دراسات تاريخية

قراءة في: “أوراق يوسف صديق”

محمد عبدالرحمن عريف

   هو يوسف منصور يوسف صديق الأزهري (3 يناير 1910 – 31 مارس 1975) ضابط مصري كان ضمن تنظيم الضباط الأحرار في مصر. ولد في قرية زاوية المصلوب التابعة لمركز الواسطى محافظة بني سويف بمصر في 3 يناير 1910. والده وجده عملا ضابطين بالجيش المصري. والده اليوزباشي منصور صديق شارك بحرب استرداد السودان وقضى جل خدمته بالسودان توفي سنة 1911. جده يوسف صديق الأزهري كان حاكم كردفان أبان الثورة المهدية قتل خلالها وكل أسرته ولم ينجُ سوى ولداه منصور وأحمد.

    أتم يوسف صديق دراسته الأولية بمدرسة الواسطى الابتدائية ثم مدرسة بني سويف الثانوية. والتحق بالكلية الحربية، وتخرج منها عام 1933، تخصص بعد ذلك في التاريخ العسكري وحصل على شهادة أركان الحرب عام 1945. وبمجرد أن تخرج يوسف في منتصف الثلاثينيات، التحق بإحدى الكتائب بالسلوم وأخذ يمارس نشاطه السياسي في بعض الأحزاب، خاصةً اليسار المصري. قرأ كثيراً في الاقتصاد والتاريخ، وعندما نشبت الحرب العالمية الثانية في أواخر الثلاثينيات شارك في القتال الدائر بالصحراء الغربية، كما شارك في حرب فلسطين 1948، وقاد كتيبته بجرأة نادرة واستطاع أن يحتل نقطة مراقبة على خط الدفاع بين المجدل وأسدود، وكان الضباط يطلقون على المنطقة التي دخلها شريط يوسف صديق.

تنظيم الضباط الأحرار

    بدأت علاقة يوسف صديق بتنظيم الضباط الأحرار عندما تعرف على النقيب وحيد جودة رمضان إبان حرب فلسطين 1948. وبعدها بثلاث سنوات عرض عليه وحيد رمضان الانضمام لتنظيم الضباط الأحرار فلم يتردد لحظة واحدة في الموافقة. وقبل حركة يوليو بأيام زاره جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر في منزله للتنسيق من أجل الحركة، وهكذا قام يوسف صديق بدوره في قيام الحركة.

    هذا الدور أكده جمال عبد الناصر في العيد العاشر لحركتهم حينما تحدث في خطابه بهذه المناسبة عن دور يوسف صديق فيها، وقصة اعتقاله بواسطة قوات الثورة وسعادته لرؤية يوسف صديق الذي فك أسره على الفور وكذلك أكد دوره الريادي في تنفيذ الثورة كل من اللواء محمد نجيب وعبد اللطيف البغدادي وجمال حماد وحمدي لطفي في مذكراتهم التي جاءت مطابقة لمذكرات يوسف صديق.

   بدأت قصة يوسف مع الثورة قبل ليلة 23 يوليو في أحد ايام أكتوبر سنة 1951 حينما زاره الضابط وحيد رمضان الذي عرض عليه الانضمام للضباط الاحرار واطلعه على برامجهم والتي كانت تدعو للتخلص من الفساد وارساء حياة ديمقراطية سليمة فوافق واسندت إليه من قبل تنظيم الثورة قيادة الكتيبة الأولى مدافع ماكينة، وقبل الموعد المحدد بقليل تحرك البكباشي يوسف صديق مع مقدمة كتيبته مدافع الماكينة من العريش إلى مقر الكتيبة الجديد في معسكر هايكستب قرب مدينة العبور ومعه معاونه عبد المجيد شديد.

   لقد صدر كتاب “أوراق يوسف صديق” في عام 1999 عن سلسلة تاريخ المصريين، العدد 136، وقام عبد العظيم رمضان بإعداده وتحريره. يتكون الكتاب من ثمانية فصول، وكتب المقدمة له عبد العظيم رمضان، وعدد صفحاته يتجاوز الثلاثمائة صفحة. ما كتبه يوسف صديق فعلاً في الكتاب، هو الفصل الثاني وعنوانه “ليله عمري” والمنشور على الصفحات من صفحة 47 حتى صفحة 121، والفصل الثامن الذي يضم مختارات من أشعاره، والمنشور على الصفحات من صفحة 263 حتى صفحة 289.

   باقى فصول الكتاب هي مجموعة من الشهادات والأراء والمقالات والحوارات الصحفية حول يوسف صديق ودوره التاريخي ومواقفه السياسية. لذا فما يعنينا في الكتاب هو الفصل الثاني منه، الذي يروي فيه يوسف صديق دوره في ثورة 23 يوليو 1952. ففى صفحة 86 كتب يوسف صديق: “أن الضابط وحيد رمضان هو من قام بضمه لتنظيم الضباط الأحرار في أكتوبر 1951” -في صفحة 87 كتب صديق: “أنه سأل وحيد رمضان عن قيادة الضباط الأحرار، فأخبره أن يقابل البكباشى جمال عبد الناصر المدرس بكلية أركان الحرب”، ويضيف صديق “أنه عند مقابلة عبد الناصر أخذ يسأله عن باقي قيادات التنظيم، ولكن عبد الناصر أخذ يسوف في الرد، ولما قال له صديق انه أقدم منهم في الرتبة ويحق له معرفتهم، أبلغه عبد الناصر أن أقدم ضابط هو اللواء محمد نجيب”، يقول صديق “أنه أحس بالراحة عند علمه بوجود نجيب لسمعته الطيبة بين الضباط، ولأنه جاره في السكن أيضاً”.

   في صفحة 88 كتب يوسف صديق: “أنه قابل اللواء محمد نجيب وأبلغه بانضمامه للضباط الأحرار، ويضيف أنه لاحظ عند سؤاله لمحمد نجيب عن أى شئ يخص تنظيم الضباط الأحرار صغيراً كان هذا الشيء أو كبيراً، أن محمد نجيب يحيله إلى جمال عبد الناصر”. وفى صفحة 96 يقول “أن جمال عبد الناصر يضع كل خيوط التنظيم في يده وأنه الدينمو -مكتوبة هكذا بالكتاب- الذي يحرك التنظيم”. وفى صفحة 97 يقول صديق: “أنه لم يجد غضاضة في كون جمال عبد الناصر هو القائد مادام هناك اتفاق على الخط الوطنى للتنظيم”. وفى صفحة 100 كتب صديق: “أن الضابط زغلول عبد الرحمن رسول القيادة “عبد الناصر” حضر له في معسكر الهايكستب ومعه بطيخه كبيرة، وأبلغه أن التحرك الليلة وساعة الصفر هي منتصف الليل، وكلمة السر للعملية هي (نصر)”. وفى صفحة 105 كتب صديق: “أنه لم يكن يشترك في وضع الخطة العامة للثورة، والتي وضعتها لجنة على رأسها زكريا محيي الدين، وأن السرية قضت بألا يعلم أحد إلا بدوره فقط في الخطة، ولكن اعطاءه كلمة السر معناه أن قواته سيتاح لها اجتياز كل القوات الموالية للأحرار والتي ستحاصر القوات المعادية لهم”.

    في صفحة 107 كتب صديق: “أنه بعد وصول قواته لمصر الجديدة، وعندما لم يجد قوات أخرى، لم يعرف ماذا يفعل، وأخذ يفكر في كيفية الوصول لجمال عبد الناصر لكي يعرف منه ما هى الخطوة التالية”. وفى صفحة 109 كتب “أن رجاله ألقوا القبض على جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، وهما يرتديان ملابس مدنية “قمصان بيضاء وبنطلونات”، ويصف رؤيته لجمال عبد الناصر بأنه رأى الله، الذي تجلت قدرته في أن صديق كان يبحث عن جمال عبد الناصر ويفكر في السبيل للوصول إليه حتى كاد ييأس، ثم يجده فجأة أسير لرجاله، ويضيف صديق أن جمال عبد الناصر بدد له الظلام وألقى بالضوء على ما يتمناه”.

    فى صفحة 110 كتب يوسف صديق: “أن جمال عبد الناصر أخبره ان الحركة قد اكتشفها الملك، وأن هناك اجتماع لكبار قيادات الجيش في مقر القيادة الأن لضربها، وأنه لابد من احتلال القيادة”. وكتب يوسف صديق نصاً فى نفس الصفحة: “وكان قد حضر مع صديقه في عربته الخاصة (عربة جمال) وأسرعت إلى عربتي في مقدمة القوة، وذهبا هما ليستقلا عربتهما وسبقاني إلى أرض المعركة”.

   هذا هو أهم ما ورد في شهادة يوسف صديق في أوراقه، وتلك الشهادة لصديق ذاته تؤكد أن جمال عبد الناصر هو قائد ومؤسس تنظيم الضباط الأحرار، أن يوسف صديق له دور محدد في الخطة، ولا علم له بالخطة الكاملة للثورة، أن يوسف صديق لم يتحرك ساعة مبكراً عن موعده، بل تحرك وفقاً لتعليمات جمال عبد الناصر، أن دور يوسف صديق في خطة الثورة لم يكن اقتحام واحتلال قيادة الجيش، وأنه لم يكن يعلم شيئاً عما يجرى لولا مقابلته لجمال عبد الناصر الذى أبلغه بعلم الملك بتحرك الجيش، أن جمال عبد الناصر أبلغه بقيادة قواته لاحتلال القيادة، أن جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر بنص كلمات يوسف صديق في كتابه، استقلا سيارة عبد الناصر وسبقا يوسف صديق إلى أرض المعركة.

    تبقى قضية ارتداء جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر للملابس المدنية خلال لقاء يوسف صديق بهما. وهنا خلال عامي 1970 و 1971 سجل الكاتب الصحفي حمدي لطفي عميد المحررين العسكريين المصريين، شهادة يوسف صديق عن دوره في ثورة 23 يوليو، ولم يسمح له يوسف صديق بنشر تلك الشهادة، إلا في يوليو 1972، خلال الاحتفال بالعيد العشرين لقيام ثورة 23 يوليو، بعد وفاة جمال عبد الناصر بعامين، ثم أعاد حمدي لطفي نشر تلك الشهادة ليوسف صديق في كتابه “ثوار يوليو.. الوجه الأخر” الصادر عن دار الهلال في يوليو 1977، خلال الاحتفال باليوبيل الفضي لثورة 23 يوليو 1952.

     في الشهادة الأولى المنشورة في عام 1972، قال يوسف صديق “أن جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر،كانا يرتديان الملابس العسكرية، وهذا هو سبب إلقاء قواته للقبض عليهما يوم الثورة، لأن تعليمات جمال عبد الناصر كانت القبض على أي ضابط برتبة بكباشي أو أعلى منها”. ولكن في الشهادة الثانية ليوسف صديق المنشورة في عام 1999، بعد 24 سنة من وفاته، يقول “أن ناصر وعامر كانا بالملابس المدنية”. فأى شهادة نصدق؟!.

    سنعود لكتاب “أوراق يوسف صديق” نفسه لمعرفة الحقيقة. في الفصل الثالث من كتاب “أوراق يوسف صديق” يوجد مقال للواء جمال حماد، أحد الضباط الأحرار، والمعروف بمواقفه المضادة لجمال عبد الناصر. مقال اللواء جمال حماد بعنوان “لماذا التشويه في أحداث الثورة”، وهو منشور على الصفحات من صفحة 129 حتى صفحة 136، في المقال فند اللواء جمال حماد أكذوبة ارتداء ناصر وعامر للملابس المدنية في يوم الثورة، وليس ذلك فقط بل أورد شهادة الملازم ثان “محمد متولى غنيم”، الذى ألقى القبض على جمال عبد الناصر، والذى قال لحماد أنه فعل ذلك لأن عبد الناصر كان برتبة بكباشي “مقدم”، والتعليمات التي أصدرها له يوسف صديق كانت إلقاء القبض على أي ضابط برتبة بكباشي أو أعلى، ويضيف الملازم ثان محمد متولى غنيم أنه صرف عبد الحكيم عامر الذي كان برتبة صاغ “رائد”، لأن التعليمات لديه كانت لا تخص رتبته، ويقول غنيم لو كان جمال عبد الناصر يرتدي ملابس مدنية لما أثار اهتمامي لكي أقبض عليه.

    لم يكتف اللواء جمال حماد بذلك، بل أورد شهادات ضباط طابور كتيبة مدافع الماكينة الأولى، التي كان يقودها يوسف صديق، وقد أجمعوا أن جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر كان يرتديان زيهما العسكرى. يقول اللواء جمال حماد في مقاله، “أنه شاهد بعينيه جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر بملابسهما العسكرية عند بوابة مبنى رئاسة الجيش بكوبري القبة، بعد انتهاء عملية اقتحام القيادة والقبض على الفريق حسين فريد رئيس الأركان، وشاهدهما معه كل الضباط الموجودين وقتها عند مبنى رئاسة الجيش، وأنه يستحيل عليهما أن يلتقيا يوسف صديق بالملابس المدنية، ثم يذهبان لتغييرها بملابسهما العسكرية خلال مدة لم تتجاوز نصف الساعة!.

    يروي أحمد حمروش في كتابه “قصة ثورة يوليو، فيقول: اجتمعت اللجنة القيادية للثورة وقررت أن تكون ليلة 22-23 يوليو 1952 هي ليلة التحرك وأعطيت الخطة اسماً كودياً (نصر) وتحددت ساعة الصفر في الثانية عشرة مساء إلا أن جمال عبد الناصر عاد وعدل هذ الموعد إلى الواحدة صباحاً وابلغ جميع ضباط الحركة عدا يوسف صديق لكون معسكره في الهاكستيب بعيد جدًا عن مدى تحركه ذلك اليوم فآثر انتظاره بالطريق العام ليقوم برده إلى الثكنات وكان لهذا الخطأ البسيط على العكس أعظم الأثر في نجاح الثورة. فقد كان تم ابلاغ يوسف صديق (بواسطة رسول قيادة الحركة الضابط زغلول عبد الرحمن كما ورد على لسان يوسف صديق نفسه في مذكراته التي نشرها الدكتور عبد العظيم رمضان باسم أوراق يوسف صديق عن الهيئة المصرية للكتاب عام 1999م – ص100)

    وفقًا لذلك فقد تم ابلاغ يوسف صديق أن ساعة الصفر هي 2400 أي منتصف الليل وليست الواحدة صباحًا وهو الموعد الذي تم التعديل له (دون إمكانية تبليغ يوسف بالتعديل)، وكان يوسف قائداً ثانياً للكتيبة مدافع الماكينة ولم يخف الموقف على ضباطه وجنوده، وخطب فيهم قبل التحرك وقال لهم إنهم مقدمون هذه الليلة على عمل من أجل الأعمال في التاريخ المصري وسيظلون يفتخرون بما سيقومون به تلك الليلة هم وأبناؤهم واحفادهم واحفاد احفادهم. تحركت القوة من معسكر الهايكستب دون أن تدري ما يدبر في مركز القيادة، وكان يوسف صديق راكباً عربة جيب في مقدمة طابور عربات الكتيبة المليء بالجنود وما أن خرجت القوة من المعسكر حتى فوجئت باللواء عبد الرحمن مكي قائد الفرقة يقترب من المعسكر فإعتقتله القوة بأوامر من يوسف صديق وتم اقتياده بصحبة طابور القوة بسيارته التي يرفرف عليها علم القيادة محصورًا بين عربة الجيب التي يركب بها يوسف في المقدمة والطابور وعند اقتراب القوة من مصر الجديدة صادفت أيضاً الأميرالاي عبد الرؤوف عابدين قائد ثاني الفرقة الذي كان يسرع بدوره للسيطرة على معسكر هايكستب فأمر يوسف صديق أيضًا باعتقاله وأركبه إلى جانب اللواء المعتقل من قبل بنفس سيارة اللواء وساروا مع القوة والمدافع موجهة عليهما من العربات الأخرى.

   لم تقف الاعتقالات عند هذا الحد، فقد فوجيء يوسف ببعض جنوده يلتفون حول رجلين تبين أنهما جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، وكانا حسبما روي يوسف في ملابس مدنية، ولما استفسر يوسف عن سر وجودهما حدث جدل بين جمال عبد الناصر ويوسف صديق حيث رأى جمال خطورة تحرك يوسف قبل الموعد المحدد ضمن الخطة الموضوعة سابقًا للثورة على أمن ضباط الحركة الأحرار وعلى إمكانية نجاح الثورة ورأى رجوعه إلى الثكنات لكن يوسف صرح له أنه لم يعد يستطيع العودة مرة ثانية دون اتمام العمل (الثورة) وأن الثورة قد بدأت بالفعل حينما قامت قوة يوسف بالقبض على قائده اللواء عبد الرحمن مكي ثم الأميرالاي عبد الرؤوف عابدين (قائده الثاني) وقرر أنه مستمر في طريقه إلى مبني قيادة الجيش لاحتلاله ولم يكن أحد يعلم على وجه اليقين ما يتم فـي رئاسة الجيش (حيث كان خبر الثورة قد تسرب إلى الملك الذي ابلغ الأمر للقيادة لإتخاذ إجراء مضاد على وجه السرعة وكانت قيادة الجيش -التابع للملك- مجتمعة في ساعته وتاريخه تمهيدًا لسحق الثورة أو الانقلاب بقيادة الفريق حسين فريد قائد الجيش قبل الثورة) (وقد حسم يوسف صديق الجدل بينه وبين جمال حينما أصر على مواصلة طريقه لاحتلال القيادة وأغلب الظن اتفاق الرجلين على ذلك لأن جمال عبد الناصر الذي استمر يراقب التحركات عن كثب وجه بعد ذلك بقليل بارسال تعزيزات من أول الأجنحة التابعة للثورة التي تحركت في الموعد الأصلي اللاحق لمساندة يوسف بعد أن قام يوسف صديق مع جنوده باقتحام مبنى القيادة العامة للجيش والسيطرة عليه بالفعل).

    بعد هذا اللقاء وفي الطريق أعد يوسف خطة بسيطة تقضي بمهاجمة مبنى قيادة الجيش وبالفعل وصل يوسف إلى المبنى وقام يوسف صديق وجنوده باقتحام مبنى القيادة بعد معركة قصيرة مع الحرس سقط خلالها اثنان من جنود الثورة واثنان من قوات الحرس ثم استسلم بقية الحرس فدخل يوسف مع جنوده مبنى القيادة وفتشوا الدور الأرضي وكان خالياً، وعندما أراد الصعود إلى الطابق الأعلى اعترض طريقهم شاويش حذره يوسف لكنه أصر على موقفه فأطلق عليه طلقة أصابته في قدمه، وعندما حاول فتح غرفة القادة وجد خلف بابها مقاومة فأطلق جنوده الرصاص على الباب ثم اقتحموا الغرفة، وهناك كان يقف الفريق حسين فريد قائد الجيش، والأميرالاي حمدي هيبة وضباطاً آخرين أحدهم برتبة عقيد وآخر غير معروف رافعين منديلاً أبيضاً، فتم القبض عليهم حيث سلمهم لليوزباشي عبد المجيد شديد ليذهب بهم إلى معسكر الاعتقال المعد حسب الخطة في مبنى الكلية الحربية.

   بذلك يعتبر يوسف صديق هو بطل حركة يوليو الحقيقي الذي أنقذ ثورة يوليو من الانتكاسة في اللحظة الأخيرة وهو الذي نفذ خطة الاستيلاء على قيادة الجيش ومن ثم السلطة بأسرها في مصر في ذلك التاريخ (الساعة الثانية عشرة مساء 22/23 يوليو 1952). وفي فجر 25 يوليو تحرك عدد من قادة الثورة ومنهم يوسف صديق وحسين الشافعي وعبد المنعم أمين ليواجهوا الملك فاروق الذي كان متمركزاً مع أعوانه. ثم عاد الشافعي ويوسف إلى الإسكندرية في طائرة هليكوبتر مع أنور السادات وجمال سالم ومحمد نجيب وزكريا محي الدين. وفي أغسطس 1952 دخل يوسف الهيئة التأسيسية للضباط الأحرار مع محمد نجيب وزكريا محي الدين.

دعوته لعودة الحياة النيابية عقب نجاح حركة الضباط الأحرار

    دعا يوسف صديق عودة الحياة النيابية، وخاض مناقشات عنيفة من أجل الديموقراطية داخل مجلس قيادة الثورة. ويقول يوسف عن تلك الخلافات في مذكراته: “كان طبيعياً أن أكون عضواً في مجلس قيادة الثورة، وبقيت كذلك حتى أعلنت الثورة أنها ستجري الانتخابات في فبراير 1953، غير أن مجلس الثورة بدأ بعد ذلك يتجاهل هذه الأهداف، فحاولت أكثر من مرة أن أترك المجلس وأعود للجيش فلم يُسمح لي بذلك، حتى ثار فريق من الضباط الأحرار على مجلس قيادة الثورة يتزعمه اليوزباشي محسن عبد الخالق وقام المجلس باعتقال هؤلاء الثائرين ومحاكمتهم، فإتصلت بالبكباشي جمال عبد الناصر وأخبرته أنني لا يمكن أن أبقى عضواً في مجلس الثورة وطلبت منه أن يعتبرني مستقيلاً، فاستدعاني للقاهرة، ونصحني بالسفر للعلاج في سويسرا في مارس 1953”.

    عندما وقعت أزمة فبراير ومارس عام 1954، طالب يوسف صديق في مقالاته ورسائله لمحمد نجيب بضرورة دعوة البرلمان المنحل ليمارس حقوقه الشرعية، وتأليف وزارة ائتلافية من قبل التيارات السياسية المختلفة من الوفد والإخوان المسلمون والاشتراكيين والشيوعيين، وعلى أثر ذلك اعتقل هو وأسرته، وأودع في السجن الحربي في أبريل 1954، ثم أُفرج عنه في مايو 1955 وحددت إقامته بقريته بقية عمره إلى أن توفي في 31 مارس 1975.

   في النهاية فإنه من الملفت في كل تلك الشهادات أنها صدرت بعد وفاة كلاً من جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر. كما أن تلك الشهادات منشورة في نفس الكتاب الذي يحمل اسم “أوراق يوسف صديق”.  

   يوسف صديق لعب دوراً هامًا في نجاح الثورة، ولكنه ليس سبب نجاحها، بل هو فرد من ضمن 90 ضابط حر تحركوا في يوم 23 يوليو 1952، والانتقاص من دوره غير مقبول، والتهويل في دوره، والايحاء بأنه الثورة، ولا ثورة إلا بدوره، تزييف للوقائع ولمجريات التاريخ.

   يبقى أنه يُصر المحبون ليوسف صديق على اعتماد كتاب “أوراق يوسف صديق” الصادر في عام 1999، كمذكرات رسمية معتمدة لــ”يوسف صديق”، ويرفضون الشهادات والأحاديث الصحفية التي أدلى بها “يوسف صديق” خلال حياته، والتي تحدث فيها عن دوره في ثورة 23 يوليو 1952، وتصيبهم العصبية البالغة عند نشر شهادات يوسف صديق الموجودة خارج كتاب أوراقه.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى