دراسات دينية

قراءة نقدية لكتاب حول القرآن – وليد عبد الحي

وليد عبد الحي

عن دار الروافد الثقافية وابن النديم للنشر والتوزيع صدر في عام 2020 كتاب ” القرآن وماهية التغيير: النص الديني –الانسان” لمؤلفه أدريس الحمادي .
أرى أننا إذا اعتمدنا السياق العام لهذه الدراسة فهي تنتمي للدراسات في علوم الشريعة، وإذا اعتمدنا الأهداف التي سطرها الباحث ليبحث فيها، فالكتاب لا ينتمي لأي حقل علمي متخصص،وإذا اردنا تحديد اهمية الكتاب في مجال ” تخصصه” بأي من المعاني السابقة فلا أرى له أية قيمة، وإذا اردنا تحديد الجديد في الكتاب ، فانا أزعم ان ما فيه ليس الا أعادة صياغة للخطب الدينية في المساجد الريفية….ما هي دلائلي على كل ذلك؟
أولا: الفارق الكبير جدا بين اهداف الكتاب التي حددها الكاتب في مقدمته وبين مضمونه: بالعودة للمقدمة سنجد الاهداف هي:
أ‌- الرد على الداعين للتغيير في الاحكام الدينية على اساس تغير العصور(صفحة 15)
ب‌- الرد على دعوات التغيير بحجة اختلاف المجتمع الحالي عن المجتمع الاسلامي الاول
ت‌- اثبات ان التغيير في الاحكام الدينية هي لله وحده فقط(ص.16-17)
ث‌- تحديد ما لا يتغير( النص) والتفويض فيما يتغير على اساس ما تقتضيه المصلحة(ص.17)
ج‌- أسس التغيير(ص.18)
ح‌- المجالات الإنسانية التي تكون محط القصد من التغيير( ص.18)
لقد غابت الدراسة عن هذه الاهداف بنسبة لا تقل عن 90%، ومع ان موضوع التغير السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي والتقني والمناخي والأشكال الادبية ومناهج البحث والمفاهيم والمصطلحات والاكتشافات العلمية غيرت دلالات المفاهيم ومعانيها، الى جانب أن العلاقة بين التغير في ميدان يقود للتغير في ميادين أخرى، وهو ما يجعل شبكة التغير أمرا ليس بالتبسيط المفرط الذي قدمته الدراسة في عدد محدود من الفقرات فقط ، والمنهج الكلاني(Holistic) ومناهج العلوم البينية(interdisciplinary) تؤكد ان هناك علاقة بين سلوك الانسان وبين التغير في الطبيعة من تلوث واحتباس حراري ونظريات جديدة لتفسير الوجود وتكوينه واحتمالاته…الح… وهنا كيف نفسر التغير في واقع الظاهرة ودلالات النص.( مثلا كل التفسيرات للآية ” يعلم ما في الارحام(لقمان 34)كان منصبا في جوهره على جنس الجنين(ذكر ام انثى)،واصبح العلم الحديث يعرف ذلك..فهل إعادة تفسير النص يعد تغييرا فيه ام لا؟ هذا جانب اول. …ثم متى نقول ان هناك تغير؟ التغير الكمي والكيفي والتغير المستمر والمتقطع والتغير الخطي وغير الخطي والتغير من وجهة نظر العالم والتغير من وجهة نظر الجاهل…من يحدد وقوع التغير؟ وكيف نتعامل مع كل تغير؟ .وبعد ذلك كيف انعكس كل ذلك على النص الديني؟هذا الجانب الثاني. كيف نقيس التغير؟ وما هي أداة القياس؟ وكيف نربط هذا بالنص الديني ؟ هذا جانب ثالث..لا اثر في الكتاب لموضوع التغير، وهو ما سيتضح بعد قليل في عرضنا لفصول الكتاب.
ثانيا: في الحقيقة ارى ان الكتاب في موضوعاته ” كحاطب ليل” ، دراسة لا تغطي موضوع عنوانها، ولا تضيف معلومة او تقنية بحث جديدة للظاهرة، ويغلب على المضمون ” بديهيات” مدرسية لا رابط بينها، وقد أرهقني الكتاب بتنقلاته بين الموضوعات مما جعل القدرة على تحديد الفكرة المركزية(والتي من المفروض انها التغير) امرا متعذرا الى حد بعيد.
اتمنى لو يعود المؤلف الى المراجع التالية ويقارن بين فهارسها وفهارس هذا الكتاب لترى الفارق الهائل في دراسة العلاقة بين التغير والنصوص الدينية(ومنها القرآن):
– Changing Faith- Southern Illinois University.2014 – Darren E. Sherkat
2- Barbara Schuler-Environmental and Climate Change in South and Southeast Asia: How are Local Cultures Coping-Brill, 2014
3-Brunn, Stanley D-The Changing World Religion Map-Springer.2015
لقد قسم الباحث دراسته الى 12 فصلا ، توزعت على ثلاثة ابواب،في متن مجموع صفحاته 304 صفحات، وأشار في مقدمته الى ان موضوعه هو التغير وحدده ببعدين هما ما نص عليه القرآن(وهو الثوابت التي لا تتغير) وما تم تفويضه( القائم على معرفة ما تقضي به الحاجة)، وحدد اهداف الدراسة(كما اشرنا بالتفاصيل في البند السابق من صفحة 15-18 )، وينتقل في الفصل الاول الى تحديد معنى الاسلام (الاستسلام والانقياد) ويحدد ابعاده في ثلاثة :التاريخي(يشمل كل الانبياء) والمضاميني( مركب من العقل والشرع ولا خطأ فيه ومقصور ادراكه على البعض)والبياني(فهم المعاني من سياقات النص القرآني)، ثم يتوقف عند المعنى التطبيقي للخطاب والذي يفهم من خلال فهم ظروف النص العامة والخاصة المادية والمعرفية، ثم كيفية فهم الخطاب من خلال المعنى الظاهر وقصد الخطاب وفهم الخاصة له استنادا ليقينية النص. ينتقل في الفصل الثاني لطرح اسئلة محددة مثل: هل آدم نبي ام لا؟ ثم يتتبع عددا من الانبياء للتدليل على السلام لدى كل منهم( نوح،ابراهيم ،موسى، المسيح) ويصل الى نتيجة محددة هي ان الاسلام تجديد وتصديق لكل ما سبقه من شرائع وهو خاتمتها. في الفصل الثالث، يتركز نقاش هذا الفصل على تحديد وتفسير اول وآخر ما نزل من القرآن،ثم هل نزل القرآن كله في ليلة القدر ام على مراحل ، ثم يناقش مفهوم الاكمال(أكملت لكم دينكم) ويتوقف عند معنى الاكمال ومعنى اليوم (كوحدة قياس زمنية) وهل السنة تدخل ضمن مفهوم الاكمال.؟ ويشير هنا الى تغير الاحوال وكيفية التعامل معها،ورأى ان الابعاد الطبيعية والروحية(والغرائزية) لا تتغير، فالاولى ثابتة بينما الثانية هي التي يفوض الانسان للتعامل معها مستخدما عقله. ينتقل لمرحلة ما بعد الاكمال في الفصل الرابع ليناقش فيه عددا من المفاهيم مثل :الشهادة والامة والجعل(مصدر جَعَلَ)، ثم يعود الى ثنائية الروح والجسد ليتوقف عند شهادة الامة الاسلامية على الآخرين وعلى نفسها استنادا لمعايير ثلاثة:الوسطية،والارتقاء الجسدي والروحي، والمرجعية الفكرية والعملية،اما شهادة الامة على نفسها فمن خلال الدعوة للخير سواء وجهت للجماعة نفسها من فرد لفرد او لغيرها ، وفي عنوان الفصل الخامس يطرح سؤال العلاقة بين القرآن والإنسان، ويتركز على تصنيف الناس من حيث العلاقة بالقران(المهتدون والمعرضون والمنافقون الكفار). في الفصل السادس يضع عنوانا هو العلم والتغير من المنظور القرآني،يبدأ مناقشته بموضوع التنازع بين الخير والشر داخل الانسان،ودور الحواس(السمع والبصر)والعقل،والفارق بين البشر هو في مستوى الادراك للمجردات،ويرى ان انسلاخ الفرد عن حواسه يجعله عاجزا عن ادراك قوانين الكون. واستنادا لتصورات الامام الشاطبي يركز الكاتب على منهج الاستقراء لفهم الظواهر الكونية وغيرها،مؤكدا على ان الاسلام ينفرد من بين الأديان بتناوله لعلوم الكائنات مستندا في ذلك الى نص” ليظهره على الدين كله”(الفتح.28).في الفصل السابع يبحث”العمل والتغيير في القرآن”،مستندا بشكل واسع الى الامام الغزالي في شرح مفهوم العمل الاختياري الذي يقوم على “العلم والإرادة والقدرة ، ثم يطبق هذا الفهم على بعض الاعمال مثل الصلاة والاعمال التي تتم قبلها وخلالها ، او مثل الزكاة وربطها بحقوق الفقراء والمساكين في الثروة لدى الاغنياء. اما الفصل الثامن فيحمل عنوان الانسان في طريق الكمال،ويتناول فيه الكمال الروحي وموجهاته ، ثم ينتقل الى دور ابليس في الغواية ودور العقل في المواجهة معه،ويرفض الكاتب تفسير ابن عباس وعائشة لموضوع الكلمات التي تلقاها آدم من ربه،ويحددها –في رأيه- بانها تعني العداوة والاستقرار في الارض والتوبة، ثم يناقش ما يسميه الموجهات المعرفية والمتمثلة في القراءة والتدبر، وخطواتها العملية هي الكدح والمجاهدة التي تتم من خلال التقوى(النجاة من العذاب) والاستقامة(الفوز في الآخرة) ثم الكشف(المعرفة)، ويخصص الفصل التاسع لشرح سورة الفاتحة ليستنتج منها افكار: الربوبية والعبودية وطلب الهداية والحواس والعقل …الخ.في الفصل العاشر يقسم الشريعة الى الاحكام التكليفية والوضعية وشروط معرفتها،وفي الفصل الحادي عشر يركز على جوانب سياسية: طرق اختيار الخليفة ،الشورى وشروطها لينتهي في فصله الثاني عشر لموضوع العدالة الاجتماعية ويحددها في بعدين:المال والبدن، ويعقد مقارنة بين مفهومها الاسلامي ومفهوم العدالة في الفكر الغربي لا سيما نظرية راولز(Rawls)في العدالة، اما عدالة الأبدان فتتمثل في المساواة في القصاص (النفس بالنفس) .ويؤكد في خاتمته على الفطرة الدينية،واشتمال القرآن على العقل والروح وتكامله
أنا أُقِرُ بقصور قدرتي المعرفية على تحديد منهجية هذه الدراسة، فلا هي تحليل للخطاب(مع ورود التعبير كثيرا)،ولا هي تحليل مادي نقدي، ولا هي تعتمد آليات المدرسة النقدية، ولا هي رشدية او غزالية،ولا هي كمية او كيفية، وسبب ذلك ان كل فصل منفصل عن الفصل السابق او اللاحق له، فالدراسة العلمية تشبه شبكة العنكبوت، بينما هذه الدراسة تشبه الكرات في لعبة البلياردو(تتواجد في نفس الحيز لكن لا صلة بينها الا في مخيلة اللاعب)، فموضوع الدراسة كما اشرت سابقا له محوران مركزيان:القران وماهية التغير، فاين مفهوم او ماهية او انواع او قياس أو فلسفة التغير في القرآن استنادا لهذه الدراسة، بل اجزم ان مفهوم التغير هو الاقل ورودا بين المفاهيم الواردة في هذه الدراسة، فاذا غاب المفهوم من النص فكيف سنجد علاقته او دلالته في الشق الثاني من المعادلة وهو القرآن، فالتغير كما تعرفه الموسوعات المختلفة هو ” تحول كلي او جزئي في بنية او وظيفة بُعد او ظاهرة طبيعية او اجتماعية انسانية”، فالدراسة في كل ما ورد فيها لم تحدد لنا( خلا اشارات عابرة لا تزيد في مجموعها عن نصف صفحة) ظواهر طبيعية او اجتماعية ورصدت تغيرها الكلي او الجزئي وحددت طبيعة التغير في البنية او الوظيفة ثم بينت لنا كيف يرشدنا النص القراني لكيفية التعامل معها وفهمها ودلالاتها والخلاف حولها…الخ.
الجانب الثاني في منهجية الدراسة هو اجترار الشروحات والتفاسير، إذ ان محمد رشيد رضا سيطر هو والشاطبي والغزالي واحيانا ابن خلدون وابن رشد على الدراسة وبقدر غير هين من الانتقائية لما تم نقله عنهم، والاشارات للعلم الحديث وردت استنادا لتراجم يعود اغلبها لسنوات لا تتناسب وايقاع التغير في العصر الحالي.وعندما حاول الباحث تناول بعض الظواهر من زاوية علم النفس تدنى التحليل الى حد يتوازى والثقافة الشعبية.
وكما اشرت سابقا، فلا المنهجية متسقة مع المحتوى ،ولا المادة العلمية تخدم موضوع الدراسة كما اشرنا، ولا مستوى التحليل يعمق فهمنا للظواهر،ولا ترابط بين كل هذا.
أما لغة الباحث فسليمة وواضحة ، لم أجد خطأ نحويا او مطبعيا او املائيا ، لكن العرض يفتقد بشكل واضح لترابط الافكار وتسلسلها، اما مصطلحات الكاتب فهي في الغالب مصطلحات متداولة ، واغلبها مصطلحات ومفاهيم تراثية استقر معناها في الغالب، لكني اود التأكيد على بعض الملاحظات:
أ‌- خلت الدراسة من اية مفردة اجنبية مما يعني عدم وجود مفاهيم اجنبية تستوقف القارئ ترجمتها والنقاش حولها.
ب‌- في الصفحة 155 ورد مصطلح ” المسلمون الجغرافيون ” ، وهو مصطلح مأخوذ عن المفكر الاسلامي محمد رشيد رضا ، وكان من الضروري لو ان الباحث شرحه في الهامش، فهو يعني المجتمعات الاسلامية التي تعيش في بلاد يغلب عليها الاسلام.
في صفحة 161 يتحدث عن اخذه منهج الاستقراء الذي اعتمده الشاطبي، ولكن منهج الاستقراء تطور عند الباحثين وتعددت تقنياته، فمثلا هناك الاستقراء التام، والاستقراء الناقص، والاستقراء الحدسي، واخيرا الاستقراء الرياضي، فاي هذه الأنماط هو المعتمد وهل يمكن توظيفها في فهم ظاهرة التغير ودلالتها في القرآن؟ غاب ذلك عن الدراسة.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى