دراسات تاريخية

قصة ثورة ظفار في عمان.. الثورة الشيوعية الوحيدة التي عرفها الخليج العربي

أحمد العميش - alqabda.net

تعد ثورة ظفار التي انطلقت منذ عام 1965م في الجزء الجنوبي من سلطنة عمان، واحدة من أطول الثورات العربية، حيث امتدت زهاء ما يقارب عشرة أعوام، وقد واكبت حقبة الثورات التحررية من الاستعمار العالمي والتي شهدتها المنطقة العربية في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين.
أسباب الثورة وقيامها:
تتعدد الأسباب التي أدت الى قيام الثورة في ظفار على حكم السلطان سعيد بن تيمور، وكان أهمها حالة التخلف التي سادت سلطنة مسقط وعمان بشكل عام واقليم ظفار بشكل خاص، وكثرة الممنوعات والمعاناة من ضرائب السلطان الباهظة التي أثقلت كاهل العمانيين. وكانت عمان معزولة عن العالم الخارجي والمحيط الاقليمي وحتى العزلة الداخلية بين مناطق السلطنة ذاتها، وبعدما تعرف المهاجرون الظفاريون على أنماط المعيشة المختلفة في دول الخليج التي يعملون بها والراقية قياسا بالوضع في عمان خلقت لديهم الرغبة الجامحة في التغيير.
كما أن الأوضاع التي عاشتها المنطقة آنذاك وانتشار المد القومي العربي بزعامة جمال عبد الناصر أدى الى تأثر أبناء الأمة العربية ومن ضمنهم الظفاريون بأفكار القومية العربية المنادية بالوحدة والتحرر من الاستعمار ومقاومته بشتى الوسائل، مما ولد لدى الظفاريين النزعة نحو الثورة ضد الوجود البريطاني في عمان.
كل هذه العوامل ساعدت على قيام الثورة في ظفار، والتي عمل الظفاريون على تنفيذها من خلال تشكيل تنظيمات سرية متعددة كان لها دوافع وانتماءات مختلفة، فبعضها كان قوميا عربيا هدفه مقاومة الامبريالية البريطانية وتمثل في التنظيم المحلي لحركة القوميين العرب.
والآخر كان هدفه تحسين الأوضاع الاجتماعية في عمان وتمثل في الجمعية الخيرية الظفارية.
أما المجموعة الثالثة فقد كان هدفها غير واضح وكانت تدعى ” منظمة جنود ظفار” وكانت تتكون من عناصر الجنود العمانيين السابقين وعناصر من الشرطة كانوا يعملون في الامارات الساحلية.
إعلان الثورة (1965م):
تنسب الرصاصة الأولى في الثورة إلى مسلم بن نفل الذي كان يعمل في مزرعة قصر السلطان سعيد بن تيمور والذي اقصاءه من عمله في القصر السلطاني في عام 1963 أثر شعوره المناهض للسلطان سعيد، وعمق ذلك الشعور وجود فريق أجنبي للتنقيب عن النفط في المناطق التي تقطن فيها قبيلته.
مع وجود تقارير باعتداءات بسيطة على قاعدة السلاح الجوي البريطاني في عام 1962 إلا إن أول طلقة مسجلة إيذاناً ببدء حرب ظفار كانت في أبريل 1963 من خلال هجوم مسلح على حافلات شركة النفط، خطط له وقام بقيادته مسلم بن نفل.
بعدها لجأ مسلم بن نفل مع 30 رجلا من جماعته إلى المملكة العربية السعودية وقام بالاتصال بالأمام غالب بن علي الهنائي، مدعوماً بالمال السعودي، أنضم بن نفل إلى مجموعة أخرى من المناهضين الظفاريين، ورحلوا إلى العراق التي كانت تحكم من قبل النظام البعثي حيث تلقوا تدريباً عسكري.
وفي صيف 1964 عادت المجموعة بقيادة بن نفل إلى ظفار مع وعود من الحكومة السعودية بزيادة الدعم المالي والعسكري. ولم يقتصر الدعم على السعودية، بل كان أيضا من الكويت وجمهورية مصر العربية، ودعت تلك الدول المجموعات الظفارية المناهضة إلى توحيد جهودهم في جبهة واحدة.
ولم يلبث عام 1965م أن شهد إعلان قيام الجبهة الشعبية لتحرير ظفار حيث عقد مؤتمر شعبي في 9 يونيو من نفس العام وانتهت جلساته بإعلان قيام الثورة الظفارية. حيث دعا البيان الظفاريين إلى الانضمام إلى الجبهة من أجل تحرير الوطن من حكم السلطان سعيد بن تيمور وتحرير البلاد من البطالة والفقر والجهل واقامة حكم وطني ديمقراطي.
وهكذا بدأت حرب ظفار بين عمليات الكر والفر التي استخدمتها الجبهة ضد أهداف السلطان سعيد بن تيمور بين عامي 1965 و1967.
الحرب في عهد السلطان سعيد بن تيمور
في 28 ابريل 1966 وقعت محاولة لاغتيال السلطان سعيد بن تيمور حين كان يستعرض حرسه الخاص والذي كان يوجد به بعض الظفاريين المنتمين للجبهة، وبعد هذه الحادثة احتجب السلطان سعيد عن الظهور الأمر الذي جعل العمانيين يعتقدون أنه قتل وأن السلطات البريطانية هي التي اصبحت تدير شؤون السلطنة. إلا أنهم تلقوا هزائم متكررة وضغوط شديدة من قبل قوات السلطان حتى ربيع 1967.
إلى جانب ذلك تلقت الجبهة ضربة أخرى بسبب توقف الملك فيصل بن عبد العزيز عن دعم الجبهة لتخوفه من الأهداف الثورية للجبهة على أنظمة الحكم الوراثية المحافظة في الخليج العربي وقد أعطت تلك الأحداث السلطان سعيد تفوقاً تكتيكياً ومساحة أكبر لتنفس الصعداء.
ومع انحسار الإمبراطورية البريطانية وتصاعد الثورات في مستعمرات بريطانيا السابقة وخصوصا عدن وظهور الجبهة الوطنية للتحرير في اليمن الجنوبي التي كانت تتخذ مبادئها من ثورة أكتوبر للينين Lenin، وتسلمها السلطة فيما سمي حينها بالجمهورية الشعبية لجنوب اليمن، زادت عزلة السلطان سعيد تيمور وتوجسه من أن تنقل الجبهة الوطنية للتحرير في عدن مبادئها الماركسية وتمنح مساعداتها العسكرية إلى جبهة تحرير ظفار.
وشاءت الأقدار أن يحدث ذلك، فقد قامت جبهة تحرير ظفار، وقد ظهرت تلك الاتجاهات واضحة عند انعقاد المؤتمر الثاني الذي عقدته الجبهة في حمرين في سبتمبر 1968م حيث تبنت برنامجا ماركسيا لينينا. وكذلك اتخذ المؤتمر قرارا بعدم اقتصار الثورة على ظفار وانا امتدادها الى رحاب الخليج ومن ثم عمدت الى تغيير أسمها من الجبهة الشعبية لتحرير ظفار إلى “الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل ” PFLOAG وهكذا أصبحت الجبهة مسيسه كاملا على عقائد الجناح اليساري. عند نهاية 1969 عاد قادة العصابات والسياسيين من مدرسة ” أعداء الإمبريالية” في بكين، ودخلوا ظفار مع 15 مجموعة من المسلحين والمؤهلين عسكرياً. قامت المجموعات بشن هجمات منظمة على قوات السلطان والتي بدورها كانت تنصب مجموعات مسلحة من مسقط على الحدود لمنع خروقات جديدة.
ومع تغير نوع الحرب ودخول أطراف غريبة على جبهة تحرير ظفار، تقلص الدعم الشعبي للجبهة بسبب تقارير عن وحشيتهم في معاملة أهالي بعض القرى. مع ذلك رفض السلطان سعيد إرسال المزيد من الدعم المادي او العسكري للقضاء على الجبهة ظناً منه أن القتال هو تمرد قبلي مشابه لما حصل في الجبل الأخضر والمسألة هي مجرد وقت وستنتهي الثورة. لكن الأحداث القادمة أثبتت سوء تقدير السلطان سعيد في حكمه على الجبهة.
في 23 سبتمبر 1969، تمكن المتمردون من دخول المدينة الساحلية رخيوت مع مقاومة ضئيلة. وتم إعدام واليها حامد بن سعيد بعد محاكمة عسكرية وذلك بعد أدانته بخيانة الوطن والعمالة لبريطانيا. وقتل معه معظم الرجال في المدينة.
ومع تواصل هطول الأمطار الموسمية، وغياب القوات الحكومية، تمكنت الجبهة من التوغل داخل ظفار وزرع الألغام في الطريق المؤدي إلى ثمريت وعاصمة المحافظة صلالة، وقامت الجبهة بشن هجمات بالأسلحة الآلية ومدافع الهاون على قوافل جيش السلطان.
وقامت الجبهة في صيف العام الذي تلاه باحتلال حبروت وتدمير القلعة التي كان السلطان قد أمر ببنائها منذ ما يقارب العامين. وهكذا تتابعت هجمات الجبهة على نحو الكر والفر والانسحاب إلى حدود اليمن الجنوبي.
عند ذلك قام الطيران البريطاني بشن غارة جوية على مدينة حنوف (هنوف) داخل حدود اليمن، وجهت فيها ضربات موجعة للجبهة وقامت بتدمير “المدرسة الثورية للتدريب” التي تخرج منها العديد من أعضاء الجبهة.
برغم الانتصار المحدود لقوات السلطان إلا أن قوات السلطان بدأت تواجه موقفاً صعباً جداً، مع وجود ما يقارب 5000 مقاتل للجبهة مقارنة بما لا يزيد عن 1000 مقاتل من جيش السلطان وذلك في عام 1969. لهذا وفي أكتوبر 1969 أصدر السلطان سعيد أوامره بشراء طائرات عمودية وزيادة صفوف الفصيل الرابع في الجيش.
وتزامنت التحديثات العسكرية لجيش السلطان مع اكتشاف عناصر جديده في حرب ظفار وهو اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية. وجاءت تقارير المخابرات الحكومية أن الاتحاد السوفييتي وعن طريق سفارته في عدن قد قرر دخول الحرب بسبب الوجود الصيني مع الجبهة ولمنع استحواذ الصين على مجريات الأحداث في منطقة مهمة من العالم كالخليج العربي. وبهذا التدخل فقد حصلت الجبهة على دعم عسكري عظيم وأسلحة في غاية التقدم.
وفي ذلك الوقت انتقلت حرب العصابات إلى شمال عمان في 12 يونيو 1970، عندما قامت مجموعة جديدة باسم “الجبهة الوطنية الديموقراطية لتحرير الخليج العربي المحتل” التي أسسها عمانيون كانوا في بغداد. هاجمت الجبهة معسكرا للجيش في إزكي ومن ثم ردع الهجوم من قبل قوات السلطان، ألا أن الهجوم كان له أثراً معنويا كبيرا في الحركات الثورية المناهضة وقدرتها على شن هجوم جرئ ومباغت. بعد ألقاء القبض على بعض أعضاء الجبهة الجديدة، تمت الأغارة على بيت في مطرح والعثور على أسلحة متطورة. بعد ذلك قرر أعضاء الجبهة الانضمام إلى “الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل” PFLOAG. ورغم المدادة البريطانية فقد كانت قوة السلطنة في وضع دفاعي أكثر من كونه وضعاً هجومياً اذ لم يكن السلطان يسيطر على أكثر من مدينة صلالة والتي أحاطها بأسوار من الأسلاك الشائكة وكان سلاح الجو الملكي البريطاني يقوم بحماية مطارها.
الحرب في عهد السلطان قابوس
بعد تولي جلالة السلطان قابوس بن سعيد مقاليد الحكم في السلطنة في 23 يوليو 1970م وكبادرة من جلالته لأنهاء حرب ظفار، قام في اول سبتمبر 1970 بإعلان العفو العام عن جميع المتمردين ووعد اي ظفاري مشترك في حركة التمرد بمعاملة حسنة، ووعد كذلك بتحقيق مطالب المتمردين الرئيسية وفق برنامج إصلاحي اجتماعي.
وقد تزامنت مبادرة العفو التي طرحها جلالة السلطان مع اختلافات قبلية في الجبهة. حيث أعلنت بعض القبائل أن هدفها الأصلي كان من أجل تغيير اجتماعي في البلاد ولم يكن سياسيا. هذا الاختلاف نتج عنه حملة إعدامات جماعية في حق عدد من أعضاء الجبهة قدر عددهم ب 300 عضواً في عام 1970. وقدمت في نفس الفترة أكبر هدية للجيش السلطاني وذلك بقيام مسلم بن نفل بتسليم نفسه الى قوات السلطان.
تزايدت الاغتيالات في صفوف الجبهة حيث تم تنفيذ أحكام الإعدام على مجموعة كبيرة من الظفاريين وصلت الى ما يقرب من 40 شخصاً ورغم ذلك فقد تزايد عدد الأعضاء الذين قرروا الاستفادة من عرض العفو المقدم من جلالة السلطان قابوس.
كان الأعضاء الذي يستسلمون للجيش السلطاني يجلبون معهم أسلحتهم، ومن ثم أنضم هؤلاء إلى ما يسمى بالفرق الوطنية لمحاربة قادتهم السياسيين في الجبهة وبلغ عددهم إلى ما يقارب 2000مقاتلاً.
ومن اهم الثوار الذين سلموا أنفسهم وسلاحهم مسلم بن نفل الذي كان واحد من مؤسسي الجبهة ولم يلبث هؤلاء أن انخرطوا في القوات السلطانية ضد قيادات الجبهة لم تكن الوسائل السلمية التي لجأ اليها السلطان قابوس كافية وحدها لقمع حركة التمرد ولذلك اتجه السلطان الى استخدام الاسلوب العسكري والذي كان اكثر حسماً في قمع الحركة من أساسها.
وقد استغل السلطان قابوس خبراته القتالية منذ توليه عرش السلطنة لإعادة تنظيم قواته الدفاعية التي زاد من عددها وأصلح معداتها واستخدم رجال القبائل الموالية له، كما وجه اهتماماً خاصا بسلاحه الجوي واستقدم ضباطاً انجليز وباكستانيين من أجل ذلك.
وكان الدافع من وراء اهتمام السلطان قابوس بقواته الدفاعية يرجع الى تصاعد العمليات العسكرية التي قام بها الثوار، حيث لم تكد تمضي بضعة أشهر على تقلده الحكم حتى أحرزوا انتصارات حاسمة على قوات السلطنة التي اضطرت الى التراجع وراء الأسلاك الشائكة التي كانت تحيط بمدينة صلالة عاصمة الاقليم تاركة الجبال والسهول في أيدي الثوار، غير أن الفترة الموسمية بما يكتنفها من ضباب وأمطار ساعدت قوات السلطنة مع بداية عام 1972م على تعزيز امداداتها ومراكز اتصالاتها اللاسلكية الى جانب تخلي بعض العناصر عن الجبهة استجابة للعفو الذي أعلنه السلطان قابوس عند تسلمه الحكم.
محاولة الانقلاب لاغتيال السلطان قابوس 1972م:
بعد الهزائم التي منيت بها الجبهة توجهت الى التخطيط لانقلاب في نظام الحكم في السلطنة، وقد تم التخطيط للانقلاب في العر اق في اكتوبر 1972م عن طريق بعض العناصر التي أوفدتها الجبهة الى هناك بالإضافة الى بعض أعضاء المكتب السياسي في اليمن الجنوبي، وقد تم تحديد موعد الانقلاب في 31 ديسمبر 1972م.
غير أن هذه المحاولة انتهت بالفشل الذريع وتم القبض على العديد من عنصر الجبهة، وكشفت التحقيقات التي أجريت بشأنها أن المؤامرة كانت تستهدف القيام بحملة اغتيالات تستهدف السلطان ومستشاريه وضباط الجيش والولاة وكبار التجار.
وكشفت التحقيقات كذلك عن امتداد التنظيمات السرية الى دولة الامارات حيث تم اكتشاف عناصر معارضة داخل القوات الدفاعية للدولة. وقد قامت السلطنة آثر هذه المحاولة الانقلابية بحركة اعتقالات شملت عشرات المنتمين للجبهة بلغ عددهم 77 متهما قدموا للمحاكمة في يناير 1973م، حيث صدرت أحكام الاعدام على 10 منهم بينما صدرت أحكام بالسجن المؤبد أو لمدد مختلفة بالنسبة لبقية المتهمين.
وبعد هذه الأحداث وفي أغسطس 1974م قامت الجبهة بعقد مؤتمر طارئ لها تم فيه تغيير اسم الجبهة من الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي الى الجبهة الشعبية لتحرير عمان فقط، وكان الهدف من ذلك مهادنة دول الخليج العربي وخاصة الكويت.
دور الدول الاقليمية في الحرب:
ايران ( دعم قوات السلطان عسكريا):
قام السلطان قابوس في شهر اكتوبر عام 1971م بزيارة رسمية الى ايران للمشاركة في الاحتفالات التي اقامها الشاه محمد رضا بهلوي بمناسبة مرور 2500 سنة على عرش الطاؤوس في بلاد فارس، فالتقى بشاه ايران محمد رضا بهلوي، وقد طلب السلطان قابوس مساعدة الشاه له لمواجهة الثوار، وقد أبدى الشاه استعداده للمساهمة بما لدى ايران من امكانات عسكرية والوقوف الى جانب قوات السلطان في حربها ضد الثوار.
وكان من أهم الدوافع التي دفعت الشاه الإيراني التدخل في الحرب هو طموحه في أن يحل محل بريطانيا كحام للمنطقة بعد انسحابها منها عاد 1971م، وخشيته من تعرض مضيق هرمز للخطر في حالة نجاح الثورة في اقامة نظام راديكالي في عمان وما قد يؤدي اليه ذلك من تهديد لأمن الخليج وتجارة النفط.
وفي يوليو 1972م أرسل السلطان قابوس وفدا رسمياً الى ايران برئاسة السيد ثويني بن شهاب وتم التوصل الى وضع اتفاقية التدخل العسكري الايراني في السلطنة مستقبلا عند الطلب للقضاء على الثورة المسلحة.
وفي 30 نوفمبر 1973م وصلت الى السلطنة أولى طلائع القوات الايرانية التي بلغت ما يقدر بثلاثة الآلاف عسكري ايراني. (3)ورغم عدم رضا الدول العربية عن التدخل الايراني الا أن السلطان قابوس كان مضطرا لقبول المساعدة الايرانية نظرا لضعف تسليح الجيش العماني وتخاذل الدول العربية عن دعم السلطنة ودعم بعضها لجبهة تحرير ظفار، بالإضافة الى امتلاك ايران ترسانة ضخمة من الأسلحة الحديثة، وبالفعل كانت المساعدة الايرانية مؤثرة في قمع الثورة في ظفار.
اليمن الجنوبي ( الداعم الأول للثوار):
أخذت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية على عاتقها مهمة دعم الثوار في ظفار وذلك منذ استقلالها سنة 1967م عن بريطانيا، ويعد الانتماء المشترك للجبهة القومية في اليمن الجنوبي والجبهة الشعبية لتحرير ظفار الى الجناح اليساري في حركة القوميين العرب عاملا مهما في دعم علاقاتها وتوطيدها.
وقد ساهمت اليمن الجنوبي في دعم الثوار سياسيا فأعلنت استعدادها لتقديم كل الدعم للمعارضة العمانية باعتبار أن ذلك جزء من أهدافها الوطنية. وعسكرياً وفرت اليمن الجنوبي قواعد للجبهة في كل من حوف والغيظة والمكلا وعدن اضافة الى وسائل التدريب العسكري، بالإضافة الى تحمل حكومة اليمن الجنوبي جزءا كبيرا من ميزانية الجبهة، كما كانت أغلب الوسائل الاعلامية للجبهة تقع على الأراضي اليمنية فمحطة الاذاعة في المكلا وصحيفة صوت الشعب في عدن هذا بالإضافة الى ما تقدمه وسائل الاعلام اليمنية من دعم واعلام.
نهاية الحرب (1975م):
ببداية عام 1975م الثوار باتوا غير قادرين على مواجهة قوات السلطان المدعومة بالقوات الايرانية على جميع جبهات القتال ” فالأول مرة منذ اندلاع الثورة في ظفار عام 1965 سيطرت القوات الحكومية على سلسلة الجبال في فترة الأمطار الموسمية فقد استطاعت قوات السلطان والقوات الصديقة لها انشاء مزيد من المواقع الى الغرب من خط ” داما فاند ” الذي أقامه الايرانيون بعد سيطرتهم على مدينة رخيوت.
وبنهاية فصل الخريف بدأت قوات السلطان بمحاولة ثالثة لاستعادة كهوف شرشيتي ونجحت العملية بعد مقاومة مستميتة من جيوب الثوار المنتشرة في المنطقة واستولت القوات الحكومية على كميات كبيرة من المؤن والأسلحة والذخيرة كانت بداخل تلك الغارات الجبلية.
وفي نوفمبر 1975م زحفت قوات السلطان الموجودة في صرفيت شرقا للالتقاء بالقوات القادمة من شرشيتي غربا، وفي اول ديسمبر استعادت قوات السلطان بلدة ضلكوت الساحلية دون مقاومة تذكر.
ولأول مرة منذ 10 أعوام أصبح كل إقليم ظفار تحت سيطرة الحكومة. هذا على جبهة القتال، أما على الجانب السياسي فقد توصلت السلطنة واليمن الجنوبي برعاية سعودية الى اتفاق ينهي الخلافات القائمة فيما بينهما وكان ذلك في 11 مارس 1976م ” وليس من شك أن التوصل الى تلك الاتفاقية كان يعني انهاء اليمن الجنوبي دعمها للثوار، وقد ترتب على ذلك انهيار واضح في موقفها وأدى الى استسلام العديد من قياداتها للسلطنة كان من أبرزهم عمر بن سليم العمري المكنى بأرض الخير وكان من القادة المتنفذين في الجبهة منذ عام 1970م وكان نفوذه قويا بين الثوار، وحين سئل عن سبب استسلامه أجاب بأنه لم يكن أمام الجبهة أي هدف تناضل من آجله وأنه ورفاقه تبين لهم أخيرا بأنهم لم يكونوا أكثر من مخالب سياسية في أيدي اليمن الجنوبي”.
وهكذا لم يمض عام 1976م حتى تمت التصفية النهائية للثورة في ظفار، ” وكان من الطبيعي بعد القضاء على الحركة أن يعلن السلطان قابوس في العيد الوطني السادس للسلطنة في نوفمبر 1976م دمج اقليم ظفار في سلطنة عمان التي أصبحت تتمتع منذ ذلك الوقت بالوحدة والاستقرار”.
مصادر: رياض نجيب الريس، ظفار، قصة الصراع السياسي والعسكري في الخليج العربي 1970-1976، لندن.
– محمد سعيد العمري
– جمال زكريا قاسم تاريخ الخليج العربي الحديث والمعاصر

مقتطفات من ثورة ظفار نقلا عن منى سالم جعبوب من كتابها
أسرار ثورة ظفار. والتجربة التربوية والفلسفية
أن الثورة الظفارية لم تكن مسلحة فقط وإنما كانت لها أبعاد فلسفية وإصلاحية ونقدية وتربية.
بعد مؤتمر حمرين في عام 1968 لم تعد الثورة مجرد تمرد بل أصبحت حركة ذات فلسفة تستهدف المجتمع.
مهام الثورة:
1- تحرير المنطقة من كافة أشكال الاستعمار وتحقيق الاستقلال.
2-القضاء على التجزئة وتحقيق الوحدة السياسية.
3- القضاء على الإقطاع بكافة أشكاله وتوزيع الأراضي على الفلاحين وإقامة التعاونيات.
4- بناء نظام سلطة شعبية.
5- إنهاء النظام القبلي.
6- تعبئة طاقات الشعب.
ويوجد الكثير من الأهداف التي حددتها الثورة لم أذكرها خوف الإطالة.
في أواخر عام 1970 كلفت اللجنة المركزية للحركة الثورية البحريني أحمد الشملان بدراسة الوضع الطبقي في ظفار وقد كانت نتيجة الشملان الذي نفذ في عام 1971 أنه لا توجد طبقية في ظفار وقد أغضبت هذه النتيجة الثوار وبذلك لم ينشر هذا البحث.
ما عدا ذلك ظلت الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج تصف الوضع العربي بالطبقي وتسعى إلى محاربته ونشر الثقافة الماركسية كبديل.
– كان الثوار يعتبرون نظام الإمامة بأنه نظام طبقي وهم يوصفون ذلك بقولهم: إن الوضع الاجتماعي والاقتصادي والقبلي في عمان أفرز نمطا من البناء الفوقي.
في المؤتمر الثالث في عام 1971 استطاعت الثورة أن تخرج بقرارات كان لها الأثر الكبير في التغلب على مشكلة الحروب القبلية ومن هذه القرارات إلغاء ملكية الأرض للقبلية وتحويلها إلى الشعب.
لكن المبدأ رغم العنف الذي استخدم لتنفيذه حقق نوعا من العدالة الاجتماعية.
تقول إحدى النساء من الثورة:
بعد حلقات الدروس في محوى الأمية التي تعقب بالتثقيف السياسي كان الحديث عن القبلية والتفرقة العنصرية بين أفراد المجتمع وكان واضحا على النساء التأثر وبعد فترة سمعنا بإحدى البنات التي كانت من أسرة معروفه تتزوج إحدى العبيد المملوكين سابقا لها.
– قول أحد تلاميذ الثورة:
من شدة كثافة الدروس التي تلقى علينا على أن النظام القبلي ظالم وطبقي ويجسد الرجعية والتخلف تولدت لدينا قناعات داخلية بأننا لا نكتب اسماء قبائلنا بل نكتفي بالاسم الثلاثي.
ثورة الإمامة:
كان الثوار في ظفار في تحليلهم لفشل ثورة الإمامة في الجبل الأخضر يقولون كانت الجماهير العربية مستعدة للمساندة وتقديم كل الإمكانات للحركة وكانت الجماهير في عمان مستعدة لبذل العطاء ومقارعة الاستعمار وبعد سقوط نزوى فشلت الثورة في تحقيق آمالها واستطاعت بريطانيا أن تحتل الجبل ويقولون كان الأئمة من موقف طبقي يعززون النظرة الدينية.
لقد كان الثوار يرجعون إلى فشل الإمامة أنها ذات نظام طبقي وقبلي رغم أن الإمامة تطالب بالحكم الإسلامي في الداخل. ولا تؤمن بالحكم الوراثي وقد كان ثوار الداخل على المذهب الإباضي أي أن ثورتهم كانت مذهبية ورغم ذلك يمكننا القول أن الإباضية كانت أول حزب جمهوري في الإسلام حيث لم يقروا بمبدأ أن يكون الحكم محصورا في آل البيت وكانوا يرون اختيار الحاكم يكون للشعب نفسه.
إلا أن الثوار كانوا يرون أن الإمامة الإباضية جزءا من الحركة الرجعية وتكريسا لمبدأ الطبقية وعزل الوطن عن محيطة الأكبر
– كان الثوار يريدون أن يثبتوا للجماهير العمانية أن النظام الطبقي فاشل وأن القيادات التي تعتمد علية فاشلة فكانوا يضربون على ذلك مثالا ويقولون:
أرسلت بريطانيا قوة عسكرية 150 جندي إلى جعلان واستخدم الأهالي تكتيكا منظما مما سمح للغزاة أن يدخلوا إلى جعلان وبعد ذلك انقضوا عليهم وأبادوهم عن بكرة أبيهم.
وهذا كان مثالا في الإتحاد.
بعض قادة الثورة يرجعوا فشل ثورتهم إلى التركيز المبالغ فيه في اجتثاث النظام القبلي بحيث دخلت الثورة في صدامات مع القبائل وشيوخها مما أدى إلى سقوطها وتحولهم إلى معسكر الحكومة العمانية بقيادة السلطان قابوس. ولولا قرارات الثورة الصارمة والحازمة والدموية في بعض الأحيان لكانت الدولة الحديثة بقيادة السلطان الشاب قد وجدت مشكلات مع الثورة الظفارية

أحد شباب الأسرة الحاكمة يقتل مع الثوار:
هو السيد محمد بن طالب ألبوسعيدي أحد أفراد الأسرة المالكة عرف منذ مطلع شبابة بحسه الوطني الفياض وسخطه على الاستعمار الإنكليزي سافر إلى بغداد لإكمال التعليم عام 1968 وكان في طليعة الشباب المدافعين عن حرية عمان والناقمين على الوجود الاستعماري انضم إلى الجبهة في عام 1969 وشارك في ميادين الحرب وحاول فتح جبهه داخلية لتخفيف الضغط على الثوار وفي عام 1972 اعتقل مع مجموعة من رفاقه وتوفي في السجن في العام نفسة.
عندما اتى السلطان قابوس إلى الحكم بانقلاب ثوري على أبيه كان الطرح المقبول والمنتشر في أذهان جميع الشباب في عمان هو الطرح الوطني رغم محاولات كثيرة من قادة الثورة تعميق الفكر الماركسي.
أحد أعضاء الثورة يقول: يحاولون زرع الشائعات عن الثوار بأنهم يحاربون الدين والإسلام ولكن ذلك لا ينطلي على أحد فقد كشفته الجماهير ….لسنا شيوعيين…إنا مجاهدون في سبيل الحق.
إن مما يجب الاعتراف به رغم اختلافنا مع الثوار بأنهم خدموا قضية الوطن وآثروه عن حب القبيلة وحب الزعيم وهذه هي روح المواطنة الحقيقية التي عززها الثوار وخدمها الاتجاه الذي قاده السلطان قابوس عند إطلاقة الحركة التنويرية بعد انقلاب القصر ووصوله إلى العرش.
– رفض الثوار الاعتراف بشيوخ الإمارات كحكام لما له أثر في انفصال ساحل عمان عن وطنه الأم واعتبروا الجزر التي احتلنها إيران في عام 1971 هي جزر عمانية خالصه وأن المواطنون العمانيون هم المعنيون بتحرير تلك الجزر فقد صدر عنهم في دراسات 9 يونيو تحت عنوان: المخططات الإمبريالية واتحاد شيوخ الإمارات في ساحل عمان ( شكل النهوض الجماهيري الذي بدأ باحتلال إيران للجزر العمانية الثلاث في 29 نوفمبر 1971 واستمر حتى عام 1972 علامة بارزة على صعود الحركة الوطنية بقيادة الجبهة الشعبية في شمال عمان.
تذكر الكاتبة منى أن الثوار أخذوا على عاتقهم محو الأمية في جبال ظفار فقد اسسوا مدارس تعنى بذلك وكانت من ابرز المدرسات في ذلك الزمان هي المناضلة البحرينية ليلى فخرو والأستاذ يوسف طاهر واسمه الحركي احمد العبيدلي.
– تقول احدى الطالبات في الثورة الظفارية:
عندما اشتد قصف الطيران للمناطق والجبال صرنا نخاف من الانضمام لتلك الدروس والتجمع فيها.
وقد حال قصف الطيران وحدّة المعارك في المناطق الجبيلة من ظفار دون إتمام جيش التحرير الشعبي في داخل الريف الظفاري.
كان الثوار متأثرين بالقومية العربية ومنحازين إلى إمامة عمان من منطلق العدو المشترك حيث إن إمامة عمان كانت قوة معارضة تتطلع إلى حكم إسلامي مذهبي بدلا من حكم السلطان فهم رغم الاختلاف المذهبي مع ثوار ظفار إلا أن الثوار كانوا يرون أن إمامة عمان هي الأقرب لهم.
وقد ظهرت الثورة المسلحة من عام 1965 إلى عام 1974 وظهرت في 3 جبهات:
1- جبهة تحرير ظفار
2- الجبهة الشعبية لتحرير الخليج المحتل
3- الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج.
كانت هذه الجبهات تعتمد نهج العنف الثوري مستندة إلى قاعدة جماهيرية ومعها الجيش الشعبي والميلشيات الشعبية.
– يوسف بن علوي آل ابراهيم وعلاقته بالثورة( وزير الخارجية الحالي)
كان يوسف بن علوي من ضمن الثوار الرافضين لحكم السلطان سعيد فتذكر الكاتبة انه كان مذيع للنشرة الأسبوعية التي تتبع الثوار من اذاعة صوت العرب انفصل عن الثوار بعد مؤتمر حمرين وتبنى الاشتراكية العلمية ورفض توسيع الثورة الظفارية وأرادها مقتصرة على ظفار فقط.
– في المدرستين الابتدائيتين اليتيمتين قرر السلطان سعيد إسقاط كلمة ثوار من البرنامج الدراسي وإبدالها بالعصيان فكان يعتبر الثوار انهم متمردون فقط وليسوا ثوار.
فكان اول حاكم عربي يزور الولايات المتحدة الأمريكية بدعوة من الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت عام 1938

ويذكر عن السلطان سعيد أه كان يجيد الإنجليزية بطلاقة أكثر من البريطانيين انفسهم فقد كان يصحح بعض رسائل السفير البريطاني في عمان إذا ما أخطأ في كتابة الرسالة. وكذلك كان يجيد اللغة الأوردية فقد درس في دولة الهند ودولة العراق وكان ابوه تيمور قد قرر أن يرسله إلى بيروت إلا انه بدل رأيه خوفا من أن يقع تحت التأثير المسيحي في لبنان.
وهذا الرجل الذي نال حظا من التعليم الراقي في الخارج لم يسمح ببناء المدارس في عمان، ولكنه عرف عنه بتمسكه بالمذهب الإباضي كثيرا.
قابوس يقود الانقلاب:
كان قابوس ابن السلطان المولود في صلالة وابن لأم ظفاريه حملت هموم الشعب في القصر وانجبت الوريث الشرعي لعرش عمان الذي تلقى تعليمه على أيدي أساتذة متخصصين كما درس في المدرسة السعيدية في عام 1958 بعد ذلك ارسله والده إلى بريطانيا للتعليم العسكري وبعد ذلك قام بجوله استطلاعيه حول العالم وعاد إلى البلاد في عام 1964.
حاول قابوس إقناع والده بضرورة التغيير والخروج من البلاد من حالة التخلف إلى حالة التطوير إلا ان السلطان سعيد لم يستجب لأفكاره مما حدا به إلى احتجازه ومنعه من الاختلاط بالعامة وكان من ابرز المعارضين مما عرضة لدخول السجن.
– محاولة اغتيال السلطان سعيد:
كان السلطان سعيد يوما ما يستعرض حرس الشرف بحيث تكون بنادق الحرس خالية من الذخيرة وفي اليوم المتفق عليه لاغتيال السلطان استطاع بعض العناصر من تهريب بعض الذخيرة وكان قائد الطابور سعيد بن سهيل قطن قائد عملية الاغتيال لكن السلطان نجا بأعجوبة ولم يصب بأذى مما جعل الثوار يعتقدون انه قتل وظل السلطان قابوس سجين قصر ابيه حتى تم الانقلاب في 1970( يوجد إشارة واضحة من الكاتبة أن السلطان قابوس هو من أمر باغتيال والده)
– رأي السلطان قابوس في الثورة:
يقول السلطان قابوس: لو كان القضاء على الثورة بالقضاء على أشخاصها لكان الأمر سهلا…كنا ارسلنا طائراتنا وجنودنا وقصفنا ودمرنا كل ماله علاقه بها ولكن هذا الكلام غير معقول.
ويقول: إن ٌاقتلاع جذور أسباب الثورة يحتاج إلى وقت.
بعض رموز الثورة:
مسلم بن أدم المعشني….مثقف وشاعر عماني من تلاميذ مدارس الثورة كان في الثمانينات من رؤساء اتحاد الطلبة في خارج عمان ليا يعمل في وزارة التنمية الاجتماعية في ظفار.
بعض أهداف الثورة:
استطاعت الثورة بعد مؤتمر حمرين أن تحرر العبيد والغاء نظام الرق بمفهومة القديم الذي يعني الإتجار بالبشر ولكن التحدي كان للثورة هو تصفية بقايا هذا النظام الاجتماعي.
وكان على العبد قبل الثورة عندما يخاطب رئيسة أن يقول له سيدي او حباب ولكن بعد الثورة ألغي هذا النظام.
وما هو حادث الآن انهيار النظام القبلي بكثير من محاسنة من نجدة المستغيث وإجازة المستجير وصلة الرحم والشجاعة.
– الفلسفة الماركسية ودروس نشر الثقافة والعلم:
أتى الثوار بفكر سياسي متقدم إلى مجتمع امي وكان يلزم على اقل تقدير حتى يستوعب المواطن هذا الفكر أن يكون قادرا على القراءة والكتابة ومن ثم فهم الخطوط الأولية لهذا الفكر الغربي.
ويقول أحد الثوار: إنا نقاتل على جبهتين …الأولى والأسهل هي جبهة العنف الثوري والنضال المسلح أما الجبهة الثانية وهي الأصعب…فهي حيث نقاتل ضد الأمية والجهل والتراجع.
فقد كانوا يحملون افكار فلسفية بالإضافة إلى فكر التحرير، فقد كان من الضروري توعية الجميع بهذي الفلسفة لكي يستوعبوها،
محاربة بعض التقاليد:
كان الناس في الريف الظفاري يتبعون بعض الخرافات كالشعوذة والجن والعفاريت وطرد الأرواح الشريرة وتقديم الحيوانات كقرابين.
وعندما اتت الثورة حاربت مثل هذه الخرافات. وبعد مؤتمر حمرين أحضرت الثورة الكثير من المشعوذين المعروفين وبعد تهديدات صارمة أجبروا على الاعتراف وعدم العودة لذلك.
وهذه الرواية أخذت من الشيخ سهيل بن محاد بن سهيل بن جعبوب وهو احد كبار السن.
مواد التثقيف السياسي للثورة:
كتاب الجبهة: وهو كتاب تعبوي بلغة بسيطة كتبه عبد العزيز القاضي( ابو عدنان) ويحتوي على عدد من المقالات التثقيفية لشرح الفكر الماركسي.
الكتاب الأحمر: وهو مادة التثقيف السياسي الرئيسية في ظفار للمؤلف الصيني (ماو تسي)
الإذاعة: كانت الإذاعة في تلك الحقبة الزمنية من مواد التثقيف السياسي ومن أكثر الوسائل وصولا إلى الجماهير وحيث كانت الإذاعة تبث من الجمهورية اليمنية ببرنامج يبث لمدة 15 دقيقة والتي تبدأ في السادسة مساءا
ولم يكن للثوار هذا البرنامج فقط فقد كانت لهم إذاعة خاصة تعرف ب صوت الثورة وهي إذاعة سرية تمولها حكومة عدن ومقرها المكلا وقد بدأت في 1973.
بعض المجلات:
مجلة 9 يونيو: وهي شهرية وتعنى بقضايا الثورة والقضايا المطالب بها على الساحة العمانية وتصدر عن لجنة الإعلام بعد.
وكان علي عيسى كعكاك واحمد سالم البريكي هم المسؤولين عن الطباعة وتمت الطباعة في مطبعة الخط اليمنية وسحب منها 500 نسخة ووزعت في احتفال للثورة بالذكرى الرابعة.
صحيفة صوت الثورة:
وهي اصدارات الثوار الإخبارية وقد بدأ إصدار هذه الصحيفة بعد افتتاح مكتب الجبهة في عدن عام 1969
وكانت في البداية تكتب بخط اليد وتطورت بمساعدة الكوادر الفنية الفلسطينية لتصبح نشرة اخبارية اسبوعية تصدر بأربع صفحات من الحجم المتوسط.
صحيفة عمان الثورة:
وقد صدرت هذه الصحيفة عند تشكل لجنة عمان الداخل الناتجة من مؤتمر لحج عام 1974 وهي تعنى بتصدير الثورة.
الدراسات والنشرات:
لم تكن الدراسات بالمفهوم العلمي البحت بل كان طابعها البحثي ذا هدف سياسي ايديولوجي فهي عبارات عن اصدارات مختلفة كالبحوث والدراسات والملصقات والتي تتعلق بتاريخ النضال الوطني في عمان وقضايا الخليج.
الأفلام السينمائية:
رغم اهمية السنيما ودورها الفعال في نشر الثقافة الجديدة فإنه نظرا إلى التخلف التي كانت السلطنة علية وافتقارها إلى المقومات كانت السينما ذات فعالية محدودة في اوساط العمانيين ومقرونه بوجودهم بالأرض اليمنية وتعرض بعض الأفلام المترجمة إلى اللغة العربية والتي تتحدث عن النضال الصيني.
– من ابرز الشعراء في الثورة:
سالم محمد العمري
محمد دعاس المعشني
ابو عادل كشوب
الخط الانتقائي في طرح الثوار:
عندما دعا الثوار في البداية إلى الفكر الماركسي بفعل المدين الصيني والروسي لم تكن الدعوة غريبة من المجتمع في مفاهيمها العامة وفق الطرح الانتقائي الذي قام بها الثوار بعيدا عن المساس بثوابت المجتمع ولكن بعد ان ثبتت اقدام الثورة واعتقد الثوار انهم اصبحوا ابطال وان لينين وفكرة راسخان في عقول الناس اقدموا على محاولة تطبيق الماركسية بحذافيرها مبتعدين عن الخط الانتقائي …قلت ثقة الناس بهم وبمفاهيمهم.
والمجتمع الظفاري في تلك الحقبة لم يكن يتفقه في الدين كثيرا وكان اغلب الناس هناك لا يحفظون إلا سورة الحمد وكثير منهم يجد صعوبة بالغة في تلاوة الحمد. وعندما صرح بعض قادة الثورة بمقولة ماركس( الدين افيون الشعوب) وقاموا بالتطاول على الإسلام كان اول من ثار عليهم هو من حمل السلاح معهم.
أثر نكسة حزيران على روح الثوار:
بدأت الأفكار الفلسفية بالتغيير عند الثوار، وقد ظهر هذا جليا عند النكسة التي تعرض لها العرب مع دولة الصهاينة فقد أصدر بيان الثوار مشروعا لزيادة المعنويات لدى الجنود فيما يلي( اخواننا الظفاريين أيها الرجال الأحرار إن الظروف التي تمر بها امتنا العربية تتطلب المزيد من التضحيات)
وفي نفس العام من النكسة في شهر اغسطس، وجهت اذاعة صوت العرب نداء إلى كل الظفاريين تطلب فيه من الشيوخ والنساء والأطفال المشاركة في القتال(هذا من قول الكاتبة)
لقد كان القتال بعد النكسة العربية يرى المقاتل في ظفار أنه يقوم به من أجل حماية الأمة العربية واستعادة الكرامة، وفي ذلك العام كانت جبهه التحرير تتلقى ضربات عنيفة من قبل الجيش البريطاني، وجنود السلطان سعيد بن تيمور وكان وضعها خطرا جدا، الأمر الذي جعل إلى أن تأتي الرسالة الأسبوعية المخصصة في إذاعة صوت العرب والتي كانت تذاع بصوت يوسف بن علوي.
– كانت أول الخطوات التي قامت بها الثورة لتربية الثوار سياسيا وعسكريا هو إقامة معسكر الثورة في منطقة حوف داخل ارض اليمن وعلى حدود ظفار وهو معسكر التدريب والذي كان بقيادة عبد العزيز القاضي
والذين كانوا يقومون بالترتيب هناك هم:
عمر بن جامدة….وقد تدرب في العراق
وأبو جورج كشوب….
وسعيد بن علي بن قطن الملقب بجرفس..
وكان هؤلاء الثلاثة هم اساس المعسكر
يذكر رياض الريس في كتابه:
ويضم المعسكر عادة قرابة 50 شابا و18 فتاه يتلقون دورة التدريب بالتكثيف ومدتها 4 أشهر ويدير المعسكر فريق من 5 كوادر. ويذكر عبد الرحمن النعيمي أن ثلث أعضاء الجيش هن من النساء وأغلبهم متطوعون في الثورة. ويقول بعض الكتاب الأجانب الذين زاروا ظفار في أيام الثورة: أن بعض اعضاء الجيش الشعبي كانوا لا يبالون في أكل الثعابين بعد اخراج السم( وهذا يدل على أن الظفاري ابن طبيعة شرسة)
– نود الإشارة هنا إلى ان الثوار كانوا جادين في مسألة محو الأمة والتثقيف والزراعة وإقامة السدود البدائية التي تحمي محاصيلهم من الفيضانات في أوقات الشدائد وكذلك توفر الرعاية الصحية للمواطنين في ظفار. وكانوا لا يألون جهدا في تعليم المواطنين شؤون الزراعة.
كذلك قامت الثورة في تدريب بعض الثوار أساليب الإسعافات الأولية لإسعاف المصابين في الحروب والذي تتدهور صحته. وكانوا يستعينون بالأعشاب الطبية كالصمغ بحيث تفتقر الثورة للأدوية المتطورة.
وقد ذكر الدكتور احمد الخياط للباحثة أنه مع أفراد البعثة في كوبا دربوا عددا من المقاتلين.
كذلك كان افراد الجيش الشعبي يتلقون التعليم الصحي في عدن بوجود معهد حكومة يقدم دورات في الإرشاد الصحي. وهو موجود في خور مكسر، وقد تخرج منه زيد بن علي سالم الغساني المسؤول الصحي في مدارس الثورة.
وقد طورت الثورة عملها حيث شكلت في عام 1972 لجنة للخدمات الصحية وهو جهاز مركزي مهمته توفير الخدمات المتعلقة بالإسعافات الأولية.
– وقد ذكر عدد من المواطنين والمواطنات أن المرة الأولى التي تناولوا فيها الدواء كانت تلك الأدوية التي كانت مقدمة من أفراد الجيش الشعبي، وأن اغلب منتسبات الجيش كن يعالجن المرضى في التجمعات السكنية, وفي مرحلة اشتداد القصف من قبل قوات الحكومة اي بعد عام 1972 كانوا يقومون بنقل المرضى على ظهورهم حيث ان الجمال كانت مستهدفة من قبل الجيش الحكومي فكانوا يقطعون المسافة من ريف ظفار إلى اليمن سيرا على الأقدام تحت مرمى النيران. وقد توج الجيش عملة بإنشاء جمعية الهلال الأحمر العمانية لتشكل خطوة إيجابية في دعم القطاع الصحي للمواطنين والثوار.
– قصف منطقة حوف وإغلاق مدرسة الكوادر: في 25 مايو 1972 قبل ان يمضي على بداية العمل في المدرسة 3 اشهر قصف مكتب الجبهة في حوف كما قصف المعسكر وقصف عدد مم المواقع في حوف الأمر الذي استدعى اغلاق الدراسة وارسال الكوادر إلى مواقع اخرى.
وبعد اغلاق المدرسة تم الاعتماد على:

1- الدورات التي ترسل إلى مدرسة حزبية في موسكو في الإتحاد السوفييتي
2- دورات ترسل إلى الصين وبالرغم من ان اغلبها عسكري إلا إنها كانت لا تخلوا من التثقيف الفلسفي وبشكل مواز للعسكري.
3- التثقيف بين اعضاء التنظيم في الجلسات الاسبوعية.
4- الدراسة في مدرسة الكوادر اليمنية (معهد عبدالله باذياب للعلوم الاجتماعية)
الحزب اليمني يعقد المؤتمر: في عام 1978 عقد الحزب الاشتراكي اليمني مؤتمره الأول في مدينة عدن خلال الفترة من 11-13 من نفس العام، وانطلق الحزب من تسميته بالاشتراكي على اساس بناء الاشتراكية على الأرض اليمنية، وكان معهد باذياب من اشهر المعاهد التي ترسل إليها الثورة كوادرها للدراسة السياسية.
وقد سمي معهد باذياب نسبة إلى عبدالله بن عبد الرزاق باذياب احد مؤسسي الحزب الاتحادي الشعبي الديمقراطي في اليمن. وهو اول حزب ينص ميثاقه على تبني الاشتراكية العلمية.
المعارضة من خارج السلطنة من عام 1974 إلى 1992:
قد يتساءل البعض ان ثورة ظفار قد انتهت في عام 1974 ولماذا انا وضعت هذا الرقم إلى 1992؟
الثورة المسلحة كانت إلى عام 1974 ولكن أفكار الثورة امتدت إلى 1992 ولكن بغير إعلان رسمي.
في بداية ظهور الجبهة الشعبية كانت مظاهر التسلح موجودة فكانت هناك هجمات من قبل الجيش الإيراني الذي استعان به السلطان لقمع الثوار وحتى تتأكد الدولة بأنها قضت على الثورة نهائيا شنت القوات الإيرانية والعمانية هجوما ضد معاقل الجبهة في المنطقة الغربية وفي 1975 تم استعادت ظلكوت من يد الثوار بلا مقاومة تذكر ولأول مرة بعد عشرة أعوام اصبحت ظفار تحت سيطرة الحكومة.
وقد استمر من تبقى من الثوار يقودهم عبد العزيز القاضي في محاولاتهم اليائسة لبناء الذات حتى منتصف 1992 حيث ظهرت الجبهة الشعبية الديموقراطية العمانية.
عقد المؤتمر الوطني الرابع للجبهة الشعبية بعد عشر سنوات من المؤتمر الثالث في عام 1992 وهي فترة طويلة جدا جرت فيها محاولات حاسمه في عمان والخليج العربي والعالم. حيث اعتقد ما تبقى من الثوار ان الأحداث الخليجية تستدعي منهم اعادة التنظيم ولكنهم صدموا بعدد من المعطيات منعت من تحقيق احلامهم ومنها:
– استقرار النظام السياسي في السلطنة واستمراره على تطوير البلاد، انهيار الإتحاد السوفييتي.
– عدم المشاركة المباشرة للمواطن العماني في حرب الخليج الثانية.
– اغلاق مكاتب الجبهة في سورية والوفاق بين النظامين السوري والعمان بعد حرب الخليج الثانية.
– انشغال المواطن الماني بمشاكله اليومية فلم يعد يرفع شعارات القضية الفلسطينية بل ان ارتفاع سعر رغيف الخبز بإمكانه تسيير مظاهرات أكبر من قضية هدم المسجد الأقصى.
– التفاف الجماهير حول النظام الجديد والتأكيد على حبه ( بالرغم من محاولات الاغتيال والانقلابات التي لا يعرف عنها البعض والتي كانت تحاك ضد السلطان قابوس) ولكن النظام العماني كعادته لا ينشر مثل هذه الأمور الحساسة.
يوجد الكثير من الثوار السابقين على قيد الحياة. وكذلك يتواجدون في دول الخليج العربي مثل البحرين والأمارات.. (منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر)، لذلك توقفت الجبهة بعد مؤتمرها عام 1992 عن اصدار اية مطبوعات أو القيام بنشاطات سياسية داخلية أو خارجية ويمكننا القول بأن الجبهة انتهت دون اعلان ذلك.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى