المكتبة الاقتصاديةدراسات اقتصادية

كتاب التمويل والمؤسسات التمويلية: مفهوم وأهداف وسياسات

محتويات الكتاب : 

الفصل الأول : مفاهيم في المال والتمويل
الفصل الثاني : أساليب تمويل المؤسسات الإقتصادية
الفصل الثالث : التخطيط المالي
الفصل الرابع : إدارة الموارد البشرية الإستراتيجية

لتحميل الكتاب : التمويل والمؤسسات التمويلية pdf

مفهوم التمويل:

يختلط مفهومي التمويل والإدارة المالية في كثير من الأحيان إلا أن لكل مصطلح منهما تعريف واستخدام خاص، فالتمويل هو عملية الحصول على الأموال من أنسب المصادر المتاحة، بينما الإدارة المالية هي الحصول على الأموال من أنسب المصادر وحسن إدارتها واستخدامها، إضافة إلى التخطيط والرقابة المالية أي إدارة كل النواحي المالية للشركة، فالإدارة المالية هي التطبيق العملي لمفاهيم علم التمويل في الشركات بينما علم التمويل كأحد مجالات المعرفة يضم أربعة حقول رئيسية تشمل الاستثمارات والأسواق المالية والنقدية وتمويل الشركات والتمويل الدولي (أبو الرُّب، 2000). ومن الملاحظ من خلال هذه الحقول أن التمويل هو مجال من مجالات المعرفة وليس مجرد وظيفة الحصول على الأموال في المنشاة. وفي ظل الاقتصاد الحديث فإن كل شخص يستخدم مفاهيم التمويل بشكل من الأشكال سواء كان هذا التمويل ملكاً للدولة أو مموّلاً من أشخاص بغض النظر عن حجمه، فعلم التمويل هو علم واسع وديناميكي وفي حالة تطور دائم.

تطور علم التمويل:

ظهر مجال التخصص في التمويل بشكل مستقل في كلية الأعمال الإدارية مع بداية القرن الماضي وقد كان تركيز هذا التخصص في البداية على تكوين الشركات وعمليات الاندماج وكانت تلك الأمور محور اهتمام المفكرين واستمر الأمر كذلك حتى العشرينات من القرن الماضي إذ بدأ الاهتمام بالبحث عن مصادر جديدة لتمويل الاستثمارات، فبدأ علم التمويل بمعالجة أنواع السندات التي يمكن للشركات إصدارها للحصول على مصادر التمويل.

وخلال فترة الكساد العالمي سنة 1930م حصل تغير في مجال اهتمام التمويل فتم التحول من التركيز على النشاط التوسعي للشركات إلى التركيز على نشاط آخر يتوافق والتطورات العالمية وهو البحث عن كيفية بناء الشركات ومعاجلة مواضيع الإفلاس وبدأ يولي أهمية كبرى لإعادة تنظيم المنشآت وسيولتها وتنظيم الأسواق المالية.

وعرف التمويل خلال الأربعينات وبداية الخمسينات من القرن العشرين كمجال وصفي ينظر للمؤسسات نظرة خارجية أكثر منها إدارية ولكن في نهاية الخمسينات وبداية الستينات تحول مفهوم التمويل من كونه مجالاً للتحليل التمويلي النظري إلى كونه عملياً يختص بكل القرارات التي تتعلق بالمنشأة كاختيار الأصول وتحديد الهيكل المالي وأصبحت المهمة الأساسية المرتبطة بالوظيفة المالية هي البحث عن الكيفية التي يمكن من خلالها تعظيم قيمة ثروة المالكين.

واستمر علم التمويل بالتطور، ففي الثمانينات كانت هناك وثيقة تقييمية من قبل المختصين بالتمويل نتيجة التحديات الجديدة التي بدأت تواجه المدراء الماليين وأهمها (أبو الرُّب، 2000):

– تطور تنظيم المسؤوليات الاجتماعية.

– نتيجةً للتوسع في الأعمال المالية وابتكار الخدمات المالية المتطورة والجديدة من قبل الشركات غير المالية كان هناك وقفة لإعادة تنظيم المؤسسات المالية حتى تتمكن هذه المؤسسات من المنافسة والحفاظ على حصتها السوقية.

– ظاهرة الاندماج بكافة أشكاله.

– التوسع الكبير في حجم الأسواق والأعمال.

– التطور الهائل والسريع في مجال الكمبيوتر.

وفي التسعينات حصلت أحداث كثيرة وتطورات هامة أدت إلى إعادة التفكير مرة أخرى في مواضيع الإدارة المالية واهم هذه التطورات:

– العولمة التي كانت نتيجة التقدم والتكنولوجيا العالمية وتخفيض الحواجز الجمركية من قبل الحكومات نتيجة الاتفاقات العالمية.

– توسيع الاعتماد على استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والكمبيوتر.

– تخفيض المديونية في الشركات.

– واهم التطورات والأحداث التي أثرت على مفهوم التمويل التغير في مفهوم حقوق المساهمين ومن يحكم الشركة ويسيطر عليها.

التمويل والبيئة التشغيلية:

تميّز العقدين الأخيرين من الجوانب الاقتصادية بعدة متغيرات كان أبرزها ازدياد حدة المنافسة وحدة التضخم والتدخل الحكومي المباشر في النشاط الاقتصادي، إضافة إلى التقدم التكنولوجي الهائل وتزايد المسؤولية الاجتماعية للشركات، وأصبح التحدي الأكبر الذي يواجه منشآت الأعمال في الوقت الحالي هو العولمة Globalization.

وفي ظل هذه التغيرات أصبح أمام المدير مسؤوليات جديدة لمواجهتها محلياً وإقليمياً وعالمياً على الصعيد الجغرافي، وتكنولوجياً واقتصادياً وتشريعياً وتنافسياً على الصعيد العملي، وأمام ذلك أصبح لزاماً على المدير أن يتحرك بديناميكية لإنجاح مؤسسته وتطوير الأداء الإداري للتعامل بكفاءة وفاعلية مع هذه المسؤوليات الجديدة. وبما أن كل نشاط من أنشطة المدير الناجح يحتاج إلى تخطيط شامل وكجزء منه التخطيط المالي فلا بد من تخطيط العنصر التمويلي للوصول إلى الخطة المالية وبالتالي الخطة الشاملة الملائمة.

فالتمويل احد العناصر الرئيسية لأي نشاط إداري وهو العنصر الأساسي لكثير من هذه الأنشطة، لذلك أصبح مصطلح التمويل خلال السنوات الأخيرة من المصطلحات الأساسية في عالم المال والأعمال، كما تطور الاهتمام به أكاديمياً فكتب حوله الكثير من المراجع والكتب والدراسات (رمضان، 1982).

مشكلة التمويل الإسكاني:

يشكل التمويل إحدى أهم حلقات التنمية الاقتصادية مما يعني أن أية خطة تنموية يجب أن تتضمن مصادر تمويلها، وقد أصبح هذا الجزء الحيوي فرعا مهماً وأساسياً من فروع العلوم الاقتصادية.

وتعد مشكلة التمويل أهم عائق يعترض إقامة أي نشاط بشكل عام، وقد بينت دراسات كثيرة أن غياب التمويل أو ندرته هو السبب الذي يقف وراء التراجع المستمر في الصناعات العربية بعامة والصناعة الفلسطينية بخاصة ويمثل قطاع الإسكان أهمية خاصة بالنسبة للاقتصاد وبالتالي فإن توفير التمويل اللازم له سوف يرفع من قدرته على المساهمة في سد قدر كبير من احتياجات السوق المحلية من توفير المسكن للمواطن بشروط تمويلية مناسبة إضافة إلى تشغيل نسبة كبيرة من الأيدي العاملة والتي تعمل في هذا القطاع الحيوي الهام على المستوى الاقتصادي الكلي. ويتطلب تحقيق ذلك ضرورة العمل بتبني إستراتيجية واضحة للتنمية الإسكانية ووضع السياسات الكفيلة بتنفيذها، إضافةً إلى العمل في هيئة حكومية واحدة تقوم بتجميع الإمكانات التي تضمن تنفيذ هذه الإستراتيجية وتهيئة البرامج التمويلية اللازمة لذلك.

النظام المالي:

يعتبر النظام المالي احد المكونات الأساسية لاقتصاديات أي دولة، فهو يزود المجتمع بخدمات أساسية دونها لا يستطيع الاقتصاد في الوقت الحاضر أن يعمل، وتتلخص أهم وظائف ومهام النظام المالي بما يلي:

1- تقديم الائتمان Credit: إن تقديم الائتمان اللازم لتمويل شراء السلع والحصول على الخدمات وتمويل الاستثمارات الرأسمالية كإقامة المباني والإنشاءات والطرق وغيرها وشراء الآلات والمعدات والأجهزة تؤدي إلى زيادة الإنتاجية للموارد المتاحة للمجتمع وبالتالي رفع مستوى معيشة الأفراد.

2- رفع المستحقات وأداء الالتزامات Payments: يوفر النظام المالي وسيلة الأداء للالتزامات في شكل عملة نقدية وشيكات ووسائل الدفع الأخرى مثل أسواق النقد وكذلك الحسابات ونظام السحب المشترك ونظام الدفع عن طريق الهاتف والانترنت وغيرها من الأجهزة الالكترونية.

3- خلق النقود Money Creation: ينشأ عن نظام منح الائتمان وأداء الالتزامات عن طريق وسائل الدفع المبتكرة (الآلية) والتعامل بالشيكات وظيفة جديدة وهي خلق النقود أي التعامل بنقد لم يتوفر سابقا ولا يتخذ الشكل التقليدي المطبوع أو المسكوك.

4- تجميع المدخرات Saving: يؤدي النظام المالي إلى خلق منافذ للادخار سواء من جانب الأفراد أو المؤسسات مما يؤدي إلى إرجاء الاستهلاك في الوقت الحاضر والاتجاه نحو الاستثمار في ظل وجود هذا النظام وكذلك الاستثمار في الأوراق المالية التي هي جزء من النظام المالي حيث يمكن للمدخرين إقراض فائض أموالهم إلى المقترضين والحصول على عائد مقابل ذلك سواء في شكل فوائد أو توزيعات أو أرباح رأسمالية.

أما بالنسبة إلى تحريك الأموال داخل النظام المالي أي من المقرضين إلى المقترضين فإنها تمر بثلاثة مراحل مختلفة:

– الانتقال المباشر للقرض بين المقرضين والمقترضين، ويسمى أيضا نظام التمويل المباشر حيث لا يوجد بينهما وسطاء ماليون ولا مؤسسات مالية، وفي هذه الحالة يتعهد المدين بدفع سلسة من المدفوعات للدائن في المستقبل حتى يسترد صاحب الأموال مدفوعاته بالإضافة إلى عائد مناسب مقابل مخاطر التسليف.

– منح وإقراض الأموال عن طريق السماسرة وتجار الأوراق المالية، يعتبر هذا الأسلوب شائع الاستخدام والبديل للنوع المباشر لنقل الأموال ممن لديهم الأموال (فائض) إلى من هم بحاجة إلى الأموال (عجز) ويسمى التمويل شبه المباشر ويعني هذا أن اللقاء بين ذوي الفائض من الأموال وذوي العجز يتم عن طريق طرف ثالث وهو السمسار أو التاجر أو بنك الاستثمار وبنوك الرهن العقاري كوسيلة لإتمام عملية التعاقد.

– التمويل غير المباشر: في هذه المرحلة نلاحظ أن من لديهم فائض أموال (مدخرات) ومن هم بحاجة إلى أموال (لديهم عجز في الأموال) يلجئون إلى الوسطاء الماليين ومنها البنوك التجارية.

المؤسسات التمويلية:

المؤسسات التمويلية هي تلك التي تقدم التمويل لمن يحتاجه ضمن شروط ومواصفات محددة، وتقدم هذه المؤسسات برامج التمويل غالباً بهدف تحقيق الربح المتمثل بالفوائد والعمولات على القروض الممنوحة للجهة المستفيدة والتي تزيد عن المصروفات التشغيلية لمؤسسة التمويل، فيما تقدم بعض المؤسسات الحكومية والأهلية برامج تمويلية غير هادفة إلى الربح تهدف بشكل أساسي لعدم قطاعات محددة. وإضافة إلى البنوك التجارية فان العديد من المؤسسات المالية الأخرى تعمل في المجال التمويلي تؤثر بشكل واضح على النشاط الاقتصادي الائتماني من أهمها (جبر، 2000):

– المصارف المتخصصة Specialized Banks.

– المصارف الاستثمارية Investment Trusts.

– شركات التمويل المتخصصة Special Financing Corporations.

– شركات التأمين Insurance Companies.

– بيوت القبول Acceptance House.

– وسطاء ماليون آخرون Other Financing.

وتكمن أهمية هذه المؤسسات بكونها مكملة لعمل البنوك التجارية من خلال تقديمها للتمويل طويل الأجل الذي تحجم عنه البنوك التجارية، كما تساهم هذه المؤسسات في تحقيق التنمية في مجالات اختصاصها، إضافة إلى لعب دور هام في النظام المالي للمجتمع والذي يتكون من شبكة من الأسواق المالية والمؤسسات المالية والشركات والأفراد ورجال الأعمال والحكومة التي بدورها تقوم بتكوين هذا النظام وتنظم وتضبط عملياته وتراقبه من خلال قوانين وأنظمة خاصة، حيث تعمل الحكومة على تنظيم عمليات هذه المؤسسات من منح القروض والاستثمارات والودائع وإدارة حقوق الملكية والتوسع الإقليمي، لان هذه المؤسسات ذات علاقة بالرفاهية الاقتصادية وتدل على درجة مدى متانة اقتصاد للدولة إضافة إلى اهتمام الدولة بالحفاظ على أموال ومصالح الأفراد الذين يودعون أموالهم لدى المؤسسات المالية عموماً حيث تشكل هذه الودائع المصدر الأساسي للقروض وبرامج التمويل الذي تمنحه لطالبيه.

وتقوم المؤسسات المالية بدراسة قرارها بناءً على طبيعة تخصصها وأهدافها واهم المجالات التي تتعلق بها هذه القرارات هي إدارة الأصول وبخاصة محفظة القروض والأوراق المالية، وإدارة الخصوم وإدارة رأس المال (حقوق الملكية)، إضافة إلى الرقابة على النفقات والاستراتيجيات والسياسات التسويقية. وتتكون أصول المؤسسات المالية بصفة أساسية من الأصول المالية (مستحقات لدى الغير، أسهم، سندات، قروض) بدلاً من الأصول المادية كالمباني والأجهزة والمواد الأولية كما في منشآت الأعمال، فهي تمنح القروض للعملاء أو تشتري وتستثمر في الأوراق المالية المطروحة بسوق المال، كما تقدم المؤسسات المالية العديد من الخدمات المالية الأخرى (عبد الغفار، 1997).

أهداف المؤسسات التمويلية:

إن أهداف المؤسسات التمويلية ذات أبعاد متعددة، فمنها ما يسعى للحصول على اكبر حصة من المدخرات في السوق المحلي وتوظيفها في القروض والاستثمارات، فيما يتبنى البعض الآخر أهدافا أساسية تتمثل في النمو وخدمة قطاعات محددة، ويتبنى الاتجاه الأول سياسات هجومية تسعى إلى تعظيم الثروة للمساهمين وتعظيم الربح.

ومعظم المؤسسات التمويلية والمالية بشكل عام هي شركات أعمال تنظم وتدار بهدف تحقيق عدد من الأهداف مثل تعظيم الربح، وبهذا الخصوص فان هذا المؤسسات تتماثل في عدد من الخصائص مع منظمات الأعمال الأخرى، وفي حقيقة الأمر فان العمليات الخاصة بالمؤسسات المالية أكثر تعقيداً من منظمات الأعمال الأخرى.

ولكي تستطيع المؤسسات المالية تقديم الخدمات والحصول على عائد مرضي في بيئة منافسة فعليها استخدام مواردها بكفاءة حيث تصل إلى الحجم الأمثل للإنتاج من الخدمات وبأقل تكلفة ممكنة، وبصفة عامة يوجد نوعان من القرارات الرئيسية تواجهها الإدارة في هذه المؤسسات وخاصة ما تراه مناسباً لجمع الأموال من المودعين بأكبر حجم وبأقل تكلفة، أما المرحلة الثانية فهي استخدام الأموال، وهي مختلفة عن المرحلة السابقة حيث تبحث فيها عن التشكيل الأمثل للقروض والأصول الأخرى بحيث تصل إلى اكبر عائد ممكن داخل نطاق النظام الأساسي للمؤسسة وأهدافها.

المؤسسات التمويلية ودورها في المجتمع:

تلعب المؤسسات التمويلية دورا حيويا للرفاهية الاقتصادية للبشر والنمو المستقبلي لاقتصاديات السوق، ففي الولايات المتحدة والدول الصناعية تستحوذ المؤسسات على ما يقارب من 80% من المدخرات السنوية للأفراد والمنشآت، وأصبحت الالتزامات الخاصة بالمؤسسات المالية وسائل وأدوات أساسية لسداد قيمة السلع والخدمات، ورغم ذلك بقيت في حوزتها نسبة كبيرة من الودائع لا يقوم أصحابها بسحبها مما شجعها على التوسع في منح القروض وتمويل الوحدات الاقتصادية ومشروعات الأعمال والحكومة والأفراد مما ساعد على الانتعاش الاقتصادي لتلك الدول إضافة إلى زيادة رفاهية الأفراد فيها من خلال تملك وسائل الراحة الأساسية والكمالية من سكن وسيارة وغيرها بواسطة البرامج التمويلية والمدروسة التي تقدمها المؤسسات التمويلية. أما بالنسبة للمؤسسات المالية في الدول النامية فان مساهمتها في رفاهية المجتمع الذي تعيش وتعمل فيه ما تزال محدودة نسبيا لعدة عوامل أهمها ضعف الأمن الاقتصادي والاستثماري والسياسي في كثير من الحالات، وارتباط اقتصاديات وعملات هذه الدول بغيرها بدول أخرى، وضعف الصناعة والإنتاج فيها بشكل عام، إضافة إلى قلة الوعي المصرفي لدى الأفراد (أبو الرُّب، 2000).

السياسات الائتمانية للمؤسسات التمويلية:

إن كل مؤسسة تمويلية لديها سياسة مكتوبة لمنح الائتمان والتي تعتبر بمثابة مرشد يعتمد عليه في إدارة وظيفة الإقراض في المؤسسة، ويعتبر الهدف الأساسي لسياسة الإقراض في المؤسسات التمويلية هو تحديد أنواع القروض وشروط منحها بالشكل الذي يمكن أن يضمن ربحية المؤسسة يخدم أهدافها الكلية، وتتضمن سياسة الإقراض في مؤسسة التمويل أيضا تحديد سلطات منح القروض ودور وحجم السلطات الممنوحة لكل وحدة في هذا الخصوص وما هي أنواع القروض التي يستحب منحها من جانب المؤسسة وما هي القروض التي لا يتسحب منحها، هذا فضلا عن تحديد العمولات وأسعار الفائدة لكل نوع، وتستند سياسة الإقراض في مؤسسة التمويل على دراسة مبدئية لسوق الإقراض وحصة المؤسسة في تلك السوق والعمل على مواءمتها مع أهدافها في الربحية، وحتى يمكن أن تضمن المؤسسة تحقيق ذلك عليها أن تحدد أنواع القروض التي يمكن أن تحقق أقصى إشباع ممكن للعملاء ويمكن أيضا أن تضمن لها حصة سوقية معقولة من الأعمال، وتناقش السياسة عادة من خلال أقسام الائتمان وإدارته قبل أن يوافق عليها مجلس الإدارة وتصبح سياسة واجبة التنفيذ.

تقوم إدارة البنك أو مؤسسة التمويل عادة بوضع سياسة مكتوبة تكون بمثابة مجموعة من القواعد التي ترشد المسئولين عند التنفيذ الفعلي وذلك عن طريق تحديد حدود وشروط منح الائتمان وسلطات منحه أي أن سياسة الإقراض في المؤسسات التمويلية تحدد أنواع القروض التي يمكن أن تمنحها وأنواع الضمانات التي يمكن أن يقدمها العملاء وتضمن للمؤسسة استرداد حقها. كما تحدد السياسة أيضا الشروط والمواصفات الخاصة بالمقترضين وإمكانيات السداد، وكذلك إمكانيات التحصيل ومتابعة الديون.

ويتوقف حجم المنطقة التي يغطيها نشاط الإقراض في المؤسسة التمويلية وفقاً لمجموعة من العوامل في مقدمتها حجم الموارد المتاحة والمنافسة التي تلقاها في المناطق المختلفة، هذا فضلا عن طبيعة المناطق المختلفة وحاجة كل منها للقروض، ويضاف إلى ذلك مدى القدرة على التحكم في إدارة القروض والرقابة عليها، وعلى إدارة البنك أن تحدد أفضل أنواع القروض التي يمكن أن يعمل البنك فيها وتعتبر درجة المخاطرة والربحية من أهم العوامل التي تؤخذ في الحسبان عند تحديد هذه الأنواع.

وحتى يمكن لمؤسسات التمويل أن تسهل عملية منح الائتمان وتقلل المخاطر المحيطة بها فإنها تسعى إلى وضع بعض الأنظمة والمقاييس النمطية التي يسعى المنفذون إلى استخدامها كمرشد في التنفيذ لذا فنها تحدد الضمانات التي يمكن قبولها والتي تتوقف على الظروف المحيطة وعادة ما تختلف من وقت لآخر وفقا لمدى قبولها في السوق، كما تحدد أيضا هامش الضمان بالنسبة للأصول المقدمة تمنح الائتمان.

وتؤثر مدة منح الائتمان في سياسة السيولة والربحية في المؤسسات التمويلية وقد تتراوح اجل القروض بين ليلة واحدة وبين عدة أعوام في البنوك التجارية وقد وصل اجل القروض في البنوك العقارية إلى 20 أو 30 عاما وكلما زاد اجل استحقاق القرض كلما زادت المخاطر المحيطة بسداده.

كما تحدد السلطات النقدية في الدولة مجموعة من القواعد والنسب التي يجب أن تلتزم بها البنوك والمؤسسات التمويلية الأخرى فيمنح الائتمان وذلك حفاظا على الاقتصاد القومي من الموجات التضخمية.

أما بالنسبة للدخل المتولد من عمليات الإقراض فتعتبر من أهم الأمور بالنسبة لمؤسسات التمويل وتعنى الكثير من الدراسات بهذا الأمر، فإذا كان سعر الفائدة منخفضا فان هامش الربح المتاح لا يمكن أن يغطي التكاليف، كما أن زيادة أسعار الفائدة أكثر من اللازم قد لا يمكن المؤسسات التمويلية من الحصول على حجم قروض مناسب يكفي لتغطية تكاليفها، هذا وتستخدم أسعار الفائدة كأداة توزيعية بالنسبة للقروض عند الرغبة في تشجيع الإقراض في مجال معين.

وأهم الضمانات المقبولة لدى المؤسسات التمويلية:

• الحجز النقدي الممول على تأمينات نقدية مقابل تسهيلات مصرفية.

• الأوراق التجارية (الكمبيالات، السندات، الشيكات، بوالص الشحن).

• الأوراق المالية (الأسهم، السندات، شهادات الإيداع).

• البضائع.

• التنازل عن المستحقات.

• الرهن العقاري.

• رهن السيارات والمعدات والآلات.

• الرهن الحيازي للذهب.

• الكفالات البنكية.

• بوالص التامين ضد المخاطر على اختلاف أنواعها.

• إيصالات الأمانة.

• الكفالات الشخصية.

دور المؤسسات المالية في التنمية الاقتصادية والتمويل:

1. البنوك التجارية:

تكمن أهمية النظام المصرفي “البنكي” بالنسبة للتنمية الاقتصادية في الوظائف الأساسية للنظام المصرفي ذاته، حيث يقوم بدور الوسيط بين المودعين والمستثمرين بدءا بقبول الودائع وانتهاء بتقديم الائتمان. ويعتبر دور الائتمان مركزيا في هذه الوظيفة، وتقدم البنوك عدة أنواع من الائتمان، كالائتمان الاستثماري لتمويل النشاطات العقارية، والائتمان الاستهلاكي “التجاري” لتمويل الأنشطة التجارية المختلفة، والائتمان الصناعي لتمويل الأنشطة الصناعية.

وبالتالي تستطيع هذه البنوك المساهمة في النشاطات الاقتصادية من خلال وظائفها السابقة. وفي الدول النامية تتضح أهمية دور البنوك من خلال لعبها دور المنظم، كون طبقة المنضمين ضعيفة. أما في الدول المتقدمة فتقوم البنوك وشركات الاستثمار بدور مساندة المنظمين أي رواد الصناعة والمستثمرين (اتحاد المصارف العربية، 1987).

ونتيجة للتقدم الحاصل في العمل المصرفي، ولتوسيع دور البنوك برز نوع من البنوك المسماة البنوك الشاملة كنمط للعمل المصرفي، وذلك حتى تتمكن البنوك من المشاركة بشكل أوسع في المجالات الاقتصادية المختلفة، وعدم اقتصار دورها على الأعمال الروتينية والتقليدية بل ليتعدى ذلك ويشمل إعداد دراسات الجدوى الاقتصادية للمشاريع وتسويقها واختبار المساهمين في رأسمالها، وهنا تستطيع البنوك إيجاد صلات جيدة تسمح للأجهزة المعنية بالتصرف بالبيانات والملاحظات التي تتوفر لديها، واستخدام الأساليب العملية لمواجهة احتياجات القطاعات الاقتصادية المتزايدة للتمويل مثل القروض والضمانات بمختلف صورها (حامد، ماس، 1998).

ويمكن النظر إلى تجربة البنوك الأردنية في هذا المجال ودراستها للاستفادة منها على الصعيد الفلسطيني. فقد بدأت هذه البنوك بسياسات ائتمانية شديدة التحفظ واقتصرت على رأس المال العامل، ولكنها ونتيجة التجربة التمويلية، انتقلت تدريجيا إلى التمويل المتوسط والطويل الأجل والى الاستثمار المباشر وصولا إلى تبني فكرة المسؤولية الاجتماعية القائلة أن الربح ليس هدفها الوحيد، إلا أن البنوك الأردنية تواجه تحديات عدة منها: القدرة على استيعاب التغيرات الجديدة والحد من القيود إزاء التمويل، والتجدد في خدماتها من خلال الاستثمار الأفضل وما يتطلبه الدور الجديد من تطوير في بيئة عمل هذه البنوك بحيث تتبنى فلسفة اقتصادية واضحة تؤمن بأهمية القطاع الخاص في التنمية وهذا يتطلب وضع سياسات اقتصادية مالية ونقدية تؤدي إلى زيادة عرض مناسب للمدخرات من قبل الحكومة وتطوير القدرة على توسيع الطاقة الاستيعابية لأنشطة التمويل من خلال توفير كفالات حكومية لبعض أنواع التمويل كبديل لمشاركة الحكومة في مراحل معينة.

ويمتد هذا الدور إضافة إلى إنشاء المشروعات الصناعية، إلى شكل آخر من التمويل وهو التمويل التأجيري كأحد أشكال التمويل الحديث، وذلك بان تؤجر البنوك المعدات والآلات، ويستدعي ذلك أن تقوم البنوك بدور اكبر في تمويل المشروعات وإنشاء مؤسسات التمويل المتخصصة في الإقراض وتطوير أجهزتها الداخلية بما يمكنها من الإسهام بشكل اكبر في دراسة المشروعات، وتقييمها ومتابعة تنفيذها بالتعاون مع المصارف المتخصصة.

أما البنوك التجارية في فلسطين فيتأثر نشاطها في مجال توسيع الائتمان بعدة عوامل تتلخص في الأوضاع الاقتصادية والسياسية غير المشجعة، كالممارسات الإسرائيلية بإغلاق المناطق وعزلها، وهذا يؤدي إلى عدم القدرة على التنبؤ واليقين بين المستثمرين. وكذلك محدودية ضمانات القروض وبخاصة الضمانات النقدية والعقارية لكون الأراضي غير مفروزة حسب الطابو وقانون التمليك بالإضافة إلى ضعف الجهاز القضائي وغياب البرنامج التنموي الواضح من قبل الدوائر المعنية، وتؤدي العوامل السابقة إلى ثغرة تمويلية يجري تمويلها حاليا من خلال المساعدات الدولية، وهذه الثغرة ناتجة عن حجم الأموال التي تقتضيها التنمية في فلسطين، ومن اجل القضاء على هذه الثغرة يتطلب الأمر مساهمة البنوك بدور اكبر في التمويل من خلال التمويل التأجيري، ولا سيما في زيادة العرض من المدخرات وتشجيع الطلب عليها من خلال منحها التمويل للأنشطة الاقتصادية وان لا يقتصر دورها كما هو حاليا على الأعمال المصرفية كالسحب والإيداع وحفظ الأموال وخدمات تبديل العملات وتحصيل الشيكات وفتح الاعتمادات المستندية، وذلك عبر السياسات والأدوات الحكومية وتحديدا أدوات السياسة النقدية التي تشجع الجهاز المصرفي على القيام بهذه الأدوار.

2. مؤسسات الإقراض غير الهادفة الربح:

تكمن أهمية هذه المؤسسات في أنها تستطيع توفير مصادر إضافية للتمويل الذي يساهم في التنمية الاقتصادية على الرغم من محدودية إقراضها، وقد عملت في فلسطين لغاية عام 1996م حوالي 22 مؤسسة إقراض، ويمكن تقسيم المؤسسات إلى فئتين رئيسيتين، هما (قديح، 1998):

1. المؤسسات المحلية: مثل صندوق التنمية الفلسطيني الذي يعنى بالتنمية بشكل عام، ومؤسسة لجان الإغاثة الزراعية الفلسطينية التي تعنى بالتنمية الزراعية وبدأت مؤخرا تهتم بالمشاريع النسائية، والمركز العربي للتطوير الزراعي الذي يعنى بشؤون الإقراض الزراعي.

2. المؤسسات الدولية: ومنها مؤسسة أنيرا التي تهدف إلى مساعدة اللاجئين وإصلاح آبار المياه والينابيع لاستخدام الري وتمويل الزراعة أحيانا، ومؤسسة إنقاذ الطفل التي تقدم خدمات في مشاريع المياه والمجاري والطرق الزراعية ورياض الأطفال، ومؤسسة كير الدولية التي تقدم الدعم للمستشفيات والخدمات البيطرية والخدمات المجتمعية، ومؤسسة اكسام كويبك لدعم التنمية من خلال تقديم قروض للمشاريع الصغيرة جدا للنساء، ومؤسسات الإقراض التابعة للأمم المتحدة مثل دائرة التنمية والتخطيط الهادفة إلى خلق فرص عمل وتوسيع المشاريع الصغيرة.

3. المصارف المتخصصة:

تتبع أهمية هذه المصارف من كونها متخصصة في تنمية قطاع محدد، وتستطيع الإقراض مدد زمنية أطول وبفائدة منخفضة. وفي ضوء تجارب بعض الدول العربية لوحظ أن هناك اهتماما بالائتمان المتوسط والائتمان طويل الأجل، حيث بلغت نسبة القروض المقسطة إلى إجمالي الائتمان في العراق مثلا ما يزيد على 80%، ونتج عن ذلك قيام مشاريع إنتاجية متطورة وتكوين رأس المال المحلي الثابت في الصناعة التحويلية وتوجيه المدخرات الخاصة نحو الاستثمار وقيام المصرف الصناعي بدوره في التخطيط الصناعي وتكييف أدوات السياسة الائتمانية مع متطلبات التطور الصناعي لصالح المناطق الأقل تطورا، كما تبين أن أهمية المصرف تكمن في كونه يقوم بتخفيض الضمانات المطلوبة لإحداث التأثير التنموي وتوفير أسباب النجاح لانطلاق المشروع واستمرار يته، ويصبح هذا الدور بالنسبة لهذا النوع من المصارف أكثر صعوبة عندما لا تكون هناك ودائع لآجال متوسطة وطويلة بالكميات المطلوبة، وكذلك عدم وجود أي جهة تقوم بدارسة المشاريع التي تعرض على البنوك المتخصصة. وهذه الحالات جعلت المصرف الصناعي اللبناني كمصرف متخصص يحجم عن أداء الدور المنوط به، كون الودائع في لبنان كانت لآجال قصيرة، مما أدى إلى تدني نسبة الائتمان الصناعي مقارنة بالائتمان الإجمالي، الذي بلغت نسبته 13% الأمر الذي دفع الدولة إلى اتخاذ عدد من الإجراءات لمواجهة هذا الوضع، ومن أهم هذه الإجراءات دفع نصف الفائدة المستحقة عن الصناعيين للمصرف الصناعي وزيادة سنوات التسديد ورفع سقف القرض (اتحاد المصارف العربية، 1987).

وتقوم بعض الحكومات أحيانا بإسناد المصرف المتخصص إذا لزم الأمر، وذلك عن طريق إقراض البنوك المتخصصة بفائدة منخفضة، وتشجيع هذه المصارف على إصدار السندات في الأسواق المالية.
وتساهم المصارف المتخصصة في الترويج للقطاعات الاقتصادية المتخصصة، وتد الدراسات التحليلية والمسوحات السوقية اللازمة للتعرف على المشاريع الجديدة من اجل تطويرها وترويج ما يتمتع منها بفرص جيدة للاستثمار، وتشجيع تصدير العديد من السلع والخدمات، وكذلك إصدار بيانات عن حجم السوق للسلع التي سيتم إنتاجها ضمن مشاريع استثمارية جديدة، ولإنجاح هذه النشاطات يتوجب إصدار البيانات من الجهات المعنية وإيصال المعلومات في الوقت المناسب لمستخدميها وصياغة إستراتيجية واضحة للتنمية الاقتصادية (بنك الكويت الصناعي، 1987).

4. الأسواق المالية:

تتعامل أسواق رأس المال Capital Market بيع وشراء بأدوات الائتمان قصيرة وطويلة الأجل، كالأسهم والسندات التي تصدرها الشركات المساهمة العامة بهدف توفير الأموال للمشاريع، سواء أكانت صناعية أم زراعية أم عقارية أم خدماتية. ومن أدوات الائتمان أيضا سندات التنمية الحكومية والقروض البنكية طويلة الأجل. أما سوق الأوراق المالية Security Market فهي من مؤسسات سوق رأس المال. وبسبب ترابط الأهداف بين أجزاء النظام المالي فانه من الصعب الفصل بين المصارف والأسواق المالية، وتنشأ العلاقة بين هذه وتلك من خلال استقطاب الاستثمارات الأجنبية والمشاريع التنموية ومصادر التمويل طويل الأجل.
أما فيما يتعلق بسوق فلسطين للأوراق المالية فقد لوحظ أن هناك عوائق أمام نشاطه الاقتصادية واهم هذه العوائق ضعف البنية المؤسساتية للوساطة وغياب المؤسسات التي تتعاطى مع أنشطة السوق وقلة عدد وأنواع الأدوات الاستثمارية والتمويلية.

ورغم حداثة النشأة والتجربة فإن السوق المالي الفلسطيني تشكل إلى حد ما جزءً من الأسواق المالية العربية التي تعاني أيضا ما تعانيه في مسيرتها الاقتصادية. ومن الأهمية بمكان أن يصار إلى تطوير الأسواق المالية العربية التي تتشابه في طبيعة البيئة الاقتصادية التي تعيش في ظلها، ولتحقيق هذا التطور تبرز الحاجة إلى ضخ الأموال العربية من الدول ذات الفائض إلى تلك التي تعاني عجزا فيه وذلك عبر الاتفاقات الثنائية والتنسيق المشترك. وذلك فإنه منوط بالدول التي تعاني النقص أن تعمل على اجتذاب الفائض المالي من خلال وساطة فعالة وناجحة بين العرض من الأصول المالية والطلب عليها، وكذلك العمل على زيادة الوعي الادخاري ووضع نظام واضح للسوق المالية ” أولية وثانوية” للتعامل بالأوراق المالية للمشروعات من أسهم وسندات الأمر الذي يسهم في تقديم خدماتها لأصحاب الأموال والمشروعات والمقترضين بالشروط والظروف الملائمة (اتحاد المصارف العربية 1987).

5. شركات التأمين:

تنبع أهمية شركات التأمين من قيامها بحشد الأموال من جراء نشاطات التأمين الناتج عن قوانين التأمين الإلزامية كتأمين السيارات والمصانع (عاشور، 1996). وتقوم شركات التأمين باستثمار فائضها المالي عبر العديد من القنوات التي تتركز بالمشاركة بتأسيس العديد من الشركات مثل شركات الاستثمار العقاري والخدمات، أو المساهمة عبر شراء الأسهم للشركات المساهمة العامة، إضافة إلى إيداع جزء من الفائض لدى البنوك. ويرتبط نمو صناعة التأمين بازدهار الأنشطة الاقتصادية المختلفة سواء كانت عمرانية أو تجارية أو سياحية أو صناعية، كما يرتبط أيضا بارتفاع المستوى المعيشي للمواطن وزيادة الوعي التأميني والاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني (غزة الأهلية للتأمين، 1998).

دور الحكومات في التمويل:

للحكومة دور هام بل وأساسي في التمويل وذلك من خلال توفير التمويل اللازم وتوجيه القطاعات المختلفة ضمن أولويات خطط التنمية الاقتصادية. وبهذا فان الحكومة تستطيع أن تعلب هذا الدور عبر أدواتها المختلفة في إدارة السياسات الاقتصادية. ويكمن دور الحكومة الحديث في توفير البيئة الاستثمارية الملائمة والقادرة على تشجيع الأفراد وأصحاب رؤوس الأموال والشركات الاستثمارية على المشاركة الفاعلة في عملية النمو والتنمية الاقتصادية وذلك عبر حمايتها لأموال المستثمرين.

عندما تتوفر جميع العوامل المساعدة، بما فيها التمويل اللازم للقطاعات الاقتصادية وإبرام الاتفاقيات الثنائية للتصدير والاستيراد، تترك بعد ذلك عملية تحديد الفرص الاستثمارية الصناعية للأفراد والشركات وتلجأ حكومات بعض الدول إلى مساعدة المشاريع الصغيرة عبر قنوات استشارية عديدة، منها الاقتصادية والفنية والإدارية وذلك على النحو التالي:

1. الاقتصادية: حيث تقدم المشورة حول موقع المشروع ورأس المال وتوفير الأسواق لتسويق الإنتاج ومنح التمويل إذا اقتضى الأمر وتحسين أداء المشروع.

2. الفنية: وهي مشورة تتعلق بالآلات والتخطيط البناء.

3. الإدارية: وتشمل تدريب العمال الفنيين وتأهيلهم ورفدهم بخبراء أجانب عند الضرورة بهدف رفع كفاءاتهم وإكسابهم مزيدا من الخبرة النظرية والعملية.

وهناك شكل آخر من أشكال المساعدة من جانب الحكومة يتمثل بالمساعدات المالية ويبرز هذا الدور عندما تبدي البنوك التجارية عدم رغبتها في التعامل مع المؤسسات الاقتصادية الصغيرة مفضلة التعامل مع المؤسسات الكبيرة بسبب قلة المخاطرة، ويمكن لهذه البنوك أن تخفض شروطها في حال ضمان الحكومة لأية خسارة وتشجيعها لإقامة مؤسسات جديدة متخصصة وإقامة شركة لضمان مخاطر الائتمان المصرفي للمشروعات الصغيرة. وبإمكان الحكومة التدخل بعدة طرق مباشرة أو غير مباشرة وذلك على النحو التالي:

1. التدخل المباشر: ويتلخص بتمويل مشروعات القطاع العام والمساهمة بمشروعات القطاع الخاص، وتأسيس المشروعات والاكتتاب بأسهمها أو ضمان بيع هذه الأسهم، وكذلك ضمان تدفق رؤوس الأموال الأجنبية وتكوين المدخرات المحلية.

2. التدخل غير المباشر: من خلال العمل على تحقيق الاستقرار للأوضاع النقدية. وتحديد أسعار رمزية لبعض مدخلات الإنتاج المحلية ذات العلاقة بالبنية التحتية كالكهرباء والأرض وغيرها أو جعلها مجانية وتخفيض الضريبة وحماية الملكية والحقوق المترتبة عليها من جميع المخاطر.

وبالتالي فان حل مشكلة التمويل حلا جذريا يتطلب تكثيف مصادر التمويل الجديدة، وإقامة هيكل اقتصادي يسمح بتنمية الفائض الاقتصادي، وتقليص الاستهلاك وزيادة المدخرات وتعديل هيكل تخصيص الموارد لمصلحة القطاعات الإنتاجية والاعتماد على الموارد الداخلية وتنظيم الإنفاق القومي. وهذا يعني بأنه لولا تدخل الدولة المباشر عبر سياستها الاقتصادية لما تسنى لهذا المستوى الاقتصادي العالمي أن يتحقق. وإذا كانت هذه النتيجة صحيحة على وجه العموم، فإنها تكون أكثر صحة عندما يدور الحديث عن البلدان النامية ومنها الأقطار العربية. ولعل ما شهدته معظم الدول النفطية من تطور كبير نتيجة توفر الأموال الناتجة عن بيع النفط لهو خير دليل على ذلك، ومنها على سبيل المثال دولة الإمارات العربية المتحدة التي أصبحت مركزاً لاستقطاب الاستثمارات في منطقة الشرق الأوسط.

وقد تنشئ الدولة مؤسسات أو هيئات خاصة للإشراف على التمويل الذي تحصل عليه من الخارج، كما هو الحال بالنسبة للسلطة الوطنية الفلسطينية التي تتلقى الأموال من الدول المانحة لغايات إقامة مشاريع التطوير الرأسمالية من خلال المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار “بكدار” وهي مؤسسة تشرف على المشاريع التطويرية التي تمولها الدول المانحة كالمدارس والمستشفيات والطرق ومشاريع البنية التحتية وتقوم “بكدار” بإعداد الميزانيات والتقارير الفنية والمالية المطلوبة من الممولين أو “المانحين”.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى