leibold, J., Kühnel, S., & Heitmeyer, W. (2006). Abschottung von Muslimen durch generalisierte Islamkritik? Aus Politik und Zeitgeschichte, 1; Helbling, M., & Traunmüller, R. (2018). What is Islamophobia? Disentangling citizens’ feelings toward ethnicity, religion and religiosity using a survey experiment. British Journal of Political Science, 50(3), 1-18.
43) Berntzen, L.E., & Sandberg, S. (2014). The collective nature of lone wolf terrorism: Anders Behring Breivik and the anti-Islamic social movement. Terrorism and Political Violence, 26(5), 759-779; Berntzen, L.E. (2019). Liberal roots of far right activism: The anti-Islamic movement in the 21st century. London, UK: Routledge.
44) Berntzen (2019), 11.
45) Ibid.
46) Lean, N. (2019). The debate over the utility and precision of the term “Islamophobia”. In I. Zempi & I. Awan (Eds.), The Routledge international handbook of Islamophobia (pp. 11–17). London, UK: Routledge.
47) Berntzen (2019).
48) المرجع السابق ص 1010-1011.
49) Kitschelt, H. (2012). Social class and the radical right: Conceptualizing political preference formation and partisan choice. In J. Rydgren (Ed.), Class politics and the radical right (pp. 224–251). London, UK: Routledge; Berntzen (2019).
50) Timmermans, F. (2015). Opening remarks of first vice-president Frans Timmermans at the first annual colloquium on fundamental rights. https://europa.eu/rapid/press-release_SPEECH-15-5754_en.htm.
51) Beauchamp, Z. (31 May, 2016). An expert on the European far right explains the growing influence of anti-immigrant politics. Vox. www.vox.com/2016/5/31/11722994/european-far-right-cas-mudde.
52) Massoumi, N., Mills, T., & Miller, D. (Eds.) (2017). What is Islamophobia? Racism, social movements and the state. London, UK: Pluto Press.
53) Gordan Conway, Islamophobia: a challenge for us all, Runnymede Trust, London, 1997.
54) نعيم إبراهيم الظاهر، ظاهرة الإسلاموفوبيا “الرهاب من الإسلام” کتحدٍ سياسي للعالم الإسلامي والحلول المقترحة لها، ورقة مقدمة في مؤتمر الإسلام والتحديات المعاصرة، کلية أصول الدين، الجامعة الإسلامية بغزة، فلسطين، 2001 ص. 1022.
55) Danyal babees, Islamophopia , New York sun , oct-25-2005
56) إدوارد سعيد، الاستشراق: المعرفة/ السلطة/ الإنشاء، ترجمة کمال أبو ديب، بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية 2001، ط 5.
57) مطر جميل، حوارالحضارات السياسي أولًا، المستقبل العربي، العدد ٣٢٥ (آذار ٢٠٠٦) ص٥٧ .
58) Samuil P. Huntington (1993), Clash of civilization, Foreign Affairs, summer 1993. pp. 22-49
59) fawaz Gerges ,. America and political Islam: Clash of cultures of clash of interests?, 1999Cambridge: Cambridge university press
60) نعيم إبراهيم الظاهر، مرجع سابق ص 1019.
61) Caterina Froio, Race, Religion, or Culture? Framing Islam between Racism and Neo-Racism in the Online Network of the French Far Right, Race, Religion, or Culture? Framing Islam between Racism and Neo-Racism in the Online Network of the French Far Right, Perspective on Politics, Volume 16, Issue 3, September 2018 , pp. 696-709
62) La théorie du « grand remplacement », de l’écrivain Renaud Camus aux attentats en Nouvelle-Zélande Le Monde – Mis à jour le 22 novembre 2019, https://www.lemonde.fr/les-decodeurs/article/2019/03/15/la-theorie-du-grand-remplacement-de-l-ecrivain-renaud-camus-aux-attentats-en-nouvelle-zelande_5436843_4355770.html
63) Faried Hafez, Islamophobia in Europe, Journal of Middle Eastern Studies, Jordan, vol. 53, pp. 138-139
64) ميادة مجدي، مرجع سابق ص 33.
65) المرجع السابق ص 33.
66) نعيم إبراهيم الظاهر، مرجع سابق ص 1023.
67) Attentat de Christchurch : «Une montée de la violence d’extrême droite» Par Timothée Boutry, Le Parisien, Le 15 mars 2019 à 15h23, modifié le 15 mars 2019 , http://www.leparisien.fr/faits-divers/attentat-de-christchurch-une-montee-de-la-violence-d-extreme-droite-15-03-2019-8032479.php
68) K.Biswas, “Eye to the Right,” ibid.
69) أبو بکر الدسوقي، جدلية العلاقة بين الإسلاموفوبيا واليمين الأوروبي، السياسة الدولية العدد 208 إبريل، 2017 المجلد 52، ص 85.
70) K.Biswas, ibid
71) Wright, M., Johnston, R., Citrin, J., & Soroka, S. (2017). Multiculturalism and Muslim accommodation: Policy and predisposition across three political contexts. Comparative Political Studies, 50(1), 102-132.
72) Ribberink, E., Achterberg, P., & Houtman, D. (2017). Secular Tolerance? Anti‐Muslim Sentiment in Western Europe. Journal for the Scientific Study of Religion, 56(2), 259-276.
73) ibid
74) Simonsen, K. B., & Bonikowski, B. (2020). Is civic nationalism necessarily inclusive? Conceptions of nationhood and anti‐Muslim attitudes in Europe. European Journal of Political Research, 59(1), 114-136.
75) Helbling, M., & Traunmüller, R. (2018). What is Islamophobia? Disentangling citizens’ feelings toward ethnicity, religion and religiosity using a survey experiment. British Journal of Political Science, 1–18. https://doi.org/10.1017/S0007123418000054.
76) Sleijpen, S., Verkuyten, M., & Adelman, L. (2020). Accepting Muslim minority practices: A case of discriminatory or normative intolerance?. Journal of Community & Applied Social Psychology, 30(1), 405-418.
77) For Norway, see e.g., Hoffmann, C., & Moe, V. (Eds.). (2017). Holdninger til jøder og muslimer i Norge 2017: Befolkningsundersøkelse og minoritetsstudie. Oslo, Norway: Senter for studier av Holocaust og livssynsminoriteter.