تحليل السياسة الخارجيةدراسات أمريكا الشمالية و اللاتينية

عقيدة بايدن في السياسة الخارجية الأمريكية

ترجمة احمد حيدر

في كل موسم انتخابي في الولايات المتحدة الامريكية، يبحث الناخبون عن العقيدة التي سوف يتبناها المرشح الرئاسي لادراة القضايا الدولية، التي يمكن تسميتها بالعقيدة الرئاسية، وهي مجموعة من المعتقدات الدبلوماسية التي يحددها بعض القادة في ممارستهم للسياسة الخارجية، فقد كانت عقيدة جورج بوش الابن تتمثل في محاربة الارهاب ومحاولة نشر الديمقراطية ان امكن ذلك، فيما تمثلت عقيدة باراك اوباما في تجنب الحروب التي لا حاجة لها كالحرب على افغانستان والعراق، اما عقيد دونالد ترامب فقد تجسدت في اعطاء الاولوية للولايات المتحدة الامريكية على حساب التحالفات والمؤسسات الدولية، فما هي عقيدة بايدن في السياسة الخارجية؟
من الممكن تكهن هذه العقيدة من خلال معرفة التاريخ المهني الطويل لبايدن منذ ان كان سيناتوراً في مجلس الشيوخ الامريكي الى ان وصل لمنصب نائب الرئيس، فبعض اليساريين ينظرون الى بايدن على انه متشدد، بينما يراه مناصروا ترامب بأنه ذو عقيدة ليبرالية تشجع الحروب اللانهائية، اما باقي اليمينيون فينظرون الى بايدن بوصفهُ حمامة سلام، وفي الحقيقة (الى الان) لا توجد عقيدة ثابتة لبايدن وهذا قد يكون امراً جيداً.
ان الفكرة التي تتمحور حول ان الرئيس يجب ان يمتلك عقيدة خاصة في السياسة الخارجية، هي نسخة من نظرية (الرجل العظيم)، فقد حمل الرئيس الامريكي الاسبق ابراهام لينكولن على عاتقه مصير الامة الامريكية خلال الحرب الاهلية، ومع ذلك فقد كتب معبراً عن تصرفاته ب”انني لم استطع التحكم بالاحداث،لكنني اعترف بوضوح بأن الاحداث تحكمت بي”.
وبالنظر الى المسار المهني لبايدن، يمكن القول انه رجل براغماتي (عملي)، إذ ان وجهة نظره حول القضايا الدولية تتمحور حول الوسائل اكثر من الغايات، حيث يولي الاهمية الكبرى للائتلافات، عقد المعاهدات، والتحالفات الدولية، وبينما كان الرئيس ترامب يرى انه صاحب القرار النهائي في تحديد توجه السياسة الخارجية الامريكية، فقد حشد بايدن اكثر من 2000 خبير دبلوماسي، لايمانه بالتشاركية في اتخاذ القرارات.
? بايدن المعتدل
تتمحور قصة بايدن في توجهاته حول السياسة الخارجية في ثلاثة فصول، كل واحدً منها يقع في ظل حربً ما، يبدأ الفصل الاول مع الحرب الامريكية على فيتنام في سبعينيات القرن الماضي عندما كان بايدن سيناتوراً يافعاً، واستمر كذلك الى بداية حرب الخليج الاولى سنة 1991، فقد اعتقد بايدن بأن “الطريفة الوحيدة لاخذ امة الى الحرب يجب ان تكون بموافقة واضحة من الشعب”، لذلك فقد اعتقد (شأنه شأن كثير من الامريكيين) بأن الحرب على فيتنام هي عمل خاطئ وغير اخلاقي.
خلال هذا الوقت كان بايدن ديمقراطياً في منتصف طريقه في السياسة الخارجية، إذ ايد الغزو الامريكي على غرينادا سنة 1983 والغزو الامريكي على بنما عام 1989، لكنه عارض متمردي الكونترا (الجماعات المتمردة الممولة من اليمينية والمدعومة من الولايات المتحدة) في نيكاراغوا، وفي سنة 1991 صوت بايدن ضد اندلاع حرب الخليج الاولى، إذ رأى ان صدام حسين لا يمثل تهديداً مباشراً للمصالح الحيوية للولايات المتحدة الامريكية.
? بايدن المتشدد
الفصل الثاني في تطور فكر بايدن في السياسة الخارجية هو التشدد، ويمتد منذ سنة 1991 الى سنة 2003 في ظلال حرب الخليج الاولى، ونهاية الحرب الباردة، إذ سرعان ما ندم بايدن على تصويته ضد قرار السماح بحرب الخليج الاولى سنة 1991، وانتقد بوش الاب لانهائه حملة الحرب على العراق في وقت مبكر وترك صدام حسين في السلطة، متسبباً في انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان ومعاناة للشعب العراقي.
ثم دافع بايدن عن تدخل الولايات المتحدة الامريكية في البلقان، ووصف الرئيس الصربي الاسبق سلوبودان ميلوشيفيتش بمجرم الحرب، وواصفاً ادارة الرئيس بيل كلينتون في تصرفاتها داخل الشرق الاوسط وشرق اوروبا بالتقاعس واليأس والجبن.
دعم بايدن الحرب في كوسوفو سنة 1999 مثلما دعم الحرب على افغانستان سنة 2001، كما سعى الى وقف سعي صدام حسين الحثيث لامتلاك اسلحة دمار شامل، وفي اكتوبر من سنة 2002 صوت للسماح باستخدام القوة ضد العراق.
? بايدن حمامة السلام
الحرب على العراق فتحت فصلاً جديداً في رؤية بايدن للسياسة الخارجية، إذ رأى ان غزو العراق هو فشل على المستوى الوطني والشخصي، فقد كان يتأمل ان تعطى الامم المتحدة دوراً اكبر في الاستجابة لتفادي الاعمال العدائية بالكامل، لكن المتشددين الذين كانوا يحيطون بالرئيس بوش الابن كانوا يدعون للقتال والعنف،
ويقول بايدن في هذا الخصوص ” لقد قللت من شأن نائب الرئيس ديك تشيني، ووزير الدفاع رامسفيلد، وبقية طاقم الادراة، لقد قللت الى حداً كبير من خداعهم وعدم كفائتهم”
ومنذ عام 2003، اصبح بايدن مشككاً في جدوى استخدام القوة الصلبة في السياسة الخارجية، فقد عارض زيادة القوات الامريكية في العراق (2006-2007) وافغانستان، وعارض الحرب على ليبيا عام 2011، واثار شكوكه الخاصة بشأن غارة قتل اسامة بن لادن عام 2011، وكذلك عارض رسم خط احمر ضد استخدام الاسلحة الكيميائية في سوريا، ودعم التحالف الدولي ضد داعش، كما فضل الاعتماد على حروب الطائرات من دون طيار (الدرونز) بالرغم من انتقاده لقرار ترامب بقتل الجنرال الايراني قاسم سليماني.
? بالتالي، هل رؤية بايدن الحقيقية للسياسة الخارجية تتمثل في كونه معتدلاً مثلما كان في الفترة من 1970-1991؟ او متشدداً كما ظهر في الفترة من 1991-2003؟ ام انه حمامة سلام كما تعامل مع القضايا الدولية في الفترة 2003-2020؟
الجواب قد يكون جميعهم، او قد يكون شيئاً جديداً، ففي النهاية نجد ان بايدن ليس منظراً يسعى لتطبيق برنامج خاص للسياسة الخارجية، كما انه ليس نرجسياً ينظر الى كل قضية دبلوماسية من حيث المنفعة الشخصية، بايدن رجل عصره، يمتلك ما يمتلك من نقاط القوة والضعف، وعاش وتعلم السياسة في ظلال الحروب، ويمكن القول بأن سجل الروؤساء الجدد الذين حاولوا اضفاء الطابع الشخصي المسيطر على السياسة الخارجية غير مشجع وسلبي، امريكا بحاجة الى بايدن اكثر مما تحتاج الى عقيدة بايدن.
للكاتب: Dominic tierney
عنوان المقال: in Search of the Biden Doctrine

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى